تفسير سفر الأمثال ٢٨ للقمص أنطونيوس فكري
تفسير الأمثال – الإصحاح الثامن والعشرون
آية (1): “الشرير يهرب ولا طارد أما الصديقون فكشبل ثبيت.”
الخطية تجعل الخاطئ في رعب دائم وجبن (قايين كمثال). فمن جعل الله عدوه يتصور أن الخليقة كلها في حرب معه (تث25:28 + لا36:26). والعكس فأولاد الله لا يخافون إذ هم واثقين في حماية الله (الشهداء لم يخافوا حتى الموت) “إن قام علىّ جيش ففي هذا أنا أطمئن”.
آية (2): “لمعصية ارض تكثر رؤساؤها لكن بذي فهم ومعرفة تدوم.”
الكلام عنا عن الثورات وتمرد الشعوب ضد الملك بقيادة ثوار كثيرين فهذا يؤدي لخراب المملكة، وهكذا داخل الكنيسة. أما حين يكون على رأس المملكة رجل ذو حكمة وفهم يكون حال هذا الشعب أكثر راحة. ورئيس الكنيسة (البطريرك أو الأساقفة) ليسوا ذوي فهم فقط بل هم لهم هذه الموهبة من الروح القدس. وهذا المثل كان واضحاً جداً في أيام حزقيا الملك فكان شعبه يقارن بين ملكهم وقداسته وحكمته وعمل الله معه وانهيار المملكة الشمالية المتمردة المنشقة بعد أن توالي على حكمها ملوك وأسر عديدة. ونلاحظ أن الله يسمح بمثل هذه الفوضى لو انتشرت الخطية بشكل عام، الله يسمح بهذا للتأديب.
آية (3): “الرجل الفقير الذي يظلم فقراء هو مطر جارف لا يبقي طعاماً.”
الفقير حين يمتلك سلطة قد يعامل الفقراء أسوأ مما يعاملهم به الآخرون ويكون مثل المطر الجارف الذي بدلاً من أن يساعد على نمو البذرة فإنه يجرفها مدمراً التربة. هكذا كان العشارين أيام المسيح (مت28:18 + لو8:19) فهؤلاء كانوا يسعون للحصول على الثروة بظلم الفقراء. ونحن فقراء في النعمة والصلاح فهل نغفر لإخوتنا.
الآيات (4،5): “تاركو الشريعة يمدحون الأشرار وحافظو الشريعة يخاصمونهم. الناس الأشرار لا يفهمون الحق وطالبو الرب يفهمون كل شيء.”
هناك من يبرر الظالم في ظلمه وذلك لأنه ظالم مثله وهو بهذا يريد أن يكون جماعة متحدة في الشر يساندهم ويدعمهم ليساندوه. ومن يبرر الظلم عند الآخرين هو ذو ضمير قلق من جهة طرقه وهو يشجع الشر بصوت عالٍ ليسكن ضميره المتعب. والعكس فالسالك باستقامة قادر على توبيخ الخاطئ. ولاحظ أن الله يعطي للمستقيمين فهماً (1يو20:2)، ويعطي روح الفهم وقدرة على فهم كل شئ (1كو12:2،15 + يو17:7). بينما أن ظلمة الفكر تتبع سيادة الشهوة على حياة الإنسان. فالفساد يعمي العينين ولا يعود الإنسان قادراً على تمييز أن الوصايا الإلهية إنما هي لمصلحته. فهو أصبح لا يرى النور الموجود في الوصية.
آية (6): “الفقير السالك باستقامته خير من معوج الطرق وهو غني.”
إن الفقير الأمين يجد عزاء وسلام من الله وهذا عكس الغني الشرير (قارن مع 1:19) وكثرة الأموال ليست دليلاً على رضى الله بل هناك فقراء قديسين كثيرين يتمتعون بالسلام ومحبة وتقدير الناس لهم أكثر من الأغنياء الأشرار.
آية (7): “الحافظ الشريعة هو ابن فهيم وصاحب المسرفين يخجل أباه.”
مثال الابن الضال وفرحة أبيه برجوعه. فالله أبونا السماوي، بل السماء كلها بالإضافة إلى أبائنا بالجسد على الأرض، الكل يفرح بالابن التائب الحافظ للشريعة. ومن يفعل هذا يكون حكيماً فعلاً. فالشريعة وكلام الله ووصاياه هي الحكمة الحقيقية وهي تجعل الإنسان كاملاً فعلاً. والعكس فمن يسلك في الشر يكون هذا لخزيه وعاراً لأبويه لأنهما لم يرشداه (عالي وابنيه).
آية (8): “المكثر ماله بالربا والمرابحة فلمن يرحم الفقراء يجمعه.”
الاغتصاب والطمع مكروهين من الله وهكذا الربا. ومن يحصل أمواله بالظلم يموت في منتصف أيامه وتذهب أمواله لمن يرحم الفقراء. فالعناية الإلهية كثيراً ما تعاقب الظالم وتكافئ الرحيم (لو24:19).
آية (9): “من يحول أذنه عن سماع الشريعة فصلاته أيضاً مكرهة.”
الله يسمع صلوات ذوي القلوب التائبة المستقيمة (أش11:1،15 + مز18:66 + أم8:15) ونلاحظ أن صلتنا بالله هي صلة متبادلة. نحن نكلم الله في صلاتنا والله يكلمنا بكلمته المقدسة وشريعته ووصاياه فإذا استجبنا له يستمر الحوار ويستجيب لنا. والمعاند تصير صلاته مكروهة.
آية (10): “من يضل المستقيمين في طريق رديئة ففي حفرته يسقط هو أما الكملة فيمتلكون خيراً.”
الكملة= الكاملين (مت26:18، 14:23،15). ولنلاحظ أن محاولة تضليل المستقيم مكروهة جداً لدى الرب (بلعام كمثال عد16:31 + رؤ14:2).
آية (11): “الرجل الغني حكيم في عيني نفسه والفقير الفهيم يفحصه.”
الثروة والمال تدعو للغرور والكبرياء وهذا يقود صاحبه للجهل، أما الفقير لو كان حكيماً وقديساً فسيكتشف حقيقة هذا الغني وأنه مسكين وبائس ومخدوع (رؤ17:3). والغني مغرور يظن أنه بذراعه وحكمته حصَّل هذه الثروة فيظن أنه بالتالي قادر على فهم أي شئ بل هو مصدر الحكمة.
آية (12): “إذا فرح الصديقون عظم الفخر وعند قيام الأشرار تختفي الناس.”
إذا انتصر الصديق يكون فرح وفخر عظيم لانتصار الخير. أما لو نجح الشرير يكون هذا مصدر خوف للناس فيختفون من أمام الأشرار حتى لا يكونوا هدفاً لمؤامراتهم. وهذا ما حدث أيام إيليا حتى أن إيليا ظن أن الأرض خلت من الأبرار.
آية (13): “من يكتم خطاياه لا ينجح ومن يقر بها ويتركها يرحم.”
قارن مع (1يو9:1 + أر12:3،13). والخاطئ يميل لعدم الاعتراف ولتبرير نفسه فيما فعل، كما فعل آدم وحواء. بل أن بعض الخطاة يلقي بالتبعة على الله. ولكن من يدين نفسه ويعترف يرحمه الله ومن لا يدين نفسه سيدينه الله (مز3:32،4). فالمريض الذي لا يريد كشف مرضه سيظل مريضاً. وهذا فائدة سر الاعتراف، فالله يدفعنا لأن نعترف بخطايانا فيرحمنا. وحتى الكنائس التي أنكرت سر الاعتراف عادت وعرفت قيمته.
آية (14): “طوبى للإنسان المتقي دائما أما المقسي قلبه فيسقط في الشر.”
من يسلك في طريق الله ووصاياه مجاهداً ليحفظها، يباركه الله ويحفظه من الشر، أما المبتعد عن الله في قسوة قلب فهو بلا حماية يسقط في الشر.
الآيات (15،16): “أسد زائر ودب ثائر المتسلط الشرير على شعب فقير. رئيس ناقص الفهم وكثير المظالم مبغض الرشوة تطول أيامه.”
مثال لهذا أخاب وما فعله مع نابوت، فالحاكم الشرير يظلم ويرتشي ويعوج القضاء ويغتصب الأبرياء، وهذه مواصفات إبليس تماماً. وهو يفعل هذا فيمن يملكه على نفسه فهو قتال للناس منذ البدء.
آية (17): “الرجل المثقل بدم نفس يهرب إلى الجب لا يمسكنه أحد.”
الإنسان الذي قتل إنساناً آخر أو تسبب في قتله يسبب له هذا ثقلاً فظيعاً على ضميره قد يدفعه للإنتحار (يهوذا كمثال) قارن مع (تك6:9). وهذا ما حدث مع قايين فهو هرب وظل تائهاً. لا يمسكنه أحد= على الحاكم المسئول قتل هذا القاتل حسب الشريعة ولا يصح تبرئته بأن يدفع فدية فالدم لا فدية له، حتى لو هرب يجب ملاحقته وعقابه، لذلك قتل سليمان يوآب.
آية (18): “السالك بالكمال يخلص والملتوي في طريقين يسقط في إحداهما.”
السالك بالكمال يخلص في يوم الدينونة. ويكون له بركة في حياته، أما الملتوي فهو يسقط دائماً في مؤامرته.
آية (19): “المشتغل بأرضه يشبع خبزاً وتابع البطالين يشبع فقراً.”
الاجتهاد يشبع صاحبه، ومن يتبع البطالين التافهين يفتقر (مادياً وروحياً).
آية (20): “الرجل الأمين كثير البركات والمستعجل إلى الغنى لا يبرأ.”
الرجل الأمين كثير الغني من كنزه السماوي، فمن هو أمين لله يكون الله أميناً معه. فالإنسان الأمين هدفه الأسمى إرضاء الله، ولكن هناك نوع آخر من الناس هدفهم جمع المال والغني غير ناظرين لله. وهؤلاء تكون لهم طرقهم الملتوية للحصول على المال، فلا يتبررون يوم يسألهم الله عن مسلكهم.
آية (21): “محاباة الوجوه ليست صالحة فيذنب الإنسان لأجل كسرة خبز.”
من يحابي الوجوه خائن، لا مبدأ له، لا ينظر إلا لمصلحته المادية حتى لو كانت كسرة خبز.
آية (22): “ذو العين الشريرة يعجل إلى الغنى ولا يعلم أن الفقر يأتيه.”
العين الشريرة= هي العين الطماعة وهي دليل قلب يتعجل الغني، مثل هذا لا بركة له.
آية (23): “من يوبخ إنساناً يجد أخيراً نعمة اكثر من المطري باللسان.”
المرائي الذي يطرى([**]) من أمامه يرضيه للحظة، ولكن من يوبخ إنساناً ليمنعه من شر حقيقي فله نعمة حقيقية سيقدرها هذا بعد حين حتى لو غضب من التوبيخ لفترة.
آية (24): “السالب أباه أو أمه وهو يقول لا باس فهو رفيق لرجل مخرب.”
هذه عن الشاب الذي ينفق أملاك أبيه وأمه متصوراً أن هذا حقه (الابن الضال) أو يستدين لينفق ببذخ ثم يطالب أبيه بدفع ما عليه، وهو يدّعي أن هذا حقه فمال أبيه هو ماله. ويقول لا بأس= أي يعلن في جرأة أنه غير خاطئ. هذا تماماً يكون كالمجرم الذي يخرب ما للآخرين، فهو سارق متمرد على أبيه، قاسي من نحوه وغير طائع.
الآيات (25،26): “المنتفخ النفس يهيج الخصام والمتكل على الرب يسمن. المتكل على قلبه هو جاهل والسالك بحكمة هو ينجو.”
المنتفخ النفس= هنا لا يقصد الكبرياء. بل كلمة منتفخ النفس بالعبرية معناها ذي الروح الشره أي الطماع، ومثل هذا في سبيل طمعه يعادي أشخاصاً صالحين، بل يعادي كل واحد. وهنا يقارنه بالمتكل على الرب لأن هذا الطماع يظن أنه بذكائه ومؤامراته وصراعه على المكسب تزداد ثروته، أما المتكل على الرب فهو يعمل ويكد بأمانة لكن لا يصارع أحد فتكون نفسه مطمئنة ويحيا في سلام فيسمَّن أي يباركه الرب فعلاً.
المتكل على قلبه= والقلب مخادع ونجيس (أر9:17،10) لذلك علينا أن لا نتكل عليه أو نثق فيه فهو شره للعالم. والعكس من يسلك بحكمة طائعاً وصايا الله ينجو.
آية (27): “من يعطي الفقير لا يحتاج ولمن يحجب عنه عينيه لعنات كثيرة.”
المشفق على المحتاج يبارك له الرب (أرملة صرفة صيدا) فالله يرد للمحسن بسخاء.
آية (28): “عند قيام الأشرار تختبئ الناس وبهلاكهم يكثر الصديقون.”
يكرر أية (22) وواضح أنه يهتم بموضوع الحكام الأشرار ومساوئهم.
تفسير أمثال 27 | تفسير سفر الأمثال | تفسير العهد القديم |
تفسير أمثال 29 |
القمص أنطونيوس فكري | |||
تفاسير سفر الأمثال | تفاسير العهد القديم |