تفسير سفر حزقيال أصحاح ٣٣ للقمص أنطونيوس فكري

الإصحاح الثالث والثلاثون

الإصحاحات ما قبل (25) حدثتنا عن خراب أورشليم كعقاب لها وكتطهير. ويلى تطهيرها الإصحاحات التى تحدثنا عن هزيمة الأعداء الخارجيين (25 – 32). والآن تبدأ صفحة جديدة فى العلاقات مع الله. ونجد هنا إعادة لما ورد فى إصحاح (3) فى كون حزقيال رقيباً للشعب، وإعادة للإصحاح (18) فى أن الخاطئ لو قدم توبة يقبله الله  والبار لو أخطأ يموت.. فلماذا التكرار ؟

1-  الله يكرر هذا الأمر الهام، لعل بكثرة التكرار ينتبهون لما فيه خلاص نفوسهم.

2-  يقول لهم الله لو أنكم سمعتم لى وقدمتم توبة لما كانت أورشليم قد خربت.

3- فى إصحاحى (3، 18) يقدم لهم الله الأسباب التى حاكمهم بسببها ثم حكم ضدهم إذ خالفوا وصاياه. أما الآن فالله بصدد تجديدهم وإقامة شعب جديد له. والله هنا  يضع قواعد التعامل مع الشعب الجديد، ونجد أنها هى نفسها القواعد السابقة فيسوع المسيح هو هو أمس واليوم وإلى الأبد، والله ليس عنده تغيير أو ظل دوران عب 13 : 8 + يع 1 : 17

هنا نرى الله قد عاقب ليحيى ويطهر وها هو يبدأ من جديد مع شعبه.

 

الآيات 1 – 9 :- و كان الي كلام الرب قائلا. يا ابن ادم كلم بني شعبك و قل لهم اذا جلبت السيف على ارض فان اخذ شعب الارض رجلا من بينهم و جعلوه رقيبا لهم. فاذا راى السيف مقبلا على الارض نفخ في البوق و حذر الشعب. و سمع السامع صوت البوق و لم يتحذر فجاء السيف و اخذه فدمه يكون على راسه. سمع صوت البوق و لم يتحذر فدمه يكون على نفسه لو تحذر لخلص نفسه. فان راى الرقيب السيف مقبلا و لم ينفخ في البوق و لم يتحذر الشعب فجاء السيف و اخذ نفسا منهم فهو قد اخذ بذنبه اما دمه فمن يد الرقيب اطلبه. و انت يا ابن ادم فقد جعلتك رقيبا لبيت اسرائيل فتسمع الكلام من فمي و تحذرهم من قبلي. اذا قلت للشرير يا شرير موتا تموت فان لم تتكلم لتحذر الشرير من طريقه فذلك الشرير يموت بذنبه اما دمه فمن يدك اطلبه. و ان حذرت الشرير من طريقه ليرجع عنه و لم يرجع عن طريقه فهو يموت بذنبه اما انت فقد خلصت نفسك.

الرقيب = يعين الرقيب لينذر أهل المدينة بإقتراب جيش معادٍ، وعلى الرقيب أن ينذر، وعلى الشعب أن يستمع ويتجاوب، ويتم تعيين الرقيب عادة إذا كان هناك شعور بخطر مقبل، لذلك عين الله النبى كرقيب ينذر الشعب بإقتراب الخطر، ومن المؤكد أن الخطر سيأتى لأن هناك خطية. وهذا عمل أى خادم لله. وعلى الرقيب أن يكون متنبهاً مستيقظاً، فإذا أنذر فهو خلص نفسه وآخرين، وإذا لم يفعل فالله سيطلب دم كل نفس هلكت منه. ولنلاحظ هذا فجاء السيف وأخذ نفساً منهم فالله يهتم بكل نفس. ولكن ليس عذراً لإنسان أن يقول لم يكن هناك رقيب لينذرنى، فالله لا يبقى نفسه بلا شاهد، والرقيب هو أحد الوسائل التى يستخدمها الله، لكن هناك الكنائس والكتاب المقدس وتبكيت الروح القدس والضمير.

 

الآيات 10 – 20 :- و انت يا ابن ادم فكلم بيت اسرائيل و قل انتم تتكلمون هكذا قائلين ان معاصينا و خطايانا علينا و بها نحن فانون فكيف نحيا. قل لهم حي انا يقول السيد الرب اني لا اسر بموت الشرير بل بان يرجع الشرير عن طريقه و يحيا ارجعوا ارجعوا عن طرقكم الرديئة فلماذا تموتون يا بيت اسرائيل. و انت يا ابن ادم فقل لبني شعبك ان بر البار لا ينجيه في يوم معصيته و الشرير لا يعثر بشره في يوم رجوعه عن شره و لا يستطيع البار ان يحيا ببره في يوم خطيئته. اذا قلت للبار حياة تحيا فاتكل هو على بره و اثم فبره كله لا يذكر بل باثمه الذي فعله يموت. و اذا قلت للشرير موتا تموت فان رجع عن خطيته و عمل بالعدل و الحق. ان رد الشرير الرهن و عوض عن المغتصب و سلك في فرائض الحياة بلا عمل اثم فانه حياة يحيا لا يموت. كل خطيته التي اخطا بها لا تذكر عليه عمل بالعدل و الحق فيحيا حياة. و ابناء شعبك يقولون ليست طريق الرب مستوية بل هم طريقهم غير مستوية. عند رجوع البار عن بره و عند عمله اثما فانه يموت به. و عند رجوع الشرير عن شره و عند عمله بالعدل و الحق فانه يحيا بهما.   و انتم تقولون ان طريق الرب غير مستوية اني احكم على كل واحد منكم كطرقه يا بيت اسرائيل.

حين سقط الشعب تحت عصا التأديب حوربوا باليأس وظنوا أن الله سيفنيهم ولن يحيوا بعد. ولكن الله المحب يلاطفهم هنا ويعلن أنه سوف يقبلهم لو قدموا توبة = فالله لا يسر بموت الشرير. ولكن ما معنى أن بر البار لا ينجيه فى يوم معصيته = هذا يعنى أن المهم هو حاضر المرء وليس ماضيه، ولكن السؤال لماذا يسقط البار ؟ يقول معلمنا بولس الرسول “إذاً من يظن أنه قائم فلينظر أن لا يسقط 1كو 10 : 12” وبولس نفسه يقول عن نفسه أنه أول الخطاة 1 تى 15:1.وهذا يعطينا إحساس أنه يجب أن نشعر دائماً أننا خطاة، ولو فعلنا كل البر نقول أننا عبيد بطالون.. نقول هذا ونشعر به. فمن له العين المفتوحة يشعر بخطيته، بل ويمقت نفسه حز 36 : 31. أما من يشعر ببره الذاتى، أو أنه باراً فى نفسه وأنه أفضل من غيره يصير كالفريسى الذى صلى ولكنه خرج وهو غير مقبول ويكون هذا بداية سقوط كبير. وهناك أيضاً البر الظاهرى وهو أن إنساناً لا يصنع خطية لأن فرص الخطية غير متوفرة له. مثل هذا لا يجب أن يحسب نفسه باراً، بل يشكر الله الذى حفظه وإن شعر ببره يكون هذا بداية طريق الإنهيار، فمن يشعر ببره كأنه يجعل الله مديناً له وهو يطلب الله بأجره عن بره. بل أن هناك ممن يثقون فى برهم أنهم يشعرون أنهم قادرون أن يدخلوا أى تجربة وينتصروا، أو أن لهم رصيد من البر يسمح لهم بأن يصنعوا بعض الخطايا البسيطة، ويكون هذا بداية للسقوط الكبير. ويكون أن رصيد بره لا ينجيه فى يوم معصيته والعكس فمهما كان شر الشرير فالله يقبله لو تاب. ولننظر فما أسهل أن يتهم الإنسان الخاطئ الله كما صنع آدم وحواء، وهكذا فالشعب الآن يقول إن طرق الله غير مستوية. ولكن الله فى عدله يحكم على كل واحد كطرقه فصحيح أن كلهم فى نار أتون بابل إلا أن الله يتعامل معهم كأفراد وليس كجماعة وهذا ما حدث،  وكمثال لذلك فإن نبوخذ نصر أكرم أرمياء النبى جداً.

 

الآيات 21 – 29 :- و كان في السنة الثانية عشرة من سبينا في الشهر العشر في الخامس من الشهر انه جاء الي منفلت من اورشليم فقال قد ضربت المدينة. و كانت يد الرب علي مساء قبل مجيء المنفلت و فتحت فمي حتى جاء الي صباحا فانفتح فمي و لم اكن بعد ابكم. فكان الي كلام الرب قائلا. يا ابن ادم ان الساكنين في هذه الخرب في ارض اسرائيل يتكلمون قائلين ان ابراهيم كان واحدا و قد ورث الارض و نحن كثيرون لنا اعطيت الارض ميراثا. لذلك قل لهم هكذا قال السيد الرب تاكلون بالدم و ترفعون اعينكم الى اصنامكم و تسفكون الدم افترثون الارض. وقفتم على سيفكم فعلتم الرجس و كل منكم نجس امراة صاحبه افترثون الارض. قل لهم هكذا قال السيد الرب حي انا ان الذين في الخرب يسقطون بالسيف و الذي هو على وجه الحقل ابذله للوحش ماكلا و الذين في الحصون و في المغاير يموتون بالوبا. فاجعل الارض خربة مقفرة و تبطل كبرياء عزتها و تخرب جبال اسرائيل بلا عابر. فيعلمون اني انا الرب حين اجعل الارض خربة مقفرة على كل رجاساتهم التي فعلوها.

قارن مع 24 :26. وهنا تصور الشعب أنه ما دام الله أعطى الأرض لإبراهيم ميراثاً وهو واحد فمن الأولى أن يعطيهم الأرض وهو كثيرون. ولكن الله هنا يظهر لهم أنه وعد إبراهيم لنقاوة قلبه، ولو شابهوا إبراهيم أبوهم لأعطاهم الأرض، ولو إستمروا فى خطاياهم المذكورة سيخربهم. وهنا وفى آية (21) نجد شخصاً إستطاع الفرار من جحيم أورشليم وأتى ليخبر فى بابل بما حدث بأورشليم، وكان ما أخبر به متفقاً مع نبوات حزقيال.

 

الآيات 30 – 33 :- و انت يا ابن ادم فان بني شعبك يتكلمون عليك بجانب الجدار و في ابواب البيوت و يتكلم الواحد مع الاخر الرجل مع اخيه قائلين هلم اسمعوا ما هو الكلام الخارج من عند الرب. و ياتون اليك كما ياتي الشعب و يجلسون امامك كشعبي و يسمعون كلامك و لا يعملون به لانهم بافواههم يظهرون اشواقا و قلبهم ذاهب وراء كسبهم. و ها انت لهم كشعر اشواق لجميل الصوت يحسن العزف فيسمعون كلامك و لا يعملون به. و اذا جاء هذا لانه ياتي فيعلمون ان نبيا كان في وسطهم

يبدو أنه بعد مجئ المنفلت (آية 21) صدق الشعب أن حزقيال كان نبياً من الله، فبدأوا يتوافدون عليه. ولكن ياللأسف فهم لم يأتوا ليسمعوا ويتوبوا، بل أتوا كمن يأتى ليستمع لمغنى ويطرب لما سمعه منه ثم ينسى ما سمعه. لأن قلبهم كان ذاهباً وراء كسبهم. وهذا شأن كثيرين يعجبهم واعظ ما، ويعجبون بكلامه، ولكنهم لا يعملون به. وتكون النتيجة أنهم سيخربون نتيجة عدم التوبة وحينئذ يعلمون أن نبياً كان فى وسطهم      

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى