تفسير سفر إشعياء ٤٩ للقس أنطونيوس فكري

الإصحاح التاسع والأربعون

 

في الجزء (40 – 48) وجدنا مجادلة الرب مع إسرائيل حول وثنيتهم لذلك نجد آخر آية في هذا الجزء لا سلام يقول ربى للأشرار. وفى هذا الجزء الجديد ( 49 – 57) كلام واضح عن ملكوت المسيح أي كنيسته ومجيئه ورفض اليهود له ومعاملتهم السيئة له بل وصلبه لذلك نجد ختام هذا الجزء أيضاً لا سلام يقول إلهي للأشرار (أش 57 :21) وابتداء من هنا لا كلام عن كورش ولا عبادة الأصنام.

والآيات هنا في عظمتها لا يمكن أن تشير لعودة 43.000 لأورشليم، بل هم ظلوا خاضعين لملك الفرس وتحت الجزية. بل هي تشير للكنيسة وللمسيح الذي كان قليل عليه أن يأتي لليهود فقط ليخلصهم، لذلك أتى لكل العالم، بل أن حتى أكثر اليهود رفضوه. وفى الإصحاح السابق أشار لإرسالية المسيح (48 : 16) والآن يتحدث عن هذه الإرسالية الفريدة التي فيها يخلى الابن ذاته لكي يمجدنا فيه.

آيات 1-6

آيات (1، 2)  اسمعي لي أيتها الجزائر و أصغوا آيةا الأمم من بعيد الرب من البطن دعاني من أحشاء أمي ذكر اسمي. و جعل فمي كسيف حاد في ظل يده خبأني و جعلني سهما مبريا في كنانته أخفاني.

المتكلم هو المسيح فالصفات المذكورة بعد ذلك لا تنطبق إلا عليه.

أيتها الجزائر = كان اليهود يتطلعون للجزائر في البحر المتوسط أنها بعيدة عن اليهودوغريبة عنهم.

الأمم من بعيد = فالمسيح مرسل لكل الأمم. و هم من بعيد لأنهم في كل أنحاء العالم، وهم من بعيد إذ لم يدخلوا في شركة مع الله كاليهود من قبل. في (ص 48) كان يكلم اليهود وهنا نجده يكلم الأمم.

الرب من البطن دعاني = هذه إشارة للتجسد، والمسيح سُمىِ يسوع أي مخلص قبل أن يولد “في بشارة الملاك للعذراء”. جعل فمي كسيف = هو صاحب سلطان راجع (رؤ 1 : 16 + رؤ 2 :16 + مت 7 : 29 + كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين (عب 4: 12) سهماً مبرياً = السهم يستخدم لضرب الأعداء البعيدين، فهو سهم ضد إبليس. وهو سهماً مبرياً، أي غير صدأ، مصقول. فالمسيح شهد له أعداءه “لم يتكلم إنسان قط هكذا مثل هذا الإنسان، ولم يستطيع أحد أن يجيبه بكلمة. في ظل يده خبأني = الله حفظه حتى الساعة المعينة من الأعداء الحانقين، فكان يختفي من وسطهم عدة مرات حين كانوا يريدون قتله قبل أن تأتى ساعة الصليب. والآية تعنى أيضاً أن الله كتم سر إرسال إبنه حتى جاء ملء الزمان. وهو خَبَأ حقيقته عن الشياطين فلم يعرفوه وهو أي المسيح كان سره مكتوماً مخبأ في النبوات. ثم ظهر بغتة كسهم مصوب ضد إبليس على الصليب. وهو سهم موجه للمؤمنين يجرحهم حباً (نش 2 : 5) ويجعلهم مشتاقين إليه كل حين، لا يتحدثون سوى عنه ولا يستمعون سوى له.

 

آيات (3 ،4)  و قال لي أنت عبدي إسرائيل الذي به أتمجد. أما أنا فقلت عبثا تعبت باطلا و فارغا أفنيت قدرتي لكن حقي عند الرب و عملي عند الهي.

الذي به أتمجد (يو 17 : 4،5) فالمسيح بصليبه تمجد ومَجَد الآب. فبه صالح الآب مع البشر. عبثاً تعبت = هذا لسان حال المسيح وهو على الصليب معلق واليهود شامتين رافضين والتلاميذ هاربين مشتتين. هذا مظهر الصليب الخارجي وأما عمله وفاعليته الحقيقيتين فيظهران في آيات (5،6).

 

آيات (5،6)  و الآن قال الرب جابلي من البطن عبدا له لإرجاع يعقوب إليه فينضم إليه إسرائيل فأتمجد في عيني الرب و الهي يصير قوتي. فقال قليل أن تكون لي عبدا لإقامة أسباط يعقوب و رد محفوظى إسرائيل فقد جعلتك نورا للأمم لتكون خلاصي إلى أقصى الأرض.

جابلي من البطن = تجسد المسيح من الروح القدس ومن العذراء مريم آخذاً صورة عبد وهذا ليُرجِع يعقوب إلى الإيمان ويترك عبادة الأوثان، وليرجع بالتوبة، ليرجع إلى الله بإيمانه بالمسيح المخلص فينضم إسرائيل = قد تكون نبوة بعودة اليهود في المستقبل، ولكنها تشير لدخول الأمم = إسرائيل الله (غل 6 :16) فالمسيح كان قليلاً عليه أن ياتى ليخلص اليهود، بل هو أتى لخلاص كل الأمم.

آيات 7-11

آية (7) هكذا قال الرب فادي إسرائيل قدوسه للمهان النفس لمكروه الأمة لعبد المتسلطين ينظر ملوك

فيقومون رؤساء فيسجدون لأجل الرب الذي هو أمين و قدوس إسرائيل الذي قد اختارك.

مكروه الأمة = يسمى التلمود المسيح “المنبوذ المصلوب أو المسيح الأبرص” عبد المتسلطين= كان المسيح كعبد وهو يقف بين يدي بيلاطس وهيرودس وكان كالمهان النفس = هذا كان نبوة عما سيحدث للمسيح فسيكون متضعاً فقيراً مرفوضاً. ينظر ملوك فيقومون = جاء للملكة فيكتوريا رئيس إفريقي وثنى يسألها إلام تنسبين نجاح إمبراطوريتك فقالت لهذا وأعطته إنجيلاً، وقالت أنا مؤمنه بالمجيء الثاني، وربما أن الله أطال عمري ليعطيني فرصة أن أضع تاجي عند قدمي السيد المسيح عندما يجيء. وهذا حال كثيرين من الملوك المؤمنين. لأجل الرب الذي هو آمين فالله يتمجد في كنيسته التي إشتراها وطهرها ولا يخيب رجاء أحد المتكلين عليه.  الذي قد إختارك = فالله إختار المسيح أي أرسله لمهمة الفداء والخلاص.

 

آية (8) هكذا قال الرب في وقت القبول استجبتك و في يوم الخلاص أعنتك فأحفظك و أجعلك عهدا للشعب لإقامة الأرض لتمليك أملاك البراري.

هنا الرب يكلم المسيح قائلاً أنه أعانه في يوم الخلاص، فإن كان الآب قد أرسل له ملائكة لتقوية (لو 22 : 43) فكم صنع الآب بنفسه معه. في وقت القبول هو وقت تأسيس الكنيسة في العهد الجديد. و وقت القبول بالنسبة لنا هو كل وقت نقدم فيه توبة طالما نحن أحياء. وهذه ثمار الخلاص فنحن صرنا مقبولين بالإبن لدى الأب فيستجيب الآب لنا. وأجعلك عهداً = الآب قدم إبنه عهداً جديداً ليس منقوشاً على حجارة بل مسجلاً بالدم في جسد الابن، وبهذا العهد تنال الكنيسة مملكة سماوية وميراث لا يعبر عنه. لإقامة الأرض = أي لتعمير الأرض الخربة، فكما خرب البابليون أورشليم وعادوا من السبي ليعمروها، خَرَب إبليس أرضنا أي جسدنا والمسيح أتى ليقيمه من الخراب وليكون مثمراً. ولتمليك أملاك البراري = بعد السبى عاد الشعب لإمتلاك أرضه الخربة التي صارت كالبراري وبعد الصليب عاد المسيح ليمتلك شعبه بعد أن كانوا للشيطان الذى خربهم كالبراري.

 

آيات (9 ،10) قائلا للأسرى اخرجوا للذين في الظلام اظهروا على الطرق يرعون و في كل الهضاب مرعاهم.لا يجوعون و لا يعطشون و لا يضربهم حر و لا شمس لان الذي يرحمهم يهديهم و إلى ينابيع المياه يوردهم.

 

الحرية ثمرة من ثمار الخلاص فلا يعود للعدو سلطان على أسرى الخطية أسرى الظلام والشهوات الذين حررهم المسيح. ومن الثمار أيضاً التمتع بمرعى إلهي خصب. على الطرق يرعون = فالله قادر أن يرعى شعبه حتى خارج المراعى طالما نحن في طريقه،  وحتى علىالهضاب = إشارة للضيقات. و المعاني هنا تطبق جزئياً على الأرض إذ نحيا في سلام مع الله وفرح ولكن التطبيق الكامل في السماء يكون.

 

آية (11)  و اجعل كل جبالي طريقا و مناهجي ترتفع.

الجبال هي وصايا الرب والحياة السماوية التي يريدها الله لنا. ولكن الله يمهد لنا الطريق مهما بدا شاقاً بإتحادنا مع المسيح الطريق فتتحول الوصية إلى لذة. مناهجي ترتفع = ستكون الوصية التي هي مناهج أو مسالك الرب سهلة نحن لن ننزل للعالم بل نصعد للرب، على جبال الرب لنحيا في السماويات.

آيات 12-26

آيات (12، 13) هؤلاء من بعيد يأتون و هؤلاء من الشمال و من المغرب و هؤلاء من ارض سينيم.ترنمي أيتها السماوات و ابتهجي أيتها الأرض لتشد الجبال بالترنم لان الرب قد عزى شعبه و على بائسيه يترحم.

المواعيد للجميع من أرض سينيم = قد تشير لأسوان وقد تشير للجنوب عموماً، وأمام هذا الخلاص فلتفرح الأرض كلها، والترنم هو سمة المؤمنين بسبب تعزيات الروح القدس.

 

آية (14)  و قالت صهيون قد تركني الرب و سيدي نسيني.

قد تكون هذه أقوال صهيون قالتها في مدة سبيها، وقد تكون قالتها حين قبل الله الأمم. وهذا القول هو لسان كل نفس أو الكنيسة فى تجاربها ومشاكلها.

 

آيات (15،16) هل تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها حتى هؤلاء ينسين و أنا لا أنساك. هوذا على كفي نقشتك أسوارك أمامي دائما.

نقشتك = هذا رد الله على من يتصور أن الله نسيه وأهمله. وحين ينقش الله على كفه فهو لا ينسى، فهذا النقش هو كالوشم لا يزول. وكانت هناك عادة أن ينقش الواحد أسم محبوبته علامة حبه الأبدي لها. والمسيح نقش على كفيه أثار المسامير علامة حبه لكنيسته. قد يشعر الإنسان في تجربته أنه وحده ولكن أمام هذه الآيات يتعزى. أسوارك = أي موضوع حمايتها أمام الله كل حين. والله سيعيد لها أسوارها. بل يكون لها سور من نار ” وسيعيد حمايتها وبنائها، وسيعيد إليها بنيها كما كانت، وهو حين يقول أنه يذكر أسوارها فهو يذكرها في حالة مجدها ويشتاق أن يعيد إليها مجدها الأول.

 

آية (17) قد أسرع بنوك هادموك و مخربوك منك يخرجون.

الله لا يسمح بخراب الكنيسة ولكن للأسف فالهادمون والمخربون يخرجون من الكنيسة ولأغراضهم الشخصية وهذا ما أدى لوجود طوائف متعارضة.

 

آية (18) ارفعي عينيك حواليك و انظري كلهم قد اجتمعوا أتوا إليك حي أنا يقول الرب انك تلبسين كلهم كحلي و تتنطقين بهم كعروس.

الذين يجتمعوا هم المؤمنون، وهم أجمل زينة للكنيسة كما أن أجمل زينة للوالدين هم أبناؤهم الصالحين.

 

آية (19) إن خربك و براريك و ارض خرابك انك تكونين الآن ضيقة على السكان و يتباعد مبتلعوك.

هذه نبوة بإتساع شعب الله وكنيسته بدخول الأمم جميعاً للإيمان.

 

آية (20) :- يقول أيضا في أذنيك بنو ثكلك ضيق علي المكان وسعي لي لأسكن.

بنوكك = بنو ثكلك هم أبناء التي كانت قد فقدت أبنائها (إشارة لرفض اليهود للإيمان، فكأن الكنيسة الأم عدمتهم) فأصبح لها أبناء آخرين (إشارة لقبول الأمم للإيمان). وسعى = إشارة لكثرة الداخلين للإيمان من الأمم.

 

آية (21) فتقولين في قلبك من ولد لي هؤلاء و أنا ثكلى و عاقر منفية و مطرودة و هؤلاء من رباهم هاأنذا كنت متروكة وحدي هؤلاء أين كانوا.

الكنيسة هنا مشبهة بامرأة مطرودة مهجورة ثم أصبح لها أبناء.

 

آية (22)  هكذا قال السيد الرب ها إني ارفع إلى الأمم يدي و إلى الشعوب أقيم رايتي فيأتون بأولادك في الأحضان و بناتك على الأكتاف يحملن.

كالقائد يرفع يده ليجمع الأمم إلى أحضان الكنيسة (يو 12 : 32 ) ورفع اليد تم على الصليب. فكان الصليب رآية بسط المسيح ذراعيه ليجمع كل الأمم، هي رآية الحب. يده = رمز لتجسد المسيح ذراع الله أي  قوة الله.

 

آية (23) و يكون الملوك حاضنيك و سيداتهم مرضعاتك بالوجوه إلى الأرض يسجدون لك و يلحسون غبار رجليك فتعلمين إني أنا الرب الذي لا يخزي منتظروه.

الملوك يتعهدون الكنائس بالرعآية ومثال لهذا كورش وإستير قديماً بل إن الإسكندر الأكبر فرض حمايته على أورشليم وقسطنطين وثيئودوسيوس حديثاً.

 

آيات (24 – 26) هل تسلب من الجبار غنيمة و هل يفلت سبي المنصور. فانه هكذا قال الرب حتى سبي الجبار يسلب و غنيمة العاتي تفلت و أنا أخاصم مخاصمك و اخلص أولادك. و اطعم ظالميك لحم أنفسهم و يسكرون بدمهم كما من سلاف فيعلم كل بشر إني أنا الرب مخلصك و فاديك عزيز يعقوب.

هي تدعيم لكل من أصابه اليأس والتشكك في محبة الله وقدرته على الخلاص. وهنا نرى الله الغالب المنصور في معركة الصليب يقتنى أولاده بدمه، ولن يهلك أحد منهم إلا إبن الهلاك (هذا ما نراه في آية 26) وقارن آية (26) مع (رؤ 16 : 6) فالله قادر أن يهيج أعداء كنيسته بعضهم ضد بعض فينقذ كنيسته من بين أيديهم. يسكرون بدمهم = عملهم يرتد على رؤوسهم فيذوقون من عنفهم مرارة حتى كمن يفقد وعيه كمن في حالة سكر.

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى