تفسير سفر حزقيال ٢١ للقس أنطونيوس فكري

الإصحاح الحادى والعشرون

رأينا فى الإصحاح السابق أن الشعب إدعى أنهم لم يفهموا، وقالوا “هذا مثل” لذلك تكلم هنا صراحة عن سيف يأتى الله به ضد أورشليم وشعبها وملكها بعد أن رفضوا إنذاراته.

 

الآيات 1 – 7 :-

و كان الي كلام الرب قائلا. يا ابن ادم اجعل وجهك نحو اورشليم و تكلم على المقادس و تنبا على ارض اسرائيل. و قل لارض اسرائيل هكذا قال الرب هانذا عليك و استل سيفي من غمده فاقطع منك الصديق و الشرير. من حيث اني اقطع منك الصديق و الشرير فلذلك يخرج سيفي من غمده على كل بشر من الجنوب الى الشمال. فيعلم كل بشر اني انا الرب سللت سيفي من غمده لا يرجع ايضا. اما انت يا ابن ادم فتنهد بانكسار الحقوين و بمرارة تنهد امام عيونهم. و يكون اذا قالوا لك على م تتنهد انك تقول على الخبر لانه جاء فيذوب كل قلب و ترتخي كل الايدي و تيئس كل روح و كل الركب تصير كالماء ها هي اتية و تكون يقول السيد الرب.

يشتهى الله أن يسكب بركاته على شعبه إذا قدم توبة. وما كانت كل التهديدات السابقة سوى محاولة لحثهم على التوبة. ولما تقست قلوبهم تكلم النبى بوضوح بالتهديد نحو أورشليم = وجِه وجهك نحو أورشليم وأيضاً الهيكل = وتكلم عن المقادس = لاحظ أنها كانت مقدسة ولكنهم نجسوها فإستحقت الحريق. بل ما أفظع ما قيل = ها أنا عليك وأستل سيفى فليس المهاجم إذن نبوخذ نصر بل هو أداة أو سيف فى يد الله. وهكذا نحن حين يريد الله أن يؤدبنا، فقد يسمح بأحد الأشرار أن يؤذينا. والعكس إن كانت طرقنا ترضى الرب نقول مع داود “إن قام على جيش ففى هذا أنا مطمئن” لأن الله يحمينى. فأقطع منك الصديق والشرير = الشرير سيقطع بالقتل أما الصديق فسيقطع من الأرض بذهابه إلى بابل للسبى، وسبق الله وسمى هؤلاء التين الجيد، والله سيرسلهم إلى بابل للخير (ليتنقوا ويتطهروا ثم يعودوا) أر 24 : 5- 7. ولكن فى الحالتين سواء قتلوا أو ذهبوا للسبى فإن يهوذا ستخسر الإثنين أما أنت يا إبن آدم فتنهد = الله يظهر لأنبيائه ما سيكون ويصوره لهم فيتفاعلوا معه. وهنا يتركه الله يفعل الشئ الطبيعى أى أن ينوح ويتنهد على ما سيحدث لشعبه. وحينما يسألونه يجيب بما يعلمه فتزداد الصورة وضوحاً. وحين يسمح الله بحزن النبى فهذا يعنى قطعاً أن الله نفسه حزين على ما سيحدث. قارن مع بكاء المسيح على أورشليم. وأما الأوصاف الموجودة هنا مثل يذوب كل قلب فهى تظهر بشاعة ما سيحدث.

