تفسير المزمور 6 للقمص متى المسكين
المزمور السادس
لرئيس الموسيقى. على الـ Neginoth (الآلات الوترية) بالشمينيث
مزمور لداود
العنوان يجب أن يُعدَّل إلى: لرئيس الموسيقى على الآلة الوترية. على الثمانية.
دراسة:
صاحب المزمور كان في شدة الألم المتواصل من جراء مرض جعله على حافة القبر، فكانت أمر تجربة له أنه كان يشعر أن ذلك علامة عدم مسرة الله، بالإضافة إلى أعداء ماكرين مقتحمين لآلامه بتعييره بأن الله قد تركه. كانت هذه هي النظرة الطبيعية لصاحب المزمور وحاله. وكثير من الشراح أيضاً افتكروا أن مهاجمة الأعداء له كانت هي سبب كثرة شكواه، وأن هذا تسبب في أنه جلب عليه أيضاً الحيرة الذهنية التي تسببت في مرضه الحقيقي. ولكن واضح من الآيات (1-3) أنه يتألم من جراء زيارة إلهية مباشرة كان من نتيجتها هذه الشكوى، وقد أضيف عليها نوع من الاضطهاد، وتألمه هو نتيجة هذا الجهد، والتألم والضجة من سوء خطة اعتبرت (كما هو في سفر أيوب) برهاناً أنه نتيجة إدانته. وحينئذ حينما يتألم البار يصير معيرة للمبتعدين عن الله، مثلما في مزمور (41).
ومن العنوان يظهر أن المزمور لداود، وهناك بعض تصورات خاطئة أن العداوة الحادثة من الأعداء هي أيضاً التي سببت الشكوى وتعود إلى زمن شاول واضطهاده له، ولكن آخرون يظنون أن هذا المزمور مع مزامير أخرى كانت نتيجة المرض الخطير الذي كان يتألم منه في المدة بين خطيته مع بثشبع وأبشالوم وثورته. ويظهر جلياً أن المزمور هو تسجيل لخبرة شخصية وليس هناك ذكر لآلامه في هذه الضجة التي تصور مريضاً واضطهاد متألم. وعليك أن تقارن مزمور (۳۰) الذي يقدم شكوات مماثلة.
وهذا المزمور هو الأول لسبعة معروفة من زمن قديم في الكنيسة المسيحية “كمزامير توبة” وهي مزامير: 6، 32، 38، 51، 102، 130، 143. وهي كلها موصوفة ليوم أربعاء الرماد (بدء الصوم الكبير في الكنيسة الغربية).
والمزمور يقع في ثلاثة أقسام:
1 – صراخ لأجل نجاة من عذاب (1-3).
2– توسل بحرارة للنجاة (4-7).
3 – نصرة التأكد من استجابة الصلاة والعودة إلى رعاية الله (8-10).
شرح وتفسير المزمور على مستوى كل التوراة
1-يَا رَبُّ، لاَ تُوَبِّخْنِي بِغَضَبِكَ، وَلاَ تُؤَدِّبْنِي بِغَيْظِكَ.
2-ارْحَمْنِي يَا رَبُّ لأَنِّي ضَعِيفٌ. اشْفِنِي يَا رَبُّ لأَنَّ عِظَامِي قَدْ رَجَفَتْ،
3-وَنَفْسِي قَدِ ارْتَاعَتْ جِدًّا. وَأَنْتَ يَا رَبُّ، فَحَتَّى مَتَى؟
صاحب المزمور يرجو رحمة مسببة بشدة زيارة الله.
والآية الأولى متركزة على “ليس بغضبك” و”لا بغيظك”، فهو يشرح أن آلامه الحالية تزيد على حدود تأديب المحبة. انظر: (أي5: 17):
+ «هوذا طوبى لرجل يؤدبه الله. فلا ترفض تأديب القدير».
وأيضاً: (أم3: 11و12):
+ «يا ابني لا تحتقر تأديب الرب ولا تكره توبيخه، لأن الذي يحبه الرب يؤدبه، وكأب بابن يسر به».
وأيضاً: (إر10: 24):
+ «أدبني يا رب ولكن بالحق لا بغضبك لئلا تفنيني».
وأيضاً: (رؤ3: 19):
+ «إني كل من أحبه أوبخه وأؤدبه. فكن غيوراً وتُب».
وهو يشرحها على أنها علامة على أن غضب الله قد رسى عليه ربما كأيوب، فهو لا يكتشف أي خطية يعزو إليها ما حدث. وعلى الأقل فإن المزمور لا يحتوي على أي اعتراف بخطية. وفي هذه الحالة يعتبر مقارناً للمزمور (38) المشابه له. والذي يفتتح الكلام بنفس الصيغة. انظر: (مز38: 1و2):
+ «یا رب لا توبخني بسخطك ولا تؤذبني بغيظك، لأن سهامك قد انتشبت في ونزلت عليّ يدك» .
«ارحمني لأني ضعيف»:
الأفضل: كن كريماً معي فأنا قد ذبلت، لأن الكلمة المترجمة هنا “ضعيف“ تأتي في مواضع أخرى بمعنى “يذبل. انظر: (نا1: 4):
+ «يذبل باشان والكرمل وزهر لبنان يذبل».
«اشفني» :
كما يصلي إرميا النبي. (إر17: 14):
+ «اشفني يا رب فأشفى. خلصني فأخلص لأنك أنت تسبيحتي».
وانظر: (أي5: 18):
+ «لأنه هو يجرح ويعصب. يسحق ويداه تشفيان».
وأيضاً: (مز30: 2):
+ «يا رب إلهي، استغثت بك فشفيتني».
وأيضاً: (مز41: 4):
+ «أنا قلت: يا رب ارحمني. اشف نفسي لأني قد أخطأت إليك».
وأيضاً: (مز147: 3):
+ «يشفي المنكسري القلوب ويجبر كسرهم».
«لأن عظامي قد رجفت»:
حتى عمود جسمي الذي عليه أقف قد ناخ وهو قريب من السقوط. انظر: (مز22: 14):
+ «كالماء انسكبت. انفصلت كل عظامي. صار قلبي كالشمع. قد ذاب في وسط أمعائي».
علماً بأن العظام في المفهوم العبري تعني كل الجسم الحي للإنسان باعتباره الجزء الأساسي، فالعظام هي قاعدة الصحة وهي قاعدة الألم أيضاً. وقد تأتي بمعنى الإنسان كله. انظر (أم16: 24):
+ «الكلام الحسن شهد عسل حلو للنفس وشفاء للعظام».
وأيضاً: (مز35: 10):
+ «جميع عظامي تقول: يا رب من مثلك المنقذ المسكين ممن هو أقوى منه».
«نفسي قد ارتاعت جداً»:
جسمي داخله وخارجه قد انهار. والرب نفسه عبر عن هذا في آلامه. انظر: (يو12: 27):
+ «الآن نفسي قد اضطربت …».
«حتى متى»:
انظر: (مز90: 13):
+ «ارجع يا رب، حتى متى؟ وترأف على عبيدك».
إلى متى تظل في غضبك إلى متى تُخبئ وجهك وترفض سماعي.
4-عُدْ يَا رَبُّ. نَجِّ نَفْسِي. خَلِّصْنِي مِنْ أَجْلِ رَحْمَتِكَ.
5-لأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَوْتِ ذِكْرُكَ. فِي الْهَاوِيَةِ مَنْ يَحْمَدُكَ؟
6-تَعِبْتُ فِي تَنَهُّدِي. أُعَوِّمُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ سَرِيرِي بِدُمُوعِي. أُذَوِّبُ فِرَاشِي.
7-سَاخَتْ مِنَ الْغَمِّ عَيْنِي. شَاخَتْ مِنْ كُلِّ مُضَايِقِيَّ.
يجدد صلاته ولكن بنبرة أهدأ مع تقديم الأسباب الله :
«عُد یا رب»:
لأن يهوه يبدو قد تركه. انظر: (مز22: 1):
+ «إلهي إلهي لماذا تركتني بعيدا عن خلاصي عن كلام زفيري؟».
«خلصني من أجل رحمتك»:
الأصح من أجل لطف محبتك وإحسانك. انظر: (خر34: 7):
+ «حافظ الإحسان إلى ألوف …».
وهي الصفة العظمى في سلوك الله مع بني الإنسان.
أما في الآية الخامسة فإنه يبتهل أكثر ليقنع الله أنه «ليس في الموت من يذكرك» فلا يوجد أي ربح في موته، ويهوه هو الخاسر لأن الإنسان مخلوق ليسبح الله، والله يسر بتسبيح الإنسان، فإن هو ذهب في طريقه إلى الموت فمن بعد يسبح الله على صلاحه ويقيم تسبحته؟ انظر (مز145: 7):
+ «ذكر كثرة صلاحك يبدون. وبعدلك يرنمون».
وهنا كما هو في مزمور (30: 9):
+ «ما الفائدة من دمي إذا نزلت إلى الحفرة؟ هل يحمدك التراب؟ هل يخبر بحقك؟».
وأيضاً في: (مز88: 10-12):
+ «أفلعلك للأموات تصنع عجائب؟ أم الأخيلة تقوم تمجدك؟ سلاه. هل يحدث في القبر برحمتك. أو بحقك في الهلاك؟ هل تعرف في الظلمة عجائبك وبرك في أرض النسيان».
وأيضاً في: (إش38: 18):
+ «لأن الهاوية لا تحمدك. الموت لا يسبحك. لا يرجو الهابطون إلى الجب أمانتك».
وأيضاً في سفر أيوب نواجه نفس النظرة اليائسة للحياة بعد الموت. وفيها يشترك اليهود مع بقية العالم القديم. فلا ينظرون إلى الأمام أو إلى النهاية، ولكن لحالة حالمة في ظل الموت لا تستحق اسم الحياة. فالموتى يظنونهم قد قطعوا من نشاط ومسرة، والأسوأ من الكل عدم الوجود في حضرة الله ولا في الشركة معه التي هي روح الحياة.
وإنه من الصعوبة لنا نحن الذين نعيش في نور قيامة المسيح. انظر: (2تي1: 10): «وإنما أظهرت الآن بظهور مخلصنا يسوع المسيح الذي أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل». أن نتحقق من مقدار العبودية طول الحياة خوفاً من الموت. انظر: (عب2: 15): «ويعتق أولئك الذين خوفاً من الموت كانوا جميعاً كل حياتهم تحت العبودية»، وما يقابله الإسرائيلي من معركة إيمانه ليكسر بشجاعة هذه الأغلال.
«في الهاوية»:
والأفضل الكلمة العبرية شاؤل shéol لتعرَّف سكنى المنتقلين وتساوي في السبعينية hades التي جاءت في العهد الجديد أيضاً والتي نقولها نحن “الجحيم”. وكان يظن أنها هاوية تحت الأرض حيث ينجمع الكل، مكان الحزن والسكون ولكن بلا راحة وبلا سرور أيا كانت لا مضرة ولا صلاح (أي3: 13-19). انظر: (إش 14: 9):
+ «الهاوية من أسفل مهتزة لك لاستقبال قدومك».
«تعبت في تنهدي»:
تعبه وأنينه لا يهدأ كل ليلة.
«ساخت من الغم عيني، شاخت من كل مضايقي» :
منظر عيني الذابلة تحكي بحق عن حال صحتي وعقلي وجسدي بسبب أولئك الذين يضايقونني.
انظر: (إر45: 3):
+ «قد قلت ويل لي لأن الرب قد زاد حزناً على ألمي. قد غشي علي في تنهدي و لم أجد راحة» .
وأيضاً: (مز69: 3):
+ «تعبت من صراخي. يبس حلقي. كلت عيناي من انتظار إلهي» .
8-اُبْعُدُوا عَنِّي يَا جَمِيعَ فَاعِلِي الإِثْمِ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ سَمِعَ صَوْتَ بُكَائِي.
9-سَمِعَ الرَّبُّ تَضَرُّعِي. الرَّبُّ يَقْبَلُ صَلاَتِي.
10-جَمِيعُ أَعْدَائِي يُخْزَوْنَ وَيَرْتَاعُونَ جِدًّا. يَعُودُونَ وَيُخْزَوْنَ بَغْتَةً.
«ابعدوا عني يا جميع فاعلي الإثم»:
كلمات الرب في اليوم الأخير. انظر: (مت7: 23):
+ «فحينئذ أصرح لهم أني لم أعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الإثم».
وفي آية (9) مرة أخرى يحكي عن ثقته في إيمانه أن : يهوه سمع صلاته وبنفس التأكيد أنه قبل صلاته بترحاب ولن يرفضه. انظر: (1يو5: 14و15):
+ «وهذه هي الثقة التي لنا عنده أنه إن طلبنا شيئاً حسب مشيئته يسمع لنا. وإن كنا نعلم أنه مهما طلبنا يسمع لنا نعلم أن لنا الطلبات التي طلبناها منه».
أما الآية (10) فيفضل أن تكون في حالة المستقبل: جميع أعدائي سيخزون وسيرتاعون جداً ويعودون إلى خلف بسرعة خازين.
والفزع والرعب الذي كان يشكو هو منه في الأول، فإنه في النهاية ينتقل إلى أعدائه حينما يعود الله إلى خادمه، ومهاجموه يرتدون مفضوحين: انظر: (مز 35: 4و26):
+ «ليخز وليخجل الذين يطلبون نفسي. ليرتد إلى الوراء ويخجل المتفكرون بإساءتي ليخز وليخجل معاً الفرحون بمصيبتي، ليلبس الخزي والخجل المتعظمون علي».
+ «حينئذ ترتد أعدائي إلى الوراء في يوم أدعوك فيه». …
وأيضاً: (مز83: 17):
+ «ليخزوا ويرتاعوا إلى الأبد وليخجلوا ويبيدوا.» (مز56: 9)
تفسير مزمور 5 | مزمور 6 | تفسير سفر المزامير | تفسير العهد القديم | تفسير مزمور 7 |
القمص متى المسكين | ||||
تفاسير مزمور 6 | تفاسير سفر المزامير | تفاسير العهد القديم |