تفسير سفر حزقيال ٣٨ للقمص أنطونيوس فكري
الإصحاح الثامن والثلاثون
رأينا فى الإصحاحات السابقة قيام الكنيسة، ونرى هنا أن هناك حروباً ستنشأ ضد هذه الكنيسة. فالحروب قائمة ضد شعب الله فى كل زمان ومكان، دائماً هناك حرب ضد شعب الله أياً كان (شعب إسرائيل فيما قبل المسيح أو الكنيسة فيما بعد المسيح). وهذه الحروب هى تنفيذ لما قاله الله للحية “أضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها تك 3 : 15”. ولكن شكراً لله أن النبوة لم تنتهى هكذا بل نسمع “هو يسحق رأسك” فدائماً تنتهى هذه الحروب بأن يتدخل الله فى الوقت المناسب لهزيمة أعداء الكنيسة. بل إن الله يستخدم هذه الحروب فى تنقية كنيسته، وتطهير مؤمنيه وزيادة إيمانهم وثباتهم فيه، فقد رأينا الله يسمح للشيطان بأن يضرب أيوب لينقيه، ويسمح للشيطان أن يضرب بولس الرسول ليحميه من أن ينتفخ 2كو 12 :7
والنبوات تكتب بطريقة مرنة جداً وإعجازية بحيث يمكن تطبيقها عدة مرات. وهذه النبوة التى تشمل الإصحاحين 38، 39 تتكلم عن حرب رهيبة ضد شعب الله يبدو فى أولها أن النصر لهم، ولكن سرعان ما ينقلب الحال، إذ أن الله يتدخل لحماية شعبه بعد أن تكون الحرب قد أثمرت الثمرة المطلوبة منها مثل تنقية البعض وإيمان البعض… الخ.
ومناسبة هذين الإصحاحين فى هذا الجزء من حزقيال أن النبى كان قد أشار فى الجزء الأول لخراب أورشليم بسبب خطاياها ثم أشار فى الإصحاحات 25 – 32 لهلاك كل أعدائهم. ثم بدأت الوعود بتأسيس أورشليم جديدة. ولكن إنه لمنطق ضعيف أن يتصور أحد أن لنا سلام دائم فى هذا العالم، فهذا لن يكون قبل أن نصل للسماء. والضيقات القديمة لا تعفينا من ضيقات جديدة يسمح بها الله ضد كنيسته ولكنها تحت سيطرته الإلهية. وهذا ما يشير إليه النبى هنا، فبعد أن عادت إسرائيل وعاشت فترة فى سلام جاء عليها الغزو اليونانى الذى إنتهى بأبشع أنواع الإضطهاد أيام أنطيوخس إبيفانيوس الذى هزمه المكابيون وأنهوا حكم اليونان.
وهذه الحرب هى رمز للعداوة المستمرة ضد ملكوت الله يو 15 : 18، 19. فبعد أن أتى المسيح بالسلام لكنيسته أثار عدو الخير ضدها كل أنواع الحروب، فبدأ بالإضطهاد الدموى وفشل، ثم حاول بالهرطقات التى أثارت الإنشقاقات، ولكن فى الأيام الأخيرة يبدو أنه سيثير حرباً رهيبه ضد شعب الله ويبدو أيضاً أن النصر سيكون حليفه فى أولها، ولكن الآية تنقلب عليه ويهلك جيشه بأسلحته لأن الله هو الذى يحمى كنيسته. وهذه الحروب الأخيرة تشير لها أيضاً النبوات الواردة فى زك 14 : 1- 5 + رؤ 14 : 19، 20 + رؤ 16 : 12 – 16 + رؤ 20 : 7 – 9 وهذه الحرب الأخيرة أسماها سفر الرؤيا حرب جوج وماجوج ضد الكنيسة، وبهذا تصبح التسمية جوج وماجوج هى إسم رمزى للعدو الذى سيثير حرباً ضد الكنيسة خاصة فى الأيام الأخيرة. ولكن مصير هذا العدو الهلاك. وكأن ما حدث حول أسوار أورشليم حين زحف جيش أشور الجبار ضدها مُحطِماً فى طريقه عدة مدن من يهوذا حارقاً إياها، ثم حاصر أورشليم أخيراً، لكن الله أهلك 185000 من هذا الجيش، هذا سوف يتكرر ثانية حين يزحف أعداء الله على كنيسته، وفى طريقهم سيضربون كل ما هو خارج أورشليم أى خارج الكنيسة، فمن هو داخل الكنيسة لن يفقد إيمانه، لأن الله يحميه، هو يكون سوراً من نار حول كنيستة زك 2 : 5
آية 2 :- يا إبن آدم إجعل وجهك على جوج أرض ماجوج رئيس روش ماشك وتوبال وتنبأ عليه
جوج = هو إسم لملك بربرى متوحش ودموى فى حروبه وقد يرمز لأنطيوخس إبيفانيوس، أو كل من يثير حرباً وحشية ضد شعب الله، كما سيحدث فى أيام النهاية (أيام ظهور ضد المسيح). ويقول البعض أنه رئيس روسيا، حيث أنه مذكور هنا أنه رئيس روش ماشك وتوبال. فيفسرون روش على أنها روسيا وماشك على أنها موسكو وتوبال على أنها توبولسك وكل هذا فى روسيا. ولكن الأقرب للصحة أن روش وماشك وتوبال هى قبائل كانت تقطن فى مناطق البحر الأسود وبحر قزوين. جوج أرض ماجوج ماجوج هو إبن يافث، وغالباً فماجوج هى الأرض التى يسكنها جوج، كما نقول فرعون والمصريين أو فرعون وأرض مصر.
آية 3 :- وقل هكذا قال السيد الرب هأنذا عليك يا جوج رئيس روش وتوبال
هذا مما يعطينا ثقة كبيرة فى النصرة الأكيدة، أن الله على هذا المتوحش جوج. ومن المعزى أن الله قبل أن يعطى فكرة عن وحشيته يعطى هذا التأكيد.
آية 4 : – وأرجعك وأضع شكائم فى فكيك وأخرجك أنت وكل جيشك خيلاً وفرساناً كلهم لابسين أفخر لباس جماعة عظيمة مع أتراس ومجان كلهم ممسكين السيوف
وأرجعك و أضع شكائم فى فكيك وأخرجك = لاحظ أنه قبل أن يقول أخرجك يقول أرجعك. وهذا يعنى أولاً :- أنه خروج بسماح من الله ومحكوم علية مقدماً بالرجوع وهو خاسر، بل أن حكم الرجوع يسبق حكم الخروج. فكأن الله يريد أن يقول “ولو جاء عليكم هذا كله فلا تخافوا” فهو محكوم عليه بالهلاك. وثانياً : – فهذا العدو لم يخرج ضد الكنيسة من نفسه بل لأن الله ضابط الكل سمح له بذلك. قارن هذا مع رد السيد المسيح على بيلاطس “لم يكن لك على سلطان البتة إن لم تكن قد أعطيت من فوق” وثالثاً :- فهذا العدو ليس مطلق السلطة ضد أولاد الله ولكنه مقيد فالله وضع شكائم فى فكيه ليسيطر عليه.. إذاً علينا أن لا نخشى فنحن أولاً وأخيراً فى يد الله. ولكن لماذا يسمح الله بالضيقات المذكورة؟ المعروف أن الضيقات تقود الإنسان للتوبة وإلى اللجوء لله. ولنتأمل فى وصف جيش الأعداء فى هذه الآية.. فهم فى منتهى القوة ومسلحين بل لابسين افخر الثياب.. ولكن فالعبرة دائماً بالنهاية.
آية 5 :- فارس وكوش فوط معهم كلهم بمجن وخوذة
هنا نسمع عن الدول المتحدة مع هذا الجوج المتوحش وهى فارس وكوش وفوط = فارس هى إيران، أما كوش فهناك مكانين يسميان كوش فى الكتاب المقدس، أولهما هى المنطقة من النوبة وحتى أثيوبيا والثانية هى فى أراضى العراق أو الجزيرة العربية تك 2 : 13 أما فوط فهى ليبيا
آية 6 :- وجومر وكل جيوشه وبيت توجرمة من أقاصى الشمال مع كل جيشه شعوباً كثيرين معك
جومر = قبائل سكنت فى كبادوكيا (شرق تركيا) بعد أن هاجرت من روسيا
توجرمة = غالباً هؤلاء سكنوا جنوب شرق أرمينيا.
آية 7 :- استعد وهيىء لنفسك أنت وكل جماعاتك المجتمعة إليك فصرت لهم موقراً
هذا الجوج عدو شعب الله أياً كان هو، نجده وقد صار موقراً وسط كل هذه الشعوب المذكورة سابقاً وصارت تحت إمرته، وهكذا حدث أن إجتمعت معظم هذه الجيوش فعلاً متضامنين مع جيش أنطيوخس إبيفانيوس. فهذه الآيات تطبق أولاً على اليهود، وكأنها نبوة عن قيام أعداء لهم بشن حروب ضدهم بعد أن يعودوا من السبى، وتطبق هذه الآيات ثانية على الأيام الأخيرة
آية 8 :- بعد أيام كثيرة تفتقد فى السنين الأخيرة تأتى إلى الأرض المستردة من السيف المجموعة من شعوب كثيرة على جبال إسرائيل التى كانت دائمة خربة للذين أحرجوا من الشعوب وسكنوا آمنين كلهم
هذه قد تعنى تجمع شعب اليهود فى أرض إسرائيل بعد عودتهم من سبى بابل، ليعمرواأورشليم ويهوذا التى كانت قد صارت خربة على يد البابليين. وهذه الآية تشير لدخول الأمم للإيمان بعد أن كانوا فى وثنيتهم = كانت دائماً خربة. وهؤلاء دخلوا إلى الكنيسة السماوية العالية = جبال إسرائيل. وهؤلاء جمعهم الله من الشعوب الكثيرة = فالأمم الذين أمنوا بالمسيح كانوا من كل العالم. ولقد إستردهم المسيح من يد إبليس = الأرض المستردة من السيف. وقد تعنى تجمع شعب إسرائيل الحالى إستعداداً لإيمانهم، وهذه إشارة لأيام النهاية. وفى كل هذه المرات، حينما يجمع الله شعبه يثور عليه الأعداء (الأيات 9 وما بعدها)
آية 9 :- وتصعد وتأتى كزوبعة وتكون كسحابة تفشى الأرض أنت وكل جيوشك وشعوب كثيرون معك
يثور العدو عليه كزوبعة، فبعد رجوعهم من السبى ثار عليهم أنطيوخس وفى زمن الإيمان بالمسيح ثار على الكنيسة اليهود والوثنيين. وفى أيام النهاية يثور الشيطان ضد الكنيسة فى شخص ضد المسيح، فتكون هناك الحرب الرهيبة المشار إليها سابقاً.
الآيات 10 – 13 :-هكذا قال السيد الرب ويكون فى ذلك اليوم أن أموراً تخطر ببالك فتفكر فكراً رديئاً وتقول إنى أصعد على أرض أعراء آتى الهادئين الساكنين فى أمن كلهم ساكنون بغير سور وليس لهم عارضة ولا مصاريع لسلب السلب ولغنم الغنيمة لرد يدك على خرب معمورة وعلى شعب مجموع من الأمم المقتنى ماشية وقنية الساكن فى أعالى الأرض شبا وددان وتجار ترشيش وكل أشبالها يقولون لك هل لسلب سلب أنت جاء هل لغنم غنيمة جمعت جماعتك لحمل الفضة والذهب لأخذ الماشية والقنية لنهب نهب عظيم
فى ذلك اليوم = يوم تدبير الشر ضد أولاد الله. يظن عدو الخير أن شعب الله هو أرض أعراء = أى بدون أسوار، فيظن أنه قادر أن ينهب منها ما يشاء. فى الحروب العادية ينهب الأعداء الممتلكات أما فى الحروب الروحية فالشيطان يسلب نفوس أولاد الله. الخرب المعمورة = أورشليم بعد سبى بابل صارت خرب، وحينما عاد الشعب عُمِرَت من جديد. ونفوس البشر كانت خراباً وهى تحت عبودية الشيطان، وبعد المسيح صارت أرضاً معمورة.شبا وددان = هذه قبائل عربية. وتجار ترشيش = ترشيش غالباً تشير لأسبانيا أو بريطانيا. وكاأشبالها = أى تابعيهم حينما يرون هذا الهجوم سيسألون هل أتيت لنهب الأرض = فهم حينئذ سيتضامنون معه. وحين جاء قائد جيش أنطيوخس ليحارب اليهود، إتحدت معه الأمم المجاورة 1مك 3 : 41 لتشترك فى النهب. ويبدوا أنه فى هذا الهجوم الأخير ستتحد دولاً كثيرة مع هذا الجوج فى هجومه على شعب الله، سيكونون فى منتهى العنف.
الآيات 14 – 16 :- لذلك تنبأ يا ابن آدم وقل لجوج هكذا قال السيد الرب فى ذلك اليوم عند سكنى شعبى إسرائيل آمنين أفلا تعلم وتأتى من موضعك من أقاصى الشمال أنت وشعوب كثيرون معك كلهم راكبون خيلاً جماعة وجيش كثير وتصعد على شعبى إسرائيل كسحابة تغشى الأرض فى الأيام الأخيرة يكون وآتى بك على أرضى لكى تعرفنى الأمم حين أتقدس فيك أمام أعينهم يا جوج
هنا تكرار للجزء الأول، وحينما يكرر الله جزء معين، فهو يقصد أن نلتفت إليه لأهميته. أفلا تعلم = كأن الله يريد أن يقول ألا تعلم أن شعبى يسكن آمنين لأنى أنا أحميهم. حين أتقدس فيك = قد تعنى أنه حين تنزل ضربات الله عليه، يؤمن بالله غير المؤمنين الذين غالباً ما سيكونوا قد إنخدعوا فى شخص ضد المسيح وتبعوه، ولكنهم يرجعوا عنه مؤمنين بالمسيح
آية 17 :- هكذا قال السيد الرب هل أنت هو الذى تكلمت عنه فى الأيام القديمة عن يد عبيدى أنبياء إسرائيل الذين تنبأوا فى تلك الأيام سنيناً أن آتى بك عليهم
يقول السيد المسيح لتلاميذه “قلت لكم الآن قبل أن يكون حتى متى كان تؤمنون يو 14 : 29”. فحينما نعلم أن الله يخبرنا بما سيحدث قبل حدوثه يزداد إيماننا بأنه ضابط الكل، وأننا فى يده محفوظين فنمتلئ سلاماً وسط هذه الضيقات التى أخبرنا أنها ستحدث، فمن يعلم بحدوثها هو قادر أيضاً أن يسيطر عليها. هل أنت هو الذى تكلمت عنه فى الأيام القديمة لقد تنبأ دانيال عن شخص ضد المسيح (راجع دا 11 : 31 – 39) وتنبأ عنه زكريا (11 : 15 – 17) وعن الضيقة العظيمة التى ستكون فى أيامه تنبأ دانيال فى (12 : 1). وعن إنتقام الله من أعداء شعبه تنبأ موسى تث 32 : 43 وداود مز 9 : 15 ويوئيل 3 : 1 – 3 وإشعياء 27 : 1
آية 19 :- وفى غيرتى ونار سخطى تكلمت أنه فى ذلك اليوم يكون رعش عظيم فى أرض إسرائيل
رعش عظيم = هذه نبوة بزلزلة رهيبة ستصاحب أحداث النهاية وهذا الزلزال سيصاحب ضربات الله ليلقى الرعب فى القلوب من يد الله القوية، وهذا ليقود البعض للتوبة. وهذا الزلزال يشير إليه أيضاً زكريا النبى 14 : 1 – 5 ويوحنا فى رؤياه 16 : 18. ويبدو من نبوة زكريا أن هذا الزلزال سيكون سبباً فى نجاة المؤمنين زك 14 : 5
آية 20 :- فترعش أمامى سمك البحر وطيور السماء ووحوش الحقل والدبابات التى تدب على الأرض وكل الناس الذين على وجه الأرض وتندك الجبال وتسقط المعاقل وتسقط كل الأسوار إلى الأرض
من هول ما سيحدث، نجد أنه حتى الحيوانات سترتعب، ولكن نلاحظ أن ضربة الزلزال ستكون السبب فى إنهيار دفاعات ضد المسيح = تسقط المعاقل وتسقط كل الأسوار إلى الأرض. ولاحظ سقوط ضد المسيح هذا فى حرب أهلية، وتحت عقوبات كثيرة (آيات 21، 22).