تفسير سفر العدد ٥ للقس أنطونيوس فكري
الإصحاح الخامس
عزل الخطية لتقديس المحلة
لقد تحدد نسب وعدد شعب الله (ص1) وأصبح لهم علامة دسمة مميزة (الرايات ص2) ولهم خدمة كهنوتية (ص3) وهم راحلون سائرون من ارض العبودية متجهون لأورشليم السماوية والله بمقدساته فى وسطهم (ص4) وحتى تمضى الرحلة فى طريقها يجب أن يستمر الشعب فى حالة قداسة ويعزل أى خطية من وسطه، بل حتى الشك فيما هو خطية. والمسيحى يُحدد نسبه وبنوته بالمعمودية وأصبح لهُ سمة ميزة بالميرونوهو يحيا مسبحاً الله (كهنوت عام) سائراً فى طريقه نحو السماء ومجاهداً ضد الخطية
ووجود خطية يحرمنا من بركات وجود الله وسطنا، لهذا إنهزم الشعب أمام عاى (يش7)
وسمعوا قول الله فى وسطك حرام يا إسرائيل وراجع (1كو17،16:3 + 1كو13:5) وفى هذا الإصحاح يطالب الله بوجوب تطهير المحلة كلها على المستوى العام والشخصى والعائلى.
وبالرجوع لسفر اللاويين نجد أن البرص هو رمز للخطية فعزل الأبرص هنا هو رمز لعزل الشر. وكان للبُرص خيامهم الخاصة خارج المحلة كأول تطبيق فى التاريخ لعمل مستشفى لعزل المرضى ولم يكن من المتصور إلقاء الأبرص فى الصحراء. وهكذا على الكنيسة أن تعزل الشخص الخاطىء الذى يسبب عثرة للآخرين ويكون كخميرة فساد. فكما كان الله فى وسط شعبه هكذا الله فى وسط الكنيسة الآن ولا شركة للنور مع الظلمة (2كو14:6). وكان فى عصر الناموس مثل هذه الأمراض لعنة ولكن بعد أن شفا المسيح كل أنواع المرض (البرص ونازفة الدم… بل أقام الموتى) وكان كل هذا يعتبر نجاسة فى العهد القديم، فلم يعد المرض نجاسة ولا الموت لعنة.
ويحتوى هذا الإصحاح على 3 أقسام يختص كل منها بنوع من الشر يجب أن يزال من المحلة حتى تستقر بركة الله عليها. الأول فيه تقديس للجماعة والثانى تقديس للشخص والثالث تقديس الأسرة
الأول:- يختص بأناس نجسين صحياً أو طقسياً وهذا يشير للشر الواضح لله والناس
الثانى:- يختص بالنجاسة الناشئة بإيقاع الأذى بالآخرين كالسرقة وهذا يشير لشر لم يراه الناس بل الله.
الثالث:- يختص بالشك فى الخطية (الغيرة الزوجية) وهذا يشير لأن الله لا يحتمل حتى شبه الشر.
ونلاحظ أن الله يطلب الإعتراف ودينونة الذات ورد المغتصب وعزل الشر.
الآيات 1-4:- و كلم الرب موسى قائلا.اوصي بني اسرائيل ان ينفوا من المحلة كل ابرص و كل ذي سيل و كل متنجس لميت. الذكر و الانثى تنفون الى خارج المحلة تنفوهم لكي لا ينجسوا محلاتهم حيث انا ساكن في وسطهم. ففعل هكذا بنو اسرائيل و نفوهم الى خارج المحلة كما كلم الرب موسى هكذا فعل بنو اسرائيل.
كان البرص يسمى فى العبرية صعرات أى كارثة لأنه جاء من قبل الرب كنتيجة لخطية الشخص ولا شفاء منه سوى بواسطة الرب (مريم أخت موسى…)
والبرص له مفهوم صحى وعزل المريض كان حتى لا ينتشر المرض فى المحلة. ولكن الله كان يهتم بأن يفهم الناس أن المهم أن لا يتلامسوا مع الخطية ويعزلوها. وما يقال عن البرص يقال عن ذى السيل أو التلامس مع ميت (فالموت نتيجة الخطية فهو معادل لها)
الايات 5-10- و كلم الرب موسى قائلا. قل لبني اسرائيل اذا عمل رجل او امراة شيئا من جميع خطايا الانسان و خان خيانة بالرب فقد اذنبت تلك النفس. فلتقر بخطيتها التي عملت و ترد ما اذنبت به بعينه و تزد عليه خمسه و تدفعه للذي اذنبت اليه. و ان كان ليس للرجل ولي ليرد اليه المذنب به فالمذنب به المردود يكون للرب لاجل الكاهن فضلا عن كبش الكفارة الذي يكفر به عنه. و كل رفيعة مع كل اقداس بني اسرائيل التي يقدمونها للكاهن تكون له. و الانسان اقداسه تكون له اذا اعطى انسان شيئا للكاهن فله يكون.
خان خيانة بالرب = المقصود بالكلمة فى الخفاء أو السر. والخطية هنا لم يراها إنسان بل الله. والخطية عموماً ناشئة عن قساوة القلب لذلك طلب الله من الخاطىء أن يلتزم بتقديم توبة صادقة وعملية وشروطها
أ- أن يعترف = فلتقر بخطيتها التى عملت (آية7) فالإعتراف يجعل القلب القاسى يلين ونلاحظ أن الإعتراف يكون أمام الله والكاهن والشخص الذى أخطأ نحوه
ب- يرد ما أذنب به أو إغتصبه فلا يستفيد من خطأه ويُظلم البرىء. بل يدفع ما سلبه ويزيد عليه الخمس كعقوبة ليعرف أن الخطية لا تفيد.
ج–تقديم ذبيحة إثم = كبش كفارة. لأن الخطية موجهة لله نفسه أولاً ولا حل إلا بتقديم ذبيحة
ويوجد فى هذا التشريع جزء زائد عن ما ورد فى سفر اللاويين أن الولى أو الكاهن يمكن أن يقبلوا الغرامة إن لم يمكن الإستدلال على الشخص المذنب فى حقه. فلا يكون غياب الشخص أو كونه غريباً عذر لعدم السداد. ويظهر هنا أنه لا تسامح فى حالة أن يكون الخطأ فى حق الغرباء.
وفى الآيات 10،9 نجد النص على حقوق الكهنة. وأعتقد أن إضافتها هنا لهُ معنى أن الله يعتبر أن عدم الوفاء بها هو خطية فى نظر الله. وحقوق الكهنة من الذبائح التى يقدمونها تسمى رفيعة وأقداس. والرفيعة تتضمن ساق الرفيعة وصور الترديد والأقداس هى الأشياء التى يقدسها الشعب للرب مثل النذور والنوافل وأجزاء الذبائح المقررة.
والإنسان أقداسه تكون له = أى الأشياء التى ينذر الإنسان أو يعطيها لله تكون للكاهن إذا كان قد نذرها للكاهن = إذا أعطى شيئاً للكاهن فله يكون
الآيات 11-31:- و كلم الرب موسى قائلا. كلم بني اسرائيل و قل لهم اذا زاغت امراة رجل و خانته خيانة و اضطجع معها رجل اضطجاع زرع و اخفي ذلك عن عيني رجلها و استترت و هي نجسة و ليس شاهد عليها و هي لم تؤخذ.فاعتراه روح الغيرة و غار على امراته و هي نجسة او اعتراه روح الغيرة و غار على امراته و هي ليست نجسة. ياتي الرجل بامراته الى الكاهن و ياتي بقربانها معها عشر الايفة من طحين شعير لا يصب عليه زيتا و لا يجعل عليه لبانا لانه تقدمة غيرة تقدمة تذكار تذكر ذنبا. فيقدمها الكاهن و يوقفها امام الرب. و ياخذ الكاهن ماء مقدسا في اناء خزف و ياخذ الكاهن من الغبار الذي في ارض المسكن و يجعل في الماء. و يوقف الكاهن المراة امام الرب و يكشف راس المراة و يجعل في يديها تقدمة التذكار التي هي تقدمة الغيرة و في يد الكاهن يكون ماء اللعنة المر. و يستحلف الكاهن المراة و يقول لها ان كان لم يضطجع معك رجل و ان كنت لم تزيغي الى نجاسة من تحت رجلك فكوني بريئة من ماء اللعنة هذا المر. و لكن ان كنت قد زغت من تحت رجلك و تنجست و جعل معك رجل غير رجلك مضجعه. يستحلف الكاهن المراة بحلف اللعنة و يقول الكاهن للمراة يجعلك الرب لعنة و حلفا بين شعبك بان يجعل الرب فخذك ساقطة و بطنك وارما. و يدخل ماء اللعنة هذا في احشائك لورم البطن و لاسقاط الفخذ فتقول المراة امين امين. و يكتب الكاهن هذه اللعنات في الكتاب ثم يمحوها في الماء المر و يسقي المراة ماء اللعنة المر فيدخل فيها ماء اللعنة للمرارة و ياخذ الكاهن من يد المراة تقدمة الغيرة و يردد التقدمة امام الرب و يقدمها الى المذبح. و يقبض الكاهن من التقدمة تذكارها و يوقده على المذبح و بعد ذلك يسقي المراة الماء. و متى سقاها الماء فان كانت قد تنجست و خانت رجلها يدخل فيها ماء اللعنة للمرارة فيرم بطنها و تسقط فخذها فتصير المراة لعنة في وسط شعبها.و ان لم تكن المراة قد تنجست بل كانت طاهرة تتبرا و تحبل بزرع. هذه شريعة الغيرة اذا زاغت امراة من تحت رجلها و تنجست. او اذا اعترى رجلا روح غيرة فغار على امراته يوقف المراة امام الرب و يعمل لها الكاهن كل هذه الشريعة. فيتبرا الرجل من الذنب و تلك المراة تحمل ذنبها
شريعة الغيرة
الأسرة هى صورة مصغرة للجماعة. والله أراد بقداسة الأسرة قداسة الجماعة كلها.
والزنا هو أبشع خطية خلالها ينحل البيت ويفقد الرجل والمرأة وحدتهما فى الرب. والزنا العائلى قد يصير مصدر لتهديد السلام فى المحلة كلها. فهو موضوع دقيق وشائك وقد يقتل الرجل زوجته أو من شك فى أنها خانته معه. ولذلك وضع الله هذه الشريعة وفيها تظهر يد الله بإعجاز إلهى. فكما أن الله تدخل بإعجاز فى موضوع المن والسلوى والماء والإنتصار على كل العقبات (البحر – جيش فرعون – عماليق….) وكما حدث فى بدء المسيحية حتى لا يمحو الشيطان المسيحية سادت المعجزات، هكذا حتى يحفظ الله سلام المحلة وقداستها كان يتدخل بصورة معجزية فى هذه الشريعة. فكما مات حنانيا وسفيرة حينما كذبا على الروح القدس هكذا كانت تمرض بل تموت الزوجة الخائنة إذا هى أصرت على إنكار خطيتها
المحاكمات الدينية العالمية
فى اللغة الإنجليزية كلمتان وكلاهما يعنيان محاكمة. الأولى هى المحاكمة العادية TRIAL والثانية هى المحاكمات الدينية ORDEAL ويعتقد منفذو هذا النوع من المحكمات أن هناك قوى خارقة للطبيعة سوف تكشف براءة المتهم أو ثبوت التهمة عليه.
وكلمة ORDEAL تنقسم إلى OR وهى تعنى باللاتينية الكبير أو المقدس أو الأكبر وكلمة DEAL أيضاً لاتينية وتعنى محاكمة. وربما إنتشرت هذه المحكمات كتقليد للطقس اليهودى فى شريعة الغيرة ولكن شتان الفرق فهنا الله يتدخل دون تعذيب أو وسائل مرعبة لكن فى الطقوس العالمية الوثنية كانت توجد وسائل تعذيب مثل أن يسير المذنب على فم مشتعل فإن نجا ولم يحترق كان بريئاً (وهذا غالباً ما إتبع مع البابا المصرى ديمتريوس الكرام) أو يمسك المذنب بحديد مشتعل أو يجوز فى النار. وإنتشرت هذه العادات وسط الشعوب الوثنية. ولاحظ الفرق فكانت المرأة المذنبة عند اليهود تصاب بيد الله ولكن عند الوثنيين حيث لا إله كانوا مضطرين لمثل هذه الممارسات البشعة
ويذكر التقليد اليهودى أن الرجل الذى صنع فعل الونا مع المرأة كانت تحدث له نفس الأعراض ويموت فى نفس يوم موت المرأة وكانا كلاهما يموتان فى حالة أليمة نتيجة اللعنة وفى فترة قصيرة. وكان التقليد اليهودى أيضاً يقول أنه إذا كان الرجل هو ايضاً تحذرنى وبعد هذا شك فى زوجته وذهب ليتشكيها كانت لا تظهر عليها أى أعراض حتى لو كانت زانية. ولما إنتشر الزنا وسط الشعب أصبحت هذه الشريعة غير مطبقة، بل أن الله نفسه أصبح لا يعاقب (هو 14،13:4) وهذا أبشع ما يمكن تصوره، أن الله لا يعاقب فمن يحبه الله يؤدبه. وإذا لم يؤدب فهو يأس تماماً من الشخص وبذلك فقد حكم عليه بالهلاك. وكان التقليد يقول أيضاً إن الرجل الذى يذهب ليشكو زوجته أمام الكاهن كان عليه أن يذكر مبرراته. والله لن يعدم طريقة يظهر بها البرىء. أما من يفسد هيكل إبن الله يفسده الله. وإن إعرتفت المرأة بخطيتها كانت تطلق ولا تأخذ مهرها ولكنها لا تقتل
آية13:-وهى لم تؤخذ = أى لم تضبط فى ذات الفعل. وبقى الأمر خافياً
آية14:-وهى نجسة = أى تكون قد زنت بالفعل
آية15:-إلى الكاهن = فهى محاكمة فى حضور الله. ولأن الخطية فى المقام الأول هى موجهة ضد الله فيلزم الإتيان بتقدمة ولا يظهروا فارغين أمام الله
من طحين شعير = الشعير طعام الفقراء ويستخدم فى أزمنة القحط والضيق، وهذا الظرف، ظرف الخيانة الزوجية هو ظرف ضيق وليس فرح. ولا يصيب عليه زيتاً = فالزيت رمز للروح القدس ومن ثماره فرح والزيت يطيب الجراحات ونحن الآن أمام إمرأة لا تريد أن تعترف وها هى مقبلة على طقس يفضحها فلا يوجد لها زيت يطيب جراحاتها ولا يجعل عليه لباناً = فاللبان أو البخور رمز للصلوات النقية وهى بلا إعتراف لا توجد صلاة تشفع فيها. هذا نصيب من يكتم خطاياه فلا ينجح
آية17:-ماء مقدساً = يحتمل أن يكون من المرحضة أو ماء به من رماد البقرة الحمراء
الغبار الذى فى أرض المسكن = هو مقدس لأنه من أرض المسكن. والغبار إشارة إلى اللعنة فمن نتائج الخطية أن الحية تسير على بطنها وتأكل تراباً (تك14:3)
والغبار إشارة للإنسحاق الذى يشعر به الخاطىء وحقارة الخطية. إناء خزف = فهو أرخص شىء وهو يشير للجسد. ولاحظ العمل كله مقدس فالماء مقدس والغبار كذلك.
آية18:-يكشف راس المرأة = هذا يكون وقت الحداد والحزن والندم. وفى الشرق يكون كشف الرأس علامة على إحتقار. ماء اللعنة المر = لأنه سيتحول إلى مرارة فى جوف الخاطئة وهذه عقوبة الخطية
آية19:-من تحت رجلك = أى أخطأت فى حق الرجل الذى أنت تحت سلطانه
آية21:-يجعلك الرب لعنة وحلفاً = أى تحلف الفساد هكذا يُجعلنى الرب كغلافة إن كنت قد فعلت كذا وكذا…” فخذك ساقطة = هو نوع من الشلل أو سقوط الرحم وهو عار أمام الكل
آية22:-أمين أمين = التكرار هو نوع من التأكيد. أو إحداهما للبركات والآخرى للعنات.
تأمل روحى فى هذا الطقس
+ الزوج هو الله والزوجة هو أنا. وعلينا أن نفحص نفوسنا ونعترف إذاً كان هناك شك قبل أن تأتى اللعنة فإلهنا إله غيور.
+ والإنسان هو الإناء الخزفى الذى يحوى كنز ” ولكن لنا هذا الكنز فى أوان خزفية (2كو7:4) والماء يشير للروح القدس وعمله فى قلوبنا، وكلمة الله التى تفضح وتكشف الأفكار فى الأعماق (= كشف رأس المرأة) فالروح القدس يذكرنا بكلمة الله ويبكتنا. وإذا رفضنا التوبة يصير داخلنا مراً. ولاحظ أن الطقس يتم فى حضور كاهن وهذا إشارة للإعتراف (سر الإعتراف) وسر الإعتراف هو إعتراف لله فى وجود كاهن ويسبقه توبة أى وقفة أمام الله وأترك لروح الله أن يقوينى فأتوب. والزنا الروحى هو حب شىء أكثر من حب الله والمرأة تقدم قربان وهو رمز للمسيح الذى قدم ذاته عن الخطاة والزناة حتى للذين خانوه والقربان بلا ويت ولا لبان لأنه صار لا منظر لهُ ولا جمال فنشتهيه. والغبار رمز للموت وهذا عمل الروح القدس فينا فهو يجعلنا نموت عن العالم وهو موت مستمر من موت المسيح. ومن يرفض يكون داخله مراً.
وبطنه تتورم = ينتفخ من الكبرياء والفخذ ساقط = أى لا يستطيع السير فى طريق الله. إذاً كلمة الله بعمل الروح القدس تفضح الإنسان إن كان متكبراً أو طاهراً فيكون لهُ ثمار الروح.