تفسير المزمور 9 للقديس أغسطينوس
عظة في المزمور التاسع
أعمال يسوع المسيح السرية
هذه الأعمال هي في صلب مجيئه المتواضع الذي حال دون أن يعرفه اليهود ؛ وفي تلك الحكمة السرّيّة التي تدفعه إلى أن يترك الخيرات الزمنية للمنافقين؛ إنّه شركٌ مهلك سيقعون فيه! بينما يجذب إليه الأبرار بتأديبهم في هذه الدنيا .
1- هذا المزمور يحملُ العنوان التالي: «للغاية، مزمور لداود، حول أسرار الابن»[1]. بوسعنا أن نتساءل ما هي أسرار الإبن؛ لكن بما أن الابن لم تُحدّد هويته، فإنّ علينا أن نفهم أن المقصود هو ابن الله الوحيد والحال، فإنّ المزمور الثالث الذي يحمل في عنوانه : «لداود» يُحدد اسم الإبن فيقول : «عند فراره من وجه أبشالوم ابنه». إن تحديد الإبن باسمه كان من أجل ألا يحوم أي شك حول الإبن المعني؛ على أنه لم يقل: «من وجه الإبن أبشالوم بل: «من وجه ابنه أبشالوم».
وهنا، بما أنّه لم يقل: «ابنه بل «الإبن»، ولأنّ الكثير من آيات هذا المزمور تعني الأمم الوثنية، فإنّ المزمور لا يمكن أن يقصد أبشالوم؛ على أي حال، فالحرب التي شنها ابن الهلاك هذا على أبيه، لا علاقة لها بالأمم الوثنية، من حيث أنّ شعب إسرائيل وحده هو الذي انقسم على نفسه . (2مل 15). هذا المزمور هو، ، إذا ، نشيد أسرار ابن الله الوحيد. ذاك أنّ المخلّص يبغي أن يُشير إلى ذاته، عندما يكتفي بقول : «الإبن»، على ما نقرأ في هذا المقطع: «فإن حرّركم الإبن صرتُم أحرارًا» (يو 8: 36) فهو لا يقول : ابن الله بل «الابن»، تاركًا لنا أن نحكم ابن من هو . فهذه الصفة لا تنطبق إلا على الإبن المميز، الذي يمكننا أن نتعرّف إليه بلغتنا، حتى ولو لم يُفصح عنه تحديدا . وعلى هذا النحو نقول : إنّها تُمطر، وتُبرق وتُرعِد وتُزبد… وسوى ذلك من أمور الكلام من دون أن تُحدّد من يُمطر ومن يُبرق ومن يرعد ويُزيد، لأن صانع هذه الأمور كلّها يحضر في ذهننا، من دون أي حاجة للإفصاح عنه. ما هي إذا ، أسرار الإبن؟ إنّ هذا التعبير يُعلّمنا أوّلًا أنّ للابن أعمالا معروفة، نميّز منها تلك التي نُسمّيها خفيّة أو سرية. وبما أننا نؤمن بمجيئين للمخلّص، أحدهما حصل ولم يفهمه اليهود، والآخر سيحصل مستقبلا، وننتظره جميعنا ؛ وبما أنّ الأوّل الذي أنكره اليهود أفاد الأمم، فإنّ لنا ملء الحق في أن نفهم بأسرار الإبن أو خفاياه، ذلك المجيء الأوّل الذي أصاب بالعمى قسما من إسرائيل، إلى أن دخل ملء الأمم في الكنيسة (راجع رومة 11: 25). يرى الإنسان النبيه أنّ الكتاب المقدّس يُسجّل دينونتين: الأولى سرّية، والثانية علنية. أما السرّيّة فتحصل الآن بحسب كلام القديس بطرس : «فإنّه أن للقضاء أن يبتدئ ببيت الربّ» (1بط 4: 17). الدينونة السرية هي في القصاص الذي يحثُ كلّ إنسانٍ على أن يتطهر، أو يحذره ليتوب إلى الله، أو يضربه بعمى يُهلكه، إن هو ازدرى صوت الرب ودعوته إلى التوبة. أما الدينونة العامة والعلنية فتكون يوم يأتي الرب يسوع المسيح ليدين الأحياء والأموات وفيها يعترف الجميع بأنه هو الذي يُجازي الأبرار ثوابًا والأشرار عذابًا. لكن ذلك الإعتراف العلني لن يكون لرفع البؤس، بل للإدانة القصوى. يُحتمل أن يكون الرب قد تكلّم عن هاتين الدينونتين السرّية والعلنية، حين قال: «من آمن فقد انتقل من الموت إلى الحياة ولا يصير إلى دينونة» (يو 5: 24)؛ أي إلى الدينونة العامة العلنية لأنّ الإنتقال من الموت إلى الحياة، بواحدة من تلك الشدائد التي يبلو بها الربّ أولئك الذين يصطفيهم في بنيه، هو الدينونة السرّيّة. وقال أيضًا : «ومن لم يؤمن فقد دين (يو 3: 18)، أي أنّ دينونة الله السرية تهيئه للدينونة العلنية . ويُكلّمنا الحكيم أيضًا عن هذين النوعين من الدينونة فيقول: “لذلك بعثت عليهم عقاب أولادٍ لا عقل لهم للسخرية، ولما لم يتعظوا بتأديب السخرية، ذاقوا العقاب اللائق بالله” (حكمة 12: 25-26). إذا ، فإنهم حفظوا ليذوقوا عقابات الدينونة العلنية العادلة والصارمة، أولئك الذين لم يُقوّمهم عقاب دينونة الربّ السرّيّة . إذًا، يُحدّثنا هذا المزمور عن أسرار الإبن، أي عن مجيئه المتواضع الذي يحمل الخير الكثير للأمم، ويُبقي اليهود في عماهم ؛ وعن ذلك القصاص الذي يعتمده الله في السرّ، لا لإدانة الخطأة، بل لتدريب التائبين على الإيمان، أو لحمل الآخرين على التوبة، أو لتهيئة الذين يرفضون التوبة، للإدانة بضربهم بالعمى.
2 – “أعترف للرّب بكل قلبي” (9: 2). أن نشك، ولو مقدار ذرة، بعناية الرب، يعني اننا لا نعترف به بكل قلبنا، لكن، أن نفهم، في مخططات الحكمة الإلهية السرية، كم يغيب عن أنظارنا ثواب من يقول : “إني أفتخر بالشدائد” (رو 5: 3)؛ وكيف أنّ جميع الشدائد الجسدية التي نبلوها ينبغي أن تؤدّي إلى تمرُّس أولئك الذين يتوبون إلى الله، أو إلى حمل الخطأة على التوبة أو إلى تهيئة الخطأة المكابرين للانتقام الأخير العادل ؛ وأن ترجع بهذه الطريقة، إلى حكم العناية الإلهية كلّ تلك الأحداث التي ينسبها الجهلاء بصفاقة وقحة، إلى الصدفة، ناكرينها على عمل الله ؛ ففي ذلك كله إعترافا كاملا بالله . أخبر بجميع معجزاتِك». إنّ الإخبار بجميع معجزات الله يكون في كشف يد الله، ليس في الظاهر الذي تصنعه في الجسد، بل في العمل السري الأسمى الذي تصنعه في النفوس لأنّ الأرضيين الذين يحكمون بحسب أعيُنهم، سيُعاينون معجزة في قيامة لعازر بالجسد، أبهى من القيامة الروحية لبولس مضطهد المسيح (راجع يو 11: 44؛ أعمال 9). لكن بما أنّ المعجزة المنظورة هي دعوة للروح إلى النور، وأن المعجزة الخفية تنير الروح التي تستجيب النداء، فإنّ الإيمان بالمعجزات المنظورة، يكون في الإخبار بمعجزات الله، وبالإيمان، الإرتفاع إلى فهم المعجزات الخفية.
3 – «أفرح وأبتهج بك» (9: 3) لا هذا العالم، ولا شهوات الجسد، ولا الطعم الذي يُغري الفم واللسان، ولا العطور الذكية، ولا تناغم الأصوات العابرة، ولا الألوان الزاهية، ولا مدائح البشر الباطلة، ولا الزواج والأنسال الفانية ولا وفرة الخيور الزمنية، ولا الفهم الدنيوي لما تحتويه الأفلاك، أو لكلّ ما يؤمن توالي الأزمان، لا شيء من كلّ ذلك يا ربّ يُفرحني بل بك وحدك أبتهج، أو بالأحرى بأسرار ابنك الذي طبع على جباهنا نور وجهك يا ربّ» (راجع مز 4: 7)، «لأنك تسترهم في ستر وجهك» (مز 30: 21). فأنت الذي تُفرح وتبهج الذين يُخبرون بمعجزاتِك. وسيُخبر بمعجزاتك ذاك الذي يبشرنا بالنبي، ويأتي، لا ليصنع مشيئته، بل مشيئة الآب الذي أرسله. (يو 6: 38).
4- بدأنا ، إذًا، فرأينا أنّ يسوع المسيح هو الذي يتكلّم في هذا المزمور. لأنّه جاء تتمّة لهذه الآية، وبداية للآية التالية: «أشيد لاسمك أيها العلي، لأنك رددت أعدائي إلى الوراء (9: 3-4). والحال، فمتى يرتد عدوّ يسوع المسيح إلى الوراء، إلا عندما يؤمر : «إلى ورائي يا شيطان»؟ (مت 4: 10). إذ ذاك يُرغم على الإرتداد إلى الوراء ذاك الذي كان يُريد أن يتقدّم إلى الأمام عن طريق الإغواء، لأنه أخفق في محاولات الإغواء، ولم يجنِ أيّة فائدة الإنسان الأرضي في الوراء، لكنّ الإنسان السماوي، ولو انه جاء متأخرا، فهو في المقدمة. الإنسان الأول أرضي ويأتي من الأرض، والإنسان الثاني سماوي ويأتي من السماء» (1كو 15: 47). من نسل الأوّل أتى الذي قال: «من جاء بعدي كان قبلي (يو 1: 15)، وكذلك الرسول بولس، عندما نسي كل ما وراءه، وامتد إلى ما هو أمامه (راجع في 3: 13). ارتد العدو، إذًا، إلى الوراء، عندما أخفق في إغواء الإنسان السماوي، وارتد نحو الأرضيّين الذين بوسعه أن يسود عليهم. بعدها، ما من إنسان، يستطيع أن يقف أمام ذلك العدو، ويدفعه إلى الإرتداد إلى الوراء، إلا ذاك الذي استبدل صورة الإنسان الأرضي بصورة الإنسان السماوي (راجع 1كو 15: 49). بوسعنا أيضًا، ومن دون أن نقع في الخطأ أن نفهم بالعدوّ إن شئنا، إما الخاطئ بصورة عامة، وإما الوثني. عندها لا تعود جملة رددت عدوّي إلى الوراء»، تُعبر عن عقاب بل عن إحسانٍ لا يُقارن أي شيءٍ أحبّ من أن يُقلع المرء عن كبريائه، ويأبى أن يقوم بوجه المسيح، الذي يدعو تلميذه إلى الكمال بقوله : «إتبعني» (مت 19: 21). إلا أنه من الأفضل أن نُطبق على الشيطان هذا القول: “رددت عدوّي إلى الوراء”. لأنّ الشيطان أرغم على التراجع، حتى في اضطهاده الأبرار، وخير لنا أن نخضع لمطارداته، من أن نتبعه كما لو كان زعيمنا وقائدنا. فلنشد، إذًا، لاسم العلي الذي ردّ العدوّ إلى الوراء، من حيث أنه خير لنا أن نهرب من مطارداته، من أن نتبعه عندما يُريد أن يقتادنا. لأن لنا ملاذا وملجاً وسترا في أسرار الإبن : «أيها الربّ، صرت لنا موئلا» (مز 91: 1)
5 – “يسقطون ويهلكون من وجهك” (9: 4). من ذا يسقط ويهلك سوى الخاطئ والمنافق؟ يسقط»، لأنّه يفقد القوّة، و«يهلك» لأنه لن يقوى بعد على النفاق ؛ من وجهك ، أي عندما يعرفك، كما هلك من قال: «إنّي حيّ، لا أنا، إنّما المسيح حي في (غل 2: 20). لكن لم يسقط المنافق ويهلك من وجهك؟» يُجيب النبي: «لأنك قضيت لي بالعدل، وأخذت جانبي (راجع 9: 5)، أي أنك حوّلت لصالحي، في آن ذاك الحكم الذي بدوتُ فيه مدانا، وتلك الإدانة التي لفظها البشر بحقي على الرغم من برّي وبراءتي لأن ذلك كله كان لابن الله وسيلة لخلاصنا . وهكذا البحار يُسمّي رياحه المؤاتية تلك الرياح التي تساعده في إبحار يوصله إلى الميناء الأمين .
6 – “استويت على عرشك ديانا عادلاً” (9: 5) . ذاك ما يُكلّم به الإبن أباه، بالمعنى الذي قال فيه: “ما كان لك عليّ من سلطان لو لم يُعطَ لك من فوق” (يو 19: 11)، عندما اعتبر أن الحكم على ديان البشر، من أجل خلاص البشر، إن هو إلا دليل على عدل أبيه وعن خفايا حكمته . لعل الإنسان هو الذي يقول الله : «استويت على عرشك ديانا عادلا معتبرًا روحه العرش وجسده الأرض التي تُدعى موطئ قدمي الرّب (إش 66: 1) لأنّ الله صالح العالم في يسوع المسيح (2كو 5: 19) ولعلّ روح الكنيسة التي باتت كاملة لا وصمة فيها ولا جعدة (أف 5: 27) ومستحقةً أسرار الإبن، لأنّ الربّ أدخلها أخاديره (نش 1: 3)، لعلها روح الكنيسة هي التي تقول لخَتَنها : «استويت على عرشك ديّانًا عادلًا»، لأنك قمت من بين الأموات، لتصعد إلى السماء وتجلس عن يمين الآب. وبوسعنا، من دون أن نخدش أصول الإيمان أن نفهم هذه الآية بأحد هذه المعاني الثلاثة .
7- “زجرت الأمم وأهلكت المنافق” (9: 6) من الأفضل أن تطبق هذه العبارة على يسوع المسيح من أن نضعها على لسانه. فمن غيره عاقب الأمم ليُهلك منها المنافق، كما فعل هو بعد صعوده؟ إذ أنه أرسل الروح القدس الذي امتلأ منه الرسل فنشروا كلمة الله بثقة وأمانة ودانوا ، بلا حَرَج، خطايا العالم وأهلكت دينونتهم المنافق، فتبرّر وصار تقيَّا. محوت اسمه إلى الدهر، وإلى دهر الدهور» (9: 6). امحى اسم المنافق، لأننا لا نستطيع أن ندعو منافقا من آمن بالله الحق؛ امحى اسمه إلى الدهر ، أي إلى مدى كرّ الأيام. «وإلى دهر الدهور». دهر الدهور؟ إنه الزمن الذي ما الدهر منه إلّا الصورة أو الظلّ . لأنّ دورة الأزمنة التي تتوالى، ويكبر القمر فيها ويصغر، وتعود الشمس فيها كل سنة إلى أوجها، ولا يمضي منها ربيع وصيف وخريف وشتاء إلا لتطلّ مجدّدًا ، كل ذلك يُعطينا صورة عن الأبدية. لكن الزمن الذي يستمر في تواصل لا يتغيّر يُدعى دهرًا لتلك الدهور التي تتوالى وتنقضي ؛ الزمن بالنسبة إلى الدهور هو بمثابة الشعر الذي تحمله في فكرك نسبة لذاك الذي تلفظه بصوتك . الشعر يُفهم، والصوت يُسمع. للشعر وزنه الذي هو من صنع الفن، ويبقى ، فيما الصوت يتلاشى في الجو في الأثير. هكذا، يجد الدهر الذي ينقضي صورته في الدهر الثابت الذي نسميه دهر الدهور دهر الدهور هذا باقٍ أبدا عند الخالق الإله، وهو على الدوام ضمن حكمة الله وقدرته؛ فيما الدهر يضبط عمل الله في كلّ خليقة. ربّما كان في الأمر تكرارًا، فبعد أن قال: «إلى الدهر»، ولئلا نفهم أنه يعني الدهر الذي ينقضي أضاف النبي : «وإلى دهر الدهور على ما ورد في النصّ اليوناني. أما في عدد من النصوص اللاتينية فورد على الشكل التالي : «إلى الدهر وإلى الأبد»، أو «إلى الأبد وإلى دهر الدهور» إنّ اسم المنافق امحى، إذا إلى الأبد، أي لن يكون بعد أبدا أثر للمنافقين؛ وإذا كان اسمهم يستحيل أن يدوم في هذا الدهر، فإنه لن يقوم قط إلى دهر الدهور.
8- “رماح العدوّ أبيدت إلى الأبد” (9: 7). العدو، هنا بصيغة المفرد، لا الجمع والحال، فإنّ هذا العدوّ الذي دمرت رماحه، ليس سوى إبليس الذي يتمنطق من أشكال الضلال ألف سلاح، يستعملها كرماح لقتل النفوس . لكن، مقابل رماح إبليس، هناك سيف الربّ للقضاء عليها. وعنه يقول صاحب المزامير : «إن لم تتوبوا إليه استل عليكم سيفه». لعله الحد الذي تسقط عنده قوة رماح عدوّة تسود إلى أن تتحطم عنده اليوم، يعمل سرًّا، أمّا في اليوم الأخير فسيلمع بكلّ ضيائه. وهو الذي سيدمر المدن؛ لأنّه بعد أن قال إنّ القوّة ستسقط، يُضيف النبي : ودمّرتَ مُدُنَهم». إنّ نفسا تُصبح مدينة الشيطان، عندما تبني لها مشورات أحابيله الكاذبة نوعا من بلاط تخضع فيه أعضاؤه، كلّ عضو لعمله، خضوع الرعايا والخدام والموظفين؛ فتكون العيون في خدمة ،فضوله، والآذان في خدمة غرائزه الفاجرة، وتلتقط كلّ مشورة تقود إلى الفجور، والأيدي تمارس السلب والعنف والإجرام، وتُخضَع الأعضاء الأخرى لقهر مماثل، فتعمل لتلك المخططات المنحرفة. أمّا رُعاع تلك المدينة، فقوامهم الشهوات الحسية، وخلجات النفس المضطربة التي تثير في الإنسان، يوميا، نزاعات تمرّدية. هناك، إذًا، مدينة حيث يكون ملك وبلاط وموظفون وخدام وشعب. وفي المدن الفوضوية ما كنا لنرى كل هذه الشرور، لو لم تكن موجودة في المواطنين الذين هم بذور المدن وعناصرها . إذًا، هذه المدن يُدمرها يسوع المسيح عندما يطرد منها رئيسها، على ما قيل : “إنّ رئيس هذا الدهر يُطردُ خارجًا” (يو 12: 31). كلام الحق يُلقي الخراب في تلك الممالك، ويخنق فيها المخططات السامة، ويقمع الميول المخزية، ويقهر عمل الأعضاء والحواس التي ينبغي أن تخدم العدالة والبرّ ؛ وهكذا يتمّ كلام الرسول : «لا تملك الخطيئة في أجسادكم المائتة فتُطيعوا شهواته» (رور 6: 12). إذ ذاك تجد النفس المطمئنة ذاتها في حالٍ تُمكّنها من الحصول على الراحة والسعادة. واضمحل ذكرهم بصخب (9: 7) أي ذكر المنافقين الذي لا يضمحل من غير صحب. ذاك أنّه ما من إنسان يبلغ صفو السكينة والسلام العميق إن لم يكن قد شنّ حربًا صاخبة على عيوبه. وقد تعني عبارة «بصحب» أنّ ذكر المنافق يضمحل بذلك الصخب الذي يُحدثُه النفاق .
۹ – «أما الربّ فإلى الأبد يبقى» (9: 8)، فلِمَ بعد «ترتج الأمم وتهد الشعوب بالباطل على الربّ وعلى مسیحه» (مز 2: 1، 2)، ما دام الربّ باق إلى الأبد، وقد هيّأ عرشه للقضاء، وهو يُحاكم المسكونة بالعدل وبالاستقامة يدين الشعوب ؟ (9 : 8-9). هيأ عرشه وجلس للقضاء طولُ أناتِه مكننا من أن نستحق السماء، وهذا الإله المحتجب في الإنسان كان يُنشط فينا الإيمان. ذاك قضاء الإبن السري. ولأنه سيأتي في مجده، بشكل منظور، ليدين الأحياء والأموات، هيأ له عرضًا بقضاء محتجب. وسيدين العالم علانية بعدله، أي أنه سيحكم على كلّ واحدٍ بحسب استحقاقاته، فيُقيم الخراف عن يمينه والجداء عن يساره (مت 25: 33). يحاكم المسكونة بالعدل، وبالاستقامة يدين الشعوب تعبيران مترادفان، كأن الثاني تكرار للأول. لا يُحاكم الله على طريقة حكم الإنسان الذي لا يرى القلب، وغالبًا ما يُطلق المذنب بدلا من أن يدينه ؛ بل يُحاكم بالعدل، وتشهد لهم ضمائرهم وأفكارهم فتشكوهم ،تارةً، وتارةً تُدافع عنهم» (رو 2: 15).
10- “يكون ملجاً هو عنه ويكون الربّ ملجأ للملهوف” (9: 10). مهما بلغت مطاردات ذلك العدوّ الذي أرغم على الإرتداد إلى الوراء، فكيف له أن يُسيء إلى الذين يجدون في الربّ ملاذا؟ لهم، إن هم اختاروا الفقر في هذا العالم الذي يُقيم الشيطان رئيسًا عليه، فلا يتعلّق بأي شيء في هذه الحياة يستطيع أن ينجو من جوعه إليه، أو يتخلّى عند الممات. الربّ ملجأً لهؤلاء الفقراء الملهوفين، وهو يعضدهم في أيام اليسر وفي آونة الضيق. إنّه هو الذي يصنع الملهوف، من حيث أنه يُسَرّ بتأديب كل ابن يتّخذه (عب 12: 6). والنبي يفسر لنا العضد في أيام اليُسر عندما يُضيف وفي آونة الضيق». والحال، فإنّ النفس لا تتحوّل إلى الله إلّا بعد أن تُطلق العالم، فيما العناء والألم يمتزجان بملذاتها العقيمة الباطلة التي تحمل كل الخطر وتؤدّي إلى الهلاك.
11– «فليتوكل عليك العارفون باسمك» (9: 11)، وليكفّوا عن التوكل على غناهم وعلى سائر مُغريات هذا العالم. إنّ النفس التي تنسلخ عن العالم وتسعى وراء من تتوكل عليه، تلجأ بفرح إلى معرفة اسم الله. والحال أنّ هذا الاسم اليوم على كلّ شفة ولسان، ومعرفته أيضًا معرفة صاحبه لأنّ الاسم لا يكون اسما بحد ذاته، ولا قيمة له إلا في معناه. والحال، فإنّه قيل : “الربُّ اسمه” (إر 33: 2). ومعرفة اسمه تُترجم بوضع النفس، بفرح، في خدمته. «وليتوكل عليك العارفون باسمك». كما أنّ الربّ قال لموسى: «أنا هو الكائن» (خر 3: 14)، وكذا قُل لبني إسرائيل : الكائن أرسلني». يا ربّ، «فليتوكل عليك العارفون باسمك ، مخافة أن يتوكّلوا على الخيور الفانية بسرعة الزمن، التي لا مستقبل لها ولا ماض فلا يكاد يطلع عليها مستقبل حتى ينقضي. ينتظرونه بحماسة، ويفقدونه بألم. أما الطبيعة الإلهية فمستقبلها الأبد، وماضيها لا يزول. الكائن هو الوجود الدائم، الكائن الأبدية. فليكفّوا، إذًا، عن التوكَّل على الخيور الزمنية والتشبث بها، وليرتفعوا برجائهم حتى حدود الأبد، أولئك الذين يعرفون اسم الذي قال: «أنا هو الكائن»، والذي كُتِبَ عنه : «الكائن أرسلني»، لأنك ، يا ربّ، لا تتخلّى عن الذين يلتمسونك. إلتماسه يعني التخلّي عن التماس الخيور العابرة والفانية لأن أحدًا لا يسعه أن يعبد ربّين . (مت 6: 24).
12- «أشيدوا للربّ ساكن صهيون»، يقول النبي للذين يلتمسون الرب فلا يتخلّى عنهم. ساكن صهيون»، وصهيون تعني «التأمل»، وتمثل لنا للكنيسة الحالية، كما تُمثل أورشليم الكنيسة المستقبلية، أو مدينة القديسين الذين يتمتعون بحياة الملائكة، لأنّ أورشليم تعني «رؤية السلام». والحال فإنّ التأمل يسبق الرؤية، كما أن الكنيسة الحالية تسبق المدينة الأبدية الخالدة أرض ميعادنا ؛ لكنها لا تسبقها إلا في الزمن، من دون أن تفوقها في الكرامة، لأنّ الغاية التي نصبو إليها أنبل من الجهد الذى نبذله من أجل بلوغها ؛ والحال فإنّ جهدنا الحالي هو التأمل الذي نصل عن طريقه إلى الرؤية. أما إذا كان الرب لا يسكن، الآن، كنيسة الأرض، فإنّ التأمّل أنقاه، يُمكن أن يؤدّي إلى الضلال. قيل: «إنّ هيكل الله مقدّس وهو أنتم» (1كو 3: 17) وأيضًا: «المسيح يسكن في الإنسان الباطن، وبالإيمان في قلوبكم» (أف 3: 16، 17). يأمرنا النبي بأن نشيد للربّ ساكن صهيون، من أجل أن نرنّم، جوقًا واحدا التسابيح الله الذي يسكن كنيسته. «وحدثوا في الشعوب بمعجزاتِه (9: 12). وهذا ما كان، وما سيكون على الدوام.
13- « ذكَرَهم الربّ وهو يُطالب بدمائهم المسفوكة» (9: 13). كما لو ان الرسل الذين أرسلوا ليحملوا البشارة إلى الشعوب، هم الذين يستجيبون لدعوة الربّ بأن يُحدِّثوا في الشعوب بمعجزاته»، ويقولون : من آمن، يا ربّ، بما سمِع منّا ؟ (إش 53: 1)، وأيضًا : «من أجلك نُمات النهار كله، وقد حسبنا مثل غنم للذبح» (رو 8: 36؛ مز 43: 22). محقِّ النبي في أن يُضيف أن ثمرة الموت للمسيحيين المضطهدين ستكون فوزهم بالأبدية : «لأنّ الربّ يذكرهم وينتقم لدمائهم». لكن لماذا فضّل النبي أن يختار هذا التعبير : «ينتقم لدمائهم؟ هل له أن يُجيب على هذا السؤال الذي يمكن أن يطرحه عليه إنسان جاهل وضعيف الإيمان : كيف يُبشّرون أولئك الكفرة الذين يسوقونهم للذبح»؟ وهل له أن يقول: «سيذكرهم الربّ وينتقم لدمائهم»، أي أنه يأتي في اليوم الأخير ليُظهر مجد الضحايا ويُعلن قصاص الجلادين؟ لأنه ما من أحد سيسمع عبارة: «ذَكَرَهم الربّ»، كما لو كان له أن ينساهم ؛ لكن لأنّ الدينونة الأخيرة لن تحصل إلا بعد انقضاء زمان طويل، فإنّ النبي يُلائم كلامه لغة الضعفاء الذي يتصوّرون أن الله ينسى، لأنه يعمل ببطء لا يرغبون فيه. لأجلهم أيضًا قيل : “لم ينس صراخ البائسين” (9: 13)، أي أنه لم ينسَ البتة، كما تظنّون ؛ وكما لو انهم يقولون بعد سماعهم عبارة «ذكرهم الربّ»؛ إذا ، لقد نسي ؛ فيُجيب النبي “لا ! لم ينس صراخ البائسين»”.
14– لكن، أقول، ما هو صراخ البائس الذي لا ينساه الربّ؟ أهو الصراخ الذي تُعبّر عنه الكلمات التالية : إرحمني يا ربّ وانظر إلى بؤسي من مبغضي (9: 14) . لماذا لا يتكلم بصيغة الجمع ويقول : ارحمنا يا ربّ وانظر إلى بؤسِنا من مُبغِضينا ؟ كما لو كان بائسون كثيرون يصرخون معا ؛ ولماذا يقول: «إرحمني يا ربّ» كما لو انه لا سوى بائس واحد؟ هل وحده الذي افتقر لأجلنا، وهو الغني، (2كو 8: 9) ، يتكلّم باسم القدّيسين؟ لعله هو أيضا يقول: «يا رافعي من أبواب الموت لكي أخبر بجميع تسابيحك في أبواب ابنة صهيون» (9 : 14-15). لأنّ يسوع المسيح هو رافع الإنسان، لا الإنسان الذي لبِسَه فحسب، وصار رأس الكنيسة، بل كلّ واحدٍ منا، نحن أعضاء جسده. وهو يرفعنا فوق الشهوات الفاسدة التي هي أبواب الموت، التي منها نمضي إلى حتفنا . والموت إنّما في تلك المباهج التي توفّرها لنا ملذات الدنيا، عندما نحصل على ما نأثم في ابتغائِه : «لأنّ الشهوة أصل كلّ شرّ» (1تي 6: 10). كذلك بوسعنا أن نُسمّيها باب الموت، لأنّ أرملة مترفة، إمرأةٌ ميتة» (1تي 5: 6). والحال، فإنّنا بالشهوة ندخل في الملذات، كمن يدخل أبواب الموت. أما أبواب صهيون فهي اللذائذ المقدّسة التي تؤدّي إلى رؤية السلام في الكنيسة المقدّسة. وفي هذه الأبواب ينبغي أن نُخبِرَ بجميع تسابيح الربّ، لئلا نطرح المقدّسات للكلاب والجواهر للخنازير (مت 7: 6) فشأن الكلاب النباح لا البحث بعناية، وشأن الخنازير لا النباح ولا الإنتقاء، بل التمرّغ في وحول شهواتها. لكننا عندما نسبّح الربّ بعاطفة مقدّسة، فإنّه يُعطي من يطلب، ويظهر لمن يبحث عنه، ويفتح لمن يقرع بابه أتفهم أيضًا أبواب الموت، على أنها عينا الجسد، عينا آدم اللتان انفتحتا عندما أكل من الثمرة المحرمة (تك 3: 7)، واللتان يرتفع فوقهما الذين لا يسعون في طلب الخيور المنظورة، بل اللامنظورة؟ فإنّ ما يُرى، إنّما هو زمني، وأما ما لا يُرى فهو أبدي» ( 2كو 4: 18 عندها، أفلا تكون أبواب ابنة صهيون، المقدسات ومبادئ الإيمان التي يُريد الله أن يفتحها للذين يقرعون، لكي يتوصلوا إلى معرفة أسرار الإبن؟ لأنه «لم ترَ عين ولم أذن، تسمع ولم يخطر على قلب بشر، ما أعده الله للذين يُحبّونه» (1كو 2: 9). هنا، إذا ، ينتهي صراخ البائسين الذي لم ينسه الربّ المخلّص .
15- “وأبتهِجُ بخلاصِكَ” (9: 15). أي أجد سعادتي في المخلّص الذي وهبتنيه، وهو ربنا يسوع المسيح «قوة الله وحكمة الله» (1كو 1: 24). تلك هي، إذًا، لغة الكنيسة، المنكوبة في هذه الدنيا، والمخلصة بالرجاء؛ وما دامت دينونة الإبن محتجبة، فإنّ الكنيسة تصرخ برجاء : «أبتهجُ بخلاصك» ؛ فهي، في الأرض، رازحة تحت العنف وضلالات الوثنية. سقط الأممُ في الهوة التي حفروها» (9: 16). لنر هنا كيف أنّ الخاطئ لاقى عقابه في أعماله نفسها، وكيف أنّ الذين أرادوا أن يضطهدوا الكنيسة تاهوا في مؤامرات كانوا يحوكونها لها. كانوا يعملون لقتل أجساد، فقتلوا أرواحهم بأنفسهم. «وفي الشرك الذي أخفوه، نشبت أرجُلُهم» (9: 16). الشرك الذي أخفوه هو الفكر الماكر، والأرجل يُقصد بها الحبّ الذي يعني الشهوة والرذيلة عندما يكون منحرفًا، والرفق والرحمة عندما يكون مستقيما. الحُبّ هو الذي يدفع النفس إلى حيث تريد أن تصل؛ وهذا المكان لا يحتله شكل جسدي، بل اللذة التي تبتهج بأنّ الحبّ قادها إليها . والحال، فإنّ الشهوة تؤدّي إلى اللذة الخطرة، والرحمة إلى اللذة الطاهرة. من هنا قيل إنّ “الشهوة أصل” (1تي 6: 10). والمحبة أيضًا أصل، عندما يتعلّق الأمر بذلك البذار الإلهي الذي يسقط على أرض حجرة، فتُحرقه الشمس ويبس لأنّه لم يكن له أصل عميق . (مت 13: 5). هكذا يحترق أولئك الذين يقتبلون بفرح كلمة الحق، لكنّهم لا يصمدون أمام الإضطهادات لأنّ المحبة وحدها تصمد. كذلك يقول الرسول: نتأسس على المحبّة ونتأصل فيها، فنصمد» (أف 3: 17) . إذًا، فإنّ قدم الخطأة تنشُب في الشرك الذي أخفته، لأنهم متى استطابوا لذة عمل مُنكَر، إذ أسلَمهم الله في شهوات قلوبهم إلى النجاسة (رو 1: 24)، يُقيّدون أنفسهم بتلك اللذة، فلا يتجرأون بعد على إخراج مشاعرهم من تلك القيود ليوجهوها نحو الخير. وعند أول جهد يبذلونه ينتحبون في أنفسهم، كالمحكوم بالأشغال الشاقة الذي يُريد أن يُحرّر قدميه الأسيرتين من سلاسل الحديد. وإذ يسقطون من الألم، لا تعود لديهم رغبةٌ في أن يفطموا أنفسهم عن تلك الملذات القاتلة. وهكذا تنشب أرجلهم في الشرك الذي أخفوه، أو في مخططاتهم الماكرة؛ أي أنّ حُبّهم بلغ عن طريق الغش، ذلك الفرح الهش الذي يتمخض بالألم.
16- “بعدالة أحكامه، يُعرَف الربّ” (9: 17). تلك، في الحقيقة، هي أحكام الله، فهو لا يخرج عن صفو غبطته، ولا عن خفايا حكمته التي تلجأ إليها النفوس المغبوطة، ليضرب الخطأة بالحديد والنار، أو ليتركهم فريسة للوحوش، ويُسلّمهم إلى العذابات. فكيف يُعذبون، وكيف يُطبّق الله أحكامه؟ في عمل يديه اصطيد المنافق» يقول النبي . (9: 17)
17- هنا يصير العاطفة، بین ضرب أوتار : سلاه! بتقديري، تلك إشارة فرح سري سببه الفصل الآني، في المكان، لا الخطأة في والأبرار، مثلما تفصل الحنطة عن القش على البيدر. ويتابع النبي: ليهبط المنافقون إلى الجحيم (9: 18). لِيُسلِّموا أنفسهم بأيديهم، وليُؤخَذوا في أفراحهم المميتة، فيما الله يُريد أن يُنقذهم، هم «وكلّ الأمم الذين نسوا الله (9: 18) لأنهم رفضوا أن يعرفوا الربّ فأسلمهم إلى رأي مرذول (رو 1: 28).
18– فإنّ المسكين لا يُنسى إلى الأبد (9: 19) المسكين الذي يبدو منسيا، يوم تبدو مسرّات الحياة مشرّعة للخطأة، والحزن نصيب البار. لكن «رجاء البائسين لا ينقطع إلى الأبد» (9: 19)، يقول النبي . هذا الرجاء ضروري لهم الآن من أجل أن يحتملوا المنافقين الذين فصلوا عنهم بالعاطفة، إلى أن يُفصلوا نهائيا في اليوم الأخير .
19- «قم يا ربُّ ولا يتجبَّرِ الإنسان» (9: 20). يلتمس النبي، بتأوهاته، الدينونة الأخيرة؛ لكن قبل أن تحين : «فلتُدَنِ الأمم قدّامَك» (9: 20)، أي في الخفاء وتحت نظر الله إذ لن يفهم ذلك سوى نفر قليل هم القديسون والأبرار . يا ربّ ألق عليهم نير الرعب» (9 : 21) الذي هو، إن لم أخطئ، نير المسيح الدجال الذي قال عنه الرسول: ويظهر إنسان الخطيئة والهلاك» (2تسا 2: 3). «وليعلم الأمم أنهم بشر» (9: 21)، ولأنّهم يرفضون أن يخلصوا بابن الله، وينتموا إلى ابن الإنسان ويكونوا أبناء الناس، أو بشرًا جُدُدًا، فليخضعوا للإنسان إي لإنسان الخطيئة العتيق، لأنّهم هم أنفُسُهم بشر .
- بالمعنى نفسه في الفولغاتا in finem pro occultis filii psalmus David ؛ وكذلك في السبعينية . وفي العبرية : أي: لإمام المغنين، على لحن موت الابن. مزمور لداود. ( على موت لبن) تعني أيضًا : على لحن : “مُت عن الإبن” ولعلّ التشابه بين الميم والسين ، وبين التاء ” والدال ، في الكتابة العبرية هو الذي جعل النقال يخلطون بين لفظتي (موت) و (سر) ، حيث يمكن أن يكون امحى ذيل التاء فقرئت دالّا .