تفسير المزمور ٤٦ للقمص تادرس يعقوب

المزمور السادس والأربعون

رب القوات معنا

يعتبر البعض أن هذا المزمور هو أول مزامير صهيون أو الكنيسة؛ وهو قريب في روحه من المزمورين 48 و 76. ويرتبط هذا المزمور مع المزمورين التاليين (48، 48) ليكوَّنا ثالوث تسبيح.

وُضع هذا المزمور في مناسبة عمل خلاصي قدمه الله لشعبه بطريقة فائقة مثل خلاص أورشليم من حصار سنحاريب (2 مل 19: 8-9)؛ أو خلاص يهوشفاط وشعب يهوذا من آرام وبني عمون وذلك عندما ابتدأ المرتلين في التسبيح للرب (1 مل 20: 1-30)، إذ قيل: “لأن الحرب ليست لكم بل لله” (2 أي 20: 15).

يعلن المزمور الحضرة الإلهية، أو سكنى الله وسط شعبه بكونه “رب القوات” [7-11]، يهب شعبه القوة على الطبيعة حتى إن تزعزت الأرض وانتقلت الجبال إلى البحار [1-3]، وعلى الأعداء إذ هو في وسط شعبه فلن يتزعزع [4-7]، بل وعلى المسكونة كلها [8-11]. هكذا يتجلى الله المخلص في وسط كنيسته، صهيون الجديدة، كما في وسط جيش بألوية (نش 6: 4)، يهبها نصرته.

تستخدم بعض الكنائس هذا المزمور في الاحتفال بعيد الأبيفانيا (الظهور الإلهي) حيث يتجلى الله المخلص وسط شعبه معلنًا عمله فيه، وفي عيد عرس قانا الجليل حيث يحول السيد المسيح الماء إلى خمر يفرح قلب الكنيسة، كما يستخدم في الاحتفال بتكريس كنيسة ما[899].

الإطار العام:

  1. رب القوات واهب القوة            [1-3].
  2. رب القوات واهب البهجة [4-7].
  3. رب القوات واهب النصرة         [8-11].

القرار:

“رب القوات (الصباؤوت) معنا، وناصرنا إله يعقوب” [7-11].

يُنسب لقب “رب الصباؤوت” أو “رب الجنود” إلى الله الحالّ على التابوت، حيث يُعلن إنه الإله الحاضر في القصر الملكي السماوي الذي لطغماته السمائيين. كما يُنظر إلى كنيسته كجيش روحي تتمتع بالعهد مع الله، تُجاهد روحيًا لإقامة ملكوته فيها (خر 7: 14؛ 21: 41؛ عد 10: 36؛ 1 صم 17: 45).

كان لقب “رب الجنود” يمس حياتنا من جانبين:

  1. ظهور الله كملك محارب وكقائد، لا يدفعنا إلى المعركة مع إبليس وقواته بأوامره ووصاياه، إنما يدخل معنا المعركة، ويتقدم صفوفنا، ويهبنا قوته الغالبة، وكما يقول إشعياء النبي بعد أن شاهد معصرة الصليب: “من ذا الآتي من أدوم بثياب حُمر من بصرة، هذا البهي بملابسه، المتعظم بكثرة قوة… هكذا قُدمت شعبك لتصنع لنفسك اسم مجد” (إش 63: 1، 14). ويقول الرسول “يقودنا في موكب نصرته” (2 كو 2: 14).

لقد قدم لنا كل الإمكانيات لنصرتنا، وبقى هو القائد الحقيقي الذي يمسك عجلة قيادة الكنيسة بنفسه. وكما نقول في القداس الإغريغوري إنه لم يرسل لنا ملاكًا ولا رئيس ملائكة ولا كاروبًا بل نزل بنفسه إلينا… وكما يقول الرسول: “الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين كيف لا يهبنا كل شيء معه؟!” (رو 8: 32).

إنه لم يأتمن أحدًا غيره على خلاصنا، وقد قدم جنوده السمائيين لخدمتنا أو كما يقول الرسول بولس عن الملائكة إنهم خدام للعتيدين أن يرثوا الخلاص (عب 1: 14).

نصرتنا أكيدة مادمنا في شركة مع رب القوات، الذي يحل فينا بروحه القدوس. يأمر الكواكب فتحارب في المعركة؛ ويُرسل فرقًا من الملائكة أينما أراد، بينما أهلك ملاك واحد في ليلة واحدة 185.000 جنديًا (2 مل 20: 35)

إنه رب القوات الذي تخضع له كل الطبيعة، يأمرها فتطيعه.

v   غالبًا ما يُقال عن الشعب هكذا (قوات الرب)؛ كمثال قيل إن كل قوات الرب قد خرجت من أرض مصر؛ كما توجد أيضًا قوات أخرى هم السمائيين، فيقول الكتاب: “رب القوات معنا، إله يعقوب ملجأنا”[900]].

v   “إله يعقوب رافعنا”. اجعل نفسك كطفل صغير يرفعه والده. لأن من لا يُرفع فهو (طفل) متروك، أما من يُرفع فمُعتنى به.

القديس أغسطينوس

ب. يُنسب نفسه إلى جنوده المجاهدين في طريق بره، لذا يدعو نفسه “رب الجنود”، كما يدعو نفسه “إله يعقوب”، لأن يعقوب صارع مع الله والناس وغلب… إنه إله المجاهدين لا الكسالى والمتراخين.

العنوان:

لإمام المغنين، لبني قورح، ترنيمة على علاموث Alamoth وبحسب الترجمة السبعينية: “إلى التمام لبني قورح، من أجل الخفايا”.

  1. كلمة “alam” تعني “سرًا” أو “خفية”[901]، ولهذا جاء العنوان في بعض النصوص كالترجمة السبعينية “من أجل السرار” أو “من أجل الخفايا”، فإن هذا المزمور يعلن عن سرّ الله الخاص بسكناه وسط كنيسته بكونه ملجأها وخلاصها وسلامها.

يرى بعض أن تعبير “ترنيمة على علاموث Alamoth” تعني تسبحة الكنيسة الفتاة البتول، لأن كلمة alamothمشتقة من آلما Alama، وهو التعبير الخاص بالقديسة مريم والدة الإله في (إش 7: 4) بكونها فتاه مخطوبة عذراء!

كأن هذا المزمور هو نشيد المعركة الإلهية التي يُتقدمها رب القوات بغية تقديس كنيسته، وتقديمها عروسًا عذراء. بهذا الروح يعمل خدامه، قائلين مع الرسول بولس: “فإني أغار عليكم غيرة الله، لأني خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة لمسيح” (2 كو 11: 2).

يرى البعض أن الكلمة “alamoth” تشير إلى نغمة موسيقية لنشيد يبدأ بكلمة “عذارى”.

  1. سبق لنا الحديث عن “إلى التمام”[902]، بكونه تعبيرًا عن تحقيق الأمر في ملء الزمان حيث تجسد كلمة الله وتمم خلاصنا، وصار هو نفسه “نهاية اشتياقاتنا” أو غايتنا. وهو أيضًا غاية الناموس أو نهايته.

v   يلزم فهم ما قيل “إلى التمام” إنه خاص بالمسيح. لأن “غاية الناموس هي المسيح للبر لكل من يؤمن” (رو 10: 4). وهو يُدعى “النهاية” ليس لأنه ينتهي وإنما يكمَّل.

القديس أغسطينوس

  1. “بنو قورح” Core، أي أبناء الجلجثة أو الصليب كما سبق فرأينا[903]، فإنه لا يقدر أحد أن يتمتع بتسبحة رب القوات كرب الكنيسة الغالب ما لم يرتبط بالصليب “قوة الله” للخلاص (1 كو 1: 24). كلما أنشد أبناء المصلوب تسبحة صهيون المنتصرة بصليب مخلصها يكتشفون أسرارًا إلهية خفية بأعماق جديدة، مشتاقين أن يبلغوا كمالها… وهذا يولد فيهم عطشًا أكثر نحو المعرفة الروحية والتمتع بالأسرار.

v   السرّ إذن ليس إلا (المسيح) نفسه، هذا الذي بصلبه في موضع الجلجثة Calvery شق – كما تعلمون – الحجاب حتى تنكشف أسرار الهيكل.

القديس أغسطينوس

  1. رب القوات واهب القوة:

الله لنا ملجأ وقوة

ومعين في الأحزان التي أصابتنا جدًا” [1].

حينما تشتد الأحزان سواء بسبب الأعداء الظاهرين كما حدث عندما حاصر جند سنحاريب ملك أشور أورشليم في أيام حزقيال، أو بسبب الأعداء الخفيين مثل الخطايا، فإننا نجد في الله ملجأ لنا وقوة ومعينًا إن كنا مقدسين له، ننعم بالشركة معه.

هذه هي تسبحة الكنيسة المتحدة بالمسيح رأسها، فيه تختفي وبه تقاوم الشر!

يقول القديس باسيليوس الكبير: [إن كثيرين ينطقون بهذا الكلام بأفواههم لا بقلوبهم، والدليل على ذلك إنهم إذ يسقطون في ضيقة يسرعون إلى وساطات بشرية لا إلى الله].

ماذا تجد الكنيسة في ملكها المحارب؟

أ. “ملجأ”: إنها مُستهدفة لهجوم مستمر من عدو الخير، لذا تحتاج إلى ملجأ دائم، قادر أن يحصنها.

ب. “قوة”: لئلا يُفهم أنها تقف في سلبية بهروبها إلى الله ملجأها، يقدم ذاته قوة لتعمل به، فتقول مع الرسول: “أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني” (في 4: 13).

ج. “معينًا”: إذ يهبها ذاته قوة، يقف بجوارها بل وفي داخلها كمعين لها، يعمل معها. يسمح لها بالتجارب، ويعينها وسط أحزانها حتى تبقى نامية ومتقدمة في نضوج.

v   كثيرة هي الأحزان، وفي كل حزن يلزمنا أن نهرب إلى الله، سواء كان الحزن يمس عقارنا أو صحة جسدنا أو كارثة لمن هم أعزاء علينا جدًا أو تمس أمرًا آخر خاص بضروريات هذه الحياة، فإنه بالنسبة للمسيحي لا يليق مطلقًا الالتجاء إلى آخر غير مسيحه، غير إلهه، الذي إذا ما هرب إليه يتقّوى.

v   ولكن أيها الأعزاء المحبوبين، من بين كل الأحزان التي تلحق بالنفس البشرية ليس حزن أخطر من الشعور بالخطية.

القديس أغسطينوس

“من أجل ذلك لا يخشى إذا تزعزعت الأرض،

وانتقلت الجبال إلى قلب البحار.

عجت مياهها واضطربت،

تتزعزع الجبال بعزته” [2-3].

يتطلع الإنسان إلى الأرض بكونها الحاملة له، إن تزعزعت يفقد حياته وكيانه، كما يتطلع إلى الجبال بكونها راسخة من يقدر أن يحركها؟!

إن اشتدت الضيقة جدًا حتى شعر المؤمن كأن الأرض تتزلزل تحت قدميه وما كان يظنه راسخًا قد انهار كالجبال الساقطة في المحيطات، لا يخف لأن إلهه هو خالق الطبيعة كلها!

لعله قصد بالأرض العسكر المحاصرين لأورشليم، وبالجبال القادة العظماء الآشوريين، فإن الله يزعزع هؤلاء ويلقي بأولئك كما في قلب البحار!

إن كانت الأرض تُشير إلى الجسد، والجبال إلى الشخصية القوية والمواهب العظيمة، فإن انهار جسدك وظننت أنك قد خسرت الكثير من مواهبك حتى شخصيتك، لا تخف فإن الله مخلصك يقدر أن يقدس جسدك ونفسك وقدراتك ويرد لك كمال شخصيتك بعزته!

v   لنطلب جبالاً محمولة، فإن استطعنا أن نجدها، فمن الواضح أن فيها آماننا. بالحقيقة قال الرب لتلاميذه: “لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انطرح في البحر فيكون” (مت 17: 20؛ 21: 21)… قال عن نفسه “هذا الجبل”، إذ يدْعى “الجبل”؛ “ويكون في آخر الأيام أن جبل بيت الرب يكون مُعلنًا” (إش 2: 2). لكن هذا الجبل يوضع فوق كل الجبال، لأن الرسل أيضًا هم جبال يعملون لحسب هذا “الجبل“. لذلك قيل: “ويكون في آخر الأيام أن جبل بيت الرب يكون مُعلنًا، ثابتًا في رأس الجبال” (إش 2: 2). إنه فوق قمم كل الجبال، وعليها يقوم، لأن الجبال تكرز “بالجبل”.

ويشير البحر إلى هذا العالم… بمعنى أن هذا الجبل الذي هو “أنا نفسي” يُكرز به بين الأمم، ويتمجد بينهم وتتحقق النبوة عني: “شعب لم أعرفه تعبد لي” (مز 18: 43).

v   “عجت المياه واضطربت” [3]. عندما كُرز باإنجيل، ماذا حدث؟ لقد ظهر عند الأثينيين أنه يُنادي بآلهة غريبة (أع 17: 18)؛ أما الأفسسيون فقاموا بشغب ليقتلوا الرسل (أع 19: 34)، وكانوا هائجين يصرخون: “عظيمة هي أرطاميس الأفسسيين!”.

القديس أغسطينوس

v   جبال الله شيء، وجبال العالم شيء آخر،

جبال العالم هم أولئك الذين رأسهم الشيطان،

وجبال الله هم أولئك الذين رأسهم المسيح.

أولئك (جبال العالم) يهزمهم هؤلاء، عندئذ يصوتون ضد المسيحيين. عندما تهتز الجبال تعج المياه… وتحدث زلزلة، ويضطرب البحر؛ ولكن ضد من؟ ضد الكنيسة المؤسسة على الصخر!

القديس أغسطينوس

  1. رب القوات واهب البهجة:

“مجاري الأنهار تفرح مدينة الله” [4].

إن كانت كلمة الكرزاة تزعزع الأرض وتنقل الجبال وتهيج البحار، إنما لتُحطم الشر وتقيم أرضًا مقدسة، جبالاً ثابتة تحمل “الجبل” (السيد المسيح) على قممها، وتحول مياه البحار المالحة والمضطربة إلى أنهار عذبة تفرح مدينة الله. تقيم كنيسة المسيح: الأرض الجديدة التي يسكنها الله، والجبال المقدسة، ومياه الروح التي تفيض لتروي!

يقول الإنجيلي: “وقف يسوع ونادى قائلاً إن عطش أحد فليقبل إليّ ويشرب؛ من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حيّ؛ قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه، لأن الروح القدس لم يكن قد أُعطى بعد” (يو 7: 37-39). تحدث يوئيل النبي عن هذا النبع العذب، قائلاً: “ويكون في ذلك اليوم أن الجبال تقطر عصيرًا، والتلال تفبض لبنًا، وجميع ينابيع يهوذا تفيض ماءً، ومن بيت الرب يخرج ينبوع ويسقي وادي السنط” (يوئيل 3: 18).

هذا الفيضٍ يُدمّر الشر ويهدم الإنسان العتيق بأعماله، ويبني الإنسان الجديد وينميه، واهبًا الكنيسة ككل والأعضاء حبًا سماويًا وفرحًا وسلامًا. وكما يقول الرسول: “لأننا رائحة المسيح الذكية لله في الذين يخلصون وفي الذين يهلكون؛ لهؤلاء رائحة موت لموت، ولأولئك رائحة حياة لحياة” (2 كو 2: 15-16).

يرى العلامة أوريجانوس[904] أن النهر هو الروح القدس الذي يحمل إلى المؤمنين (الأشجار المغروسة على ضفافه) الكتابات الإنجيلية والرسولية، وأيضًا المعونة التي يُقدمها السمائيون إليهم من قبل الله.

ويحدثنا القديس أمبروسيوس عن هذا النهر الذي يُحيط بنا (يونان 2: 3) بكونه الروح القدس الذي يروي أورشليم السماوية، الذي يفيض على الكنيسة بالسيد المسيح المصلوب.

v   الروح القدس هو النهر، النهر الوفير، النهر العظيم الذي يفيض دومًا وبلا انقطاع… فإن أورشليم السماوية لا ترتوي بنهر أرضي بل بالروح القدس[905].

v   لا تُروي تلك المدينة، أورشليم السماوية، بقناة أو بنهرٍ أرضي، بل بالروح القدس… والذي يكفي رافدٌ قصير منه لإروائنا بمياهه، هذا الذي يفيض بأكثر غزارة وسط تلك العروش السماوية والسلطات والقوات والملائكة ورؤساء الملائكة، إذ يتدفق في ملء جريان فضائل الروح القدس السبع. فإن كان نهر مرتفع يفيض على ضفافه ويتدفق، كم بالحري يكون الروح الذي يفيض على كل مخلوقٍ حينما يلمسه، وكأنه يمسُّ سهول أذهاننا المنخفضة فيبهج طبيعة الخلائق السماوية بفيض تقديسه[906].

v   العهد القديم بئر عميق تُسحب منه المياه بالجهد… أما العهد الجيد فليس بنهر فحسب وإنما “وتجري من بطنه أنهار ماء حيّ” (يو 7: 38)، أنهار تأمل، أنهار روحية[907].

القديس أمبروسيوس

v   توقفت الأمطار النوية (نش 2: 11) لكن ليس لخسارة المؤمنين بل لمزيد من الفائدة للكنيسة، لأنه ما حاجتنا إلى الأمطار حينما تفرَّح مجاري الأنهار مدينة الله؟ حينما يفيض نبع مياه حياة أبدية وذلك في قلب كل مؤمن[908]؟!

العلامة أوريجانوس

مجاري المياه أيضًا هي المعمودية (وسرّ المسحة) التي خلالها ننعم بالنبوة لله ونتمتع بسكنى الروح القدس الذي يُقدسنا كأعضاء جسد المسيح، لذا قيل:

لقد قدّس العليّ مسكنه.

والله في وسطها لا يزول.

يعين الله وجهها” [4-5].

يقول القديس أغسطينوس: [مادام يشير إلى التقديس فواضح أن مجاري المياه هذه تُفهم عن الروح القدس، الذي به تتقدس كل نفس تقية مؤمنة بالمسيح، فتصير مواطنة في مدينة الله].

ماذا يُقدم الروح القدس للمؤمن خلال كنيسة المسيح؟

  1. التقديس: إذ يجعله مسكن العلي المقدّس.

v   الروح القدس المنبثق من الله (الآب) هو مصدر القداسة، القوة الواهبة الحياة، النعمة التي تُعطي كمالاً، خلاله ينعم الإنسان بالتبني، يصير الفاسد في عدم فساد. إنه واحد مع الآب والابن في كل شيء في المجد والأبدية والقوة والملكوت واللاهوت. هذا ما يُختبر بتقليد معمودية الخلاص[909].

القديس باسيليوس الكبير

  1. سكنى الله في الإنسان أبديًا:

v   ينال (المعتمد) الروح القدس فيه ويحمل فعلاً لقب هيكل الله[910].

القديس كيرلس الكبير

  1. يرد للإنسان كرامته ودالته لدى الله:

“يعين الله وجهها” [5]:

هذا هو سرّ بهجة المؤمن وفرحه كمدينة الله التي ترتوي بمجاري الأنهار، فتنعم بالحياة المقدسة في الرب، وسكنى الروح فيها، والتمتع بدالة البنوة أمام الله. هذا من الجانب الإيجابي، أما من الجانب السلبي فينزع الله عنا الشر، ويُحطم أعمال الإنسان العتيق فينا، لذا قيل:

“اضطربت الأمم، وماجت الممالك.

أعطى صوته فتزلزلت الأرض” [6].

  1. رب القوات واهب النصرة:

“هلمَّ فانظروا أعمال الرب،

التي جعلها أيات على الأرض

الذي يرفع الحروب من أقاصي الأرض” [8-9].

يهب الرب كنيسته نصرة، إذ أقامها في كل المسكونة، واهبًا البشرية سلامًا داخليًا عوض الاضطراب والغم. لقد ملك الرب على الأمم، وأقام مملكة سلامه الروحي في قلوب الكثيرين!

يرى البعض أن كلمة “أنظروا” هنا جاءت لتعني التطلع الداخلي… حيث يرى القلب الملكوت الداخلي.

ربما يعني بأقاصي الأرض جسد الإنسان ككل، فإنه إذ يملك الرب على القلب يقدس الجسد بكل أعضائه وأحاسيسه ومشاعره، فلا يعود يخاف عدو الخير ولا يرهب أدواته التي يُحطمها الرب بصليبه:

يسحق قسيّهم،

ويرض سلاحهم

وأتراسهم يحرق بالنار” [9].

ربما هنا إشارة إلى عادة قديمة كانت تتبع بعد نوال نصرة ساحقة وأكيدة، حيث تُجمع الأسلحة في كومة وتحرق بالنار (يش 11: 6، 2 صم 8: 4، حز 39: 8-10). قيل عن الإمبراطور فسبسيان الروماني عند احتفاله بنهاية الحروب في أيطاليا وفي كل العالم، إنه صنع ميدالية تمثل إلهة السلام وقد أمسكت بيدها غصن زيتون وبالأخر مشعلاً متقدًا ألقت به على كومة الأسلحة لتحرقها[911].

ربنا يسوع المسيح هو ملك السلام الذي يُلقي بمشعل روحه القدوس في داخل القلب فيحرق الأشواك الخانقة للنفس، ويُحطم كل أسلحة إبليس، واهبًا إيانا سلامه الفائق.

يتساءل القديس أغسطينوس: [هل تحقق هذا الآن؟ لقد تحقق بالنسبة للبعض، تحقق بالنسبة للحنطة، ولم يتحقق بعد بالنسبة للزوان].

“ثابروا، واعلموا أني أنا هو الله.

أرتفع في الأمم.

وأتعالى على الأرض” [10].

كأنه يقول: أتريدون أن تختبروا سلامي؟ أتريدون أن تحترق كل أدوات الحرب المهلكة؟ كفّوا عن الاتكال على الأذرع البشرية! ارتبطوا بي فأرفعكم فوق الأمم (طلبات الجسد) وأتعالى بكم على الأرض، حيث أحملكم كما بجناحي حمامة إلى سمواتي؟

فاصل

رب الجنود ناصرنا!

v   عجيب أنت ياربي في حبك،

كقائد تتقدم بنفسك في ساحة المعركة،

لتدخل بنا إلى النصرة الأكيدة،

وكأب تحملنا نحن أطفالك الصغار إلى حضن أبيك!

v   تُعلمنا كيف نُجاهد، مصارعين حتى الدم،

وتتلطف بنا فتشبع عواطفنا!

نحن جنودك وأطفالك الصغار!

v   لتزعزع أرض قلبي القاسي،

فتحوله إلى أرض جديدة مملوءة حبًا!

ولتتحطم فيّ الجبال الشامخة،

لتُقيم فيَّ جبالك المقدسة.

لتحول قلبي من بابل المتغطرسة إلى أورشليم المتضعة!

لتحول حياتي من مدينة إبليس إلى مدينة الله!

v   ليعمل روحك القدوس فيّ!

ليفيض كنهر إلهي، يحول وادّي إلى جنات مثمرة!

v   لتسكن في داخلي،

وليحل سلامك فيّ!

احرق يارب كل أسلحة عدو الخير،

ولتقم فيّ أسلحة الروح!

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى