تفسير سفر الأمثال ١٣ للقمص أنطونيوس فكري
تفسير الأمثال – الإصحاح الثالث عشر
آية (1): “الابن الحكيم يقبل تأديب أبيه والمستهزئ لا يسمع انتهاراً.”
الحكمة الحقة أن يقر الابن أن أباه الأكثر خبرة هو أكثر حكمة (قارن مع 1:12).
آية (2): “من ثمرة فمه يأكل الإنسان خيراً ومرام الغادرين ظلم.”
من ثمرة فمه= أي أن من يزرع خيراً في أقواله يشبع خيراً من ثمار زرعه. مرام الغادرين ظلم= أي شهوة الغادرين إرتكاب الظلم. والغادر هو المتمرد على الله وهو يشتهي أن يشبع من ثمار ظلمه.
آية (3): “من يحفظ فمه يحفظ نفسه من يشحر شفتيه فله هلاك.”
يحفظ فمه= يضبط أقواله ويفكر مرة ومرتين قبل أن يتكلم. يشحر بشفتيه= أي يفتح شفتيه واسعتين متهوراً في كلامه، أو ساخراً ممن أمامه بطريقة هازئة مبتذلة، متكلماً بكبرياء مهدداً أو متوعداً وربما لا يكون له قدرة على التنفيذ. وعن ضبط اللسان والفم (راجع يع3). ومثال لضبط اللسان نجد داود وعكسه شمعى مثال لمن يشحر بشفتيه. قال أحدهم أن الله خلق لنا عينان لنرى كثيراً وأذنان لنسمع كثيراً ولسان واحد لنتكلم قليلاً.
آية (4): “نفس الكسلان تشتهي ولا شيء لها ونفس المجتهدين تسمن.”
هي حث على الجهاد. وروحياً من لا يجتهد في طريق الله لن يعرف لذة هذا الطريق.
الآيات (5،6): “الصديق يبغض كلام كذب والشرير يخزي ويخجل. البر يحفظ الكامل طريقه والشر يقلب الخاطئ.”
الصديق يبغض كلام الكذب والضلال والزيف فهو داخلياً يدين هذا. الشرير يخزى= الشرير بكثرة كذبه يصير مكروهاً بل يُخْجِلْ من يعرفه، بل حين يفتح الله عينيه يكره هو نفسه ويخجل من نفسه. أما الكامل فبره يحفظه من كل مؤامرات وخداعات إبليس.
آية (7): “يوجد من يتغانى ولا شيء عنده ومن يتفاقر وعنده غنى جزيل.”
الحكيم هنا يهاجم النفاق، فالفقير الذي يدَّعي الثراء ليجد التوقير الذي يلقاه الغني. والغني الذي يدعي الفقر خوفاً من الحسد أو أن يطالبه أحد بشئ. كلاهما كاذبين. والغني ليس مطالباً أن يكشف للناس عن ثروته ولكن في نفس الوقت لا يُقْبَل أن يجلس وسط الناس مدعياً الفقر وأنه لا يملك شئ. والآية تفهم بطريق آخر أيضاً فالفقير الذي يريد أن يعيش على مستوى الأغنياء يضر نفسه ويتسبب في خراب بيته. والغنى الذي أعطاه الله لكنه يحيا في بخل وشح هو يحرم عائلته من بركات أعطاها لهم الله. وتفهم الآية روحياً بأن هناك أشرار (فقراء روحياً) لكنهم يدعون التدين. وهناك من أعطاهم الله كثيراً ولكنهم في صغر نفس يرفضون الخدمة (كما رفض موسى أن يذهب أولاً فغضب الله عليه).
آية (8): “فدية نفس رجل غناه أما الفقير فلا يسمع انتهاراً.”
هنا الحكيم يشرح أنه كما أن للغني مميزاته فالفقير أيضاً له مميزاته. فالغني قد يستفيد من غناه ليدفع فدية (الفدية تدفع حتى يتركونه حياً أو يتركوا أملاكه ولا ينهبونها) أما الفقير فلا يوجد من يهدده أو يضايقه بل يحيا في سلام فلا يوجد عنده ما يخاف عليه. فلا يجب أن يحسد الفقير غنياً على غناه، فغناه قد يكون سبباً أن يطمع فيه الناس فيتعرض للخطر.
آية (9): “نور الصديقين يفرح وسراج الأشرار ينطفئ.”
الصديق المملوء بالروح القدس هو كالمصباح المملوء بالزيت (زيت النعمة) وهذا يكون منيراً، هو يفرح (ثمار الروح فرح) ويفيض على الآخرين فيفرح من حوله. وأفراح الصديقين أكيدة مثل نور الشمس، قد تحيط بها السحب إلى حين ولكنها لابد وستظهر أما الشرير فحتى لو أضاء للحظة سراجه فلابد وسينطفئ، ففرح الشرير يهرب منه ولابد أن يتحول إلى حزن، فأفراح الأشرار هي من صنعهم، مصباحهم هم أضاءوه وليس الله، إذاً لا يثبت.
آية (10): “الخصام إنما يصير بالكبرياء ومع المتشاورين حكمة.”
التمسك بالكرامة بحماقة يسبب نزاع بلا حل، أما الوداعة فهي سريعاً ما تبطل الخصام (مثال جدعون مع أهل أفرايم). المتشاورين= هم من يقبلون أن يسمعوا المشورة، ولا يتخذون قراراً بإندفاع، بل يسمعون في وداعة وتواضع (وتنطبق على من يسمع وصية الله).
آية (11): “غنى البطل يقل ولجامع بيده يزداد.”
غنى البطل= الثروة المحصلة بالباطل وبغير حق تكون بلا بركة. الجامع بيده= من يعمل بكده.
آية (12): “الرجاء المماطل يمرض القلب والشهوة المتممة شجرة حياة.”
الرجاء المماطل= ما يؤذي النفس أنها تشتهي ولا تجد تحقيقاً لرغباتها (يع1:4-3) وكلما كان الرجاء في شئ شبه أكيد ثم لا يتحقق بقدر ما تكون آلام النفس= يمرض القلب والعكس لو تمت شهوة إنسان، أي لو اشتهى وتمنى شيئاً وناله= الشهوة المتممة فهذا يكون له كمصدر حياة يحيي موات نفسه. لذلك كل من يضع ثقته ورجاؤه في هذا العالم الباطل الزائل سيخزى حين يبيد العالم، أما من وضع رجاؤه في المسيح وفي نصيبه في السماء فسيجد المسيح له شجرة حياة ويكون هو نصيبه الأكيد.
آية (13): “من ازدرى بالكلمة يخرب نفسه ومن خشي الوصية يكافأ.”
من ازدرى بالكلمة= فرعون إزدرى بكلام موسى، وأربعة ملوك يهوذا الأواخر إزدروا بكلام أرمياء. وماذا كان نصيب كل منهم= يخرب نفسه. وهكذا كل من يزدري بكلمات النصح الحكيمة.
آية (14): “شريعة الحكيم ينبوع حياة للحيدان عن أشراك الموت.”
شريعة الحكيم= تترجم الشريعة للحكيم ينبوع حياة= الكتاب المقدس وتعليم الكنيسة من يطيعهما يحفظ نفسه من حيل إبليس التي هي أشراك الموت.
آية (15): “الفطنة الجيدة تمنح نعمة أما طريق الغادرين فاوعر.”
طريق القديسين ليس فقط حلو في نهايته بل هم يعيشون في سلام أثناء حياتهم على الأرض، والقديسين كانت لهم فطنة جيدة إذ اختاروا هذا الطريق. هؤلاء يكونون مقبولين عند الله والناس، في سلام مع الله ومع الناس. أما الشرير فطريقه إلى جهنم مفروش أيضاً بالأشواك التي هي ثمر شره وخطاياه.
آية (16): “كل ذكي يعمل بالمعرفة والجاهل ينشر حمقاً.”
الذكي= هو من يطيع وصايا الله فيمتلئ حكمة، وهذا يتشاور ويأخذ قراره بهدوء. أما الجاهل فهو مندفع ولا يتشاور وينشر حمقاً= أي يكتشف الناس حماقته أينما ذهب. معدن كلاهما يظهر للناس.
آية (17): “الرسول الشرير يقع في الشر والسفير الأمين شفاء.”
هنا مقارنة بين رسول أمين جدير بالثقة ويعتمد عليه وبين رسول لا يعتمد عليه. فالرسول الشرير هو من يذهب ليتفاوض بالنيابة عمن أرسله فيفشي سره ويفسد صفقة صاحبه أما الرسول الأمين في إرساليته فشفاء= أي يضمن نجاح من أرسله في مأموريته. الأول يتسبب في زيادة النزاع والثاني يصلح بين الأطراف. وكل رسل وخدام المسيح يجب أن يكونوا رسلاً أمناء “نسعى كسفراء كأن المسيح يعظ بنا” حاملين كلمات المسيح التي فيها شفاء للمتألمين.
آية (18): “فقر وهوان لمن يرفض التأديب ومن يلاحظ التوبيخ يكرم.”
المتواضع الذي يقبل التعليم يكون هذا لكرامته.
آية (19): “الشهوة الحاصلة تلذ النفس أما كراهة الجهال فهي الحيدان عن الشر.”
الله أعطانا أن تكون لنا شهوات مقدسة تجاهه ومن يحصل عليها يجد لذة وفرح (مز6:4،7). وما أحلى أن تكون لنا شهوة مقدسة وتتحقق فالشهوة الحاصلة تلذ النفس= أي الرغبة متى تمت تكون سبباً للذة النفس. أما الجهال فيكرهوا أن يتركوا شرورهم أو يحيدوا عنها فهم لا يشتهون سوى إرضاء غرائزهم لذلك لا يعرفون الفرح الحقيقي.
آية (20): “المساير الحكماء يصير حكيماً ورفيق الجهال يضر.”
يعرف الإنسان من أصدقائه، فمن يصادق حكماء يصير مثلهم والعكس (رحبعام كمثال).
الآيات (21،22): “الشر يتبع الخاطئين والصديقون يجازون خيراً. الصالح يورث بني البنين وثروة الخاطئ تذخر للصديق.”
نرى هنا مجازاة الله العادلة فالشر يتبع الشرير. بل تظهر بركة الله مع الصديق حتى أجيال بني بنيه، فثروته لا تتبدد بل تنتقل إلى بني بنيه. والصالح يورث بني بنيه ليس فقط أموالاً وممتلكات بل صلاحاً وخيراً وتعاليم صالحة ووصاياه (بنى ركاب أر35) أما الشرير فسرعان ما يخسر ما جمعه بل يذهب لأيدي الصديق الأكثر أمانة (مز17:103).
آية (23): “في حرث الفقراء طعام كثير ويوجد هالك من عدم الحق.”
الفقير المجتهد ينال ثمرة تعبه. وهكذا روحياً فمن يجاهد كثيراً يأخذ كثيراً ومن يزرع بالشح فبالشح يحصد. ومن له وزنات قليلة مع اجتهاده يصير له كثير، هو كان أميناً على القليل فأقامه الله على الكثير. فالفقير المجتهد ويسلك بأمانة يكسب ويكون له الكثير والعكس فمن لا يسلك بالحق يخسر ما عنده.
آية (24): “من يمنع عصاه يمقت ابنه ومن احبه يطلب له التأديب.”
ليس من المحبة أن يترك الأب ابنه بلا تأديب، فتنمو في داخله ميول ونوازع خاطئة تسبب له خراب في المستقبل، وتأديب الابن الصغير أسهل من تقويم الكبير فالغصن الرخص أي الذي مازال أخضراً يسهل ثنيه (قبل أن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر).
آية (25): “الصديق يأكل لشبع نفسه أما بطن الأشرار فيحتاج.”
الصديق قد يكون له قليل ولكنه يشبع لأنه له بركة. وهذا عكس الأشرار فهم بلا بركة ودائماً يشعرون بعدم الشبع. ونلاحظ النهاية فالغني اشتهى قطرة ماء وهو في الجحيم.
تفسير أمثال 12 | تفسير سفر الأمثال | تفسير العهد القديم |
تفسير أمثال 14 |
القمص أنطونيوس فكري | |||
تفاسير سفر الأمثال | تفاسير العهد القديم |