تفسير سفر عزرا ٨ للقمص تادرس يعقوب
اَلأَصْحَاحُ الثَّامِنُ
انطلاق الفوج الثاني ووصوله
في أعماق قلب كل إنسانٍ ٍ توجد شهوة واضحة أو خفية نحو الرغبة في إدراك كيف يسلك في هذا العالم ليعبر إلى الحياة الأخرى، حيث لا يعود يصارع، أو يخشى الموت. والمؤمن الحقيقي يدرك أن أورشليم العليا تنتظره، والسمائيون يتهيأون لاستقباله، لا كضيفٍٍ أو نزيلٍ، وإنما كصاحب بيت يشاركهم الأبدية. بهذا يتطلع إلى حياته كرحلة، وإن كانت شاقة لكنها سرية وممتعة.
وسط الأتعاب تتطلع عيناه إلى العرش الإلهي وإلى حضن الآب.
هذا الإصحاح يحمل رمزًا لهذه الرحلة التي تبدو طويلة ولكنها مفرحة، حيث انطلق عزرا ومعه قرابة 8000 شخصًا من بابل إلى أورشليم.
سبق فكشف عزرا عن يد الله الصالحة التي عملت في قلب ملك فارس ومشيريه لخير شعب الله. الآن يتلمس يد الله الصالحة والعاملة في قلوب الذين رافقوا عزرا في هذه الرحلة من بابل إلى أورشليم. إنه ليس بالأمر السهل أن يقبل أحد من الرؤساء أو الشعب أن يرجع إلى أورشليم ويترك عمله وتجارته ليبدأ من جديد في بلدٍ حلّ بها الخراب، وأحاط بها الأعداء من كل جانب. هذا بجانب قسوة الرحلة التي تبلغ طولها حوالي 1400 كم، يسيرونها على الأقدام لمدة حوالي أربعة أشهر.
لم يجد عزرا أحدًا من اللاويين لمرافقته مع الرؤساء والشعب في هذه الرحلة [15]، فأرسل يطلب بعض اللاويين والمساعدين لهم (النثينيم)، وظهرت يد الله بوضوح في قبول البعض المجيء معه [18].
بدأ رحلته بالاستعداد لها بالصوم والصلاة ثلاثة أيام، وفي نهاية الرحلة مكث ثلاثة أيام يقدم ذبائح الشكر لله الذي رافقهم وحفظهم من مخاطر الطريق.
بلغت رحلة عزرا حتى بلغ نهر الفرات ثم عبر إلى فلسطين من الشمال. كانت القافلة تحمل كنوزًا تقدر بحوالي المليون جنيهًا [26-27]. لم يطلب عزرا أن ترافقه فرقة عسكر [22]، بعد أن سَّلم الأمر تمامًا في يد الله. هذا لا يعني أن يلتزم كل مؤمنٍ بنفس الفكر، فإن نحميا وهو رجل إيمان على ذات مستوى عزرا لم يمتنع عن أن تكون معه فرقة من قبل الملك (نح 2: 7، 9).
عزرا رجل الحكمة العظيمة، إذ يعلم أن الناس سرعان ما يتعثرون، ولئلا يشوِّه الأعداء صورته فيظنون أنه أخذ لنفسه فضة أو ذهبًا، لذلك وزن الكنوز وسجلها بدقة قبل الرحلة وبعدها [24-34]. هكذا فعل الرسول بولس أيضًا عندما جمع للقديسين (2 كو 8: 20-21).
كانت التقدمات والذبائح المقدمة في بيت الله باسم الاثني عشر سبطًا، حيث صار الكل شعبًا واحدًا، بكونهم رمزًا للكنيسة الواحدة الراجعة من سبي إبليس (أف 4: 3-4).
لماذا سمح الله بالعودة من بابل إلى أورشليم على ثلاث دفعات؟
أما كان يُمكن أن يسمح الله بأن يُصدر الملك كورش أمرًا بعودة جميع اليهود معًا دفعة واحدة تحت قيادة زرُبابل ويشوع؟ هل من ضرورة للفوج الثاني تحت قيادة عزرا، والثالث تحت قيادة نحميا؟
- الله الذي وهب الإنسان حرية الإرادة لم يرد أن يحقق العودة قسرًا، إنما قدمها للجميع، وترك لكل إنسان كامل الحرية، حتى يُكافأ على عودته التي يحققها دون إلزام.
- وجود الدفعات الثلاث يكشف عن رحلة البشرية من سبي إبليس إلى حرية مجد أولاد الله، والبعض يتجاوبون مع الدعوة سريعًا، هؤلاء يحسبون أصحاب الساعة الأولى، ويبقى الباب مفتوحًا للعبور في الساعات التالية حتى آخر لحظة من لحظات النهار، أي أصحاب الساعة الحادية عشرة، عند غروب شمس هذا العالم. والكل يتمتعون بالدخول إلى أورشليم العليا.
- اختار الله قادة متنوعين: ففي الفوج الأول برز زُربابل من نسل داود الملك، كرمز للمسيح ملك الملوك. وفي الفوج الثاني برز عزرا الكاهن بكونه رمزًا لكلمة الله ورئيس الكهنة الأعظم، وفي الفوج الأخير برز نحميا الأمين في عمله كرمز للسيد المسيح المدعو الآمين. وكان الله يريد من جميع المؤمنين أن يكونوا قادة روحيين، سواء كانوا من نسل ملوكي، أو من نسل كهنوتي، أو من الشعب.
- وإن اشتركت الأفواج الثلاثة في طابعها الروحي، وقيامها تحت قيادة الله نفسه العامل في القادة كما في الشعب، لكن لكل رحلة سمات خاصة. كمثالٍ لم يطلب عزرا حراسة للحماية من العدو، لئلا يتعثر الملك الوثني، فيظن أن الله عاجز عن حمايتهم، بينما لم يرفض نحميا الحراسة التي قدمها الملك له. هذا لا يعني أن أحدهما يفوق الآخر في الإيمان، إذ كلاهما اعتمد على حراسة الله نفسه، وإن اختلف الأسلوب نتيجة اختلاف الظروف.
- بلغت الأفواج الثلاثة أورشليم، لكن لكل فوج دوره، ولا يستغني الواحد عن الفوجين الآخرين. الفوج الأول رسالته بناء المذبح والهيكل، والثاني إقامة الشعائر والذبائح والاحتفال بالأعياد، والثالث بناء الأسوار. لكن الثلاثة كانوا ملتزمين بالإصلاح الداخلي.
رؤوس الآباء 1-14.
وَهَؤُلاَءِ هُمْ رُؤُوسُ آبَائِهِمْ،
وَنِسْبَةُ الَّذِينَ صَعِدُوا مَعِي فِي مُلْكِ أَرْتَحْشَسْتَا الْمَلِكِ مِنْ بَابَِلَ [1].
نجد هنا قائمة الذين صعدوا مع عزرا. هذه هي القائمة الثانية، تختلف عن القائمة في الأصحاح الثاني،والفارق بينهما حوالي 80 سنة. فالمجموعة الأولى صعدت مع زرُبابل ويشوع سنة ٥٣٦ ق م. وهذه القائمة يُمكن اعتبارها أصحاب الساعة السادسة – صعدت مع عزرا سنة ٤٥٨ ق. م، أما الفوج الثالث الذي انطلق تحت قيادة نحميا بعد ذلك فيُمكن اعتباره أصحاب الساعة الحادية عشرة. والجميع مقبولون لدى الله، ولهمنصيب في أورشليم السماوية. فإن أبواب السماء مفتوحة تنتظر لتستقبل كل إنسانٍ ولو في النسمة الأخيرة، دون عتابٍ على تأخيره.
وجه عزرا نداء لرؤوس العائلات، وهؤلاء بدورهم دعوا الأسر معهم. فاستجاب لندائه 1496 رجلاً، يقدر البعض عدد الأفراد بحوالي 8000 نسمة، وهم يمثلون الفوج الثاني من العائدين من السبي. استحقوا تسجيل أسمائهم كأناس أمناء فضلوا بنيان مملكة الله، عن مصالحهم الزمنية الشخصية.
الله الأمين يعتز بأسماء الأمناء المخلصين في حبهم له وخدمتهم في كرمه، والعمل لحساب ملكوته، فيسجلها في سفر الحياة الدائم.
في مثَل العاملين لحساب الملكوت(مت 20: 1-16) الذي قدمه لنا السيد للمسيح نرى الله يعد الكل بالدينار، هذا لا يعني أن يؤجِّل الإنسان توبته وطاعته للعمل في كرم الرب، وكما يقول القدّيس أغسطينوس: [هل أولئك الذين استأجرهم في كرْمه، عندما جاءهم صاحب الكرم في الساعة الثالثة كمثال قالوا له… انتظر إننا لا نذهب حتى الساعة السادسة؟ أو أولئك الذين وجدهم في الساعة السادسة، هل قالوا: إننا لسنا ذاهبين إلاّ في الساعة التاسعة؟… إذ نعطي الكل بالتساوي، لماذا نذهب ونُتعب أنفسنا أكثر ما يلزم؟… فإنه ما كان يعطيهم لو لم يذهبوا… بل يجاوبهم: ألا تريدون أن تعملوا الآن يا من لا تعرفون إن كنتم ستعيشون حتى تكبروا في السن أم لا؟ لقد دُعيتَ في الساعة السادسة، تعال، حقًا إن صاحب الكرم يعدك بدينار، إن أتيت في الساعة الحادية عشر، لكنّه لم يعدك أنك تعيش حتى الساعة السابعة؛ لا أقول الحادية عشرة بل ولا السابعة. إذن لا تؤجّل، فإن الذي دعاك يؤكّد لك المكافأة، لكن الأيام غير مؤكدة[80].]
كما يقول القدّيس أغسطينوس أيضًا: [إن السيِّد في هذا المثل قد فتح الباب للجميع، فلا ييأس أحد، إنه يكرّر الدعوة قابلاً الجميع، لكن لنبدأ أيضًا لئلا نتحطّم بالرجاء الفاسد خلال التأجيل، إذ يقول: لا تؤجل، لا تغلق أمامك الباب المفتوح الآن. هوذا واهب المغفرة فاتح الباب أمامك، فلماذا تؤجِّل؟ لتبتهج، فإن الباب مفتوح وأنت لم تقرع، لكن هل يبقى مفتوحًا إلى الأبد بالنسبة للذين سيقرعون ويبقون خارجًا؟… إنك لا تعلم ما سيحدث غدًا[81].]
مِنْ بَنِي فِينَحَاسَ جِرْشُومُ.
مِنْ بَنِي إِيثَامَارَ دَانِيَآلُ.
مِنْ بَنِي دَاوُدَ حَطُّوشُ [2].
ذكر عزرا أسماء الكهنة أولاً، جرشوم بن فينحاس بن اليعازر بن هرون، ودانيال من بني إيثامار بن هرون، فكان بعض الكهنة من نسل فينحاس، والبعض من نسل ايثامار شقيق اليعازر الأصغر.
مِنْ بَنِي شَكَنْيَا مِنْ بَنِي فَرْعُوشَ زَكَرِيَّا،
وَانْتَسَبَ مَعَهُ مِنَ الذُّكُورِ مِئَةٌ وَخَمْسُونَ [3].
يضع الذين من بيت داود الملك من بني داود حطوش من بني شكنيا، ومن بني فرعوش زكريا هذهتفهم بإحدى المعنيين:
- حطوش من بني داود، وزكريا هو من بني فرعوش، وفرعوش هو من بني شكنيا.
٢. من بني داود حطوش من بني شكنيا، ثم زكريا من بنى فرعوش.
مِنْ بَنِي فَحَثَ مُوآبَ أَلِيهُوعِينَايُ بْنُ زَرَحْيَا،
وَمَعَهُ مِئَتَانِ مِنَ الذُّكُورِ [4].
مِنْ بَنِي شَكَنْيَا ابْنُ يَحْزِيئِيل،َ
وَمَعَهُ ثَلاَثُ مِئَةٍ مِنَ الذُّكُورِ [5].
وشكنيا في آية ٥ غير شكنيا في آية ٣.
مِنْ بَنِي عَادِينَ عَابِدُ بْنُ يُونَاثَانَ،
وَمَعَهُ خَمْسُونَ مِنَ الذُّكُورِ [6].
مِنْ بَنِي عِيلاَمَ يَشَعْيَا ابْنُ عَثَلْيَا،
وَمَعَهُ سَبْعُونَ مِنَ الذُّكُورِ [7].
وَمِنْ بَنِي شَفَطْيَا زَبَدْيَا بْنُ مِيخَائِيلَ،
وَمَعَهُ ثَمَانُونَ مِنَ الذُّكُورِ [8].
مِنْ بَنِي يُوآبَ عُوبَدْيَا ابْنُ يَحِيئِيلَ،
وَمَعَهُ مِئَتَانِ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِنَ الذُّكُورِ [9].
وَمِنْ بَنِي شَلُومِيثَ ابْنُ يُوشَفْيَا،
وَمَعَهُ مِئَةٌ وَسِتُّونَ مِنَ الذُّكُورِ [10].
وَمِنْ بَنِي بَابَايَ زَكَرِيَّا بْنُ بَابَاي،َ
وَمَعَهُ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ مِنَ الذُّكُورِ [11].
وَمِنْ بَنِي عَزْجَدَ يُوحَانَانُ بْنُ هِقَّاطَان،َ
وَمَعَهُ مِئَةٌ وَعَشَْرَةٌ مِنَ الذُّكُورِ [12].
وَمِنْ بَنِي أَدُونِيقَامَ الآخَرِين،َ
وَهَذِهِ أَسْمَاؤُهُمْ أَلِيفَلَطُ وَيَعِيئِيلُ وَشَمَعْيَا،
وَمَعَهُمْ سِتُّونَ مِنَ الذُّكُورِ [13].
غالبًا عاد البعض من بني أدونيقام مع زرُبابل في الفوج الأول، والبعض مع عزرا مع الفوج الثاني.
“بنو أدونيقام الآخرين” معنى هذا غالبًا أن العدد الأكبر من أبناء أدونيقام صعد مع زربابل في الصعودالأول، والعدد الأقل صعدوا الآن مع عزرا، وكان المتبقي من بيت أدونيقام ستون من الذكور، في ثلاثة بيوت وهم”اليفلط ويعيئيل وشمعيا”.
وَمِنْ بَنِي بَغْوَايَ عُوتَايُ وَزَبُّود،ُ
وَمَعَهُمَا سَبْعُونَ مِنَ الذُّكُورِ [14].
الاستعداد للرحلة 15-30.
فَجَمَعْتُهُمْ إِلَى النَّهْرِ الْجَارِي إِلَى أَهْوَا،
وَنَزَلْنَا هُنَاكَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ.
وَتَأَمَّلْتُ الشَّعْبَ وَالْكَهَنَة،َ
وَلَكِنَّنِي لَمْ أَجِدْ أَحَدًا مِنَ اللاَّوِيِّينَ هُنَاكَ [15].
مئونة الرحلة [15-30]: اجتمع العائدون إلى أورشليم عند نهر أهوا الجاري، ليمكثوا هناك ثلاثة أيام. هكذا يجتمع موكب الكنيسة المنطلقة إلى أورشليم العليا كما عند مياه المعمودية، حيث ينالون بالروح القدس روح التبني، ويختبرون الحياة المقامة مع المسيح الذي دفن ثلاثة أيام. هذا هو رصيد الكنيسة كلها، بل ورصيد كل مؤمن الذي يسنده كل أيام رحلته على الأرض حتى يعبر إلى المسيح القائم من الأموات الصاعد إلى السماء.
بنوتنا لله وتمتعنا بقوة القيامة وتجديد الروح القدس لحياتنا، هذه هي سندنا وسط معارك العدو المستمرة أثناء عبورنا من هذا العالم حتى نبلغ الفردوس في سلام وأمان.
v لنا ميلادان: أحدهما أرضي، والآخر سماوي.
الأول من الجسد، والثاني من الروح.
الأول صادر عن مبدأ قابل للفناء، والثاني عن مبدأ أبدي.
الأول من رجل وامرأة، والثاني من الله والكنيسة.
الأول يجعلنا أبناء الجسد، والثاني أبناء الروح.
الأول يصيرنا أبناء الموت، والثاني أبناء القيامة.
الأول أبناء الدهر، والثاني أبناء اللَّه.
الأول يجعلنا أبناء اللعنة والغضب، والثاني أبناء البركة والمحبة.
الأول يقيدنا بأغلال الخطيئة الأصلية، والثاني يحلّنا من رباطات كل خطيئة[82].
القديس أغسطينوس
أهوا: اسم النهر، وغالبًا ما كان قناة من قنوات بابل أو أحد روافد نهر الفرات بالقرب من بابل. دُعيت اسم المنطقة التي بها هذا النهر باسم النهر. قطنت عائلات يهودية كثيرة في هذه المنطقة، إذ كان اليهود يميلون إلى السكنى بجوار مجاري المياه لحاجتهم إلى المياه في الغسلات الكثيرة التي يمارسونها. فيقول المرتل: “على أنهار بابل هناك جلسنا” (مز 137: 1). ويقول حزقيا النبي: “وأنا بين المسبيين عند نهر خابور” (حز 1: 1). وتشير المياه الجارية إلى عمل الروح القدس، كما إلى نعمة الله العاملة في المؤمنين، فيُقال عن المؤمن: “يكون كشجرة مغروسة عند مجاري المياه” (مز 1: 3).
بقاؤهم عند النهر 3 أيام يشير إلى التمتع بالقيامة مع السيد المسيح في اليوم الثالث خلال المعمودية.
v عظيمة هي المعمودية التي تَهِب لكم: عتق الأسر، غفران المعاصي، موت للخطيئة، ولادة ثانية للنفس، ثوب النور، ختم مقدس لا ينحل، مركبة إلى السماء، نعيم الفردوس، سبب الملكوت، عطية التبني[83].
v كنتم تولدون في نفس اللحظة التي فيها كنتم تموتون، فقد كانت مياه الخلاص بالنسبة لكم قبرًا وأمًا[84].
القديس كيرلس الأورشليمي
إذ جلس عند النهر في هدوء اكتشف عزرا أنه لا يوجد أحد من اللاويين خدام بيت الله وسط هذا الفوج. لقد عاد معهم 74 شخصًا في الفوج الأول، أما الفوج الثاني فلم يجد أحدًا معهم. أرسل عزرا رسالة خاصة إلى إدو الرأس، وكان لهذه الرسالة أثرها، وذلك لا بفعل كلمات عزرا الحماسية أو توبيخه لهم، وإنما “حسب يد الله الصالحة علينا” [18]. صعد من اللاويين نحو 40 لاويًا.
في الصعود الأول مع زربابل كان عدد اللاويين قليلاً، وهنا لا نجد أحدًا منهم. مما يحزن القلب أن بعض خدام الرب كاللاويين لا يبالون بالانطلاق اليومي إلى الحياة الفردوسية المفرحة، إذ هم مرتبكون بأمور العالم الزمنية، بينما يسبقهم الكثير من الشعب، من كبارٍ وصغارٍ، بل ويسبقهم حتى القادمون من الأمم ليقبلوا الإيمان بفرحٍ شديدٍ.
لماذا هرب اللاويون من الصعود إلى أورشليم؟
ربما للأسباب التالية أو بعضها:
أ. السبب الرئيسي هو أنهم حصلوا على أعمال ومناصب في بابل واستصغروا وظيفتهم في الهيكل، فلميريدوا العودة.
ب. ربما لم يرَ بعضهم أورشليم، إنما سمعوا عنها من آبائهم، ففترت رغبتهم في الذهاب إليها، إذ لم يذوقوا عذوبة خدمة الرب.
ج. سمعوا عن آبائهم وأجدادهم اللاويين الذين كانوا يمارسون الكثير من الطقوس الدينية حين كان الهيكل في مجده العظيم، والآن ليس من وجه للمقارنة بين هيكل سليمان وهيكل زرُبابل.
د. صعودهم إلى أورشليم يكلفهم الكثير، إذ يتركون ممتلكاتهم في بابل، دون أن يكون لهم الحق في شراء أراضٍ وحقولٍ في أورشليم أو إسرائيل.
هـ. ربما خشوا مخاطر الرحلة ومشقاتها، إذ سمعوا عن الأعداء الكامنين في الطريق لمقاومتهم.
فَأَرْسَلْتُ إِلَى أَلِيعَزَرَ وَأَرِيئِيلَ وَشَمَعْيَا
وَأَلْنَاثَانَ وَيَارِيبَ وَأَلْنَاثَانَ وَنَاثَانَ وَزَكَرِيَّا
وَمَشُلاَّمَ الرُّؤُوس،ِ
وَإِلَى يُويَارِيبَ وَأَلْنَاثَانَ الْفَهِيمَيْن [16].ِ
الفهيمين غالبًا كانا معلمين يتميزون عن الباقين من العشرة المذكورين هنا بفهمٍ خاص.
وَأَرْسَلْتُهُمْ إِلَى إِدُّو الرَّأْسِ فِي الْمَكَانِ الْمُسَمَّى كَسِفْيَا،
وَجَعَلْتُ فِي أَفْوَاهِهِمْ كَلاَمًا،
يُكَلِّمُونَ بِهِ إِدُّوَ وَإِخْوَتَهُ النَّثِينِيمَ فِي الْمَكَانِ كَسِفْيَا،
لِيَأْتُوا إِلَيْنَا بِخُدَّامٍ لِبَيْتِ إِلَهِنَا [17].
إدو الرأس غالبًا كان إدو رئيس مدرسة اللاويين والنثينيم في كسفيا، حيث تكثر مساكنهم هناك.
كسفيا: يوجد رأيان، وهما:
١. تشير كلمة كسفيا إلى الفضة، فقيل أن هؤلاء اللاويين كانوا يعملون في مناجم الفضة التي في مقاطعةميديا.
٢. هناك من اخذ بالتفسير الرمزي، فقالوا أن كسفيا هي مدرسة لللاويين بقيادة إدو، وفيها يعلمون كلمة اللهالتي هي كالفضة، ورئيس هذه المدرسة هو إدو الذي أرسل إليه عزرا ليرسل لهُ بعضًا من اللاويين ليكونوا خدامًافي الهيكل.
لاحظ أن مجموعة من اللاويين تحركوا إلى أورشليم بعد أن تلقوا دفعة من عزرا ومن إدو رئيسهم. كثيرون يحتاجون إلى دفعة للسير في طريق الله، فهم يريدون الله لكنهم متثاقلون، يحتاجون إلى من يشجعهم.
فَأَتُوا إِلَيْنَا حَسَبَ يَدِ اللهِ الصَّالِحَةِ عَلَيْنَا،
بِرَجُلٍ فَطِنٍ مِنْ بَنِي مَحْلِي بْنِ لاَوِي بْنِ إِسْرَائِيل،َ
وَشَرَبْيَا وَبَنِيهِ وَإِخْوَتِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ [18].
برجل فطن: هو من بنى محلى، ولكن اسمه لم يرد قبل ذلك، وهذا له عدة تفاسير:
- أن اللفظة العبرانية المترجمة “رجل فطن” هي اسم علم أي “أشتسقيل” من بنى محلى، فيكون هذا اسمه.
٢. هناك من يترك واو العطف أو الباء، فيكون شربيا هو الرجل الفطن.
٣. هناك من يقول أن اسم الرجل الفطن متروك قصدًا من الكاتب.
وَحَشَبْيَا وَمَعَْهُ يَشَعْيَا مِنْ بَنِي مَرَارِي،
وَإِخْوَتُهُ وَبَنُوهُمْ عِشْرُونَ [19].
وَمِنَ النَّثِينِيمِ الَّذِينَ جَعَلَهُمْ دَاوُدُ مَعَ الرُّؤَسَاءِ لِخِدْمَةِ اللاَّوِيِّين،َ
مِنَ النَّثِينِيمِ مِئَتَيْنِ وَعِشْرِينَ.
الْجَمِيعُ تَعَيَّنُوا بِأَسْمَائِهِمْ [20].
موقف النثينيم، أو مساعدي اللاويين يخزي اللاويين، فقد صعد منهم 220 شخصًا، بينما صعد 40 لاويًا بعد عدة نداءات. وقد سبق لنا الحديث عن التثينيم عند حديثنا عن الموكب الأول تحت قيادة زرُبابل (عز 2: 43 الخ).
“الجميع تعينوا بأسمائهم”، أي نادوا على أسمائهم لمقارنتها بالكشوف، ولعل عزرا لم يرد أن يذكرأسماءهم لأنهم لم يأتوا من أنفسهم أولاً.
وَنَادَيْتُ هُنَاكَ بِصَوْمٍ عَلَى نَهْرِ أَهْوَا.
لِنَتَذَلَّلَ أَمَامَ إِلَهِنَا،
لِنَطْلُبَ مِنْهُ طَرِيقًا مُسْتَقِيمَةً لَنَا،
وَلأَطْفَالِنَا وَلِكُلِّ مَالِنَا [21].
“ناديت بصوم” هو للتوبة وللتذلل ليساعدهم الله على صعوبات الطريق لتكون طريقهم طريقًا مستقيمةبلا عائق (إش 40: 3). ونحن في طريقنا للملكوت توجد صعاب كثيرة تحتاج إلى الصلاة والصوم. اهتم عزرا بالصوم والتذلل كحراسة إلهية… لم يطلب حراسة من الملك!
كان عزرا على علم بأنه يوجد أعداء يكرهون اليهود يتربصون لهم في الطريق. وإن الرحلة شاقة من كل الجوانب، خاصة وأنها تضم نساءً وأطفالاً، يصعب أن يسيروا قرابة أربعة شهور على الأقدام. رفع عزرا قلبه إلى الله طالبًا العون والمساندة والحماية، نادي عزرا بالصوم بكونه السلاح الفائق في رحلتهم الشاقة.
إن كان اجتماعهم عند نهر أهوا يشير إلى الحاجة إلى نعمة المعمودية، فإن تمتعنا بالنعمة يحثنا بالأكثر على الصوم والتذلل في جهادنا الذي يتكئ على نعمة الله. فالنفس تتهلل بنعمة الله، وفي تهليلها تجاهد فتتأهل بالحماية الإلهية، كعطية مجانية من قبل الله.
v الصوم حارس للنفس، ورفيق أمين للجسد،
الصوم سلاح الشجعان، ومدرب النُساك،
الصوم يصَّد التجارب، ويُمهد الطريق للتقوى،
إنه رفيق الهدوء وصانع العفة
الصوم يعمل أعمالاً باهرة في الحروب،
ويُعلَّم السكينة في وقت السلام
الصوم يُقدِّس النذير ويجعل الكاهن كاملاً.
الصوم يجعل العاقر تلد أولادًا،
ويصنع الأقوياء، ويجعل المشرّعين حكماء
لأنه كيف يمكن للكاهن أن يصلي بدون صوم؟ لقد كانت ممارسة الصوم أمرًا ضروريًا ليس فقط في عبادة العهد الجديد السرائرية ولكن أيضًا بالنسبة للعبادة الناموسية[85].
v الصوم يُصعد الصلاة إلى السماء كما لو كانت ريشة تطير نحو الأعالي. الصوم هو سبب رُقيّ وتقدم الشعوب، الصوم أصل الصحة، الصوم مربي للشباب وزينة الشيوخ، والرفيق الصالح للمسافرين. الصوم هو خيمة آمنة للذين يطلبون مأوى. فالرجل المتزوج لا يرتاب من زوجته عندما يراها تصوم دائمًا. بالمثل فالمرأة تثق في رجلها ولا تدع الغيرة تتملكها عندما تراه يصوم دائمًا[86].
القديس باسيليوس الكبير
لأَنِّي خَجِلْتُ مِنْ أَنْ أَطْلُبَ مِنَ الْمَلِكِ جَيْشًا وَفُرْسَانًا،
لِيُنْجِدُونَا عَلَى الْعَدُوِّ فِي الطَّرِيق،ِ
لأَنَّنَا قُلْنَا لِلْمَلِكَ: إِنَّ يَدَ إِلَهِنَا عَلَى كُلِّ طَالِبِيهِ لِلْخَيْر،ِ
وَصَوْلَتَهُ وَغَضَبَهُ عَلَى كُلِّ مَنْ يَتْرُكُهُ [22].
ظهر إيمان عزرا الحي، فقد آمن برب الجنود القادر أن يحفظه، فلا يليق به أن يطلب من الملك الوثني حراسة بشرية.
“جيشًا وفرسانًا”: لقد تكلم عزرا عن إلهه أمام الملك أنه إله قادر أن يحمى شعبه، فكيف يطلب الآن جيشًاوفرسانًا لحمايته؟ لذلك اعتمد على الله أن يحميه ولم يطلب حماية. أما نحميا ففي صعوده كان معه جيش لحمايته،لكن نحميا لم يطلب أن يُرسل معه جيش. إنما قبل هذا، ولماذا يرفض، فالله له وسائله المتعددة ليحمى أولاده.
فَصُمْنَا وَطَلَبْنَا ذَلِكَ مِنْ إِلَهِنَا، فَاسْتَجَابَ لَنَا [23].
إذ اتكأ عزرا ومن معه على قوة الله ونعمته بقلوب نقية، وتسليم كامل بين يدي الله، لذلك نسمع العبارة “فاستجاب لنا“. إنه إله المستحيلات القدير، الذي يشتاق أن يجد قلوبًا نقية تطلب منه ما يطابق إرادته، ففي أبوه حانية يستجيب لها. بالصوم والصلاة مع نقاوة القلب استجاب الله لطلبة عزرا ومن معه.
v “ليت طلباتي تأتي أمام الرب“. فإنه إن بلغت صلاتي العلا، يهلك أعدائي (مز 92: 2)؛ الصديق يثبت (حك 5: 1)، الشبكة تنكسر، والعصفور إذ يتحرر يطير في حرية (مز 124: 7)؛ والمضطهدون يحنون رؤوسهم، والمضطَهَدين يفرحون (مت 5: 10-12).
الأب هيسيخيوس الأورشليمي
v الصلاة النقية تجد طريقها لدى الله، فهي تتحدث إليه، تسمعه وتثق فيه.
v لا تضجر في طلبك. لا تفكر بأن طلبك يعود فارغًا.
لا تقل: طلبت كثيرًا ولم أجد، ولعلني لا أجد أبدًا[87].
القديس مار يعقوب السروجي
v ليس أحد يعينه الله ما لم يصنع هو شيئًا. إنه سيُعان إن صلي[88].
v الأثر الكامل للإيمان هو هذا: يجعلنا نسأل فنأخذ، نطلب فنجد، نقرع فيُفتح لنا. بينما الإنسان الذي يجادل يغلق باب رحمة الله أمام نفسه[89].
القديس أغسطينوس
v لنؤمن أنه مهما سألنا الآب ننال باسمه، لأن إرادة الآب هي أن نطلب خلال الابن، وإرادة الابن أن نطلب من الآب… لا تفهم من ذلك أن الآب غير قادر أن يفعل، وإنما توجد قوة واحدة تتكشف[90].
القديس أمبروسيوس
وَأَفْرَزْتُ مِنْ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ اثْنَيْ عَشَرَ:
شَرَبْيَا وَحَشَبْيَا،
وَمَعَْهُمَا مِنْ إِخْوَتِهِمَا عَشَرَةٌ [24].
كان ملوك فارس أغنياء جدًا. قدم الملك الكثير من الذهب والفضة، حتى النحاس كان من نوع خاص “صقيل جيد ثمين كالذهب” [27].
سلم عزرا هذه الكنوز لأيدٍ أمينة تحملها معه إلى أورشليم لتقديمها لبيت الرب.
وَوَزَنْتُ لَهُمُ الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ وَالآنِيَةَ،
تَقْدِمَةَ بَيْتِ إِلَهِنَا الَّتِي قَدَّمَهَا الْمَلِكُ،
وَمُشِيرُوهُ وَرُؤَسَاؤُهُ وَجَمِيعُ إِسْرَائِيلَ الْمَوْجُودِين [25].
مع ثقته في أمانة رؤساء الكهنة والكهنة ومعهم اللاويين، لكنه سلم لهم كل شيءٍ بالوزن، لتجنب الشبهات، ولقطع الطريق على الذين يفترون عليهم. وكما يقول الرسول: “معتنين بأمورٍ حسنةٍ ليس قدام الرب فقط، بل قدام الناس أيضًا” (2 كو 8: 21).
وَزَنْتُ لِيَدِهِمْ سِتَّ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ وَزْنَةً مِنَ الْفِضَّة،ِ
وَمِئَةَ وَزْنَةٍ مِنْ آنِيَةِ الْفِضَّةِ،
وَمِئَةَ وَزْنَةٍ مِنَ الذَّهَب [26].ِ
وَعِشْرِينَ قَدَحًا مِنَ الذَّهَبِ أَلْفَ دِرْهَمٍ،
وَآنِيَةً مِنْ نُحَاسٍ صَقِيلٍ جَيِّدٍ ثَمِينٍ كَالذَّهَبِ [27].
وَقُلْتُ لَهُمْ: أَنْتُمْ مُقَدَّسُونَ لِلرَّبِّ،
وَالآنِيَةُ مُقَدَّسَةٌ،
وَالْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ تَبَرُّعٌ لِلرَّبِّ إِلَهِ آبَائِكُمْ [28].
في اعتزاز يقول عزرا إنهم مقدسون للرب، والآنية مقدسة، مكرسة للرب. مع اهتمام عزرا بآنية بيت الرب المقدسة، فإن هذه الآنية من أجل تقديس الشعب، لهذا يقول عزرا: “أنتم مقدسون للرب، والآنية مقدسة…“، مقدمًا النفوس عن الآنية الذهبية والفضة.
فَاسْهَرُوا وَاحْفَظُوهَا حَتَّى تَزِنُوهَا،
أَمَامَ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَاللاَّوِيِّينَ وَرُؤَسَاءِ آبَاءِ إِسْرَائِيلَ،
فِي أُورُشَلِيمَ فِي مَخَادِعِ بَيْتِ الرَّبِّ [29].
يطالبهم عزرا الكاهن بحياة السهر والأمانة، فإن كان السيد المسيح يُدعى “الأمين”، يليق بأعضائه، أن يشتركوا معه في سمة “الأمانة”. ففي يوم الرب العظيم يُقال للمؤمن الحقيقي: “كنت أمينًا في القليل، فأقيمك على الكثير” (مت 25: 21)
الأمانة واجبة في جميع الأمور، ولاسيما في مال الرب، لهذا سلم عزرا الآنية للكهنة ومعهم اللاويين بالوزنليسلموها في بيت الله بالوزن، فلا يضيع شيء. والأهم من الآنية نفوس البشر فهي أمانة في عنق الكهنة والخدام.
كما تسلموا كل شيءٍ بالميزان، يليق بهم تسليمه بالميزان، حتى لا يتشكك أحد فكر في أمانتهم.
فَأَخَذَ الْكَهَنَةُ وَاللاَّوِيُّونَ وَزْنَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَالآنِيَةِ،
لِيَأْتُوا بِهَا إِلَى أُورُشَلِيمَ إِلَى بَيْتِ إِلَهِنَا [30]
من أهوا إلى أورشليم 31-36
ثُمَّ رَحَلْنَا مِنْ نَهْرِ أَهْوَا فِي الثَّانِي عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الأَوَّلِ،
لِنَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ،
وَكَانَتْ يَدُ إِلَهِنَا عَلَيْنَا،
فَأَنْقَذَنَا مِنْ يَدِ الْعَدُوِّ وَالْكَامِنِ عَلَى الطَّرِيقِ [31].
انطلقت الرحلة التي سبق فرآها إشعياء النبي بروح النبوة، قائلاً: “اخرجوا من وسطها (بابل)، تطهروا يا حاملي آنية الرب. لأنكم لا تخرجون بالعجلة، ولا تذهبون هاربين، لأن الرب سائر أمامكم، وإله إسرائيل يجمع ساقتكم” (إش 52: 11-12).
لم يذكر عزرا الكاتب كيف أنقذهم الله من يد العدو في الطريق, لقد اختبر ما يقوله المرتل: “يقوم الله، يتبدد أعداؤه، ويهرب مبغضوه من أمام وجه…” (مز 68: 1 الخ).
“فأنقذنا” الله، إذ يحفظ مسيرتنا إلي أورشليم السماوية، وهنا حفظهم الله من الأعداء الكامنين عليالطريق، أي قطاع الطرق، وهم منتشرون جدًا، لكن عناية الله دفعت الأعداء بعيدًا عنهم.
بدأ بالإقامة 3 أيام يقدمون الشكر للذي وهبهم الحياة المقامة، وعادوا إلى أورشليم سالمين. في اليوم الرابع قدموا التقدمات لبيت الرب وسلموا أوامر الملك للمرازبة والولاة.
وصف الرحلة كلها التي استغرقت حوالي أربعة أشهر في هذه العبارة الواحدة. لم يروِ لنا عزرا من هو العدو، وماذا عانى الشعب من قطَاع الطرق، إنما كل ما كتبه أن الله أنقذ الموكب كله.
عندما نبلغ الفردوس نتطلع إلى كل سنوات عمرنا كأنها لحظات عبرت، وما نذكره في ذلك الحين هو عمل الله معنا، دون التفكير في أشخاص المضايقين ومرارة الضيق. تبلغ الأمجاد الفائقة فكرنا، وشوقنا لخلاص العالم كله يشغلنا، وتسبيحنا مع الطغمات السماوية يصير عملنا، هذا ما نبلغه يوم خروجنا من العالم ودخولنا الفردوس. ليتنا نتمتع بعربون ونحن بعد في الجسد.
فَأَتَيْنَا إِلَى أُورُشَلِيم،َ
وَأَقَمْنَا هُنَاكَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ [32].
ربما يصعب تصوير استقبال أقاربهم ومعارفهم وبني جنسهم لهم. إنما العجيب كما بقوا معًا في بدء الرحلة عند نهر أهوا صائمين ومصلين لكي يبدأ معهم الرب الرحلة ويتقدمهم، الآن لم يتفرقوا. لم يذهب أحد منهم إلى بيت من بيوت أقربائه لكي يستريح. وإنما بقي الجميع ثلاثة أيام كأن الرحلة لم تنتهِ بعد، يقدمون ذبائح التسبيح والشكر لله الذي سار معهم في الطريق، وحافظ عليهم.
لم ينشغل القادمون من بابل بالتعرف على أخبار أقربائهم، ولا تدبير مواضع للراحة، ولا التفكير فيما سيفعلونه. إنما أقاموا معًا هناك ثلاثة أيام، كأنهم يعيشون معًا في خبر القيامة مع المسيح في صورة رائعة مجيدة.
وَفِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ وُزِنَتِ الْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ وَالآنِيَةُ فِي بَيْتِ إِلَهِنَا،
عَلَى يَدِ مَرِيمُوثَ بْنِ أُورِيَّا الْكَاهِن،ِ
وَمَعَهُ أَلِعَازَارُ بْنُ فِينَحَاس،َ
وَمَعَهُمَا يُوزَابَادُ بْنُ يَشُوعَ وَنُوعَدْيَا بْنُ بَنُّويَ اللاَّوِيَّانِ [33].
“وفي اليوم الرابع وُزنت الفضة” والآنية. في أيام كورش سلمت بالعدد، وهنا سُلمت بالعدد والوزنحتى لا ينقص شيء، وهذا يدل علي اهتمام الله بأولاده، وأن ه يلزم على خدام الله أن يكونوا أمناء على كل نفسٍ،فأولاد الله هم آنيته المقدسة، وقد ائتمن خدامه عليهم (2 تي ٢:٢).
تسلم اثنان من الكهنة واثنان من اللاويين الفضة والذهب، وطابقوا بين المرسل من بابل، وما تسلموه فيأورشليم.
في اليوم الرابع قدم الوكلاء حساب الوكالة، وسلموها بالعدد والميزان لبيت الله.
بِالْعَدَدِ وَالْوَزْنِ لِلْكُلِّ،
وَكُتِبَ كُلُّ الْوَزْنِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ [34].
وكتب كل الوزن لأجل الضبط والحفظ في السجل.
وَبَنُو السَّبْيِ الْقَادِمُونَ مِنَ السَّبْيِ،
قَرَّبُوا مُحْرَقَاتٍ لإِلَهِ إِسْرَائِيل،َ
اثْنَيْ عَشَرَ ثَوْرًا عَنْ كُلِّ إِسْرَائِيلَ وَسِتَّةً وَتِسْعِينَ كَبْشًا
وَسَبْعَةً وَسَبْعِينَ خَرُوفًا وَاثْنَيْ عَشَرَ تَيْسًا ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ.
الْجَمِيعُ مُحْرَقَةٌ لِلرَّبِّ [35].
قدم بنو السبي القادمون محرقات عن أسباط إسرائيل، للشكر علي حفظ الله لهم في الطريق، ولتكريسأنفسهم لله. كما قدموا ذبائح خطية للتكفير عن خطاياهم.
لاحظ تكرار رقم ١٢ في عدد الأسباط، فهم الآن شعب واحد.
وَأَعْطُوا أَوَامِرَ الْمَلِكِ لِمَرَازِبَةِ الْمَلِكِ وَوُلاَةِ عَبْرِ النَّهْرِ،
فَأَعَانُوا الشَّعْبَ وَبَيْتَ اللهِ [36].
لم يسرع عزرا باللقاء مع مرازبة الملك والولاة لتقديم أوامر الملك، إنما انتظر حتى يقضي الفوج ثلاثة أيام شكر لله، ويقدم الوكلاء حساب وكالتهم، وبعد تقديم المحرقات وذبائح الخطية لله. هكذا كان الله أولاً في حياة عزرا، بل وفي حياة الفوج المرافق له كله.
“فأعانوا الشعب” صار الأعداء والمقاومين معينين للشعب، وذلك من تدبير الله الذي بيده قلوب الملوكوالحكام.
أخيرًا قدموا أوامر الملك للمزاربة والولاة، فأعانوهم في بناء بيت الرب، إنها صورة لما يحدث في يوم البر العظيم حيث يتهلل السمائيون بوعود الله، الفائقة للبشر يرون الكنيسة الجميلة المُزينة بالأمجاد الأبدية، فيسبحوا الله من أجل عمله مع بني البشر. يرون في البشرية المتمتعة بالأمجاد شركاء معهم، فيصير السمائيون معهم كنيسة سماوية.
من وحي عزرا 8
احسبني من أصحاب الساعة الحادية عشرة
v سبقني كثيرون إلى مواكب النصرة.
نفسي تئن بسبب خمولي وتراخيّ وإهمالي.
ليعمل روحك القدوس فيُ،
فألحق بأصحاب الساعة الحادية عشرة.
v اخترتني ابنًا لك، يا من تريد خلاص الجميع.
ليُنقش اسمي على كفك، ولا يُمح من سفر الحياة الأبدية.
v فتحت أمامي باب المعمودية، كما عند نهر أهوا.
وهبتني أن أدفن معك لأقوم معك.
هب لي أن أتنعم بالحياة المقامة كل أيام غربتي.
لأصوم وأتذلل مع عزرا الكاتب.
لتصرخ أعماقي: غربتي قد طالت عليَّ!
لماذا كثر الذين يحزنونني؟
كثيرون يقولون: ليس له خلاص بإلهه.
لكن أنت هو حصن حياتي،
تمتد يدك لتحوط حولي، فلا يقترب الأعداء إليّ.
v رحلتي في العالم معركة لا تنقطع،
لكنها بك تصير وليمة مفرحة،
مع كل يوم تقدم لنفسي نصرات هي من عندك.
تكشف عن عيني قلبي، فأرى الأكاليل معدة لأولادك.
v متى أبلغ مع شعبك أورشليم العليا.
هناك لا أعود أذكر متاعب الطريق،
بل يمتلئ قلبي فرحًا ولساني تهليلاً،
أشارك السمائيين تسابيحهم.
هناك اختبر قيامتك على مستوى فائق.
أقدم لك حساب وكالتي،
ليس لي ما أبرر به نفسي،
إنما نعمتك كانت سندًا لي كل أيام غربتي.
هناك بفرح وتهليل أتغنى قائلاً:
هأنذا والأولاد الذين أعطانيهم الله.
v هناك تتجلى أمامنا صورة الصليب البهي،
فنقدم ذبائح الشكر والتسبيح.
هناك تتحقق وعودك الفائقة,
أتمتع بما لم تره عين، وما لم تسمع به أذن.
أتمتع بما لم يخطر على قلب بشرٍ.
لك المجد يا أيها الأمين في بوعودك!
V V V
مقارنة بين رحلة عزرا ورحلتنا إلى أورشليم العليا
|
رحلة عزرا |
ورحلتنا إلى أورشليم العليا |
1 |
بدأت بتسجيل أسماء رؤوس الآباء وعدد الراغبين في الرجوع. |
اختيارنا من قبل الله، وتسجيل أسمائنا في سفر الحياة، ونقشها على كف الله. |
2 |
الاجتماع عند نهر أهوا. |
البدء بالمعمودية والتمتع بالبنوة لله. |
3 |
بقاء الفوج ثلاثة أيام عند نهر أهوا. |
التمتع بالقيامة مع السيد المسيح الذي دفن ثلاثة أيام. |
4 |
الصوم والتذلل أمام الله فهو الذي يقوم بحراستنا. |
الجهاد الروحي في جدية والإيمان بالله حارس النفوس. |
5 |
أورد الرحلة في عبارة واحدة [31]. لم يرو لنا ما فعله الأعداء في الطريق. |
لا يشغلنا في رحلتنا سوى أورشليم. لا نخشى إبليس ولا الخطية؛ الله مخلصنا. |
6 |
بقاؤهم 3 أيام في أورشليم دون الذهاب إلى بيوت أو خيام. |
ما يشغلنا في السماء هو حضن الآب مسكن للجميع. |
7 |
تقديم ذبائح وتقدمات عن كل إسرائيل. |
انشغال الذين في الفردوس بالطلبة عن كل البشرية لدى المصلوب. |
8 |
تسليم الهبات الذهبية والفضية لبيت الرب. |
تقديم حساب الوكالة، وثمر شهادتنا للسيد المسيح. |
9 |
تسليم أوامر الملك للمرازبة والحكام. |
التمتع بالوعود الإلهية الخاصة بالحياة الأبدية وأمجادها. |
تفسير عزرا 7 |
تفسير سفر عزرا |
تفسير عزرا 9 |
تفسير العهد القديم |