تفسير سفر حزقيال ٤٦ للقمص تادرس يعقوب

 الأصحاح السادس والأربعون

شرائع جديدة

بعد أن قدم للهيكل الجديد والمدينة الجديدة الأساس السليم لهما وهو القداسة، شريعتهما العدل، وملامحهما الفرح الدائم، قدم لنا البعض الشرائع الأخرى:

  1. طريقة الدخول إلى الهيكل         [1-15].
  2. هبات الرئيس أو الملك            [16-18].
  3. مواضع للطبخ والخبز             [19-24].
  4. طريقة الدخول إلى الهيكل:

في هذا القسم قدم لنا طريقة دخول الملك ودخول الشعب إلى الهيكل، وخروجهم أيضًا، والمحرقات والذبائح التي يقدمها الملك والشعب في السبوت والأعياد، كما تحدث عن المحرقات اليومية. ويلاحظ أن ما ورد هنا لم يتحقق بطريقة حرفية بعد عودة الشعب من السبي البابلي وإقامة الهيكل بعبادته من جديد بل التزموا بالشريعة الموسوية، وكأن ما ورد هنا لا يقصد به مفهومًا حرفيًا بل المعنى الرمزي في العصر المسياني.

أهم ما ورد هنا من شرائع هي:

أ. يغلق الباب الشرقي للدار الداخلية ستة أيام، وفي يوم السبت وحده كما في يوم رأس الشهر يُفتح ليدخل منه الملك، ومنه أيضًا يخرج، أما الشعب فلا يدخل منه ولا يخرج منه… إنه خاص بالملك. قلنا إن هذا الباب يشير إلى أحشاء البتول فيها دخل ملك الملوك وتجسد ومنها خرج.

إن كان السيد قد دخل إلى البشرية مرة وصار إنسانًا، فإنه لا يزال يدخل إلى حياتنا مشرقًا كالشمس من الباب الشرقي، يأتي إلينا ليجعل أيامنا سبوتًا (راحة) وأعيادًا. يشرق بنوره فينا فلا يكون للظلمة فينا موضع بل نستنير على الدوام، متهللين بسكناه الدائم فينا، وكما أكد السيد نفسه لتلاميذه قبيل صعوده: “ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر” (مت 28: 20).

يدخل الشعب من البابين الشمالي والجنوبي، من يدخل من الشمال يسير متجهًا نحو الجنوب ليسجد ولا يرجع إلى الباب الذي دخل منه بل يخرج من الباب الجنوبي، وهكذا من دخل من الباب الجنوبي يسير نحو الشمال ليسجد ولا يرتد إلى الجنوب بل يخرج من الباب المقابل الشمالي. لقد رأى البعض في هذا التنظيم حفظًا لهدوء الهيكل وعدم ارتباك المرور داخله خاصة في الأعياد حيث تكون الأعداد ضخمة للغاية، لكنني أظن أن هذا النظام يقدم لنا صورة لحياة المسيحي الذي يسير داخل الهيكل ليسجد لله ولا يرتد مرة أخرى! إنها صورة للسير باستقامة في الاتجاه الذي صار له خلال الحياة الكنسية الجديدة دون أن يحيد عن الطريق الإيماني المسيحي.

ب. يفتح الباب الشرقي للدار الداخلية يوم السبت طول النهار حتى المساء، وكأن الله يدخل إلى حياتنا الداخلية، مشرقًا في أعماقنا مادام الوقت نهارًا. يدخل إلينا ليجعل قلوبنا في “راحة (سبت)” دائمة.

يتحدث العلامة أوريجانوس عن الاحتفال بالسبت قائلاً:

[ما هو الاحتفال بالسبت إلا ما قاله الرسول: “إذًا بقيتْ راحة لشعب الله” (عب  4: 9)، أي يتمم شريعة السبت. ليترك شعب الله الشكل اليهودي للسبت ولنَرَ ما يجب أن نفعله كنظام مسيحي في يوم السبت. يلزمنا عدم القيام بأي نشاط دنيوي أو عمل زمني… فنكون متفرغين للتداريب الروحية: الذهاب إلى الكنيسة والإصغاء للقراءات الإلهية والمواعظ والتأمل في السمويات والاهتمام بالحياة العتيدة والتفكير في الدينونة المقبلة والاهتمام لا بالأمور الحاضرة المنظورة بل بالحقائق المستقبلة غير المنظورة. هذا هو حفظ السبت بالنسبة للمسيحي[328]].

 [لنبحث في عمق عن السبت الحقيقي. إنه يعني العمل به في السماء؛ فإننا لا نرى أن كلمات سفر التكوين: “فاستراح (الرب) في يوم السبت (السابع) من جميع عمله الذي عمل” (تك 2: 2) قد تحققت حرفيًا في اليوم السابع، ولا أيضًا يتحقق اليوم. فإن الله يعمل على الدوام، لا يوجد سبت لا يعمل فيه الرب. لا يوجد يوم فيه لا يشرق شمسه على الأشرار الصالحين، أو لا يمطر على الأبرار والظالمين (مت 5: 45). إنه “المنبت الجبال عشبًا” (مز 147: 8)، الذي “يجرح ويعصب” (أي 5: 18) مظهرًا أنه لا يوجد في هذا الدهر يوم سبت فيه يستريح الرب من تدبير العالم والاهتمام بمصائر الجنس البشرى[329]].

لقد سبق أن رأينا في دراستنا لسفر الخروج أن السيد المسيح هو السبت الحقيقي، فيه يستريح الآب إذ يجدنا فيه متبررين ومقدسين له، وفيه نستريح نحن أيضًا إذ ندخل به إلى حضن الآب موضع راحتنا. إنه سبت الآب وسبت المؤمنين، سر الراحة الحقيقية!

ج. يفتح أيضًا الباب في اليوم الأول من الشهر [1] ويبقى الباب مفتوحًا طوال النهار. لعله قصد بذلك “يوم الهلال” الذي كانت له قدسيته عند اليهود مثل السبوت والأعياد والمواسم (1 أي 23: 13؛ 2: 4؛ عز 3: 5، كو 2: 16) فكانوا ينفخون بالأبواق (مز 81: 3) ويحتفلون به في البيوت (أم 7: 20) ويسجدون فيه للرب (إش 66: 23).

يعلق العلامة أوريجانوس على هذا الاحتفال بقوله: [الاحتفال بعيد الهلال الجديد يعني اقتراب الهلال من الشمس واتحاده معها… يقام العيد عند تغيير الهلال، عندما يقترب من الشمس جدًا، ويتحد بشدة مع “شمس البر” (ملا 4: 2)، الذي هو المسيح. إن كان الهلال يعني كنيسته الممتلئة نورًا، التي تتصل وتتحد معه بقوة كقول الرسول: “وأما من التصق بالرب فهو روح واحد” (1 كو 6: 17)، فإنها تحتفل بعيد الهلال إذ تصبح جديدة بترك الإنسان العتيق ولبس الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق (أف 4: 24). وهكذا تستحق الاحتفال بعيد التجديد، عيد الهلال[330]].

د. العيد الدائم: يقول “وتعمل كل يوم محرقة للرب حملاً حوليًا صحيحًا، صباحًا صباحًا تعمله، وتعمل عليه تقدمه صباحًا صباحًا… تقدمة للرب فريضة أبدية دائمة” [13-14].

يقول العلامة أوريجانوس: [العيد الأول للرب هو العيد الدائم. حقًا إنه مطلوب تقديم قرابين كل صباح ومساء باستمرار بغير انقطاع. كذلك في تشريع الأعياد (في سفر العدد) لم يبدأ الرب بعيد الفصح، عيد الفطير أو عيد القربان المقدس ولا بأي عيد آخر من الأعياد المنصوص عليها، لكنه قرر أن العيد الأول هو عيد الذبيحة الدائمة. إنه يُريد من الذي يبلغ الكمال والقداسة ألا تكون له أيام أعياد وأخرى ليست أعيادًا لله، فإن البار يحتفل بعيد دائم[331]].

هكذا يتحدث العلامة أوريجانوس المعروف بروحه الكنسي، والذي بلا شك كان يبتهج بالأعياد الكنسية على مر أيام السنة، لكنه يجد في كل يوم يعيش فيه مع الله عيدًا. فالمسيحي أعياده لا تنقطع إذ يدخل إلى الفرح السماوي ويتذوق عربون الملكوت الأبدي بغير انقطاع.

  1. هبات الرئيس أو الملك:

لقد أراد الله أن يحفظ حق الملك وعائلته، وأيضًا حق الشعب، فقد حدد نصيب كلٍ في الأصحاح السابق. لكن إن أراد الملك أن يقدم هبة لأحد من ميراثه فقد ميز الله بين حالتين: إن كان المتمتع بالهبة ابنا للملك تبقى الهبة ميراثًا له ولأولاده بلا توقف، لأنها تبقى الأرض في ملكية العائلة المالكة، أما إن كانت الهبة لأحد أفراد الشعب، فتبقى له حتى سنة العتق فترد العطية للملك، بهذا لا يتسرب ميراث العائلة الملكية إلى الشعب، ولا ميراث الشعب إلى العائلة المالكة، إذ لا يجوز للملك أن يغتصب أو يقتني شيئًا من ميراث الشعب.

لعل في هذا أيضًا صورة رمزية للميراث في العهد الجديد، فهناك فارق بين الابن والعبد، الابن يرث ويملك إلى الأبد، أما العبد فيتمتع ببركات مؤقتة. لهذا إن أردنا أن نصير ورثة لله، ووارثين مع المسيح الابن الوحيد فلا مجال للميراث الأبدي إلا من خلال التمتع بالميلاد الجديد أو نوال روح البنوة لله.

  1. مواضع للطبخ والخبيز:

حدد الرب مواضع للكهنة للطبخ في مخادعهم في الدار الداخلية، كما حدد مواضع أخرى في أطراف الدار الخارجية، في الأربعة أركان… كما حدد أماكن للخبيز.

شتان بين من يدخل الدار الداخلية وبين من يبقى في الدار الخارجية… لكن لا يُترك أحد جائعًا مادام قد دخل إلى الشركة مع السيد المسيح. إنه يُعطي الجميع من مقدساته… لكن يليق بنا أن ندخل دومًا وبغير انقطاع نحو الداخل لكي تكون لنا شركة حياة داخلية معه وشبع من مقدساته.


 

من وحي حزقيال 46

أنت هو راحتي وعيدي الدائم!

v   ما أعجب شرائعك التي سننتها لقلبي، الذي هو هيكلك!

لا تسمح للداخلين إليه إلا أن يسيروا باستقامة!

أنت الحق الذي لا يقبل الانحراف!

v   قدمت لي شريعة أعيادك الأسبوعية والسنوية،

هي سبوت الراحة وأعياد الفرح.

أنت هو سبوتي… أنت راحتي أيها المخلص!

أنت فرحي وعيدي الدائم يا واهب القيامة!

أنت تسبحتي التي لا تنقطع!

v   جعلت للملك حقوقه والتزاماته، وأيضًا للشعب!

ليس لأحد أن يغتصب الآخر أو يستغله!

احفظ عقلي بروحك القدوس ليملك بالعدل،

ولا يفسد حياتي!

v   في اهتمامك بكهنتك أمرت بأماكن للطبخ والخبيز.

عجيب أنت أيها الخبز السماوي،

فإنك تطلب شبع الكل!

 

زر الذهاب إلى الأعلى