تفسير سفر إرميا اصحاح 50 للعلامة أوريجانوس

عظتان لأوريجينوس
قام بترجمتهما جيروم
L. I (III)

تفسير الآيات من: “كيف قُطعت وتحطمت مطرقة كل الأرض؟ كيف صارت بابل خربة؟” (إر50: 23)، إلى: “افعلوا بها حسب كل ما فعلت لأنها بغت على الرب قدوس إسرائيل” (إر50: 29).

الشيطان مطرقة كل الأرض

1. كيف قُطعت وتحطمت مطرقة كل الأرض؟ كيف صارت بابل خربة؟”.

يلزمنا أن نبحث هنا معني “مطرقة كل الأرض”، وكيف تحطمت، ولماذا يقول النبي أنها قطعت قبل أن تتحطم؟ نقول بتجميع كل ما ذكر عن المطرقة، سنحاول فهم ماذا يقصد بها في كل مثال من الأمثلة سنقدمها.

قديماً، تم بناء بيت للرب، والذي بناه هو سليمان؛ وقد ذُكر في سفر الملوك، على سبيل المديح والإشادة ببيت الرب “ولم يسمع في البيت عند بنائه منحت ولا معول (مطرقة) ولا أداة من حديد” (1مل6: 7). كما أن في بيت الرب لم يسمع صوت مطرقة، كذلك أيضا في الكنيسة بما أنها بيت الله فإنه لا يسمع فيها صوت مطرقة أما هي هذه المطرقة التي تعمل على منع الأحجار من أن تستخدم في بناء الهيكل، بما أنه في سلطانها أن تحطم تلك الأحجار بحيث لا تجعلها تصلح لبناء الأساسات؟ أليس أن الشيطان هو مطرقة كل الأرض؟ أما أنا فأؤكد أن هناك من لا يبالي كثيراً بمطرقة كل الأرض[1]. وبما أن الكتاب المقدس قد استخدم المطرقة كمثال، أبحث عن مادة أخري لأشد صلابة من المطرقة، لا تتأثر ولا يصيبها أي ضرر إذا ضربت فوقها المطرقة.

في بحثي عنها وجدتها في الآية: “هوذا إنسان قائم فوق جبال الماس، وفي يده ماسة” (عا7: 7) LXX. بحسب قانون الطبيعة فإن الماس أصلب من أي مطرقة تضربه، فلا يصاب بالضرر. إذا كان الشيطان كالمطرقة، توجد أسفله الماسة التي يمسكها الله بين يديه ويحميها ويضعها تحت نظره، فإن تلك الماسة لا يمكن أن يصيبها أي ضرر. إذا الإنسان البار هو مثل جبل الماس أو مثل الماسة الموجودة بين يدي الله، فلا تقلق ولا تبالي بالمطرقة، بل على العكس من ذلك كلما اشتدت عليه الضربات كلما ظهرت فضائله أكثر. يقال عن الذين يتاجرون في الأحجار الكريمة إنهم يختبرون الماس قبل شرائه، وذلك لأنهم يجهلون ما إذا كانت هذه الأحجار الموجودة أمامهم هي ماس أم مادة أخرى، ويظلون يجهلون حقيقة إلى أن يوضع تحت المطرقة ويضرب بها؛ فإذا ظلت الأحجار بدون ضرر يتأكدون حينئذ أن الأحجار الموجودة أمامهم هي ماسات أصلية. هكذا الحال بالنسبة للإنسان البار في مواجهة التجارب؛ فإن الذين لا يعرفون كيف يختبرون الأحجار، يجهلون حقيقة هذا البار؛ أما الله فإنه هو وحده الذي يعلم حقيقة الماس الذي يجهله معظم الناس. أنا نفسي لا أعلم حتى الآن، هل سأقطع وأتحطم إذا جاءت المطرقة لتضربني، وبالتالي تظهر حقيقتي أنني لست ماسة، أم أثبت ضد التجارب والاضطهادات والمخاطر وبالتالي أظهر مثل الماسة الأصلية؟

راجع بنفسك الكتاب المقدس، وابحث هل وضع الله شيئاً مفيداً في المطرقة. اذكر لك مثالاً عن فائدة المطرقة: بدون المطرقة لما كانت هناك أبواق مشدودة (عد 10: 1). يضرب بها في مناسبات الأعياد الموجودة في الشريعة، وأيضا لاستخدامها في الحروب حيث تلهب حماس الشعب حينما يسمعونها. إذا فإنه لعمل الأبواق المشدودة لابد من وجود المطرقة. وأن هذه المطرقة ساعدت كثيرا في صنع هذا البوق المشدود الذي هو بولس الرسول: فلقد ساعدت على تقدمه ونموه من خلال التجارب المختلفة التي تعرض لها، فاجتاز الاختبار بنجاح وأثبت أنه يمكن وضعه تحت المطرقة دون أن يصاب بضرر، بل على العكس إن وضعه تحت المطرقة صنع منع بوق يعطي صوتا واضحا حتى أن كل من سمعه يتهيأ للقتال (1كو14: 8).

بما أن قوة العود هي مطرقة، فإنني أستعين بكلمة أخري من الكتاب المقدس مشتقة عن كلمة مطرقة. أتوقف عند كلمات: أن “قايين” ولد بنين، وأحدهم كان يوبال “الضارب (طارق) كل آلة من نحاس وحديد” (تك4: 22). فكما أن إبليس هو أصل كل التجارب يسمي “المطرقة”، كذلك أيضا فإن خادمه الذي ينفذ أوامره يسمى “الضارب” أو (الطارق). في كل مرة تسقط فيها في تجربة اعلم أن المطرقة هو إبليس، وأن الطارق هو الإنسان الذي يرسله إبليس ليوقع بك. وأيضا عندما تمت خيانة السيد المسيح، كان إبليس هو المطرقة وكان يهوذا الإسخريوطي هو الطارق. كذلك وجد العديد من الطارقين في وقت ألام يسوع المسيح، كانوا يصرخون: “خذه، خذه” “اصلبه، اصلبه”. جميع الذين يرحبون بالشيطان. من خلال تصرفاتهم وسلوكهم يجعلون من أنفسهم خداماً له ويصيرون طارقين”.

لذلك، حتى ولو كنت طارقا بالأمس وكنت ممسكاً بمطرقة في يديك، الآن وقد عرفت أن الطارقين هم أبناء قايين الذي قتل أخيه؛ ألق بالمطرقة من يدك، وتعال إلى النسل الصالح لتنتمي إليه، النسل الروحي الذي يبدأ من “شيث” ثم “أنوش” الباقين الذين يمدحهم الرب في سفر التكوين.

نهاية المطرقة القطع والتحطيم. يجب أن نعلم أن الشيطان الذي يرمز إليه النبي بالمطرقة، ليس هو مطرقة لجزء من الأرض، بل مطرقة كل الأرض. يجب أن تؤخذ كلمات “كل الأرض” بمعناها الحرفي، لأن شره ورذائله انتشرت في كل الأرض، وأن هذه المطرقة تصنع الشر في كل مكان. حينما نقول أن الشيطان هو مطرقة كل الأرض، يعني ضمنا أنه ليس مطرقة السماء. فإننا في الواقع لا نستخدم المطرقة مع مادة خفيفة ورقيقة، بل مع مادة غليظة وثقيلة. فإذا كنت تلبس صورة الترابي (1كو15: 49)، فإن المطرقة – بما أنها أرضية ترابية – هي التي ستضربك. وكما أن الشيطان هو مطرقة كل الأرض، فإنه يمكننا أن نتخيل أيضا أن هناك مطرقة أخرى أصغر نوعاً هي مطرقة جزء من الأرض؛ وهي تتمثل في قوات العدو أي الشياطين الصغيرة التي تحارب كل إنسان على حدة دون أن يكون لها نفس سلطان وقدرة إبليس رئيس الشياطين الذي يمكنه أن يحارب جميع الناس في وقت واحد. إذا فإنه توجد في داخلي مطرقة، ليست لكل الأرض وإنما تختص بأرضي أنا فقط. ولكن بما أن مطرقة كل الأرض قطعت وتحطمت، فما بالكم بالمطارق الأخرى الصغيرة؟

مسيحنا محطم المطرقة

2. نبحث عن الذي قطع وحطم مطرقة كل الأرض؛ إنه ليس موسى هو الذي قطع وحطم مطرقة كل الأرض، ولا إبراهيم أب الآباء، ولا يشوع بن نون، ولا أي واحد من الأنبياء. إذا من هو ذاك الذي استطاع أن يقطع ويحطم تلك المطرقة الشديدة القوة، مطرقة كل الأرض؟ إنه يسوع المسيح. لذلك فإن إرميا النبي في إعجابه الشديد بعمل السيد المسيح يقول بروح النبوة: كيف قُطعت وتحطمت مطرقة كل الأرض لقد قطع (كسر) الشيطان أولاً، ثم بعد ذلك تحطم (سحق). لنرجع إلى الإنجيل ونري الفقرة التي قال فيها الشيطان للسيد المسيح: “أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي” (مت4: 9)، في رأيي أن السيد المسيح في تلك اللحظة لم يحطم الشيطان وإنما فقط قطعه؛ ولكن بعدما فارقه الشيطان إلى حين (لو4: 13)، ثم رجع إليه بعد هذا الحين فإن يسوع المسيح سحقه وحطمه (على الصليب). لذلك فإن مطرقة كل الأرض تقطع من جديد بواسطة كل واحد منا حينما نصير أعضاء حقيقيين في الكنيسة وحينما ننمو باستمرار في الايمان، ثم بعد ذلك سوف تتحطم وتسحق حينما نصل إلى حياة الكمال. في هذا الشأن استمع إلى قول بولس الرسول الذي يوجهه إلى الأبرار: “وإله السلام سيسحق الشيطان تحت أرجلكم سريعا” (رو16: 20).

هذا الشيطان ثائر باستمرار ضدنا، وهو يحاول بكل وسيلة أن يقطعنا وأن يسحقنا ويحطمنا. بالفعل سحق كثيرين الذين لم يكونوا يقظين ولا حريصين على أنفسهم، لم يمارسوا عمليا الحفاظ على القلب (أم4: 23). أما نحن الذين لنا ثقة في الرب، ولنا إيمان بيسوع المسيح ابن الله، فإننا لا نخاف الشيطان. طالما نخاف الله، فلن نخاف الشيطان ولن يمكن لإبليس أن يصنع بنا أي شر؛ بل ويمكننا أن نقول بكل فخر عن عمل الله معنا: “كيف قُطعت وتحطمت مطرقة كل الأرض؟”.

ثم بعد أن قطعت المطرقة وتحطمت، صارت بابل خربة. لقد اتبع إرميا النبي ترتيباً يدعوا للإعجاب حينما قال: “كيف قُطعت وتحطمت مطرقة كل الأرض؟ كيف صارت بابل خربة؟ لقد أعلن الأمر الذي تحقق أولاً في البداية، ثم الذي حدث بعده أعلنه بعد ذلك. إذا فمتي صارت “بابل” مدينة القلق والاضطراب “خربة”؟

لقد صارت خربة حينما خربت جميع الاضطرابات الموجودة في داخل نفسي وانتهت؛ حينما لا أضطرب عند موت ابن أو زوجة لي، حينما لا أحد يثيرني ولا أن يدفعني إلى الحزن أو الغضب أو الشهوة، حينما أصير متزنا غير قلق رغم جميع الأحداث؛ عندئذ يقال عني: صارت بابل أي الاضطرابات خربة. “قد نصبت لك شركا فعلقت یا بابل وأنت لم تعرفي” (إر50: 24). يا ليت بابل الموجودة في كل واحد فينا تسقط يعود يستطيع أن وتعلق في الفخ المنصوب لها!

قد وجدت وأمسكت لأنك قد خاصمت الرب (قاومت الرب)”. بابل ليست هي الوحيدة التي قاومت الرب، بل جميع الأمم والشعوب الذين تركوا الخالق وعبدوا الأوثان هم أيضا قاوموا الرب. أليست هذه العبارة هي أسلوب رمزي يقصد به أن كل نفس تخاصم أورشليم “رؤية السلام” تكون مثل بابل؟ لأن الأبرار كانوا في أورشليم، والخطاة كانوا في بابل، لذلك فإن سكان أورشليم حينما أخطأوا تم سبيهم إلى بابل الخطاة.

3. “فتح الرب خزانته وأخرج آلات رجزه. لأن للسيد رب الجنود عملاً في أرض مع الكلدانيين. هلم إليها من الأقصى، افتحوا أهراءها (مخازنها)، كوموها عراماً وحرموها ولا تكن لها بقية، اهلكوا كل عجولها (ثمارها)، لتنزل للذبح. ويل لهم لأنه قد أتي يومهم زمان عقابهم” (إر50: 25-27).

لكي أفهم معني “فتح الرب خزانته وأخرج آلات رجزه (غضبه)”، أبحث عن معني آلات غضب الله في أجزاء أخرى من الكتاب المقدس. بالفعل لقد وجدت فقرة مناسبة جداً تتلائم مع هذا الموضوع في كلمات بولس الرسول الذي يقول: “فماذا إن كان الله وهو يريد أن يظهر غضبه ويبين قوته احتمل بأناة كثيرة آنية غضب مهيأة للهلاك، ولكي يبين غني مجد على آنية رحمة قد سبق فأعدها للمجد، التي أيضا دعانا نحن إياها ليس من اليهود فقط بل من الأمم أيضاً” (رو9: 22-24).

يقسم بولس الرسول جميع البشر إلى مجموعتين، قائلاً إن بعضهم يمثل آنية رحمة، والبعض الآخر يمثل أنية غضب؛ أطلق مثلاً على فرعون وعلى المصريين أنهم آنية غضب، بينما أطلق على نفسه هو وجميع الذي أمنوا سواء من اليهود أو من الأمم آنية رحمة. إذا توجد في خزائن الرب أنية (آلات) غضب، فما هي إذاً تلك الخزائن التي يوجد فيها أنية غضب لله؟ هل لا يوجد في خزائنه سوى آنية غضب؟ خزائن الرب من وجهة نظري تتمثل في الكنائس، وأن هذه الخزائن أي الكنائس، كثيرا ما يختبئ فيها أناسا يمثلون آنية غضب. يأتي وقت حين يفتح الرب خزائنه التي هي الكنائس. فإن الكنائس الآن مغلقة، وآنية الغضب موجودة بين آنية الرحمة، والقمح موجود مع التبن (مت3: 12)، والسمك السمك الرديء في نفس الشبكة (مت13: 47). عندما يفتح الرب كنيسته في يوم الدينونة ويخرج آلات غضبه؛ فإن كل واحد من الذين يمثلون آنية الرحمة يقول عن أنية الغضب التي أخرجت خارجا: “منا خرجوا لكنهم لم يكونوا منا لأنهم لم كانوا منا لبقوا معنا لكن ليظهروا أنهم ليسوا جميعهم منا” (1يو2: 19). 

هذا الموضوع يدعونا للدخول في مناقشة مجال آخر يتشابه مع هذا الموضوع. فإنه توجد في خزائن الرب آنية للغضب؛ وفي خارج خزائنه يوجد خطاه ليسوا آنية للغضب، بل هم آنية أقل درجة من أنية الغضب: هم العبيد الذين لا يعملون إرادة سيدهم لأنهم لا يعلمون ما هي إرادته (لو12: 47).

الذي يدخل إلى الكنيسة يكون إما أنية غضب وإما أنية رحمة؛ أما الذي هو في خارج الكنيسة فهو ليس أنية غضب ولا أنية رحمة، بل يمكن اعتباره أنية مخصصة لأي شيء آخر. أستطيع أن أؤكد كلامي هذا، وأن أثبت صحته من خلال الكتاب المقدس
نفسه، حيث يقول بولس الرسول: “ولكن في بيت كبير ليس آنية من ذهب وفضة فقط بل من خشب وخزف أيضا، وتلك للكرامة وهذه للهوان، فإن طهر أحد نفسه من هذه يكون إناء للكرامة مقدساً نافعاً للسيد مستعداً لكل عمل صالح” (2تى2: 20).

لا تظن أن هذا البيت الكبير هو كنيستنا الحالية، ولا تعتقد أنك سوف تجد فيها آنية للكرامة وأخري للهوان؛ بل أن هذا البيت الكبير هو المدينة الجديدة التي أعدها الله لنا في الدهر الآتي، فيها تصير آنية الرحمة[2]، آنية من ذهب وفضة للكرامة؛ بينما الآنية الأخرى الأشخاص الموجودين خارج الكنيسة والذين ليس في استطاعتهم أن يصيروا أنية للرحمة ولا آنية للغضب؛ فإنهم بموجب وضعهم الخاص وحالتهم الفريدة، يمكنهم أن يشغلوا وظيفة آنية الخزف التي للهوان، والتي رغم كونها آنية للهوان إلا أنه لا يمكن الاستغناء عنها في داخل البيت.

بالنسبة لنا نحن الذين في بيت الله أي في الكنيسة، ماذا ننتظر حتى نطهر أنفسنا؟ هل ننتظر حتى يأتي الرب، ويفتح خزائنه، فيخرجنا خارجا؟! ألا يجب علينا أن نبدأ من الآن حتى نصنع من أنفسنا أنية للرحمة، فلا نكتف فقط بأن نبعد عن أن نصير آنية للغضب، بل بالأكثر أن يصير هؤلاء الذين كانوا قبلاً أنية غضب آنية للرحمة. يقول بولس الرسول شيئا مشابها للكورنثوسيين: “يسمع مطلقا أن بينكم زني، وزني هكذا لا يسمي بين الأمم حتى أن تكون للإنسان امرأة أبيه. أفأنتم منتفخون وبالحري لم تنوحوا حتى يرفع من وسطكم الذي فعل هذا الفعل؟” (1کو5: 1-2). كأنه يقول لهم: لتفتح خزائن الرب، وليخرج منها آنية الغضب! لأن “الرب فتح خزانته وأخرج آلات غضبه”.

قرأت عبارة للسيد المسيح “الذي يوجد بالقرب مني فهو قريب من النار، والذي يوجد بعيدا عني فهو بعيد عن الملكوت”![3] أي أن الإنسان الذي سمع تعاليمي ثم خالفها بعد ذلك صار إناء غضب معد للهلاك (رو9: 22)، مثل هذا الإنسان عندما يكون بالقرب منى فهو قريب من النار[4]، إذا ابتعد أحد عنى لكي لا يوجد بجانب النار، فليعلم مثل هذا الإنسان أنه بذلك يبعد نفسه عن الملكوت. تماماً مثل ما يحدث مع المصارعين: فإن المصارع الذي لا يكتب اسمه ضمن أسماء المشتركين في الصراع (المصارعة) لن يخاف من الضربات في الوقت نفسه لن ينتظر أن يتوج بإكليل النصرة. أما إذا اشترك في المصارعة فإنه يضرب ويقع كما في حالة الخسارة، بينما يتوج في حالة النصرة. نفس الشيء بهذا يحدث مع الذين كتب أسماؤهم في الكنيسة، الذين قبلوا كلام الرب، فهم بهذا يسجلون أسماءهم للاشتراك في المصارعة الدينية، طالما انضموا للمشتركين، فإن لم يصارعوا بكل اجتهاد يتلقون ضربات كثيرة، لن يتلقاها الآخرون الذين لم يشتركوا من الأصل في هذا الصراع، أما إذا صارعوا بشجاعة وتجنبوا الضربات، فإنهم يأخذون إكليل مجد لا يفني (1كو9: 25).

لنخرج من أرض الكلدانيين

4. “لأن للسيد رب الجنود عملاً في أرض الكلدانيين”.

أي مكان أو موقع أرضي يمكن أن يسمي بأسماء عديدة ومختلفة بحسب وجهات النظر السائدة فيه. وكما أن مخلصنا له أسماء كثيرة من وجهات نظر متعددة، ذلك لأنه واحد  في جوهره لكن متعدد القدرات والصفات، كذلك أيضاً الأمور الأرضية، فرغم كونها نفس الشيء في جوهرها، إلا أنها متعددة جداً من وجهات نظر الناس في كل مكان على الأرض. أوضح ذلك أكثر بتفسير المثال الذي ذكرته عن المخلص ثم بعد ذلك أرجع إلى الموضوع الأساسي الذي يحتاج إلى التفسير. فبالرغم من أن ربنا ومخلصنا يسوع المسيح هو جوهر واحد، إلا أنه من وجهة نظر معينة يدعي طبيبا حيث قيل “لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرض” (مت9: 12). من وجهة نظر أخرى يدعي راعياً (يو19: 14). ومن وجهة نظر ملكاً (يو18: 37). ومن وجهة نظر رابعة يدعى الكرمة الحقيقية (يو15: 1). ومن وجهة نظر خامسة يدعى حكمة (1كو1: 30). ومن وجهة نظر سادسة يدعى الحق (يو14: 6). ومن وجهة نظر سابعة يدعى براً (1کو1: 30). إذا فكما أن مخلصنا رغم أنه واحد في جوهره إلا أنه يحمل أسماء مختلفة تبعا لوجهات نظر متعددة، كذلك أيضا بالنسبة للأمور الأرضية، فإنها مكونة من نفس المادة إلا أنها تأخذ أسماء مختلفة تبعا للأماكن الموجود فيها. ذكرنا كثيرا قبل ذلك أن بابل هي الأمور الأرضية المضطربة دائما، وأن مصر هي الأمور الأرضية التي تصيبنا بالحزن والضيق، أما أرض الكلدانيين فتمثل الذي يعبدون النجوم والكواكب، ينسبون معظم الأحداث التي تجرى على الأرض إلى النجوم، حتى أنهم يقولون أن ما يوجد عندنا من خطايا أو من فضائل هو نتيجة لحركة النجوم. كل إنسان يشترك في تلك المعتقدات يكون في أرض الكلدانيين. إذا اتبع أحدكم خرافات المنجمين يكون هو أيضا في أرض الكلدانيين. بل أن بعض الناس يظنون أننا أصبحنا مسيحيين بسبب تحركات في مدارات الكواكب والنجوم. لذلك فإنه عندما يهدد الرب الذين في أرض الكلدانيين، وفقا للتفسير الروحي، يهدد الذين يذهبون وراء علم التنجيم، القائلين أن كل ما يحدث على الأرض يرجع إلى تحركات النجوم. من أجل ذلك حينما دعا الله إبراهيم للتوجه نحو أمور أفضل، قال له: “أنا الرب الذي أخرجك من أرض الكلدانيين” (تك15: 7). الله وحده هو القادر على إخراجنا من أرض الكلدانيين، لأنه هو خالق كل شيء ومدبر كل شيء وضابط الكل.

5. “هلموا إليها من الأقصى، افتحوا مخازنها، كوَموها عراماً وحرَموها ولا تكن لها بقية

مخازن الكلدانيين هي عقائدهم الخاصة بمعرفة الغيب والتنجيم. الذي يرفض حسابات علم الغيب والتنجيم، ويتبع بدلا منها عقيدة الحق التي تؤكد أن لا شيء مما يقوله هؤلاء المنجمين حقيقي، والذي يعلم أن ما أبعد أحكام الله عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء” (رو11: 33)، والذي يقول أن الكواكب ليست هي سبب الأحداث التي تجرى على الأرض؛ مثل هذا الإنسان ينفذ أمر الرب بإهلاك أرض الكلدانيين.

6. “صوت هاربين وناجين من أرض بابل ليخبروا في صهيون بنقمة الرب إلهنا“.

يتنبا إرميا هنا عن الذين تركوا تقاليد أجدادهم، ورفضوا العادات الوثنية التي كانت موجودة عندهم قديماً، تركوا عدم الإيمان، ثم أمنوا في النهاية بكلمة الرب. أعتقد أن هذا هو المقصود بكلمات: “صوت هاربين وناجين من أرض بابل”.

يا ليتها تكون كلماتنا نحن أيضا، فنكون هاربين من الرذائل والخطايا، إذ أن صوت الهاربين هو نفسه صوت الناجين. لا يكفي أن نهرب من أرض بابل بل يجب كذلك أن ننجو منها حتى نخبر في صهيون بنقمة الرب إلهنا”. عندما نهرب من بابل نأتي إلى صهيون “المدينة الحصينة”، أي إلى كنيسة الرب حيث نخبر فيها بنقمة الرب إلهنا أي نقمة شعبه.

 

ادعوا إلى بابل أصحاب القسي. لينزل عليها كل من ينزع في القوس حواليها لا يكن ناج“. أي اهدموا واهلكوا كل ما يخص بابل كافئوها نظير عملها، افعلوا بها حسب كل ما فعلت، لأنها بغت على الرب قدوس إسرائيل”. أو: “لأنها قاومت الرب قدوس إسرائيل(ار50: 9).

طالما توجد في داخلك أفكار شريرة تقاوم القداسة والإيمان الحقيقي، فإن بابل لا تزال في داخلك؛ أما إذا أهلكت هذه الأفكار وقضيت على الخطايا الموجودة في أرضك (نفسك)، فإنك تكون قد قتلت بابل، وبالتالي تستطيع أن تذهب إلى مدينة الله أورشليم (عب12: 22). وتلتقي بالمسيح يسوع الذي له المجد والقدرة والسلطان إلى أبد الأبدين آمين.

فاصل

  1. الذي لا يبالي بالمطرقة يقصد به الإنسان القديس الذي يرمز إليه بالماس Diamond
  2. أي الأبرار الموجودين حاليا في الكنيسة سوف يصبحون أنية من ذهب وفضة في الدهر الآتي. أما الذين هم آنية الغضب فإنهم لن يدخلوا البيت أساسا، بل يطرحون خارجا .

     

  3. ” توجد هذه العبارة في أحد أناجيل الأبوكريفة وهو إنجيل توماس Thomas؛ هذا لا يعني أن أوريجينوس يعتبره إنجيلا قانونياً.

  4. إذا جاء الخاطي بالقرب من السيد المسيح، النار المطهرة، يمكن أن يطهر، بينما الذي يظل بعيدا لن يستطيع أن يطهر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى