تفسير سفر القضاة ٩ للقس أنطونيوس فكري
الإصحاح التاسع
الآيات (1-2): “ذهب ابيمالك بن يربعل إلى شكيم إلى اخوة أمه وكلمهم وجميع عشيرة بيت أبى أمه قائلا. تكلموا الآن في أذان جميع أهل شكيم أيما هو خير لكم اان يتسلط عليكم سبعون رجلا جميع بني يربعل أم أن يتسلط عليكم رجل واحد واذكروا أنى أنا عظمكم ولحمكم.”
أكثر جدعون من نسائه وسراريه فكان هذا سبب مشاكل لهُ. وكانت إحدى سراريه من شكيم فى أفرايم من عائلة كنعانية وولدت لهُ أبيمالك. وهذا ذهب لأهل أمَّه بعد موت أبيه ليثيرهم ضد إخوته السبعين مدعياً أن أخوته السبعون يريدون أن يملكوا وهذا لم يحدث فجدعون أبوهم رفض هذه الفكرة. لكن أبيمالك هو الذى كان يشتهى الملك الأمر الذى دفعه لقتل جميع إخوته (عدا يوثام الذى هرب). ونلاحظ أن جدعون الذى رفض الملك عاش فى راحة 40 سنة أمّا ابيمالك الذى إشتهى الملك فعاش قليلاً وفى إضطراب وكانت أيامه شريرة وتحطم هو وأهل بلده. وكانت مؤهلاته “أنا عظمكم ولحمكم” فتحولت الخدمة إلى مجاملات لحساب القرابة الدموية والعلاقات الشخصية. لقد أخطأ أبيمالك فى حبه للتسلط وأخطأ إفرايم فى إختيار شخص غير مناسب ليملك، وهو سوء إختيار سبب لهم خسائر عظيمة. ولذلك يحب الدقيق فى إختيار أى خادم للرب.
آية (3): “فتكلم اخوة أمه عنه في أذان كل أهل شكيم بجميع هذا الكلام فمال قلبهم وراء ابيمالك لأنهم قالوا أخونا هو.”
أخونا هو = هذا كان منطق أهل شكيم من إسرائليين وكنعانيين، أى هو قريبنا بالجسد فيسندنا حين يملك.
الآيات (4-6): “وأعطوه سبعين شاقل فضة من بيت بعل بريث فاستأجر بها ابيمالك رجالا بطالين طائشين فسعوا وراءه. ثم جاء إلى بيت أبيه في عفره وقتل اخوته بني يربعل سبعين رجلا على حجر واحد وبقي يوثام بن يربعل الأصغر لأنه اختبأ. فاجتمع جميع أهل شكيم وكل سكان القلعة وذهبوا وجعلوا ابيمالك ملكا عند بلوطة النصب الذي في شكيم.”
من بيت بعل بريث = أى بيت المال فى هيكل بعل بريث. وكان هذا المبلغ ليستأجر ابيمالك رجالاً أشرار يقتلون إخوته، ولعلهم أخذوا المبلغ من بيت البعل لأنهم ظنوا أن فى هذا بركة للعمل لتنجح خطتهم. وهنا نسمع وجود ملك لأول مرة، ولكنه لم يكن ملكاً على كل الأسباط بل على شكيم وبعض البلاد المجاورة لذا لم يحسب كملك على إسرائيل مثل شاول داود. سكان القلعة = برج شكيم أو حصنها. بلوطة النصب = تحتها دفن يعقوب الآلهة الغريبة (تك 35 : 4). وتحتها أقام يشوع حجر الشهادة (يش 24 : 26). لذلك دعيت بلوطة النصب أى حجر الشهادة.
آية (7): “واخبروا يوثام فذهب ووقف على راس جبل جرزيم ورفع صوته ونادى وقال لهم اسمعوا لي يا أهل شكيم يسمع لكم الله.”
يهوثام = يهوة تام أو كامل. وكان حديث يوثام لأهل شكيم حين سمع بما فعلوه وأنهم أقاموا أبيمالك ملكاً عليهم. وكان كلام يوثام كأنه إنذار أو نبوة من الله لشكيم ولكن كان أهل شكيم لهم أذان ولا يسمعون. يسمع الله لكم = أى يجازيكم خيراً بإستجابة طلباتكم. ولقد وقف يوثام على الجبل كمن على منبر. وفى وسط الصحراء يدوى الصوت فيمكن سماعه فى شكيم بل وعلى الجبل المقابل عيبال. وبدأ كلامه بمثل بطريقة غامضة ومشوقة ليجذبهم للإستماع والتفكير وختم بالنتيجة المؤلمة حتى إذا ما ثاروا عليه يستطيع أن يهرب فى إحدى مغائر الجبل. وروعة المثل قالهُ يوثام تتفق مع كونه إبناً لرجل عظيم مثل جدعون.
آية (8): “مرة ذهبت الأشجار لتمسح عليها ملكا فقالت للزيتونة املكي علينا.”
هل الأشجار تطلب حماية من ملك ؟! هذا أول توبيخ لهم على فكرة وجود ملك ليحمى إسرائيل، فالله هو الذى يحميها كما يحمى الأشجار. والنصيحة التالية أنهم لو فكروا أن يكون لهم ملك فليكن لهُ فائدة مثل الزيتونه والكرمة والتينة، أى قادر على العطاء وعلى خدمة شعبه.
آية (9): “فقالت لها الزيتونة ااترك دهني الذي به يكرمون بي الله والناس واذهب لكي املك على الأشجار.”
الزيتونة مصدر الزيت والدهن هى رمز للكنيسة المملوءة من الروح القدس أو النفس المملوءة من الروح (مز 52 : 8 + أر 11 : 16). والإنسان المملوء من الروح مملوء من ثمار الروح لا يبحث عن كرامة زمنية أو سلطة بل يطلب خدمة الناس، ما يبهج قلبه أن يستخدم الدهن الذى فيه لينير للناس شفاء وشبع (الزيت يستخدم فى الإضاءة والعلاج والأكل). الخادم الحقيقى يحترق لينير للناس.
الآيات (10-11): “ثم قالت الأشجار للتينة تعالي أنت واملكي علينا. فقالت لها التينة ااترك حلاوتي وثمري الطيب واذهب لكي املك على الأشجار.”
التينة تشير للكنيسة فهى مملوءة بذوراً تشير لأعضاء الكنيسة والتينة لها غلاف واحد يجمع البذور هو روح الحب والوحدة الحلو. والكنيسة المملوءة حباً وكل فرد فيها لهُ روح خدمة الآخرين لا يبحث أحد أعضائها عمن يكون رئيساً على الآخرين.
الآيات (12-13): “فقالت الأشجار للكرمة تعالي أنت واملكي علينا. فقالت لها الكرمة ااترك مسطاري الذي يفرح الله والناس واذهب لكي املك على الأشجار.”
الكرمة تمثل الكنيسة بكونها بيت الصليب فيها يعصر العنب لينتج مسطاراً (خمرً جديداً). هذه الكنيسة تفرح بالصليب والألم لكى يُسَّر بها الله. والخمر يشير للفرح، والله يفرح بالكنيسة التى تقبل الألم والصليب ويسكن عليها تعزياته وأفراحه فتفرح وسط ألامها. والكرمة تشير لفرح الله المرتبط بذبيحة المسيح وفرح الكنيسة المتألمة مع مسيحها، ومثل هذه الكنيسة (الكرمة) لا تبحث عن كرامة زمنية.
آية (14): “ثم قالت جميع الأشجار للعوسج تعال أنت واملك علينا.”
العوسج نبات ذو أشواك وهو مضر ومؤلم وبلا ثمر ويظهر فى المناطق الجافة ولا يحتاج لمياه كثيرة، وإذ هو قليل الرطوبة يتعرض للحرق، بل ويسبب إحتراقاً للأشجار التى بجواره. وملحض مثل يوثام أن الذى لهُ عمل وخدمة لا يبحث عن رئاسة وسيطرة على الآخرين، أمّا الذى بلا عمل وسط الناس فيهتم بالسيطرة وإستغلال المركز لأنه يشعر بنقصه وهذا كالعوسج (أبيمالك) يحترق ويحرق الآخرين.
آية (15): “فقال العوسج للأشجار أن كنتم بالحق تمسحونني عليكم ملكا فتعالوا واحتموا تحت ظلي وإلا فتخرج نار من العوسج وتأكل أرز لبنان.”
لقد طلب العوسج أن تحتمى الأشجار تحت ظله مع أن الأشجار أكثر علواً وضخامة من نبات العوسج الصغير الحجم بل أن ورقة وأشواكه حادة لا يستطيع أحد أن يستظل تحته. ولم يكتفى العوسج بالملك إذ يُعرض عليه بل هدد الأشجار بالحرق بدلاً من أن يشكرها. وهذا شأن اللؤماء “إن أنت أكرمت اللئيم تمردا “.
الآيات (16-19): “فالان أن كنتم قد عملتم بالحق والصحة إذ جعلتم ابيمالك ملكا وأن كنتم قد فعلتم خيرا مع يربعل ومع بيته وأن كنتم قد فعلتم له حسب عمل يديه. لان أبى قد حارب عنكم وخاطر بنفسه وأنقذكم من يد مديان. وانتم قد قمتم اليوم على بيت أبى وقتلتم بنيه سبعين رجلا على حجر واحد وملكتم ابيمالك ابن أمته على أهل شكيم لأنه أخوكم. فان كنتم قد عملتم بالحق والصحة مع يربعل ومع بيته في هذا اليوم فافرحوا انتم بابيمالك وليفرح هو أيضا بكم.”
توبيخ من يوثام لأهل شكيم لأنهم ردوا جميل جدعون لهم بخيانته.
الآيات (21،20): “وإلا فتخرج نار من ابيمالك وتأكل أهل شكيم وسكان القلعة وتخرج نار من أهل شكيم ومن سكان القلعة وتأكل ابيمالك. ثم هرب يوثام و فر و ذهب الى بئر و اقام هناك من وجه ابيمالك اخيه.”
هنا تحذير يوثام لهم وهو كنبوة على ما حدث بعد ذلك. فأهل شكيم ظنوا أن أبيمالك سيسندهم ولم يدركوا أنه سيكون ناراً تحرقهم وتحرقه هو نفسه. فشره كان كنار تحرق الجميع. فكيف يقبلون ملك خائن قتل إخوته.
آية (22): “فتراس ابيمالك على إسرائيل ثلاث سنين.”
ترأس ابيمالك = لم يقل ملك فهو لم يرأس سوى شكيم وما حولها، ولم يحترمه أحد، ولم يقل حتى أنه قاضياً لإسرائيل لكنه هو فَرِحَ بأن يسمى نفسه ملك.
آية (23): “وأرسل الرب روحا رديا بين ابيمالك وأهل شكيم فغدر أهل شكيم بابيمالك.”
لا نعرف كيف عاش ابيمالك هذه الثلاث سنين ولكن هنا نسمع أن الله أرسل روحاً ردياً بينه وبين أهل شكيم، بمعنى أن كل طرف أدرك شر الأخر فصار فيهما روح بغضة وكراهية وغدر، فكأن من شدد يديه لقتل إخوته صار الأن لا يطيقه. بل شعروا أن من خان إخوته لا يمكن أن يأتمنوه على أنفسهم، وهو غالباً شعر بكراهيتهم الجديدة لهُ. فغدر أهل شكيم بأبيمالك = فهؤلاء الذين خانوا جدعون وقتلوا أولاده كيف لا يخونون هذا المغتصب بعد أن إكتشفوا عدم صلاحيته.
آية (24): “لياتي ظلم بني يربعل السبعين ويجلب دمهم على ابيمالك أخيهم الذي قتلهم وعلى أهل شكيم الذين شددوا يديه لقتل اخوته.”
ملخص ما حدث بعد ذلك نجده هنا فقد كان الروح الردى بين ابيمالك وأهل شكيم سبباً فى خراب كلا الطرفين فكلا الطرفين أشتركا فى جريمة قتل أبناء جدعون فكلاهما يستحق. ما حدث لهما من خراب بسبب خيانتهم.
آية (25): “فوضع له أهل شكيم كمينا على رؤوس الجبال وكانوا يستلبون كل من عبر بهم في الطريق فاخبر ابيمالك.”
كانت خطة شكيم للخلاص من أبيمالك وقتله أن يثيروا القلاقل فى المنطقة فوضعوا كمائن على رؤوس الجبال لسلب كل من يمر بالطريق. ويشعر أهل المنطقة بعدم الأمان فيذهبون ليشتكوا للملك أبيمالك. وهذه الكمائن أيضاً حرمت الملك أبيمالك من الجزية التى يحصلها من التجار إذ خسروا تجارتهم من السلب وهذا ما حدث أن ذهب الذين تضرروا من الكمائن يشتكون لأبيمالك = فأخبر أبيمالك. وكانت الخطة أنه لو خرج أبيمالك لضرب الكمائن يضربونه ويقتلونه ويقيمون غيره ملكاً. ونلاحظ أن من دبّر خطة لقتل إخوته يقف أقرباؤه الأن يدبرون خطة لقتله.
الآيات (26-29): “وجاء جعل بن عابد مع اخوته وعبروا إلى شكيم فوثق به أهل شكيم. وخرجوا إلى الحقل وقطفوا كرومهم وداسوا وصنعوا تمجيدا ودخلوا بيت إلههم وأكلوا وشربوا ولعنوا ابيمالك. فقال جعل بن عابد من هو ابيمالك ومن هو شكيم حتى نخدمه أما هو ابن يربعل وزبول وكيله اخدموا رجال حمور أبى شكيم فلماذا نخدمه نحن. من يجعل هذا الشعب بيدي فاعزل ابيمالك وقال لابيمالك كثر جندك واخرج.”
ظهر هنا قائد لأهل شكيم هو جعل بن عابد ليقود الثورة ضد أبيمالك وجعل هذا غالباً هو كنعانى لأنه فى كلامه مجّد حمور الكنعانى = إخدموا رجال حمور وتحدى جعل هذا أبيمالك ووكيله زبول. وجاء جعل مع إخوته = هم غالباً جماعة من اللصوص وقطاع الطرق يعملون تحت قيادة جعل وفرح بهم أهل شكيم وجعلوه رئيساً لهم وبدءوا خطتهم للإيقاع بأبيمالك بطقس دينى وثنى. آية 27: فقطفوا عنب وعصروه = وداسوا لعمل الخمر ومجدوا الههم البعل أى غنوا وسبحوا للبعل الههم الباطل ولعنوا أبيمالك = أى طلبوا من الهتهم أن تتخلى عن أبيمالك فيصير ملعوناً فيغلبونه. من هو أبيمالك ومن هو شكيم = هو إستخفاف بأبيمالك وقوله شكيم يعنى به أيضاً أبيمالك فأبيمالك يملك على شكيم الأن. أما هو إبن يربعل = يربعل هو جدعون. وهو يذكر إسم الشهرة لجدعون أى يربعل (يقاتل البعل) ليثير عابدى البعل ويذكرهم بما فعله جدعون بهيكل البعل فيثوروا على أبيمالك إبنه. ومعنى كلامه كيف يملك عدو البعل على عابدى البعل، أى كيف يملك علينا ونحن كلنا نعبد البعل، فهذا الكلام إثارة لعابدى البعل الموجودين إخدموا رجال حمور أبى شكيم = يفهم من هذا أن جعل بن عابد هو من نسل حمور الكنعانى. وهو هنا يدعو سامعيه أن يثوروا على أبيمالك العبرانى ويملكوه هو فهو إبن حمور الذى أسس شكيم = أبى شكيم. فهو هنا يعتبر أن حمور هو الملك الشرعى لشكيم والعبرانيين دخلاء. وإسم حمور جاء من ذبيحة الحمار التى كانت مظهراً أساسياً فى إبرام المعاهدات عند الأموريين فى القرن 18 ق.م. وفى (29) معناها إجعلونى ملكاً وأنا أطرد أبيمالك. ثم أرسل جعل رسالة لأبيمالك قائلاً كثر جندك وأخرج = فهو تحدى للحرب.
الآيات (30-33): “ولما سمع زبول رئيس المدينة كلام جعل بن عابد حمي غضبه. وأرسل رسلا إلى ابيمالك في ترمة يقول هوذا جعل بن عابد واخوته قد أتوا إلى شكيم وها هم يهيجون المدينة ضدك. فالان قم ليلا أنت والشعب الذي معك واكمن في الحقل. ويكون في الصباح عند شروق الشمس انك تبكر وتقتحم المدينة وها هو والشعب الذي معه يخرجون إليك فتفعل به حسبما تجده يدك.”
زبول أقامه أبيمالك رئيساً على شكيم ونائباً لهُ. وأرسل زبول لأبيمالك فى السر حتى يهاجم جعل فجأة ويبطش به. لأن أبيمالك كان يقيم خارجاً عن شكيم.
آية (34-36): ” فقام ابيمالك و كل الشعب الذي معه ليلا و كمنوا لشكيم اربع فرق. فخرج جعل بن عابد و وقف في مدخل باب المدينة فقام ابيمالك و الشعب الذي معه من المكمن. ورأى جعل الشعب فقال لزبول هوذا شعب نازل عن رؤوس الجبال فقال له زبول انك ترى ظل الجبال كأنه أناس.”
تظاهر زبول بصداقة أبيمالك. وكانت خطة زبول ان لا يدخل أبيمالك المدينة إنما ينزل برجاله ليلاً ويكمن فى الحقل، وإذ يخرج جعل ورجاله فى الصباح يحاربهم عند أبواب المدينة فلا تكون لجعل حصون يحتمون فيها. وحينما رأى جعل جيش أبيمالك نازلاً من على الجبال (هو قسمه أربعة فرق، وينزلون فرقة وراء فرقة ليرعبوا جعل ورجالهُ) خدعه زبول بأن ما يراه ليس جيشاً بل ظلال حتى لا يستعد للحرب، ومحاولة زبول ايضاً هى لتحطيم معنويات جَعَلْ فإن كان يتوهم وجود جيوش فهو جبان خائف من الحرب يتوهم وجود جيوش بينما لا توجد جيوش. بالإضافة إلى أنه إذا تصوّر إن ما يراه ظلال لن يدخل المدينة ويغلق الأبواب.
آية (37): “فعاد جعل وتكلم أيضا قائلا هوذا شعب نازل من عند اعالي الأرض وفرقة واحدة آتية عن طريق بلوطة العائفين.”
بلوطة العائفين = غالباً هى بلوطة يجلسون تحتها لمعرفة الغيب والمستقبل.
آية (38): “فقال له زبول أين الآن فوك الذي قلت به من هو ابيمالك حتى نخدمه أليس هذا هو الشعب الذي رذلته فاخرج الآن وحاربه.”
الأن زبول بعد أن وصل أبيمالك وجيشه يكلم جعل فى إستخفاف أين الأن فوك = أى حارِب وأثبت أنك أهلاً لما كنت تتكلم به منذ ساعات. لقد تحديت أبيمالك فحارب الآن وإثبت أنك تقدر على تنفيذ ما فاه به فوك.
آية (39): “فخرج جعل أمام أهل شكيم وحارب ابيمالك.”
لقد غدر أهل شكيم بأبناء جدعون وهاهم يدبرون وسيلة لإنقاذهم من أبيمالك. (أى جعل الشرير الوثنى) فتفسد الوسيلة وينهزم جعل ويسقط كثير من أهل أبيمالك (أى أهل شكيم) قتلى. فالفساد كالنار تأكل بعضها بعضاً.
آية (40): “فهزمه ابيمالك فهرب من قدامه وسقط قتلى كثيرون حتى عند مدخل الباب.”
كون أن القتلى حتى عند مدخل الباب يفهم منه أن جَعَلْ حين إنهزم إنسحب إلى داخل شكيم وأغلق أبوابها عليه فرجع أبيمالك وجنوده.
آية (41): “فأقام ابيمالك في أرومة وطرد زبول جعلا واخوته عن الإقامة في شكيم.”
بات أبيمالك هذه الليلة فى أرومة. وعاد لشكيم صباحاً ليجهز على جَعَلْ ورجاله ومن ناحية أخرى أهاج زبول بخداعاته أهل شكيم ربما بأن إتهمه بالجبن والجهل وأن هذا سبب هزيمته ثم أقنع أهل شكيم بأن يطردوه.
آية (42): “وكان في الغد أن الشعب خرج إلى الحقل واخبروا ابيمالك.”
شعر أهل شكيم بالخوف من إنتقام أبيمالك فحينما رأوه قد عاد إلى شكيم خرجوا لإسترضائه وأخبروه أنهم طردوا جَعَلْ عدوه من شكيم.
آية (43): “فاخذ القوم وقسمهم إلى ثلاث فرق وكمن في الحقل ونظر وإذا الشعب يخرج من المدينة فقام عليهم وضربهم.”
كان أبيمالك قد صمم على الإنتقام من أهل شكيم لخيانتهم لهُ. وتظاهر بأنه صدقهم ولكنه كَمُنَ لهم فى الحقل وإذ خرجوا كالعادة وهم مطمئنين بإن أبيمالك قد عفا عنهم قام وضربهم. وهو قتل حتى الشعب الأعزل (الفلاحين) الذين خرجوا لحقولهم.
آية (44): “وابيمالك والفرقة التي معه اقتحموا ووقفوا في مدخل باب المدينة وأما الفرقتان فهجمتا على كل من في الحقل وضربتاه.”
وقفوا فى مدخل باب المدينة = حتى لا يهرب أحد من شعبها وحتى لا يغلقوا الأبواب حتى يكمل إنتقامه من كل أهلها.
آية (45): “وحارب ابيمالك المدينة كل ذلك اليوم واخذ المدينة وقتل الشعب الذي بها وهدم المدينة وزرعها ملحا.”
زرعها ملحاً = عبارة تعنى أنه خرّب المدينة خراباً شديداً.
الآيات (46-49): “وسمع كل أهل برج شكيم فدخلوا إلى صرح بيت إبل بريث. فاخبر ابيمالك ان كل اهل برج شكيم قد اجتمعوا. فصعد ابيمالك الى جبل صلمون هو و كل الشعب الذي معه و اخذ ابيمالك الفؤوس بيده و قطع غصن شجر و رفعه و وضعه على كتفه و قال للشعب الذي معه ما رايتموني افعله فاسرعوا افعلوا مثلي. فقطع الشعب ايضا كل واحد غصنا و ساروا وراء ابيمالك و وضعوها على الصرح و احرقوا عليهم الصرح بالنار فمات ايضا جميع اهل برج شكيم نحو الف رجل و امراة.”
سمع أهل البرج = أى حرس القلعة. سمعوا بما حدث فى المدينة فإحتموا بالبرج وكان حمايتهم هو إلههم بعل بريث. ولكن هل يستطيع البعل حماية أحد !!. هنا نجد أن مثل يوثام قد تحقق حرفياً. خرجت نار من العوسج وإلتهمت أشجار الأرز.
الآيات (50-57): “ثم ذهب ابيمالك إلى تاباص ونزل في تاباص وأخذها. وكان برج قوي في وسط المدينة فهرب إليه جميع الرجال والنساء وكل أهل المدينة وأغلقوا وراءهم وصعدوا إلى سطح البرج. فجاء ابيمالك إلى البرج وحاربه واقترب إلى باب البرج ليحرقه بالنار. فطرحت امرأة قطعة رحى على راس ابيمالك فشجت جمجمته. فدعا حالا الغلام حامل عدته وقال له اخترط سيفك واقتلني لئلا يقولوا عني قتلته امرأة فطعنه الغلام فمات. ولما رأى رجال إسرائيل أن ابيمالك قد مات ذهب كل واحد إلى مكانه. فرد الله شر ابيمالك الذي فعله بابيه لقتله اخوته السبعين. وكل شر أهل شكيم رده الله على رؤوسهم وأتت عليهم لعنة يوثام بن يربعل.”
تاباص غالباً كانت ضمن مملكة أبيمالك وتمردت عليه فى هذا التمرد فذهب لها أيضاً ليحرقها كما فعل بشكيم ولكن الله كان قد أنهى زمان حياته بسبب شره وقطعاً فكل إنسان يعرف أنه من الممنوع الإقتراب من أسوار مدينة محاصرة وفى حالة حرب. ولكن من يعاديه الله يفقد كل حكمة فيتصرف كأحمق. لقد إحترق العوسج مع الأشجار التى أحرقها.
سفر القضاة : 1 – 2 – 3 – 4 – 5 – 6 – 7 – 8 – 9 – 10 – 11 – 12 – 13 – 14 – 15 – 16 – 17 – 18 – 19 – 20 –21
تفسير سفر القضاة: مقدمة – 1 – 2 – 3 – 4 – 5 – 6 – 7 – 8 – 9 – 10 – 11 – 12 – 13 – 14 – 15 – 16 – 17 – 18 – 19 – 20 –21