تفسير سفر يوئيل ٢ للقمص تادرس يعقوب
اَلأَصْحَاحُ الثَّانِي
غارات الأعداء
إذ لم يستجب يهوذا للإنذار الإلهي خلال غارات الجراد حدثه بصوت أكثر مرارة ألاَّ وهو غارات الأعداء، ولكن فيما هو يجرح يقدم له روحه القدوس ليهبه إمكانية التضميد بالتبكيت على خطاياه والعودة إليه.
الخراب المدمر [1-11].
لم يستفد الشعب من غارات الجراد، إذ قيل بعاموس النبي: “ضربتكم باللفح واليرقان، كثيرًا ما أكل القمص جناتكم وكرومكم وتينكم فلم ترجعوا إليّ يقول الرب” (عا 4: 9)، لذا بدأ يحدثهم عن تأديب آخر هو غارات الأعداء المدمرة، إذ يقول:
اضربوا بالبوق في صهيون،
صوّتوا في جبل قدسي،
ليرتعد جميع سكان الأرض،
لأن يوم الرب قادم لأنه قريب. [1].
أولاً: ضرب البوق في صهيون: كان الضرب بالأبواق من صميم عمل الكهنة، تُضرب عندما يتحرك الموكب “في البرية”، وعند الإعلان عن حرب، وفي مسح الملك، وعند الاحتفال بالأعياد الخ… وكان البوق فضيًا (لا 10) يُشير إلى الوصية الإلهية أو الكلمة الإلهية، التي تعمل في النفس أثناء جهادها وحربها ضد الخطية وتملأها فرحًا وبهجة مع كل عمل إلهي داخلي.
يأمر الله بضرب البوق في صهيون ليس لأن أمة معينة تهاجم صهيون، وإنما لأن يوم الرب قادم فترتعد جميع سكان الأرض… إنه يوم قريب!!
لعله أراد بضرب الأبواق في صهيون في الجبل المقدس أن يعلن أن الله هو الذي يسمح بهياج الأعداء على شعبه لتأديبهم. فإذا لم يسمعوا لصوته خلال الوصية يقدم إليهم بالرعب خلال أعدائهم، مستخدمًا إياهم لتحقيق خلاصهم من الشر؛ لم يسمعوا بوداعته فلينتظروا حزمه!
لنسمع صوت البوق، إنذارات الله، من فم الكهنة، ولنقبل الوصية الإلهية وإن كانت مرة بالنسبة للأشرار لأنها تحطم الشر الذي يحبونه، إذ “يرتعد جميع سكان الأرض” كل ما هو أرضي يهتز في قلب الشرير أمام الوصية الإلهية، وتتزلزل كل معصية وتعدي في داخله أمامها. وكما قيل: “هل يضرب بالبوق في مدينة والشعب لا يرتعد؟!” (عا 3: 6).
إن كان ضرب البوق يُشير إلى قدوم الكلمة الإلهي إلى النفس، فإن هذا يتبعه حتمًا تحطيم كل وثن داخلي احتل القلب زمانًا وكما يقول إشعياء النبي: “هوذا الرب راكب على سحابة خفيفة سريعة وقادم إلى مصر، فترتجف أوثان مصر من وجهه ويذوب قلب مصر داخلها” (إش 19: 1).
ثانيًا: “يوم ظلام وقتام، يوم غيم وضباب، مثل الفجر ممتدًا على الجبال” [2].
إن كان يوم الرب بالنسبة للمؤمنين الحقيقيين هو يوم عرس مبهج ومنير حيث يتقدم العريس – شمس البر – ليلتقي بعروسه التي تضيء كالقمر بنوره، فإنه بالنسبة للأشرار يوم ظلام وقتام، يوم غيم وضباب، إذ لا يقدرون على معاينة الرب في مجده وبهائه ولا التمتع بأسراره.
يتطلع يوئيل النبي إلى فترات غزو الجراد ليرى الجو قد تحول إلى ظلامٍ دامسٍ، لا لعدم وجود الشمس، وإنما من أجل الجراد الذي غطي الجو كله، فأفقد الإنسان بصيرته للنور، فيتحول النهار في عينيه إلى ليل. هذا المنظر وصفه سفر الخروج عند حدوث ضربة الجراد على أرض مصر: “فصعد الجراد على كل أرض مصر… وغطى وجه كل الأرض حتى اظلمت الأرض” (خر 10: 14، 15).
خلال هذا المنظر رأى يوئيل النبي ما سيحدث في يهوذا بواسطة جيوش الأعداء. فبسبب كثرة الجيش المقاتل والمركبات تتحول أرض يهوذا إلى عاصف تراب يسبب قتامًا وظلامًا. وبنفس الصورة يتحقق الأمر بالنسبة للأشرار في يوم الرب العظيم حيث يأتى ليدين المسكونة، فيكون لهم قتامًا وظلامًا بسبب ما حملوه في داخلهم من قتام الخطية وظلمتها فتحجب عنهم معاينة بهائه.
ولعل الظلام والقتام يشيران إلى ما حل بالنفس من مرارة وضيق أثناء التأديب، فتسود عيني الإنسان ونظرته إلى الحياة!
أما قوله: “مثل الفجر ممتدًا على الجبال” فيعني تأكيد حدوثه. فهو آتٍ لا محالة بالنسبة لجميع البشر: الجبال المقدسة والجبال النجسة. تفرح به جبال صهيون المقدسة، وترتعب أمامه الجبال الحاملة لمذابح البعل!
ثالثًا: يقدم لنا صورة مرة وقاسية للجيش المقاوم من جهة عدد المحاربين وقوتهم وفاعليتهم، إذ يصفه هكذا:
- “شعب كثير وقوى لم يكن نظيره منذ الأزل ولا يكون أيضًا بعده إلى سنى دور فدور” [2].
- الله في طول أناته ينتظر ويتأنى… لكنه يضطر من أجل محبته أن يؤدب. وإذ لا نستجيب يبدو الله قاسيًا في تأديباته حتى إذ نسقط تحت التأديب نشعر أنه فريد في آلامه ومرارته! إنها الأبوة الحانية لأجل خلاص النفس العاصية المستميتة في خطاياها!
ب. لا يقف الأمر عند كثرة العدد إنما “كمنظر الخيل منظره ومثل الأفراس يركضون، كصريف المركبات على رؤوس الجبال يثبون” [4-5]. يُرعب عيوننا بمنظره، آذاننا بصوته، العيون التي استطابت الخطية مسترخية في جهادها الروحي يرعبها التأديب الإلهي فتراه كخيل عنيف، ليس من يقدر أن يقاومه وكفرسان يركضون فليس وقت للرخاوة أو التباطؤ. صوته مرهب وعنيف للغاية، كأصوات المركبات التي تبلغ إلى رؤوس الجبال، ليس من يفلت منها!
ج. من جهة عمل التأديب فهو يفضح عمل الخطية فينا. إذ تحول جنتنا الداخلية إلى قفر: “قدامه نار تأكل، وخلفه لهيب يحرق، الأرض قدامه كجنة عدن وخلفه قفر خرب ولا تكون منه نجاة” [3].هذا الغزو الناري وإن كان في أعماقه تأديبًا إلهيًا لكنه هو ثمر طبيعي لعمل الخطية، النار المهلكة، من يمارسها يحتضن نارًا تهلكه. هذه النار لا يمكن أن يقوى عليها إلاَّ نار الروح القدس، الذي يحول القفر الخرب إلى فردوس مبهج. فبنار الروح القدس تُباد نار الخطية، وبثمر الروح يرد للقلب حاله الأول ليصير جنة الله المبهجة، فيناجي المؤمن مخلصه قائلاً: “ليأتِ حبيبي إلى جنته ويأكل ثمرة النفيس” (نش 4: 6).
إن كان هذا السفر هو سفر يوم الرب الرهيب للخطاة الذين تحوّل فردوسهم إلى قفر، فهو في نفس الوقت سفر انسكاب الروح على بني البشر الذي يرد إلينا طبيعتنا، فيجعلنا فردوسًا لله عوض القفر الذي صرنا إليه. لهذا يقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص للموعوظين قبيل عمادهم: [إنكم خارج الفردوس أيها الموعوظين. إنكم تشاركون آدم أباكم الأول في نفيه، والآن يفتح الباب وتعودون من حيث خرجتم[22]].
إن كان النبي يرى في الخطية نارًا تلتهم القش[5]. فالروح الناري يحول هذا الرماد إلى هيكل مقدس للرب. يقول القديس كيرلس الكبير: [ينال المعمد الروح القدس فيه ويحمل فعلاً لقب هيكل الله[23]].
د. من جهة الخطة فهي محكمة للغاية: “يصعدون السور كرجال الحرب، ويمشون كل واحد في طريقه ولا يغيرون سبلهم، ولا يزاحم بعضهم بعضًا، يمشون كل واحدٍ في سبيله وبين الأسلحة يقعون ولا ينكسرون” [7-8]. فقد شاهد النبي غارات الجراد وقد غطت الجو تمامًا. انطلقت إلى الحقول فأكلت كل ما هو أخضر فيها، وتسربت إلى البيوت خلال الكوى. ليس من يقدر أن يقاوم! ومع هذا كله أدرك كأن لكل جرادة عملها الذي أُرسلت من أجله. فلا تزاحم جرادة أختها، ولا تتحرك إلاَّ بالقدر الذي سمح لها به الله للتأديب. ما حدث لم يكن مجرد كارثة طبيعية بلا هدف إنما حملت هدفًا دقيقًا في جملتها كما في تفاصيلها. والأمر بعينه، يتكرر مع غزو الأعداء ضد يهوذا، فما يحدث من تخريب لا يكون بلا هدف إنما كل شيء محدد بدقة فائقة!
الله الذي سمح للعدو أن يهاجم شعبه لا يقف أمامه السور حائلاً، فإن الخطة تتم ويدخل كل إلى موقعه، وإن سقط بين الأسلحة فلا ينكسر حتى يحقق الهدف.
هـ. لا يفلت أحد من هذا التأديب، ما دام الكل قد أخطأ، فإن كان يهاجم الحقول المكشوفة في القرى ليحولها إلى قفر، فإنه يتسلل كلصوص من الكوى إلى البيوت في المدن. يتخطى السور ولا يقف أمامه حائط… ليس من يقدر أن يهرب، فإن ثمر الخطية يتبعه إينما وُجد ولو كان في داخل مخدعه محاطًا بالأسوار المنيعة!
و. يحمل مرارة المرّ، ليس من يقدر أن يطيقه: “قدامه ترتعد الأرض وترتجف السماء، الشمس والقمر يظلمان، والنجوم تحجز لمعانها. والرب يعطى صوته أمام جيشه. إن عسكره كثير جدًا. فإن صانع قوله قوى، لأن يوم الرب عظيم ومخوف جدًا. فمن يطيقه؟! [10-11].
هذه هي ذات العلامات التي قدمها السيد المسيح نفسه عن مجيئه الأخير، هي علامات مرعبة للخطاة الأشرار… يسمح الله للطبيعة أن تهتز أمامهم وترتجف ليدركوا ماذا تفعل الخطية بالطبيعة فيستعد الخطاة بالتوبة لملاقاة الرب.
والعجيب أن الله يعتبر الجيش المقاوم لشعبه “جيشه”، لأنه هو الذي سمح له أن يقوم بالتأديب، فصار عصاه للتأديب ولكن إلى حين.
وللآباء مفاهيم روحية رمزية لارتعاد الأرض وارتجاف السماء وظلمة الشمس والقمر وتساقط النجوم… الأمر الذي نعود إليه بأكثر توسع في دراستنا لانجيل متى (ص 24) إن شاء الرب وعشنا مكتفيًا هنا ببعض المقتطفات:
v الآن نهاية كل الحياة الزائلة. وكما يقول الرسول تزول هيئة هذا العالم الخارجي ليتبعه عالم جديد، وعوض الكواكب المنظورة يضيء المسيح نفسه بكونه شمس الخليقة الجديدة وملكها. عظيمة هي قوة هذه الشمس الجديدة. وعظيم هو بهاؤه وذلك كالشمس التي تضيء الآن حيث يظلم القمر والكواكب الأخرى أمام هذا النور العظيم[24].
يوسابيوس القيصري
v كما أن القمر والنجوم تتضاءل بسرعة أمام الشمس المشرقة هكذا أمام ظهور المسيح تظلم الشمس، ولا يعطى القمر ضوءه، وتتساقط النجوم من السماء، فيُنزع عنها بهاؤها السابق لكي تلبس ثوب النور العظيم[25].
القديس يوحنا الذهبي الفم
الأرض المرتعدة هي الجسد الذي يضعف ويهزل أمام الرجاسات التي يرتكبها الإنسان لبهجة جسده وراحته، ففيما يظن أنه يقدم الراحة لجسده إذا به يرعده دون أن يدري. أما السماء فتُشير إلى النفس التي كان يجب أن تكون مركزًا لملكوت الله وموضعًا لسكناه… تفقد النفس أمانها وسلامها خلال الخطية فترتجف. وتبطل الأنوار السماوية علامة فقدان البصيرة الروحية والدخول إلى حالة تخبط روحي، هكذا يعلن التأديب الإلهي ثمرة خطايانا؛ يفضحها فينا فلا نطيق يومه الرهيب. لقد سبق فقال أهل بيتشمس الذين سرقوا تابوت العهد: “من يقدر أن يقف أمام الرب الإله القدوس هذا؟! وإلى من يصعد عنا؟!”(1 صم 6: 20). كما يقول المرتل: “أنت مهوب أنت، فمن يقف قدامك حال غضبك؟! من السماء أسمعت حكمًا! الأرض فزعت وسكتت عند قيام الله للقضاء لتخليص كل ودعاء الأرض” (مز 76: 7-9).
دعوة إلى التوبة [12-17].
إذ كشف الله بتأديباته عن فاعلية الخطية في النفس والجسد، فتح الله أبواب الرجاء لشعبه على مصراعيه حتى لا يسقط أحد في اليأس. إذ ينادى قائلاً: “ارجعوا إليَّ بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح، ومزقوا قلوبكم لا ثيابكم، وارجعوا إلى الرب إلهكم لأنه رؤوف رحيم، بطيء الغضب وكثير الرأفة ويندم على الشر، لعله يرجع ويندم فيبقى وراءه بركة تقدمة وسكبيًا للرب إلهكم” [12-14].
في هذه الدعوة يعلن الآتى:
أ. التوبة في جوهرها هي “رجوع إلى الله”… ليس مجرد ندامة على الخطية أو توقف عن الإثم، إنما في إيجابيتها رجوع إلى الأحضان الإلهية، فنعطى لله الوجه لا القفا… لهذا يؤكد الله سماته الخاصة بعلاقته بنا أنه رؤوف رحوم بطيء الغضب وكثير الرحمة.
وكما يقول القديس كبريانوس: [يستطيع أن يصفح، مترفقًا بالخاطىء الذي يعمل سائلاً الرحمة[26]]. لقد استخدم الله كل وسيلة ممكنة للتعبير عن محبته للإنسان وترفقه به لكي يعود إليه فيجد فيه الأحضان الأبوية التي لا تغلق قط أمام الراجعين! يقول القديس أمبروسيوس: [ليته لا يخف أحد من الهلاك، مهما كانت حالته، ومهما كان سقوطه، فسيمر عليه السامري الصالح الذي للإنجيل، ويجده نازلاً من أورشليم إلى أريحا، أي هاربًا من آلام الاستشهاد إلى التمتع بملذات العالم مجروحًا بواسطة اللصوص… مطروحًا بين حيّ وميت، هذا السامري الصالح الذي هو رمز للسيد المسيح، الذي هو حارس للأرواح، لن يتركك إنما يتحنن عليك ويشفيك[27]].
إن كان الله هو الذي يسمح بالتأديب – الذي نراه شرًا – فإننا إذ نرجع إليه “يندم على الشر”. وكما يقولالأب ثيودور: [اعتاد الكتاب أن يستخدم بعض التعبيرات في غير معناها الأصلي، فيستخدم كلمة “الشرور” عن “الأحزان والضيقات” ليس لأنها شر أو طبيعتها شريرة، بل لأن من تحل بهم هذه الأمور لأجل صالحهم يعتبرونها شرًا. فحينما يتحدث الحكم الإلهي مع البشر يتكلم معهم حسب لغتهم ومشاعرهم البشرية[28]].
ب. الرجوع بكل القلب: كثيرون يرجعون إلى الله وقت الضيق لكن ليس بكل القلب، فاذا ما رُفع الضيق عادوا فورًا إلى شرهم الأول، وربما إلى حال أشر، كما كان فرعون الذي دعا موسى وهرون وسألهما أن يصليا عنه وعن شعبه، فيطلق الشعب ليذبح للرب (خر 8: 8) لكن “لما رأى فرعون أنه قد حصل الفرج أغلظ قلبه ولم يسمح لهما كما تكلم الرب” (خر 8: 15)…
ليكن رجوعنا إلى الله بكل القلب، يسندنا في ذلك الصوم والبكاء والنوح… وكأن الجسد يشترك مع النفس في الرجوع إلى الله، معلنًا ذلك بالصلاة والصوم والدموع.
في هذا يقول القديس أمبروسيوس: [ليت هؤلاء الذين يتوبون يعرفون كيف يقدمون التوبة، بأية غيرة، وبأى مشاعر، وكيف تبتلع كل تفكيره، وتهز أحشاءه الداخلية، وتخترق أعماق قلبه، إذ يقول إرميا النبي: “أنظر يا رب فإني في ضيق، أحشائي غلت، ارتد قلبي في باطني” (مرا 1: 2)].
ويقول: [شيوخ بنت صهيون يجلسون على الأرض ساكتين، ويرفعون التراب على رؤوسهم، يتمنطقون بالمسوح. تحني عذارى أورشليم رؤوسهن إلى الأرض، كلت من الدموع عيناي، غلت أحشائي، انسكب على الأرض كبدي” (مرا 2: 10-11). هكذا أيضًا أهل نينوى حزنوا فهربوا من هلاك مدينتهم (يونان 3: 5) يا لقوة مفعول هذا الدواء الذي للتوبة، حتى ليبدو كأنه يغير نيِّة الله!].
[اظهر جراحاتك للطبيب فيشفيك… أزل آثار جروحك بالدموع! فإن هذا هو ما صنعته المرأة المذكورة في الإنجيل، فأزالت بذلك نتانة خطاياها. لقد غسلت خطاياها بغسلها قدمىْ المخلص بدموعها[29]].
لا تقف التوبة عند المظهر الخارجي، إنما يلزم أن تمس القلب الداخلي، القلب كله… “مزقوا قلوبكم لا ثيابكم“. وكما يقول القديس كبريانوس: [أسالكم أيها الإخوة الأعزاء أن يعترف كل واحد بخطاياه التي ارتكبها في هذا العالم… لنرجع إلى الرب بكل القلب، ونعبر عن توبتنا عن خطايانا بالحزن الحقيقي، متوسلين إلى رحمة الله، لتنحنِ نفوسنا قدامه، ليشفع حزننا أمامه، ليكن كل رجائنا فيه، فقد أخبرنا كيف نسأله… لنرجع إلى الرب بكل قلبنا، ونطفيء غضبه وسخطه بالصوم والبكاء والحزن كما نصحنا هو بنفسه[30]].
ج. في قوله: “لعله يرجع ويندم” لا يعني عدم اليقين، وإنما علامة الوقوف أمام الله بتذلل وانسحاق، مترجين رحمته، فالله يطلب في توبتنا الاتضاع، إذ “ذبائح الله هي روح منكسرة، القلب المنكسر والمنسحق يا الله لا تحتقره” (مز 51: 17).
إنه يندم لا بمعنى تغيير فكر الله، وإنما بمعنى الحب، كالأب الذي يؤدب ابنه بحزم متظاهرًا بالقسوة لعل ابنه يعود إليه، فيعود إلى ابنه. إنه حتى في لحظات حزمه لا يحتمل دموع الابن. وعلامة ندمه أنه يترك وراء التأديب بركة لا غضبًا، فيقبل من ابنه التقدمة والسكيب علامة رضاه عنه وقبوله: “فيبقى وراءه بركة تقدمة وسكيبًا للرب إلهكم” [14].
د. التوبة تمارسها الجماعة كلها، الشيوخ والأطفال والرضع والمتزوجون حديثًا والكهنة وخدام الرب. إن كانت الخطية قد امتدت إلى الجميع لذا يليق أن يشترك الكل معًا، ويسند البنيان بعضه البعض في حياة التوبة.
يتحدث إرميا النبي عما فعلته الخطية بالرضع: “لصق لسان الراضع بحنكه من العطش، الأطفال يسألون خبزًا وليس من يكسره لهم” (مرا 4: 4)… وفي رحمة الله بنينوى كان للأطفال اعتبارهم الخاص لديه، إذ يقول: “أفلا أشفق أنا على نينوى المدينة العظيمة التي يوجد فيها أكثر من أثنتى عشر ربوة من الناس الذين لا يعرفون يمينهم من شمالهم وبهائم كثيرة؟!” (يو 4: 11).
هـ. يشترك الكهنة مع الشعب في التوبة بكونهم خدام الرب بين الرواق والمذبح، عملهم الرئيسي خدمة الرب خلال المذبح، أي في المسيح الذبيح. إنهم يخدمون خلال الصلاة الدائمة والشفاعة عن الشعب، قائلين: “اشفق يا رب على شعبك ولا تسلم ميراثك للعار حتى تجعلهم الأمم مثلاً، لماذا يقولون بين الشعوب أين إلههم؟!” [17].
الله يرق لشعبه [18-27].
“يغار الرب لأرضه ويرق لشعبه” [18]... ما سمح الله به لشعبه من آلام إنما لأجل غيرته على أرضه المقدسة، ورقته نحو شعبهم المحبوب لديه جدًا، إذ فيما هو يؤدب يطلب من أولاده أن يتطلعوا إليه لا كديان منتقم بل كأب محب يشتاق أن يفرح بهم ويُسر بحبهم له. أما علامات محبته الأبوية فهي:
أ. إن كانت النفس تدخل إلى حالة جوع وعطش ومرض بسبب الخطية، فإن الله في محبته يقدم نفسه طعامًا وشرابًا ودواءًا روحيًا لها، قائلاً: “هأنذا مرسل لكم قمحًا ومسطارًا وزيتًا لتشبعوا منها، ولا أجعلكم عارًا بين الأمم” [19]… لا تعود تسأل الأمم – أى العالم – ليشبع عاطفتها أو يروى أحاسيسها أو يطيب جراحاتها بل تجد في عريسها كل الشبع.
يُناجي القديس يوحنا سابا الله مصدر الشبع الحقيقى، قائلاً:
[طوبى للذي نسى حديث العالم بحديثه معك، لأن منك تكتمل كل حاجاته!
أنت هو أكله وشربه!
أنت هو بيته ومسكن راحته، إليك يدخل في كل وقت ليستتر!
أنت هو شمسه ونهاره، بنورك يرى الخفيات!
أنت هو الآب والده!
أنت أعطيت روح ابنك فيه، والروح أعطاه دالة أن يطلب منك كل مالك، مثلما يطلب الابن من أبيه! معك حديثه في كل حين، لأنه لا يعرف له أبًا غيرك![31]].
ب. إذ يحقق الله الهدف بالتأديب حيث يرجع الشعب إليه، يدين الشعب المقاوم، الجيش الذي استخدمه كأداة تأديب… لماذا؟ لأنه سقط في الكبرياء، كقول النبي: “فيكون متى أكمل السيد كل عمل بجبل صهيون وبأورشليم انى أعاقب ثمر عظمة قلب ملك أشور وفخر رفعة عينيه” (إش 10: 12). فقد تصلف العدو وظن في نفسه أنه قدير ولم يدرك أن الله كان يستخدمه لتأديب شعبه. لهذا يذله الرب على تصلفه: “والشمالي أبعده عنكم، وأطرده إلى أرض ناشفة ومقفرة مقدَّمته إلى البحر الشرقي (البحر الميت شرقي اليهودية) وساقته (مؤخرته) إلى البحر الغربى، فيصعد نتنه وتطلع زُهمته (رائحتة الكريهة) لأنه قد تصلف في عمله” [20]…
هكذا إذ يسقط في العجرفة يشقه الرب ليحطم مقدمته في مياه البحر الميت ومؤخرته إلى أقصى البحر الغربي لكي لا يجتمع معًا مرة أخرى، تفوح رائحة نتنه في كل موضع. هذا كله بسبب التصلف، كقول إشعياء النبي: “لأنه قال: بقدرة يدي صنعت وبحكمتي، لأنى فهيم، ونقلت تخوم شعوبٍ ونهبت ذخائرهم وحططت الملوك كبطل.. لذلك يرسل السيد سيد الجنود على سمانه هُزالاً، ويوقد تحت مجده وقيدًا كوقيد النار، ويصير نور إسرائيل نارًا وقدوسه لهيبًا فيحرق ويأكل حسكه وشوكه في يومٍ واحدٍ، ويفني مجد وعره وبستانه (النفس والجسد معًا)” (إش 10: 13-18).
ج. يغسل الرب جراحاتهم السابقة فيرد الغم الذي سيطر عليهم بسبب الخطية إلى بهجة وفرح [21].
د. تقديس كل الطاقات والمواهب بالروح القدس، إذ يقول: “لا تخافي يا بهائم الصحراء، فإن مراعي البرية تنبت، لأن الأشجار تحمل ثمرها، التينة والكرمة تعطيان قوتهما. ويا بني صهيون ابتهجوا وافرحوا بالرب إلهكم لأنه يعطي المطر المبكر على حقه وينزل عليكم مطرًا مبكرًا ومتاخرًا في أول الوقت” [22-23].
ارتبط العصر المسيانى في ذهن الأنبياء بالمياه المقدسة (حز 36: 26؛ إش 30: 23؛ إر 31: 9؛ زك 13: 1-2؛ مز 46: 4 الخ…) التي تحول القفر أرضًا خصبة، تروى المؤمنين كأشجار فردوس الله، تنزع النجاسات وتطهر الأرض من عبادة الأصنام، وتقدم حياة وتقديسا[32]…
ما هو المطر المبكر والمتأخر إلاَّ الروح القدس الذي يروى النفس الظمآنة، فتنبت البرية، وتحمل الأشجار ثمارها، وتعطى التينة والكرمة قوتهما؟! انه الروح القدس الذي عمل في القديم كمطر مبكر، لكنه بالأكثر استقر فينا بعد صعود الرب ليحول بريتنا الداخلية إلى فردوس مفرح!
يقول النبي: “لا تخافي يا بهائم الحقل، فإن مراعي البرية تنبت”، فإن كان الجسد قد صار بسبب الخطية كبهائم الحقل بلا مرعى، فإن الروح القدس يقدس الجسد ويشبع كل طاقاته وأحاسيسه بما هو للبنيان، إنه لا يحطم بهائم الحقل، ولا يحقر من شأنها، بل يقدسها ويشبعها بما هو للرب! ولهذا يسأل بني صهيون أن تبتهج وتفرح من أجل هذا المطر السماوي. وكأن النبي يعلن خلال الظل ما قاله السيد لتلاميذه: “لكني أقول لكم الحق إنه خير لكم أن أنطلق، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى” (يو 16: 7).
هذا هو المطر الذي وعد السيد المسيح تلاميذه أن يرسله لهم من عند الآب علامة حبه لهم واهتمامه بهم، وكما جاء في الأمثال: “في نور وجه الملك حياة، ورضاه كسحاب المطر المتأخر” (أم 16: 15). ويقول هوشع النبي: “خروجه يقين الفجر، يأتى إلينا كالمطر، كمطر متأخر يسقي الأرض” (هو 6: 3). ويسألنا زكريا النبي أن نطلب هذا المطر المتأخر ليعمل في حياتنا: “اطلبوا من الرب المطر في أوان المطر المتأخر، فيصنع الرب بروقًا، ويعطيهم مطر الوبل، لكل إنسان عشبًا في الحقل” (زك 10: 1). هذا هو عطية الله العظمى: “لنخف الرب إلهنا الذي يُعطي المطر المبكر والمتأخر في وقته، يحفظ لنا أسابيع الحصاد المفروضة” (إر 5: 24).
قدم لنا السيد المسيح هذا المطر المتأخر في حينه لكي تشبع نفوسنا بالرب فتسبحه، وتدرك حلوله في وسطها، أى يهبها الشبع الروحي وحياة التسبيح والشعور بالحضرة الإلهية، إذ يقول “وتأكلون أكلاً وتشبعون، وتسبحون اسم الرب إلهكم الذي صنع معكم عجبًا ولا يخزى شعبي إلى الأبد، وتعلمون إنى أنا في وسط إسرائيل وأنيّ أنا الرب إلهكم وليس غيري ولا يخزى شعبي إلى الأبد” [26-27].
إن كان الإنسان قد خرج من الفروس جائعًا، لا يستطيع العالم كله أن يشبع قلبه أو أحاسيسه أو فكره… فإنه يبقى هكذا هائمًا على وجه الأرض في جوع شديد حتى يملأه الله بروحه القدوس المشبع!
هذا الشبع يولد تسبيحًا، فيصير الإنسان كالرضيع الذي يفرح بأمه فتهتز كل مشاعره وتتجاوب كل أعضاء جسده مع فرحه ليخرج تسبحة حب حقيقي يعجز اللسان عن التعبير عنها، فالتسبيح ليس مجرد كلمات ننشدها أو نغمات نتعلمها لكنه في أعماقه هو حالة فرح حقيقي تهز كيان المؤمن كله: جسديًا وروحيًا، فينطلق اللسان بالتسبيح، ويرقص القلب طربًا بالرب، وتهتز النفس كلها بنغمات سمائية ملائكية.
هذا التسبيح يرتبط بإدراك المؤمن لسكنى الرب فيه. فهو يسبح ويتهلل لا من أجل العطايا حتى وإن كانت روحية، إنما من أجل المُعطي نفسه، واهب العطايا!
هذه هي علامات محبة الله الأبوية لشعبه. إنه يشبع النفس ويرويها ويضمد جراحاتها، ويرد لها مجدها فيه، وينزع عنها عار الخطية والإثم، مقدسًا كل طاقاتها ومواهبها لحسابه، معلنًا سكناه فيها كسرّ شبعها وتسبيحها الروحي!
يمكن تلخيص بركات حبه لشعبه في الآتي:
أ. يرق لهم، أي يترفق ويحنو عليهم [18].
ب. يجيبهم ويسمع لهم [19].
ج. يُشبع احتياجاتهم ويهبهم شبعًا روحيًا [ 19].
د. ينزع عنهم العار [19]، واهبًا إياهم مجدًا.
هـ. يطرد أعداءهم ويحطم كبرياءهم [20].
و. ينزع عنهم الخوف والقلق [21].
ز. يهبهم البهجة والفرح [21].
ح. يهتم حتى ببهائمهم [22].
ط. يبارك ثمار أرضهم [22].
ى. يهبهم المطر المبكر والمتأخر [23] (عطية الروح القدس).
ك. يعوضهم عن السنوات التي أكلها الجراد [24].
ل. يعطيهم روح التسبيح والعبادة الروحية الحية [26].
م. يعلن عجائبه في حياتهم، فيصيرون عجبًا [26].
ن. يعلن سكناه في وسطهم [27].
س. يهبهم روحه القدوس [28].
الإصلاح الجذرى بالروح القدس [28-32]
إذ يرق الله لشعبه ويغير على ميراثه لا يبخل عليهم بشيء، وإنما يهبهم نفسه. إنه يعطيهم روحه القدوس فيهم بكونه سرّ تغييرهم الداخلي الجذري، إذ يقول: “ويكون (أي في آخر الأزمنة) أنيّ أسكب روحي على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويحلم شيوخكم أحلامًا، ويرى شبابكم رؤى، وعلى العبيد أيضًا وعلى الإماء اسكب روحي في تلك الأيام” [29].
إنه العطية العظمى التي قدمها الله للبشرية بعد أن هيأ لها بتقديم ذبيحة الفداء على الصليب. هذه العطية التي تمتعت بها الكنيسة في يوم الخمسين كما أعلن الرسول بطرس (أع 2: 14-21)، والتي قُدمت لكل بشر يتقدم إلى الله، هو عطية الله للبنين والبنات، أي بلا تمييز في الجنس من جانب. ومن جانب آخر انها تُعطي حتى لقليلي الخبرة، فهو الهبة المجانية من قبل الله لكل من يقبل!
وهو عطية الله للشيوخ الذين ترهلت حياتهم وأحسوا بالضياع، فيحول شيخوختهم الروحية إلى شباب متجدد في الرب مملوء رجاءً وفرحًا.
هو عطية الله للعبيد والإماء، تُعطي للذين يدركون أنهم عبيد فيحررهم واهبًا إياهم روح البنوة.
إنه عطية الله لبنى البشر… أي لجميع من يقبل!
أما عن عمل الروح القدس فينا فيكفي أن نذكر كلمات القديس باسيليوس الكبير: [بالروح القدس استعادة سكنانا في الفردوس.
صعودنا إلى ملكوت السموات.
عودتنا إلى البنوة الإلهية.
دالتنا لتسمية الله “أبانا”.
اشتراكنا في نعمة المسيح.
تسميتنا أبناء النور.
وبكلمة واحدة نوالنا ملء البركة في هذا الدهر وفي الدهر الآتي[33]].
يعلق القديس امبروسيوس على العبارة “أسكب روحي”، قائلاً: [انه لم يقل “أسكب الروح” بل “روحي Of My Spirit” إذ لا نستطيع أن نتقبل كمال الروح القدس بل نتقبل قدرما يقسم سيدنا من عنده حسب إرادته (في 2: 6)[34]]، ولكن هذا لا يعني عدم سكنى الروح فينا، ولا أن ننال جزءًا منه إذ يحذرنا القديس اكليمندس الاسكندرى[35] من تجزئة الروح، إنما هو سرّ سكنى الروح القدس عاملاً فينا حسبما يريد الله لبنياننا، بطريقة إلهية فائقة.
تصاحب هذه العطية: “عجائب في السماء والأرض دمًا ونارًا وأعمدة دخان، تتحول الشمس إلى ظلمة والقمر إلى دم قبل أن يجىء يوم الرب العظيم” [30]… وكأن غاية هذه العطية العظمى هو الانطلاق بالكنيسة إلى يوم الرب العظيم لترى السماء والأرض تزولان، نور العالم ينطفيء ليبقى ما هو إلهي! بهذا يلتهب قلبها نحو الاتحاد بالله وحده الأبدي!
أخيرًا يختم نبوته عن الروح القدس بإعلان قبوله جميع القادمين إليه من كل الأمم، إذ يقول: “ويكون أن كل من يدعو باسم الرب ينجو” [32]. يفتح الله ذراعيه لكل من يدعوه سواء كان يهوديًا أو أمميًا، وكما يقول الرسول بولس: “لأن الكتاب يقول كل من يؤمن به لا يخزى، لأنه لا فرق بين اليهودى واليوناني، لأن ربًا واحدًا للجميع غنيًا لجميع الذين يدعون به، لأن كل من يدعو باسم الرب يخلص” (رو 10: 11-13). وكما يقول بطرس: “لأن الموعد هو لكم ولأولادكم ولكل الذين على بعد كل من يدعوه الرب إلهنا” (أع 2: 39).
يقول القديس أغسطينوس: [كان اسم صانع السماء والأرض يُدعى قبلاً بين الإسرائليين وحدهم، أما بقية الأمم فكانوا يدعون الأوثان الخرس الصم التي لا تسمع، أو يدعون الشياطين التي تسمع ما هو لأذيتهم[36]]. أما الأن فقد صار الأمم يدعون اسم الله الحيّ بالروح القدس.
من وحيّ يوئيل 2
فى وسط تأديباتك أشعر برقة حنانك!
v سمحت بغارات الجراد الأربع لتأديب شعبك،
وإذ لم ينتفعوا بعثت إليهم غارة البابليين…
وفى هذا كله عجيب أنت فى حبك!
أنك ترق لشعبك!
فى وسط تأديباتك أشعر برقة حنانك!
v فى وسط تأديباتك اشعر كان يومك يوم قتام
لكنك أنت خلف الغيمة!
سرعان ما تنقشع الغيمة وتشرق فىّ ببهائك!
اسمح ليّ أن أرى نورك وسط آلامي!
v علمني كم أنت رقيق فى حبك وحنانك،
فأرجع إليك لا بتمزيق ثيابي بل بانسحاق قلبي!
لك وحدك أخطأت،
لك أكشف جراحات نفسي، أيها الطبيب السماوي!
اشفني فأشفى!
املأ كل فراغ قلبي بحبك!
ارسل روحك القدوس عاملاً في أعماقي!
يحول قفري الداخلي إلى فردوس سماوي!
كم أنت رقيق في حبك حتى في لحظات تأديبك ليّ!
سفر يوئيل – أصحاح 2
تفاسير أخرى لسفر يوئيل أصحاح 2
تفسير يوئيل 1 | تفسير سفر يوئيل القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير يوئيل 3 |
تفسير العهد القديم |