تفسير سفر العدد ١٩ للقس أنطونيوس فكري


الإصحاح التاسع عشر

فريضة البقرة الحمراء

يأتى هذا الإصحاح بعد سلسلة من ضعفات شعب الله (خوف من أرض الموعدعدم إيمان تذمرإعتراض على قيادة موسىإغتصاب للكهنوت…) هنا يظهر فشل الإنسان مع أن الله سبق وقال عنهمإسرائيل إبنى البكروهذا يشبه ظهور الإنسان العتيق فىَ أى ظهور ضعفاتى فى حياتى بعد أن حصلت على البنوة بالمعمودية. والبقرة الحمراء هى ذبيحة خطية، وقد ذُكرت ذبائح الخطية وكل الذبائح فى سفر اللاويين وكان متصوراً أن يذكر سفر اللاويين أيضاً هذه الفريضة، فريضة البقرة الحمراء ضمن الذبائح لكنه ذكرها هنا فى سفر العدد وبعد أن ظهرت ضعفات الشعب ليعلن الله أن هناك علاج لضعفاتى التى ستظهر خلال رحلة حياتى

كانت شكوى اللاويين فى (عد13:17) أنه كل من إقترب من مسكن الرب يموت (13:17). ورأينا فى (ص18) أنه يمكن الإقتراب خلال الكهنوت اللاوى. وهنا يكشف عن الحاجة للتقديس الذى بدونه لا يقدر أحد أن يعاين الله. فالبقرة الحمراء هذه ليست للتكفير عن الخطايا بل للتطهير من النجاسة أو للقداسة. ودم المسيح يكفر عن خطايانا ويطهرنا من نجاساتنا

ونجد طقوس أو فرائض الذبائح فى ثلاث أماكن فى الكتاب المقدس وكل منها لهُ غرض:-

1-    خروف الفصح…. سفر الخروج….. دم المسيح يعطينا الحرية من عبودية إبليس

2-    ذبائح المحرقة / الخطية….. سفر اللاويين….. دم المسيح يكفر عن خطايانا

3-    البقرة الحمراء….. سفر العدد…… دم المسيح يقدسنا خلال رحلتنا

فنحن لا يمكننا أن نقترب لمسكن الرب أو نتمتع بالشركة معه والثبوت فيه إلا من خلال ذبيحة الصليب والدخول فى حياة التقديس. ففى هذا الطقس (البقرة الحمراء) يُعد الكاهن الرماد من حرق البقرة ويستخدم الرماد فى إعداد مياه التقديس أو كما يسميها ماء النجاسة لأن هذا الماء يطهر من النجاسة وينقل الإنسان من حالة الدنس إلى حالة القداسة

وكان رماد البقرة الناتج من حرقها وسحق نواتج الحريق يحفظ منه جزء فى كل مدينة لعمل التطهيرات اللازمة لكل من تنجس وليسهل للشعب الحصول عليه. ويقول علماء اليهود أنه لم تقدم سوى بقرة حمراء واحدة أيام موسى وإحتفظوا برمادها حتى أيام السبى حين قدموا بقرة أخرى إحتفظ برمادها حتى أيام المسيح (البقرة الثانية قُدمت بعد العودة من السبى)

وحتى لو كان هذا التاريخ أو التقليد اليهودى غير صحيحاً فالكتاب لم يذكر هذه الفريضة للبقرة الحمراء سوى فى هذا المكان وهذا إشارة للمسيح الذى قُدم ذبيحة مرة واحدة وعن كل العالم. فلم يكن كل من يخطىء يقدم بقرة حمراء بل كان فى بقرة حمراء واحدة الكفارية.

وكان الرماد يضعون منه ذرات قليلة على الماء لكنه محفوظ عندهم فى كل مكان وهذا يشير إلى أسرار الكنيسة المحفوظة والموجودة دائماً والتى تستمد قوتها من  ذبيحة المسيح الواحدة والبقرة الحمراء نادرة جداً وكان اليهود يقولون لو وجدت بالبقرة شعرتان سود أو بيض ترفض البقرة. وهذا إشارة لأن المسيح لا يوجد مثيل لهُ. وهى كانت حمراء فالمسيح أخذ جسده من الأرض وثيابه حمراء من دم نفسه ومن دم أعدائه. وكانت البقرة الحمراء تقدم من مال الجماعة وليس لحساب شخص واحد فهو للجميع. بل أيضاً فالجميع، جميع اليهود قدموه للصليب. وحرق البقرة يشير للألام النفسية والجسدية التى إحتملها المسيح (اش1:63-3).

إذاً هى إشارة للمسيح الذى إجتاز معصرة الغضب الإلهى وحده

آية2:-

لا عيب فيها = فالمسيح وحده كان بلا خطية. لم يعل عليها نير = لم يسقط تحت نير خطية فهذا الذى هو بلا عيب حين يحترق فهو لا يحترق لخطيته بل من أجل الآخرين، فداءً عنهم.

آية3:-

إلى خارج المحلة = كما صُلِب المسيح خارج أورشليم. وخارج المحلة يوجد البُرص فهو صار خطية لأجلنا. (عب1:8-4 + 11:9-24،23 + 12:10 + عب 12:13-14)

ولاحظ أن البقرة هى بقرة أنثى وهذا يشير أنه إتخذ له جسداً من بشريتنا وهو جسد كامل حقيقى. تعطونها لألعازار = لماذا لم يعطونها لهرون؟

أ‌-        هرون كرئيس للكهنة لا يخرج إلى خارج المحلة

ب‌-  فى آية 7 من قدمها يصير نجساً إلى المساء ولو قام هرون بذلك يتنجس وقتياً فيمتنع عمله كرئيس كهنة فترة نجاسته

جربما أشار هذا لأن الكهنوت الهارونى سيتم غستبداله بكهنوت آخر

دالمسيح ذبح خارج أورشليم وكان فى نفس اللحظة يدخل لقدس الأقداس وهنا يشرحها الطقس بأن العازار والبقرة خارج المحلة وهرون داخل المحلة. فالمسيح كرئيس كهنة لا ينفصل عن أبيه ولا يترك بلاهوته سمواته ولكنه على الصليب خارج المحلة لأجلنا يكفر عن خطايانا، وهو فى حضن أبيه ليضمنا إلى بره

وتذبح قدامه = فكهنة اليهود نسل هرون هم الذين قدموا المسيح للصليب وذُبح قدامهم 

آية4:-

رقم 7 رقم كامل. وخيمة الإجتماع ترمز للكنيسة. وهذا يعنى أن المسيح قدس كنيسته تقديساً كاملاً. ورقم 7 يشير لكل أيام الأسبوع فالمسيح قدس كنيسته كل الأيام وإلى إنقضاء الدهر. ويوحنا رأى المسيح حملاً كأنه مذبوح لأن دمه مازال يقدس كنيسته ويكفر عنها. فالدم لا تنقطع فاعليته. بل هذا يعطى رجاء للخاطىء أن دم المسيح وبره أعظم من خطيتى. وهو يطهر من كل خطية.

آية5:-

تُحرق = النار هى نار دينونة الله التى نزلت على المسيح بدلاً منى هو قبل الدينونة عنى.

فرشها = بقايا الطعام الذى فى جوفها. الحرق لكل شىء إشارة لأن جسد الممسيح كان كاملاً وليس خيالياً.

آية6:-

الأرز هو أعلى نبات والزوفا هو أصغر نباتوتكلم سليمان عن الأشجار من الأرز إلى الزوفا النابت فى الحائطفالصليب هو رفض للعالم بكل مجده وكبرياؤه (الأرز)

وحتى لأصغر ما فيه (الزوفا) ” صُلب العالم لى وأنا للعالمأما القرمز فيشير للخطيةإن كانت خطاياكم كالقرمز..”  ويشير للدم. فنجد المعنى أن خطايانا إحترقت حين إحترق اللون القرمزى، نجد فى الرماد حريق القرمز. ورماد القرمز يشير لأن خطيتى قد إحترقت 

+ والأرز والوزفا والقرمز كانا يستخدمان فى طقس تطهير الأبرص بنفس المفهوم.

+ وقد يشير خشب الأرز للصليب والوزفا للنسل (تنضح علىَ بزوفاك) والقرمز للدم. 

+ نرى هنا صورة لما شرحه معلمنا يوحنا فى (1يو8:5) أن الدم والماء والروح يشهدون فى الأرض لعمل المسيح الكامل فى التقديس فالروح القدس يعمل فى المؤمنين بإستحقاقات الصليب. 

+ وقد يشير أننى يجب أن أحرق كبريائى (الأرز) مع صغر نفسى (الزوفا) مع كل مجد العالم وشهوته وبريقه (القرمز) فقد كان القرمز رداء ملوك اليهود والأرجوان لملوك الأمم.

+ والأرز لأنه يُعمر طويلاً جداً يشير لدوام فاعلية الدم، ولأن جسد المسيح لم يرى فساداً.

الآيت 7-10:-

كل من إقترب منها بتنجس أما رمادها فيقدس (الكاهنوالذى أحرقهاوالذى جمع رمادها) الكل يتنجس. فكل من إقترب من الصليب يشعر بنجاسته، وإحتياجه للتطهير. أما اليهود فقد أعلنوا من خلال تفاسيرهم أنهم غير قادرين على فهم هذه الفريضة وقالوا حتى سليمان لم يستطع تفسيرها. كيف أن من يقدمون هذه الذبيحة يتنجسون بينما هى تطهير لمن تنجس

1-    المسيح صار خطية لأجلنا ليقدسنا، هو لم يخطىء ولكنه صار حاملاً لخطايانا

2-    اليهود تنجسوا بصلبهم المسيح ولكن عملهم كان لتطهير البشرية بدم المسيح

3-    ذبيحة المسيح حملت خطايا العالم كله وهى سر تطهيرنا، لليهود والأمم = الغريب أى لكل مؤمن 

الآيات 11-19:-

موت الجسد فى العهد القديم كان رمزاً للخطية القاتلة للنفس. لهذا إن لمس أحد ميتاً يصير نجساً. وهو يصير نجس لمدة سبعة أيام رمزاً لعدم التطهير من الخطية كل أيام غربتنا ما لم يتدخل هذا الرماد والماء. والتطهير يتم فى اليوم الثالث بواسطة ماء النجاسة المحتوى على الرماد. والمعنى أن تطهيرنا يتم بمياه المعمودية التى أخذت قوتها من ذبيحة المسيح وخلال القيامة مع المسيح (اليوم الثالث) ومن لا يتم تطهيره فى اليوم الثالث لن يطهر فى اليوم السابع أى حتى بعد أن تنتهى فترة حياته على الأرض ومن يتطهر فى اليوم الثالث تظل فاعلية التطهير العمر كله وحتى عبورنا للحياة الأخرى بل إن من لا يتطهر تقطع تلك نفس من الشعب (لا ينتمى للكنيسة عروس المسيح)

ولاحظ أن يستمر طاهراً من تقدس فى اليوم الثامن أى يوم القيامة. ففاعليتها أبدية فمن بدأ تطهيره بالقيامة الأولى (اليوم الثالث) يكمل تطهيره بالقيامة الثانية (اليوم الثامن) فحسب الطقس اليهودى ينتهى طقس التطهير بنهاية اليوم السابع الذى يعتبر بداية اليوم الثامن. وخلال فترة حياتنا (الأيام السبعة يحتاج كل من يلمس ميتاً أن يتطهر وهذا يتم بماء النجاسة).    آية(17)

آية(17) التطهير يتم بالماء + الغبار. الماء يشير للمعمودية والماء الحى = أى ماء جارى إشارة لأن المعمودية محيية فهى موت وقيامة مع المسيح. والغبار يشير لما أعطى الماء قوة على الولادة الجديدة. ولكن الرماد يشير لشىء آخر وهو عمل التوبة والموت عن العالم (بكبريائه (الأرز) ومجده (القرمز) وضعفاته (الزوفا) فالمعمودية هى بداية وتكمل بالتوبة المستمرة، حياة التوبة

والإيمان هو الزوفا الذى به نطهر ضمائرنا. فمن إعترف وتاب عليه أن يؤمن أن خطيته قد غُفِرَتْ. والخطية نفسها ليست قاتلة فمن لمس ميتاً لا تقطع تلك النفس من شعبها بل من أهمل فى التطهير أى من رفض التوبة تقطع تلك النفس من شعبها (آية12) لأنه أصبح مجرماً فى حق الله والناموس. هذه الشريعة تعطى رجاء لكل من لمس ميتاً (صنع خطيته) فى أن هناك طريقاً للتقديس.

آية18:-

لا يوجد رجل طاهر إلا واحد وهو المسيح الذى طهرنا من خطايانا. وهذه الآية تنبيه لكل خادم ليحيا طاهراً

ملحوظة:-

لم يعد للموت نجاسته فى العهد الجديد فقط إبتعلت وذهب شوكته 

وفى الآيات (15،14) نرى بشاعة الخطية فإن الموت ينجس كل من دخل للخيمة بل كل إناء مفتوح يتنجس. وهذه لها مفهوم طبى صحى فالميت قد يكون مريض بمرض معدى وكل من لمسه أو الأوانى المستعملة يجب أن تتطهر. والآنية المفتوحة تشير أيضاً للحواس المفتوحة وهذه تنجس الجسم إذا إنفتحت على خطايا العالمضع يا رب حافظاً لفمى وباباً حصيناً لشفتى ولا تمل قلبى إلى الشر“. ولنرى حالات متعددة للموت

أ‌-        من مات داخل خيمةهذا يشير لمرض تسلل خفية فأدى لضعف ورقاد وشيخوخة روحية

                                وهذا يأتى كثمرة للإهمال والفتور الروحى (الثعالب الصغيرة)

ب‌-    من يقتل بالسيف فى الصحراء…. يمثل من هاجمته الخطية بعنف وفى لحظات أسقطته.

                               وهو فى حيويته ونشاطه

جالعظام اليابسة……… هذه تشير لمن عاش فى الخطية زماناً طويلاً حتى أنتن.

 

آية22:-

كل ما مسه النجس يتنجس = أى أن أى شىء يلمسه الشخص المتنجس بسبب الميت يكون هذا الشىء نجساً. وإذاً كانت نفس تصير نجسة إلى المساء

زر الذهاب إلى الأعلى