تفسير سفر حزقيال ٢ للقس أنطونيوس فكري

الأصحاح الثاني

مقدمة

كانت نهاية الإصحاح السابق سقوط النبى على وجهه، وهنا نرى أمر الله له بالقيام وبعد ذلك دخل فيه الروح. وهذا ما حدث أيضاً لبولس الرسول، فهو قد سقط أمام نور المسيح فى الطريق ثم قام، ثم إمتلأ من الروح القدس. بل هذا هو طريق الإمتلاء من الروح القدس دائماً. فالسيد المسيح أرسل لنا الروح القدس بعد أن مات وقام وصعد إلى السماء. وحتى نمتلئ نحن من الروح القدس علينا أن نسلك نفس الطريق أى نبدأ بأن نقف أمام الخطية كأموات رو 6 : 11 ونحيا فى جدة الحياة، أى الحياة المقامة فى المسيح، ونحيا فى السماويات ولا نعود بعد نحيا فى الأرضيات، وقتها سنختبر إمكانيات وقوة القيامة ونمتلئ من الروح القدس، فيرسلنا الله للشهادة لإسمه، كما أرسل الله حزقيال لخدمته. بل تم هنا تلقين حزقيال ماذا سيقول، ووضع له الكلام فى فمه ودلالة هذا كان الدرج الذى أُمِر بأن يأكله 2 : 8 + 3 : 1 وهذا ما عَمِله النبى فعلاً فى الإصحاح التالى 3 : 2، 3. ونلاحظ أن الله ينبه النبى ألا يخاف هذا الشعب المتمرد.

 

الأيات 1 – 5 :-

فقال لي يا ابن ادم قم على قدميك فاتكلم معك. فدخل في روح لما تكلم معي و اقامني على قدمي فسمعت المتكلم معي. و قال لي يا ابن ادم انا مرسلك الى بني اسرائيل الى امة متمردة قد تمردت علي هم و اباؤهم عصوا علي الى ذات هذا اليوم. و البنون القساة الوجوه و الصلاب القلوب انا مرسلك اليهم فتقول لهم هكذا قال السيد الرب. و هم ان سمعوا و ان امتنعوا لانهم بيت متمرد فانهم يعلمون ان نبيا كان بينهم.

إستغل البعض قصة سقوط النبى على وجهه ثم دخول الروح فيه بطريقة منحرفة.. إذ إدعوا أنهم قادرون أن ينفخوا فى وجوه الناس فيمتلئون من الروح القدس، ويكون علامة ذلك وقوع الناس على الأرض فى غيبوبة. ويستدلون بما حدث هنا لحزقيال، وكما حدث أيضاً لدانيال 10 : 7 – 11 وكما حدث ليوحنا فى الرؤيا 1 : 17 ونرد على هؤلاء :-

1- حزقيال ودانيال ويوحنا لم يسقطوا نتيجة إمتلائهم بالروح، بل نتيجة ما رأوه من مجد المسيح، فلم يحتملوا. والدليل أن الروح دخل فى حزقيال بعد أن أقامه الرب أيات 1، 2.

2- المسيح نفخ فى تلاميذه وقال لهم إقبلوا الروح القدس…. ولم يسقطوا على وجوههم يو 20 : 22. وهكذا صنع بولس الرسول حينما وضع يديه على المؤمنين المعمدين فى أفسس حل عليهم الروح القدس أع 19 : 6 ولم نسمع أنهم سقطوا على وجوههم. وما زالت الكنيسة تمارس هذا فى سر الميرون ولم نسمع أن كاهنا مسح أحد المعمدين بزيت الميرون ونفخ فيه ليقبل الروح القدس، أن هذا المعمد قد سقط مغشياً عليه.

3- لم نسمع فى الكتاب المقدس كله أن أى حادثة إمتلاء من الروح القدس صاحبها غيبوبة. ولم نسمع هذا فى كل تاريخ الكنيسة

4- فى سر الميرون يحل الروح القدس على المعمد، أما الإمتلاء من الروح القدس، هو مسئولية كل مؤمن، ويتوقف هذا على جهاده أف 5 : 18+ 2تى 1 : 6 فبولس هنا لم يستدعى تيموثاوس ليملأه بالروح القدس بأن ينفخ فيه بعد أن سبق ووضع اليد عليه، بل هو يطلب منه الجهاد ليمتلئ.

يا إبن آدم = تكرر هذا اللقب لحزقيال 85 مرة ليعرف أنه إنسان خاطئ فلا يرتفع بالرغم من كل هذه الرؤى. وهو كإبن آدم مثل الشعب سيدينهم. راجع تفسير (حز 1:20-4)

قم على قدميك = سبق الله وقال لموسى “لا يرانى الإنسان ويعيش” خر 33 : 20″ وذلك لأن طبيعتنا ضعفت بسبب الخطية، فأصبحنا لا نحتمل أن نرى الله فى مجده، كما لا تحتمل أعصاب العين أن ترى نور الشمس وإلا تحترق. لذلك فإن الله يعطى قديسيه معونه خاصة حتى يستطيعوا أن يروا جزءاً من مجده، وبحسب ما تحتمل طبيعتهم الضعيفة،ومع هذا فهم حينما يرون ما يرونه يسقطون غير محتملين، وهنا يعطيهم الله قوة ومعونة ليقوموا.

فأتكلم معك… فدخل فىَ روح = لاحظ أن الروح دخله بعد أن كلمه الله فالروح ينتقل إلينا بواسطة كلمة الله يو 14 : 26 + يو 15 : 26 + يو 16 : 7

أنا مرسلك = لاحظ محبة الله الذى يرسل نبياً لشعب يعرف أنه متمرد بل بل هم وأباءهم عصوا علىَ. بل هم قساة الوجوه = فى ترجمة أخرى الوقحون.. ولاحظ أن الإصرار على عدم التوبة يقود للقساوة. هكذا يقول السيد الرب = إذاً الله أعطى له سلطة ليتكلم بإسمه. أما الشعب ستكون له الحرية أن يسمعوا وأن يمتنعوا. ولكنهم على كل حال سيعلمون أن نبياً كان فى وسطهم

أ‌)   فمن سمعوا سيعلمون أنه كان نبياً من الله بإختبارهم للتعزية والإصلاح، هكذا سمى بولس الرسول المؤمنين “ختم رسالتى 1كو 9 : 2” فهم دليل على صدق رسالته بالقوة التى عملت فيهم لتغييرهم

ب‌) والذين إمتنعوا سيعرفون أنه كان نبياً من توبيخ ضمائرهم ثم بقضاء الله العادل ضدهم وسيعرفون هذا من إختباراتهم الحزينه ومن الضربات التى ستأتى عليهم.

 

الأيات 6 – 10 :-

اما انت يا ابن ادم فلا تخف منهم و من كلامهم لا تخف لانهم قريس و سلاء لديك و انت ساكن بين العقارب من كلامهم لا تخف و من وجوههم لا ترتعب لانهم بيت متمرد. و تتكلم معهم بكلامي ان سمعوا و ان امتنعوا لانهم متمردون. و انت يا ابن ادم فاسمع ما انا مكلمك به لا تكن متمردا كالبيت المتمرد افتح فمك و كل ما انا معطيكه. فنظرت و اذا بيد ممدودة الي و اذا بدرج سفر فيها. فنشره امامي و هو مكتوب من داخل و من قفاه و كتب فيه مراث و نحيب و ويل 

لا تخف منهم = من يؤدى خدمة لله عليه ألا يخاف، فالله الذى يخدمه قادر أن يحيطه بعنايته. ومن يخاف من الناس ومن أعمالهم فهو بهذا يشكك فى قوة الله وصدق وعوده، وهو بهذا يهين الله، وهذا يرتد على الخادم الخائف بزيادة خوفه وفقدانه لسلامه، لذلك ينبه الله أرمياء النبى بقوله “لا ترتاع من وجوههم لئلا أريعك أمامهم أر 1 : 17”. إذاً ليثق كل خادم، بل كل مؤمن فى حماية الله له. وليس معنى هذا أن الخادم أو الكارز لن يصيبه أى ضرر من الأشرار، فها هو الله ينبه النبى بأن هذا الشعب هو شعب مؤذٍ، فهم سلاء = شوك. قريس = ورد برى مملوء بالشوك. ولاحظ أن الشوك هو ثمرة للخطية. بل هم عقارب سامة  (قارن مع سم الأصلال تحت شفاههم رو 3 : 13). فهؤلاء الأشرار قد يلحقون بعض الأذى بخدام الله، وأولاد الله عموماً، ولكن علينا أن نفهم أنه لا سلطان لهم علينا إلا بسماح من الله ( يو 11:19). لذلك لا نخاف بل نثق أننا فى ظل الحماية الإلهية، وما يحدث لنا هو بسماح منه، إذ نحن محفوظين فى يده، بل منقوشين على كفه اش 49 : 16 + رؤ 2 : 1. وحتى إذا سمح الله ببعض الأذى من أشواك الأشرار، فأن تعزياته تدرك أولاده، حاملاً معهم صليبهم كما فعل مع الثلاثة فتية فى أتون النار.

والنبى عليه أن يكلم الشعب بما سيعطيه له الله إن سمعوا وإن إمتنعوا = فهو عليه توصيل الرسالة، وعليه أن لا يهتم بالنتيجة، فالمهم أن يكون أميناً فى رسالته، وأن يوصلها كما إستلمها. ونلاحظ أن عدم إنقياد الشعب لكلام الواعظ ليس سبباً وجيهاً لأن يكف الواعظ عن خدمته. بل أنه إذا إمتنع الخادم أن يتكلم صار متمرداً هو الآخر، لذلك ينبه الله النبى قائلاً لا تكن متمرداً = فعلى الخادم أن يتكلم بكلمة الله لكل إنسان حتى لمن يتصور أنه لا يستحق، أو لمن يتصور أن حالته ميئوس منها، وليثق الخادم أنه ليس هو الذى يقود السامع للتوبة، بل هو عمل الله الخفى. ولاحظ فى قصة يونان غضب الله على تمرده وهروبه من الخدمة الصعبة التى طلبها الله منه. أما ربنا يسوع فقال “إن أمكن أن تعبر عنى هذه الكأس ولكن لتكن مشيئتك” إفتح فمك وكل = موضوع عمله هو كلمة الله التى ينبغى أن يأكلها فتشبع بها أعماقه الداخلية وتكون موضوع تفكيره المستمر ويهضمها بعقله ويختبر قوتها ولذتها ويكون مستعداً أن يخرجها للناس فى أى وقت كإختبار معاش. وعليه أن يجتر فيها اليوم كله ولا تقف عند حد الإقتناع العقلى بل تدخل إلى أعماقه. وهنا يخرج للناس خبراته الحلوة إذ يطبق كلام الله فى حياته. وإذا بيد ممدودة = هناك يد الله الممدوده دائماً تقدم لنا عطاياه فلا يجب أن نتركها ممدودة دون أن نأخذ بشكر، وإذا لن نصنع نصبح متمردون. مكتوب من داخل ومن قفاه = أى مكتوب من على الوجهين، وقد يعنى هذا وعود من ناحية ووعيد من الأخرى، أو كلام له معنى فى الظاهر وله أعماق أخرى، أو خطاياهم وإنذارات الله لأجلها.

 

زر الذهاب إلى الأعلى