العلاقة بين تقليد الأسفار المقدَّسة وتقليد الكنيسة

 من كتاب المعمودية: الأصول الأولى للمسيحية 
للأب متى المسكين

الفصل الأول
الجزء النظري

5  العلاقة بين تقليد الأسفار المقدَّسة وتقليد الكنيسة

إن كان تقليد الكنيسة له قيمته الهامة، ولكنه لا يُعتبر كصاحب أو منبع سلطة للعقيدة إلاَّ إذا كانت هذه العقائد موجودة أو يمكن تحقيقها من الأسفار المقدَّسة.

على أنه سيظل الإنجيل هو تقليد الكنيسة بالأساس.

وسوف تبقى أعمال القوات الكبرى التي للفداء وللتجسُّد، وحياة المسيح وخدمته وآلامه وموته وقيامته وصعوده، وانسكاب الروح القدس وقيام الكنيسة، هي مرَّة كانت وستظل حوادث فريدة ليس لها نظير.

إن تاريخ الكنيسة هو تاريخ الخلاص نعم، ولكن يستحيل أن يماثل زمن التجسُّد للمسيح أو بالنسبة للذين شاهدوه أو زمن الرسل وشهود العيان الذين عاشوا معهم ورأوهم.

وهناك تقليد الرؤيا والسماع والتعليم الذي حازه الرسل المختارون من المسيح رأساً ورأوا القيامة. هذا جعل شهادتهم وعملهم صورة فريدة لا نظير لها وغير قابلة للنقل بالصورة، الأمر الذي عدَّده ق. يوحنا بشيء من أحلام الماضي السعيد والخبرة الرسولية النادرة:

+ » الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا، من جهة كلمة الحياة. فإن الحياة أُظهرت وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأُظهرت لنا. الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به، لكي يكون لكم أيضاً شركة معنا. وأمَّا شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح. «(1يو 1: 1-3)

هنا الإخبار بما شاهده ق. يوحنا وشهد به هو تسليم التقليد، ولكنه تسليم من رؤيا وسمع ولمس إلى مجرَّد شهادة كلام. ويُلاحَظ أيضاً أن ق. يوحنا اعتبر نفسه شريكاً للآب والمسيح وبالتالي نقل شهادته ورؤيته وشركته إلى الآخرين. هذا هو طريق التقليد الرسولي، تقليد رؤيا ومشاهدة! فهو ثمين ثمين جدًّا للذي يفهم.

 

فأي فخر وأي مجد وأي سعادة حازها الرسل؟([1]) 

والقديس بطرس رأى الرب وعاين قيامته مع خبرات قديمة نادرة كانت كالحلم فكتب:

+ » لأنه أخذ من الله الآب كرامةً ومجداً، إذ أقبلَ عليه صوتٌ كهذا من المجدِ الأسنى: هذا هو ابني الحبيب الذي أنا سررت به. ونحن سَمِعنا هذا الصوت مُقبِلاً من السماءِ، إذ كنَّا معه في الجبل المقدَّس. «(2بط 1: 17و18)

هذه شهادة رسول، وحيدة فريدة عظيمة لا تدانيها خبرة.

والقديس بولس رأى الرب وعاينه في المجد من السماء، فكانت خبرة فوق جميع خبرات الرسل، ولذلك كانت كتاباته ليس لها نظير، وكل ما كتبه الآباء يتوارى أمام ضياء ما كتب ق. بولس الذي حلَّق وارتفع حتى السماء الثالثة.

لهذا صار الرسل حجر أساس وقاعدة لعمود الحق أي لكنيسة الله: » مبنيِّين على أساسِ الرسل والأنبياءِ، ويسوعُ المسيح نفسه حجرُ الزاويةِ. «(أف 20:2)

ونلخِّص ما قلناه في أن:

  • الأسفار المقدَّسة هي الوديعة Deposit التي خرج منها تقليد الكنيسة.
  • والتقليد في الكنيسة فوق أنه طريق الحياة فهو النهر الذي تفيض منه حياة الكنيسة بدءاً من نهر الأُردن. وهو تقليد حر ممتد متسع متحرِّك يطوي الزمن والعصور، وعليه بُنيت العقيدة.
  • والأسفار المقدَّسة هي التقليد الأول للكنيسة، وتقليد الكنيسة هو بالنسبة لها سرّها الإلهي الخاص وتاريخها بدءاً من الميلاد -وكتابات الأسفار المقدَّسة تحوي في بطنها تقليد الكنيسة الذي اندفق منها.

ولن ننسى أن الليتورجيا في الكنيسة هي سابقة على الإنجيل. فالعلية التي أُقيم فيها العشاء الأخير وبدأت فيها الصلوات والتسابيح كانت مهد الليتورجيا للكنيسة، حيث بدأت فيها حتماً أيضاً خدمة التعميد. فكانت الإفخارستيا والمعمودية هما اللتان فتحتا باب التقليد.

 

([1]) من أبدع المعجزات التي سمعتها في حياتي وأحيت نفسي وأحيت فيَّ تمجيد الرسل: هي قصة الأخت “جولشام” التي صلَّت للمسيح فزارها كما تقول ومعه الاثني عشر رسولاً وكأنهم نجوم حول شمس لا تتحرَّك إلاَّ بهم؟!!

فاصل

التسليم في تاريخ الكنيسة كتب الأب متى المسكين لاهوت المعمودية
كتاب المعمودية الأصول الأولى للمسيحية
المكتبة المسيحية

زر الذهاب إلى الأعلى