تفسير سفر التثنية ٢٦ للقمص تادرس يعقوب ملطي

الأصحاح السادس والعشرون

البكور وتجديد العهد

من أجل تقديس الشعب طلب إبادة عماليق المصمِّم على مقاومة القداسة وبث روح الفساد ونشر ممارسة الرجاسات. لكن لا يكفي الجانب السلبي، إنَّما يلتزم الشعب في أرض الموعد بالعمل الإيجابي وهو أن يقدِّموا البكور في طقسٍ دينيٍ رائعٍ. البكور هي تقدمة شكر لله واهب الأرض المقدَّسة ومعطي الخيرات، وتأكيد استمراريَّة ارتباط المؤمن بإلهه وتجديد العهد معه على أرض الغربة.

الشكر في الكتاب المقدَّس والشكر في الغرب:

يحمل طقس الشكر في العهد القديم ثلاثة عناصر هامة وهي التسبيح والعطاء وتجديد العهد مع الله أو تأكيد الطاعة له. وفي العهد الجديد صاريوم الشكرهو يوم الأحد، حيث تقدِّم الكنيسة ذبيحة المسيح الفريدة غير المتكرِّرة لله الآب، تقدِّم له الابن البكر. هذه هي تقدمتها، ترتبط بالتسبيح والعطاء وتأكيد العهد مع الله على مستوى فائق.

للأسف صاريوم الشكرفي شمال أمريكا هو يوم الأكل وأحيانًا السكر والأغاني والحفلات الخليعةويتجاهل كثيرون العطاء والتسبيح والتمتُّع بالعهد مع الله.

يدعونا هذا الأصحاح لمراجعة مفاهيم الشكر وتقديم البكور لله بما يسرُّه وليس حسب الهوى البشري.

يلاحظ أن هذا الطقس العجيب يؤكِّد ضرورة التسبيح والشكر على كل المستويات.

·        المستوى الشخصي، فكل عضو يتقدَّم إلى بيت الرب في علاقة شخصيَّة مع الله، شاكرًا الله على الخيرات التي تمتَّع بها.

·         المستوى العائلي، فما يقدَّم إنَّما باسم الأسرة كلَّها.

·        المستوى الكنسي، فيسبِّح المؤمن الله العامل في كنيستنا منذ عصر الآباء ولا يزال يعمل وسيعمل عبر الأجيال لبنيان كنيسته.

·        المستوى القومي، فيشكر المؤمن الله من أجل معاملاته مع إسرائيل كأمَّة خاصة.

1. تقدمة البكور            [1-11].

2. العشور                  [12-15].

3. تذكر العهد               [16-19].

1. تقدَّمة البكور:

ومتى أتيت إلى الأرض التي يعطيك الرب إلهك نصيبًا وامتلكتها وسكنت فيها.

فتأخذ من أول كل ثمر الأرض الذي تحصل من أرضك التي يعطيك الرب إلهك وتضعه في سلَّة،

وتذهب إلى المكان الذي يختاره الرب إلهك ليحل اسمه فيه” [1-2]. 

كان يطلب من المؤمن أن يأتي بسلَّة يجمع فيها بكور الفواكه التي للرب كل سنة، وذلك بجانب السنبلة البكر التي تقدَّم عن الأرض كلها في اليوم التالي من الفصح (لا 23: 10). يُحضر كل رجل لنفسه سلَّة البكور في عيد البنطقستي (الأسابيع) عند نهاية المحصول، حيث يدعىعيد البكور” (خر 34: 22). ويقال أنَّها تحفظ مع التقدمة الاختياريَّة حسبما تسمح به يد الإنسان (تث 16: 10).

يرى اليهود أنَّه عندما يجد الإنسان أن الثمار قد نضجت يأخذ بكورها للرب ويضعها في السلَّة التي تحوي قمحًا وشعيرًا وعنبًا وتينًا ورمَّانًا وزيتونًا وبلحًا، ويضع بين كل صنف والآخر أوراقًا من الشجر، ثم يقوم بتقديم هذه السلَّة.

تقديم البكور هي تقدَّمة شكر لله الذي وهبهم أرض الموعد بعد مرارة عبوديَّة مصر. وهي رمز للسيِّد المسيح بكرنا، به تمتَّعنا بالحياة الأبديَّة وحُسبنا ملكًا لله.

يلاحظ في هذه التقدمة الآتي:

أولاً: بهذه التقدمة يعترف المؤمن بأن كل ما لديه هو عطيَّة من الله، وأنَّه يقدِّم ممَّا وهبه الله.

ثانيًا: أن يجحد الإنسان ذاته، فيقدِّم بكور الثمار الناضجة لله، مقدِّمًا ما لله قبل ما يأخذه لنفسه، أو بمعنى آخر أن الله أولاً في كل شيء. هكذا يليق بنا أن نقدِّم باكورة حياتنا وأوقاتنا وأعمالنا ومواهبنا لله، نقدِّم أفضل ما لدينا لحسابه.

ثالثًا: إذ يقدِّم المؤمن الباكورة من أفضل المحصول يعلن أن الشعب الذي تكرَّس لله من وسط شعوب العالم يلزم أن يكون بكرًا ناضجًا، فلا نسمع ما قيل بميخا النبي: “ويل لي لأنِّي صرت كجَنيْ الصيف كخصاصة القطاف، لا عنقود للأكل، ولا باكورة تينة اشتهتها نفسي؛ قد باد التقي من الأرض، وليس مستقيم بين الناس، (مي 7: 1-2).

رابعًا: إذ يأتي المؤمن بالسلَّة حاملاً بكور المحصولات يؤكِّد أن الأرض التي وعد الله بها آباءه والتي تسلمها لا تزال بين يديه وفي ملكيَّته. فقد جاء وقت فقد الشعب أرضه واُقتيدوا إلى السبي في أشور (إسرائيل) ثم في بابل (يهوذا).

خامسًا: يرافق العطاء المادي تقدمه شكر لله، بها يعترف المؤمن بمعاملات الله مع كل آبائه عبر كل الأجيال، بأنَّها معاملات معه هو شخصيًا، إذ يقول:

وتأتي إلى الكاهن الذي يكون في تلك الأيَّام وتقول له:

اعترف اليوم للرب إلهك إنِّي قد دخلت الأرض التي حلف الرب لآبائنا أن يعطينا إياها” [3].

بعد ذلك يضع الكاهن السلَّة أمام مذبح الرب:

فيأخذ الكاهن السلَّة من يدك ويضعها أمام مذبح الرب إلهك.

ثم تصرح وتقول أمام الرب إلهك:

أراميًا تائهًا كان أبي، فانحدر إلى مصر، وتغرَّب هناك في نفرٍ قليل،

فصار هناك أمَّة كبيرة وعظيمة وكثيرة.

فأساء إلينا المصريُّون وثقلوا علينا وجعلوا علينا عبوديَّة قاسيَّة.

فلما صرخنا إلى الرب إله آبائنا سمع الرب صوتنا، ورأى مشقَّتنا وتعبنا وضيقنا.

فأخرجنا الرب من مصر بيدٍ شديدة وذراعٍ رفيعة،

ومخاوف عظيمة وآياتٍ وعجائب.

وأدخلنا هذا المكان،

وأعطانا هذه الأرض أرضًا تفيض لبنًا وعسلاً” [5-10].

هكذا يقدِّم كل مؤمن تسبحة شكر لله على عطاياه له الشخصيَّة وعلى الشعب كله عبر الأجيال. في هذه التسبحة يعترف المؤمن بالآتي:

أ. تتطلَّع كل الأجيال إلى البركات التي تنالها، فترى أن ما تحقَّق معها هو وعد إلهي لإبراهيم الذي لم يكن إسرائيليًا بل كان آراميًا (سريانيًا)، تائهًا، لم يكن له موضع يستقر فيه. في عيد الشكر يلزمهم أن يتقدَّموا بروح التواضع، مدركين أن آباءهم إبراهيم واسحق ويعقوب لم يكونوا إسرائيليِّين. لهذا يليق بهم أن ينفتح قلبهم بالحب نحو الأمم الأخرى.

عاش إبراهيم أب الآباء في الميصة (ما بين النهرين) كما جاء في سفر التكوين (29-31). وإلى هذه المنطقة يعود أصله (تك 11: 31).

2. إذ يعتزُّوا أنَّهم أبناء إبراهيم، فإنَّه كان هو ورجاله عددًا قليلاً [5]. فما بلغوه من كثرة العدد هو هبة إلهيَّة.

3. أن شعبه وُلد فقيرًا وغريبًا ومضطهدًا في مصر، والآن صار غنيًا وعظيمًا جدًا، فلا مجال للكبرياء، ولا موضع لتجاهل غنى نعمة الله عليه. فإنَّه لا تقبل أيَّة تقدمة ما لم يصحبها تسبحة مملوءة بروح التواضع والشكر لله. هكذا خلال هذه التقدمة السنويَّة بطقوسها الروحيَّة تبقى ذكرى معاملات الله معهم وعطاياه وبركاته موضع لهجِهم المستمر.

كأنَّه في كل عام إذ يحتفل المؤمن بعيد البكور أو بيوم الشكر يسبِّح الله على البركات التالية:

·        يرجع أصله إلى آباء آراميِّين (سريان) لم يكونوا بعد شعب الله المختار، لكنَّهم محبوبون جدًا لديه ونالوا المواعيد الإلهيَّة، ودخلوا في عهد مع الله أو جدَّدوا العهد معه.

·         أن آباءه كانوا غرباء في مصر، سقطوا تحت مرارة العبوديَّة، والآن ينال هو الحريَّة.

·         كان الشعب عند دخولهم مصر قلَّة قليلة والآن صار العدد لا يُحصى.

·         نال نصيبًا من أرض الموعد التي لا تزال تقدَّم له خيرات مجَّانيَّة مستمرَّة. 

·         يتمتَّع الآن بالحضرة الإلهيَّة، إذ يقف أمام الرب ليقدِّم حب وعطاء ممَّا وهبه الله، ويجدِّد العهد معه!

خامسًا: تأكيد أن ما يقدِّمه المؤمن إنَّما هو ممَّا وهبه الله له.

فالآن هأنذا قد أتيت بأول ثمر الأرض التي أعطيتني يا رب.

ثم تضعه أمام الرب إلهك، وتسجد أمام الرب إلهك” [10].

يليق بالمؤمن أن يُترجم تسبحة الشكر إلى عمل، أو عطاء، كما فعل يعقوب: “كل ما تعطيني فإنِّي أعشِّره لك” (تك 22: 22). هذا ما عبَّر عنه سليمان الحكيم يوم تدشين بيت الرب، وما يؤكِّده رجال الله على الدوام (1أي 29: 14).

سادسًا: يُصاحب التقدمة مشاعر الفرح التي تعم البيت كله. “وتفرح بجميع الخير الذي أعطاه الرب إلهك لك ولبيتك أنت واللاوي والغريب الذي في وسطك” [11]. فالله يريد من شعبه أن يفرحوا ويتهلَّلوا، يأكلون خبزهم بالفرح وبساطة القلب، ممجدين الله (أع 2: 46-47).

سابعًا: إن كان الفرح هو عطيَّة إلهيَّة شخصيَّة يتمتَّع بها المؤمن خلال بركات الله وعبادته، فإنَّه لا يقدر المؤمن أن يمارس هذا الفرح إلاَّ خلال الجماعة، إذ يفرح معه خدَّام الكلمة والغرباء. “تفرحأنت واللاوي والغريب الذي في وسطك” [11].

2. العشور:

بخصوص تقديم العشور في السنة الثالثة سبق أن تحدَّثنا عنها في التعليق على (تث 14: 28-29). يفترض البعض أن السنة الثالثة من السنة السبتيَّة والسنة السادسة هما سنتا العشور التي تخصِّصان للفقراء بجانب العشور المقدَّمة للهيكل.

يلاحظ في شريعة العشور الآتي:

أ. الاهتمام بكل المحتاجين مع خدَّام الرب. “متى فرغت من تعشير كل عشور محصولك في السنة الثالثة سنة العشور، وأعطيت اللاوي والغريب واليتيم والأرملة، فأكلوا في أبوابك وشبعوا [12].

ينتقل المؤمن بعشوره إلى بيت الرب عامين ليقدِّمه للرب، أمَّا في السنة الثالثة فيقوم بالعمل في بيته. تقدَّم في السنة الثالثة رمز القيامة مع المسيح في اليوم الثالث؛ بقيامته نلنا اتِّساع القلب للجميع خاصة لخدَّام بيت الرب والغرباء والمعتازين.

بينما تقدَّم البكور والعشور في بيت الرب أمام مذبحه، تقدَّم العشور أيضًا إلى المؤمنين المحتاجين. تشير البكور إلى السيِّد المسيح السماوي الذي يحملنا إلى سمواته، وتشير العشور إلى تقديسنا فيه لتصير أرضنا أو حياتنا مقدَّسة فيه. من جانب يؤكِّد الله حضرته في وسط شعبه خلال بيته المدشَّن له، ومن جانب آخر يعلن حضرته في وسط بيوتهم، الكنائس العائليَّة المقدَّسة.

بالحب نحمل عطايانا إلى بيت الرب لنعلن شوقنا إلى الانطلاق نحو السماء، ونقدِّم عطايانا في بيتنا لنرى الرب قادمًا إلينا خلال خدَّامه (اللاويِّين) والمساكين والمحتاجين.

ب. يصاحب عطيَّة العشور شوق حقيقي للطاعة للوصيَّة الإلهيَّة إذ: 

تقول أمام الرب إلهك: 

قد نزعت المقدَّس من البيت، 

وأيضًا أعطيته للاوي والغريب واليتيم والأرملة حسب كل وصيَّتك التي أوصيتني بها. 

لم أتجاوز وصاياك ولا نسيتها” [13].

بقوله: “أمام الرب إلهكلا تعني بالضرورة أن يكون في الهيكل، فإن المؤمن يشعر بالحضرة الإلهيَّة أينما وُجد. قال اسحق لابنه عيسو: “وأباركك أمام الرب قبل وفاتي” (تك 27: 7).

إن كانت الوصيَّة الإلهيَّة تتطلَّب تقديم العشور التي هي مقدَّس للرب، فلا أطمع في جزء منها، بل أقدِّم لله ما أوصاني به، فإنَّني إذ أمارس هذه الوصيَّة التي تمس المادة أعلن طاعتي لكل الوصايا. لهذا فالعطاء الماديخاصة العشور في العهد القديمإن لم يصاحبه عطاء الإرادة الحرَّة وشوق للطاعة وتذكُّر للوصيَّة لا يكون مقبولاً لدى الله.

ج. يرافق العطاء وكل ما يصاحبه من طقوس روح الفرح مع القداسة. لهذا فإنَّه إذ يسمح في العشور الخاصة بالسنتين الأخريَّتين ببعض أجزاء من الذبائح يأكلها مقدِّمها يلزمه أن يأكلها لا بروح الطمع والشهوة، بل بالفرح السماوي مع القداسة. 

لم آكل منه في حزني، 

ولا أخذت منه في نجاسة، 

ولا أعطيت منه لأجل ميِّتٍ، 

بل سمعت لصوت الرب إلهي، 

وعملت حسب كل ما أوصيتني” [14].

لعلَّه يقصد: إنَّني لم أقدِّم شيئًا ممَّا لك لوثنٍ، أي لم أخلط بين الذبائح التي لله وتلك التي للأوثان، أو لم أحمل شركة بين العبادة لله والعبادة الوثنيَّة. قيل أن البعض كان يسفك دم الذبائح أمام الأوثان ثم يقدِّم اللحم باسم الله الحيّ.

يشهد المؤمن أنَّه لم يأكل من عشور محصولاته في حزنه (26: 14)، أي لم يستخدمه كتقدمة للأوثان، كما جاء في (هو 9: 3): إنَّها لهم كخبز الحزن كل من أكله يتنجَّسوفي (حز 24: 17) “ولا تأكل من خبز الناس“. هذه التقدمة ارتبطت بإله الخصب الذي مات ودفن وقام، فيشترك الوثنيُّون في الحزن عليه. يؤكِّد نفس المعنى بقوله: “ولا أعطيت منه لأجل ميِّت” [14]، أي لم يشترك به في الطقس الخاص بإله الخصب لدى الكنعانيِّين. ولعلَّه بقوله: “ولا أعطيت منه لأجل ميِّتٍيقصد أنَّه لم يقدِّم ذبائحه وعطاياه إكرامًا لأوثانٍ ميِّتة، أو من أجل أصدقائهم أو أقربائهم الذين ماتوا.

يرى بعض اليهود أن هذا الاعتراف [13-14] يقوله للمؤمن بصوت منخفض، لأنَّه اعتراف خاص بشخصه. أمَّا الاعتراف لله بأعماله فيكون بصوت مرتفع.

د. يختم اعترافه بطلبة من رب السماء لكي يبارك شعبه. 

اطَّلع من مسكن قدسك من السماء،

وبارك شعبك إسرائيل،

والأرض التي أعطيتنا كما حلفت لآبائنا أرضًا تفيض لبنًا وعسلاً” [15].

وكأن ما يقدِّمه المؤمن من عطايا وتسابيح وشكر مع صلوات وتضرُّعات إنَّما هو باسم الجماعة كلها.

هـ. يربط المؤمن بين حياته التقويَّة المخلصة وصلواته، فإن الله لا يسمع صلوات الأشرار المصمِّمين على شرِّهم، ولا يصغي لصرخات الهراطقة. يتساءل أيوب النبي: “أفيسمع الله صراخه إذا جاء عليه ضيق؟!” (أي 27: 9). ويقول المرتِّل: “إن راعيت إثمًا في قلبي لا يستمع لي الرب” (مز 66: 18). فمن ينصت لصوت الخطيَّة لا ينصت الله إلى طلبته، ولا يقبل تقدماته وذبائحه. “ذبيحة الأشرار مكرهة الرب، وصلاة المستقيمين مرضاته” (أم 15: 8). “الرب بعيد عن الأشرار، ويسمع صلاة الصدِّيقين” (أم 15: 29). “من يسد أذنيه عن صراخ المسكين فهو أيضًا يصرخ ولا يُستجاب” (أم 21: 13). بمعنى آخر صلاة الإنسان تكون حتمًا مستجابة إن اقترب إليه بالتوبة والسلوك ببرّ المسيح، واتِّساع قلبه نحو اخوته.

إذ يقدِّم المؤمن شوقه نحو الله والتمتُّع ببركاته يجوع بالأكثر إلى البركات الإلهيَّة ويعطش إليها، فلا يكف عن طلب البركة بروح الحب لا الأنانيَّة. فلا يطلب ما لنفسه وحده بل لكل الشعب: “بارك شعبك!” عطش المؤمن للبركات الإلهيَّة يحسب جزء لا يتجزَّأ من ذبيحة الشكر لله.

3. تذكر العهد:

هذا اليوم قد أمرك الرب إلهك أن تعمل بهذه الفرائض والأحكام

فاحفظ واعمل بها من كل قلبك ومن كل نفسك.

قد واعدت الرب اليوم أن يكون لك إلهًا،

وأن تسلك في طرقه، وتحفظ فرائضه ووصاياه وأحكامه وتسمع لصوته.

وواعَدَكَ الرب اليوم أن تكون له شعبًا خاصًا كما قال لك، وتحفظ جميع وصاياه. 

وأن يجعلك مستعليًا على جميع القبائل التي عملها في الثناء والاسم والبهاء،

وأن تكون شعبًا مقدَّسًا للرب إلهك كما قال” [16-19].

يرى البعض في هذه الآياتسلسلة ذهبيَّةتبدأ بالله وتنتهي بالله. تحوي هذه السلسلة المراحل التالية:

·        الله أولاً: هو الذي يقدِّم وصاياه.

·        إذ يتجاوب الشعب مع الوصايا بكل القلب والنفس يُعلن الله انتسابه لهم بكونه إلهًا لهم.

·        إذ يصير الله إلههم يسمعون بالأكثر لوصاياه، فيصيرون شعبه المقدَّس الخاص به.

·        إذ يسمو شعب لله فوق كل الشعوب، يحملون ما لله من ثناء واسمه القدُّوس وبهائه الفائق.

·        هذا يدخل بهم إلى ثبات أعظم كشعب للرب وانتساب أعمق لله كإله خاصٍ بهم.

هكذا يدخل الشعب في سلسلة لا تنقطع من خيرات مجيدة خلال اتِّحادهم بالله إلههم.

أمران يركِّز عليهما موسى النبي على الدوام: الأول هو الانشغال بوصايا الرب وحفظها في الأعماق الداخليَّة، والثاني هو تذكُّر عهد الله أو ميثاقه مع شعبه الخاص والتمسُّك به. فقد جاءت الشريعة تؤكِّد الأمور التالية:

§      الاتِّحاد مع الله: “وأكون لهم إلهًا، وهم يكونون لي شعبًا” (إر 31: 33).

§       الحياة المقدَّسة في الله القدُّوس: “أن تكون شعبًا مقدَّسًا للرب إلهك” [19].

§      اهتمام الله بكرامة شعبه ككل بين الشعوب، وكرامة كل مؤمن، ليقيم منهم أشبه بملاك سماوي يحمل جنسيَّة سماويَّة. يقول: “إذ صرت عزيزًا في عينيَّ مكرَّمًا وأنا قد أحببتك…” (إش 43: 4).

ما يقدِّمه موسى النبي ليست وصايا خاصة به، بل الوصايا والفرائض والأحكام التيقد أمرك الرب إلهك أن تعمل [16]. هذه الوصايا لا تقدَّم ولا تشيخ، بل هي وصايا يقدِّمها الله هذا اليوم” [16].

أمَّا ثمر حفظ الوصيَّة بكل القلب والنفس والأمانة في التمسُّك بالعهد الإلهي فهو:

أولاً: أن يصير له شعبًا خاصًا [18].

ثانيًا: أن يسمو الله بشعبه ويقدِّسهم: “وأن يجعلك مستعليًا على جميع القبائل التي عملها في الثناء والاسم والبهاء وأن تكون شعبًا مقدَّسًا للرب إلهك كما قال [19]. وكما قيل إن البرّ يرفع شأن الأمَّة، والخطيَّة تذل الشعب (أم 14: 34). إنَّه يسمو بهم فيعطيهم قدرة على الثناء أو التسبيح ليشتركوا مع العلويِّين في تسابيحهم. ويهبهم سموًا في الاسم حيث يربطهم باسمه العظيم، تقف السماء والأرض متعجِّبة من أجل الكرامة التي صارت لهم في الرب. وسموًا في البهاء حيث يعكس بهاء مجده عليهم. وأخيرًا يقدِّسهم فيصيروا قدِّيسين كما هو قدُّوس.

في الختام يمكن القول بأن هذا الأصحاح هو تسبحة شكر يعبَّر عنها بكل وسيلة.

·        التسبيح خلال الليتورجيَّة الكنسيَّة (الصلوات الجماعيَّة المرتَّبة بنظام معين).

·        التسبيح لله بممارسة روح الفرح، وبث هذا الروح في حياة الغير.

·        التسبيح بروح العطاء والبذل، فنعبِّر عن الشكر بالعمل.

·        التسبيح بالإرادة الحرة الصالحة خلال الطاعة للوصيَّة الإلهيَّة وتجديد العهد مع الله.

·        التسبيح بروح العطش الدائم لله نفسه الذي يبارك شعبه بلا انقطاع!

 


من وحيّ تثنيَّة 26

اقبلني بكرًا لك!

v     تشتاق أن تراني بكرًا يا أيُّها البكر الفريد.

تريدني كثمرٍ ناضجٍ يقدَّم لك أمام عرشك الإلهي.

تجد في مسرَّتك يا سرّ سرور كل الخليقة.

لست في حاجة إليّ، ولا إلى عبادتي، ولا إلى مواهبي.

لكنَّك تشتهي قلبي يا أيُّها العجيب في حبُّه.

v     اقبل سلَّة بكوري، فإنِّي أجمع لك فيها من بكور عطاياك لي:

أقدِّم لك فيها شكري الفائق يا من أتيت بي من العدم.

أشكرك لأنَّك حرَّرتني، لا من عبوديَّة فرعون، بل من أسر إبليس.

عبرت بي البحر الأحمر،

إذ دخلت بي مياه المعموديَّة واهبًا لي حياة النصرة.

أعطيتني روحك القدُّوس قائدًا لحياتي.

حملتني إلى كنعان الجديدة،

أرضك التي تفيض عسلاً ولبنًا.

أقدِّم لك فرحي الدائم بك يا بهجة قلبي.

v     من سلَّة البكور هب لي أن أقدِّم العشور.

أشعر بخجلٍ شديد إذ أقدِّم لك ممَّا وهبتني.

تمتد يدك الغنيَّة لتقبل من ضعفي ممَّا لك.

لن أتقدَّم إلى هيكلك بيدٍ فارغة، لأنَّك أنت ملأتها بالخيرات.

أقدِّم إليك في بيتك كما في السماء!

أفتح أبواب بيتي بالعطاء لخدَّامك،

كما للغريب واليتيم والأرملة.

ليأتوا ويأكلوا معي ممَّا قدَّمت لي.

أراك قادمًا فيهم لتبارك قلبي وبيتي ومخازني.

v     لأحمل من بركاتك لي إلى بيتك،

ولتأتِ إلى بيتي لتقبل من عطاياك لي القليل!

ادخل إلى بيتك، وتدخل أنت إلى بيتي!

أجد راحة في قلبك، وتستريح أنت في قلبي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى