تفسير سفر حزقيال ١ للقس أنطونيوس فكري
الإصحاح الأول
مدخل النبوة : فى هذا الإصحاح نجد الظروف العامة التى قيلت فيها هذه النبوة وزمانها ومكانها وشخص كاتبها. ومدخل هذه النبوة رؤيا غير عادية لشبه مجد الله ونتلمسه من :
1- حضور الله وحاشيته فى العالم العلوى حيث عرشه محاط بالملائكة ويسميهم هنا المخلوقات الحية.
2- العناية الإلهية التى يوليها الله لعالمنا ممثلة فى البكرات (العجلات) وحركتها.
3- وجه يسوع المسيح على عرشه.
وحينما يتكلم الله فعلينا أن نسمع بإنتباه وتوقير ومن الخطورة ألا نفعل ذلك.
الأيات 1 – 3 :-
كان في سنة الثلاثين في الشهر الرابع في الخامس من الشهر و انا بين المسبيين عند نهر خابور ان السماوات انفتحت فرايت رؤى الله. في الخامس من الشهر و هي السنة الخامسة من سبي يوياكين الملك. صار كلام الرب الى حزقيال الكاهن ابن بوزي في ارض الكلدانيين عند نهر خابور و كانت عليه هناك يد الرب.
تحديد زمان ومكان النبوة وإسم قائلها يعطيها واقعية ويجعلها جديرة بالثقة، فلا تبدو وكأنها قصة خيالية. ومن المفيد لنا أن نحتفظ بسجل لمعاملات الله الطيبة معنا، كما قال الرب لموسى “اكتب هذا تذكاراً فى الكتاب خر 17 : 14” ويكون حينما نعود لهذه الذكريات المعزية لعطايا الله أننا نمتلئ بأحاسيس الشكر لله وأحاسيس الفرح والثقة فى الله.
فى السنة الثلاثين = قد تكون سن النبى كما قال أوريجانوس، وقد تكون السنة الثلاثين لبدء إصلاحات يوشيا بعد عثوره على نسخة التوراة فى الهيكل، وقد تكون السنة الثلاثين من حكم نبو بلاسر والد نبوخذ نصر ملك بابل. وأغلب الظن أن هذه المناسبات الثلاث قد إجتمعت معاً فى هذه السنة، فالبابليين يحسبون تقويمهم من سنة تملك ملكهم، واليهود يبدأون تقويمهم من زمن بدء إصلاحات ملكهم يوشيا، إشتياقاً لرجوعهم من السبى. وقد توافق هذا التوقيت مع السنة الثلاثين من عمر النبى الذى كان مقرراً أن يبدء عمله الكهنوتى فيها، ولم يحدث بسبب السبى، فدعاه الله لما هو أسمى، أى للعمل النبوى، إذ رأى أمانة قلبه “كنت أميناً فى القليل أقيمك على الكثير مت 25 : 21”
طرق الله فى الرعاية والتأديب :- كانت هذه الرؤيا وسط ظروف كئيبة حتى يعزى الله شعبه المسبى عند نهر خابور. فقد كان هؤلاء المسبيين حسب ما أسماهم أرمياء النبى هم “التين الجيد”. وهؤلاء أرسلهم الله لبابل لأجل صلاحهم (أر 24 : 5). ولأجل صلاحهم النسبى لم يتركهم الله فى أورشليم التى كان الله ناوياً أن يضربها ويهدمها، فترك فيها التين الردئ، ولأجل صلاح المسبيين النسبى أقام الله لهم نبياً فى وسطهم ليعلمهم أن التأديب كان لخروجهم عن الناموس، ونلاحظ أن السبى كان عصا للتأديب بينما كان حزقيال شاهداً بكلمة الله حاملاً بها للمسبيين العزاء، فعلينا أن نستمع بجدية لكلمة الله وسط الحزن والألم، فتكون للعزاء وسط الألم، فأن كلمة الله وعصاه يعملان فى تناغم عجيب (هارمونى)، فكلمة الله تعزى وتسند المتألم وتشرح عصا التأديب والعصا تدعيم للكلمة، وكلاهما يعطيان حكمة ويقودان الإنسان المؤمن للكمال. ونلاحظ أن خطايا الشعب ورفضهم تحذيرات الأنبياء، بل سخريتهم منهم كان مدعاه لكى يرسلهم الله للسبى، وبالرغم من هذا فحينما كانوا يئنون من أثار خطاياهم هذه كان الله يشجعهم ويعزيهم. وشئ من هذا قد يصيبنا حينما يلقى الله إلينا بتأديباته من أجل خلاص نفوسنا فنرفضها بغباوة، ونرفض معها دون أن ندرى تعزيات الله. وهذا ما يعنيه مرنم النشيد حين يقول “شماله تحت رأسى (التأديبات) ويمينه تعانقنى (التعزيات) 2 : 6 “وهذا ما يعنيه المرنم أيضاً بقوله عصاك وعكازك هما يعزياننى مزمور 23 : 4
ونلاحظ أن الله أرسل لهم النبى فى السنة الخامسة من السبى وليس قبل ذلك ولقد تركهم الله طويلاً بدون أنبياء ولا تعزية، تركهم ينوحون أمامه وليس من يدلهم، وكان هذا حتى يقدروا النبى الذى سيرسله لهم ويقبلوه ويقبلوا رسالته، ونلاحظ أن الله ترك أرمياء لأهل أورشليم وأرسل حزقيال للمسبيين، فالله يرسل معلم لأولاده فى كل مكان.
كان النبى ضمن المسبيين بجانب أنهار بابل الذين علقوا قيثاراتهم على الصفصاف مز 137 : 1 – 6. وهكذا يسمح الله أن يحمل الراعى النير مع شعبه. وحزقيال وهو من رجال الله الأحباء، بل هو من أحسنهم نجد الله يسمح له بأن يشترك مع شعبه الخاطئ فى نكبته، وهكذا قد نرى كثيرين من أولاد الله الأعزاء يجربون فى النكبات العامة لهذه الحياة، بل يتحملون عقوبات خطايا لم يرتكبوها، وبهذا يتشبهون بالسيد المسيح، فهم بهذا يشعرون بالألام التى تقع على المتألمين، ولكن الفرق بين الصالح والشرير لا يكون فى الأحداث التى تقع على كليهما، بل فى موقفهم من هذه الأحداث، ومقدار العزاء والصبر والسلام الذى به يتلقون هذا الألم. وهذا يؤكد عظم المكافأة التى لهم أيضاً فى السماء. ويحدث هذا كله بسماح من الله، فكلمات الإدانة والنصح والتعزية التى نسمعها فى حياتنا تأتى أوقع حينما نسمعها من الذين يعانون نفس الألام، ولقد قيل عن السيد “فيما هو تألم مجرباً يقدر أن يعين المجربين (عب 2 : 18) فهؤلاء المسبيين البسطاء يتعلمون أفضل من خبرات راعيهم حزقيال رجل الله المسبى والمتألم مثلهم.
ونلاحظ أن النبوة ليست حكراً على أرض إسرائيل وحدها، بل هناك نبوات وسط الكلدانيين مما يعطى إشراقة أمل لكنيسة المسيح التى يشترك فيها الأمم مع اليهود، والله مازال يدعو جميع البشر وينذرهم وأيضاً يقبلهم. ومن هنا نفهم أنه فى أى مكان فى الأرض يمكن أن نظل فى شركة مع الله. إن حالة رجل الله لا تتوقف فى أى زمن على ظروفهم الخارجية أو أوضاعهم فى المجتمع الذى يعيشون أو يكرزون فيه، فقد سمح الرب للرسل أن يقيدوا ويسجنوا… ولكن ” كلمة الله لا تقيد 2تى 2 : 9″ ففى سجن بولس الرسول لم تقيد كلمة الله، وأيضاً يوحنا الرسول وهو منفى فى بطمس رأى رؤياه، وخدام الله الذين يعانون كانوا يعاملون على أنهم المفضلين وتعزياتهم غير مقيدة (2كو 1 : 5). وهنا نجد أن حزقيال رأى رؤياه العجيبة هذه وهو مسبى فى بابل.
الرؤيا العجيبة
جاءت هذه الرؤيا العجيبة، وفتحت السموات لحزقيال ليرى أموراً سماوية رمزية عجيبة وعظيمة لترفع نفس الشعب الذى تأثر بعظمة البابليين وآلهتهم الوثنية وكانت الرؤيا لحزقيالليقرره الله كنبى مرسل، وهكذا حدث مع إشعياء (أش 6) وأرمياء (أر 1) وإبراهيم (أع 7 : 2). وبدأ الله مع كل منهم برؤيا عظيمة، حتى لا يحتاجوا كل مرة لرؤيا مع إعلان، فعلى من يخدم الله ويدعو لمحبته أن يعرف أكثر ويدخل إلى العمق ليؤثر فى القلوب، ولهذا أيضاً سمح الرب لتوما أن يضع إصبعه فى جروحه حتى يزول منه كل شك قبل أن يبدأ الكرازة. ولذلك حتى يرسل الله حزقيال بقوة ويعطيه دفعة طول العمر فى خلال مدة خدمته الصعبة فتح الله له السموات، الله بهذا كان يعده إذ يسمع صوت الله فى ملء القوة مباشرة فيذهب ممتلئاً بكل قوة.
وكانت عليه هناك يد الرب = يد الرب تمتد مع كلمته حتى تصبح مؤثرة، أى أن يد الرب كانت عليه لتفتح عينيه وأذنيه فيرى ويسمع ويدخل كل هذا لقلبه فيفهم. ويد الرب كانت عليه لتحفظه فلا يهلك حين يرى مجد الرب كما كانت يد الرب على موسى ليحفظه خر 33 : 22. وكانت يد الرب عليه حتى تقيمة وتدعمه عندما سقط عند قدمى الرب كميت (1 : 28 + 2 : 1، 2) وهذا حدث مع يوحنا رؤ 1 : 17
الأيات 4 – 14 :-
فنظرت و اذا بريح عاصفة جاءت من الشمال سحابة عظيمة و نار متواصلة و حولها لمعان و من وسطها كمنظر النحاس اللامع من وسط النار. و من وسطها شبه اربعة حيوانات و هذا منظرها لها شبه انسان. و لكل واحد اربعة اوجه و لكل واحد اربعة اجنحة. و ارجلها ارجل قائمة و اقدام ارجلها كقدم رجل العجل و بارقة كمنظر النحاس المصقول. و ايدي انسان تحت اجنحتها على جوانبها الاربعة و وجوهها و اجنحتها لجوانبها الاربعة. و اجنحتها متصلة الواحد باخيه لم تدر عند سيرها كل واحد يسير الى جهة وجهه. اما شبه وجوهها فوجه انسان و وجه اسد لليمين لاربعتها و وجه ثور من الشمال لاربعتها و وجه نسر لاربعتها. فهذه اوجهها اما اجنحتها فمبسوطة من فوق لكل واحد اثنان متصلان احدهما باخيه و اثنان يغطيان اجسامها. و كل واحد كان يسير الى جهة وجهه الى حيث تكون الروح لتسير تسير لم تدر عند سيرها. اما شبه الحيوانات فمنظرها كجمر نار متقدة كمنظر مصابيح هي سالكة بين الحيوانات و للنار لمعان و من النار كان يخرج برق. الحيوانات راكضة و راجعة كمنظر البرق.
ما هو القصد الإلهى من هذه الرؤيا ؟
1- يعطى الله لحزقيال فكرة عظيمة ومؤثرة عن نفسه، ليشعر بشرف خدمة الله وكأنه أصبح أحد ملائكته المرسلين. وليعطى حزقيال قوة قادرة أن تدفعه خلال سنوات خدمته، فلا يعتذر عن هذه الخدمة الثقيلة بسبب غلظة الشعب.
2- يستثير خوف الشعب سواء فى أورشليم أو فى بابل، الشاعرين بالأمان الزائف بالرغم من خطاياهم مستهينين بتحذيرات الأنبياء أن أورشليم ستخرب
3- يعزى الخائفين الذين إرتعدوا من كلامه وتواضعوا أمام يده القديرة. مع أنهم ليسوا فى أورشليم المدينة المقدسة، مع أن هناك كثيرين يتذكرون الله فقط فى المواضع المقدسة، وعندما يغادرونها يعتبرون أنفسهم متحررين من وصايا الله.
4- يعطى فكرة كإعلان مسبق أن الكنيسة ستكون فى كل مكان ولجميع شعوب الأرض
5- نرى الله هنا مخدوماً بواسطة ملائكته، وهم رسله وخدامه ينفذون أوامره ويصغون لصوت كلمته، فندرك عظمة الله ونثق فيه، ويثق فيه هؤلاء المسبيين فى بابل. بل يدركوا تفاهة أوثان بابل مهما كانت عظمتها.
ريح عاصفة… نار متواصلة… سحابة = فى الإعلان عن مجد الرب، غالباً ما تظهر هذه الأمور الثلاثة كما حدث يوم الخمسين، ريح عاصف يملأ البيت وألسنة نار تحل على التلاميذ أع 2 : 2. والرب كلم أيوب من العاصفة 38 : 1 وراجع خر 24 : 16 – 18 “وحل مجد الرب على جبل سيناء وغطاه السحاب… وكان منظر مجد إلهنا كنار آكلة” + “تث 4 : 24 الرب الهك هو نار آكلة” + “لأن إلهنا نار آكلة عب 12 : 29”. والسحاب يلازم ظهور مجد الرب.
ريح عاصفة جاءت من الشمال = قد تكون لتنقية الجو لظهور مجد الله ولكنها تعبر عن الطاقة الإلهية التى تظهر فى حركات الطبيعة وتعلن فيها. وكلمة ريح وكلمة روح هما كلمة واحدة فى العبرية، وقد ربط السيد له المجد بينهما فى يو 3 : 8. فالريح هى إعلان عن عمل الروح القدس، وكما أن الريح لا يراها أحد ولكن نلمس أثارها فيما تحركه بشدة، هكذا الروح القدس لا يراه أحد ولكننا نلمس عمله فى تغيير القلوب بشدة. ونراه يحرك الأحداث كما حرك جيش الكلدانيين الآتى من الشمال ضد أورشليم الخاطئة وسفر أعمال الرسل يسمى سفر أعمال الروح القدس، فالروح القدس دائماً يعمل دون أن نراه ولكننا نلمس عمله :-
1- فى هز أساسات القلب القديمة ليقيم منه مقدساً جديداً
2- فى تحريك الأحداث لمجد الله، وهنا يحرك جيش بابل الذى سيغير على أورشليم مثل العاصفة أر 1 : 14
سحابة عظيمة = سبق ورأينا هبوب ريح عاصفة لكى تطرد الضباب الموجود فى المنطقة لتنقى السماء والهواء وليكون هناك صفاء ليظهر مجد الرب وهذا إعلان عن أن الله يلاشى الحواجز التى تمنعنا من أن نراه، فليس المهم أن يلاشى الله الضباب والسحاب حتى يظهر نوره، بل أن الله يميت الخطية فى القلب لنرى مجده، فالخطية هى التى تمنعنا من رؤية الله ومجده. وهذا ما رأيناه سابقاً أن الروح (الريح) تهز أساسات القلب لتقيم منه مقدساً جديداً، فيكون هناك صفاء فى الذهن قادر أن يعاين مجد الله. ومع أن الريح طردت ولاشت السحاب الصادر من الأرض (أى أفكار وشهوات الخطية) إلا أن الريح تلازمت وتزامنت مع سحابة أخرى عظيمة. فبعد صفاء الذهن وسلام القلب نستطيع أن نرى جيداً… ولكن نرى ماذا ؟ بالطبع لن نستطيع أن نرى كل شئ، ولن نستطيع أن نرى مجد الله ونحن فى هذا الجسد. “لا يرانى الإنسان ويعيش خر 33 : 20”. وهذا يكون طالما نحن فى جسد الخطية هذا رو 7 : 14 – 24. لذلك فقد رأى النبى أشباه الأشياء (حز 1 : 5،10، 13، 22، 26، 28). وهذا ما قاله بولس الرسول، أن الأشياء السماوية تكون مستورة عنا لا نستطيع أن نراها بل ما نراه يكون “كما فى لغز كما فى مرآة 1كو 13 : 12”. وهذه السحابة التى ظهرت مع الريح العاصفة كانت لتحجب نور الله ومجده عن حزقيال فلا يموت، هى مثل السحاب الذى يحجب نور وحرارة الشمس فلا نرى سوى نوراً بسيطاً هكذا هذه السحابة حجبت عن حزقيال مالا يستطيع أن يراه وإلا يموت، فما رآه حزقيال كان بقدر ما تحتمل بشريته، وحتى ما رآه بعد أن حجبت السحابة معظم نور ومجد الله، ما رآه جعله يسقط كميت (1 : 28 + 2 : 1، 2) إذاً الريح العاصفة كانت لإعداد حزقيال ليرى، والسحابة كانت لتحديد ما يراه حزقيال لكى لا يهلك.
والسحابة لازمت ظهور مجد الله دائماً، فظهرت مع الشعب حين صاحبهم الله فى البرية، وظهرت فى تدشين خيمة الإجتماع والهيكل بعد ذلك فى أورشليم وظهرت السحابة فى صعود الرب، وسيأتى الرب على السحاب. وفى التجلى ظهرت سحابة. والسحاب فى إرتفاعه عن الأرض يشير لمجد الله القدوس المرتفع عن الأرضيات والمتسامى عنها كثيراً، والسحاب مصدر المطر، والمطر هو خير العالم، وأعظم خير لنا من فوق هو الروح القدس. لذلك فالماء فى الكتاب المقدس يشير لعطايا الروح القدس “من آمن بى تجرى من بطنه أنهار ماء حى يو 7 : 28، 39”.
بل أن القديسون تم تشبيههم بالسحاب فى كثرتهم وتساميهم عن الأرضيات “إذ لنا سحابة من الشهود مقدار هذه محيطة بنا عب 12 : 1. والعذراء شبهت بسحابة سريعة أش 19 : 1 هوذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر.
نار متواصلة = كان الرب يتراءى لشعبه فى العهد القديم فى جبل سيناء ومنظره يشبه نار آكلة (مز 24 : 16، 17) وكان ظهوره لموسى فى العليقة كنار، وكان غضب الله ينصب أيضاً على الخطاة فى صورة نار تأكلهم
عد 11 : 1، 2 + عب 10 : 27. والروح القدس حل على التلاميذ على هيئة ألسنة نار.
وقيل أيضاً عن ملائكة الله أنهم ” رياحاً وخدامه لهيب نار عب 1 : 7″ وخادم الله يجب أن يكون ملتهباً فى خدمته لأنه مكتوب “ملعون من يعمل عمل الرب برخاوة”. ويكون ملتهباً أيضاً فى حبه لله، فهناك خطية عظيمة لا يعتبرها بعض الناس هكذا وهى نقص المحبة “عندى عليك أنك تركت محبتك الأولى رؤ 2 : 4 “. وهذه النار المتواصلة إشارة لأن الله قادر أن يملأ قلوب شعبه وخدامه بمحبة نارية إن هم لم يقاوموا عمل الروح القدس فيهم. ومن لا يمتلئ قلبه بالمحبة لا يستطيع أن يعمل لحساب الله.
وهذه النار أيضاً تنقى أولاد الله كما ينقى الذهب من الزغل بالنيران، هى نار تحرق الخطايا فى داخل قلوب شعب الله لذلك يسمى الروح القدس روح إحراق أش 4 : 4. حينما نمتلئ من الروح القدس فهو يحرق صورة الترابى ليعطى لنا صورة السمائى. ومن تحترق الخطية فى قلبه يلتهب قلبه بالحب.
وحولها لمعان = أى حول النار. فنحن لا يمكننا فى بحثنا عن الله أن نراه عياناً، كما لا يمكننا رؤية مجده، ولكن الذى نستطيع أن نراه من بهاء مجده هو هذا اللمعان، هذا هو ما أمكن النبى أن يراه من خلال السحابة. وكما رأى موسى قليلاً من مجد الله (خر 33 : 23)، رأى حزقيال هذا اللمعان، بقدر ما يحتمل.
النحاس = الذهب فى الكتاب المقدس ذكر أولاً تك 2 : 11 وهو يشير لمجد الله الذى كان آدم يعاينه وهو فى الجنة. ولذلك نسمع أن أورشليم السمائية كلها ذهب رؤ 21 : 18، 21 والمعنى أن ما فقده آدم، إذ بخطيته حرم من السماويات سنستعيده ثانية فى الحياة الأبدية وسنعود نرى مجد الله. وبينما ذكر الذهب قبل السقوط، كان أول ذكر للنحاس بعد السقوط فى تك 4 : 22. وقد ذكر مع عائلة قايين. وإستعمل النحاس فى صنع السلاسل التى يقيد بها الأسرى مثل شمشمون وصدقيا قض 16 : 21 + 2مل 25 : 7. وكان تهديد الله لشعبه إذا أخطأ أن السماء تصير نحاساً لهم أى لا تمطر تث 28 : 23 + لا 26 : 9 وهذه لعنة. ونسمع فى أش 48 : 4 أن النحاس يشير للعناد وقساوة القلب. وبهذا نفهم أن النحاس يشير للخطية والدينونة، فالمسيح صار خطية لأجلنا، ليدين الخطية ويدين إبليس، لهذا نرى قدماه نحاسيتان رؤ 1 : 15 ليدك بهما إبليس والخطية، أيضاً كانت الحية النحاسية ترمز للمسيح المصلوب، وكان مذبح المحرقة من نحاس ومذبح المحرقة رمز للصليب الذى به دان السيد إبليس والخطية. وقيد السيد المسيح إبليس بسلسلة رؤ 20 : 1، 2 (راجع أيضاً 2كو 5 : 21 + يو 3 : 14) فالنحاس إذاً يشير بإختصار لدينونة الخطية. وهنا حزقيال يرى من وسط النار كمنظر النحاس اللامع = وفى هذا إشارة لطبيعة عمل الملائكة المزمع أن يقوموا به ضد أورشليم، أى دينونة أورشليم الخاطئة، وسيكون هذا بتحريك جيش بابل ضد أورشليم. فالنحاس اللامع هذا يشير للملائكة فى هذه الرؤيا. وعملهم فى الدينونة نراه واضحاً فى حز 9 : 1 – 7. ونلاحظ فى آية 27 أن المسيح (وهذا سنراه فى حينه) له منظر النحاس اللامع أيضاً أى أن الملائكة يعكسون صورة الله، وأن الله يتصور فيهم. وهذا ما سوف يحدث لنا فى السماء نحن أيضاً فسنكون مثله لأننا سنراه كما هو 1يو 3 : 2 + فى 3 : 21. وهذا يبدأ لنا من الآن، إذ أن بولس يقول “يا أولادى الذين أتمخض بكم إلى أن يتصور المسيح فيكم غل 4 : 19”. والمسيح يقول عن نفسه أنا هو نور العالم ويقول لنا أنتم نور العالم.
ومنظر النحاس اللامع من وسط النار يعبر عن التجسد الإلهى وإتحاد اللاهوت بالناسوت. فالنحاس يشير لجسد المسيح والنار تشير للاهوته. ونحن عرفنا أن المقصود فى آية 27 أنه هو المسيح إذ قيل عنه ” وعلى شبه العرش شبه كمنظر إنسان” فهو ملك الملوك الذى سيتجسد فى ملء الزمان. ولا يوجد من له عرش تحمله الملائكة سوى الله.
شبه أربعة حيوانات = رأى حزقيال شبه أربعة مخلوقات حية، فكل ما كان يراه هو أشباه الحقائق لأنه يستحيل رؤية السماويات ونحن مازلنا فى هذا الجسد الترابى. وهذه الأربعة الحيوانات هى الكاروبيم كما يتضح من حز 10 : 1 ورآهم أيضاً يوحنا اللاهوتى فى رؤياه (4 : 6 – 8). وقيل عنهم فى الرؤيا أنهم مملوئين عيوناً إشارة لمعرفتهم غير المحدودة لله
إذاً الأربعة حيوانات هم ملائكة، ورآهم حزقيال فى هذا الشبه، كما كان يحدث فى اللغة الهيروغليفية من إستخدام أشكال للتعبير عن معانى الأشياء وهذه هى الأشكال التى رآها الله مناسبة لتصور العقل البشرى، ولنعرف شيئاً عن هؤلاء الملائكة ولنفهم عملهم. ونراهم من رحمة الله ومحبته وأيضاً فى محبتهم هم أيضاً للبشر أنهم أرواحاً خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص عب 1 : 14. وأعداد الملائكة ألوف ألوف وربوات ربوات (دا 7 : 10 ) وهم فى فرحهم بالله لا يكفون عن التسبيح رؤ 4 : 8 – 11 + 5 : 8 – 14 والملائكة لا تموت لو 20 : 36 فهم يستمدون حياتهم من الجالس على العرش وهكذا سنكون نحن فى القيامة. وعددهم أربعة، ولكلٍ أربع وجوه، فرقم 4 يمثل العالم الذى يديرهالله بالملائكة، ورقم 4 يدل على أن كل حركة فى الأرض هى تحت سيطرة الله ضابط الكل، فمثلاً فى مت 24 : 31 نسمع أن الملائكة تجمع المختارين من الأربع رياح، وزكريا النبى رأى أربعة مركبات يتحركون خارجين لكل أنحاء الأرض (زك 6 : 1، 5) ويمثلون أرواح السماء الأربع خارجة من الوقوف لدى سيد الأرض كلها، والمعنى أن الله يؤكد سيطرته بعنايته الإلهية الفائقة عن طريق ملائكته الذين ينفذون مشيئته فى كل العالم.
هذا منظرها لها شبه إنسان = كلمة حيوانات غير دقيقة والترجمة الدقيقة “مخلوقات حية” ولهم شبه إنسان، فالحيوانات تنظر لأسفل دائماً، وهذا ما يفرق بينها وبين الإنسان الذى له رأس ينظر لفوق دائماً. وهؤلاء الملائكة إذ لهم شبه إنسان، إذاً هم لا ينظرون لأسفل أى ليس لهم أى شهوة أرضية، بل ينظرون لله ولا يشتهون سواه ولا يطلبون سوى مجد الله فقط فى كل ما يعملون، وفى كل ما يفكرون.
وقطعاً فى قوله شبه إنسان إشارة لأنهم مخلوقات عاقلة مدركة. وفى ظهورهم فى شبه إنسان كرامة للإنسان، ويشير هذا أيضاً أن الله يستخدمهم لتدبير أمور البشر بحسب مشيئته الإلهية. وفى هذه الأيات من سفر الرؤيا نراهم فى وحدة معنا يتكلمون بإسمنا… ألم يوحدنا المسيح بصليبه مع السمائيين وصار رأساً للسمائيين والأرضيين
أف 1 : 10، والمسيح هو الذى جعل الإثنين واحداً أف 2 : 14 “أى السماء والأرض”
أما شبه وجوهها فوجه إنسان ووجه أسد ووجه ثور ووجه نسر بالإضافة للمظهر الإنسانى العام كان للكاروبيم أربع وجوه نفهمها كالتالى :-
1- حين يستخدمهم الله فى تنفيذ قضائه ضد أعدائه فهم عنفاء وأقوياء كالأسد وهم لهم حدة نظر فى تتبع الفريسة كالنسر. وحين يستخدمهم اللع لخدمة شعبه فهم كالثور فى القوة والتحمل فى العمل وميالين للخدمة، وهم لهم وعى وإدراك كالإنسان، عموماً فمع أن لهم منظر إنسان إلا أن إمكانيتهم تفوق البشر بمراحل. ففى القوة هم كالأسد وفى حدة البصر هم كالنسر… وهم فى تحليقهم فى السماويات كالنسر، ويروا الأسرار الإلهية من بعيد، أى لهم حدة بصر فى الأمور السماوية يعبر عنها بالنسر، ولكن مع أن لهم قوة الأسد وتحمل الثور فهم لهم رقة الإنسان.
2- يرى أباء الكنيسة أن كلمة كاروب تعنى معرفة، لذلك قيل عنهم أنهم مملوئين عيوناً رؤ 4 : 8. والمعنى أنهم يعرفون الله فهم يرونه
وكيف نعرف نحن الله ؟ نعرف الله خلال كلمات الكتاب المقدس. فلقد قيل عن المسيح أنه كلمة الله، والكتاب المقدس هو كلمة الله. والمعنى أنه كلما درسنا وتأملنا كلمة الله المكتوبة نرى كلمة الله إبن الله، ربنا يسوع ونعرفه فتكون معرفته حياة لنا “هذه هى الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك ويسوع المسيح الذى أرسلته يو 17 : 3. ونحن سوف نحيا للأبد بمعرفتنا لله، وهذا هو معنى الأكل من شجرة الحياة الأبدية (رؤ 22 : 2) بمعنى أن معرفة الله ستكون لنا حياة أبدية.
ونسمع أن الله جالس على الشاروبيم مز 18 : 1 + مز 80 : 1 + مز 99 : 1 فما معنى أن الله جالس على الشاروبيم ؟ الجلوس معناه الراحة. أى أن الله يرتاح فيهم.. وذلك لأنهم يعرفوه حقاً. والله يرتاح فينا إذا عرفناه، وهذا يأتى عن طريق دراستنا للكتاب المقدس. لذلك شبه الأباء إنجيل متى بالإنسان، أى يرمز لإنجيل متى بوجه الإنسان للكاروبيم (فإنجيل متى أكثر من تكلم عن المسيح كإبن للإنسان) ويرمز لإنجيل مرقس بوجه الأسد (فإنجيل مرقس مهتم بإبراز قوة المسيح للرومان) ويرمز لإنجيل لوقا بوجه الثور (فهو يبدأ بالكهنوت، كهنوت زكريا) وإنجيل يوحنا يرمز له بوجه النسر (إذ يحدثنا عن لاهوت المسيح).
وعن طريق الأربعة الأناجيل نعرف المسيح، وبهذا نتحول لمركبة كاروبية ويرتاح الله فينا. ومن يرتاح الله فيه يحيا إلى الأبد، لذلك فمعرفة الله ومعرفة يسوع المسيح هى حياة أبدية. والمعنى أنه من خلال المعرفة التى نحصل عليها من الأناجيل تصير حياتنا مركبة تحمل فيها الله.
3- ولكن الله لا يستريح إلا فيمن تقدس، وكيف نتقدس ؟ إننا نتقدس بعمل المسيح الفدائى والذى يشير له الأربعة الحيوانات فوجه الإنسان يشير لتجسد المسيح، ووجه الثور يشير لأنه قدم نفسه ذبيحة على الصليب، ووجه الأسد يشير لقيامته، ووجه النسر يشير لصعوده.
4- وماذا يعنى التقديس ؟ يعنى أن تتقدس كل طاقاتنا، أى تعمل لحساب مجد الله، وهذا يشير إليه أيضاً الوجوه الأربعة للحيوانات فوجه الإنسان يشير للقوى العقلية والذهنية فى الإنسان، ووجه الأسد يشير للقوى العضلية، ووجه الثور يشير للقوى الشهوانية ووجه النسر يشير للقوى الروحية. وهذه القوى جميعاً تقدست بعمل المسيح الفدائى. فأصبح الإنسان كمركبة تحمل الله.
5- وحينما يتقدس الإنسان يستطيع أن يشفع فى الخليقة، فالكاروبيم بهذه الوجوه الأربعة يشفعون فى كل الخليقة، فوجه الإنسان يشير لشفاعة الكاروبيم عن البشر، ووجه الثور يشير لشفاعة الكاروبيم عن حيوانات الحقل، ووجه الأسد يشير لشفاعة الكاروبيم عن حيوانات البرية، ووجه النسر يشير لشفاعة الكاروبيم عن الطيور، ولكن لا شفاعة عن الزواحف فمنهم الثعبان (إشارة لمن يتبع الشيطان) ولا شفاعة عن الأسماك (إشارة لمن غرق فى بحر هذا العالم بشهواته). ومن تقدس وعرف الله يستطيع أن يشفع فى الخليقة، فخطية الإنسان لعنت الأرض، والأرض والخليقة تنتظر حرية مجد أولاد الله حتى تعتق من عبودية الفساد رو 8 : 21 وهكذا قيل أنه بسبب الأنبا بولا يفيض نهر النيل فى مصر.
والكاروبيم لهم قصتهم مع الإنسان فبعد الخطيئة، وقف ملاك كاروبيم يمنع البشر من الوصول لشجرة الحياة الأبدية، وذلك معناه أن الله لا يريد أن الإنسان يحيا للأبد وهو مشوه بالخطية. وفى سفر الرؤيا نجدهم يسبحون الله على خلاص الإنسان. فهم مهتمون بخلاصنا وبحياتنا الأبدية ولكن بدون التشوهات التى لحقت بنا بسبب الخطية. ونجد هنا كاروبين مظللين فوق تابوت العهد يكلم الله من خلالهما موسى ورؤساء الكهنة، وكانوا ناظرين للغطاء المغطى بدم الكفارة، وكأنهم شهود على رحمة الله. وبهذا يظهر الله لنا محبة الكاروبيم، وهم فى معرفتهم لله يعرفون محبته للبشر، وهم شهود على رحمته بالبشر.
لكل واحد أربعة أجنحة = الملائكة أرواح وليس لها أجنحة مرئية وتصويرهم هنا بأجنحة إشارة إلى أنهم يطيرون صعوداً لله وينزلون للبشر لتنفيذ مشيئة الله، وبعد أن ينفذوا مشيئة الله يصعدون ثانية ليقدموا حساب عن عملهم لله. وقارن مع أش 6 : 2 حيث نجد أن السرافيم لهم ستة أجنحة بإثنين يغطى وجهه وبإثنين يغطى رجليه وبإثنين يطير. وقارن مع رؤ 4 : 8 حيث نجد أن الكاروبيم لهم أيضاً ستة أجنحة. ومن هذا نفهم أن تغطية وجوههم تعطينا فكرة عن عظمة مجد الله، وأن حتى الكاروبيم لا يحتملونه. وتغطية أجسامهم تعنى الخشوع أمام الله، وأنهم فى تواضع يخفون أنفسهم ليظهر مجد الله فقط لا مجد أنفسهم، فهذه مثل “ينبغى أن هذا يزيد وإنى أنا أنقص كما قال يوحنا المعمدان عن المسيح. والسؤال إذا كان للكاروبيم ستة أجنحة فلماذا رأى حزقيال لهم أربعة أجنحة فقط ؟ الإجابة تتضح بمقارنة مكانهم الذى رآهم فيه أشعياء (6 : 2) حيث قيل أن أشعياء رأى السارافيم فوق العرش أما حزقيال فلقد رأى الكاروبيم تحت العرش، فإذا كانوا فوقه يحتاجون لجناحين يغطون بهما وجوههما، أما لو كانوا تحت العرش فهم لا يستعملون هذين الجناحين. وهناك رأى آخر أن هذين الجناحين هما المقبب الذى فوق رؤوسهم حز 1 : 22
وأجنحتها متصلة الواحد بأخيه = هذا تعبير عن الوحدة بينهم والإتفاق العام حيث أن هناك سلاماً كاملاً فى السموات
أما أجنحتها فمبسوطة = غير مطوية، وهذا إشارة لأنهم فى حالة إستعداد دائم لتنفيذ أوامر الرب فوراً.
أرجلها أرجل قائمة = أى مستقيمة ثابتة، ولا تثنى بسبب صعوبة الخدمة ولا تكل. كما قيل عن عريس النشيد أن ساقاه عمودا رخام نش 5 : 15
أقدام أرجلها كقدم رجل العجل = والعجل يشق الحافر وهذا إشارة لطهارة الحيوان بحسب شريعة العهد القديم. والمقصود طهارة إتجهاتهم وحركاتهم. أى إستعدادهم لتنفيذ مشيئة الله بلا أى تردد أو تمرد، هم رهن المشيئة الإلهية أما من يكون فى حالة تذمر وتمرد على أحكام الله فهذا يكون غير طاهر. والحيوان الطاهر له صفتين بحسب شروط الناموس 1) يشق الحافر 2) يجتر
والحافر هو الجزء الميت فى جسم الحيوان. وفى تأمل صفات الطهارة نستنتج أن الإنسان الطاهر هو من له نفس الصفات أى :-
1- يكون الجزء الميت فيه (الجسد) مشقوقاً أى يصلب شهواته رو 12 : 1 + غل 5 : 24
2- أن يجتر ويردد كلام الله وإسم الله طوال اليوم تث 6 : 4 – 9 + 1تس 5 : 17 وهذا ما يعمله هؤلاء الملائكة الطاهرين فهم :- لا يطلبون شيئاً لأنفسهم بل هم يطلبون مجد الله، وهذا نراه فى تغطيتهم لأجسامهم بأجنحتهم أمام الله وهم لا يكفون عن تسبيح الله قائلين قدوس قدوس قدوس أش 6 : 3. بل هم يسبحون الله على عمله وفدائه للإنسان رؤ 5 : 9 – 14 + رؤ 4 : 8 – 11
أيدى إنسان تحت أجنحتها = لا نرى إنسان فى هذا المشهد السماوى إلا ذاك الذى يجلس على العرش (حز 1 : 26) أى إبن الله فى أحد ظهوراته قبل التجسد، وهو يظهر هنا فى شبه إنسان كإشارة 1) أنه سيأخذ جسد إنسان فى ملء الزمان 2) أنه يدبر حياة البشر كضابط الكل، وأنه يهتم بالإنسان ويرسل ملائكته لتنفيذ مشيئته وخطته تجاه البشر، وهذا معنى ظهور أيدى إنسان تحت أجنحتها، فالملائكة تعمل بقوة ذاك الجالس على العرش، وبحسب ما يحركهم، الإبن هو الذى يعطيهم الحركة، ولاحظ أن أيدى الإنسان تحت الأجنحة، والأجنحة وظيفتها الحركة، أى أنه هو الذى يحركهم… وذلك لتدبير كل أمور البشر. وقوله أيدى إنسان تحت أجنحتهم تذكرنا بقول بولس الرسول عن الإبن أنه حامل كل الأشياء بكلمة قدرته عب 1 : 3. والعجيب أننا نرى فى هذا المشهد أن الملائكة تحمل العرش، وأن الله يحمل الملائكة. فالله ليس فى حاجة لمن يحمل عرشه فهو حامل الجميع حتى الملائكة، ولكنه يعطى كرامة للملائكة بأن يجعلهم حاملى العرش، والله ليس فى حاجة لى كإنسان، لكنه يبحث عن قلب طاهر محب له يرتاح فيه ويسكن عنده، ويتحول هذا القلب إلى مركبة كاروبية تحمل الله فى داخلها، وفى نفس الوقت تكون يد الله هى التى تحمل هذا الإنسان وتحركه وتعمل به، وإذا كان الله هو الذى يعمل فى الإنسان ويحركه، فهل يصح أن يفتخر الإنسان بأى نجاح يحققه، راجع 1كو4 : 7 + 1كو 15 : 10 + يع 1 : 16، 17. وهذا هو معنى “لا تعرف شمالك ما تفعله يمينك” وهذا معنى أن أيدى الإنسان تحت الأجنحة أى أن الله هو العامل حقيقة
لم تدر عند سيرها = أى حركة بلا تردد، ولا إلتفات للوراء كإمرأة لوط، وهكذا قيل عن المسيح ” وحين تمت الأيام لإرتفاعه ثبت وجهه لينطلق إلى أورشليم لو 51:9 ” أما الإنسان، فقد يسير فى طريق الله يوماً منفذاً إرادة الله، ثم نجده يوماً آخر يدور فى إتجاه مضاد باحثاً عن إرضاء شهواته، منشغلاً بأمور تافهة. هذا ما يعبر عنه بالعين البسيطة أى أن الإنسان لا يكون له سوى هدف واحد هو مجد الله، وهكذا هم هؤلاء الملائكة = كل واحديسير إلى جهة وجهه = حيثما وجهه الله، الذى يده تحت أجنحتهم يوجههم، ينطلقون بلا تردد إلى حيث تكون الروح لتسير تسير = هذا الروح قد تكون روحهم هم وحسب ما يقودهم الروح فإلى هناك يذهبون. فهم أرواح لا أجساد لهم تعوقهم، أما نحن فحينما نريد أن نعيش بالروح، نجد الجسد ضعيف لا يستطيع أن يتابع نشاط الروح، بل أن كلاهما، أى الجسد والروح يقاوم أحدهما الآخر (غل 5 : 17) (على أن هذا ليس مبررا للتكاسل فمن يستجيب لعمل الروح سيجد معونة كافية ولن يكمل شهوة الجسد غل 5 : 16، 25). وكل من يستجيب لضعف الجسد وشهواته لن يستطيع أن يكمل الصلاح الذى يريده الروح أن يعمله. أما الملائكة كأرواح لا يعوقهم أى عجز جسدى، وهكذا سنكون فى السماء حين نلبس الجسد الممجد الذى لن يكون عائقاً لنا، بل حينئذ سنكون كملائكة الله مت 22 : 30
وقد يكون الروح هنا فى هذه الآية هو روح الله القدوس الذى يحركهم. عموماً فهم كأرواح مقدسة، هم خاضعين لقيادة الروح القدس. ونقول أنهم كأرواح مقدسة، قد وضعوا أنفسهم بكل مالهم من حكمة تحت تصرف الإرادة الإلهية ليحققوا خطة الله وينفذوا أوامره فى طاعة وبساطة وهكذا كل من يسلك بالروح، فالروح القدس يقود روحه، وروحه تقود جسده، فيكون بكليته خاضعاً لعمل الروح القدس. وفى حالة الملائكة نجد الصورة المثلى لهذا فالروح القدس يقود أرواحهم بلا أى مقاومة فهم أرواح بلا أجساد.
شبه الحيوانات فمنظرها كجمر نار.. كمنظر مصابيح.. هى سالكة بين الحيوانات فى الترجمة الإنجليزية تزداد الآية وضوحاً وتجئ هكذا “شبه الحيوانات فمنظرها كجمر نار… كمنظر مصابيح، والنار تروح وتجئ بين الحيوانات” وراجع ص 12 لترى أن النار إشارة لعمل الروح القدس النارى فيهم، هو يشعلهم ليصيروا كجمر نار، ويكونوا كمصابيح. الروح القدس وسطهم يحركهم ويشعلهم بالحب فيصرخون قائلين “قدوس قدوس قدوس”. الطبيعة النارية لله هى 1) تشعل الحب فى قلوب أولاده، وتحرق أشواك الخطية فيهم وكلما إحترقت أشواك الخطية، كلما إزداد الحب إشتعالاً. 2) أما بالنسبة للخطاة، فالله كنار آكلة، ويصير لهم الله ناراً تحرقهم وتبيدهم وهذا ما سنراه فى تنفيذ العقوبات على أورشليم حز 10 : 2 “إملأ جفنتيك جمر نار من بين الكاروبيم وذرها على المدينة”. وهذه المحبة الملتهبة فى قلوب هؤلاء الملائكة تظهر فى تنفيذهم الفورى لأوامر الله، ثم رجوعهم فى إشتياق إلى الله بعد أن ينفذوا أوامره وهذا ما تم التعبير عنه هكذا = الحيوانات راكضة وراجعة كمنظر البرق هم لا يطيقون الإبتعاد عن إلههم سر بهجتهم، ولا يطيقوت أيضاً إلا أن ينفذوا إرادته، فهذا هو الحب، لذلك يذهبون للتنفيذ ويعودون كالبرق، وهل نتعلم منهم سر الفرح الحقيقى، أن ننهى أعمالنا الأرضية سريعاً، ونرجع بأقصى سرعة عائدين لحضن إلهنا الحنون فى مخدعنا. ولاحظ أنهم لإمتلائهم من الروح القدس، فهم صاروا مخلوقات نيرة، نورانية، كمصابيح، أما الشيطان يقال عنه سلطان الظلمة لو 22 :53 وبنفس المفهوم فكل من يمتلئ الآن من الروح القدس يكون نوراً للعالم مت 5 : 14. أما من يسلك فى الخطية ويطفئ الروح القدس الذى فيه فهو فى الظلمة يو 3 : 19 + رو 13 : 12 + أف 5 : 11 + يو 12 : 35
ونلاحظ أن النبى حين تطلع لهذه الحيوانات رآها كلها وجوه وبلا ظهر، إذ يليق بالمخلوق الحامل للعرش الإلهى، وقد تراءى أمام هذا المجد أن يعطى لله الوجه لا الظهر، وأن يكون دائم التطلع لله، ولذلك فحين أخطأ الشعب لله فى القديم عاتبهم قائلاً “حولوا نحوى القفا لا الوجه أر 2 : 27” وطقسياً فالكاهن أو الشماس يخرج من الهيكل ووجهه تجاه المذبح، وبعد تحول الأسرار إلى جسد المسيح ودمه لا يعود الكاهن ينظر للشعب ليباركه حتى لا يعطى ظهره لجسد المسيح ودمه اللذان هما على المذبح. هؤلاء الملائكة هم سماء إذ يحملون عرش الله، والعذراء لأنها حملت المسيح فى بطنها تسميها الكنيسة “سماء ثانية جسدانية” وكل منا يستطيع أن يتحول إلى سماء فى علاقته بالله إذا تشبه بهؤلاء الملائكة.
الأيات 15 : 25 :-
فنظرت الحيوانات و اذا بكرة واحدة على الارض بجانب الحيوانات باوجهها الاربعة. منظر البكرات و صنعتها كمنظر الزبرجد و للاربع شكل واحد و منظرها و صنعتها كانها كانت بكرة وسط بكرة. لما سارت سارت على جوانبها الاربعة لم تدر عند سيرها. اما اطرها فعالية و مخيفة و اطرها ملانة عيونا حواليها للاربع. فاذا سارت الحيوانات سارت البكرات بجانبها و اذا ارتفعت الحيوانات عن الارض ارتفعت البكرات. الى حيث تكون الروح لتسير يسيرون الى حيث الروح لتسير و البكرات ترتفع معها لان روح الحيوانات كانت في البكرات. فاذا سارت تلك سارت هذه و اذا وقفت تلك وقفت و اذا ارتفعت تلك عن الارض ارتفعت البكرات معها لان روح الحيوانات كانت في البكرات. و على رؤوس الحيوانات شبه مقبب كمنظر البلور الهائل منتشرا على رؤوسها من فوق. و تحت المقبب اجنحتها مستقيمة الواحد نحو اخيه لكل واحد اثنان يغطيان من هنا و لكل واحد اثنان يغطيان من هناك اجسامها. فلما سارت سمعت صوت اجنحتها كخرير مياه كثيرة كصوت القدير صوت ضجة كصوت جيش و لما وقفت ارخت اجنحتها. فكان صوت من فوق المقبب الذي على رؤوسها اذا وقفت ارخت اجنحتها.
البكرات = Wheels أى عجلات. هذه البكرات أو العجلات تعبر عن تنفيذ المشيئة الإلهية على الأرض. فالعجلات تربط المركبة بالأرض، فالأجنحة من فوق والعجلات من تحت، لأن الله إله السماء والأرض معاً، وللرب طريق فى القدس وطريق فى البحر (مز 77 : 13، 19). ومجد الله يظهر ليس فقط فى عظمة الحاشية السماوية، بل فى ثبات أحكامه هنا على الأرض. وقد رأينا كيف أن الله يحرك الملائكة وجيوشه السماوية لتنفيذ مشيئته، وهنا نرى فى البكرات كيف أن مشيئة الله وخطته التى تصدر فى السماء، تنفذ على الأرض.
ونلاحظ أنه بينما كان النبى ينظر متأملاً فى المخلوقات السماوية، فرضت هذه الرؤيا نفسها عليه، فمن يكون فى حالة نظر للسماويات، ينفتح ليرى المزيد من إعلانات الله، فمن له سيعطى ويزاد، وكأن الله يريد أن يعلن للنبى ولنا أن أعمال الله ومجده لا يظهران فقط فى السماء بل وعلى الأرض، من خلال أحداث حياتنا اليومية.
ففى بعض الأحيان نغوى بالتفكير فى أن مجد الله لا يوجد إلا فى السماء ولكننا نستطيع بعين الإيمان أن نتبين جمال العناية الإلهية وحكمة وقوة الله وصلاحه التى تشرق من خلال إرادته لهذه المملكة الأرضية، ونرى بوضوح أن الله هو الذى يحكم هذه الأرض، وهو ضابط لكل شئ فيها. وكل ما يحكم به يعلن مجده ويعلن عنايته الإلهية.
التدبير الإلهى لشئون العالم، وعناية الله بخليقته يمثلان بهذه العجلات، هى عجلات مركبة الملك العظيم، ملك الملوك الذى خرج غالباً ولكى يغلب، وهو الذى يستطيع أن يدبر كل الأمور بإعجاز فائق عن الإدراك البشرى حتى تعمل معاً للخير للذين يحبون الله.
والبكرات لها دورات متكررة ومستمرة، فكل شئ فى حركة مستمرة عبر العصور وحتى نهاية الدهر، وهذا يصدق على عالم المادة فى الطبيعة، وكذلك على المجالات الأخلاقية والروحية (قابل مع جا 1 : 4 – 7). لذا يقال أحياناً أن التاريخ يعيد نفسه، وهذا القول ليس إلا شرح لتعبير أن العجلات تدور بإستمرار، وهذه الدورات تشير لأن الأحداث عبر التاريخ تتشابه وذلك لأن حكمة الله الذى يتحكم فى الأحداث، هى حكمة واحدة لا تتغير، فالله ليس عنده تغيير ولا ظل دوران يع 1 : 17. وحيث أن البكرات أو العجلات فى حركة دوران مستمرة، فهذا يشير لأن أعمال العناية الإلهية تكون أو تبدو كأنها عالية ويعجب بها الناس، ومرة أخرى يراها الناس غير ذلك، ولكن الشئ المؤكد هو أن أحكام الله ثابتة تدور حول محورها فى نظام محكم وحكمة إلهية، كما تدور الكواكب بطريقة منتظمة.
فنظرت الحيوانات وإذا بكرة واحدة… منظر البكرات = بعد أن أراه الله قوة الحيوانات وإمكانياتها، وأنها تنفذ أوامره، ها هو يريد بكرة واحدة. ثم يراها كبكرات، والمعنى أن هؤلاء الملائكة المقتدرين والذين يحركهم الله، هم أنفسهم ينفذون مشيئة الله لتنفيذ خطة الله الأزلية على الأرض وسط البشر. وكون أن النبى رآها كبكرات فهذا يعنى أنه قد يبدو لنا أن هناك خططاً كثيرة، لكل مكان خطة، ولكل زمان خطة ولكن قبل أن يرى النبى منظر بكرات، رآها بكرة واحدة، وهذا يعنى أن هناك خطة واحدة أزلية تشمل كل العالم فى كل زمان وفى كل مكان ولأنها تشمل كل العالم قيل أن المركبة لها جوانبها الأربعة = فكما أن للملائكة أربعة وجوه، هكذا للبكرات أربعة جوانب، إعلاناً أن عناية الله هى موجهة لأربعة إتجاهات الأرض.
كمنظر الزبرجد = الزبرجد هو حجر كريم لونه أخضر، واللون الأخضر يشير للحياة. وإرادة الله هى الحياة، لذلك ففى أول آية فى الكتاب المقدس نسمع أنه “فى البدء خلق تك 1 : 1” فالله حى ويعطى حياة ويريد الحياة للبشر. وكون أن البكرات لونها أخضر، فهذا يعنى أن أعمال عناية الله هى بهدف الحفاظ على حياتهم، وليس حياتهم فقط على الأرض، بل أن تكون لهم حياة أبدية، فالبكرات سببت لأيوب ألاماً فظيعة ولكنها كانت سبب حياة أبدية له، وكم تكون الأمراض مثلاً والتجارب سبباً فى عودة الكثيرين لله فتكون لهم حياة أبدية = زبرجد، فالمجاعة للإبن الضال سببت عودته لأحضان أبيه فكان له حياة
صنعتها كأنها بكرة وسط بكرة =… = ولكنها بكرة واحدة. وهذا يعنى كأن أعمال الله، وأعمال عناية الله مبهمة ومتداخلة ومعقدة وغير محسوبة ولكن فى الحقيقة هذا يرجع لجهلنا وإمكانياتنا الضعيفة فى فهم الأحداث وتحليلها. فمن ليس له العين المفتوحة سيرى فى ورطة الشعب وفرعون وراءهم والبحر أمامهم خطأ فى الحسابات ولن يرى فيما حدث لأيوب أى نوع من العناية الإلهية، فأولاده يموتون، وممتلكاته تنهب وصحته تضيع ولكن كان هذا كله وفق خطة إلهية ثابتة هى… حياة أبدية لأيوب أى = منظر البكرات وصنعتها كمنظر الزبرجد = وهى بكرة واحدة فالله له هدف واحد، ألا وهو حياة للبشر هنا على الأرض وحياة أبدية لأولاده فى السماء. وكل الأمور والبكرات تدور حول هذا المحور. وقد لا نفهم كل ما يدور حولنا، ولكن علينا أن نسلم بهذه الحقيقة، وهذا ما عناه السيد المسيح بقوله “لست تفهم أنت الآن ما أنا أصنع ولكنك ستفهم فيما بعد يو 13 : 7”
للأربع شكل واحد = أى عمل الله فى كل أنحاء العالم هو وفق خطة محكمة ثابتة.
لم تدر عند سيرها = إشارة لثبات أحكام الله وعدم تغيرها.
أطرها عالية ومخيفة = أى محيطها واسع جداً، وحينما تحركت وإرتفعت خاف النبى جداً، وهذا يعنى أن حدود أفكار الله عالية عن مستوانا بما لا يقاس رو 11 : 33، 34. والوصول لمخططاته البعيدة هو فعلاً أمر مدهش يعجز عنه العقل البشرى الضئيل العمق والإرتفاع، وسترتعب قلوبنا لو عرفنا جميع مخططاته الإلهية
أطرها ملآنة عيوناً = أى أن عنايته الإلهية كلها فهم وحكمة ورؤية وكل الأحداث تحت سيطرة وتحكم الله، لا شئ يتحرك سوى بسماح منه إن الله إذا إحتمل شر الأشرار، يكون هذا بسماح منه لتنفيذ خطته، مثلاً إحتمل الله ظلم بابل لشعب يهوذا، وذلك حتى يؤدب يهوذا. إذاً علينا أن نثق أن كل شئ تحت سيطرة ذاك الذى معه أمرنا.
تأمل للأباء فى قوله بكرة داخل بكرة = قالوا أن هذه البكرات هى كلمة الله التى قدمت فى العهدين، وكتبت لنا فى لغتنا البشرية، وبكرة داخل بكرة تعنى أن العهد الجديد تمالتنبؤ عنه فى العهد القديم وأن العهد القديم يكشف أسرار العهد الجديد. عموماً فالكتاب المقدس هو كشف لعمل الله مع شعبه فى كل زمان ومكان. ونحن نرى فى أعمال الله مع البشر فى الكتاب المقدس، تطبيق عملى لما تعنيه البكرات.
فأذا سارت الحيوانات سارت البكرات بجانبها = أى أن الحيوانات هى التى تعنى بالبكرات لتوجيه حركتها، فالملائكة هم خدام عناية الله فى توجيه المسببات بغرض خدمة الأهداف الإلهية والخطة الإلهية التى يعرفونها. والبشر يكونون كأدوات فى أيدى الملائكة
وإذا إرتفعت تلك عن الأرض = وحينما ترتفع المخلوقات الحية عن الأرض لعمل أى خدمة فوق مستوى القوانين الطبيعيه، وهذا ما نسميه معجزات مثل شق البحر ووقوف الشمس، فإن العجلات تتوافق معها فى تناغم سيمفونى، وتصعد معها، أى تنفذ مشيئتها وإن كان هذا ضد إتجاهها الطبيعى. فالملاحظ أن المخلوقات الأدنى تتحرك وتتصرف وفقاً لما يعمله الملائكة أى بحسب خطة الله، فالملائكة ينفذون أوامره. وهكذا فإن التأثيرات الظاهرة تدار ويتم التحكم فيها بأسباب غير ظاهرة.
لأن روح الحيوانات كانت فى البكرات = أى أن الروح القدس هو الذى يقود الحيوانات، وهى بالتالى تحرك البكرات. وهذا نراه واضحاً جداً فى سفر أعمال الرسل، حيث يحرك الروح القدس كل الأحداث، حتى أنه أطلق على هذا السفر “سفر أعمال الروح القدس”. ونحن لو سلمنا أنفسنا لقيادة الروح القدس نصير فى تناغم مع البكرات ومع المخلوقات الحية وهذا ما يملأ النفس سلاماً، حينئذ لن نرى أعمال الله مبهمة، بل كلها مجد.
شبه مقبب = الكلمة المترجمة هنا مقبب تعنى ” قبة سماوية” وهى نفسها المترجمة جلد السماء فى تك 1 : 6، 14. والمقصود بالمقبب ما نراه كصورة للسماء التى ترصعها النجوم وتبدو السماء كقبة ( مقبب ) أى بشكل كروى.
فى هذا نرى أن الله فوق أعلى السماوات عب 26:7، إن كان الملائكة فى السماء مت 36:24 فالله أعلى من السماوات، كما يقال أنه جالس فى سماء السموات1 مل 27:8، أى أن سمو الله هو فوق جميع المخلوقات حتى الملائكة، ولقد قيل أنه ينسب لملائكته حماقة، فمهما إرتفعت حكمة الملائكة عن البشر فهى بالنسبة لحكمة الله حماقة. (أى 4 : 18). والملائكة خاضعة وتسجد له عب 1 : 5 – 8
كمنظر البلور = قد يجرؤ الخطاة ويسألون هل يقضى الله من وراء الضباب أى 22 : 13، وهؤلاء فى عماهم وظلمتهم يتصورون أن الله هو القابع فى ظلام لا يرى ولا يسمع ما يعملونه. والرد عليهم أن ما هو ضباب حسب فهمنا الثقيل هو شفاف كالبلور بالنسبة لله، ولذلك يقال “من مكان سكناه تطلع إلى جميع سكان الأرض (مز 33 : 14). وقوله بلور يشير لإنعكاس مجد الله الجالس على العرش، على ملائكته. فالبلور كمرآة تعكس مجد الله. وهكذا كل مؤمن يقدم طاقاته الجسدية والفكرية.. مقدسة للرب تتحول حياته إلى سماء، وإلى مقبب بلورى، فيحمل هذا المؤمن صورة الرب وسماته. وفى الأبدية وبنفس هذا المفهوم سيكون لنا الجسد الممجد النورانى، الذى يعكس مجد ونور الرب، لذلك سنصير مثله لأننا سنراه كما هو 1يو 3 : 2
سمعت صوت أجنحتها كخرير مياة كثيرة = هكذا يفعل النحل صوتاً بأجنحته ولماذا تصدر الملائكة هذه الأصوات ؟ هذه الأصوات لتلقى الخشوع فى قلب النبى، حتى يستطيع أن يسمع صوت الله إذا تكلم (آية 28) وهذا ما حدث مع إيليا. فقد شعر بريح عظيمة وشديدة قد شقت الجبال وكسرت الصخور، ثم شعر بزلزلة، ثم نار ولم يكن الله فى كل هذه، بل فى صوت منخفض خفيف كلم الله إيليا، فلماذا كان كل هذا ؟ كانت الريح والزلزلة والنار هى صوت أجنحة الملائكة التى أعدت إيليا ليسمع صوت الله، أى تجعله واقفاً فى خشوع أمام الله، ونحن لا نستطيع أن نسمع صوت الله قبل أن نخشع (لذلك نبدأ بالصلوات والتراتيل والتسابيح فى إجتماعتنا قبل سماع الكلمة) راجع 1مل 19 : 11 – 13
كصوت القدير = فى رؤيا يوحنا، سمع يوحنا صوت الله كصوت مياه كثيرة فصوت الملائكة يشبه صوت الله. وهذا معنى القبة البلورية، فهم يعكسون صورة مجد الله فى سماته وصوته ونوره.
وصوت خرير المياه الكثيرة صوت مخيف = صوت ضجة كصوت جيش = هكذا الكنيسة فى قوتها بمسيحها الذى فيها تكون للشيطان مرهبة كجيش بألوية نش 6 : 4.
أرخت أجنحتها = سكتت عن الصوت ليسمع النبى صوت الله (كما حدث مع إيليا) لذلك نسمع بعد ذلك مباشرة فكان صوت من فوق المقبب أى صوت من يجلس على العرش. عمل الملائكة هنا كعمل حاجب المحكمة الذى يصرخ طالباً الهدوء ليسمع الجميع حكم القاضى… ومن له أذنان للسمع فليسمع. عموماً هناك أحداث كثيرة فى حياتنا على الأرض هى بعمل الملائكة، وهذه الأحداث قد تكون مخيفة لنخشع أمام الله، ولكننا لن نسمع صوت الله، إلا إذا دخلنا مخدعنا فى هدوء، فصوت الله لا يسمع سوى فى الهدوء، فهو صوت منخفض خفيف 1مل 19 : 11 – 13
الأيات 26 – 28 :-
و فوق المقبب الذي على رؤوسها شبه عرش كمنظر حجر العقيق الازرق و على شبه العرش شبه كمنظر انسان عليه من فوق. و رايت مثل منظر النحاس اللامع كمنظر نار داخله من حوله من منظر حقويه الى فوق و من منظر حقويه الى تحت رايت مثل منظر نار و لها لمعان من حولها. كمنظر القوس التي في السحاب يوم مطر هكذا منظر اللمعان من حوله هذا منظر شبه مجد الرب و لما رايته خررت على وجهي و سمعت صوت متكلم
ما سبق وتقدم من هذه الرؤيا كان مقدمة لهذه الأيات، أى إعداد النبى ليسمع صوت الكلمة الإبن الجالس على العرش شبه عرش عليه كمنظر إنسان = ما يراه النبى هو أشباه الأشياء، لأنه وهو فى الجسد لا يستطيع أن يرى الحقائق. وهنا نرى أحد ظهورات الإبن فى شكل إنسان قبل أن يتجسد، كما ظهر لإبراهيم من قبل، ونرى السيد جالساً على عرش إعلاناً لسلطته الملكية له المجد، وهذا ما رآه أيضاً يوحنا فى رؤياه رؤ 4 : 2. ما رآه النبى هنا يعطى كرامة للإنسان، أن يظهر الله فى صورة إنسان، وكان إعلاناً عما سيحدث فى ملء الزمان من تجسده. ولنرى أى كرامة وصل لها الإنسان نسمع وعد المسيح “من يغلب يجلس معى فى عرشى كما جلست أنا مع الآب فى عرشه رؤ 3 : 21
حجر العقيق الأزرق = اللون الأزرق لون السماء، فالمسيح المتجسد قد جاء من السماء وبعد فدائه سيصعد للسماء، وهو دائماً فى السماء يو 3 : 13
النحاس اللامع كمنظر نار داخله = النحاس يشير لناسوته والنار تشير للاهوته وفى هذا إشارة للتجسد. وإتحاد النار بالنحاس إشارة لإتحاد اللاهوت بالناسوت. والنحاس كما قلنا يشير للدينونة، فبالصليب دان المسيح الخطية والشيطان والموت.
لها لمعان من حولها = أى مجد. كمنظر القوس = قوس قزح. وفى الرؤيا رأى يوحنا اللاهوتى قوس قزح يحيط بالعرش رؤ 4 : 3. وهذا إعلان أن الله يذكر وعده أنه لا يعوديغرق العالم بالطوفان ليفنيه، أى أن إرادته هى أن يعطى حياة (نفس معنى الزبرجد). وهذا ما أتى المسيح وتجسد ليفعله، أى ليعطى حياة للذين ماتوا بسبب الخطية. إذاً معنى الرؤيا أن المسيح السماوى الجالس على العرش والملائكة خاضعة له، سيتخذ جسداً (نحاس) يتحد بلاهوته (النار). ويكون هذا التدبير (البكرات) ليعطى حياة للإنسان حتى لا يهلك الإنسان بل تكون له حياة أبدية. ولاحظ أنه يقول لها لمعان كمنظر القوس أى أن مجد الله سيعلن لنا فى إرادته أن تكون لنا حياة، وبتدبيره الفدائى الذى سيعطينا حياة أبدية.
ملحوظات ختامية عن الإصحاح الأول
1- كان ما رآه النبى أشباه الحقائق وليست الحقائق بحسب طبيعتها، فالله فى مجده لا يراه إنسان ويعيش، ولكن ما رآه النبى :-
أ-بحسب ما يستطيع أن يرى
ب- بحسب ما يستطيع أن يصف
ج- وما وصفه كان بحسب محدودية لغتنا البشرية.
2- مع أن ما رآه ليس هو الحقائق، إلا أن ما رآه كان كافياً لأن يجعله يسقط على وجهه، غير قادر أن يقف أمام الله القدوس، وسجد فى تواضع وخشوع، شاعراً بعدم الإستحقاق، وبقدر إتضاعنا وشعورنا بعدم الإستحقاق، وبقدر ما يعلن الله نفسه للمتضع. والعكس صحيح أيضاً فبقدر ما نرى الله ونعرفه نشعر بضآلة حجمنا وأننا لا شئ. ولذلك حينما سقط النبى أمام الله وإتضع تكلم معه الله وأقامه ليسمع.
3- إذا تشبهنا بهؤلاء الملائكة، يرتاح الله فينا ويستخدمنا لمجد إسمه.
4- ولكن كيف نعرف الله ليرتاح الله فينا ؟ هناك قول شائع “هل تعرف فلان… أعرفه…. هل عاشرته ؟…. لا…. إذاً أنت لا تعرفه. وبنفس المنطق، حتى نعرف الله علينا أن نعاشره من خلال الصلوات ودراسة الكتاب المقدس لنسمع صوته ونتعرف عليه وعلى صفاته، وبهذا نحبه ويصبح قلبنا مكاناً يسند فيه إبن الإنسان رأسه ولا يعود قلبنا بعد مكاناً للثعالب ولطيور السماء.وإبن الله قام بدوره الفدائى ليقدسنا، ويتبقى دورنا وهو أن ننفصل عن كل شر فلا شركة للنور مع الظلمة.