 

الآيات 8 – 17 :-

و كان الي كلام الرب قائلا. يا ابن ادم تنبا و قل هكذا قال الرب قل سيف سيف حدد و صقل ايضا. قد حدد ليذبح ذبحا قد صقل لكي يبرق فهل نبتهج عصا ابني تزدري بكل عود. و قد اعطاه ليصقل لكي يمسك بالكف هذا السيف قد حدد و هو مصقول لكي يسلم ليد القاتل. اصرخ و ولول يا ابن ادم لانه يكون على شعبي و على كل رؤساء اسرائيل اهوال بسبب السيف تكون على شعبي لذلك اصفق على فخذك. لانه امتحان و ماذا ان لم تكن ايضا العصا المزدرية يقول السيد الرب. فتنبا انت يا ابن ادم و اصفق كفا على كف و ليعد السيف ثالثة هو سيف القتلى سيف القتل العظيم المحيق بهم. لذوبان القلب و تكثير المهالك لذلك جعلت على كل الابواب سيفا متقلبا اه قد جعل براقا هو مصقول للذبح. انضم يمن انتصب شمل حيثما توجه حدك. و انا ايضا اصفق كفي على كفي و اسكن غضبي انا الرب تكلمت.

الكلام هنا واضح جداً، أن السيف القادم حُدِدَ وصُقِلَ جيداً حتى يكون الذبح شديد = والمعنى أن جيش بابل قد إستعد وتسلح جيداً وهو قادر على ضرب أورشليم. ولكن هناك سؤال موجه لهم وهو فهل نبتهج = وهذا السؤال معناه أن القلب البشرى يميل أن يقلل من شأن أحكام الدينونة الإلهية ليعطى لنفسه إطمئناناً كاذباً، لذلك فالله يكرر الكلام هنا حتى يثوب الناس إلى رشدهم بدلاً فى الأنغماس فى خطاياهم وهم فى أحساس الأمان الكاذب هذا. ومازال كثيرون للآن يفعلون نفس الشئ، بل يقولوا لن يكون هناك نهاية للأرض ولا مجئ ثان 2بط 3 : 4. عصا إبنى تزدرى بكل عود = الله مازال يسمى إسرائيل إبنى، وهو أتى بهذه العصا لتأديب إبنه إسرائيل، وأما العود فهو حكام وملوك يهوذا (القضبان فى 19 : 11). ولكن عصا الله (بابل) تزدرى بهم. بل هذا السيف هو سيف القتل العظيم وسيلحق بهم وراء كل الأبواب التى ظنوا أنهم يحتمون ورائها. وسيضرب هذا السيف يميناً ويساراً وفى كل أتجاه. أما الآية 13 فلقد ترجمت فى لغات أخرى هكذا لإنه إمتحان. وماذا لو إزدرت العصا بالصولجان، لن يكون هناك صولجان = أى أن العصا وهى جيش بابل هى لمجرد تأديب شعب الله، ولكن الله لن يسمح لها أن تحتقر من فوضها وهو الله، فتتحول إلى قوة إبادة، أو تضرب من نفسها. لكن الضربات ستكون فى حدود ما يسمح به الله. كما كانت ضربات إبليس فى حدود ما يسمح به الله ضد أيوب (أى 1 : 12 + 2 : 6). إذاً فجيش بابل أو الشيطان ليسوا فى حرية مطلقة ضد شعب الله، فهم لا يستطيعوا أن يزدروا بسلطان الله (يو 19 : 11). والله سبق وشرح هذا فى أش 10 : 15. إذا تصورت العصا المؤدبة أن لها سلطان من نفسها أن تفعل فتبدأ فى الأنتفاخ على الله (أش 36 : 18) هنا يوقفها الله عند حدها. أنه إمتحان = ما يصنعه الله ليس أكثر من إمتحان، أى تنقية شعبه وليس أنه رفض شعبه تماماً. لذلك هو يضع رُبُطاً كثيرة على هذه العصا حتى لا تخرج عما حدده لها الله، أو تخرج عن خطة الله.

 

الآيات 18 – 24 :-

و كان الي كلام الرب قائلا. و انت يا ابن ادم عين لنفسك طريقين لمجيء سيف ملك بابل من ارض واحدة تخرج الاثنتان و اصنع صوة على راس طريق المدينة اصنعها. عين طريقا لياتي السيف على ربة بني عمون و على يهوذا في اورشليم المنيعة. لان ملك بابل قد وقف على ام الطريق على راس الطريقين ليعرف عرافة صقل السهام سال بالترافيم نظر الى الكبد. عن يمينه كانت العرافة على اورشليم لوضع المجانق لفتح الفم في القتل و لرفع الصوت بالهتاف لوضع المجانق على الابواب لاقامة مترسة لبناء برج. و تكون لهم مثل عرافة كاذبة في عيونهم الحالفين لهم حلفا لكنه يذكر الاثم حتى يؤخذوا. لذلك هكذا قال السيد الرب من اجل انكم ذكرتم باثمكم عند انكشاف معاصيكم لاظهار خطاياكم في جميع اعمالكم فمن تذكيركم تؤخذون باليد.

يبدو أن ملك بابل قد جاء إلى ملتقى طرق وكان أمامه أن يهاجم           

 إما بنى عمون أو أورشليم، وليحدد أيهما يبدأ بها، ألقى قرعة بالطريقة الوثنية وكان على النبى أن يمثل ما يحدث تمثيلاً، فعليه أن يصنع صوة = علامة ثم يرسم منها طريقين، أحدهما يتجه لأورشليم والأخر إلى بنى عمون، ويعمل ذلك أمام الشعب ليشرح لهم ما سيحدث لملك بابل وأنه سيختار بالقرعة أن يبدأ بأورشليم.

صقل السهام والكبد والترافيم = هذه العادات الوثنية فى القرعة تعنى :- صقل السهام = كانوا يكتبون إسم أورشليم على سهم وإسم بنى عمون على سهم آخر والذى يسحبه من الجعبة أولاً يهاجمونه أولاً. الكبد = كان العرافين يعطون ملاحظات على أحشاء الذبيحة، بحسب لون الكبد. ويقولون هل الإختيار يبشر بالفأل الحسن أو الفأل السيئ.الترافيم = كانت عبارة عن تماثيل آلهة تستشار فى المقترحات. والله إستخدم كل هذا ليشير على نبوخذ نصر بأن يهاجم أورشليم أولاً. قطعاً الله لا يوافق على هذه العادات الوثنية لكنه يكلم كل واحد بحسب ما يفهمه (كما كلم المجوس بالنجم). والله يكلمهم بطريقتهم حتى ينفذوا خطة الله فى تأديب شعبه. وما صنعه النبى أمامهم تم فعلاً فلقد بدأ نبوخذ نصر بأورشليم أولاً ثم هاجم بنى عمون بعد ذلك بحوالى خمس سنوات. وهنا يسمى أورشليم المنيعة = فهم كانوا يتصورون هذا. لكن هذا الشعب إذ سمع نبوات حزقيال إعتبروها عرافة كاذبة وربما كانوا يقصدون أن العرافة التى سيلجأ لها نبوخذ نصر هى عرافة كاذبة، ولكن سواء هذا أو ذاك فهم رفضوا تصديق النبى بأن ملك بابل سيبدأ بأورشليم. وما شجعهم على رفض فكرة خراب أورشليم تصورهم أن مصر التى عقدوا معها حلفاً ومعاهدات سوف تحمى أورشليم = الحالفين لهم حلفاً. أو يكون المعنى أنهم حلفوا حلفاً لملك بابل فلماذا يهاجمهم. هنا خطاياهم قادتهم للعمى، فلم يعودوا يعرفوا أين الصالح لهم. وكان القصد من كل ما يفعله النبى أن يقدموا توبة، ولكنهم مع كل هذه الأنذارات لم يفعلوا. وبذلك إستدعوا لذهن الله خطاياهم السابقة = لكنه يذكر الإثم حتى يؤخذوا وفى جميع أعمالكم تنكشف معاصيكم = ففى كل تصرفاتهم تكون خطاياهم شاهد عليهم. وأيضاً ذَكَرت الله بخطايا أبائهم وحيث لا توبة فسيؤخذون باليدأى سيأتى المخرب وستقعون فى يده ولن يمكنكم الهرب. ولنلاحظ أن إحتقارهم للتحذيرات الإلهية كانت خطية جعلت الله يذكر لهم باقى خطاياهم.

 

الآيات 25 – 27 :-

و انت ايها النجس الشرير رئيس اسرائيل الذي قد جاء يومه في زمان اثم النهاية. هكذا قال السيد الرب انزع العمامة ارفع التاج هذه لا تلك ارفع الوضيع و ضع الرفيع. منقلبا منقلبا منقلبا اجعله هذا ايضا لا يكون حتى ياتي الذي له الحكم فاعطيه اياه.

الرئس هنا هو صدقيا والله يصفه بأنه نجس وشرير = فهو دنس كل شئ طاهر وشجع الخطية فهو أخطأ وجعل شعبه يخطئ. الذى قد جاء يومه فى زمان إثم النهاية = أى أن إثمه كان لابد ويكون له نهاية حين يمتلئ مكياله. وأخيراً إمتلأ وجاء يومه يوم عقاب الله، والعقاب هو أنه سيخسر تاجه = وإنزع العمامة. أما من ترضى الله أعماله هنا فسيلبس إكليلاً هناك. هذه لاتلك = فى ترجمة أخرى هذه لن تكون “أى لن يستمر ملكهأو تاجه. وسيأتى ملك بابل ويصنع هذا وسيقلب كل شئ رأساً على عقب. فيرفع الوضيع ويضع الرفيع = فهو أسقط الملك وعين واحداً من الشعب رئيساً. وهذا الملك الشرير يصدر الحكم ضده ثلاثياً منقلباً منقلباً منقلباً = فالحكم النهائى صدر ضد عائلة داود. وبسقوط صدقيا لم تقم لعائلة داود قائمة ثانية حتى جاء المسيح الذى من نسل داود ليحكم حتى يأتى الذى له الحكم فأعطيه إياه. فيثبت عرش داود أبدياً فى المسيح.

 

الآيات 28 – 32 :-

و انت يا ابن ادم فتنبا و قل هكذا قال السيد الرب في بني عمون و في تعييرهم فقل سيف سيف مسلول للذبح مصقول للغاية للبريق. اذ يرون لك باطلا اذ يعرفون لك كذبا ليجعلوك على اعناق القتلى الاشرار الذين جاء يومهم في زمان اثم النهاية. فهل اعيده الى غمده الا في الموضع الذي خلقت فيه في مولدك احاكمك. و اسكب عليك غضبي و انفخ عليك بنار غيظي و اسلمك ليد رجال متحرقين ماهرين للاهلاك. تكونين اكلة للنار دمك يكون في وسط الارض لا تذكرين لاني انا الرب تكلمت

سبق وقلنا أن نبوخذ نصر فضل أن يبدأ بأورشليم قبل بنى عمون، فلماذا فعل هذا، عَيَر بنى عمون شعب إسرائيل بخرابهم شاعرين كأنهم هم الذين إنتصروا على أورشليم. وهنا يعلن لهم النبى أن تأجيل الحكم ليس معناه العفو وأن الدور آتى عليهم. وآية (29) تشير أنه كان بينهم هم أيضاً أنبياء كذبة يخدعونهم بسلام زائف دائم. وهؤلاء الأنبياء الكذبة جعلوهم يزدادون فى كبريائهم حتى أنهم قاموا على أعناق القتلى من يهوذا. لاحظ أن التعيير الذى يقع على الكنيسة من هؤلاء الذين لهم إحساس مؤقت بالإنتصار عليها، هؤلاء تنقلب الآية ضدهم. فالله يستاء من الإهانات الموجهة لشعبه. فتكون أكلة للنار = فالأشرار يجعلون أنفسهم وقوداً لنار غضب الله. وهم سيخربون فى أرضهم التى يشعرون فيها بالأطمئنان وذلك بواسطة سيف بابل

 

زر الذهاب إلى الأعلى