تفسير سفر إرميا اصحاح 16 للعلامة أوريجانوس
16 عظة
تفسير الآيات من “هانذا أرسل إلى جزافين (صيادين) كثيرين” (إر16: 16)
إلى: “خطية يهوذا مكتوبة بقلم من حديد برأس من الماس منقوشة على لوح قلبهم ” . ( إر17: 1).
في شبكة الرسل نموت لنحيا من جديد !
1- مكتوب في إنجيل متى أن مخلصنا جاء إلى شاطئ بحر الجليل ورأى ” سمعان وأندراوس أخوه يلقيان شباكهما في البحر ، لأنهما كانا صيادين ” ، ثم يضيف الكتاب أن المخلص حينما رأهما دعاهما قائلا : ” هلموا ورائي فأجعلكما صيادين للناس”.
هؤلاء تركوا شباكهما وتبعاه . ثم وجد أيضا أخوين يعقوب بن زبدي ويوحنا أخاه في السفينة مع زبدي أبيهما يصلحهما شباكهما . فدعاهما أيضا ليكونا صيادين للناس.
إذا نظرنا إلى الذين أعطاهم الرب موهبة الكلمة المجدولة مثل الشبكة ، والمصنوعة من مجموعة كلمات متشابكة مع بعضها البعض ومأخوذة من الكتاب المقدس ، بحيث تأسر في شباكها نفوس السامعين وإذا أدركنا أن ذلك الأمر يستلزم تواضعا كما يعلمنا السيد المسيح ، لأدركنا أنه ليس في ذلك الزمن الماضي فقط أرسل الله صيادين للناس ، إنما الآن أيضا لا يزال الرب يرسل صيادين للناس بعد ما يقوم بتعليمهم ، حتى يخرجونا من البحر[1] وينقذونا من مرارة أمواجه.
لكن الأسماك التي تقع في الشباك تموت موتا بلا قيامة وليس لها حياة من بعد هذا الموت ، أما الذين يسقطون في شباك صيادي السيد المسيح ( أي الصيادين الذين أرسلهم السيد المسيح ) والذين خرجوا من البحر ، يموتون هم أيضا ، لكنهم يموتون عن العالم وعن الخطية ، بعد هذا الموت يحيون من جديد بواسطة كلمة الله ويأخذون حياة جديدة ، أي أنك تخرج من البحر وتقع في شباك تلاميذ السيد المسيح ؛ وعند خروجك تتغير نفسك ، فإنك لم تعد السمكة التي تعيش في وسط الأمواج والخارجة من البحر لتموت ؛ وإنما تتغير نفسك وتتبدل وتتحول إلى نفس أفضل ، بل وإلى نفس إلهية . ويقول بولس الرسول : ” ونحن جميعا ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرأة نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح ( ۲ کو ۳ : ۱۸ ) .
حاجتنا إلى صيادين ثم قانصين!
بما أن هذه النفس التي تغيرت ولم تعد بعد تعيش في البحر ، لذا فهي تعيش في الجبال ، بحيث أنها لا تعود تحتاج إلى صياد ليصطادها من البحر ، إنما سوف تحتاج إلى نوع آخر من الصيادين البريين الذين يصطادوا على كل جبل وعلى كل أكمة.
إذا عندما تكون قد خرجت من البحر وأخذت في شباك رسل السيد المسيح ، تغير في نفسك واترك البحر وامحه تماما من ذاكرتك ، ثم تعال إلى الجبال التي هي الأنبياء ، وعلى الأكمة التي هي الأبرار ، واقض هناك حياتك ، حتى متى جاء بعد ذلك موعد رحيلك من هذه الحياة ، يرسل إليك صيادين من نوع جديد وهم الملائكة الذين يستلمون أرواح الأبرار ؛ فهم مكلفين باستلام الأرواح الموجودة على الآكام وليس الأرواح المائتة المطروحة إلى أسفل . أعتقد أن هذا المعنى هو الذي كان يقصده النبي حينما قال في نبوته : ” هأنذا أرسل إلى جزافين ( صيادين ) كثيرين يقول الرب فيصطادونهم ثم بعد ذلك أرسل إلى كثير من القانصين فيقتنصونهم عن كل جبل وعن كل أكمة ” .
الصعود على الجبال المقدسة
٢. إذا لو أردت أن يأخذك القانصون احذر من أن تمضي حياتك مختبئا في هذه الأرض وعائشا في التراب ، بل ابحث عن الجبال . اصعد إلى الجبل الذي تجلى عليه السيد المسيح . اصعد إلى الجبل الذي قيل عنه : ولما رأى الجموع صعد إلى الجبل ، ولما جلس تقدم إليه تلاميذه ففتح فاه وعلمهم قائلا : طوبي للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السماوات ، وبقية تطويبات التي علمها لهم السيد المسيح على هذا الجبل .
“ثم أرسل بعد ذلك إلى كثيرين من القانصين فيقتنصوهم عن كل جبل وعن كل أكمة ومن شقوق الصخور ” . إنه غير مسموح لهؤلاء القانصين أن يصطادوا إلا على ” الجبال ” وعلى ” الأكام ” وفي ” شقوق الصخور ” . كيف أفسر ” شقوق الصخور ” ؟
سوف أرجع إلى سفر الخروج وأبحث فيه عن تفسير لذلك . أجد أن موسى النبي حينما أراد أن يرى الله ، قال له الرب هذه الكلمات ليجيب على طلبه : ” هوذا عندي مكان . فتقف على الصخرة . ويكون متى اجتاز مجدي أني أضعك في نقرة من الصخرة وأسترك بيدي حتى أجتاز . ثم أرفع يدي فتنظر ورائي . أما وجهي فلا يرى ” ( خر ۳۳ : ۲۱ ) . فإذا فهمت ما هي هذه الصخرة وما هي الفتحة أو النقرة الموجودة فيها عالما كيف أن الذي يقف هذه على الصخرة وينظر من خلال النقرة التي فيها ، يمكنه أن يرى الله لأمكنك أن تفهم ما هي الصخور العديدة وما هي شقوقها .
ما هي إذا تلك الصخرة الفريدة من نوعها ؟ ” لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم والصخرة كانت المسيح ” ( 1كو 10: 4 ) ؛ وأيضا : ” وأقام على صخرة رجلي ” كما يقول المزمور ( 40: 2) . ما هي إذا النقرة الموجودة في الصخرة والتي تمكننا من رؤية ما وراء الله ( فتنظر ورائي ) ؟ الصخرة هي السيد المسيح ، والنقرة الموجودة فيها هي التجسد الإلهي ، لأن بمجيء السيد المسيح في الجسد أمكننا أن ننظر ما وراء الرب ، أي الابن الكلمة.
3. إلى الآن لم نتكلم إلا على صخرة واحدة وعلى نقرة واحدة فقط ، لذا سوف أنتقل من نقرة الصخرة إلى شقوق الصخور. فإنه بالنظر إلى جماعة الأنبياء أو الرسل أو الملائكة القديسين ، يمكنني أن أقول أن كل المتشبهين بالسيد المسيح ، يصيرون صخورا كما أنه هو أيضاً صخرة. وكما أن المخلص له نقرة يمكننا من خلالها أن نرى ما وراء الرب، فكذلك أيضاً كل واحد منهم، يصنع في نفسه نقرة أو شق تمكننا من رؤية الله ، وذلك من خلال ” كلماتهم ” التي ترشدنا إلى الرب : فموسى قدم لنا الناموس ، وإشعياء قدم لنا نبوته ، وإرميا قدم لنا كلمات أخرى للرب . ولكن حدث وكان المتكلم هو ملاك كما تقول الآية : ” الملاك الذي يتكلم فيَّ” ، فإنني في هذه الحالة أيضا سوف يكون عندي ” صخرة ” و ” نقرة ” ، وسوف أرى الله من خلال كلمات (نقرة) الملاك (الصخرة).
4. أحتاج إلى مثال لأوضح كيف يمكن أن نرى الله عن طريق ملاك : مكتوب في سفر الخروج : ” وظهر له ملاك الرب بلهيب نار في وسط عليقة ، فنظر وإذا العليقة تتوقد بالنار والعليقة لم تكن تحترق ” ، ثم بعد ذلك ، لم تقل له الكلمة : ” أنا ملاك من عند الرب ” ، وإنما : ” أنا إله أبيك إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب ” ( خر3: 6). إذا فإن الله في هذه الحالة ظهر في صورة ملاك ، وبالتالي أمكن رؤيته عن طريق الصخرة التي هي الملاك ، وكذلك عن طريق النقرة التي هي كلمات الملاك له.
إذا أنت تجهل متى سيرسل الله إليك القانصين . لذا يجب عليك ألا تنزل أبداً من على الجبال ، ولا تترك الآكام ولا تخرج من شقوق الصخور ، لأنه لو وجدت خارجا ، يقال لك مثل أهل هذا العالم الموجودين خارجا باستمرار : ” يا غبي . هذه الليلة تؤخذ نفسك منك ، فهذه التي أعددتها لمن تكون ؟ ” . وسوف يقال لك نفس هذا الكلام إذا قلت في نفسك : ” أهدم مخازني وأبني أعظم منها ، وأقول لنفسي : يا نفسي كلي واشربي لك خيرات كثيرة تكفيك لسنين كثيرة”.
أرأيت إذا كيف أن الإنسان الذي يعيش أسفل ” الجبال ” وأسفل الأكام ” وخارج ” شقوق الأرض ” ، يخطئ حتى في تقديره للخيرات ، حاسباً أن تلك الأشياء التي على الأرض خيرات. لقد ظن أن القمح وكثرة الأشياء الأرضية تمسى خيرات ، ولم يدرك أن الخيرات الحقيقية لا توجد في الأرض التي نزرعها وإنما توجد في السماء ؛ ولأنه حسب أن الخيرات موجودة في الأشياء الأرضية ، ظل يكنز كنوزاً على الأرض . ولكن إذا إتبع أحد قول السيد المسيح وكنز كنزه في السماء ، فلن يقال له : ” يا غبي . هذه الليلة تؤخذ نفسك منك ” ، بل يأخذه القانصنون من على الجبال أو من على الآكام أو من بين الصخور ليقوده إلى حيث الراحة الأبدية في أحضان القديسين والأنبياء وكل المطوبين في المسيح يسوع . ” لأن عيني على كل طرقهم ” : أي طرق الأبرار الذين نتحدث عنهم.
فإن عيني الرب مركزة على كل طرق الناس الذين يعيشون على الجبال وعلى الآكام وبين شقوق الصخور . “لم تستتر عن وجهي ” . أو ” لم يختبئوا من أمام وجهي ” ، أي أن الأبرار لم يختبئوا من أمام وجه الرب ، أما الأشرار ، فإنهم يختبئون.
آدم بعدما كسر الوصية سمع صوت الرب يتمشى في الجنة ، فاختبأ ، أما الأبرار فلا يختبئون ، بل تعطيهم الحياة المقدسة في الرب ، ثقة يستطيعون من خلالها أن يقفوا أمامه ، لأنه ” إن لم تلمنا قلوبنا فلنا ثقة من نحو الله ، ومهما سألنا ننال منه” (1یو3: 21-22).
مع ذلك فإنه بالرغم من أن أدم قد أخطأ إلا أن خطيته لم تكن خطية فظيعة ؛ لهذا اختبأ من أمام وجه الرب ، أما قايين فكانت خطيته أكبر بكثير ، فقد قتل أخاه ، فماذا تراه فعل ؟ ” فخرج قايين من لدن الرب ” ( تك4: 16). وبالنظر إلى الحالتين نجد أن ” الاختباء من وجه الرب ” يكون من أجل شر أقل . وفي الواقع أن ” الاختباء ” دليل على خزي الإنسان من خطيته . إذا فإن الأبرار ” لم يختبئوا من أمام وجهي ” . ولقد حدث بعد ذلك أن هؤلاء الأبرار سقطوا في بعض الخطايا، ثم قام الصيادون المرسلون من قبل الله بانتشالهم خارج خطاياهم التي هي في البحر . وحتى لا يظن هؤلاء الأبرار أن انتشالهم مرة أخرى من الخطية وصعودهم ثانية إلى ” الجبال ” ، يرجع إلى برهم أو قداستهم أو استحقاقهم ، يذكرهم الكتاب ويذكرنا نحن أيضا بخطايانا السابقة ، فيضيف قائلا : ” ولم يختف إثمهم من أمام عيني ” .
5. “وأعاقب أولاً إثمهم وخطيتهم ضعفين لأنهم دنسوا أرضي وبجثث مكرهاتهم ورجاستهم قد ملأوا ميراثي ” (إر16: 18) .
توضح هذه الآية أنه حتى هؤلاء الذين كانوا مستحقين التطويب من أجل أعمالهم الثانية ، لابد أن يعاقبوا أولاً على خطاياهم السابقة التي سقطوا فيها كبشر.
من هو هذا الذي لن يعاقب على خطاياه. إلا الذي بعدما أمن وبعدما قال له يسوع : “مغفورة لك خطاياك ” ، لم يخطئ بالفعل بعد ذلك ؟ لكن إذا أخطأنا بعد أن نكون قد نلنا الغفران ونلنا الميلاد الجديد بالمعمودية ، كما يحدث الآن بالنسبة لنا ، وإذا بعدما أخطأنا ، أو في الوقت نفسه الذي نخطئ فيه كانت لنا أيضا أعمال صالحة ، فترى ماذا سيكون مصيرنا ؟ إذا انتقلنا من هذه الحياة ولنا خطايانا وفي الوقت نفسه لنا أيضا أعمال صالحة ، فهل نخلص من أجل الأعمال الصالحة ونسامح على الخطايا التي ارتكبناها بكامل إرادتنا ؟ أم نعاقب بسبب خطايانا ولا نأخذ أية مكافأة على الأعمال الصالحة ؟
إن كلا الرأيين لا يتفق مع عدل الله.
لنفترض إذاً، أنه بعدما وضعت الأساسات ، أي السيد المسيح الذي أخذت تعاليمه ، وضعت فوقها ، ليس فقط ذهب وفضة وحجارة كريمة ، وإنما وضعت أيضاً خشباً وتبناً وقشاً : فماذا تريد أن يحدث لك بعد الموت ؟ هل تريد أن تدخل إلى المقدسات ومعك هذا الخشب والتبن والقش لتدنس ملكوت الله ؟ أم هل تريد ، بسبب خشبك وتبنك وقشك ، أن تظل في النار دون أن تأخذ أية مكافأة على الذهب والفضة والحجارة الكريمة؟
6. إن هذا الكلام أيضاً غير منطقي بالمرة ! فماذا إذا سوف يترتب على ذلك إلا وجود حل واحد ، وهو أنك سوف تتعرض ” أولاً ” للنار بسبب خطاياك حتى تحرق النار كل الخشب والتبن والقش الموجود فيك . لأنه قد قيل عن الرب إلهنا أنه بطبيعته نار آكلة . ولم يذكر النبي ما هو الذي سيؤكل من قبل الرب حينما قال : ” الرب إلهنا نار آكلة ” ، ولكنه تركنا لنفكر في ذلك الأمر ونستنتجه . إذا فما الذي سيهلك ؟ إن الله لن يهلك ولن يدمر الإنسان الذي صنعه ” على صورته وعلى مثاله ” ، ولن يهلك الخليقة التي صنعها بنفسه ، بل أنه سيهلك التبن والخشب والقش الذي وضعناه ولوثنا به أنفسنا.
إن تلك الفقرة كان من الصعب جداً شرحها . فقد كان يوجد فيها وعود إلهية ” هانذا أرسل لكم جزافين كثيرين … ” ، ثم بعد تلك الوعود يقول : ” وأعاقب أولاً إثمهم وخطيتهم ضعفين ” . إن كلمة ” أولاً” موجودة هنا فعلاً في موضعها الصحيح ، لأن جزاء الإثم يكون ” أولا ” ثم يأتي من بعده جزاء الخير . فإن الله لا يوزع الجزاءات بالترتيب العكسي. لأنه لو كان قد أعطى جزاء الخير أولاً لكان يجب أن تتوقف أعمال الخير حتى يمكننا أن نعاقب على الإثم . ولكنه في الواقع ، يجازى الآن عن الخطية ، حتى إذا انتهت الخطايا ، تنتهي أيضا عقوباتها ، وبالتالي يجازي الله بعد ذلك عن أعمال الخير.
كذلك فإنك تجد في الكتاب المقدس أن الله يتحدث ” أولاً ” عن الأشياء التي تبدو أكثر حزنا ثم يذكر بعد ذلك الأشياء الأفضل منها : ” أنا أميت وأحيي . سحقت وإني أشفي ” ( تث32: 39) . ” لأنه هو يجرح ويعصب ، يسحق ويداه تشفيان ” (أي5: 18) . لذلك فإن الإنسان الذي يفهم هذه الكلمات ، ويدرك معنى ” عقاب الخطية أولاً يمكنه أن يقول مع المرئل : ” يا رب من يسكن في مسكنك ، من يحل في جبل قدسك ؟ السالك بلا عيب ، والفاعل البر ، والمتكلم بالحق في قلبه ، الذي لا يغش بلسانه ولا يصنع بقريبه سوءاً ، ولا يحمل تعبيراً على جيرانه. فاعل الشر مرذول أمامه . ويمجد الذين يتقون الرب”. (مز14).
7. إذا فإننا جميعنا ، الذين عندنا مأكلاً لتلك النار ( أي الخطية ) ، سوف نأخذ ” أولاً ” عقاب خطايانا . لكن قد يطلب مني أحد السامعين أن أفسر أيضا كلمة ” ضعفين ” ؛ لأنني متفق معك في أن الإنسان يجب أن يعاقب ” أولاً” على خطاياه ، حتى أنه بعد انتهاء عقابه يتحقق ما قاله الرسول : ” إن احترق عمل أحد فسيخسر، وأما هو فسيخلص ولكن كما بنار ” (1كو3: 15). ولكن لماذا يعاقب على خطاياه عقابا مضاعفاً؟ إن الإجابة يجب أن تكون كالآتي : ” وأما ذلك العبد الذي يعلم إرادة سيده ولا يستعد ولا يفعل بحسب إرادته فيضرب كثيراً” ( لو12: 47) ، لن يضرب قليلاً بل كثيراً.
وبذلك فإن الخطاة الذين من بين الوثنيين سوف يكون عقابهم أخف وأقل من عقابنا نحن حينما نخطئ ، ” فإنه إن أخطأنا باختيارنا بعدما أخذنا معرفة الحق لا تبقى بعد ذبيحة عن الخطايا . بل قبول دينونة مخيف وغيرة نار عتيدة أن تأكل المضادين ” (عب10: 26) . تختص النبوة السابقة بهؤلاء الذين تم صيدهم ، ثم سيتم بعد ذلك قنصهم ، ثم يعاقبون ” أولاً على خطاياهم عقاباً مضاعفاً. أما النبوة التالية فهي تتحدث بوضوح عن دعوة الأمم إلى الإيمان .
8. هلموا لنرى ماذا تقول النبوة عنا : ” يا رب عزي وحصني وملجأي في يوم الضيق إليك تأتي الأمم من أطراف الأرض ويقولون : إنما ورث آباؤنا كذباً وأباطيل وما لا منفعة فيه ” . أو ” يقولون : كاذبة هي الأصنام التي عبدها آباؤنا ولا يوجد فيها منفعة ” . جاءت الأمم من أطراف الأرض ، كيف ” من أطراف الأرض ” ؟ يوجد على الأرض أناس أولون ويوجد أيضا أناس آخرون . فمن هم هؤلاء – أولون على الأرض وليسوا أولين على كل شيء ؟ هم حكماء هذا العالم وأغنياء هذا العالم . ومن هم الآخرون ؟ ” واختار الله أدنياء العالم والمزدري وغير الموجود ليبطل الموجود ” (1كو1: 28) . إذا فإن ” الأمم تأتي من أطراف الأرض ” : كما لو كان يقول : إن تلك الأمم مكونة من الأدنياء والمزدري بهم والجهال والناس الآخرين على الأرض.
” ويقولون : إنما كاذبة هي الأصنام التي عبدها آباؤنا ولا يوجد فيها منفعة ” : ليس أن يوجد أصنام صادقة على عكس الأصنام الكاذبة المذكورة في الآية ، إنما يقصد بها الأصنام عموماً، والتي هي بطبيعتها كاذبة ولا يوجد فيها منفعة .
9. ” هل يصنع الإنسان لنفسه آلهة ” لا يصنع الناس لأنفسهم آلهة من خلال التماثيل والأصنام فقط ، ولكنك تجد أيضا أناساً يصنعون لأنفسهم آلهة من خلال أوهامهم وتصوراتهم [الفلاسفة والهراطقة]. عموماً فإن جميع الذين يصنعون لأنفسهم آلهة أخرى غير الرب ، وخليقة أخرى مخالفة لترتيب العالم الذي أخبرنا به الروح ( روح الله ) ومخالفة للعالم الحقيقي ، كل هؤلاء يصنعون لأنفسهم آلهة ويعبدون عمل أيديهم . إذا ، فإن كل من الذين يصنعون لأنفسهم آلهة من الأصنام والذين يصنعونها من خلال تصوراتهم الشخصية يرفضهم الرب إذ قيل :
” إذا صنع الإنسان لنفسه آلهة إذا فهي ليست آلهة . لذلك هانذا أعرفهم هذه المرة أعرفهم يدي وجبروتي ” .
” هذه المرة ” ، ماذا يقصد بهذه المرة ؟ إنه يقصد بها المجيء الثاني للرب ، خاصة لأنه يضيف بعد ذلك : ” فيعرفون أن اسمي يهوه ” .
خطية يهوذا ( المسيحيين )
توجد بعد ذلك نبوة أخرى ، لا أدري كيف أنها غير موجودة في الترجمة السبعينية لكننا نجدها في الطبعات الأخرى ، خاصة وأنها موجودة في العبرية . وهذه النبوة مليئة بالتعاليم الهامة والضرورية ، إن طبقناها في حياتنا يمكنها أن تقودنا للتوبة.
وإليكم كلماتها : ” خطية يهوذا مكتوبة بقلم من حديد برأس من الماس منقوشة على لوح قلبهم ” ( إر17: 1). يمكننا أن نلجأ إلى التفسير السهل فنقول إن ” الخطايا المكتوبة ” هي خطايا شعب اليهود . ولكننا إذا دققنا النظر كما وضحنا قبل ذلك ، أن كلمة ” يهوذا ” هي إشارة يقصد بها السيد المسيح ، لذلك تصبح ” خطية يهوذا ” هي خطيتنا نحن ، نحن الذين نؤمن أن السيد المسيح جاء من سبط يهوذا.
إذا أردت أيضا تفسيرا آخر لتلك الآية ، يمكننا القول بأن النبي يقصد هنا يهوذا الإسخريوطي الخائن ، وبذلك فإن النبوة تقول عنه : ” خطية يهوذا مكتوبة بقلم من حديد ، برأس من الماس منقوشة على لوح قلبهم ” ، ولكن كلمة ” قلبهم ” بصفة الجمع لا تلائم حالة يهوذا الخائن ، إذاً، ألا تنطبق هذه النبوة علينا نحن بالأكثر ؟ لقد أخطأنا ، وخطيتنا لم تكتب خارجا عنا ، وإنما في قلوبنا ، وكتبت بقلم من حديد وبرأس من الماس . سوف تثبت التجرية أن الخطايا التي نرتكبها تكتب في داخلنا بمجرد أن نرتكبها : كما لو كانت ” علامة ” الخطية تنقش في داخل نفسي لمجرد أنني ارتكبتها . لو كانت خطيتي قد كتبت بالحبر، لاستطعت أن أمحوها ؛ ولكن ها هي قد كتبت بقلم من حديد وبرأس من الماس ، وكتبت كذلك في قلبي ، لكي إذا ما وقفت لأحاكم في اليوم الأخير ، تتحقق النبوة القائلة : ” لأنه ليس مكتوما إلا سيظهر ولا خفياً إلا سيعلن”.
سيتم الكشف عن قلبي ليقف عارياً أمام الجميع ، حيث يقرأ الكل علامات الخطايا المكتوبة بالقلم الحديدي وبرأس الماس والتي ستكون ظاهرة لجميع الناس ؛ وقد كتب عن ذلك : ” إذاً لا تحكموا في شيء قبل الوقت حتى يأتي الرب الذي سينير خطايا الظلام ويظهر آراء القلوب ” (1كو4: 5 ) ، ولكن لمن سيظهرها ؟ ليس لنفسه ، لأنه هو العارف كل الأشياء قبل أن تكون ، وإنما سيظهر آراء القلوب للناس الأتقياء الأنقياء الذين بسبب نقائهم سوف يستطيعون أن يروا خطايا الناس الذين أخطأوا ، حتى ” يستيقظون إلى العار ، للازدراء الأبدي ” (دا 12: 2).
ليحفظنا رب جميع الأشياء ، لكي نستيقظ ونقوم في اليوم الأخير بالمجد الذي للمسيح يسوع ، الذي له المجد والقدرة والسلطان إلى دهر الدهور آمين .
- ” البحر ” يقصد به الموضع الذي يسكن فيه الشيطان .