تفسير سفر الأمثال ٣١ للقمص تادرس يعقوب
الأصحاح الحادي والثلاثون
كَلاَمُ لَمُوئِيلَ مَلِكِ مَسَّا
في الأصحاح السابق رأينا عمل السيد المسيح في حياة المؤمن، وإمكانياته العاملة فيه، أما في هذا الأصحاح فنجد أم لموئيل، أي الكنيسة تقدم وصاياها لأولادها بكونهم ملوكًا في الرب، يتمتعون بالعرس الملوكي السماوي. فالقسم الأول من هذا الأصحاح يمس حياتنا التي يلزم أن تكون لائقة بنا كملوكٍ، والقسم الثاني يمسها بكوننا عروسًا للمسيح، ثمنها يفوق اللآلئ!
هكذا جاء الأصحاح الختامي يقدم نصائح للملك، كما يعطي صورة رائعة عن المرأة الصالحة. أما ما وراء هذا الأصحاح فهو الآتي:
ا. لعل بثشبع خشت على ابنها سليمان من حياة التدليل والتسيب، سواء من جهة شرب الخمر أو الالتصاق بالنساء ولو كزوجات.
ب. يقدم لنا الكاتب السمات اللائقة بالمؤمن، سواء كملكٍ روحي مُلتزم، أو كعروسٍ معدة للعرس السماوي لها سماتها الفائقة.
ج. يقدم لنا أيضًا السمات اللائقة بالكنيسة، سواء كملكةٍ تجلس عن يمين الملك السماوي، أو كعروسٍ معدة للعرس السماوي.
د. يحمل هذا الأصحاح دعوة خفية للاقتران بالحكمة للتمتع بالحياة الملوكية الحكيمة والعرس السماوي.
في بداية السفر يحذرنا الحكيم من المرأة الوثنية المتملقة بكلامها (أم 2: 16)، وهنا يختم السفر بحديث طويل عن المرأة الصالحة.
إنه يمتدح كل ما فيها، فإن يديها تشتهيان أن تعملا [13، 19]، أما عن عملها فهو مُثمر ومُنتج [31]. تود أن تمارس كل عملٍ كالطبخ والنسيج وتدبير الأمور حتى فلاحة الحديقة. لا تترك أسرتها في عوزٍ، سخية في عطائها لأسرتها كما للمحتاجين [20]. فمها ينطق بالحكمة [28]، فتقدم مشورة حكيمة لأسرتها ولأصدقائها. وعيناها يقظتان، تنتهزان كل فرصة للعمل البنَّاء، وإشباع احتياجات بيتها.
أما أعظم ما فيها، فهو قلبها الأمين والمخلص للرب ولزوجها [11-12].
لهذا يمتدحها رجلها وأبناؤها [28-29]، بل أعمالها تمتدحها وتشهد لها [31]. جمالها ليس بالمظهر الغاش الخارجي، بل بالأعماق المقدسة [30] (1 بط 3: 1-6)[1007].
- مقدمة 1-2.
- هروب الملك من الملذات الشريرة3-9.
ا. تحذير من الشريرات3.
ب. تحذير من الخمر4-7.
ج. معاونة المتألمين8-9.
- المرأة الفاضلة10-31.
ا. فاضلة ثَمَنَهَا يَفُوقُ اللآَلِئ 10.
ب. موضع ثقة رجلها 11.
ج. تقواها الدائمة 12.
د. عاملة 13-19.
هـ. رحمتها على الفقراء 20-22.
و. بسببها يُكرم رجلها بين الشيوخ 23-26.
ز. اهتمامها بأهل بيتها 27.
ح. كرامتها ونظرتها المملوءة رجاءً 28-29.
ط. حكمتها وجمالها الداخلي 30-31.
- مقدمة
كَلاَمُ لَمُوئِيلَ مَلِكِ مَسَّا.
عَلَّمَتْهُ إِيَّاهُ أُمُّهُ: [ع 1].
يقدم لنا هذا الأصحاح الأمثال التي سجلها لموئيل ملك مسَّا، وقد علمته إياها أمه. فمن هو لموئيل؟
أ. يرى بعض الدارسين أنه ملك على قبيلة تُسمى مسَّا وليس على يهوذا، وأنه ملك مجهول، أرشده روح الله القدوس لكتابة هذه الأمثال.
ب. إذ لم يوجد ملك على يهوذا بهذا الاسم، يرى البعض أنه يُقصد به سليمان نفسه. يرى البعض أن كلمة “مسَّا” ربما تعني موضعًا معينًا. ويرى آخرون أنها تعني “تعليمًا” وهو موضوع الإعلان أو الوحي الإلهي. بهذا تكون أُمه هي بثشبع التي قدمت بروح الله إرشادًا لابنها الملك عن ما يجب أن يكون عليه في سلوكه خاصة في الولائم الملوكية، وما يلزم أن يراعيه عند اختياره زوجته.
يرى البعض[1008] أن كاتب هذا الأصحاح هو سليمان الملك. وقد أعطى الله لسليمان اسمًا جديدًا “يديديا”، الذي يعني “محبوب الرب” (2 صم 12: 25)، أما لموئيل فيعني “المكرس للرب”، وغالبًا كان هذا هو الاسم الذي كانت تلقبه به أمه منذ ولادته. يخجل كثير من الرجال، خاصة أصحاب المراكز العُليا، من ذكر الاسم الذي كانت والدتهم تلقبهم به في طفولتهم. لكن سليمان يعتز بهذا الاسم، لأن والدته الحكيمة اختارت له اسمًا يذَكِّره بدوره في الحياة، كلما ناداه أحد وهو بعد طفل.
لعلَّها كلما نادت ابنها بهذا الاسم كانت ترفع قلبها لله كي يُقدسه ويُكرسه له، فيكون بحق كأبيه داود الذي شهد له الله أن قلبه يحمل صورة قلب الله.
مَاذَا يَا ابْنِي؟
ثُمَّ مَاذَا يَا ابْنَ رَحِمِي؟
ثُمَّ مَاذَا يَا ابْنَ نُذُورِي؟ [ع 2].
تكرار كلمة “ماذا” ثلاث مرات هنا للتشديد على أهمية ما تقوله، إذ تشتهي أن يكون لابنها المسلك القويم والحياة المقدسة، إذ ملك وهو شاب صغير، وخشيت عليه من الانحراف.
“يا ابن نذوري“: بعد أن سلمت نفسها لداود في الخطية، ومات ابن خطيتها اشتهت أن يعطيها الله ابنًا مقدسًا فيه مخافة الرب. لقد تابت وندمت على ما صدر منها، وأعطاها الرب هذا الابن “والرب أحبه” (2 صم 12: 24). “وأرسل بيد ناثان النبي ودعا اسمه يديديا من أجل الرب” (2 صم 12: 25).
- هروب الملك من الملذات الشريرة
ا. تحذير من الشريرات
لاَ تُعْطِ حَيْلَكَ لِلنِسَاءِ،
وَلاَ طُرُقَكَ لِمُهْلِكَاتِ المُلُوكِ [ع 3].
تُحذر الأم ابنها الملك من النساء الشريرات لئلا تفقده سلطانه الملوكي؛ فإن هذا يحطم الطاقات الجسدية والنفسية والروحية. هذا وأن الشهوات الفاسدة تحرمنا من الحضرة الإلهية، فلا ننعم بالله قوتنا وتسبحتنا! هكذا تُحذرنا الكنيسة الأم، الملكة الجالسة عن يمين ملك الملوك، من روح الزنا حتى لا نفقد سمة الملوكية، وتسقط نفوسنا تحت عبودية الشهوات.
تقدم الأم تحذيرًا لابنها الملك ألا يفسد طاقاته بواسطة النساء اللواتي يهلكن الملوك. وكما جاءت وصية الرب بخصوص الملك: “لا يكثر له النساء” (تث 17: 17).
لقد سمع سليمان لصوت أمه الحكيمة في شبابه، لكنه فيما بعد تزوج بنساء كثيرات، مستخدمًا الحكمة البشرية لكي يكسب الملوك المحيطين به، مستخفًا بالحكمة الإلهية، وكانت النتيجة أن نساءه حوَّلن قلبه عن الرب. وإن كان قد ندم وتاب بعد ذلك.
ب. تحذير من الخمر
لَيْسَ لِلْمُلُوكِ يَا لَمُوئِيل،ُ
لَيْسَ لِلْمُلُوكِ أَنْ يَشْرَبُوا خَمْرًا،
وَلاَ لِلْعُظَمَاءِ المُسْكِرُ [ع 4].
“الخمر” كمادة هي عطية صالحة إن اُستخدمت للدواء أو في وضعها اللائق، كما طلب القديس بولس من تلميذه تيموثاوس أن يشرب القليل من الخمر من أجل ما أصاب معدته من أمراض.
توصي بثشبع ابنها بأن يحكم نفسه أولاً قبل أن يحكم الشعب، تحذره من الانغماس والإفراط في شرب الخمر والمسكر، فيسقط فيما سقط فيه نوح حتى بعدما انتصر على مياه الطوفان، وأنقذ عائلته، وتمتع بالأرض الجديدة. استسلم للشرب فتعرى، وصار في عارٍ وخزي.
V خمر الجسد لا يفرح قلب الإنسان، بل يتسلط عليه وينتج جنونًا، بالحقيقة مكتوب: “ليس للملوك أن يشربوا خمرًا”. يكتب أيضًا الرسول إنه خير ألا نأكل لحمًا ولا نشرب خمرًا (رو 14: 21)، ومع ذلك أخبرنا أن الخمر يفرح قلب الإنسان. هذا يعني الخمر الروحي الذي إن شربه أحد يصير في الحال في وعي[1009]ٍ.
القديس جيروم
لِئَلاَّ يَشْرَبُوا وَيَنْسُوُا المَفْرُوض،َ
وَيُغَيِّرُوا حُجَّةَ كُلِّ بَنِي الْمَذَلَّةِ [ع 5].
إذ يطلب الإنسان ملذاته الخاصة بانغماسه في شرب الخمر ينسى التزاماته ومسئولياته من نحو خلاص نفسه، كما من نحو الخاضعين له الذين يرعاهم. ينسى دوره كقائدٍ يهتم بفحص قضايا الناس بالعدل، ورفع الظلم والمذلة عنهم. فقد كان دور الملك لا يقف عند الدور السياسي للبلد، وإنما يمارس السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية أيضًا. فإن كانت الخمر تسلب الإرادة، فكيف يسند المظلومين.
V من في العالم لا يعرف أن شرب الخمر بغير اعتدال بما يزيد عن الضرورة، هو اندفاع نحو الانحلال، وطريق لتسيب الإنسان، وأذية للشباب، وتشويه للسن، وخزي للنساء، وسم يؤدي إلى الجنون، وعون للعتة، ودمار للنفس، وقتل للفهم، وتغرُّب عن الفضيلة؟ منها ينبع المرح الدنيء، والمرارة بلا سبب، والدموع بلا معنى، والزهو بلا أساس، والكذب المعيب، والشوق نحو الوهم الكاذب، وتوقع التهديدات العنيفة الهائلة، والخوف بلا سبب، وعدم الحذر مما هو بالحق مخيف، والحسد بلا داعي، والأنس المبالغ فيه، والوعد بأمور مستحيلة – هذا دون الإشارة إلى انحناء الرأس بطريقة غير لائقة، والرعشة، والسير برأسٍ مثقلةٍ – … وحركة الأعضاء غير المتزنة، وانحناء الرقبة التي لا تقدر بعد أن تسند نفسها على الكتفين، حيث يحل الهزال بعضلات الرقبة بواسطة الخمر[1010].
القديس غريغوريوس النيسي
اَُعْطُوا مُسْكِرًا لِهَالِكٍ،
وَخَمْرًا لِمُرِّي النَفْسِ [ع 6].
تحسب هذه الأم الحكيمة أن من يسرف في الشرب يُدعى هالكًا ومُر النفس. وكأنه في شيء من التهكم تقول: لتُعطَ الخمر (والمسكر) للهالك ومُر النفس لعله ينسى إلى حين ما هو فيه من هلاك ومرارة، دون أن تنزع عنه دماره أو مرارة نفسه.
V اسمع ما يقوله الكتاب المقدس: “اُعطوا مسكرًا لهالكٍ، وخمرًا لمُرّي النفس” [6]. بحق يُمكن للخمر أن تخفف من الآلام والحزن، وتسحب الغيوم عن الجبين، وكما يقول المرتل: “الخمر يُفرح قلب الإنسان” (راجع مز 104: 15). كيف إذن يسبب الخمر سكرًا؟ فإنه لا يمكن للخمر أن يقوم بهذا الدور وذاك بطريقة متناقضة.
بلا شك لا يصدر السُكر عن الخمر، بل عن سوء التصرف. لقد أُعطيت الخمر لنا، لا لهدفٍ آخر سوى سلامة الجسد، لكن هذا الهدف قد ضاع بإساءة استخدامها. اسمع أيضًا ما يكتبه الرسول الطوباوي لتيموثاوس: “استخدم قليلاً من الخمر لأجل معدتك وأسقامك الكثيرة” (1 تي 5: 23).
هذا هو السبب الذي لأجله شكَّل الله أجسادنا في حجمٍ معتدلٍ نافعٍ فنكتفي بالقليل. بهذا يُعلمنا أنه خلقنا لكي نناسب حياة أخرى (سماوية). نحن غير مستحقين لهذه الحياة (الأخرى)، وفي الوقت الذي فيه أرجأها، لا يسمح لنا بهذا التدليل المبالغ فيه، فإن كأسًا صغيرًا من الخمر ورغيف خبز واحد يكفي لإشباع الجموع.
الله رب كل الخليقة خلق الإنسان لكي يطلب طعامًا أقل من الحيوانات، وجعل جسمه صغيرُا ليُعلن لنا بهذا أننا نسرع في طريقنا إلى حياتنا الأخرى، وليس شيئ آخر غير ذلك. قيل: “لا تسكر بالخمر التي فيها المبالغة”، فإنها لا تخلص، بل تحطم، لا الجسد وحده، بل والنفس أيضًا.
V بالتأكيد يقوم السكر لا من الخمر، وإنما من المبالغة. وُهب لنا الخمر لا لهدفٍ آخر غير صحة الجسم، ولكن هذا الهدف أيضًا يُعاق بالاستخدام غير المعتدل[1011].
القديس يوحنا الذهبي الفم
يَشْرَبُ وَيَنْسَى فَقْرَهُ،
وَلاَ يَذْكُرُ تَعَبَهُ بَعْدُ [ع 7].
V يخبرك أحكم رجل، أي سليمان قائلاً: “اُعطوا مسكرًا لهالكٍ، وخمرًا لمُرّي النفس، يشرب وينسى فقره، ولا يذكر تعبهُ بعدُ” (أم 31: 6-7). بمعنى أن أولئك الذين صاروا في ضيق الحزن والأسى بسبب أعمالهم الماضية، أسندهم بأفراح المعرفة الروحية بوفرة، وذلك مثل “خمرٍ تفرّح قلب الإنسان لإلماع وجههِ أكثر من الزيت، وخبز يسند قلب الإنسان” (مز 104: 15). هؤلاء أصلحهم بالشرب القوي لكلمة الخلاص، لئلا يغرقوا في الحزن المستمر، ويسقطوا في اليأس الذي للموت، لئلا يُبتلعوا من الحزن المفرط (2 كو 2: 7). أما الذين لا يزالون في برود واستهتار، غير مضروبين بالحزن القلبي، هؤلاء نقرأ عنهم: “كلام الشفتين إنما هو إلى الفقر” (أم 14: 23)[1012].
الأب نسطور
V يوجد علاج صالح لدى (سليمان) للحزن، فقد أوصى بتقديم خمرٍ للحزين، يقول لنا نحن العاملين في الكرم: “اُعطوا خمركم المُسكر“… الخمر الذي يفرح قلب الإنسان (مز 104: 15).
ليعهد الواحد للآخرين بهذا المُسكر غير المشوب، ولا يُحَد بكؤوس، وهو كلمة الله، بهذا يتحول حزننا إلى فرحٍ وبهجةٍ، بنعمة ابن الله الوحيد[1013].
القديس غريغوريوس النيسي
V اعتاد الأب بيمين أن يقول: “روح الله لا يدخل البيت الذي فيه مباهج ومسرّات”.
V أخبر بعض الإخوة أنبا بيمين عن أخٍ أنه لا يشرب الخمر، فقال لهم: “الخمر ليست للرهبان، لأنه لا يوجد فيها شيء نافع لسكان الأديرة”.
سأل إخوةٌ شيخًا: “ما معنى قول أنبا بيمين إن الخمر ليست للرهبان؟” فقال الشيخ: “لأن الخمر تحرّك شهوة التناسل، وتُفرِّح القلب (بشريًا)، وتصرف الحزن (بطريقةٍ نفسانيةٍ جسدانية)، كما قال سليمان الحكيم: “اُعطوا مسكرًا لهالكٍ، وخمرًا لمُرِّي النفس، يشرب وينسى فقره ولا يذكر تعبه بعد” (أم 31: 6-7)”.
فردوس الآباء
ج. معاونة المتألمين
اِفْتَحْ فَمَكَ لأَجْلِ الأَخْرَس،ِ
فِي دَعْوَى كُلِّ يَتِيمٍ [ع 8].
اِفْتَحْ فَمَكَ.
اقْضِ بِالعَدْل،ِ وَحَامِ عَنِ الفَقِيرِ والمِسْكِينِ [ع 9].
يليق بالملك لا أن يفتح فمه ليشرب ويسكر، بل أن يفتح فمه للعاجزين عن الدفاع عن أنفسهم، أي الخرس، ولمن لا حول لهم وكأنهم يتامى، يفتح فمه بالعدل للدفاع عن المظلومين الذين ليس لهم من يسأل عنهم.
- المرأة الفاضلة
يمثل هذا القسم قصيدة شعرية تتكون من 22 بيتًا، مرتبة حسب الحروف الأبجدية العبرية (ا ب ج د ه و ز). وجاء الحرف الأول من كل آية بترتيب الحروف حتى يسهل على اليهودي حفظ القطعة كلها عن ظهر قلب.
سبق أن تحدث عن المؤمن كملك وقور، ضابط نفسه وحاكمها قبل أن يحكم الغير، لا يسقط تحت مذلة الشهوات الجسدية والسُكر بالخمر، إنما إذ يعيش في وقار يقدر أن يمارس حياته الملوكية في أعماقه كما في تصرفاته مع إخوته. الآن يتحدث عن المؤمن كعروسٍ فاضلةٍ تتأهل للعرس السماوي، لا يمكن أن تُقدر بثمنٍ!
لقد قدمت الأم حديثها للملك حتى يتفهم كيف يختار الزوجة المُعِينة له، يُقدِّرها فوق كل كنوز العالم ويكرمها، ويشكر الله من أجلها.
الوصف المذكور هنا عن المرأة الفاضلة في تلك الأيام لا يزال يناسب المرأة الملتهبة بروح الله في كل العصور، وفي كل الدول، إن تلمسناه بروحه وليس بطريقة حرفية.
أ. فاضلة ثَمَنَهَا يَفُوقُ اللآَلِئَ
اِمْرَأَةٌ فَاضِلَةٌ مَنْ يَجِدُهَا؟
لأَنَّ ثَمَنَهَا يَفُوقُ اللآَلِئَ [ع 10].
قدمت الأم صورة حية لا للمرأة الفاضلة فقط، بل بالحري أيضًا للزوج الفاضل، ولكل مؤمن تقي. فالإنسان الفاضل بوجه عام، امرأة أو رجل، طفل أو شاب أو شيخ، لا يُقدر بثمن.
إنها صورة رائعة يُمكن لكل إنسان أن يقتدي بها، بكونها تعبِّر عن النفس البشرية المشتاقة أن تكون عروسًا سماوية، وتجاهد لتحقيق ذلك بالنعمة الإلهية.
يمكن القول بأنه إن كانت الزانية التي كثيرًا ما يحذرنا منها الحكيم هي الحماقة، فإن المرأة الفاضلة هنا هي الحكمة التي نشتهي الالتصاق بها. إذ يقول الحكيم عنها: “وهي التي أحببتها والتمستها منذ حداثتي، وسعيت أن أتخذها لي عروسًا، وصرت لجمالها عاشقًا” (حك 8: 2).
لعل أول سمة للنفس عروس المسيح هي إدراكها لتقدير عريسها السماوي لها، فإن كان هو اللؤلؤة الكثيرة الثمن (مت 13: 46)، فإنها إذ تقتنيه وتتحد معه، تصير به فائقة الثمن. إنها العروس السماوية، الملكة الجالسة عن يمين الملك، ابنة الملك الله القدوس، جسد المسيح، شريكة في المجد الأبدي!
يليق بالمؤمن أن يركز أنظاره بالأكثر على هبات المخلص له، وإدراكه لتقدير الله له، بهذا لا يسقط في اليأس بسبب خطاياه، ولا يحل به القنوط، إنما تتحول حياته إلى ذبيحة شكر لله غافر الخطايا، الذي اقتناه بدمه الثمين (1 كو 6: 20).
V عندما وصف سليمان بطريقة شعرية الزواج الروحي لمن يدخل في علاقة وثيقة مع الحكمة يشير إلى طرق عديدة، بها يتحقق اتحادنا مع الفضيلة ويقول: “كرِّمها فتحتضنك”[1014] (أم 4: 8 LXX).
القديس غريغوريوس النيسي
V [في مديحه لوالدته أثناء رثاء والده حسب الجسد] سمعت الكتاب المقدس يقول: “امرأة شجاعة من يجدها؟” وأيضًا إنها عطية من الله، وإن الزواج الصالح يدبره الرب. أيضًا الذين من الخارج لهم ذات الفكر – إن كان القول بالحقيقة صادرًا عنهم – وهو: ليست عطية لرجلٍ أعظم من زوجة صالحة، وليس أشر من أن يحدث العكس. يستحيل أن يوجد أحد أكثر سعادة من أبي في هذا الأمر. فإنني أعتقد إن كان أحد، من أقصى الأرض، ومن كل الجمهور البشري يسعى ليدبر أفضل زواجٍ ممكنٍ، ويقيم اتحادًا فاضلاً ومتناغمًا أكثر من هذا، فإنه لا يمكن أن يتحقق. فإن أفضل من في الرجال ومن في النساء قد اتحدا، فصار زواجها بالأكثر هو اتحاد للفضيلة أكثر منه اتحاد للجسدين. ومع أنهما فاقا كل الآخرين، فإنها كانا على الدوام يتباريان في الفضيلة، ولم يستطع أحدهما أن يتعدى الآخر[1015].
القديس غريغوريوس النزينزي
V لم يُكرز بالكنيسة الجامعة (الكائوليكية) بعد مجيء ربنا ومخلصنا فحسب، أيها الإخوة الأحباء، وإنما من بدء العالم، فقد رُمز إليها بأشكال كثيرة، بالحري بأسرارٍ خفية. بالحقيقة وُجدت الكنيسة الجامعة في هابيل القديس، وفي نوح، وفي إبراهيم، وإسحق، ويعقوب، وفي كثير من القديسين قبل مجيء ربنا ومخلصنا. بالحق يقول سليمان عنها: “زوجة فاضلة من يجدها؟” ماذا يعني بقوله “من يجدها”؟ هنا نجد فهم المعضلة الخاصة بصعوبة وجودها. هذه المرأة الجريئة هي الكنيسة[1016].
الأب قيصريوس أسقف آرل
ب. موضع ثقة رجلها
بِهَا يَثِقُ قَلْبُ زَوْجِهَا،
فَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى غَنِيمَةٍ [ع 11].
تستطيع نساء كثيرات أن يغتصبن مديح الناس، لكن المديح الصادق هو الصادر عن المقربين إليها جدًا كالزوج والأولاد.
المرأة الحكيمة يثق فيها رجلها، فيترك كل شئون بيته لتدبره، ويسعد بها كما بحكمتها وتدبيرها الحسن، ويشعر أنها بالنسبة له “غنيمة” لا تُقدر بثمن.
إذ تثق النفس في العريس السماوي وتتكئ على صدره، يرد لها هذه الثقة بعبارات المديح، واثقًا فيها، ويحسبها المحبوبة لديه أعظم من أية غنيمة. لا يحتاج إلى غنيمة، لأنها لا تطلب منه أية غنيمة، لا تطلب منه سوى الاتحاد معه، ومعه لا تطلب شيئًا.
V يمتدح سليمان الإلهي في تعليمه الحكمة، أقصد في سفر الأمثال الذي له، المرأة التي تهتم ببيتها وتحب زوجها، يُقابل ذلك تلك التي تجول خارجًا، بلا ضابط بطريقة مُشينة، تصطاد النفوس الثمينة بكلمات وطرق خليعة. أما هذه فهي تدبر بيتها حسنًا، وبشجاعة تهتم بواجباتها النسائية، يداها تمسكان بعصا المغزل، وتعد ثوبين لرجلها، وتهتم بطعام خدامها، وترحب بأصدقائها على مائدة سخية… هذا مع تفاصيل أخرى يتغنى بها (سليمان) مادحًا المرأة المتواضعة والعاملة باجتهاد.
القديس غريغوريوس النزينزي
ج. تقواها الدائمة
تَصْنَعُ لَهُ خَيْرًا لاَ شَرًّا،
كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهَا [ع 12].
سعادة زوجها أمام عينيها على الدوام، تقدم مع الكلمات العذبة أعمالاً مملوءة لطفًا. تصنع الخير دون أن تمزجه بشرٍ ما.
إنها في تقواها لا تكف عن صنع الخير، مجاهدة كل أيام حياتها. لا تنظر إلى المستقبل لكي تستريح من عملها، لأن راحتها هي في عمل الخير حتى النفس الأخير. إنها حريصة على الاستفادة من كل لحظة من لحظات عمرها، فإن كل ثانية من ثواني حياتها لها قيمتها، لا تضيع ثانية فيما لا ينفع.
العروس التي تتحد بصانع الخيرات الذي يجول يصنع خيرًا، تجول معه وبه وفيه لتصنع خيرًا كل أيام حياتها. ليس للشر موضع في قلبها أو فكرها أو عواطفها أو حواسها!
بقوله: “تصنع له خيرًا لا شرًا كل أيام حياتها“، يعني إيمان الزوجة يرجع إلى ما كانت عليه حواء مع رجلها قبل السقوط، إذ قال الرب الإله: “ليس جيدًا أن يكون آدم وحده، فأصنع له معينًا نظيره” (تك 2: 18).
V هل كان ذاك الذي قبل نعمة الروح في حاجة إلى أي معين آخر؟ كم بالأكثر يحتاج إلى عون في المستقبل هذا الذي يملأ جسد المسيح؟ في ذاك الحين خلق الإنسان على صورة الله، أما الآن فوحَّده مع الله نفسه. في ذاك الحين أمر الإنسان أن يتسلط على السمك والحيوانات، الآن يعطينا الفردوس لنسكن فيه. الآن يفتح لنا أبواب السماء. في ذاك الحين شكل الإنسان في اليوم السادس… الآن يتشكل في اليوم الأول من البدء وفي النور[1017].
القديس يوحنا الذهبي الفم
V الله في صلاحه وهب الإنسان معينة، ولم يكن لديه في نصيبه أي شيء غير صالح. إذ قال الله إنه ليس حسنًا أن يكون الإنسان وحده. كان يعرف تمام المعرفة أية بركة لجنس مريم تقدمها له (لآدم)، وللكنيسة[1018].
العلامة ترتليان
V يقول الكتاب إن المرأة قد خُلقت معينة للرجل، لكي بالاتحاد الروحي تلد نسلاً روحيًا، أي الأعمال الصالحة للتسبيح الإلهي، بينما هو يتسلط هي تطيع. هو تحكمه الحكمة، وهي يحكمها الرجل. لأن المسيح هو رأس الرجل، والرجل رأس المرأة (1 كو 11: 13)[1019].
V “بها يثق قلب رجلها“. بالتأكيد هو واثق، وهو يعلمنا أيضًا أن نكون واثقين. ها أنتم ترون أنه قد عُهد بالكنيسة إلى أقصى الأرض، بين كل الأمم، من البحر إلى البحر. إن لم تدأب وتثابر حتى النهاية لا يثق قلب رجلها بها… بهذا فهي تسلب العالم، وتنتشر خلاله في كل مكان…
“تصنع له خيرًا لا شرًا كل حياتها“. هذا هو السبب لماذا تسلب هذه السيدة الأمم، تعمل لخير رجلها لا عن ضرورة…
في كل الأوقات تصنع خيرًا لا ضررًا، ليس لها وإنما لرجلها. “كي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم، بل للذي مات لأجلهم وقام” (2 كو 5: 15)[1020].
القديس أغسطينوس
د. عاملة
تَطْلُبُ صُوفًا وَكَتَّانًا،
وَتَشْتَغِلُ بِيَدَيْنِ رَاضِيَتَيْنِ [ع 13].
المرأة الفاضلة الحكيمة لا تعرف الخمول ولا الكسل، إنما تجاهد وتعمل بكل طاقتها، وتجد بهجتها في تعب المحبة الذي تقدمه لأسرتها بكل رضا. تعمل في أمور كثيرة لكي لا تحتاج أن تشتري شيئًا قدر المستطاع. لا تشتري ملابس جاهزة، بل تغزل بيديها من صوف قطيعها أو من كتان حقلها لكي تقدم ملابس لزوجها من صنع يديها. بمعنى آخر تجد مسرتها في العمل الدائم بفرح وبهجة قلب. في المجتمعات اليهودية واليونانية والرومانية، كانت النساء اللواتي من طبقات عليا يعملن بأيديهن لأجل الأسرة، ليس عن عوزٍ، ولا لعدم وجود عمال أو أجراء، وإنما تجد النساء الشريفات لذة في العمل المنزلي. كانت العادة في الشرق أن تقوم النساء بغزل الصفوف والكتان، وتشعر بمسؤوليتها نحو إعداد الملابس للأسرة كلها. وكن يفتخرن بأن ثياب أزواجهن وأبنائهن من صنع أياديهن.
V اللواتي يردن أن يتساوين بسارة لا يخجلن من ممارسة الخدمات، ومساعدة المسافرين خاصة على الأقدام. فقد قال لها إبراهيم: “اَسرعي بثلاث كيلات دقيقًا سميذًا؛ اعجني واصنعي خبز مَلَّة” (تك 18: 6). كما قيل: (وأبصر يعقوب) راحيل بنت لابان خاله وغنم لابان” (تك 29: 9). ويحوي الكتاب المقدس أمثلة بلا عدد للعمل الدءوب وقيامهن بالعمل والتدرب على ذلك، دون عوز إلى آخرين.
القديس إكليمنضس السكندري
يقدم بعض الآباء تفسيرًا رمزيًا للصوف والكتان هنا.
V الصوف يعني شيئًا جسدانيًا، والكتان روحيًا. هذا التفسير مأخوذ من نظام اللبس. فالملابس الداخلية هي من الكتان، والخارجية من الصوف. لهذا، فالصوف يعني شيئًا جسدانيًا، إذ ينتج عن مزج أو اتحاد[1021]، أما الكتان فيأتي من الأرض دون لذة جسدية، ولهذا يبدو أنه يمثل للعفة. حقًا بحسب وصية الناموس كان كهنة العهد القديم يستخدمون عصابات كثانية رمزًا للعفة[1022].
الأب قيصريوس اسقف آرل
V يشبِّه النص المقدس ربة البيت بنسَّاج للصوف والكتان… أظن أن الصوف يعني شيئًا يخص الجسد، والكتان يعني شيئًا يخص الروح. أجازف بتقديم هذا الحدس من نظام ملابسنا الداخلية، فملابسنا الداخلية هي من الكتان، والخارجية من الصوف. الآن كل ما نصنعه في الجسد مُعلن، وما نمارسه في الروح خاص. الآن من يعمل في الجسد وليس في الروح ربما يبدو صالحًا بينما هو بلا قيمة، بينما من يعمل بالروح ويتجاهل ما هو حسب الجسد (أي لا يعمل) يحسب بصراحة كسلاً[1023].
القديس أغسطينوس
هِيَ كَسُفُنِ التَاجِرِ.
تَجْلِبُ طَعَامَهَا مِنْ بَعِيدٍ [ع 14].
يشبِّه سليمان الحكيم المرأة الفاضلة بالتاجر العامل بسفينته القادمة من بعيد محملة بالبضائع، خاصة المئونة والطعام اللازم، كما يصدر بضائع أخرى بلا توقف. إنها تشبه الرسل الذين يأتون إلى العالم بأخبار سارة سماوية كمؤونة روحية مشبعة للنفوس.
وَتَقُومُ إِذِ اللَيْلُ بَعْدُ،
وَتُعْطِي أَكْلاً لأَهْلِ بَيْتِهَا،
وَفَرِيضَةً لِفَتَيَاتِهَا [ع 15].
تُسر المرأة الفاضلة بأن تبدأ يومها قبل الفجر، فتعد الطعام للأسرة. تقدم نفسها مثلاً لفتياتها اللواتي يتمثلن بها، فيستيقظن باكرًا جدًا لمساعدتها بفرحٍ وبهجة قلبٍ.
تَتَأَمَّلُ حَقْلاً فَتَأْخُذُهُ،
وَبِثَمَرِ يَدَيْهَا تَغْرِسُ كَرْمًا [ع 16].
تعمل المرأة الفاضلة على مساندة رجلها، فكما وجدت فرصة ملائمة تضاعف مقتنيات رجلها من شراء حقول وغرس كروم. إنها “تغرس كرمًا” لتجد خمرًا تستخدمه كدواء، وتقدمه للهيكل.
إن كانت الكروم تشير إلى الفرح، فإنها لن تتوقف عن بث روح الفرح في حياة كل أفراد الأسرة.
إنها تعمل في أمور كثيرة لكي لا تحتاج أن تشتري شيئًا قدر المستطاع.
V يتحدث النص عن الكنيسة كنفسٍ فاضلةٍ (تَتَأَمَّلُ حَقْلاً فَتَأْخُذُهُ)، تقتني شجرة المعرفة وشجرة الحياة، المعرفة مثل الشريعة، والحياة مثل الكلمة. فإن هذه التي جاءت من جنب المسيح، ووُجدت بواسطة عريسها لتكون امرأة لها عقل سوي وقوة، تحفظ إيمان عريسها، إذ تنتظر مجيئه الثاني من السماء[1024].
العلامة أوريجينوس
تُنَطِّقُ حَقَوَيْهَا بِالقُوَّةِ وَتُشَدِّدُ ذِرَاعَيْهَا.
تَشْعُرُ أَنَّ تِجَارَتَهَا جَيِّدَةٌ [ع 17].
حركتها الكثيرة وتنوع العمل يُعطي جسمها قوةً ونشاطًا، فيكون أشبه برياضة بدنية دائمة [17]. في عملها لا تهتم بمجرد كثرة الإنتاج، بل تهتم بنوعه ليكون جيدًا، فتنال سمعة طيبة.
تمنطق الحقوين يشير إلى الاستعداد للخدمة بروح التواضع، فالمرأة الفاضلة تخدم كل أفراد الأسرة بلا توانٍ، بل بروح القوة، بذراعٍ رفيقة، بغير شكوى أو تذمر.
V تنطِّق حقويها بالقوة، وتشدّد ذراعيها“. إنها قوية (شجاعة) بالحق. لننظر الآن إن لم تكن هي أيضًا خادمة، وبأية تقوى تخدم، وبأي استعداد! إنها تمنطق حقويها لكي تمنع الصفعات المتكررة للشهوات الجسدية من أن تقتحم طريق عملها، وبهذا تتجنب أن تدوس على أطراف ثيابها الطويلة وهي مسرعة في عملها. هنا تكمن عفة هذه السيدة وهي متمنطقة بمنطقة الوصية، ومستعدة على الدوام للعمل الصالح[1025].
القديس أغسطينوس
سِرَاجُهَا لاَ يَنْطَفِئُ فِي الليْلِ [ع 18].
علامة السهر الدائم والحرص. بينما ينام الكل تبقى في أمومة حانية ساهرة، خاصة إن كان لديها أطفال.
إذ تُسر بعملها الأسري وخدمتها للجميع لا تُطفئ سراجها بالليل، بل يبقى دائم الإنارة، لأنها في حالة سهرٍ دائمٍ. إنها كسيدها تصير نورًا للعالم. كابنة للنور، لا تعرف الظلمة.
تَمُدُّ يَدَيْهَا إِلَى المِغْزَلِ،
وَتُمْسِكُ كَفَّاهَا بِالفَلْكَةِ [ع 19].
تستخدم يديها في الغزل، ولا تطلب عونًا من آخر.
الفلَكة هي رأس المغزل التي تمسك بها الخيط عند الغزل. فهي دائمة العمل، لا تكسو أهل بيتها فحسب، بل وتشترك في سد احتياجات المساكين والفقراء.
V بخصوص هذا المغزل دعوني أقول بما يسمح به الرب لي. فإن كل هذا العمل الخاص بغزل الصوف ليس غريبًا تمامًا عن الرجال. اِصغوا ماذا يعني بالقول: “تمد (تقبض) يديها إلى المغزل“. يمكن القول “إلى فلَكة المغزل”. لقد قيل “المغزل” ليس بدون سبب، فالمغزل يبدو أنه يعني الغزل، والغزل يعني الأعمال الصالحة للمرأة العفيفة، ربة البيت العاملة والحريصة…
انظروا إلى هاتين الآلتين لغزل الصوف: المغزل والفلَكة. فإن الصوف يُلف حول الفلَكة، ويُسحب ويُدار بغزله كخيطٍ، ثم يعبر إلى المغزل… هكذا فإن عملكم الصالح على المغزل وليس على الفلَكة. ما على الفلَكة هو ما سوف تفعلونه، وما على المغزل هو ما تفعلونه الآن. الآن انظروا إن كان لكم شيء على المغزل، وأين يلزم لأذرعكم أن تقبض[1026].
القديس أغسطينوس
هـ. رحمتها على الفقراء
تَبْسُطُ كَفَّيْهَا لِلْفَقِير،ِ
وَتَمُدُّ يَدَيْهَا إِلَى المِسْكِينِ [ع 20].
الزوجة الفاضلة تحمل طبيعة العطاء المستمر، بلا مُقابل، وبفرح.
V ليتنا لا نخجل أيها الإخوة من ممارسة أعمال الصوف المقدسة. إن كان لدى أحد مخزن ممتلئ، فتكون كل هذه الأشياء على الفلَكة، فلتعبر إلى المغزل.
إنها تبقى على اليسار مادامت لا تعطي الفقير، ولكن ما أن تبدأ في ممارسة الصدقة حتى تتحول إلى الجانب اليمين، ويصير عملاً يحقق عمل ثوب[1027]ٍ.
الأب قيصريوس أسقف آرل
لاَ تَخْشَى عَلَى بَيْتِهَا مِنَ الثَلْج،ِ
لأَنَّ كُلَّ أَهْلِ بَيْتِهَا لاَبِسُونَ حُلَلاً (أرجوانية) [ع21].
لا تضطرب المرأة الفاضلة متى حل الشتاء، ولا تخشى من الثلج، إذ تغزل لأسرتها ما تحتاجه من ملابس صوفية كافية للتدفئة. والكنيسة كأم ترعى أولادها وتهتم بالتهاب قلوبهم بالحب الإلهي، فلا تخشى عليهم من أيام البرودة الروحية، حين تحل بهم التجارب.
جاءت كلمة “أرجوانية” في العبرية لا تعني مجرد اللون الأحمر الأرجواني، فإن اللون لا يُعطي دفئًا كما أنه لا يناسب العمل، وإنما تعني أنه مصبوغ مرتين، أو ثوب من طبقتين (به بطانة) فيُعطي دفئًا. جاء في الفولجاتا “duplicibus” أيضًا “مزدوجًا”.
V عندما قدم سليمان موجزًا لنعمة الكنيسة المتعددة الجوانب أضاف: “لأن كل من معها لابسون حُللاً مزدوجة”.
القديس يوحنا كاسيان
V إنها أمور صالحة حيث يستخدم قماش الثوب الكهنوتي رمزًا للناموس أو الكنيسة، حيث تصنع ثوبين لرجلها كما هو مكتوب واحد هو ثوب العمل، والآخر ثوب الروح، يُنسجان معًا بخيوط الإيمان والأعمال[1028].
القديس أمبروسيوس
تَعْمَلُ لِنَفْسِهَا مُوَشَّيَاتٍ.
لِبْسُهَا بُوصٌ وَأُرْجُوانٌ [ع 22].
تصنع المرأة الفاضلة موشيات، أي سجاد تضعه على الأرض لراحة أهل بيتها وضيوفها، أو أغطية خاصة بالأسرة.
ترتدي الثياب الكتَّانية البيضاء (بوص) والأرجوانية الثمينة، الأولى تُشير إلى نقاوتها وطهارتها بنوالها برّ المسيح ، والثانية أيضًا تشير إلى الطبيعة الملوكية التي تنعم بها.
و. بسببها يُكرم رجلها بين الشيوخ
زَوْجُهَا مَعْرُوفٌ فِي الأَبْوَابِ،
حِينَ يَجْلِسُ بَيْنَ مَشَايِخِ الأَرْضِ [ع 23].
من يختار زوجة فاضلة ينال كرامة لأجل تعقله واتزانه، كما من أجل زوجته التي تنال سمعة طيبة في كل الأوساط. سلام بيته وإدارته الحسنة تهيئه أن يكون بين الشيوخ ليحكم حسنًا في قضايا الغير.
تنعكس حكمة المرأة الفاضلة على حياة رجلها، فبنيان البيت وتزينه ببرّ المسيح يجعل رجلها يصلح أن يكون قاضيًا وقورًا، له مكانته بين أبواب المدينة حيث تعقد مجالس القضاء.
تَصْنَعُ قُمْصَانًا وَتَبِيعُهَا،
وَتَعْرِضُ مَنَاطِقَ عَلَى الكَنْعَانِيِّ [ع 24].
لا تصنع المرأة الفاضلة قمصانًا لأسرتها فحسب، وإنما تصنع أيضًا أقمصة تقوم ببيعها لصالح الأسرة. هذا وتصنع مناطق تعرضها للبيع على القادمين في قوافل بعيدة.
إنها تشير إلى الكنيسة التي تكتسي ببرّ المسيح، وتشهد له، فتقدم للغرباء إمكانية التمتع بذات البرّ.
العِزُّ والبَهَاءُ لِبَاسُهَا
وَتَضْحَكُ عَلَى الزَمَنِ الآتِي [ع 25].
إذ تتمتع المرأة الفاضلة بالبرّ الروحي، ويتجدد إنسانها الداخلي كل يوم بروح الله القدوس، لا تخشي المستقبل، فإنها في يدٍ أمينة، وتحت روح الله القادر أن يتحدى كل الصعوبات.
إنها تلبس ربنا يسوع، وتختفي فيه، فتحمل بهاءه في داخلها، الذي لا يقوى العالم على انتزاعه منها.
تَفْتَحُ فَمَهَا بالحِكْمَةِ،
وَفِي لِسَانِهَا سُنَّةُ المَعْرُوفِ [ع 26].
تنسكب النعمة على شفتيّ المرأة الفاضلة، فتعمل دومًا لحساب ملكوت الله، كما فعلت بريسكلاَّ مع رجلها أكيلا حين أرشدا أبُلُّوس على الروح القدس، الذي لم يكن قد سمع عنه من قبل (أع 18: 26).
بروح الحكمة مع اللطف تبني المرأة الفاضلة الكثير من النفوس.
V تُوجد الرحمة على لسان (يسوع)، وهو يُعلم الناموس بالرحمة، كما قيل عن الحكمة: “تحمل على لسانها الناموس والرحمة“. لا تخف أنك لا تستطيع أن تتمم الناموس، اهرب إلى الرحمة[1029].
V “إنها تفتح فمها بالحكمة، وتضع نظامًا (سُنة) للسانها“، فتمدح الخليقة كخليقةٍ، والخالق كخالقٍ، والملائكة كملائكةٍ، والسماويات كسماوياتٍ، والأرضيات كأرضياتٍ، البشر كبشرٍ، والحيوانات كحيواناتٍ. ليس من مزجٍ، وليس شيء خارج عن النظام، ولا تأخذ اسم الرب إلهها باطلاً، ولا تنسب طبيعة المخلوق للخالق. فتتحدث عن كل شيء بمنهج منظم، فلا تضع الأمور الأقل فوق ما هو أهم، ولا تنزل بما هو أهم إلى ما هو أقل[1030].
القديس أغسطينوس
ز. اهتمامها بأهل بيتها
تُرَاقِبُ طُرُقَ أَهْلِ بَيْتِهَا،
وَلاَ تَأْكُلُ خُبْزَ الكَسَلِ [ع 27].
اهتمامها بأهل بيتها بجدية تُلزم كل عضو من أعضاء الأسرة أن يُؤدي دوره باجتهاد من جهة علاقته بالله وعلاقته ببقية الأسرة، خاصة الزوجة أو الأم. هي تعمل لحسابهم، فتجدهم يتبارون في العمل لحسابها.
إنها تُعلِّم أن الكسل يقود إلى الرذيلة، لذا فكل عضو في البيت له عمله، ليأكلوا من خبز العمل العذب، لا خبز الخمول والكسل.
مع رقة حديثها ولطف تصرفاتها تبقى ساهرة على خلاص أهل بيتها، تعمل بكل قوة لبنيان الجميع، ولا تعرف في هذا العمل التراخي أو الكسل.
V يقول ربنا يسوع المسيح: “مستحق طعامه” ليس كل واحد على الإطلاق وكيفما اتَّفق، بل الفاعل فقط (مت 10:10)، ويأمر الرسول بولس أن نتعب ونعمل بأيدينا ما هو صالح لكي يكون لنا ما نشارك به المحتاج (أف 4: 28)، فيتضِّح من هذا أنه يجب علينا أن نعمل باجتهاد، لأنه لا يسوغ لنا أن نتّخذ العبادة حجَّة للبطالة والهرب من المنصب. بل علينا أن نجعلها موضوعًا للجهاد والأتعاب الجمَّة والصبر على الضيقات، لكي يتهيَّأ لنا نحن أيضًا أن نقول: “في تعبٍ وكدٍ، في أسهار مرارًا كثيرة، في جوعٍ وعطشٍ” (2 كو 11: 27). مثل هذا المنهج ينفع لا لإماتة الجسد فقط، بل ولممارسة محبَّة القريب أيضًا، لكي نسند الإخوة المحتاجين ونقدِّم لهم الكفاف على أيدينا بموجب ما علَّمه الرسول في سفر الأعمال بقوله: “في كل شيء أريتكم أنه هكذا ينبغي أنكم تتعبون (بأيديكم) وتُعضدون الضعفاء” (أع 20: 35). وأيضًا: “بالحري يتعب عاملاً الصالح بيديه ليكون له أن يعطي من له احتياج” (أف 4: 28). وهكذا تستحق أن تسمع قوله: “تعالوا يا مباركي أبي، رثوا الملك المُعدّ لكم منذ إنشاء العالم، لأني جُعت فأطعمتموني وعطشت فسقيتموني…” (مت 25: 34).
وما بي حاجة أن أصف لكم جسامة شرّ البطالة في حين أن الرسول أوصى صريحًا بأنه: “إن كان أحد لا يشتغل فلا يأكل” (2 تس 3: 10)، فكما أن القوت اليومي ضروري لكل إنسانٍ، كذلك ضروري له الكد بحسب طاقته. لم يكتب عبثًا سليمان في مديح المرأة النشيطة: “إنها لا تأكل خبز الكسل” (أم 31: 27)، والرسول قال أيضًا عن نفسه: “ولا أكلنا خبزًا مجانًا من أحدٍ، بل كنا نشتغل بتعبٍ وكدٍ ليلاً ونهارًا، لكي لا نثقل على أحدٍ منكم” (2 تس 3: 8) مع أنه كان له السلطان كمبشِّر بالإنجيل أن يعيش من الإنجيل (1 كو 9: 4، 14)، بل أن الرب يضم الكسل مع الشرّ إذ قال: “أيها العبد الشرِّير الكسلان (مت 25: 26)، على أن سليمان الحكيم لم يثنِ فقط على العامل بما ذكرنا (أم 31: 27)، بل وبَّخ الكسلان إذ شبَّهه بأدنى الحيوانات قائلاً: “اذهب إلى النملة أيها الكسلان” (أم 6:6). لذا يجب أن نخشى من أن نُوبَّخ نحن كذلك في يوم الدينونة، لأن الذي وهبنا القدرة على العمل، يطلب منَّا أعمالاً تناسب قدرتنا هذه. فإنه قال: “من أودِع كثيرًا يطالب بأكثر” (لو 12: 48).
وبما أن البعض يستنكف من العمل بحجَّة الصلوات وترنُّم المزامير، فعلى مثل هؤلاء أن يعلموا أن لكل شيءٍ وقتًا خاصًا به كما قال الجامعة: لكل أمر أوان (جا 3: 1) [1031].
V يجب إذن علينا العمل قدر الإمكان لنتقاسم الموارد مع الذين يفتقرون إليها… لا عذر للمتكاسل الذي يعيش في البطالة بينما هو قادر على العمل. ليتشبَّه بتلك الأسماك التي تقطع البحار بطريقة عجيبة طلبًا للطعام[1032].
القديس باسيليوس الكبير
ح. كرامتها ونظرتها المملوءة رجاءً
يَقُومُ أَوْلاَدُهَا وَيُطَوِّبُونَهَا.
زَوْجُهَا أَيْضًا فَيَمْدَحُهَا [ع 28].
هذا السهر على خلاص أهل البيت قد يسبب أحيانًا نوعًا من الضيق المؤقت، لكن سرعان ما يكتشف الكل: الصغار والكبار، الأبناء والزوج، أن وجودها في البيت وصلواتها وسهرها وأصوامها من أجلهم ومطانياتها كنوز لا تقدر! فيطوبها أبناؤها، ويمدحها رجلها.
إذ تهتم بتربية أولادها، فيروا في بيتهم أيقونة حيَّة للسماء تتهلل نفوسهم ويحترمون والدتهم ويُطوبونها. يحملون في داخلهم مخافة الرب والطاعة للوصية الإلهية، مع رقة ولطف حتى في الحديث مع والدتهم.
V الزوجة المتدينة مباركة. دعها تحمد مخافة الرب، أعطها من ثمرة شفتيها، ليُمدح رجلها في الأبواب. مرة أخرى: “المرأة الفاضلة تاج لبعلها” (أم 12: 4). وأيضًا: “نساء كثيرات بنين منزلاً” (راجع أم 14: 1). لقد تعلمتم أية وصايا عظيمة تتقبلها الزوجة المتعقلة والمحبَّة من الرب الإله[1033].
قوانين الرسل
بَنَاتٌ كَثِيرَاتٌ عَمِلْنَ فَضْلاً،
أَمَّا أَنْتِ فَفُقْتِ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا [ع 29].
فاقت كنيسة العهد الجديد في مجدها الداخلي شعب الله القديم، فقد قيل إن الأصغر في ملكوت السماوات أعظم من القديس يوحنا المعمدان (مت 11: 11). كما قيل لرجال العهد الجديد أن ما يرونه ويسمعونه اشتهى الآباء والأنبياء أن يروه ويسمعوه ولم يتمتعوا به مثلهم (لو 10: 24). كما فاقت كنيسة العهد الجديد الأتقياء من الأمم القدامى الذين سلكوا حسب الناموس الطبيعي.
يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن كنيسة العهد الجديد تحتل مركز إبليس قبل سقوطه، فتُحسب كأنها من أعظم الطغمات السمائية.
والقديسة مريم والدة الإله بكونها العضو الأول والأمثل في الكنيسة، إذ تجسد منها الكلمة الإلهي بالروح القدس فاقت السمائيين والأرضيين.
مَن هذه التي فاقت على جميع البنات اللواتي عملن فضلاً، إلا القديسة مريم التي تنطبق عليها السِمات السابقة مع تمتعها بغنى نعمة الله الفائقة، إذ حملت كلمة الله في داخلها بدون زرع بشر؟!
V ليس من يشبه والدة الإله، فإنَّك وأنت تسكنين الأرض صرِت أُمًا للخالق.
(بارالكس) لحن البركة
ط. حكمتها وجمالها الداخلي
الحُسْنُ غِشٌّ والجَمَالُ بَاطِلٌ،
أَمَّا المَرْأَةُ المُتَّقِيَةُ الرَبَّ فَهِيَ تُمْدَحُ [ع 30].
لا يكمن جمال الزوجة الفاضلة الحقيقي في ملامحها الخارجية ورقتها، بل في مخافتها للرب. فإن مخافة الرب إذ تملك على القلب تعكس جمالاً إلهيًا على النفس يزداد بهاء مع الزمن.
جمال الجسد باطل، يمكن للمرض أن يفسده وللآلام أن تُحطمه، وبالموت يزول تمامًا. أما مخافة الرب فهي الملجأ الذي فيه تحتمي النفس لتحيا في جمال يُسِر الله والسمائيين وأيضًا البشر.
الزوجة الفاضلة حكيمة في كل تصرفاتها، كل كلمة تخرج من فمها موزونة بأحكام الحكمة. عاقلة ليس فقط في سلوكها، وإنما في مشورتها للآخرين. شريعة الحب واللطف منقوشة على قلبها، معلنة في كلماتها. قلبها في شبع مما تتمتع به من عربون الحياة الأخرى، ويداها تعملان لحساب السماء.
الجمال الخارجي خادع، إذ يزول مع الزمن، أما تقوى المرأة الفاضلة فيزداد بهاءً مع الزمن، ويبلغ الكمال في يوم الرب العظيم. قيل: “مجد ابنة الملك من الداخل” (مز45).
النفس التي تقبل السيد المسيح عريسًا روحيًا لها تتمتع بالجمال الحقيقي، حيث يسكب بهاءه عليها. يقول لها عريسها الكلي الجمال: “وخرج لكٍ اسم في الأمم لجمالكٍ، لأنه كان كاملاً ببهائي الذي جعلتِه عليكٍ يقول السيد الرب” (حز 16: 14). فجمال العروس إنما هو انعكاس لجمال العريس وبهائه عليها.
V “ها أنتٍ جميلة يا حبيبتي، ها أنتٍ جميلة، عيناك حمامتان” (نش 1: 15). أنتٍ جميلة وقوية لأنكٍ تتشبهين بذاك الذي تقدمه الأغنية: “في جلالك وبهائك” (مز 45: 4)، تسمع من قرينك: “اِنسي شعبك وبيت أبيكٍ، فيشتهي الملك حُسنك” (مز 45: 10-11)[1034].
القديس جيروم
V يليق بالزوجة أن تتبع زوجها إن رأته يقف بجوار الله (تك 18: 11)[1035].
العلامة أوريجينوس
أَعْطُوهَا مِنْ ثَمَرِ يَدَيْهَا،
وَلِتَمْدَحْهَا أَعْمَالُهَا فِي الأَبْوَابِ [ع 31].
في يوم الرب العظيم تتقدم أعمال الكنيسة الصالحة في الرب لتشهد لبّرها، وتقف عند الأبواب ليكرمها السمائيون على أمانتها في حبها لعريسها السماوي وصبرها في الشهادة له.
من وحي أمثال 31
الملكة العروس السماوية!
V خلقت نفسي على صورتك ومثالك.
ووهبتها سلطانًا على الخليقة الأرضية.
أخضعت كل شيءٍ تحت قدميها.
في غباوةٍ التصقت بالشر، فأفسدت ما نالته.
وفي تهاونٍ سكرت بملذات العالم.
من ينزع عني الشر غيرك، يا أيها الصالح وحده!
من يردني عن سُكر هذا العالم، سوى السُكر بحبك؟
V ليتني أقتنيك يا أيها اللؤلؤة الكثيرة الثمن.
أخفيك في قلبي، الإناء الضعيف.
وأتمتع بتجليك في داخلي، فتصير نفسي بك ملكة سماوية،
ويهيئني روحك كعروسٍ مزينة بالسماويات.
V لأتكئ على صدرك،
واثقًا فيك فتقويني، وأصير بك موضع كل ثقة.
V تقيم في داخلي بروحك القدوس،
فأصير هيكلاً لك وعرشًا مقدسًا.
لن يجسر العدو أن يتسلل مادمت في داخلي.
ولا تقدر الخطية أن تجتذبني مادمت في أعماقي!
بك أتبرر، وبدونك أُدان!
V لتشددني يداك فأعمل.
لن يتسلل الكسل إليِ،
فإني أجد لذة في العمل بك ومعك ولك.
وأنت خالق الكل تعمل من أجلي،
فكيف لا أعمل لحساب ملكوتك؟
V هب لي الشركة في سماتك،
فيمتلئ قلبي بالحب مع الحنو.
تئن نفسي مع أنات كل قلبٍ.
وتصرخ أعماقي مع صرخات كل متألم.
أرى العالم كله بيتي المحبوب إليّ.
أشتهي أن أخدم الجميع،
وتنبسط يداي للصلاة عن الكل.
V أنت هو الكلي الجمال.
حلولك يسكب في النفس جمالاً لا يذبل!
تجليك يشرق بالنور في داخلي!
تفسير أمثال 30 | تفسير سفر الأمثال | تفسير العهد القديم |
تفسير أمثال – مراجع |
القمص تادرس يعقوب ملطي | |||
تفاسير سفر الأمثال | تفاسير العهد القديم |