تفسير سفر إشعياء ٢٦ للقمص تادرس يعقوب
الأصحاح السادس والعشرون
تسبحَة القيَامَة
التسبحة السابقة هي تقدمة شكر يرفعها المفديون لله من أجل بركات الخلاص التي وهبها الله لشعبه، أما هذه التسبحة فهي “مزمور القيامة” [19]، خلاله يعلن الشعب ثقته في الله .
يتطلع إشعياء النبي إلى خروج الشعب من السبي حاملين روح الغلبة والنصرة بينما تسقط بابل وكل أسوارها الفريدة حتى الأرض [12] كصورة حية للقيامة من الأموات، لهذا ينطلق لسانه بالتسبيح مؤكدًا الثقة في الله واهبًا الحياة والقيامة.
يرى بعض الدارسين أن ما ورد هنا عن القيامة من الأموات [19] هو أول نص صريح في العهد القديم عن القيامة[275].
- مزمور للحث على الثقة بالله [1-4].
- انهيار العدو [5-6].
- مساندة الرب لصدّيقيه [7-16].
- دخول شعبه في الضيق [17-19].
- الله مخلص شعبه [20-21].
- مزمور للحث على الثقة بالله:
يبدأ المزمور بالمقدمة: “في ذلك اليوم يُغنى بهذه الأغنية في أرض يهوذا” [1]. إنها أغنية العهد الجديد؛ لم يكن ممكنًا لرجال العهد القديم أن يتغنوا بها، لذا يقول “في ذلك اليوم”. ما تمتع به الشعب القديم من بركات كالعودة من السبي لا يبعث فرحًا دائمًا إلاَّ من حيث كونه رمزًا للخلاص المبهج الذي تحقق بردنا من سبي الخطية خلال عمل الصليب.
هذا المزمور هو تسبحة لأورشليم مدينة الله بسبب ما تمتعت به من قوة وحصانة مع أبواب مفتوحة وبرّ لسكانها وأمانة وسلام…
“لنا مدينة قوية” [1]، يقصد بها أورشليم رمز أورشليم السماوية، وأيضًا كنيسة العهد الجديد بكونها مدينة الله التي يسكنها الرب نفسه مع شعبه.
“يجعل الخلاص أسوارًا ومترسة” [1]؛ أعمال الله الخلاصية هي أسوار المدينة وأدواتها الحربية، فلا يقدر عدو الخير أن يقتحمها. له أن يحاربها ويحاول اغراءها لكنه لن يستطيع أن يغلبها مادامت أمينة للرب.
كثيرًا ما تحدّث آباء الكنيسة – خاصة القديس أغسطينوس – عن حياتنا الداخلية ككنيسة المسيح، مدينة الرب السماوية. هذه المدينة في جوهرها هي سكنى الله – الحب – مع الناس؛ الحب هو مؤسسها، وهو كنزها، وهو لغتها وشريعتها… مدينة الرب هي مدينة الحب!
v إذ يصير لك كمال المعرفة وإذ تصبح عرش الله بالحب تصير سماءً!
السماء التي نراها بأعيننا حين ننظر إلى فوق ليست ثمينة جدًا عند الله؛ النفوس القديسة هي سماء الله…
كل نفس هي صهيون…
واضح أن صهيون هي مدينة الله؛ وما هي مدينة الله إلاَّ الكنيسة المقدسة؟! إذ يحب البشر بعضهم بعضًا ويحبون الله الساكن فيهم يصيرون مدينة الله… فقد كُتب بصراحة: “الله محبة” (1 يو 4: 8). من يمتلىء حبًا يمتلىء من الله[276].
v لقد تعلمنا أنه توجد مدينة الله، مؤسسها أوحى لنا بالحب الذي يجعلنا نشتهي المواطنة فيها[277].
القديس أغسطينوس
بالحب أقام الله كل نفس لتصير مدينته الحصينة وسمواته المقدسة، اقامها عروسه السماوية المتحدة معه لها ذات امكانيات عريسها المخلص الذي صعد إلى السموات وانفتحت أمامه الأبواب الدهرية ليدخل ملك المجد (مز 24: 7-10). هي أيضًا عروسه الحاملة بره وامانته، تنفتح أمامها أبواب السماء لتجلس عن يمين عريسها الملك وفي احضانه، لا تقدر قوة ما أن تحرمها من العبور في السمويات حتى تبلغ عرشه. إنها كأستير الملكة التي اجتازت كل أبواب القصر لتبلغ إلى الملك الذي يمد قضيب ملكه الذهبي لها كي تدخل إليه فيلاطفها ويستمع إلى طلبتها.
هذه المشاعر النبوية تمتع بها إشعياء ربما حين رأى بالروح الراجعين من السبي يدخلون أبواب أورشليم المفتوحة أمامهم، وهم داخلين كما في موكب نصرة أو موكب عيد مفرح في الرب. لقد قال: “افتحوا الأبواب لتدخل الأمة البارة الحافظة الأمانة” [2].
v “ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم” (مز 24: 7)؛ لنذهب باستقامة إلى السماء.
ليت بوق النبي يضرب عاليًا: “ارفعوا أنتم يا رؤساء الهواء الأبواب التي اقمتموها في أذهان البشر…”
القديس أغسطينوس[278]
يعلق القديس أمبروسيوس على العبارة “ارتفعي أيتها الأبواب الدهرية ليدخل ملك المجد” (مز 24: 7)، قائلاً:
[لقد وجدوا أنه يلزم أن يُعد أمام وجه هذا “المنتصر” الجديد طريقًا جديدًا، لأنه هو دائمًا كما كان أعظم من غيره، ولكن لأن أبواب البر التي هي أبواب العهدين القديم والجديد، التي فيها تنفتح السموات، هي أبواب دهرية، لذلك فهي بالحق لا تتغير، لكنها ارتفعت لأن الداخل فيها ليس إنسانًا بل العالم كله في شخص مخلص الكل…
إذ أدرك (الملائكة) اقتراب رب الكل، أول قاهر للموت، والمنتصر الوحيد، أمروا الجنود (السمائيين) أن يرفعوا الأبواب قائلين في هيام وتعبد… “ارتفعي أيتها الأبواب الدهرية فيدخل ملك المجد”[279]].
هكذا إذ تنفتح السماء أمام المؤمنين المتحدين بربنا يسوع فيرتفعوا معه إلى سمواته، يعيشون هنا في سلام حقيقي وثقة بالمخلص. لذا يقول النبي:
“ذوي الرأي الممكن تحفظه سالمًا سالمًا لأنه عليه متوكل” [3]. تعبير رائع عن الطمأنينة الأكيدة التي يهبها الله لمؤمنيه المخلصين له، فيعطيهم سلامًا يتبعه سلام حتى يبلغوا إلى النصرة النهائية من أجل اتكالهم عليه.
يقصد بذوي الرأي الممكن أصحاب الهدف الثابت أو أصحاب الفكر المتزن غير المتزعزع الذين لا تفقدهم عواصف الأحداث ثقتهم في الله مخلصهم، يهوه صخر الدهور (إش 26: 4؛ مز 18: 31): “توكلوا على الرب إلى الأبد لأن في ياه (يهوه) الرب صخر الدهور” [4].
v بئس الشعب الذي يتحول عن الله… أما السلام الخاص بنا فننعم به الآن مع الله بالإيمان، ونتمتع به أبديًا معه بالعيان.
القديس أغسطينوس[280]
v ينبغي على كل أحد أن يصلح ذاته، ولذاته يسالم، ولا يكون انقسام في ضميره. لأنه إذا اصطلح إنسان مع جميع العالم وهو منقسم على ذاته فصلحه بلا منفعه. أما الذي يُصلح نفسه ويسالم ذاته فهو كمن سالم العالم جميعًا، ويكون مشرفًا في عيني سيد الكل.
v اشفق يارب على النفس التي اشتعلت بحبك، لأنها هي مسكن السلام، فلا تترك أثرًا للخطية في الضمير مكان سكناك، بل احرقه بنار حبك.
القديس يوحنا التبايسي[281]
- انهيار العدو:
“لأنه يخفض سكان العلاء” [5-6].
إن كانت بابل قد تشامخت وظنت أنها في العلاء فسينزل الرب بها حتى التراب ليجعلها مدوسة باقدام المساكين الذين سبق فوطأتهم بقدميها. هذه هي نهاية كل متكبر مقاوم للحق، إذ يشرب من ذات الكأس التي قدمها للغير.
عمل الله الدائم هو تمجيد أورشليم الذليلة المتضعة وإقامتها مدينة خاصة به؛ والنزول ببابل المتشامخة. وكما قالت القديسة مريم: “أنزل الأعزاء عن الكراسي، ورفع المتضعين، أشبع الجياع خيرات وصرف الأغنياء فارغين” (لو 1: 53).
v عرفتني طرق الاتضاع، خلالها يعود البشر إلى الحياة، إذ سقطوا بسبب الكبرياء.
القديس أغسطينوس[282]
v بالكبرياء نستند على الرياح، وبه نزج بأنفسنا إلى اللجة، فلا تقبل مرض الكبرياء لئلا يسرقك العدو…
v في الإنسان المتواضع تستريح روح الحكمة.
القديس مار إفرآم السرياني
- مساندة الرب لصدّيقيه:
يقدم لنا النبي في هذا المزمور تحليلاً رائعًا لحياة الإنسان الصّدّيق الذي يجد لذته وحمايته ومجده في الرب؛ وفي نفس الوقت يدعونا للصلاة السرية في المخدع مع الاهتمام باحكام الله ووصاياه والطاعة له للتمتع بخلاصه المجاني.
أ. أحكام الله أو وصاياه ليست ثقلاً على نفس الصديق إنما هي علة استقامته، لذا يطلبها ويشتهيها بفرح وبهجة قلب، قائلاً: “في طريق احكامك انتظرناك” [8]. كأن الوصية أو كلمة الله هي موضوع رجاء ولذة وفرح للنفس. وكما يقول المرتل: “بطريق شهاداتك فرحت كما على كل غنى… بفرائضك أتلذذ… شهاداتك هي لذّتي” (مز 119: 14، 16، 24).
لعل سر فرح الصدّيق وبهجته بالوصية أنه يكتشف أعماقها فيجدها تلاقٍ مع المسيح كلمة الله وتمتع به كسّر خلاص وحياة وكما يقول القديس أغسطينوس: [نفهم أنه ليس طريق أسرع ولا أأمن ولا أقصر ولا أعلى من المسيح بخصوص شهادات الله، هذا “المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم” (كو 2: 3). لذلك يقول (المرتل) أنه يجد فيه بهجة عظيمة كما في كل غنى. هذه هي الشهادات التي بها اكّد لنا إلى أي مدى يحبنا (المسيح)[283]…].
ب. سّر فرح الصدّيق، اتحاده بالله مخلصه وتمسكه باسمه القدوس وتذكاره: “إلى اسمك وإلى ذكرك شهوة النفس، بنفسي اشتهيتك في الليل. أيضًا بروحي في داخلي إليك أبكر” [8-9].تدرك النفس أنها في ليل هذا العالم تعتاز إلى نور المخلص ليشرق عليها بل وفيها. أنها تطلبه في الليل لأنها ذاقت الأمرّين طوال تعب النهار وآلامه غير المنقطعة، فتُريد أن تلتقي به داخلها لتجد فيه راحتها وسلامها وشبعها بكونه شهوة نفسها. تطلب منه أن تتمتع بكل قبلات (نش 1: 2)، وتناجيه قائلة: “حلقه حلاوة وكله مشتهيات؛ هذا حبيبي وهذا خليلي يا بنات أورشليم” (نش 5: 16).
تشتهيه النفس لتلتصق به كل ليل هذا العالم حتى تشرق عليها الأبدية فتبقى معه في احضانه أبديًا.
إنها تطلبه داخلها، تبحث عنه لتجده يطلبها، تُبكر إليه لتجده يُبكر إليها. تُناجيه: “إليك أُبكر، عطشت إليك نفسي يشتاق إليك جسدي في أرض ناشفة ويابسة بلا ماء، لكي أبصر قوتك ومجدك كما قد رأيتك في قدسك” (مز 63: 1-2). أما هو فيجيب: “أنا أحب الذين يُحبونني، والذين يبكرون إلىّ يجدونني؛ عندي الغنى والكرامة؛ قنية فاخرة وحظ” (أم 8: 17-18).
ج. أما نهاية الصّديق فهي تمتعه بالمجد الإلهي، الأمر الذي يُحرم منه الأشرار، إذ يقول النبي: “في أرض الاستقامة يصنع شرًا ولا يرى جلال الرب” [10]. يتمتع الصديق بمجد الرب وجلاله وينعكس بهاء الرب عليه ليصير أيقونة له، بينما يُحرم الشرير من التمتع بهذه العطية الأبدية.
v مطوّب ومثلث الطوبى بل ومتعدد الطوبى أولئك الذين يُحسبون أهلاً أن يروا ذاك المجد! عن هذا يقول النبي: “لينزع الشرير فلا يرى جلال الرب” [10 LXX].
الله لا يسمح أن يُنزع أحد منا أو يُستبعد عن رؤيته. فإننا إن كنا لا نتمتع بذلك فسيأتي وقت فيه نقول لانفسنا: “كان خير لنا لو لم نولد”. لأنه لماذا نحن نعيش؟ ولما نتنفس؟ ماذا نكون إن فشلنا في التمتع بمشاهدة ذلك ولم نُمنح معاينة الرب؟! إن كان الذين لا يرون نور الشمس يحسبون الحياة أمرّ من الموت فماذا يكون حال المحرومين من مثل هذا النور؟!
القديس يوحنا الذهبي الفم[284]
v يليق بنا أن نفهم أنه من أجل هذا الكمال “نكون مثله لأننا سنراه كما هو” (1 يو 3: 2). تُمنح هذه العطية عندما يُقال: “تعالوا يا مباركى أبي رثوا الملكوت المعد لكم” (مت 25: 34). عندئذ يُنتزع الأشرار كي لا يروا جلال الرب، فيذهب الذين على اليسار إلى العذاب الأبدي، بينما يدخل الذين على اليمين إلى الحياة الأبدية[285].
v يقول يوحنا: “أيها الأحباء، نحن الآن ابناء الله، ولم يظهر بعد ما سنكون، إنما نعلم أنه إذا أُظهر نكون مثله لأننا سنراه كما هو” (1 يو 3: 2). يبتدىء هذا الشبه يتشكل فينا من الآن، بينما يتجدد الإنسان الداخلي يومًا فيومًا حسب صورة خالقه[286].
القديس أغسطينوس
هكذا يصير الله سّر مجد صدّيقيه ليس فقط في العالم الآتي وإنما يبدأ مجدهم الآن في داخلهم بمعاينتهم مجد الله وجلاله كعربون للقاء معه أبديًا وجهًا لوجه، ويصير الله نفسه علة حرمان للأشرار؛ يكون ملك السلام لمؤمنيه ونارًا آكلة لجاحديه. يقول الرسول:” لهؤلاء رائحة موت لموت ولأولئك رائحة حياة لحياة” (2 كو 2: 16). لهذا يكمل إشعياء النبي قائلاً:
“يارب ارتفعت يدك ولا يرون،
يرون ويخزون من الغيرة على الشعب وتأكلهم نار اعدائك.
يارب تجعل لنا سلامًا لأن كل أعمالنا صنعتها (رددتها) لنا” [11-12].
يرفع الرب يده لتأديب أولاده فيهبهم سلامًا ونموًا، إذ يقبلونها تأديبًا عن خطاياهم[287]، أما بالنسبة للأشرار فتكون العقوبة نارًا آكلة لهم، تهلكهم وتبيد ذكرهم [14].
- دخول شعبه تحت الضيق:
يدرك النبي ما للضيق من بركات بالنسبة لشعب الله، قائلاً: “زدت الأمة يارب زدت الأمة، تمجدت، وسعت كل أطراف الأرض. يارب في الضيق طلبوك، سكبوا مخافته عند تأديبك إياهم” [15-16]. وكأن التأديب يسبب ضيقًا وتعبًا في الخارج لكنه يؤدي إلى النمو المستمر والاتساع في المجد.
سّر القوة لا في الضيق وإنما في يد الله الخفية القادرة أن تُقيم من الأموات. فقد رأى النبي شعبه أشبه بسيدة تتلوى من آلام المخاض، وبالجهد تلد فإذا بها تلد ريحًا، أي تنتهي آلام الولادة إلى لا شيء، أما إذا تدخل الله فأنه حتى وإن بلغ الإنسان في آلامه إلى الموت فأنه قادر أن يهبه القيامة، يهبه حياة جديدة مقامة مملوءة فرحًا وتسبيحًا.
الأشرار يتألمون كما في حالة الولادة، لكنهم ينجبون من عندياتهم (الأنا) ريحًا أو كبرياءً فارغًا، أما أولاد الله فيتألمون وينجبون بعمل الروح تشبيها لله. كأن الألم خارج السيد المسيح يلد ريحًا أما في المسيح فينجب قيامة!
يقول النبي: “كما أن الحبلى التي تُقارب الولادة تتلوى وتصرخ في مخاضها هكذا كنا قدامك يارب، حبلنا تلوينا كأننا ولدنا ريحًا. لم تصنع خلاصًا في الأرض… تحيا أمواتك تقوم الجثث. استيقظوا ترنموا يا سكان التراب…” [17-19].
يقول المرتل: “لأنه هوذا الملوك اجتمعوا… لما رأوا بهتوا ارتاعوا فروا، أخذتهم الرعدة هناك والمخاض كالوالدة” (مز 48: 4-6). يرى القديس أغسطينوس[288] أن الملوك هم جماعة المؤمنين الذين يحبلون من مخافة الله ويدخلون في حالة طلق لينجبوا خلاصًا خلال الإيمان. عندما نسمع آلامهم نتوقع ميلادًا جديدًا، حيث يموت الإنسان القديم بكل أعماله ويولد الإنسان الجديد الذي على صورة خالقه.
يُناجي القديس أغسطينوس النفس البتول المرتبطة بالمسيح عريسها، قائلاً: [حسن لكِ أيتها النفس البتول… فببتوليتكِ تحتفظي في قلبك ما قد ولدته ثانية (الإنسان الجديد)، وتحتفظي في جسدك ما انجبتيه، إذ حبلتي بمخافة الرب وولدتي روح الخلاص[289]].
- الله مخلص شعبه:
إن كان الله يغضب لا لينتقم لنفسه إنما ليؤدب معلنًا حبه لخلاصنا، لذا دعى فترة عضبه “لحيظة”، تعبر سريعًا، منتظرًا أن يُكافيء مؤمنيه، بينما يشرب الأشرار من كأس شرهم ما قد ملأوه بانفسهم.
حياتنا بكل آلامها هي “لحيظة” تعبر بنا سريعًا، لا تُقارن أمام أبدية مجيدة بلا نهاية. لهذا يقول القديس أغسطينوس: [توجد راحة في الموت، يتحدث عنها النبي قائلاً:”هلم يا شعبي أدخل مخادعك واغلق أبوابك خلفك، اختبئى نحو لحيظة حتى يعبر الغضب”[290]].
ما أجمل أن تختتم تسبحة القيامة التي بين أيدينا بالعبارة الرائعة: “لأنه هوذا الرب يخرج من مكانه ليُعاقب” [26]. أنه أب سماوي يشتاق ألا يُعاقب، أن أدّب إنما يكون كمن خرج من مكانه أي من الرحمة المملوءة ترفقًا وحنانًا. إثمنا وعصياننا يجعلانه كمن يخرج من مكانه ليُعاقب… حتى في خروجه يطلب أن يضمنا إليه ليرجع بنا إلى عرش رحمته.