تفسير سفر إرميا النبي 34 للقمص أنطونوس فكري
الآيات 1-7:- “اَلْكَلِمَةُ الَّتِي صَارَتْ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ حِينَ كَانَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ وَكُلُّ جَيْشِهِ وَكُلُّ مَمَالِكِ أَرَاضِي سُلْطَانِ يَدِهِ وَكُلُّ الشُّعُوبِ، يُحَارِبُونَ أُورُشَلِيمَ وَكُلُّ مُدُنِهَا قَائِلَةً: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: اذْهَبْ وَكَلِّمْ صِدْقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا وَقُلْ لَهُ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هأَنَذَا أَدْفَعُ هذِهِ الْمَدِينَةَ لِيَدِ مَلِكِ بَابِلَ فَيُحْرِقُهَا بِالنَّارِ. وَأَنْتَ لاَ تُفْلِتُ مِنْ يَدِهِ، بَلْ تُمْسَكُ إِمْسَاكًا وَتُدْفَعُ لِيَدِهِ، وَتَرَى عَيْنَاكَ عَيْنَيْ مَلِكِ بَابِلَ، وَتُكَلِّمُهُ فَمًا لِفَمٍ وَتَذْهَبُ إِلَى بَابِلَ. وَلكِنِ اسْمَعْ كَلِمَةَ الرَّبِّ يَا صِدْقِيَّا مَلِكَ يَهُوذَا. هكَذَا قَالَ الرَّبُّ مِنْ جِهَتِكَ: لاَ تَمُوتُ بِالسَّيْفِ. بِسَلاَمٍ تَمُوتُ، وَبِإِحْرَاقِ آبَائِكَ الْمُلُوكِ الأَوَّلِينَ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَكَ، هكَذَا يُحْرِقُونَ لَكَ وَيَنْدُبُونَكَ قَائِلِينَ: آهِ، يَا سَيِّدُ. لأَنِّي أَنَا تَكَلَّمْتُ بِالْكَلِمَةِ، يَقُولُ الرَّبُّ». فَكَلَّمَ إِرْمِيَا النَّبِيُّ صِدْقِيَّا مَلِكَ يَهُوذَا بِكُلِّ هذَا الْكَلاَمِ فِي أُورُشَلِيمَ، إِذْ كَانَ جَيْشُ مَلِكِ بَابِلَ يُحَارِبُ أُورُشَلِيمَ وَكُلَّ مُدُنِ يَهُوذَا الْبَاقِيَةِ: لَخِيشَ وَعَزِيقَةَ. لأَنَّ هَاتَيْنِ بَقِيَتَا فِي مُدُنِ يَهُوذَا مَدِينَتَيْنِ حَصِينَتَيْنِ.”
هذه رسالة نبوية من إرمياء ضد الملك صدقيا وهو قالها قبل أن يسجن، بل هي كانت سببًا في سجنه (إر 4:32). وكان وقت هذه النبوة أن جيش بابل قد حاصر أورشليم ناويًا تخريبها ولم يتبق في طريقه سوى لخيش وعزيقة أي أن الأمور كانت في طريقها للنهاية وفي (3) وتذهب إلى بابل بينما قال حزقيال “وآتى به إلى بابل إلى أرض الكلدانيين ولكن لا يراها” فهو لن يراها لأنهم قلعوا عينيه بعد أن قتلوا أولاده أمامهُ. والله لم يسمح بقتله بالسيف ليعطيه فرصة للتوبة فهو كان فيه بعض الخير كاحترامه لإرميا لذلك فالله يؤدبه كما أعطى لمنسى الملك فرصة فتاب وغفر لهُ الله. ويبدو أن صدقيا استفاد أيضًا من هذه الفرصة وتاب، لذلك يقول له النبي هنا تموت بسلام… ويندبونك (5). وقد يكون هذا الملك تصرف بطريقة جعلته محترمًا في أعين الكلدانيين في بابل. والأهم أن الله نظرًا لتوبته أعطاه نعمة في عيونهم. بل وفي عيون شعبه المسبي فبكوه وندبوه حين مات. حقًا إنه أفضل أن نموت في سجن تائبين عن أن نموت في قصر غير تائبين. والكرامة التي أخذها في موته لم يأخذها يهوياقيم الشرير (إر 18:22). وانظر أمانة إرميا في إبلاغ هذه الرسائل الصعبة للملوك. وإنه من مراحم الله أن يكون لنا من ينبهنا لأخطائنا. وفي آية (5) يحرقون لك.. وبإحراق أبائكَ = فهي كانت عادة أن يحرقوا صنوف العطر والطيب. ما أعجب طرق الله حقًا! فلو استمر صدقيا على كرسيه لما تاب ولما قبله الله. هذه فوائد التجارب.
الآيات 8-22:- “الْكَلِمَةُ الَّتِي صَارَتْ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ، بَعْدَ قَطْعِ الْمَلِكِ صِدْقِيَّا عَهْدًا مَعَ كُلِّ الشَّعْبِ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ لِيُنَادُوا بِالْعِتْقِ، أَنْ يُطْلِقَ كُلُّ وَاحِدٍ عَبْدَهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ أَمَتَهُ الْعِبْرَانِيَّ وَالْعِبْرَانِيَّةَ حُرَّيْنِ، حَتَّى لاَ يَسْتَعْبِدَهُمَا، أَيْ أَخَوَيْهِ الْيَهُودِيَّيْنِ، أَحَدٌ. فَلَمَّا سَمِعَ كُلُّ الرُّؤَسَاءِ وَكُلُّ الشَّعْبِ الَّذِينَ دَخَلُوا فِي الْعَهْدِ أَنْ يُطْلِقُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَبْدَهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ أَمَتَهُ حُرَّيْنِ وَلاَ يَسْتَعْبِدُوهُمَا بَعْدُ، أَطَاعُوا وَأَطْلَقُوا. وَلكِنَّهُمْ عَادُوا بَعْدَ ذلِكَ فَأَرْجَعُوا الْعَبِيدَ وَالإِمَاءَ الَّذِينَ أَطْلَقُوهُمْ أَحْرَارًا، وَأَخْضَعُوهُمْ عَبِيدًا وَإِمَاءً. فَصَارَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ قَائِلَةً: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: أَنَا قَطَعْتُ عَهْدًا مَعَ آبَائِكُمْ يَوْمَ أَخْرَجْتُهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعَبِيدِ قَائِلًا: فِي نِهَايَةِ سَبْعِ سِنِينَ تُطْلِقُونَ كُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ الْعِبْرَانِيَّ الَّذِي بِيعَ لَكَ وَخَدَمَكَ سِتَّ سِنِينَ، فَتُطْلِقُهُ حُرًّا مِنْ عِنْدِكَ. وَلكِنْ لَمْ يَسْمَعْ آبَاؤُكُمْ لِي وَلاَ أَمَالُوا أُذُنَهُمْ. وَقَدْ رَجَعْتُمْ أَنْتُمُ الْيَوْمَ وَفَعَلْتُمْ مَا هُوَ مُسْتَقِيمٌ فِي عَيْنَيَّ، مُنَادِينَ بِالْعِتْقِ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى صَاحِبِهِ، وَقَطَعْتُمْ عَهْدًا أَمَامِي فِي الْبَيْتِ الَّذِي دُعِيَ بِاسْمِي. ثُمَّ عُدْتُمْ وَدَنَّسْتُمُ اسْمِي وَأَرْجَعْتُمْ كُلُّ وَاحِدٍ عَبْدَهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ أَمَتَهُ الَّذِينَ أَطْلَقْتُمُوهُمْ أَحْرَارًا لأَنْفُسِهِمْ، وَأَخْضَعْتُمُوهُمْ لِيَكُونُوا لَكُمْ عَبِيدًا وَإِمَاءً. لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: أَنْتُمْ لَمْ تَسْمَعُوا لِي لِتُنَادُوا بِالْعِتْقِ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى أَخِيهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ إِلَى صَاحِبِهِ. هأَنَذَا أُنَادِي لَكُمْ بِالْعِتْقِ، يَقُولُ الرَّبُّ، لِلسَّيْفِ وَالْوَبَإِ وَالْجُوعِ، وَأَجْعَلُكُمْ قَلَقًا لِكُلِّ مَمَالِكِ الأَرْضِ. وَأَدْفَعُ النَّاسَ الَّذِينَ تَعَدَّوْا عَهْدِي، الَّذِينَ لَمْ يُقِيمُوا كَلاَمَ الْعَهْدِ الَّذِي قَطَعُوهُ أَمَامِي. الْعِجْلَ الَّذِي قَطَعُوهُ إِلَى اثْنَيْنِ، وَجَازُوا بَيْنَ قِطْعَتَيْهِ. رُؤَسَاءَ يَهُوذَا وَرُؤَسَاءَ أُورُشَلِيمَ، الْخِصْيَانَ وَالْكَهَنَةَ وَكُلَّ شَعْبِ الأَرْضِ الَّذِينَ جَازُوا بَيْنَ قِطْعَتَيِ الْعِجْلِ، أَدْفَعُهُمْ لِيَدِ أَعْدَائِهِمْ وَلِيَدِ طَالِبِي نُفُوسِهِمْ، فَتَكُونُ جُثَثُهُمْ أُكْلًا لِطُيُورِ السَّمَاءِ وَوُحُوشِ الأَرْضِ. وَأَدْفَعُ صِدْقِيَّا مَلِكَ يَهُوذَا وَرُؤَسَاءَهُ لِيَدِ أَعْدَائِهِمْ، وَلِيَدِ طَالِبِي نُفُوسِهِمْ، وَلِيَدِ جَيْشِ مَلِكِ بَابِلَ الَّذِينَ صَعِدُوا عَنْكُمْ. هأَنَذَا آمُرُ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَرُدُّهُمْ إِلَى هذِهِ الْمَدِينَةِ فَيُحَارِبُونَهَا وَيَأْخُذُونَهَا وَيُحْرِقُونَهَا بِالنَّارِ، وَأَجْعَلُ مُدُنَ يَهُوذَا خَرِبَةً بِلاَ سَاكِنٍ».”
هذه النبوة ضد الرؤساء والشعب والملك، لخيانتهم لله. لأنهم بعد أن حرروا عبيدهم حسب الناموس أعادوهم للعبودية ثانية. والله سيعاقبهم لذلك بأن يستعبدهم ملك بابل. ففي أيام الحصار أدرك الخوف جميع الناس، ورَقَّت نفوسهم الصلبة، وقامت حركة لإتمام وصية قديمة في الناموس لم تقم مدة طويلة وهي عِتْقْ العبيد اليهود، ولعلهم لم يعتقوهم إلا:
- لإرضائهم ليشتركوا في أعمال الدفاع.
- ما عاد هناك حقول ليعملوا فيها، فهم صاروا عبئًا على سادتهم ولكن فجأة انسحبت الجيوش البابلية عن أورشليم لمواجهة فرعون مصر (إر 21:34+ 5:37) ففرح الناس ولكنهم عوضًا عن أن يستمروا في طريقهم الصحيح رجعوا إلى ما كانوا عليه وأعادوا العبيد بل وأساءوا معاملتهم. وهذا ما يحدث مع كثيرين، فإذا جاءت غيمة يقدمون توبة ولكن إذا انقشعت الغيمة عادوا حالًا لما كانوا عليه.
وكان الناموس يسمح بأن يباع الإنسان العبراني كعبد لتسديد دين أو بسبب خطيته. وسمح الله بأن يباع شخص من شعبه كعبد ليفهم تمامًا أن هذا رمزًا لإستعباد الجميع بسبب الخطية. ولكن كانت أقصى مُدة لإستعباد العبراني 7 سنين يطلق بعدها حرًا. وهذا يشير لأننا كلنا كنا عبيد حتى أتى المسيح وحررنا. وقد أعطاهم الله هذا الأمر مباشرة بعد خروجهم وحصولهم على الحرية من مصر. وذلك لأن الله يهتم بكرامة أولاده وحريتهم. وهم عليهم أن يحرروا إخوتهم كما حررهم الرب. ولكن إذا كان هناك عبد غير عبراني لا ينطبق عليه شرط التحرير بعد 7 سنوات فهو ليس من شعب الله المحرر فلا معنى لتحريره فهو باقي في العبودية. ” إن حرركم الابن فبالحقيقة أنتم أحرار”. والمعنى أن من لم يفديه المسيح سيظل عبدا .
(أمثال السيد المسيح:- سيد سامح عبده في 10000 وزنة ولم يسامح العبد زميله في 100 دينار). وبنفس المعنى علينا أن نغفر لإخوتنا ليغفر الله لنا. فمراحم الله نحونا يجب أن تحرك مراحمنا تجاه إخوتنا. وهذه هي شروط العهد مع الله. ولكن هذا الشعب غليظ الرقبة لم يطع في هذا الأمر، لا هم ولا آبائهم. ولنلاحظ أن إستردادهم لعبيدهم بعد إطلاقهم شابه محاولة فرعون إستعادتهم بعد إطلاقهم. وآية (18) كان شق الذبيحة علامة عهد (راجع تك15) ، والمعنى لنُقطع هكذا كهذه الذبيحة إن لم نلتزم بالعهد. وغالبًا ما كان يُقدم هذا العجل المشقوق كذبيحة لله علامة إشراك الله في هذا العهد. فكان الشعب قد وَعدَ الله ثم إرتد وهذا مما يسيء إلى الله بالأكثر. هم كانوا قد أقسموا غالبًا في الهيكل بأن يحرروا العبيد، مستخدمين طقس شق الذبيحة نصفين.