تفسير سفر إرميا ٢٧ للقمص تادرس يعقوب


 

الأصحاح السابع والعشرون

نير بابل

رأينا في الأصحاح السابق إرميا النبي المجروح في بيت أحبائه، فقد ثار ضده شعبه مع غالبية القيادات لتحكم عليه: موتًا تموت! الآن نرى في هذا الأصحاح الصورة تتكامل بكون إرميا ظلاً للسيد المسيح المتألم. بينما كان الكهنة واللاويون يرتدون الثياب الفخمة، والقيادات تتبختر في مجدها الزمني إذا بإرميا بأمر إلهي يحمل نيرًا أو أنيارًا وأربطة… يحمل ما تئن منه الثيران!

كرمز للسيد المسيح كان يحمل النير (الصليب)، فيُقال عنه: “لا صورة له ولا جمال فننظر إليه، ولا منظر فنشتهيه، محتقر ومخذول من الناس، رجل أوجاع مختبر الحزن…” (إش 53: 2-3).

كثيرون بلا شك كانوا يسخرون من منظره، فقد جاءوا إلى بيت الرب بثيابٍ فاخرةٍ أما ثوبه فهو: نير الحب الباذل!

إرميا كنبي للشعوب (إر 1) حذر الأمم الغريبة مع يهوذا مطالبًا إياهم بالخضوع لنير بابل حتى يحيوا… فلا تتعرض بلادهم للحرق بالنار وشعبهم للقتل بالسيف، مع انتشار الجوع والوباء.

  1. تحذير لرسل الملوك الغرباء[1-11].
  2. نصيحة لصدقيا الملك[12-15].
  3. حديث مع الكهنة والشعب[16-22].
  4. تحذير لرسل الملوك الغرباء:

هذا الأصحاح هو المصدر الوحيد بين أيدينا عن وجود تحالف بين دويلات الغرب [3]، أما محتوياته التاريخية فقد ألقى عليها شيء من الضوء خلال التاريخ البابلي الذي نشره ويزمان[516].

“في ابتداء ملك يهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا صار هذا الكلام إلى إرميا من قبل الرب قائلاً:

هكذا قال الرب لي:

اصنع لنفسك ربطًا وأنيارًا وأجعلها على عنقك.

وأرسلها إلى ملك أدوم وإلى ملك موآب وإلى ملك بنى عمون وإلى ملك صور وإلى ملك صيدون بيد الرسل القادمين إلى أورشليم إلى صدقيا ملك يهوذا.

وأوصهم إلى سادتهم قائلاً:

هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل:

هكذا تقولون لسادتكم.

إني أنا صنعت الأرض والإنسان والحيوان الذي على وجه الأرض بقوتي العظيمة وبذراعي الممدودة وأعطيتها لمن حسن في عيني.

والآن قد دفعت كل هذه الأراضي ليد نبوخذ نصر ملك بابل عبدي، وأعطيته أيضًا حيوان الحقل ليخدمه.

فتخدمه كل الشعوب وابنه وابن ابنه حتى يأتي وقت أرضه أيضًا فتستخدمه شعوب كثيرة وملوك عظام.

ويكون أن الأمة أو المملكة التي لا تخدم نبوخذناصر ملك بابل والتي لا تجعل عنقها تحت نير ملك بابل إني أعاقب تلك الأمة بالسيف والجوع والوبأ يقول الرب حتى أفنيها بيده.

فلا تسمعوا أنتم لأنبيائكم وعرافيكم وحالميكم وعائفيكم وسحرتكم الذين يكلمونكم قائلين لا تخدموا ملك بابل.

لأنهم إنما يتنبأون لكم بالكذب لكي يبعدوكم من أرضكم ولأطردكم فتهلكوا.

والأمة التي تدخل عنقها تحت نير ملك بابل وتخدمه أجعلها تستقر في أرضها يقول الرب وتعملها وتسكن بها” [1-11].

تفترض أحداث هذا الأصحاح سبي عام 597 ق.م بعد تجليس الملك صدقيا. جاء في النسخ العربية والسريانية وغيرها “ملك صدقيا” عوض “يهوياقيم” أما الترجمة السبعينية فلا توجد بها الآية الأولى.

يرى Lightfoot أن إرميا قد بدأ في صنع الأنيار والأربطة في عهد يهوياقيم، وبعد ذلك ارسلها إلى الملوك المجاورين في عهد صدقيا الملك.

في السنة الرابعة لملك نبوخذنصر شعر بعض الملوك بأن الجانب الغربي من المملكة البابلية على وشك القيام بثورة وتمرد حيث ظهرت قلاقل في المملكة. ففي عام 5-596 ق.م هُوجم نبوخذنصر بعدو لا يعرف اسمه، ربما عيلام، وفي عام 4-595 ق.م حدثت ثورة على حدود مملكته. في عام 3-594 ق.م قاد حملة عسكرية داخل سوريا… فكانت أيام مملوءة بالقلاقل بالنسبة لنبوخذنصر. هذا دفع بعض الدول في غرب مملكته أن تفكر في الخلاص من نيره. ويرى البعض أنه بعد ما فتحت جيوش ملك بابل أورشليم للمرة الأولى بأربع سنوات قام في مصر ملك جديد اختمرت في قلبه فكرة الثورة على بابل.

أرسل الملوك المجاورون إلى صدقيا الملك يطلبون مشورته وعونه ويقيمون تحالفًا معًا. أكّد الأنبياء الكذبة أن بابل على وشك الانهيار وأن يهوياكين يعود إلى أورشليم ومعه كنوز يهوذا التي سُلبت، وأن الظروف مساعدة للثورة… لكن وُجد رجل واحد يقف أمام الكل لينادى ببطلان نبوات هؤلاء الأنبياء، وهو إرميا النبي!

في نفس السنة، السنة الرابعة من ملكه، ذهب صدقيا الملك إلى بابل (59: 51) إما باستدعاء الملك له أو ليظهر ولاءه على ضوء انتشار خبر تمرد الملوك في غرب المملكة.

أتى إرميا بنير (أو أكثر) خشبي وبه الأربطة الجلدية، هذا الذي يوضع على عنق الثور ويثبَّت بالأربطة الجلدية حتى لا يلقي به الثور عن عنقه. وضعه على عنقه ليحدثهم بلغة التمثيل، إنه ينبغي أن يخضعوا لسلطان بابل.

يرى البعض أن إرميا جاء بعدة أنيار، وضع كل نير على عنقه ثم سلمه لرسول كل ملكٍ من الملوك كي يقدمه لملكه الذي أرسله، بينما يرى آخرون[517] أنه جاء بنيرٍ واحدٍ مملوء أربطة، وما كان على الرسل إلا أن يبلغوا ملوكهم بما رأوه وسمعوه. بهذا يُحسب كأن النير قد وُضع على كل ملكٍ منهم، إذ جاء في الترجمة السبعينية “أرسله” [3] بصيغة المفرد، وليس “أرسلها” مما يوحي بأن إرميا جاء بنيرٍ واحدٍ فقط، وما على الرسل إلا إبلاغ الملوك بالخبر، دون أن يقدم نيرًا لكل رسول.

ربما يتساءل البعض: هل كان بالحقيقة يضع إرميا نيرًا على عنقه؟ الإجابة بالإيجاب، إذ نرى في الأصحاح (28: 10، 12) نبيًا كاذبًا يكسر النير الخشبي الموضوع على عنق إرميا.

على كلٍ لم يتم التحالف المزمع إما لأن الملوك لم يستطيعوا أن يتفقوا معًا على الخطة، أو لأنهم رأوا أن الخطر عظيم.

بدأ حديث إرميا بإعلان سلطان يهوه إله إسرائيل على الأرض كلها وشعوبها وكل الخليقة، ليس بكونه الخالق فقط، وإنما هو إله التاريخ وصانعه، وأنه هو الذي أقام نبوخذنصر عبده لغرض إلهي. هناك خطة من جهة نبوخذنصر وابنه وحفيده، وليس شيء يحدث اعتباطًا. يرى Adam Clarke أن ذلك قد تحقق حرفيًا حيث خلفه ابنه أويل مردوخ وفيما بعد حفيده بيلشاصر (دا 5: 11). بينما يرى البعض أنه لا يقصد هنا بالابن والحفيد حسب الجسد لكنه يقصد الذين يخلفونه بالتتابع لمدة طويلة، فيُحسب الملك الثالث بعده كحفيد له تولى عرش جده. نحن نعلم أن نبوخذنصر خلفه ابنه أويل مردوخ[518]، بعد ذلك جاء نرجل شراصر[519]Nergalsharzer الذي يعرفه اليونانيون باسم Neriglissar (39: 13) ليس ابنه بل زوج أخته بعد قتله أويل مردوخ، ثم تبعه ابنه Laborosoarchod وهو طفل، قُتل بعد 9 شهور بواسطة بعض المتآمرين، وبعد ذلك Naboned الذي اشترك معه بيلشاصر (حفيد نبوخذنصر) كشريكٍ في الملك[520].

عدم الخضوع لبابل هو رفض للمشورة الإلهية ضريبتها السقوط تحت السيف مع الجوع والوبأ.

تحدث إرميا بيقين ليس معتمدًا على تكهنات سياسية، وإنما باقتناع قوي أن الله رب الجنود هو قائد كل شئون العالم، له خطته نحو البشر. حقًا كان نبوخذ نصر شريرًا، ومع ذلك أعطاه الله نصيبًا وافرًا من خيرات هذا العالم، ولكن إلى حين. هذا ما نلمسه كل يوم حين نجد أشرارًا ناجحين، فنصرخ مع المرتل، قائلين: “لماذا تنجح طريق الأشرار؟!”… يستخدم الله أحيانا نجاحهم لتأديب أولاده مع نزع كل عذر للأشرار عن شرهم.

v     إنها خطايانا التي تجعل البرابرة أقوياء، إنها رذائلنا التي تقهر جنود روما…

يا لبؤس الإسرائيليين الذين عندما قورنوا بنبوخذنصر دُعى هو عبد الله [6].

يا لبؤسنا نحن أيضًا الذين إذ نُغضب الله يستخدم غضب البرابرة ليصب غضبه علينا.

ومع هذا عندما تاب حزقيا هلك 185000 جنديًا أشوريًا بواسطة ملاكٍ واحدٍ (2 مل 19: 35).

وعندما رنم يهوشفاط للرب تسابيح وهب الله ذاك الذي تعبد له النصرة (2 أي 20: 5-25).

أيضًا عندما حارب موسى ضد عماليق، غلب لا بالسيف بل بالصلاة. لهذا إن أردنا أن نرتفع يلزمنا أولاً أن ننبطح![521]

القديس جيروم

واضح من [9] لابد أنه كان في الأمم المجاورة أنبياء كذبة يعتمدون على التنجيم والسحر والعرافة كما كان في إسرائيل. وقد ذكر السحرة الوثنيين والعرافين مع الأنبياء الكذبة إذ اشترك الكل في أمرٍ واحدٍ، وهو الرغبة في إرضاء سادتهم وتهدئة نفوس من هم حولهم على حساب الحق الإلهي. هكذا يختلط الوثنيون مع الذين يحملون اسم الله كذبًا ويتنبأون باسمه باطلاً. لهذا يليق بنا لكي نتعرف على إرادة الله (أف 5: 17) ونميز علامات الأزمنة (مت 16: 3) أن نتقدس ونحمل روح الطاعة والتمييز، ولا تكون لنا شركة مع الشر.

إرميا مثل إشعياء الذي وضع حدًا لمملكة أشور (إش 5: 10-12) التي تنتهي عندما تحقق غرض الله منها، هكذا يتحدث إرميا عن بابل.

يستخدم عدو الخير اسم الله كحجة ليبث أكاذيبه (مت 4: 6، 7: 22، 33).

  1. نصيحة لصدقيا الملك:

“وكلمت صدقيا ملك يهوذا بكل هذا الكلام قائلاً:

ادخلوا أعناقكم تحت نير ملك بابل واخدموه وشعبه واحيوا.

 لماذا تموتون: أنت وشعبك بالسيف بالجوع والوبأ كما تكلم الرب عن الأمة التي لا تخدم ملك بابل؟!

فلا تسمعوا لكلام الأنبياء الذين يكلمونكم قائلين لا تخدموا ملك بابل لأنهم إنما يتنبأون لكم بالكذب.

لأني لم أرسلهم يقول الرب بل هم يتنبأون باسمي بالكذب لكي أطردكم فتهلكوا أنتم والأنبياء الذي يتنبأون لكم” [12-15].

يكرر إرميا ما قاله لرسل الملوك لصدقيا الملك، حتى يبدو كمن هو عميل لبابل وخائن لبلده.

كان من الصعب على أي يهودي خاصة الملك أن يسمع تلك الكلمات: “ادخلوا أعناقكم تحت نير ملك بابل“، فقد عرفوا أن الله إلههم هو المحرر من نير العبودية، إذ سبق فوعد: “أن الرب إلهكم الذي أخرجكم من أرض مصر من كونكم لهم عبيدًا وقطع قيود نيركم وسيركم قيامًا” (لا 26: 13)، فكيف يطلب منهم أن ينحنوا ليُدخلوا أعناقهم تحت نير ملك وثني؟! إنها علامة غضب الله! كانت إحدى اللعنات التي يسقط تحتها الشعب في عصيانه للوصية هي: “تُستعبد لأعدائك الذين يُرسلهم الرب عليك… فيجعل نير حديد على عنقك حتى يهلكك، يجلب الرب عليك أمة من بعيد من أقصاء الأرض كما يطير النسر، أمة لا تفهم لسانها…” (تث 28: 48 الخ)0

لم يسمع صدقيا له، فكان مصيره السبي (587 ق.م) بعد قتل أولاده أمام عينيه، وفُقأت عيناه (2 مل 25: 1-7).

لماذا أمرهم الله بالخضوع لنير بابل؟

أ. يبدو مما نعرفه من التاريخ أن إرميا نجح هذه المرة بأن يردّ صدقيا عن الاشتراك في مثل هذه الثورة. ومن ثمَّ نقدر أن نفهم موقف إرميا وهو يحث الملك والدول المجاورة على البقاء في خضوعها، لا لأنه كان يحب بابل ويُعجب بها ويؤثر سيطرتها على الحرية والاستقلال، بل لأنه أدرك بالإعلان الإلهي أن هذه هي إرادة الله وحكمته ولا يقدر الإنسان أن يقف أمامها.

لعل الله أمرهم بذلك لكي يكتشفوا خلال المذلة لنير بابل النير الداخلي الذي سقطوا تحته، وهو نير الخطية. فباذلال الجسد وظروف الحياة القاسية وحرمانهم من بلدهم ومدينتهم المقدسة وهيكل الرب… يدركون ماذا يفعل نير سبي الخطية. فيقولون مع إرميا النبي: “جعلني ضربة اليوم كله، مغمومة؛ شَدَّ نير ذنوبي بيده، صعدت على عنقي. نزع قوتي، دفعني السيد إلى الابد لا أستطيع القيام منها” (مرا 1: 14).

نسمع عن هذا النير في فريضة البقرة الحمراء (عد 19)، إذ يشترط في البقرة المقدمة كذبيحة خطية أن تكون “صحيحة، لا عيب فيها، ولم يعلُ عليها نير” (عد 19: 2). وذلك بكونها رمزًا للسيد المسيح الذي وحده بلا خطية، ليس فيه عيب، ولم يسقط تحت نير الخطية. لقد وبخ اليهود، قائلاً: “من منكم يبكتني على خطية؟” (يو 8: 46). يقول الرسول بولس: “لأنه جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا، لنصير نحن البركات الله فيه” (2 كو 5: 21). وكما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: [نعم، المسيح نفسه يقول: “من أجلكم أقدس أنا ذاتي” (يو 17: 19)، ويقول أيضًا “رئيس هذا العالم قد دين” (يو 16: 11)، مظهرًا أن الذي ذُبح هو بلا خطية”[522]].

أيضًا حينما ارتبك الفلسطينيون بسبب الضربات التي حلت عليهم وضعوا التابوت على عجلة واحدة جديدة يجرها بقرتان مرضعتان لم يعلهما نير (1 صم 6: 7)… فانطلقت المركبة: نحو حقل يهوشع، أي حقل يسوع، كنيسة المخلص… وفرح الحصادون لما رأوا تابوت العهد!

إذن ليحملوا نير بابل فيدركوا قسوة نير الخطية، خلال الصليب، معطيًا للنير عذوبة، لأنه نير صليب الحب الباذل. إذ يقول: “تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم؛ احملوا نيري عليكم، وتعلموا مني… لأن نيري هيّن (حلو) وحملي خفيف” (مت 11: 28-30). أنه يدعونا لنلقي نيرنا تحت قدميه، لا لنعيش بغير نير، وإنما نستبدل نيرنا بنيره العذب. عوض نير الخطية القاسي نحمل شركة نير المسيح، أي شركة آلامه النابعة عن الحب الباذل!

يحدثنا عن نير الحب العذب هذا وفاعليته في حياتنا، قائلاً: “كنت أجذبهم بحبال البشر برُبُط المحبة، وكنت لهم كمن يرفع النير عن أعناقهم، ومددت إليه مُطعمًا إياه” (هو 11: 4).

إذ يرى المؤمن مسيحه يحمل النير عنه يشتهي أن يكون له مجد الشركة معه في حمل هذا النير. يشتهي أن يحمله منذ صباه، محققًا قول إرميا النبي: “جيد أن ينتظر الإنسان ويتوقع بسكوت خلاص الرب؛ جيد للرجل أن يحمل النير في صباه” (مرا 3: 27).

ب. إذ كانت خطاياهم تتسم بالظلم مع الرجاسات لذلك أراد لهم أن يحملوا نير بابل حتى يدركوا قسوة نيرهم الذين يلقونه على أعناق إخوتهم، فلا يفعلوا كما فعل رحبعام حين قال له يربعام وكل جماعة إسرائيل: “إن أباكم قسّى نيرنا، وأما أنت فخفف الآن من عبودية أبيك القاسية ومن نيره الثقيل الذي جعله علينا فنخدمك” (1 مل 12: 4)، أجابهم: “أبي ثقل نيركم وأنا ازيد على نيركم؛ أبي أدبكم بالسياط، وأنا أؤدبكم بالعقارب” (1 مل 12: 14).

المؤمن الذي يدرك مرارة النير لا يطلب أن تنحني رقاب الآخرين لنير غير نير صليب المسيح الممتع. لهذا ففي مجمع الرسل المنعقد بشأن القادمين للإيمان من الأمم قال الرسول بطرس: “فالآن لماذا تجربون الله بوضع نيرٍ على عُنُق التلاميذ لم يستطع آباؤنا ولا نحن أن نحمله، لكن بنعمة الرب يسوع المسيح نؤمن أن نخلص كما أولئك أيضًا” (أع 15: 10-11). هكذا طلب الرسول ألا يخضع القادمون للإيمان لنير الطقوس الحرفية للشريعة الموسوية، وكما يوصينا الرسول بولس بخصوص الخضوع الحرفي لختان الجسد: “فاثبتوا إذًا في الحرية التي قد حررنا المسيح بها ولا ترتبكوا أيضًا بنير عبودية” (غلا 5: 1).

  1. حديث مع الكهنة والشعب:

“وكلمت الكهنة وكل هذا الشعب قائلاً:

هكذا قال الرب.

لا تسمعوا لكلام أنبيائكم الذين يتنبأون لكم قائلين ها آنية بيت الرب ستُرد سريعًا من بابل.

لأنهم إنما يتنبأون لكم بالكذب.

لا تسمعوا لهم.

اخدموا ملك بابل واحيوا.

لماذا تصير هذه المدينة خربة؟!

فإن كانوا أنبياء وإن كانت كلمة الرب معهم فليتوسلوا إلى رب الجنود لكي لا تذهب إلى بابل الآنية الباقية في بيت الرب وبيت ملك يهوذا وفي أورشليم.

لأنه هكذا قال رب الجنود عن الأعمدة وعن البحر وعن القواعد وعن سائر الآنية الباقية في هذه المدينة التي لم يأخذها نبوخذ نصر ملك بابل عند سبيه يكنيا بن يهوياقيم ملك يهوذا من أورشليم إلى بابل وكل أشراف يهوذا وأورشليم،

إنه هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل عن الآنية الباقية في بيت الرب وبيت ملك يهوذا وفي أورشليم.

يؤتى بها إلى بابل وتكون هناك إلى يوم افتقادي إياها يقول الرب فأصعدها وأردها إلى هذا الموضع” [16-22].

يُقصد بالأعمدة العمودين النحاسيين اللذين وضعهما سليمان في رواق الهيكل في المدخل، طول العمود الواحد ثمانية عشر ذراعًا (1 مل 7: 15-22). أما البحر فكان من النحاس دائرى الشكل قطره عشر أذرع، يحوى ماءً يُستخدم في غسلات مختلفة أثناء العبادة، وكان قائمًا على اثنى عشر ثورًا، ربما هذه الثيران هي التي تُدعى هنا بالقواعد (1 مل 7: 22-25).

إن كان الله يؤكد السبي البابلي والاستيلاء على بقية آنية الرب وآنية بيت الملك لكنه يفتح باب الرجاء أمامهم، قائلاً: “إلى يوم افتقادي إياها[22]. وقد تحقق ذلك في أيام كورش حيث حث الله قلبه أن يحقق هذه النبوة (عز 1: 7؛ 7: 19).

في حديثه الممتع عن رعايته لشعبه بنفسه يقول: “ويعلمون أني أنا الرب عند تكسيري رُبط نيرهم، وإذ أنقذهم من يد الذين استعبدوهم، فلا يكونون بعد غنيمة للأمم، ولا يأكلهم وحش الأرض، بل يسكنون آمنين ولا مخيف” (حز 34: 27-28). كما يقول: “والآن أكسر نيره عنكِ وأقطع رُبُطك” (نا 1: 13).

لم يكن إرميا النبي متشائمًا كما يظن البعض، فإنه في أحلك لحظات الظلمة لم يفقد ثقته في وعود الله بالخلاص. هكذا يليق بالمؤمن أن تستنير نفسه بالمواعيد الإلهية، فتتهلل أعماقه، متأكدًا أن خطة الله الخلاصية ستتم حتمًا، بغض النظر عن الظروف القائمة أو ما سيحل في المستقبل القريب… لننتظر الرب، فإنه حتما سيخلص في الوقت المعين!

هكذا عاشت الكنيسة الأولى وسط الاضطهاد المرّ مملوءة رجاءً في عمل الله معها عبر الأجيال وثقتها في نعمة الله الغنية التي تتحدى الزمن!


 

من وحي إرميا 27

خطيتي تدفعني تحت نير بابل!

حبك يجذبني نحو نير الصليب!

v     دفعت بشعبك تحت نير بابل القاسي،

لعلهم يدركون بالحق نير الخطية الداخلي.

يدركون مرارة عبوديتها،

ويشعرون بقساوة عنفها،

فيصرخون إليك أيها المخلص محرر النفوس!

v     نير تأديبك الإلهي يكشف عن نير الخطية المرّ.

لكنك وأنت القدوس بالحب حملته عني!

أراك على الصليب حاملاً نيري!

يا لك من مخلص عجيب!

v     حملت نيري،

هب لي شرف حمل نيرك.

نيري نير الخطية القاتل،

نيرك نير الحب الباذل واهب الحياة!

نيري عار وخزي،

ونيرك مجد وبهاء!

v     لأحمل نيرك فيحملني هو!

لأقبل آلام صليبك،

فيرفعني صليبك إليك،

ويدخل بي إلى حضن أبيك!

v     حقًا نيرك هين وعذب!

به التقي بك أيها المصلوب!

به أتمتع ببهجة قيامتك،

به أتعرف على أسرارك،

به أنعم بالأحضان الأبوية،

وشركة الأمجاد الإلهية.

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى