تفسير سفر دانيال ٤ للقمص تادرس يعقوب

الأصحاح الرابع

مرسوم نبوخذنصَّر

أو

الشجرة المتشامخة

يعتبر هذا الأصحاح فريدًا في الكتاب المقدس، حيث يُقدم لنا دانيال النبي منشورًا ملكيًا يكشف فيه الملك الوثني عن حديثٍ إلهي معه خلال الحلم، لقد تحدث الله معه مرتين، في حلم (دا 2) يُظهر فيه تشامخ بابل وانكسارها، وخلال نيران الأتون (دا 3) حيث أعلن الله له أنه يتحدى عنفه وظلمه. الآن يحدثه في حلمٍ ثانٍ ليكسر تشامخه. وكما جاء في سفر أيوب: “ليكن الله يتكلم مرة وباثنين لا يُلاحظ الإنسان؛ في حلم في رؤيا الليل عند سقوط سبات على الناس في النعاس على المضطجع، حينئذ يكشف آذان الناس ويختم على تأديبهم” (33: 14-16).

في هذا المرسوم الملكي يعترف الملك الشيخ بكبريائه ولا يخجل من الشهادة لله الذي كسر تشامخه، فأدبه بانحطاطه إلى مستوى الحيوانات البرية. يعترف أنه قد سقط تحت تأديب إلهي، وإن بدى قاسيًا، خاصة بالنسبة لأعظم ملك في ذلك الحين، لكنه مستحق لهذا التأديب، وأن ما حل به هو ثمرة طبيعية لفساده. أنه يشرب من الكأس التي ملأها بيديه ويأكل من ثمرة الشجرة التي غرسها بنفسه.

لقد قدم لنا دانيال النبي المنشور بلغته الأصلية.

  1. منشور نبوخذنصَّر                          [1-3].
  2. دعوة الحكماء لتفسير حلمه                [4-8].
  3. الشجرة المتشامخة                         [9-18].
  4. دانيال يفسر الحلم                           [19-27].
  5. تحقيق التفسير                              [28-36].
  6. نبوخذنصَّر يمجد الله                         [37].
  7. منشور نبوخذنصَّر:

“من نبوخذنصَّر الملك إلى كل الشعوب والأمم والألسنة الساكنين في الأرض كلها.

ليكثر سلامكم” [1].

يقول القديس جيروم إن رسالة نبوخذنصَّر قد سُجلت في الأنبياء، حتى لا يأتي بعد من يُدعى أن السفر ليس من وضع دانيال، قاصدًا بذلك الوثني بروفيري الذي هاجم السفر[105].

يقدم لنا نبوخذنصَّر رسالة ملكية صادرة من أعماق قلبه بعد اجتيازه التأديب الإلهي الذي سقط تحته بسبب تشامخه. أنه لم يخجل من توجيه هذه الرسالة إلى كل الشعوب والأمم والألسنة الساكنين في كل الأرض، والتي فيها يعلن الآتي:

أ. كانت العادة القديمة للملوك العظماء أن يحسبوا أنفسهم ملوكًا على كل الأرض، بالرغم من أن الإمبراطورية البابلية لم تبلغ إلى بلاد الغال وغيرها. هكذا كانت روما أثناء الإمبراطورية الرومانية، تُدعى كرسي إمبراطورية العالم كله، مع أن الإمبراطورية لم تمتد إلى كل العالم في ذلك الحين.

ب. شهادة اختبارية للعلاقة الشخصية بين الله وبينه، فقد صنع معه آيات وعجائب. إن كان الله قد أذله بتأديبٍ قاسٍ، لكنه مستحق لهذا التأديب النافع له. يمجد الله باعترافه برعاية الله له، واعترافه بخطاياه واستحقاقه للتأديب.

“الآيات والعجائب التي صنعها معي الله العليّ حسن عندي أن أُخبر بها” [2].

ج. يشهد لقدرة الله الفائقة “آياته ما أعظمها وعجائبه ما أقواها” [3]. يقصد بآياته هنا ما يقوله القديس جيروم: [بمراحم الله أُعيد (الملك) إلى عرشه، فسبح ملك السموات ومجده على أساس أن كل أعماله حق هي، وطرقه عدل، وهو قادر أن يذل السالكين في الكبرياء[106]].

د. يشهد لملكوت الله الأبدي وسلطانه الذي لا يزول، أما الممالك البشرية فمهما عظمت لابد وأن تنهار.

“ملكوته ملكوت أبدي وسلطانه إلى دور فدورٍ” [3].

يلاحظ أن مقدمة المنشور تحمل لغة لاهوتية كتابية ثيؤقراطية (حُكم الله)، ويرى البعض أن هذا يكشف عن تأثير دانيال على الملك ولغته[107].

تحدث الله مع الملك الذي أقامه رئيسًا على كل الأرض في ذلك الحين، ومع هذا كان الملك يزداد كبرياءً وتشامخًا. لقد شهد لله بفمه أما قلبه فكان متعجرفًا. إدراكه لله الواحد القدوس كان مؤقتًا، ومع اعترافه به لم يعتزل عبادته للآلهة الوثنية ومعتقداته الخاطئة.

  1. دعوة الحكماء لتفسير حلمه:

أنا نبوخذنصَّر قد كُنتُ مطمئنًا في بيتي، وناضرًا في قصري” [4].

قبل أن يروي نبوخذنصَّر أحكام الله التي حلت به بسبب كبريائه، أعطى حسابًا عادلاً عن التحذير الذي وُجه إليه [4]، عندما كان مطمئنًا في بيته وناضرًا في قصره. مؤخرًا هزم مصر وبهذا كملت كل نصراته على سوريا وفينيقية واليهودية ومصر والعربية، وانتهت بالنسبة له الحروب في السنة 34 أو 35 من حكمه (حز 29: 17). أعطته هذه النصرات المتوالية فرصة ليمارس تشامخ قلبه وكبرياءه. شعر أنه لم تعد هناك غيوم في سماء حياته، وليس من ذراعٍ يقدر أن يقاومه أو يقف أمامه. ظن أن السلام قد حلّ والأمان أكيد.      

يُترجم البعض كلمة “مطمئن selueh” “وفرة”، فإنه إذ ينال الإنسان بفيض يصير كالفرس الذي متى أكل طعامًا أكثر من اللآزم يجمح ولا يمكن لراكبه أن يضبطه ويقوده، ويتعرض الراكب للسقوط منه. لهذا كثيرًا ما يضبط الله بطوننا فلا يقدم لنا كل ما نشتهيه، ليس لأنه يطلب أن يحرمنا، بل لأنه يريدنا سالكين كما يليق بنا، فلا نسيء إلى أنفسنا ولا إليه.

“رأيتُ حلمًا فروعنيّ والأفكار على فراشي ورُؤى رأسي أفزعتني.

فصدر منيِّ أمر بإحضار جميع حُكماء بابل قُدامي ليُعرفوني بتعبير الحلم.

حينئذ حضر المجوس والسحرة والكلدانيُّون والمنجمون،

وقصصت الحلم عليهم، فلم يُعرفوني بتعبيره” [5-7].

هنا يميز الملك هذا الحلم عنه الأحلام العادية التي تنبع عن ظروفه اليومية، فقد شعر أنه حلم غير عادي، يحمل رسالة من قِبل العليّ، لذا استدعى الحكماء لتفسير الحلم.

كان دانيال في القصر الملكي، ويعرفه الملك تمام المعرفة، ومع هذا تجاهله ليستدعي بأمر ملكي جميع حكماء بابل قدامه، المجوس والسحرة والكلدانيين والمنجمين، عازلاً إياه عنهم، وإذ فشلوا في تفسير حلمه لجأ إلى دانيال. طلب خبرات السحرة مع إدراكه قوة وصدق التفسير الإلهي الذي يُمنح لرجل الله دانيال. لو أنه استدعى دانيال لكان ذلك أسرع وأوفر له، لكنه لم يفعل ذلك. هذا هو تصرفنا في كثير من الأحيان، فإن الكلمة النبوية بين أيدينا، والمعرفة الإلهية ليست ببعيدة عنا، ومع هذا فإننا نطلب الخبرات البشرية، ونتجاهل ما هو بين أيدينا مجانًا! لنطلب عمل الله، كليّ القدرة والحكمة والحب لنا، الساكن فينا، ونمسك بوعوده التي ليست بعيدة عنا عوض الالتجاء إلى ما هو خارج عنا!

لقد عرَّف الملك السحرة الحلم ومع هذا لم يستطيعوا أن يفسروه، هؤلاء الذين في يقين سبق أن قالوا: “ليخبر الملك عبيده بالحلم فنُبين تعبيره” (2: 4، 7). لقد تحقق ما سبق أن تنبأ عنه إشعياء عن ابنة بابل: “قد ضعفتِ من كثرة مشوراتك، ليقف قاسموا السماء الراصدون النجوم المُعرفون عند رؤوس الشهور ويخلصوكِ مما يأتي عليك؟!” (إش 47: 13).

أخيرًا دخل قُدامي دانيال الذي اسمهُ بلطشاصر كاسم إلهي،

والذي فيه روح الآلهة القدوسين،

فقصصت الحلم قُدّامه” [8].

إذ فشلت كل الأذرع البشرية استدعى الملك رجل الله دانيال وقص الحلم قدامه. تحدث معه كملك وثني يؤمن بتعدد الآلهة، لكن يعتقد في دانيال أن “فيه روح الآلهة القدوسين” [8].

لعل الملك لم يستدعِ دانيال بالرغم من ثقته في قدرته على تفسير الحلم، وأنه لا يُخفى عنه سرّ، أنه أدرك بأن الحلم يحمل تأديبًا وإذلالاً له يتحقَّق بيدي إله دانيال، لذا لم يلجأ إليه إلاَّ تحت الضرورة القصوى[108].

  1. الشجرة المتشامخة:

“يا بلطشاصر كبير المجوس، من حيث إنيّ أعلم أن فيك روح الآلهة القدوسين،

 ولا يعسر عليك سرّ،

فأخبرني برؤى حُلمي الذي رأيته وبتعبيره” [9].

دعاه بالاسم الذي ألزمه به “بلطشاصر“، وكان يظن أنه بهذا يكرمه إذ ينسبه إلى إلهه الوثني، بينما كان الاسم يجرح مشاعر دانيال وذهنه، فمن جهة يحرمه مما وهبه إياه والداه كاسم يرتبط باسم الله الحيّ، ومن جهة أخرى يربطه بوثنٍ لا يؤمن به.

دعاه أيضًا “كبير المجوس“، هذا أيضًا يزيد من جراحات نفسه، إذ يريد الاعتزال عن المجوس الذين خدعوا العالم بسحرهم الباطل، ولا يريد أن يكون رئيسًا عليهم. في نفس الوقت يعلم عنه أمرين:

أ. أن فيه روح الآلهة القدوسين [8-9]، ما ينطق به ليس عن خبرات بشرية وحكمة زمنية، بل عن عمل الروح الإلهي فيه. أدرك الملك أن كل الخبرات والمعرفة البشرية قد فشلت، لذا استدعى دانيال الذي انفرد بالمعرفة النابعة لا عن إمكانيات بشرية بل روح الله القدوس.

ب. أنه لا يُخفى عنه سرّ [9]، الأمر الذي ينزع عن الملك قلقه واضطراب نفسه.

“فرؤى رأسي على فراشي هي إنيّ كُنت أرى،

 فإذا بشجرة في وسط الأرض وطولها عظيم.

فكبرت الشجرة وقويت، فبلغ علوها إلى السماء، ومنظرها إلى أقصى كل الأرض.

أوراقها جميلة، وثمرها كثير، وفيها طعام للجميع، وتحتها استظل حيوان البر،

وفي أغصانها سكنت طيور السماء، وطعم منها كُلِ البشر.

كُنتُ أرى في رؤى رأسي على فراشي،

وإذا بساهرٍ وقدوس نزل من السماء، فصرخ بشدة وقال هكذا:

اقطعوا الشجرة، واقضبوا أغصانها، وانثروا أوراقها، وابذروا ثمرها، ليهرب الحيوان من تحتها،

والطيور من أغصانها.

ولكن اتركوا ساق أصلها في الأرض، وبقيد من حديد ونُحاس في عشب الحقل، وليبتل بندى

السماء، وليكن نصيبهُ مع الحيوان في عشب الحقل.

ليتغير قلبه عن الإنسانية وليُعطَ قلب حيوانٍ، ولتمضِ عليه سبعة أزمنةٍ [10-16].

كان نبوخذنصَّر مُحبًا لأشجار لبنان، يذهب ليتمتع بها، ويُحضر منها الأخشاب للبناء، لذا شبهه الله بالشجرة الضخمة التي يُعجب بها.

غالبًا ما يُشير الأنبياء إلى العظماء والرؤساء بأشجار، كما جاء في (حز 17: 5-7؛ 31: 3الخ.، إر 22: 15؛ مز 1: 3؛ 38: 35). ويذكر المؤرخ هيرودوت (7: 19) أن أحشويرش رأى حلمًا أنه تُوج بشجرة زيتون ملأت أغصانها الأرض كلها لكن ذبل التاج من على رأسه، فأدرك أن حكمه ينتهي حتمًا.

يُريد الله من أصحاب السلاطين والعظماء كل القيادات، كما من الممالك، أن يكونوا كالأشجار التي يجد الكل فيها غذاءهم وراحتهم وأمانهم، لكن البشر والممالك أساءوا استخدام السلطة، فحولوها من الخدمة إلى التشامخ مع الاستغلال. لهذا كان لابد من اقتلاع هذه الأشجار لتغرس شجرة الصليب التي تبلغ بالحب والسلام الفائق والفرح الداخلي إلى كل قلب.

في هذا الأصحاح يُحذر الله الملك نبوخذنصَّر مُعلنًا له في حلم أنه يسقط تحت التأديب القاسي بسبب عجرفته. وفي هذا التحذير نتلمس حنان الله في معاملاته مع الإنسان، حتى الملك الوثني المُتعجرف. فمن جانب يكشف له ما سيحل به من تأديب لعله يرجع عن شره فيُعفى منه، وأعطاه مُهلة لمدة عام كامل لمراجعة نفسه، لكنه عوض التوبة تشامخ. ومن جانب آخر حتى في الإنذار شبهه بشجرة نافعة تُقدم ظلاً لحيوانات البرية، وطعامًا للإنسان والحيوان، ومأوى لطيور السماء، كما تتسم الشجرة بالجمال.

v     يرتفع مثل هؤلاء الناس، لا بعظمة فضائلهم، بل بكبريائهم، لهذا يُقطعون ويهلكون[109].

القديس جيروم

روى الملك لدانيال الحلم الخاص بالشجرة الضخمة التي تميزت بالآتي:

أ. قائمة في وسط الأرض نامية، ويبلغ علوها إلى السماء [10-11]. في وسط الأرض أي في المركز حيث تشع السلطة الإمبريالية البابلية على كل الأمم والشعوب. يرى كل من العلامة أوريجينوس والقديس جيروم أن أورشليم هي مركز الأرض، بكونها مدينة الله التي أُقيم فيها الهيكل ليبارك البشرية المتعبدة لله. ويرى بعض الربيين (الحاخامات) بابليون أنها هي أيضًا في وسط الأرض بكونها على نفس الخط. لكن من الجانب الروحي إن كانت أورشليم تمثل القصر الملوكي السماوي، فإن بابل تمثل القصر الملوكي لضد المسيح وكل مملكته. إن كان نبوخذنصَّر يمثل شجرة مغروسة في بابل أم الزواني المتعجرفة، فإن المؤمن الحقيقي يمثل شجرة مغروسة في أورشليم، في بيت الرب.

ب. منظرها إلى أقصى كل الأرض [11].

ج. جميلة المنظر [12]، إشارة إلى اهتمام نبوخذنصَّر بالإنشاءات المعمارية وتزيين العاصمة.

د. ثمرها كثير، وفيها طعام للجميع [12]، إشارة إلى الغنى والإمكانيات الجبارة لنبوخذنصَّر.

هـ. موضع حماية للغير [12]، تحمي الطيور بين أغصانها وحيوانات البَرّ في ظلها.

هذا هو ما يقدمه الله للإنسان، ليجعله ملكًا يقيم في العالم كقصرٍ ملوكي، يريد من نفسه أن تكون نامية على الدوام. مع وجودها على الأرض ترتفع إلى السماء، لعلها تستقر في حضن الآب، تتمجد في أقاصي المسكونة، جميلة بلا عيب، مُشبعة للجميع، تتسع لتضم الغير بالحب فتهب أمانًا وسلامًا لمحبيها!

إذ سقط نبوخذنصَّر في الكبرياء استحق التأديب، فأرسل الله ملاكًا دعاه بالساهر والقدوس النازل من السماء ليؤدب.

يُدعى الملاك ساهرًا، لأنه روح بلا جسد، لا ينام ولا يحتاج إلى راحة، فهو دائم اليقظة ليل نهار. كما أنه يُدعى هكذا، لأنه يتحرك ليتمم إرادة الله لأجل بنيان شعبه، وكما يقول المرتل: “باركوا الرب يا ملائكته المقتدرين قوة، الفاعلين أمره عند سماع صوت كلامه” (مز 103: 20).

يُدعى أيضًا بالقدوس لأنه لا يحمل ضعفًا بشريًا. أما نحن فنعاني من الضعف، ليس فقط بسبب ما نرتكبه من خطايا، وإنما بسبب الفساد الذي تسلل إلينا من أبوينا الأولين، الذي يصيب جسدنا كما قلبنا وذهننا.

مهما بلغ الإنسان من تقديس، فإنه مادام لا يزال في الجسد، لا يُدعى “الساهر القديس“، لأنه خلال احتياج الطبيعة يلزمه أن ينام، وخلال الجهاد يتعرض للضعفات. بهذا يمكننا التمييز بين الملائكة والبشر، كما بين المؤمنين المجاهدين والمؤمنين الذين خلعوا الجسد وعبروا من العالم.

يلاحظ في هذا التأديب:

أ. أن ما يحدث حتى بالنسبة للملك الوثني ليس بخطة بشرية، لكنه بسماح إلهي. إذ أرسل ملاكه الساهر من السماء لتحقيق هذه الخطة. لقد حدثه بلغة الكلدانيين، إذ كانوا يعتقدون بكائنات سماوية تدين أعمال البشر، ولها سلطان على تقرير مصيرهم.

ب. مع التأديب توجد رحمة، فقد أمر الله بترك الجذور في الأرض لكي تنمو الشجرة من جديد بالتواضع والتوبة، فلا تُقتلع الشجرة بتمامها، والتأديب مدة محددة هي سبعة أزمنة [16]. “لأن للشجرة رجاء، إن قُطعت تُخلف أيضًا ولا تُعدم خراعيبها، ولو قدم في الأرض أصلها ومات في التراب جذعها، فمن رائحة الماء تفرخ، وتنبت فروعًا كالغرس” (أي 14: 7-9). هذا وإن كان قد سمح له أن يأكل العشب مع حيوان البَرّ، لكنه لم يحرمه من التمتع بندى السماء.

ج. صدر الأمر للحيوانات المستظلة بالشجرة والطيور المقيمة بين أغصانها أن تهرب، إشارة إلى تخلي كل رجال الدولة عنه. هذا هو ثمر الخطية إذ يشعر الإنسان بالعزلة. يُحسب أن الكل قد تخلوا عنه في لحظات الضيق، حتى الذين كسب صداقتهم بعطاياه الجزيلة.

د. واضح من الحلم أن الشجرة ترمز إلى شخص معين، إذ يشخصن الشجرة، فيقول في [15-16]: “يتغير قلبه عن الإنسانية وليُعط قلب حيوان”؛ لم يقل عن الشجرة “it” بل “he“.

ماذا يعني بالقلب هنا؟ الفهم والإرادة والمشاعر، والنفس الداخلية ككلٍ. فمع أن الأشجار ليس لها قلب، لكن الحلم رمزي. كان الأمر الصادر ينزع عن الملك، ليس فقط إمبراطوريته، بل وطبيعته البشرية إلى حين، فإنه غير مستحق أن يعيش كإنسان حتى في أدنى درجات البشرية.

هـ. لم يقم ملك بدلاً منه، بل قام ابنه أويل مردوخ بالعمل في هذه الفترة حتى عاد والده إلى عقله وكرسيه.

و. غاية التأديب هو نفع الكثيرين [17].

في هذه العبارة [16] يؤكد الله للملك أنه لن يستطيع الهروب من التأديب الذي يعلنه له من خلال الحلم.

“هذا الأمر بقضاء الساهرين، والحُكم بكلمة القدوسين،

لكي تعلم الأحياء أن العليّ مُتسلط في مملكة الناس،

فيُعطيها من يشاء وينصب عليها أدنى الناس.

هذا الحلم رأيته أنا نبوخذنصَّر الملك.

أما أنت يا بلطشاصر فَبين تعبيرهُ،

لأن كل حكماء مملكتي لا يستطيعون أن يُعرفوني بالتعبير.

أما أنت فتستطيع لأن فيك روح الآلهة القدوسين” [17-18].

جاءت الكلمة “كلمة pethegma” هنا ربما بمعنى أمر أو منشور edict كما في (إس 1: 20). فما أُعلن هو منشور إلهي سماوي. لكنه لماذا ينسب المنشور إلى الملائكة الساهرين القدوسين، هل هو أمر إلهي أم ملائكي؟

بلاشك أن الأمر إلهي، صادر عن الله وحده دون أية خليقة سماوية؛ أما نسبته هنا لهم فلتأكيد دورهم الإيجابي.

 مع طاعة الملائكة الكاملة لله، وقيامهم بتنفيذ أوامره، يصلون من أجل خلاص كل العالم. يطلبون أن يتدخل الله لتأديب المتكبرين الذين يجدفون على الله، لا للانتقام منهم، وإنما لردهم إلى طريق الحق. وكأن ما صدر عن الله جاء متناغمًا مع شهوة قلب السمائيين، وطلباتهم المستمرة، حتى حُسب الأمر كأنه صادر عنهم.

  1. دانيال يفسر الحلم:

“حينئذٍ تحيرَ دانيال الذي اسمهُ بلطشاصر ساعة واحدة وأفزعتهُ أفكارهُ.

أجاب الملك وقال: يا بلطشاصر لا يفزعك الحلم ولا تعبيرهُ.

فأجاب بلطشاصر: الحلم لمبغضيك وتعبيرهُ لأعاديك” [19].

لا نعجب من تحيُّر دانيال وحزنه على الكارثة التي تحل بملك بابل، فمع كون الملك طاغية ظالم، سبى الشعب اليهودي مع شعوب أخرى، لكنه إذ كان دانيال يعمل في القصر كان ملتزمًا بالصلاة من أجله. لقد أمرهم الله بإرميا أن يصلوا من أجل رخاء بابل، ففي هذا يكمن سلامهم (إر 29: 7). ولأنه لم يكن بعد قد تمت السبعون عامًا، فلم يكن من حق المؤمنين أن يطلبوا من الملك العودة، بل يخضعون له في طاعة صادقة ويخدمونه بأمانة بغير كراهية. لهذا حزن دانيال عندما علم بما سيحل بالملك.

“الشجرة التي رأيتها، التي كبِرت وقويت، وبلغَ علوها إلى السماء، ومنظرها إلى كُل الأرض،

وأوراقها جميلة وثمرها كثير، وفيها طعام للجميع، وتحتها سكن حيوان البَر، وفي أغصانها سكنت طيور السماء،

إنما هي أنت يا أيها الملك، الذي كبرت وتقويت، وعظمتك قد زادت، وبلغت إلى السماء، وسُلطانك إلى أقصى الأرض” [20-22].

هنا تظهر حكمة دانيال العجيبة، فمع محبته للملك واتضاعه أمامه، وشوقه الحقيقي أن ينقذه من الكارثة، تحدث معه كخادم للكلمة بكل صراحة، ونطق معه بالحق الإلهي. يقدم دانيال النبي درسًا عمليًا للخدمة، فالخادم يترفق بالخطاة ويشتهي خلاصهم، إن وبخ لا ينسى نفسه كإنسان ضعيفٍ؛ وفي نفس الوقت لا يهادن الخطاة على حساب الحق، ولا يخفي غضب الله على الخطية. دانيال النبي المترفق بالملك لم يخَفْه، بل بكل جرأة قال له: “أنت يا أيها الملك“. لم يتردد ولا قدّم أعذارًا، ولا تحدث بلغة يبدو فيها أدنى شك، بل في يقينٍ أعلن له أنه هو الشجرة التي تحل بها الكارثة.

“وحيث رأى الملك ساهرًا وقدوسا نزلَ من السماء،

وقال اقطعوا الشجرة وأهلكوا،

ولكن اتركوا ساق أصلها في الأرض،

وبقيدٍ من حديد ونحاس في عشب الحقل،

وليبتل بندى السماء،

وليكن نصيبه مع حيوان البَر، حتى تمضي عليه سبعة أزمنة”.

يتساءل القديس جيروم عمن يقوم بتقييد الملك بقيد من حديد ونحاس، ويجيب: [واضح جدًا يُربط كل المجانين بسلاسل لحفظهم من أذية أنفسهم أو هجومهم على الغير بأسلحة[110]].

فهذا هو التعبير أيها الملك،

وهذا هو قضاء العليّ الذي يأتي على سيدي الملك” [23-24].

إذ يؤكد دانيال النبي أن الحلم بما فيه من مرارة ينطبق على الملك، يدعو الملك في احترام “سيدي الملك“. أنه يقدم التأديب الإلهي، دون أن يستخف بالملك أو يهينه بكلمة جارحةٍ.

“يطردونك من بين الناس، وتكون سُكناك مع حيوان البَرِ،

ويُطعمونك العشب كالثيران، ويَبلونك بندى السماء،

فتمضي عليك سبعة أزمنة،

حتى تعلم أن العليّ مُتسلط في مملكة الناس، ويُعطيها من يشاءُ” [25].

غالبًا ما كان الملوك، خاصة الدائمو النصرة، يحسبون أنفسهم فوق كل قانون، يأمُرون ولا يُؤمَرون، يَطلبون طاعة الغير ولا يخطر على قلبهم الخضوع للغير. إنهم كثيرًا ما ينسون طبيعتهم البشرية، كأنهم من طبيعة غير طبيعة سائر البشر. الآن يقدم له دانيال النبي تفسير الحلم لا ليُذكره أنه إنسان له الضعف البشري، إنما يسقط تحت التأديب، فيفقد مع المملكة طبيعته البشرية، ليصير كما على مستوى حيوانات البرية. يُعزل من وسط الناس ليعيش كما بين قطيع الثيران أو الخنازير.

“وحيث أمروا بترك ساق أصول الشجرة،

فإن مملكتك تثبت لك عندما تعلم أن للسماء سُلطان” [26].

يهيئ دانيال النبي نبوخذنصَّر للتوبة، فيفتح له باب الرجاء فمع التأديب تُعلن مراحم الله التي تنتظر توبته لترد له ما فقده بفيض. فإن الله يؤدب لا ليذل الإنسان، بل ليرفعه، ويهبه عطية المعرفة، إذ يقول له “عندما تعلم…” فالتأديب مدرسة إلهية للتمتع بمعرفة سماوية فائقة.

“لذلك أيُّها الملك فلتكن مشورتي مقبولة لديك، وفارق خطاياك بالبِر،

وآثامك بالرحمة للمساكين، لعله يُطالُ اطمئنانُك” [27].

لقد بقي دانيال صامتًا إلى حين مرتبكًا، فشعر الملك بخطورة الحلم وشجعه على الحديث، معلنًا له أنه سيتقبل الأمر أيا كان. تحير دانيال وأفزعته أفكاره لسببين:

أ. سقوط ملكٍ عظيمٍ كهذا إلى أدنى مستوى، وهو أن يصير له قلب حيوان برية.

ب. أنه هو الذي يقدم التفسير للملك، وكان يتمنى الخير للملك.

لقد شجع الملك دانيال أن ينطق، إما رغبة في معرفة الحقيقة، أو من أجل حب الاستطلاع.      

v     أوضح الحق دون أن يهين الملك، لكي يتجنب الظهور بمظهر اتهام الملك بكبرياء خاطئ، بل بالأحرى في سمو عظيم[111].

القديس جيروم

ختم دانيال حديثه فاتحًا باب الرجاء أمام الملك بالتوبة وعمل الرحمة مع ترك خطاياه. اشتهى دانيال توبة نبوخذنصَّر حتى لا يسقط تحت هذا التأديب القاسي، بل يسقط فيه أعداؤه. لذلك قدم له مشورة بأن يترفق بالفقراء والمحتاجين. بهذا إذ يتحول قلبه عن القسوة والعنف والأنانية إلى الحب والعطاء يجد نعمة في عينيّ الله.

v     إن فتحتم أياديكم للفقراء، يفتح المسيح أيضًا أبوابه لكم حتى تدخلوا كما إلى الفردوس[112].

الآب قيصريوس

v     لنقل أن نبوخذنصَّر صنع أعمال رحمة مع الفقراء حسب مشورة دانيال، لهذا أُرجئ الحكم لمدة اثني عشر شهرًا. ولكن إذ كان يتمشى في قصره ببابل وبعجرفة قال: “أليست هذه بابل العظيمة التي بنيتها؟!”…، لذلك فقد فضيلة العطاء بشرّ كبريائه[113].

v     إننا نقرأ أيضًا في إرميا عن توجيه الله للشعب اليهودي أنه يُلزمهم الصلاة من أجل البابليين، إذ يرتبط سلام المسبيّين بسلام الذين سبوهم أنفسهم[114].

القديس جيروم

  1. تحقيق التفسير:

“كل هذا جاء على نبوخذنصَّر الملك.

عند نهاية اثني عشر شهرًا كان يتمشى على قصر مملكة بابل.

وأجاب الملك فقال:

أليست هذه بابل العظيمة التي بنيتها لبيت الملك بقوة اقتداري ولجلال مجدي؟!

والكلمة بعد بفم الملك، وقع صوت من السماء قائلاً:

لك يقولون يا نبوخذنصَّر الملك، إن المُلك قد زال عنك،

ويطردونك من بين الناس،

وتكون سُكناك مع حيوان البَرِّ، ويطعمونك العشب كالثيران،

فتمضي عليك سبعة أزمنة حتى تعلم أن العليّ مُتسلط في مملكة الناس،

وأنه يعطيها من يشاء” [28-32].

جاءت الكلمة العبرية mehelek تُشير إلى أن الملك كان يتمشى على سطح القصر. كان الشرقيُّون يمارسون عادة المشي على السطح.

أمكن للملك أن يرى بابل كلها “من على السطح”، خاصة إن كان القصر مبنيًا على تل عالٍ.

في كبرياء ظن أنه إله، لهذا انحدر ليصير أشبه بحيوان، وكما قال الله لأيوب: “انظر كل متعظم واخفضه” (أي 10: 11). لقد نسب كل شيء لنفسه وقدرته وجلاله، لا إلى الله واهب القدرة والحكمة. كما تجاهل سابقيه الذين أسسوا المدينة. أما سليمان الحكيم الذي بنى الهيكل فيقول: “إن لم يبنِ الرب البيت فباطلاً يتعب البناؤون؛ إن لم يحفظ الرب المدينة فباطلاً يسهر الحراس” (مز 127: 1).

“في تلك الساعة تم الأمر على نبوخذنصَّر،

فطُرِدَ من بين الناس وأكل العشب كالثيران،

وابتل جسمهُ بندى السماء،

حتى طال شعرهُ مثل النسور وأظافرهُ مثل الطيور.

وعند انتهاء الأيام أنا نبوخذنصَّر رفعت عينيّ إلى السماء،

فرجع إليّ عقلي،

وباركت العليّ وسبحتُ وحمدتُ الحيّ إلى الأبد،

الذي سُلطانه سُلطان أبدي وملكوته إلى دور فدورٍ” [33-34].

في كبريائه نسب لنفسه بابل بأسوارها وحدائقها العامة ومعبدها للإله بعل والقصر الملكي. ينسب هيرودت بابل إلى سميراميس Semiramis ونيتوقريس Nitocris، بينما يذكر بيروسوس Berosus وأبيدنس  Abydenus أن البابليين، أي نبوخذنصَّر، أضافوا إلى المدينة القديمة الكثير فبنى نبوخذنصَّر قصرًا فخمًا وأسوار المدينة. يُستشف من نيتوقريس أن زوجة نبوخذنصَّر قامت بتجميل المدينة.

هاجم النُقاد هذا النص [30]، بالقول بأنه تاريخيًا لم يبنِ نبوخذنصَّر بابل، لكن في الاكتشافات الحديثة وُجدت آلاف من الطوب في بابل نُقش عليها من أسفل “نبوخذنصَّر بن نبوبلاسر”. هذا وأن كلمة “بناء” هنا لا تعني مجرد التأسيس، إنما تستخدم أيضًا في التوسيع والإضافة[115]. ولا ننسى أن كثيرًا من الملوك اعتادوا أن يدفنوا أمجاد السابقين، وينسبوا كل شيء إلى أنفسهم، بمجرد تغيير شكل الشيء أو الإضافة إليه.

v     لو لم يرفع عينيه نحو السماء لما استعاد عقله السابق.

علاوة على هذا بقوله: “رجع إليه عقله” أظهر أنه لم يفقد مظهره الخارجي بل عقله فقط[116].

القديس جيروم

بقوله “دور فدور” لا يعني فقط الأجيال المقبلة وإنما كما يقول القديس جيروم أنه إذ عاد إليه عقله أدرك سرّ ملكوت الله الذي يعبر من الناموس إلى الإنجيل[117].

“حُسبت جميع سكان الأرض كلا شيء،

وهو يفعل كما يشاء في جند السماء ولا يوجد من يمنع يدهُ أو يقول له ماذا تفعل” [35].

كثيرًا ما يحسب الطغاة أن الله حبيس السماء، لا دور له في شئون البشر؛ وهم يفعلون ما يشاءون كآلهة وليس من يُقاومهم. الآن يرى الملك أن إله السماء يُحرك البشر، ويقود ويُدبر كما يشاء، والأرض في قبضة يده كما السماء تمامًا!

في ذلك الوقت رجع إليّ عقلي،

وعاد إليّ جلال مملكتي ومجدي وبهائي،

وطَلَبني مُشيري وعُظمائي،

وتثبت على مملكتي، وازدادت ليّ عظمة كثيرة [36].

لم يتب نبوخذنصَّر بالرغم من أن الله قد تركه اثني عشر شهرًا، أي عامًا كاملاً بعد الحلم. إنما على العكس ضُرب الملك بالعجرفة فتحقق فيه الحلم.

لم يتحقق الحلم إلاَّ بعد سنة، مقدمًا الله للملك فرصة طويلة لمراجعة نفسه والتوبة، فيترفق بالأسرى ويهتم بالمحتاجين، لكن كبرياءه كان يتفاقم بالأكثر.

أصيب الملك بحالة جنون أفقدته وعيه كإنسان، صار كحيوان البرية يأكل العشب. ربما أُصيب بمرض الاستئذاب، وهو مرض فيه يتوهم من يعاني منه أنه مُسخ ذئبًا[118].

v     بعد أن نُزع عن ذلك الملك البابلي الشكل البشري في سنيه السبع البائسة وصار مُهملاً بسبب عصيانه للرب، فإنه إذ احتمل الألم الجسدي لم يسترد مملكته فحسب، وإنما ما هو بالأكثر حقق مسرة الله[119]

العلامة ترتليان

الله الذي حرك نبوخذنصَّر لتأديب شعبه إلى حين بسبيّهم، الآن يُعلن له أن كل الأمور تسير بسماح منه. لقد سمح أن يطرده رجاله من الحكم ويُقيدوه بسبب جنونه، الآن يُحركهم ليردوه إلى المُلك دون أن يُدركوا يدّ الله الخفية.

  1. نبوخذنصَّر يمجد الله:

“فالآن أنا نبوخذنصَّر أُسبِّح وأُعظِّم وأحمد ملك السماء،

الذي كُل أعماله حق وطرقهُ عدل،

ومن يسلك بالكبرياء فهو قادر على أن يُذِلهُ” [37].

إذ أكمل فترة التأديب عاد إليه عقله فرفع نظره نحو السماء كإنسان تائبٍ يطلب مراحم الله. انسحقت نفسه فيه، ومجد الله. أدرك أنه ليس إنسان يقدر أن يملك إلى الأبد، وأن كل الممالك أمام الله كلا شيء. أو ربما إذ رفع نبوخذنصَّر عينيه إلى السماء يُمجد الله، رفع الله عنه التأديب.

اعتقد البعض أنه لا توجد أدلة في التاريخ تُشير إلى جنون نبوخذنصَّر[120]، مما يجعل الخبر غير صحيح تاريخيًا. يرد عند بيروسُّوس أيضًا كما جاء في يوسيفوس المؤرخ اليهودي[121] ما يُشير إلى حقيقة جنون الملك. لكن لابد من الإشارة إلى أنه حتى لو لم تحتوي المصادر الخارجية ما يدل على جنون الملك هذا لا يعني أن الخبر غير صحيح تاريخيًا.

“وكان دانيال إلى السنة الأولى لكورش الملك” [21].

 


 

من وحي دانيال 4

روَض نفسي فإنها قد جمحت!

v     وهبتني كثرة من الخيرات والعطايا،

 فشبعتُ وصرتُ في تخمةٍ، وجمحت نفسي.

 من يروضها غيرك يا من تهتم بخلاصي؟!

v     لتحرمني من بعض العطايا،

لتهبني الأتضاع أمامك،

 إن كان في ذلك بنيانًا لأعماقي!

 لكن لا تحرمني منك،

 فأنت نصيب نفسي، وميراثي الأبدي!

v     أسأت إلى محبتك وغنى عطاياك،

إذ جمحت نفسي بلا ضابط!

ما أصعب عليّ أن احتفظ باتضاع الفكر،

وسط فيض عطاياك!

ضع ضعفي أمام عيني، فيتضع فكري.

أمسك بيدي، فأسير معك في طريق حبك!

v     هب ليّ يا رب روح دانيال النبي الخادم.

واشتهي خلاص الخطاة، وأترفق بهم،

لكن بلا مداهنة على حساب الحق الإلهي.

لا أخشى ملكًا مهما كان طغيانه،

ولا أخفي كلمتك مهما بدت حازمة!

v     تهديداتك أرعبت نبوخذنصَّر،

أجد عذوبة حبك وسط تهديداتك ليّ.

علمني أن أكرس كل حياتي لطاعتك.

تهديداتك ووعودك هي لبنيان نفسي!

v     خطيتي أسقطتني تحت التأديب الإلهي،

دفعت بيّ كما إلى قطيع الثيران أو الخنازير.

لأرجع إليك فتحملني إلى شركة القديسين،

وترفعني إلى حياة السمائيين.

وتهبني معرفة سمائية فائقة!

فاصل

سفر دانيال: 1234567891011121314

تفسير سفر دانيال: مقدمة123456789101112 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى