يو1: 27 هو الذي يأتي بعدي الذي صار قدامي، الذي لست بمستحق أن أحل سيور حذائه

 

“هُوَ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي، الَّذِي صَارَ قُدَّامِي، الَّذِي لَسْتُ بِمُسْتَحِقّ أَنْ أَحُلَّ سُيُورَ حِذَائِهِ».” (يو1: 27)

+++

تفسير الأب متى المسكين 

26:1، 27 أَجَابَهُمْ يُوحَنَّا: «أَنَا أُعَمِّدُ بِمَاءٍ وَلَكِنْ فِي وَسَطِكُمْ قَائِمٌ الَّذِي لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ. هُوَ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي الَّذِي صَارَ قُدَّامِي الَّذِي لَسْتُ بِمُسْتَحِقٍّ أَنْ أَحُلَّ سُيُورَ حِذَائِهِ».

‏وكأني بالمعمدان يقول: أنا أعمد بماء ومعموديتي ليست كمعمودية المسيا، فمهما كان مظهرها الجماعي، فهي أيضاً تمهيد أو إظهار لعمل أعظم هو وشيك أن يقوم به صاحبه القائم في وسطكم. فإن كنتم لستم تعرفونه (وهي خطية اليهود المتكررة على مدى الإنجيل كله)، لكني أنا أعرفه وأنا بالنسبة له لست أكثر من عبد يحمل له حذاءه، يخلعه من قدميه: يفك سيوره، وحتى هذا يكون فوق استحقاقي ومقامي. فعملي كوني أعمد ليس أكثر من عمل خادم يمهد لعمل سيده ليظهره. إذن، فمعموديتي وخدمتي ينبغي أن لا تقلقكم. ألم يقل إشعياء تمهيداً لعصر المسيا: «اغتسلوا، تنقوا، اعزلوا شر أفعالكم من أمام عيني، كفوا عن فعل الشر» (إش16:1‏)
‏ولينتبه القارىء أن المتكلم بهذه الكلمات الإنسحاقية أمام لجنة تقصي الحقائق هو في حقيقته, التي يعرفها المسيح, نبي وأعظم من نبي، ولم يقم من بين مولودي النساء من هو أعظم منه.
‏فهل ننسى قامة إيليا الذي أرعب قلب ملك، والذي فلق الأردن بردائه، وأغلق السماء بكلمة وفتحها بصلاة؟ ومن جهة قوته حتى من جهة الجسد، دخل سباقاً مح أقوى فرسان إسرائيل في مركبة ملكية فسبق!!
‏هذا هو روح المعمدان الأن، مضافاً إليه النور الذي انطبع على وجهه لما تطلع في وجه عريس البشرية، والسماء مفتوحة, والروح القدس حال عليه والأب ينادي: «ابني الحبيب الذي به سررت»!!
‏نحن نمسك القلم عن الإسهاب في دور يوحنا المعمدان في الكرازة وكيف آلهب قلب الشعب من جهة النسك والتقوى ومخافة الله والتوبة عن المعاصي، لأن هذا الدور لم يشأ القديس يوحنا أن يخوض فيه لئلا تختلط الكرازة في الظل مع الكرازة في النور، فالمعمدان عند القديس يوحنا لم يجيء ليكرز بل ليشهد.
‏لذلك وقف أعضاء اللجنة في حيرة من أمرهم، فقد ذاب قلبهم من هيبة الواقف أمامهم وانسحاق المتكلم في آن واحد، ولعلهم انسحبوا من الكبير إلى الصغير كما فعل المشتكون على تلك الرأة البائسة (يو9:8‏)!
‏ولا يذكر القديس يوحنا ماذا تم من جهة لجنة الفحص، ولكن الواضح أنها انسحبت دون أي لفت نظر، فلم تجد في المعمدان ما يقلقها، هذا بالإضافة إلى أن المعمدان، وهوكان معروفاً عند الشعب أنه «نبي»، دخل هذا في الإعتبار لدى اللجنة لأن الرؤساء غير الواثقين من كفاءتهم يخافون الشعب دائماً. كما أن الآنبياء وهم دائمأ مرسلون من الله رأسأ لم يكونوا في حاجة أبدأ أن ‏يتملقوا الرؤساء أو الشعب، بل على العكس, كانت رسالتهم توبيخ الرؤساء وايقاظ الشعب.

 

فاصل
تفسير القمص تادرس يعقوب

 

“هو الذي يأتي بعدي الذي صار قدامي،

الذي لست بمستحق أن أحل سيور حذائه” (27).

كأن يوحنا يقول إن المسيح أكرم مني قدرًا وأبهى مكانًا.

v لم يعمد يوحنا بالروح لكنه كرز بالمسيح وبالروح… إذ لم يعتمدوا لا باسم المسيح ولا بالإيمان بالروح القدس لم يستطيعوا نوال سرّ العماد.

القديس أمبروسيوس

v كأنه يقول: “لا تبدأوا تظنوا أن كل شيء هو في معموديتي، فلو أنها كاملة، لما قام آخر بعدي ليقدم معمودية مختلفة. معموديتي هي مجرد ظل وصورة. لكن يأتي من يضيف إليها الحقيقة. حتى أن مجيئه نفسه بعدي يُظهر بالأحرى كرامته. لو أن الأولى كاملة لما كان يوجد موضع للأخرى. الذي يأتي بعدي أكثر كرامة وبهاءً… ولكي يظهر عدم إمكانية المقارنة قال: “الذي لست مستحقًا أن أحل سيور حذائه”.

القديس يوحنا الذهبي الفم

v إنه لأمر عظيم أن نحمل حذاء يسوع، ولكنه لأمر عظيم أيضًا أن ننحني إلى أموره الجسدية التي حدثت أسفل (على الأرض)، وذلك لكي نتأمل صورته أسفل وأن نحل كل صعوبة تخص سرّ التجسد، كما لو كانت كل سيور حذائه. إنه لأمر واحد هو رباط الغموض وكأنه مفتاح المعرفة (لو ١١: ٥٢) الواحد. فإنه حتى الأعظم بين مواليد النساء (لو ٧: ٢٨) لم يجد في نفسه الكفاءة أن يحل أو يفتح هذه المصاعب، حيث أن الذي ربط وأغلق وحده يمنح لمن يريد أن يحل ويفتح سير حذائه والأمور المغلقة.

v إن كانت العبارة الخاصة بالحذاءين لها معناها الخفي يلزمنا ألا نعبر عن ذلك. أظن أن التجسد، حيث أخذ الابن لحمًا وعظامًا هو أحد الحذاءين، ونزوله إلى بيت الجحيم أينما وُجد، والرحلة بالروح إلى السجن هو الحذاء الآخر. جاء في مز ١٥ عن النزول إلى بيت الجحيم: “لا تترك نفسي في الجحيم” (مز ١٥: ١٠)…

العلامة أوريجينوس

v ليس أحد هو العريس سوى المسيح الذي يقول عنه القديس يوحنا: “من له العروس فهو العريس” (يو 29:3). لذلك هؤلاء (موسى ويشوع بن نون وغيرهما) خلعوا أحذيتهم، أما حذاؤه فلا يقدر أحد أن يحل سيوره، وكما قال القديس يوحنا: “أنا لست مستحقًا أن أحل سيور حذائه” (27).

القديس أمبروسيوس

يستعير البابا غريغريوس (الكبير) عن العلامة أوريجينوس فهمه للحذاء أنه يشير إلى الجسد القابل للموت، لأنه مصنوع من جلد الحيوانات بعد ذبحها. وكأن الكلمة بتجسده ارتدى الجسد القابل للموت مخفيًا لاهوته. ولم يكن ممكنًا ليوحنا أن يحل سيوره، أي أن يتعرف بعد على أسراره خلال روح النبوة.

v كيف تواضع جدًا! لذلك ارتفع جدًا!، لأن من يتواضع يرتفع (لو 14: 11)… لقد قال: “لا أنا بل هو”، أما هم فقالوا: “نحن”. يوحنا غير مستحق أن يحل سيور حذائه. كم كان تواضعه لو أنه قال أنه مستحق لذلك، وأما بقوله: “يأتي بعدي من هو كان قبلي، الذي لست مستحقًا أن أحل سيور حذائه” فقد ظهر تواضعه عظيمًا. عندما يقول أنه غير مستحق لفعل هذا. بالحقيقة كان مملوءً من الروح القدس الذي بهذا عرف كخادم سيده، وتأهل أن يكون صديقًا عوض خادم.

القديس أغسطينوس

فاصل
تفسير القمص أنطونيوس فكري

الآيات (26-27): “أجابهم يوحنا قائلًا أنا اعمد بماء ولكن في وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه. هو الذي يأتي بعدي الذي صار قدامي الذي لست بمستحق أن احل سيور حذائه.”

نرى هنا تواضع المعمدان بالرغم من سمو مركزه فالمسيح شهد له بأنه أعظم مواليد النساء. وإجابة المعمدان هنا حيَّرت لجنة السنهدريم. ولا نعرف بقية قصة هذه اللجنة التي غالبًا ما انسحبت ورجالها في حيرة. وجواب المعمدان هنا كأنه يقول “تسألونني عن المعمودية ولماذا أعمد هل أنا المسيح، والحقيقة فإن المسيح الذي تبحثون عنه هو في وسطكم الآن ولكنكم لا تعرفونه= وهنا نقف لكي نتأمل.. كم من مرة كان المسيح وسطنا، ولم ندرك أنه بيننا، بسبب خطية فينا. في وسطكم قائم= هذه تساوي لهم عيون ولكنهم لا يبصرون. أحل سيور حذائه= جاء في التلمود أن التلميذ يجب أن يقوم لمعلمه بكل الخدمات التي يقوم بها الخادم لسيده ما عدا حل سيور حذائه، ويوحنا بقوله هذا كأنه يقول أنا لست مستحقًا أن أكون تلميذًا للمسيح بل خادمًا له. إذًا لا تنشغلوا بي ولا بمعموديتي بل بمن هو أعظم منى بما لا يقاس.

 

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى