تفسير سفر يهوديت 10 للقمص تادرس يعقوب ملطي
تحرك يهوديت للعمل
لقاؤها مع قائد أشور الذي أُعجب بجمالها (يهو 10، 11). “زادها الرب أيضًا بهاءً من أجل أن تزيّنها هذا لم يكن عن شهوة بل عن فضيلة… حتى ظهرت في عيون الجميع ببهاء لا يُمثل” (يهو 4:10). تظاهرت أنها هربت من وسط شعبها لتخبر القائد عن أسرار العبرانيين فلا يهلك أحد من جيشه. وأن ساعة غضب الله على شعبه قد اقتربت جدًا. طلبت منه أن يبقيها عنده 3 أيام تخرج وتدخل لتصلي حتى يخبرها الرب عن لحظات انهيار العبرانيين دون الدخول معهم في حربٍ.
1. يَهوديتُ تلَبِس ثِيابَ فَرَحِها |
1 –8. |
|
2. يهوديت تخرج إلى طَلائعُ الآشوريين |
9 –11. |
|
3. يهوديت أمام خيمة أليفانا |
12 –19. |
|
4. يهوديت تسجد أمام أليفانا |
20 –23. |
|
من وحي يهوديت 10 |
1. يَهوديتُ تلَبِس ثِيابَ فَرَحِها
وكانَ، لَمَّا كفَّت مِن صُراخِها إلى إِلهِ إِسْرائيل،
وانتَهَت مِن هذا الكَلامِ كُلِّه [1]
التحفت يهوديت بروح القوة خلال الصلاة وتسليم الأمر بين يدي الله، والآن قد حانت الساعة لتترك بيتها وعلّيتها وتنطلق مع وصيفتها للعمل. فإن كانت قد أغلقت أبواب حجرتها لتنعم بالعشرة الحيّة مع الله، فإن أبواب مفتوحة على شعبها.
أنَّها قامَت من سُجودِها، ودَعَت وصيفَتَها،
ونَزَلَت إلى البَيتِ الَّذي كانَت تقضي فيه أَيَّامَ السَبتِ والأَعْياد [2].
وأَلقَت عنها المِسْحَ الَّذي كانَت تَرتَديه،
وخَلَعَت ثِيابَ ترْملِها واستَحَمَّت وَدَّهَنَت نفسها بِطيبٍ مُشبَعٍ بِالزَّيت،
وسَرَّحَت شَعرَ رَأْسِها،
وجَعَلَت عَليه عِصابةً،
ولَبِسَت ثِيابَ فَرَحِها الَّتي كانَت تَتَزَيَّنُ بِها في أَيَّامِ مَنَسَّى زَوجِها [3].
ألقت يهوديت عنها المسوح التي كانت ترتديها وثياب ترملها وتطيبت ولبست ثياب فرحها. وكأنها قد انطلقت في عملها لتمارس عمل المسيح خلال الرمز والظل. أو كأنها قد انطلقت لتحمل في قلبها عريسها السماوي. لقد قبلت من الروح القدس ثياب برّ المسيح، خرجت لتنعم بحفل عرسها على المستوى السماوي.
إن كانت قد غيّرت ثياب ترملها ونزعت المسوح لكنها احتفظت بحياتها الداخلية المقدسة المملوءة احتشامًا.
* صممت على الصوم كل يوم ما عدا السبت ويوم الرب وازمته الأيام المقدسة (الأعياد)، ليس رغبة في الانتعاش (بالطعام) وإنما من أجل التدين. فقد قيل: “فإن كنتم تاكلون أو تشربون أو تفعلون شيئًا، فافعلوا كل شيء لمجد الله” (1 كو 10: 31). فحتى إنعاش الجسم ليكن من أجل العبادة بتقوى مقدسة. هكذا إذن تقَّوت يهوديت بالحزن لمدة طويلة والصوم اليومي؛ إذ لا تطلب ملذات العالم لا تبالي بالخطر، كانت قوية في استخفافها بالموت.
لكي تحقق الخدعة الحربية ارتدت ثوب المرح الذي اعتادت أن ترتديه في أيام زوجها، كمن أرادت أن تُسر رجلها متى حررت مدينتها. لكنها رأت رجل آخر كانت تطلب أن تُسره، هذا الذي مثل عنه: “يأتي بعدي رجل صار قدامي” (يو 1: 30). فَعلت حسنًا إذ استعادت حلي زواجها وهي تتقدم للمعركة، فإن الذي يذكرها بزفافها هو سلاح الطهارة، فإنه ليس بطريق آخر يمكن لأرملة أن تبتهج وتقتني النصرة(98).
القديس أمبروسيوس
وأَخَذَت حِذاءً لِرِجلَيها،
ولَبِسَتِ القَلائِدَ والأساوِرَ والخَواتِمَ والحَلَقَ وكُلَّ زينَتِها،
وتَجَمَّلَت جِدًّا لإِغْراءِ عَيونِ الرِّجالِ الَّذينَ يَنظرِونَ إِلَيها [4].
* تزينت يهوديت لكي ما تُسر زانيًا، لكنها فعلت هذا من أجل التقوى لا الحب (الشهوة)، فلم يحسبها أحد زانية. إن كانت هذه التي كرست نفسها للتقوى لحفظ طهارتها وبلدها، ليتني أنا أيضًا بحفظ تقواي أحفظ طهارتي. لكن لو أن يهوديت قد فضلت طهارتها عن تدينها فإنه لو انهارت مدينتها لفقدت أيضًا طهارتها(99).
القديس أمبروسيوس
وأَعطَت وَصيفَتَها زِقَّ خَمْرٍ وإِبْريق زَيت،
ومَلأَت خُرْجًا مِن فَطائِرِ دَقيقِ الشَّعيرِ والفَواكِه اليابِسَة والأَرغِفَةِ الطَّاهِرَة،
وصَرَّت كُلَّ زادِها وَسَلَّمَته إلى وَصيفتِها [5].
سلمت زادها لوصيفتها وهو فطائر دقيق الشعير، وهو طعام الفقراء، فهي تأكل لا لتتنعم بل لكي تعول الجسد فتحيا لمجد الله.
والعجيب أنه مع فطائر الشعير أخذت أيضًا خمرًا، فقد كان الخمر القليل هو شراب الكثيرين دون ينبغي يبالغوا فيسقطوا في السكر. ومن الجانب الرمزي فإنها حملت كلمة الله ووعوده الإلهية كطعامٍ للنفس، وأيضًا خمر الفرح، فإنها وإن كانت منطلقة لممارسة عمل خطير فليس من يسندها سوى الله الذي يهبها الوعود الإلهية ويقدم لها الفرح السماوي يهبها رجاءً حيًا.
وأيضًا أخذت إبريق زيت إشارة إلى عمل الروح القدس الذي يقيم منا مسحاء للرب، نُمسح بروحه القدوس لنتمتع بالشركة مع مسيحنا، ونتمتع بسماته عاملة فينا. والفواكه اليابسة تشير إلى ثمر الروح من محبة وفرح وسلام… إلخ. (غلا5: 23).
هذا هو قوت كل نفس مجاهدة وعاملة لحساب ملكوت الله: التمسك بالوعود الإلهية كخبزها اليومي، والتمتع بالفرح الداخلي واهب الرجاء، والتقديس بعمل الروح القدس واهب القداسة، وثمر الروح الفاكهة التي تفرح بها السماء.
وخَرَجَتا إلى بابِ مَدينةِ بَيتَ فَلْوى،
فوجَدَتا علَيه عُزَيَّا وشَيخَيِ المدينةِ كَرْبي وكَرْمىِ [6].
كانت أبواب كل مدن اليهودية لا تُفتح من غروب الشمس إلى شرقها، وذلك في الأيام العادية. أما أثناء حالة الحرب فلا تفتح نهارًا وليلًا إلاَّ بإذنٍ خاص من رئيس البلد أو قائد الجيش. وكان يُقام فوق الباب برج للمراقبة.
لقد وقف عزيا والشيخان عند الباب ليأمروا بفتح الباب ليهوديت وجاريتها، وإن كانوا لم يعرفوا ما هي خطتها، لا إلى أين تذهب.
فلَمَّا رَأَوها ورَأَوا وَجهَها وقد تَبَدَّلَ وثَوبَها وقد تَغَيَّر،
أُعجِبوا جِدًّا جِدًّا بِجَمالِها، وقالوا لها [7].
إذ رأوه ملامحها أعجبوا بها جدًا، ليس من أجل جمالها الجسدي قد جمال أعماقها التي انعكست على ملامحها، وقد غطت نعمة الله على وجهها جمالًا مع وقارًا وهيبة وجاذبية، لأن إله السماء يعكس بهاءه عليها.
كما كان وجه موسى يلمع فلم يستطع الشعب التطلع إليه، فكانوا يلزمونه أن يضع برقعًا عليه، هكذا يعمل الله في حياة مؤمنيه الجادين فيهبهم بهاءً داخليًا، كثيرًا ما ينعكس على ملامحهم حتى أثناء الضيق والعذابات، ليشهد الله لهم كأبناءٍ له، ويحقق بهم رسالة سماوية.
“إِلهُ آبائِنا يَهَبُ لَكِ أَن تَنالي حُظوَةً،
وأَن تُحقِّقي مَساعِيَكِ،
لافتِخارِ بَني إِسْرائيل، ورَفعِ شأنِ أُورَشليم” [8]
2. يهوديت تخرج إلى طَلائعُ الآشوريين
فسَجَدَت يهوديت لله،ِ وقالَت لَهم:
“مُروا أَن يُفتَحَ لي بابُ المَدينة،
فأَخرُجَ لِلقِيامِ بِما قُلتُموه لي”.
فأَمَروا الشُّبَّانَ أَن يَفتَحوا لَها كَما قالَت، [9]
* أتبعت يهوديت دعوة الفضيلة، وحاولت اقتناء منافع كثرة. إنه لأمر فاضل أن تمنع شعب الرب من الاستسلام للوثنيين؛ تمنعهم عن خيانة طقوسهم الوطنية وأسرارهم، أو من تسليم العذارى اللواتي لهم وأراملهم الوقورات والعقيلات المحتشمات لبرابرة دنسين، أو أن ينتهي الحصار بالخضوع. إنه لأمر فاضل بالنسبة لها أن تتحدى الخطر من أجل الكل، لكي تخلص الكل من الخطر(100).
القديس أمبروسيوس
ففَعَلوا. وخَرَجَت يَهوديتُ مع وَصيفَتِها.
ونَظَرَ إِلَيها رِجالُ المَدينةِ تَنزِلُ مِنَ الجَبَل وتَجتازُ الوَادي،
حتَّى تَوارَت عن بَصَرِهم [10].
وكانَتا تَسيرانِ تَوًّا في الوَادي،
فلَقِيَتها طَلائعُ الآشوريين [11]
إذ اختفت يهوديت ووصيفتها عن أعين شعبها، ما جاء بعد ذلك هو من وصف يهوديت نفسها أو وصيفتها أو أحد الآشوريين كشاهد عيان.
يرى كوندر C. Conder أن بيت فلوي هي ميثيليا Mithilia أو ميسيليا (101)Mesilieh وفي رأيه أنها قرية صغيرة يُلحق بها قسم نحو الشمال، قائمة على تل منحدر نحو الجنوب، لكن ليس على قمة التل، ومحاطة بحدائق رائعة من أشجار الزيتون، مع وادٍ مفتوح يُدعى “وادي الملك” من جهة الشمال. تعتمد هذه القرية على مياه الآبار التي لا يزال بعضها يحمل مظهر القدم، كما تعتمد أيضًا بصورة رئيسية على مياه الأمطار.
تقع القرية في منطقة التل، ولكن ليست بعيدًا عن السهل، وهي قريبة من دوثان Dothan (يهو 4: 6)، لذلك كان سكان القرية يرون معسكر أليفانا الآشوري.
يروي دميان ماكي أنه في زيارته قرية ميثيليا في الطريق إلى شكيم وجد آثار لقرية خربة على منحدر التل. تحتها توجد آبار قديمة وفوقها قمة تل يحيط بها. من هناك يمكن بسهولة رؤية الجانب الشمالي من سهل فسيح وجلبوع Gilboa وتابور Taborووادي بلمايمBelmain أو Belameh، وفي أقصى الغرب يظهر الكرمل Carmel خلف الشيخ إسكندر(102) Sheibh Iskander، وجزء من سهل العربة Arrabeh الملاصق لدوثان. توجد حقول قمح متسعة في وادي الملك تمتد شمال غرب ميسيليا نحو دوثان، حيث تبلغ المسافة 3 أميال فقط، بجوارها منطقة مملوءة بحقول الزيتون حيث يوجد ينبوع ماء حيث عسكر هناك جيش أشور كما تروي القصص اليهودية القديمة. خلال هذا التصور يمكن أن نتخيل يهوديت نزلت لتسير بين حقول القمح وحقول الزيتون، وقد وقف الرجال على التل يراقبونها حتى اختفت عن أعينهم في الوادي ولم يعودوا ينظرونها (يهو 10:10)(103).
3. يهوديت أمام خيمة أليفانا
فاَمْسَكوها قائلين: “مِن أَيَّةِ جِهَةٍ أَنتِ؟
ومِن أَينَ جِئتِ؟
وإلى أَينَ تَذهَبين”؟
قالَت: “إِنِّي بِنْتٌ لِلعِبرانِيِّينَ، وقَد هَرَبتُ مِن وَجهِهم،
لأَنَّهم أَوشَكوا أَن يُسلَموا إِلَيكم غَنيمةً [12].
دعت يهوديت نفسها “بنت العبرانيين” ولم تقل “إسرائيلية”، وكأنها وهي في وسط العسكر الآشوري عادت بذاكرتها إلى آبائها العبرانيين الذين كانوا مُستعبدين بواسطة فرعون في مصر.
“بنت للعبرانيين“: عُرف اليهود بالعبرانيين منذ إبراهيم، ربنا لأنه من نسل عابر، أو بسبب ارتحال اليهود كثيرًا وعبورهم من مكانٍ إلى آخر (تك10: 21-24). عندما عثرت الجارية المصرية على السفط الذي كان فيه موسى، قالت: “هذا من أولاد العبرانيين” (خر2: 6). بقي هذا الاسم هو الشائع بالنسبة لهم حتى السبي، فصار الاسم الشائع بالنسبة لهم هو بني إسرائيل، ودعوا بالأكثر يهودًا بالنسبة لمملكة الجنوب حيث احتفظت المملكة بأن يكون الملك من سبط يهوذا.
أَمَّا أَنا فإِنِّي ذاهِبةٌ إلى أَمام أَليفانا رَئيسِ قُوَّادِ جَيشِكم لأُخبِرَه بِكَلِماتَ حَقّ،
وأَدُلَّه أَمامَه على الطَّريق الَّذي يَسلُكُه لِلاستيلاءِ على النَّاحِيةِ الجَبَلِيَّةِ كُلًّها،
فلا يَفقِدَ أَحَدًا مِن رِجالِه
ولا نَفْسًا حَيَّة” [13].
ولَمَّا سَمِعَ الرِّجالُ كَلامَها
وتأَمَّلوا وَجهَها – وقد بَدا لَهم رائِعَ الجَمَال- [14]
قالوا لَها: “لقَد خلَّصتِ نَفسَكِ بالإِسْراعِ في النُّزولِ إلى سَيِّدِنا.
والآن فتَعالَي إلى خَيمَتِه،
وسيُرافِقُكِ أُناسٌ مِنَّا إلى أَن يُسَلِّموكِ بَينَ يَدَيه [15].
أعطى الله يهوديت نعمة في أعين جنود الأعداء، الذين بدلًا من الاستخفاف بها كسيدة من الأعداء المقاومين، والإساءة إليها بوسيلة أو بأخرى، فإن رجال الدورية العسكرية فرحوا بها واستمعوا إليها باهتمامٍ شديد، واعجبوا بها جدًا، وحثوها على الإسراع باللقاء مع أليفانا القائد، وقدموا لها العون لتحقيق ذلك.
كان من العادات القديمة في الحروب أنه متى اشتدت الضيقة جدًا يتسلل البعض إلى عسكر المحاصرين إما لتسليم أنفسهم، وغالبًا ما يُعاملوا معاملة العبيد، وإما بتقديم أسرار عن المدينة المحاصرة لينجوا هم من القتل على حساب وطنهم، وإما أن يتجسسوا على الأعداء ليعودوا إلى بلدهم يقدمون تقريرًا عن معسكر الأعداء.
وإِذا وَقَفتِ بِحَضرَته، فلا يَضطَرِبْ قَلبُكِ،
بل أَعيدي كَلامَكِ، فيُحسِنَ إِلَيكِ” [16].
فاختاروا مِن بَينهم مِائةَ رَجُلٍ، انضَمُّوا إِلَيها وإلى وَصيفَتِها،
وذَهبوا بِهِما إلى خَيمةِ أَليفانا [17].
اختاروا لها مائة جندي يذهبوا بها مع وصيفتها إلى أليفانا، ولعل اختيار هذا الرقم الكبير كان ضروريًا للإسراع بهما إلى خيمة القائد. فلو أنهم اختاروا جنديًا واحدًا أو قلة قليلة من الجند، لتشكك كل من يقابلهما في الطريق إلى خيمة القائد من جند حراسة، بأنهما قد قدمتا رشوة لمن معهما. أما وجود فرقة من مئة عسكري فيكون شهادة أن السيدتان في مهمة هامة، وأن أمرهما قد فُحص تمامًا من الدورية، فلا حاجة لإستجوابهما خلال عبورهما. هكذا استخدم الله حتى الجند المقاومين لمساندتهما لتحقيق خطة يهوديت. وكما يقول المرتل: “هيأت لي مائدة تجاي مضايقي” (مز12).
وحَدَثَ تَجَمهُرٌ في المُعَسكَرِ كُلِّه على أَثَرِ إِذاعةِ خَبَرِ حُضورِها في جَميعِ الخِيَم،
وكانوا يأتونَ ويُحيطونَ بِها،
وهي واقِفةُ خارِجَ خَيمةِ أَليفانا،
إلى أَن يُخبِروه بِأَمرِها [18].
وكانوا يُعجَبونَ بِجَمالِها،
وُيعجَبونَ بِبَني إِسْرائيلَ مِن أَجلِها،
فيَقولُ كُلُّ واحِدٍ لِقَريبِه:
“مَن يَحتَقِرُ هذا الشَّعبَ الَّذي فيه مِثلُ هؤلاء النِّساء؟
لا يَحسُنُ الإِبْقاءُ على أَيِّ رَجُلٍ مِنهُم،
فبإمكانِ الباقينَ أَن يَخدَعوا الأَرض كُلَّها” [19].
نزول هاتين السيدتين العبرانيتين إلى المعسكر الآشوري بلا شك دوى بين هؤلاء الآلاف من الجند، فقد صار موضوع حديث الكل. ماذا وراء سيدتين تلقيان بنفسيهما وسط جيش عدوٍ هذا مقداره، وهذه إمكانياته.
4. يهوديت تسجد أمام أليفانا
وخَرَجَ النَّائمونَ عِندَ اليفانا وجَميعُ ضُبَّاطِه،
وأَدخَلوا يَهوديتَ إلى الخَيمة [20].
إذ يعلم المحيطون بأليفانا أنه رجل شهواني، ما يشغله في المعركة أن ينتصر ليجد من بيت المسبيين نساءً أو فتيات جميلات يسبيهن لإشباع شهوته، وأيضًا ينتظر التمتع بالغنائم الأخرى، لهذا حسب الكل أن مجيء يهوديت الجميلة أول إشارة للقائد أنه نجح في مهمته لتحقيق رغباته الشخصية.
وكانَ أَليفانا يَستَريحُ على سَريرِه،
تَحتَ ناموسِيَّةٍ مِن أُرجُوانٍ وذَهَبٍ وزُمُرّدٍ تُرَصِّعُها حِجارَة كَريمة [21].
كانت خيمته ليس فقط مسكنًا للنوم وسط المعسكر، وإنما كانت أشبه بقاعة ضخمة تحتوي على سرير فاخر جدًا، ليس للنوم فحسب، وإنما للجلوس عليه لعرشٍ ليدير شئون الجيش، وقد دُعي “سرير القائد”.
فأَخبَروه بِأَمرِها،
فخَرَجَ إلى مَدخَلِ الخَيمة تتَقَدَّمُه مَشاعِلُ فِضَّة [22].
فلَمَّا وَصَلَت يَهوديتُ أَمامَه وأَمامَ ضُبَّاطِه،
أُعجِبوا جَميعًا بجَمَالِ وَجهِها.
فارتَمَت أمامَه، وسَجَدَت لَه،
فَأَنهَضَها خُدَّامه [23].
ارتماؤها أمامه وسجودها لإبراز الوقار والتكريم والخضوع له.
من وحي يهوديت 10
العروس الجميلة في معسكر الجبابرة!
* عاشت الأرملة الشابة تترقب عُرسها السماوي.
سجدت في تواضع مقدس أمام خالق السماء والأرض.
وبالصلاة والصراخ لبست الحلة العسكرية القديرة.
* نزلت من العلية موضع نسكها،
ودخلت قصرها الذي تحتفل فيه بالأعياد.
ألقت عنها مسوح الحزن والترمل،
فقد حان وقت عرسها.
تزينت من الخارج، وكان روح الله يجَّملها من الداخل.
لبست ثياب فرحها، وقدمت لها نعمة الله لباس العرس السماوي.
أخذت حذاء لرجليها،
واستعدت للسير في الطريق نحو الأحضان الإلهية.
تجمل جسدها جدًا، فانجذبت إليها عيون الرجال.
وتجَّملت نفسها جدًا، فانجذبت إليها عيون السمائيين.
* أعطت وصيفتها طعامًا بسيطًا لإعالة جسدها،
وانطلق قلبها للتمتع بالوليمة السماوية.
حملت وصيفتها الزاد الزمني،
وتقبلت من يدّي الله زادًا سماويًا لروحها!
* خرجت مع وصيفتها إلى باب مدينة بيت فلوي (بيتثليا).
وانطلقت نفسها مع جسدها إلى كنيسة الأبكار البتوليين!
التقت برئيس البلد وشيخيّ المدينة،
وارتفع قلبها إلى ملك الملوك ورجال العهدين القديم والجديد.
* أُعجب عظماء بلدها بجمال وجهها وثيابها،
وطلبوا لها عونًا من السماء يحقق خلاص بلدهم ومدينتهم!
وسُرّ الله بجمالها الداخلي الذي هو من عمل يديه.
ودُهش السمائيون الذين رأوا التراب يتحرك لحساب مجد الله!
* يا للعجب لم يجسر القائد العظيم بكل جيشه،
أن يخترق مدينة بين فلوي ليحطم أورشليم ويهدم الهيكل المقدس!
وهوذا شابة أرملة تخترق معسكره،
لتبلغ إلى عرين الأسد فتقتله في عرينه!
الجبار المعتز بإمكانياته خشي الدخول من مضيق المدينة.
والشابة المقدَّسة اخترقت جيشه بجرأة وبسالة!
عبرت ومعها وصيفتها إلى ذاك العاجز عن التحرك بكل جيشه! [8]