تفسير سفر الأمثال ٢٣ للقمص أنطونيوس فكري

تفسير الأمثال – الإصحاح الثالث والعشرون

 

الآيات (1-3): “إذا جلست تآكل مع متسلط فتأمل ما هو أمامك تأملاً. وضع سكيناً لحنجرتك أن كنت شرها. لا تشته أطايبه لأنها خبز أكاذيب.”

تأمل ما هو أمامك= أي تأمل وتفكر في هذا المتسلط فسلطانه هو من الله (رو1:13،7). خبز أكاذيب= ليس من الحكمة تصور أن الامتياز الذي أعطى لك بالأكل مع هذا الحاكم أو هذا المتسلط معناها أنك صرت صديقاً له، تأكل باندفاع وتتكلم باندفاع فيغضب عليك الحاكم لأنك لم تحترم مجلسه. ضع سكيناً لحنجرتك= هذا تعبير يعني ضبط النفس حتى لا نأكل بشراهة ونهم أمام الحاكم فيغضب، بل قدوم شراهتك كأنها عدو تقاتله بسكين. وإذا كان هذا الاحترام مطلوباً أمام ملك أرضي فكم بالأولى ونحن أمام ملك الملوك وعلى مائدته نأكل من جسد الرب ودمه. ومن يقترب بدون استحقاق يصبح مجرماً (1كو17:11-31) وعموماً هذه الآيات ضد شهوة الطعام فهو خبز أكاذيب لأنه بينما تشبع البطن تكسل الروح وتفقد نشاطها، وهذا فائدة من فوائد الصيام تنشيط الروح.

 

الآيات (4،5): “لا تتعب لكي تصير غنيا كف عن فطنتك. هل تطير عينيك نحوه وليس هو لأنه إنما يصنع لنفسه أجنحة كالنسر يطير نحو السماء.”

وهذه الآيات ضد شهوة المال. فهنا إنذار بأن لا يكون الغني هو غرض القلب. ومن يفعل كأنه يعلق عينيه بطائر يظهر له ثم يتلاشى. فالكنوز الأرضية يسهل تبديدها عن إقتنائها وهي غير ثابتة وغير دائمة كطير له أجنحة. وليس هو= أي [1] ليس هو دائم بل فانٍ [2] وربما بقي المال ومات صاحبه. [3] وليس هو سبب للفرح الحقيقي حتى يظل الإنسان يحلم به. [4] وليس هو بموجود (1تي6:6-19). وليس معنى هذا أن الغني أو المال خطية بل على الإنسان أن يعمل بلا كسل وبأمانة فإن صادفه الغني فليستعمل ماله حسناً ويظل على محبته وإتكاله على الله. فمن يعتمد على ماله يتكل على شئ باطل فانٍ، هذا الكلام موجه لمن يظن سعادته في أن يكون مالكاً لأموال كثيرة ويستخدم كل ذكائه، ويضع كل قلبه في كيف يحصل على المال ناسياً أنه قد يسمع “في هذه الليلة تؤخذ نفسك.. + لو15:12) هل تطير عينيك نحوه= هذه لمن يظل يتأمل ويضع عيني قلبه على شئ فانٍ فالعينين يجب أن نتأمل بهما الله، أم العالم فله اليدين لنعمل بهما وله القدمين نطأ بهما كل العالم وشهواته.

 

الآيات (6-8): “لا تأكل خبز ذي عين شريرة ولا تشته أطايبه. لأنه كما شعر في نفسه هكذا هو يقول لك كل واشرب وقلبه ليس معك. اللقمة التي أكلتها تتقياها وتخسر كلماتك الحلوة.”

ذي عين شريرة= عكس ذو العين الصالحة أي الكريم. أمما ذي العين الشريرة هو البخيل أن من يطمع في مال غيره. لأنه كما شعر في نفسه هكذا هو= نفسه فيها الجشع، يفكر في ثمن ما تأكله، أو ماذا سيستفيد من وراء ما تأكله، وهو يحقد عليك في قلبه بينما أن كلماته معسولة، فلا تنخدع بكلماته المعسولة فقلبه غير ذلك. كلماتك الحلوة= هي تشكراتك الكثيرة على هذه الوليمة. والنصيحة أن لا تتقبل دعوة شخص كهذا، هو غير مخلص في محبته ودعوته وسيفكر بطريقة أو بأخرى كيف يسترد أفضاله. تتقيأ= حينما تكتشف ما في قلبه ومشاعره السيئة لن تحتمل ما أكلته على مائدته وستلوم نفسك على كل لقمة أكلتها.

 

آية (9): “في أذني جاهل لا تتكلم لأنه يحتقر حكمة كلامك.”

محاولة تعليم شخص معاند مستهتر هي كمن يلقي درره قدام الخنازير فهو لا رغبة عنده للتعلم، بل يسخر من كل ما يسمعه.

 

الآيات (10،11): “لا تنقل التخم القديم ولا تدخل حقول الأيتام. لأن وليهم قوي هو يقيم دعواهم عليك.”

من يستغل ضعف اليتامى وذلك ليوسع أملاكه باغتصاب أملاكهم إذ هم ضعفاء، يقف الله بنفسه في وجهه. والولي هو القريب الذي يدافع عن حق قريبه ويتحمل مسئولية أخذ الثأر (عد19:35) ويفك الأرض والممتلكات (را 4:4) وكانت العادة أن يحمي مصالح عائلة قريبه الميت، وبهذا المفهوم فالمسيح ولينا القوي.

 

الآيات (12-16): “وجه قلبك إلى الأدب وأذنيك إلى كلمات المعرفة. لا تمنع التأديب عن الولد لأنك أن ضربته بعصا لا يموت. تضربه أنت بعصا فتنقذ نفسه من الهاوية. يا ابني أن كان قلبك حكيما يفرح قلبي أنا أيضاً. وتبتهج كليتاي إذا تكلمت شفتاك بالمستقيمات.”

الحكيم يوجه الأنظار مرة أخرى لكل واحد أن يهتم أن يتأدب بكلام الله وأن يؤدب ابنه حتى لا يهلك، فتأديبه بدنياً بعصا خيرٌ من هلاكه. وأن نسلك بالحكمة فهذا يفرح قلب الله وأيضاً أن يكون كلامنا مستقيماً.

 

الآيات (17،18): “لا يحسدن قلبك الخاطئين بل كن في مخافة الرب اليوم كله. لأنه لا بد من ثواب ورجاؤك لا يخيب.”

الخاطئ قد ينجح إلى حين، ولكن الله لن يتركه بلا عقاب وقد يخسر كل شئ. فلا تحسده بينما رجاؤك في الله لن يخيب، وبرك لن يذهب دون مقابل بل سيكافئ الله صبرك وتعبك (مت10:5-12). علينا أن ننظر للنهاية لا إلى اللحظة الحاضرة، لذلك فلنشفق على الخطاة إن آمنا أن هناك حياة أبدية.

 

الآيات (19-21): “اسمع أنت يا ابني وكن حكيماً وارشد قلبك في الطريق. لا تكن بين شريبي الخمر بين المتلفين أجسادهم. لأن السكير والمسرف يفتقران والنوم يكسو الخرق.”

شرب الخمر يفقد الإنسان وعيه والحكيم يحذرنا من الإفراط في الطعام وبالتالي أو بالأولى نجده هنا يحذر من الإفراط في الخمر الذي يتلف الأموال والصحة، والسكير عادة يفتقر، لأنه ينفق أمواله على الخمر وبسبب تلف صحته يصبح غير قادر على العمل فيفتقر وتكسوه الخرق= النوم يكسو الخرق= أي هو نائم لسُكْرِهِ لا يعمل فلا يجد سوى الخرق. وهنا سليمان يدعو من يسمعه أن لا يخالط أمثال هؤلاء ولا نذهب إلى مآدبهم ولا نعيش مثلهم فالسكر يفسد العقل فتضيع الحكمة التي ينادي هذا السفر باقتنائها.

 

آية (22): “اسمع لأبيك الذي ولدك ولا تحتقر أمك إذا شاخت.”

على الشاب أن لا يحتقر أبويه متى شاخا وصارا حملاً عليه فهم حملوه صغيراً.

 

آية (23): “اقتن الحق ولا تبعه والحكمة والأدب والفهم.”

في عصرنا هذا يبيع الناس إيمانهم بسهولة من أجل مكسب مادي ويبيعوا عقيدتهم الحقة التي استشهد في سبيلها أباؤنا الشهداء مقابل أشياء لا تساوي، تاركين الإيمان المسلم مرة للقديسين (يه3). وهناك من يبيع حكمة إلهية لأجل حكمة إنسانية تافهة، فكم مؤمن ترك مسيحيته لأجل مبادئ إلحادية (شيوعية ووجودية) تركها أصحابها بعد أن اكتشفوا أخطائها. فلنجاهد وندرس كلمة الله لنقتني الحكمة الإلهية.

 

الآيات (24،25): “أبو الصديق يبتهج ابتهاجا ومن ولد حكيماً يسر به. يفرح أبوك وأمك وتبتهج التي ولدتك.”

والسماء تفرح بخاطئ واحد يتوب.

 

آية (26): “يا ابني اعطني قلبك ولتلاحظ عيناك طرقي.”

الله هو المتكلم هنا لكل نفس. ومن سيعطيه القلب سيبارك له في كل شئ. فالله جدير بأحسن ما لدينا، ولنسلمه عواطفنا وإرادتنا وحبنا وهو سيملأنا فرحاً. فالله هو نبع ومصدر كل خير وكل فرح. ولاحظ فإن الله يطلب القلب ولا يطلب عطايا مادية فهذه لن تفرحه إن لم يكن القلب له، وهو يريده كله ولا نشرك فيه غيره وهذا ليكون فرحنا كاملاً. لذلك يوصى موسى قائلاً حب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك (تث5:6).

 

الآيات (27،28): “لأن الزانية هوة عميقة والأجنبية حفرة ضيقة. هي أيضاً كلص تكمن وتزيد الغادرين بين الناس.”

هذه عكس آية (26) فهناك نجد من يعطي قلبه لله فيفرح وهنا نجد من يذهب وراء الزواني يعطيهم قلبه وماله وقدرته فيسقط في هاوية (شمشون كمثال). ولاحظ قوله حفرة ضيقة= أي يصعب الخروج منها.

 

الآيات (29-35): “لمن الويل لمن الشقاوة لمن المخاصمات لمن الكرب لمن الجروح بلا سبب لمن ازمهرار العينين. للذين يدمنون الخمر الذين يدخلون في طلب الشراب الممزوج. لا تنظر إلى الخمر إذا احمرت حين تظهر حبابها في الكأس وساغت مرقرقة. في الأخر تلسع كالحية وتلدغ كالأفعوان. عيناك تنظران الأجنبيات وقلبك ينطق بأمور ملتوية. وتكون كمضطجع في قلب البحر أو كمضطجع على رأس سارية. يقول ضربوني ولم أتوجع لقد لكاوني ولم اعرف متى استيقظ أعود اطلبها بعد.”

نجد هنا ستة أسئلة وجوابها في الأعداد التالية. وهي تُصوِّر بوصف مرعب حالة السكير. ونلاحظ أن الخمر في الكئوس لها بريق وتبدو مبهجة ولكنها مثل الحية نهايتها سامة، يحتضنها المسكين التاعس أي السكير. لا تنظر إلى الخمر إذا إحمرت= النبيذ الأحمر في كنعان يعتبر أفخر أنواع الخمر، وهم يحكمون على الخمر من لونه، ويقولون أن الخمر من قوتها وإغرائها كأنها تنادي على من يراها “تعالى وذق واشربني”. لذلك يدعو سليمان كل من يسمعه أن لا ينظر إليها حتى لا تغويه وتخدعه. ولتجعل خوفك من الله هو الذي يحكمك وليس شهوتك، ولا تدع قلبك يسير وراء عينيك، فمن يريد أن يهرب من خطية عليه أن يهرب من أول خطوة تجاهها.

عيناك تنظران الأجنبيات وقلبك ينطق بأمور ملتوية= هناك مثل لاتيني يقول “الخمر هي وقود نار الشهوة”. هنا نرى أن السكر يقود لخطايا أخرى فالسكير يضيع وقاره فتتحكم فيه شهوته ويستبيح كل شئ. إن الرجل الثمل مشبه هنا بمن هو على مركب لأنه يترنح وإذ هو غير واعٍ لشيء يصوره الحكيم بأنه يتسلق حبال السارية ليضع رأسه عليها لينام وبالتأكيد سيهوى ويسقط ويتحطم. يقول ضربوني ولم أتوجع= بعد أن يستعبد بعض وعيه يشعر بأن هناك من ضربه لكنه لا يعرف من ضربه، لقد صار هذا المسكين سخرية للجميع. ومع كل هذا لا يفكر في أن يترك الخمر يقول= أعود أطلبها بعد كما قال الشاعر عن الخمر “داوني بالتي كانت هي الداء”

فاصل

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى