تفسير سفر يهوديت ٤ للأنبا مكاريوس اسقف المنيا

القسم الثاني

الحملة على اليهود

 

الإصحاح الرابع:أنباء الحملة تصل إلى اليهود.

الإصحاح الخامس:  أحيور العمونى يشهد لإله إسرائيل.

الإصحاح السادس: طرد أحيور وتوعد أليفانا بالانتقام منه.

الإصحاح السابع: حصار بيت فلوى.

الإصحاح الرابع

بنو إسرائيل تصلهم أنباء الحملة ويعلمون بأن المواجهة حتمية فيتجهون إلى الله بالإبتهال ويستعدون للحرب

1وسَمِعَ بَنو إِسْرائيلَ المُقيمونَ في إلىَهودِيَّةِ بِكُلِّ ما صَنَعَه أَليفانا، رَئيسُ قُوَّادِ نَبوكَدْنَصَّر مَلِكِ أَشُّور، بالأُمَمِ وبِالطَّريقةِ الَّتي نَهَبَ بِها جَميعَ مَعابِدِهاوأَسلَمَها إِلي الإفْناء،2 فخافوا خَوْفًاشَديدًا جدًّا مِن وَجِهه وآضطَرَبوا لِأَمرِ أُورَشَليم وهَيكَلِ الرَّبِّ إِلهِهِم.3 ذلك بِأَنَّهم صَعِدوا مِن جَلائِهم مُنذ عَهْدٍ قَريب، وآجتَمَعَ مُنذُ قَليل شَعبُ إلىَهودِيَّةِ كلُّه وطُهِّرَتِ الأَدواتُ والمَذبَحُ وَالبَيتُ بَعدَتَدْنيسِها.

وصلت أنباء الحملة إلى سكان أورشليم وبقية اليهودية فخافوا هم أيضًا حيث تلعب الطبيعة البشرية دورًا كبيرًا في مثل تلك الظروف، ولأول وهلة عند ظهور الخطر فإن الإنسان يفكر في إمكانياته هو وقد ينتابه الذعر، ناسيًا عجائب الله السابقة معه، والمواقف التي انتصر الله له فيها، ويعود الصوت الحنون ليداعبه ” يا قليل الإيمان لماذا شككت ” مت (14: 31) ” لا تخف” (تك 15: 1، 26: 24، أش 41: 10، 13: 50، لو 12: 32).

فقد خشى اليهود أن يصنع بهمأليفانا كما صنع ببقية الشعوب، ليس ذلك فقط وإنما لئلا يدمر الهيكل كما دمر معابد وهياكل بقية الشعوب، والسبي المشار إليه هنا هو بلا شك سبى منسىّ.

و هو منسىّ به حَزقيا وخليفته في مملكة يهوذا، ملك سنة 693 ق.م. وهو ما يزال حديث السن

(12 سنة) وقد أضل الشعب وعبد الوثنيين (2 مل 21: 2 – 9) حاول التحالف مع بابل ضد أشور، أسره الأشوريين، ولكنهم عادوا فأطلقوه فعاد إلى ملكه ومات هناك سنة 639 ق.م.

و قد جرت أحداث السفر خلال تلك المرة التي فيها منسى بعيدًا عن اليهودية، ومن الدلائل التاريخية على ذلك أن منسى دفع الجزية لكل من أسر حدون وأشور بانيبال (راجع الرد على الاعتراضات في المقدمة) وفي مثل تلك الحالات كان رئيس الكهنة مسئلًا عن الشئون الإدارية أيضًا، والمرجع لأمراء البلاد عند الضرورة.

4 فأرسَلوا رُسُلًا إِلي جَميعِ أَراضي السَّامِرة وكونا وبَيتَ حُورون وبَلْمائين وأَريحا وكُوبا وعَزورا ووادي شَليم.5وآحتَلُّوا جَميعَ رُؤُوسِ الجِبالِ العالية وسَوَّروا القُرى الَّتى فيها وتَزَوَّدوااستِعْدادًا لِلقِتال، لِأَنَّ حُقولَهم حُصِدَت مُنذُ عَهْدٍ قَريب.6 وكانَ يُواكيمُ عَظيمَ الكَهَنَةِ في أُورَشليم! في تِلكَ الأَيَّام، فكَتَبَ إِلي سُكَّانِ بَيتَ فَلْوى وبَيتَ مُسْتَئيمَ اللّتَين حيالَ يزْرَعيل وقُبالةَ. السَّهلِالقَريبِ مِن دوتائين،7 طَالِبًا إِلَيهم أَنيَضبِطوا مَسالِكَ الجَبل، لِأَنَّ بِها يَتِمُّ الوُصولُ إِلي إلىَهودِيَّة ولِأَنَّه مِنَ السهْلِ صدُّ المُتَقَدِّمين، إِذ إِنَّ ضيقَ المَمَرِّ يَفرِضُ التَّقَدُّمَ آثنَينِ آثنَين فقط.8 ففَعَلَ بنو إِسْرائيلَ كَما رَسَمَ لَهم يُواكيمُ، عَظيمُ الكَهَنَة، ومَجلِسُ شُيوخِ شَعْبِ إِسرائيلَ كلِّه الَّذي كانَ يَعقُدُ جَلَسَاتِه في أُورَشليم.

أصدر ألياقيم رئيس الكهنة في أورشليم تعليماته إلى جميع أمراء وسكان المناطق الجبلية في اليهودية ليضبطوا مداخل الجبال، ومن المعروف أن اليهودية عبارة عن سلاسل من الجبال وبعض مداخلها لا يسع إلا لمرور جندي واثنين، مما يجعل إصطيادهم سهلًا من قبل الجنود المحليين، وقد احتاج نبوخذ نصر عند حصاره لأورشليم إلى مساعدة الآدوميين في معرفة مداخل البلاد وقد قام الآدوميين بهذا الدور جيدًا وشتموا في كسرة اليهود (راجع 136) واما البلاد المشار إليها فهي:

كونا: وتأتى في الترممات الأخرى Villagesوهي مجموعة المداخل والقرى التي بين السامرة وأورشليم.

وبَيتَ حُورون: اسم عبري معناه (بيت المغلرة) وتقع شمال أورشليم بمسافة 21 كم، وكانت هناك بيت حورون العليا بنيت فوق تله والأخرى السفلية وبنيت أسفل وتسمى حاليًا بيت حور الفوقة وبيت حور التحتة.

بَلْمائين: Belmen ويسمى أيضًا (بلمان) وربما كان هو بلما المذكور في 7: 3 وبلمون المذكور في 8: 3، وهي موقع يقع على بعد 35 كم من سور. ويقول العالم ربواسون في مجلة الأراضي المقدسة، أن بلمائين هي (آيل بيت معكة) وأنها لم تكن في نواحي (بانياس) وإنما بالقرب من بحيرة طبرية (عدد 15 / 8 / 1894).و أما العالم كاران في كتابه (الجغرافيا مجلد السامرة) فيقول أن بلما هي اليوم خربة بلعمة على مقربة من دوثان.

وأَريحا: وتعنى (مدينة القمر) و(مكان الروائح العطرية) وتقع على مسافة 8 كم غرب نهر الأردن ومسافة 30 كم شمال شرق أورشليم.

وكُوبا choba:  احدى القرى الواقعة إلى الشمال من فلسطين، وكانت عندئذ ضمن الحصون، وقد ذكرت مرة أخرى في 15: 4، 5 ضمن البلاد التي أرسل إليها رئيس الكهنة لتعقب الغزاة الأشوريين بعد هربهم بمقتل أليفانا.

وعَزورا: Esora وربما كانت حاصور Hazorوهو اسم عبري معناه (حظيرة) وكانت ضمن المدن التي حصنها سليمان والتي سبى تفلث فلاس سكانها إلى أشور، وتقع شمال فلسطين (راجع قض 4: 1 – 21)

ووادي شَليم: salem وربما كان saleim وهو وادي يقع على مسافة حوالي 10 كم شمال شرق أورشليم بالقرب من وادي فرعة 1. واستعد بني إسرائيل لذلك الخطر وجمعوا القمح وقاموا بتخزينه تحسبًا للحصار الذي قد يطول.. أمّا الموقع الذي كان في الصدارة تجاه قوات الأشوريين فهو بيت فلوى وبيت مستيئم.

بَيتَ فَلْوى Bethulia:  مدينة صغيرة تقع على حافة منجرف صخري عالى، يقع أسفله وادي سحيق يجرى فيه مجرى مائى، وقد ورد الاسم في العبرية في صيغة Bethliya ومعناه المكان المرتفع، وتقع بيت فلوى في وادي يزرعيل بالقرب من تل دوثان (دوثائين) وقد رأى أحد العلماء أن الموقع كان تلًا بركانيًا يعرف بأسم هتين ويقع على مسافة 7 كم غرب بحر الجليل، ويرى بعض العلماء أن الموقع حاليًا هو (سنور) و(البريد) و(سيج سبيل) و(مصيلح) الذي يبعد 12 كم جينين الحالية، كما ظن البعض الآخر، أن الموقع هو قمة جبيل المسماه الأسىّ، وأما الشراح الذين مالوا إلى التفسير الرمزي، فقد رأوا أن بيت فلوى هو، إما الاسم المستعار ل (شكيم) و(بيت الله) حيث ورد في اللغة العبرية في صيغة. وسميت أيضًا (مدينة جبل أفرايم) 1

و لكن العالم ربواسون يقول أن (بيت فلوى) كانت في المحلّ المسمىّ اليوم (المدينة الطويلة) على مقربة من (حطّين) و(قرن حطّين) في غربى بحيرة طبرية (راجع مجلة الأراضي المقدسة عدد 15 / 6 / 1894) وأما العالم كاران فيرى أن بيت فلوى هي المسماه الآن سانور (الجغرافيا / السامرة – جزء 1 ص 346).

وبَيتَ مُسْتَئيمَ: Betomestham وربما جاء من الاسم Beth، Masthama ومعناه (بيت الحفوقة وبيت الشيطان) ولا يذكر هذا الموضع إلا في هذا السفر، ويقع مقابل سهل يزرعيل بجوار تل دوتان، ومن هنا فإن له أهمية خاصة في الاستعداد لمواجهة جيش الأشوريين.

يُواكيمُ، عَظيمُ الكَهَنَة، ومَجلِسُ شُيوخِ:يواكيم ألياقين يهوياكن كلها أسماء تعني (يهوه يقيم) و(من يثبته الله) وقد خوّل رئيس الكهنة صلاحيات كبيرة في كثير من الفترات، ومع أن مجلس السنهدريم قد تأسس بعد ذلك التاريخ بكثير، إلا أنه كان هناك مجالس من المشيرين يشتركون مع رئيس الكهنة في إدارة بعض الشئون الدينية وأحيانًا المدنية، في أيام المسيح كانت هناك مجالسًا صغيرة في المدن والقرى في حين كان المجلس الأعظم في أورشليم 2،وبينما كانت المجالس الصغيرة تضم من ثمانية إلى ثلاثة وعشرين شيخًا، فقد كان السنهدريم الأعظم يتكون من سبعين شيخًا عالمًا بقيادة الكهنة، كانوا يعملون في السياسة في غياب الملك مثلما حدث بعد عصر المكابيين وفي فترة الإحتلال اليوناني.

و كما سبق، فإن الملك هنا وهو منسى، وقد كان في ذلك الوقت مأسورًا من الأشوريين بسبب تحالف مع البابليين ضدهم، وقد عاد فيما بعد، بعد توبته، حيث حاول القيام بإصلاحات دينية، بعد أن أضل الشعب وجرهم إلى الوثنية في بداية ملكه.

9 وصرَخَ جَميعُ رِجالِ إِسْرائيلَ إِلي الرَّبِّ صُراخًا حارًّا جِدًّا. وذلَلوا أَنفُسَهم تَذليلًا شَديدًا، 10 هُم ونساؤُهم وأَولادُهموقُطْعانُهم وجَميعُ النُّزلاءِ مِن أُجَراءَ وعَبيد. 11 وجَميع رجالِ إِسْرائيلَ والنِّساءُ والأَولادُ المُقيمونَ في أُوَرَشليم سَجَدوا أَمامَ الهَيكَل وعَفَّروا رؤوسَهم بِالرَّماد وبَسَطوا مُسوحَهم أَمامَ الرَّبّ، 12 وغَطَّوا مَذبَحَ الرَّبِّ بِمِسْح وصَرَخوا صُراخًا حارًّا إِلي إِلهِ إِسْرائيلَ بِصوتٍ واحِد، أَلاَّ يُسلِمَأَطْفالَهم إِلي النَّهْبِ ونِساءَهم إِلي السَّبْيِ ومُدُنَ ميراثِهم إِلي الدَّمار والمكانَ المُقَدَّسَ إِلي التَّدْنيس وإِلي شَماتِ الأمَمِ المُهين. 13 فسَمِعَ الرَّبُّ أَصْواتَهم ونَظَرَ إِلي شِدَّتِهِم.

لم ينهج بنو إسرائيل نهج سائر الأمم الذين لجأوا إلى أليفانا، يستجدون منه السلام والأمان، ليعفيهم من بطش الجنود وإكتساح السيف، ولكنهم لجأوا إلى الله، إله الآلهة ورب الأرباب، ففي إطار يهودي ضيق وبتقييم وطنى للموقف أصبح الأمر في نظرهم يتعلق بالآلهة!! لقد اعتبروها حرب آلهة.. ولكن الله يبيد جميع آلهة الأمم، وأما أليفانا ونبوخذ نصر سيده فهم بشر تخرج روحهم فيعودون إلى ترابهم (مز 146)، وقد إستدر اليهود عطف الله بالصلاة والصوم والصراخ ولبس المسوح وحسو التراب، فسمع أنينهم ونزل لتخليصهم.

مُسوحَهم Sackcloth المسح: ويسمى في العبرية (ساكّْْ) وهو لباس خشن ذو لون قاتم (أسود وبنى) كما ورد في (أش 50: 3، رؤ 6: 12) ذلك لأنه كان يُصنع من وبر الإبل، وأستخدم المسح في التعبير عن الحزن ومرارة النفس، ويرتبط بالجلوس في الرماد مثلما فعل يعقوب عندما فقد إنه يوسف (تك 37: 34) وعندما فعلت رصفة عندما صلب الجبعونيون إنيها (2 صم 21: 10) كما استخدم المسح في استدرار العطف مثلما سلك الجبعونيون مع يشوع (يش 9: 14). وبنهدد ملك أرام ليحظى بعفو ملك إسرائيل (1 مل 20: 31 – 34). واستخدم المسح لطلب مراحم الله مثلما سلك شعب نينوى (يون 3) وأيوب الصديق (أي 16: 15) ومدينتى صورا وصيدا (مت 11: 21، لو 10: 13) كما استخدم كسلوك نسكى شخصي مثل يوحنا المعمدان والأنبياء (رؤ 11: 3) وقد سلك اليهود ذات المسلك فيما بعد عندما أهانهم السلوقيون ودنس أنطيوخس أبيفانيوس المذبح (1 مكا 3: 17)

وغَطَّوا مَذبَحَ الرَّبِّ بِمِسْح: هذه هي المرة الأولى التي يذكر فيها، تغطية المذبح بمسح، ربما كان المقصود بذلك أن المشكلة تتعلق أيضًا بالمذبح، فإذا كان المذبح هو نقطة تلاقى الشعب مع الله، فإن الانسحاق والتذلل هنا يبلغ أقصاه متجاوزًا بذلك مجرد الزهد الشخصي في المخادع، كما أن اليهود هنا يطرحون أطفالهم عند المذبح يستدرون بهم حنو الله ورأفاته ويعرضون حالتهم الخطرة، وهي المرة الأولى في العهد القديم أيضًا التي يسلك فيها اليهود هذا المسلك.

عمومًا.. وعلى الرغم من أن الله يظهر في السفر كإله خاص قومى، فإن اليهود هنا لم يعتبروا حماية الله لهم حقًا مشروعًا وواجبًا، وإنما يلتمسون ذلك بالدموع والتذلل على هذا النحو، فهم يدركون أن حماية الله لهم، ليس بسبب برهم وإنما بسبب حنوه ورأفته.

وكانَ الشَّعبُ يَصومُ أَيَّامًا كثيرةً في كُلِّ إلىَهوديَّةِ وأُورَشليم أمامَ المَكانِ المُقَدَّس،مَكانِ الرَّبِّ القَدير. 14 وكانَ يُواكيم، عظيمُ الكَهَنة، وجَميعُ القائِمينَ أمامَ الرَّبّ، وأَوساطُهم مشْدودة بِالمُسوح، يُقرِّبونَ المُحرَقَةَ الدَّائِمة ونُذورَ الشَّعبِوتَبَرُّعاتِه.15 وكان الرَّمادُ على عَمائِمِهم، وكانوا يَصرُخونَ إِلي الرَّبِّ بِكُلِّ قوَّتِهم أَنيَفتَقِدَ بَيتَ إِسْرائيلَ بِأَجمَعِه.

يعتبر هذا الصوم وهذا المسح والصراخ، عن الذكريات المريرة، والتي مازالت راسخة في أذهانهم، فقد أذلهم المصريون وبعض الأمم الوثنية، وكيف أسلمهم الله لأيدي تلك الأمم بين آن وآخر، لا سيما الفلسطينيين والآراميين، وكيف أخذ تابوت عهد الرب إلى محلة الفلسطينيين (1 صم 4: 11) وكيف طلب ناحاش العمونى أن يقلع العين اليمنى لكل يهودي!! (راجع 1 صم 11: 2) وكيف أهان ربشاقى قائد جيش الآشوريين (2 مل 18).

كان اليهود واثقين، ما لم يسلمهم الله إلى أليفانا، فلن يتمكن أليفانا من مسّهم بأي أذى، ولذلك فهم يطلبون الغفران من الله لعلهم أخطأوا إليه فيستحقوا بذلك الهوان، فإنه من الثابت أن الله كان يسلمهم لأيدي معانديهم لا لبر الأعداء ولكن بسبب شر وخيانة اليهود (راجع تثنية 32) وهو نفس المعنى الذي ورد في حديث أحيور العمونى مع أليفانا (راجع الإصحاح الخامس).

و نحن نؤمن بأن الله لا يترك مصير وحياة شعبه في أيدي أي أشخاص آخرون وقوى أخرى، بل يسخر كل القوى في سبيل تحقيق مشيئته الصالحة لأولاده، فهو ضابط الكل ومدبرهم، يسوس الكل في سيمفونية رائعة.

و في جولة تفقدية، راح رئيس الكهنة يشدد الشعب ويقويهم ويتفقد الحصون والأبواب والمؤن.. وكان المشهد مؤثرًا ورهيبًا مثيرًا للشفقة من قبل الله الذي يتعاطف مع المنسحقين وفي النسخة اللاتينية يرد أن رئيس الكهنة قد حثهم على الاستمرار في الطلبة مذكرًا إياهم بموقعة رفيديم التي هزم فيها موسى النبي العمالقة برغم قوة بطشهم وكثرة عدتهم، حيث تشتت العمالقة وانهزموا أمام بني إسرائيل (راجع خر 17: 8 – 16، تث 25: 17 – 19) فإن الحرب للرب ومسيحه وهو سوف يغلب بالكثير وبالقليل.

و اللجاجة هنا لا تعني رغبة الله في إذلال أولاده ولكنها تعني يقينية إستجابة الله.. وتأتى اللجاجة في اللغة اليونانية بمعنى (الاستمرار الذي لا يخجل) ومن هنا فإن الإنصاف والأستجابة من قبل الله تعني النتيجة الطبيعية الحتمية، لأناس وضعوا رجائهم فيه.

المُسوح

و في تصعيد لمظاهر التذلل والانسحاق، نجد رئيس الكهنة هنا يتمنطقون بالمسوح وينثرون الرماد على عمائمهم وهم يقدمون الذبائح ويتقبلون نذور الشعب وعطاياهم، فإذا كانت ملابس الكهنة ورئيس الكهنة أثناء الخدمة بيضاء وعظيمة ومبهجة، فإن لبس المسوح والشعر فوقها يجسد خطورة الأمر وأهميته.

و يسمى المسوح Sackcloth وفي العبرانية ساك Saq وفي اللغة الأكادية Saqqu وفي اليونانية فهو ساكوس Sakkos  وأما الأنجليزي الحديث فيرد بمعنى نفس جنائزى! Funeral.

و يُصنع المسح إما من وبر الإبل ومن شعر الماعز، وكان يلبس إما تحت الملابس العادية كنوع من الإذلال للجسد، وإما من فوق الملابس بصورة  رمزية تعبر عن الخطب إما لشخص، مثل رثاء العروس لزوجها (يؤ 1: 8) والحزن على الموت عمومًا مثلما فعلت سرية شاول عندما لم يدفن حسنًا بعد موته (2 صم 21: 10). وعند المصائب الوطنية كما في السفر هنا، وكما فعل بعد ذلك – في عصر المكابيين – حين لبس متنيا وأولاده (1 مكا 2: 14، 3: 47)

و استخدم المسح في بعض الأحيان مثل (شوال) فوق الملابس، وأحيانًا يلبس فوق اسم السفر؟! الحقوين لإخفاء العورة (راجع 15: 3، 22: 12) ويعبر عمومًا عن الآلام النفسية والشدة المعنوية (2 صم 3: 31، 2 مل 6: 30).

كان لبس المسوح معروفًا لدى جميع الشرق الأدنى القديم، بما في ذلك المصريين القدماء حيث يظهر ذلك في الرسوم الموجودة على جدران معابدهم، وكانت تلك الممارسات تتم عند موت أحدهم، كذلك عند الكوارث الطبيعية والمشاكل الوطنية، وكان التعبير عن الحزن، يشمل أيضًا البهائم (كما يرد في سفر يونان 3: 8) والملوك مثل آخاب (1 مل 21: 27).

أما فيما يختص بالكهنة، فقد كان كهنة الأوثان، يلبسون المسوح في فصل الجفاف من كل عام لاعتقادهم في موت معبودهم في هذا الفصل، وقد جاءت الوثية في (لا 21: 1 – 12) لتحدد مظاهر الحزن بالنسبة للكهنة، في حين تمنعها على رئيس الكهنة مهما كان السبب، أما وأن يتقدم الكهنة هنا إلى المذبح وهم لابسون مسوحًا، فإن هذا قد يشير إلى التطور في الطقس اليهودي، متأثرًا في ذلك بالتطور السياسي والجغرافي لهم من أن لآخر، ومع ذلك فقد وردت إشارة في الكتاب المقدس إلى ارتداء الكهنة للمسوح (راجع يؤ 1: 13).

هذا وقد درجت الكنيسة على مدار تاريخها وحتى اليوم في الاستعانة بالصوم والانسحاق عندما يحيق بها الخطر ويحيط بها الأعداء (مثل الصوم ثلاثة أيام قبل معجزة نقل جبل المقطم وغيرها) وقد استلمت هذا التدبير من الأسفار المقدسة:

+ فهوذا حنة أم صموئيل تصلى صائمة علَّ الرب ينزع العار عنها (1 صم 2: 34).

+ وها هو داود النبي يصوم عن مرض ابنه  “من بتشبع” (2 صم 12: 16 – 23).

+ وقديمًا عندما صار اليهود مهددين من بنى بنيامين (قض 20) كيف صاموا مجتمعين في بيت إيل.

+ ثم إجتمعوا أيضًا على النحو ذاته في المصفاة عند حربهم مع الفلسطينيين (1 صم 7: 6).

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى