الأنبا بولس البوشي
من أبرز المفكرين الأقباط في القرن الثالث عشر، ومن أشهر أساقفة الكنيسة القبطية في ذلك العصر. يعتبره علماء الآبائيات امتدادا للعصر الذهبي للآباء[1]، لما تميزت به كتاباته بالمعرفة اللاهوتية الإسكندرية الرصينة، والتفسير الأرثوذكسي للكتاب المقدس، والكتابات الدفاعية والجدلية ضد الخارجين عن الإيمان القويم، بالإضافة إلى عظاته الروحية وإدارته الحكيمة لشعبه وللكنيسة في تلك الأيام[2].
لا تذكر لنا مخطوطات تاريخ البطاركة، مثل كتاب تاريخ الآباء البطاركة للأنبا يوساب أسقف فوه (كفر الشيخ) المعاصر له، سوى النذر القليل من سيرته العطرة، كما لا يرد اسمه إلا عرضاً في تاريخ معاصره البابا كيرلس الثالث، لكن شخصيته وكتاباته أثارت اهتمام المؤرخين المحدثين المهتمين بتاريخ الكنيسة القبطية والكتابات المسيحية المدونة باللغة العربية. ولا يمكننا أن نذكر سيرة أنبا بولس البوشي دون أن نذكر تاريخ الكنيسة العام في عصره، لارتباطه به أشد الارتباط، كما أنه لعب دورا هاما في قيادة الكنيسة القبطية لمدة ثلاث سنوات تقريبا، عندما تم تعيينه رقيبا على البابا كيرلس بن لقلق.
سيرة حياته:
ولد بولس البوشي نحو عام 1170م، ربما ببلدة بوش بشمال صعيد مصر (من أعمال محافظة بني سويف الآن)، لذلك اشتهر باسم بولس البوشي، ومن المرجح أنه ترهب بأحد أديرة الفيوم، التي كانت عامرة بالأديرة في ذلك الوقت، وربما بنفس الدير وفي نفس الزمن الذي ترهب به القس داود الفيومي، الذي اشتهر باسم داود بن لقلق، لارتباطه به بقية حياته، وصداقتهما القوية التي استمرت حتى بعد اعتلاء داود بن لقلق كرسي البطريركية باسم البابا كيرلس (بن لقلق). ويرجح العلماء أنه قضى حياته الرهبانية في دير القديس أنبا صموئيل المعترف بالقلمون بالفيوم[3].
محنة اختيار البطريرك:
في يوم الخميس الحادي عشر من شهر طوبة سنة 932 للشهداء، الموافق الخامس عشر من شهر رمضان سنة 612 للهجرة (يوم 7 يناير سنة 1216م)، وهو يوم عيد الغطاس المجيد، تنيح البابا القديس يوأنس السادس البطريرك (74)، فنقل جسده إلى الكنيسة المعلقة، حيث تمت الصلاة عليه ثاني يوم، وهو يوم الجمعة، ولم يحضر صلاة الجناز سوى الأسقف الملكاني، وجمع غفير من الأقباط، وتم دفنه في مقبرته جنوب منطقة مصر القديمة (بركة الحبش).
وسرعان ما تلبدت الغيوم واشتعلت المعركة حول تعيين من يصلح لملء هذا الكرسي الرسولي، نظرا لانقسام الأراخنة حول هذا الأمر، إذ ظهر عدة أحزاب يؤيد كل واحد منها مرشحا بذاته[4].
1. فقوم وقع تخيرهم على القس بولس البوشى،
2. وقوم وقع تخيرهم على القس داود بن يوحنا الفيومي (المعروف بابن لفلق)،
3. وقوم تخيروا الشيخ أبا الكرم أرشيدياقن المعلقة بمصر[5]
4. والصاحب الأعز الوزير (ممثل السلطان في مصر) تعصب لكاتبه سني الدولة أبي الفضائل (بن المهذب).
ويذكر أنبا يوساب أسقف فوه، الذي كان معاصرا تلك الأحداث، أن الملك الكامل عقد مناظرة بين القس داود بن يوحنا (البابا كيرلس فيما بعد) والقس بولس البوشي بحضور أنبا نيقولا البطريرك الملكاني بالقلعة، بحضور جماعة كبيرة من فقهاء المسلمين وعلمائهم. ورجح السلطان القس داود في العلم على القس بولس، وشكر تعليله المسائل التي أوردها السلطان والفقهاء وغيرهم عليه[6].
لكن لم تأت تلك المناظرة بالفائدة المرجوة منها، وقد بذلت الأحزاب المتناحرة أقصى جهودها في تعيين مرشحيها، وظل يقاوم الواحد الآخر مقاومة عنيفة مدة طويلة من الزمن، دون أن يتمكن أي حزب من التغلب على الآخر وينال مقصوده ويفوز بمرامه.
بعد ذلك تم ترشيح راهب حبيس بدير ناحية إبيار (محافظة الغربية)، فأرسل الملك العادل رسالة لوالي الغربية بأن يجمع الأساقفة وينزل حبيس ابيار ويسيره معهم إلى ثغر الإسكندرية ليقدموه بطريركا. لكن بعد أن تم إحضاره تم صرفه إلى ديره مرة أخرى[7].
ثم اجتمع السلطان بالأراخنة الأقباط ومقدمي قسوس القاهرة ومصر، فاجتمع رأيهم على ثلاثة، وهم الشيخ أبو الكرم، وحبيس إبيار والقس داود. فلما ناقشهم السلطان عرف أن الشيخ أبا الكرم رجل متقدم في العمر، فتم استبعاده. ثم سألهم السلطان الملك العادل هل يعرفون حبيس إبيار حتى يزكوه، فقالوا مولانا السلطان يعرفه، إذ كان قد سبق أن نزل في ضيافته، فقال السلطان هذا لا يدخل بينكم (أي لا يتم ترشيح راهب بسبب معرفتي أنا به). وتم ترشيح القس داود. لكن تعثرت المفاوضات مرة أخرى بسبب رفض كثير من الأراخنة رسامة القس داود[8].
فلما رأى القس بولس البوشي المنازعات مشتدة حول المنصب البطريركي وأخذت شكلاً يتنافى مع أصول الدين، وينفر منها الرجل المجبول على الورع والتقوى والسلام، سحب نفسه من ساحة هذه المعركة، وآثر أن يعكف على الأبحاث الدينية في جو هادئ، ويلازم نشر الحقائق الإلهية بقلمه، وبث التعاليم الروحية والإرشادات الدينية الحقة، والرد على من تسول له نفسه الطعن في الدين المسيحى[9].
وكذلك عندما فشل في ميدان الترشح الأرشيدياكون أبو الكرم شماس كنيسة المعلقة، رغم استعداده لبذل المال في سبيل الحصول على الكرسي البطريركي، فاضطر مقهرا للانسحاب، وترك الميدان حرا أمام خصمه الراهب داود حيث لم يقو على مزاحمته لشدة بأس وتأثير أعوانه[10].
لم تتفق الأحزاب المتناحرة على من يرسم للكرسي المرقسي، وبقي الكرسي شاغرا حوالي عشرين سنة، وطال الحال بغير بطريرك حتى لم يبق من الأساقفة سوى أسقفين بالوجه البحرى وأسقفين بالوجه القبلى. وتناقص عدد الكهنة جدا في كنائس الكرازة المرقسية، لذلك اضطر أراخنة الكنائس الالتجاء للإيبارشيات الأخرى لطلب رسامة كهنة وشمامسة لهم، بالإضافة إلى التناقص الشديد في الخدمات الكنسية العامة التي يحتاجها الشعب القبطي.
أما ثغر الإسكندرية وبرية أبي مقار فلم يكرس عندهم أحد ولم يبق لهم إلا كاهنًا واحدا من رسامة البابا مرقس بن زرعه. كما نفذ الميرون أيضا لأنه من مدة أربعين سنة من بطريركية البابا يوأنس إلى بطريركية البابا كيرلس لم يقم أحد بتكريس الميرون المقدس الذي نفذ من أيام البابا مرقس بن زرعه، البطريرك الثالث والسبعون، حتى اضطرت أغلب الكنائس أن تأخذ من بواقى الميرون بالعود ويجعلونه في المعمودية، كما اضطرت كنائس الأرياف أن تعمد بالغاليلاوون فقط[11].
السلطان الكامل في ضيافة دير أنبا مقار:
وفي أواخر شهر كيهك (عام 1228م) عاد السلطان الملك الكامل من ثغر الإسكندرية وجعل طريقه على الديارات (أي أديرة وادي النطرون)، ديارة أبو مقار بوادي هبيب، ونزل بها وأضافه الرهبان وكل من معه، وأكثروا الخير مما يوجد عند الرهبان، وأنعم عليهم السلطان، ووقع لهم بخمس ماية أردب غله (أي) ثلثمايه قمحا وشعيرا ومايه فولاً ومايه جلبانا، وأكرمهم وقربهم منه، ورفع الحجاب دونهم. وكتب لهم منشورا بأن من ترهب لا يلزمه جزية ولا يطالب بها. وأن أي راهب مات كان ميراثه للرهبان ولا للمواريث الجسدية عليه تعلق، ولا للديوان السلطاني عليه اعتراض[12].
وتحدثوا معه في أمر البطرك فقالوا له: يا مولانا نحن بغير بطرك وقد تلفت أحوالنا، وكان بهذا الدير نيف وثمانين قسا ما فيه اليوم إلا أربعة، لأنهم ما وجد من تقدم عوضهم. فقال لهم اختاروا من شئتم وأنا أقدمه لكم. قالوا يا مولانا نحن ما معنا مال، والبطرك يطلب عليه المال. فقال لهم: اتفقوا على من أردتم وما يطلب أحد منكم شيئا، ولم يقو عزمهم على أحد وانفصل السلطان عنهم وهو شاكرا لهم وكذلك ساير العسكر(“).
ولكن استمر الحال على ما هو عليه لمدة سبع سنوات أخرى.
رسامة القس داود بن لقلق بطريركا بتوسط الراهب عماد
انفرجت أزمة رسامة الأب البطريرك، حسب رواية الأنبا يوساب أسقف فوه، كاتب سير الآباء البطاركة، إذ اتفق حضور راهب اسمه عماد
اجتمع به القس داود في دير النسطور[13] وقرر معه أن يبذل عنه في البطريركية ثلاثة آلاف دينار ذهب، وأن يضمنه بها لبيت المال. وكان في هذا الوقت السلطان الملك الكامل مقيما في الثغر الإسكندري. فتوجه الراهب عماد إليه وتحدث مع الأمير فخر الدين ابن شيخ الشيوخ بسبب ذلك. وكان ابن الشيخ يعرف القس داود بن لقلق ويعرف قضيته مع أبي الفتوح[14] وعنايته به أولاً، والخلاف الذي وقع بين النصاري في أمره. فوجد في ذلك وسيلة في بذل المذكور فتوسط في الحال عند السلطان ورسم الملك بقبول البذل وتقدمة القس داود[14].
فلما عاد الراهب عماد من الثغر إلى مصر واشتهر السعي الذي حصل على يديه، وكان الشيخ شرف الرئاسة بن هبلان كاتب الجيش حاضرا بالثغر وقتئذ، واطلع على ما تحرر في هذا الشأن، فسير رسولاً يقول للجماعة الذين من حزبه في مصر أن لا يتحدثوا بعد ولا يقاوموا في أمر تقدمة القس داود المذكور. ولما خشى الشيخ أبو الفتوح أن تقع فتنة في قضية هذا القس في مصر كما سبق وقوعه أشار على القس داود أن لا يحرك ساكنا بل يمضى إلى الثغر الإسكندری تحت حرمة السلطان، حيث لا مقاوم ولا ممانع، ويتقدم هناك مرة واحدة[16].
ففعل القس داود بهذه المشورة، وقدم قمصا في يوم السبت 22 بؤونة سنة 951ش (16 يونية سنة 1235م) في كنيسة أنبا شنوده المعروفة بكنيسة السباع خارج البلدة[17].
وفي يوم الأحد 23 بؤونة كملت الرسامة بطريركا باسم البابا كيرلس الثالث البطريرك الخامس والسبعين (وشهرته البابا كيرلس بن لقلق) من أسقفين، أحدهما أسقف أشموم طناح (أشمون منوفية) والثاني أنبا مرقس أسقف مليج، وذلك في كنيسة السوتير)، وسير إليه السلطان خلعة حسنة وهى ثوب عنابي أزرق مطرز بالذهب وثوب مذهب وطرحة. وقد كان يوما عظيما مشهورا حضر فيه أكثر غلمان السلطان وخدامه، كما كان احتفالاً فخيما لم ير مثله منذ زمن بعيد.
أول زيارة للبابا كيرلس الثالث لدير أنبا مقار:
خرج البابا كيرلس الثالث من الثغر الإسكندرى عقب رسامته قاصدا دير أبي مقار في البرية، على جارى عادة البطاركة بعد رسامتهم في الإسكندرية. فوصل الدير وأقام به حيث كرس فيه قسوسا وشمامسة ورتّب فيه التراتيب اللازمة، وزار باقى أديرة البرية مكرساً لكل دير يومين، وبعد ذلك بارح البرية قاصدا القاهرة.
قوانين البابا كيرلس بن لقلق:
في خلال أقل من عام واحد، أي منذ رسامته حتى بداية الصوم المقدس، قام البابا برسامة أكثر من أربعين أسقفا، وعددا لا يحصى من الكهنة.
كما قام بتكريس الميرون بدير القديس أنبا مقار بسبب نفاد كميته بالكامل من معظم الإيبارشيات.
وقام البابا برسامة مطران باسم أنبا باسيليوس على كرسي بيت المقدس (أورشليم) والشام والفرات لأول مرة.
لكن، وللأسف نتيجة للضغوط المالية التي واجهها، التجأ إلى رسامة الأساقفة والكهنة بالمال، وهو ما يعرف بالسيمونية، مع تجاوز الكثير من القوانين الكنسية في ما يتعلق بشروط اختيار الكاهن والأسقف. فقام الراهب السني قسيس كنيسة أبي سرجة والأنبا يوساب أسقف فوه، صاحب کتاب تاريخ البطاركة، بتقديم عريضة للبابا من أجل الإصلاح، ثم تقرر عقد مجمع مقدس للنظر في الأمر. وقد قرر المجمع وضع قوانين تسير عليها الكنيسة، وكان كاتب سر المجمع الشيخ الصفي ابن العسال. وقد عرفت هذه القوانين باسم قوانين البابا كيرلس بن لقلق.
الأنبا بولس البوشى أسقفا لمصر:
لم يلتزم البابا بقرارات المجمع، ولم تأت القوانين الصادرة عنه بالإصلاح المرجو، فقرر مجمع الأساقفة بعد ذلك أن يلازم القلاية البطريركية أسقفان يكونان معاونين للبابا، ورقيبين على تصرفاته. فتم اختيار القس بولس البوشي، الذي تقرر تقدمته أسقفاً على كرسى مصر، لكى يشترك مع أحد أساقفة الوجه البحرى لإدارة شئون البطريركية بالاتفاق مع البابا كيرلس. وقد أقر المجمع المقدس هذا القانون وعُرف باسم الكتاب الخامس من قوانين كيرلس بن لقلق في تنظيم أعمال البطريركية والديوان البطريركي، وهذا نصه:
[لما كان بتاريخ يوم السبت التاسع عشر من شهر صفر سنة ثمان وثلثين وستماية الموافق للحادي عشر من توت سنة سبع وخمسين وتسعماية للشهداء الأطهار حضر البابا البطريرك كيرلس بطريرك المدينة العظمى الاسكندرية وما معها. ومن ثبت خطه في هذا المسطور الأساقفة والقسوس ومشايخ الرهبان والروؤساء المشايخ الأراخنة وتقرر في أمر البيعة المقدسة الرسولية القبطية بكرسى الاسكندرية ان يجرى الامر فيه على ما يأتي بيانه وهو:
1- ان يلازم القلاية البطريركية اسقفين عالمين أحدهما بولس البوشى الذي تقرر تقدمته اسقفا على كرسى مصر. والثاني أحد علماء اساقفة الوجه البحرى بالنوبة. يحضر اثنان المحاكمات ولا يمنع البطريرك أحدا بالاتفاق معهما ولا يحل من المنع الا ما وافقا على حله. ولا يصدر كتابا من القلاية بغير خط أحدهما وعلامة البطريرك فيه. الأ توقيع رقعة بموافقتهما عليه. ولا يمنع من القلاية اسقفا على الصغاير بالجملة. فاما الامور التي يجب المنع فيها شرعا فلا يمنع فيها الا بعد مكاتبة الاسقف بالنهي عنه دفعة واثنتين. فان تمادي على ذلك بعد المكاتبات احضر إلى القلاية ليناظر عن نفسه بحضور اساقفة علماء ومهما أوجبه الشرع عمل بحسبه.
٢- تقرر ان يكرز اسقفا على كرسى مصر خلا كنيسة ابو سرجه…
وحسب شهادة بعض المؤرخين المعاصرين، كان القس بولس البوشي قد انسحب من الترشيح للبطريركية لرزانة عقله ونزاهة شخصه واعتدال طباعه وحبه الشديد للمحافظة على خير الكنيسة وسلامة الأمة القبطية، فعوضا من أن ينزل ويخوض معركة سلاحها الفتن والتشنيع، ويخشى أن تكدر صفاء حياته الروحية باندفاعه في تيار الأغراض السفلى والدناءة، والتجائه إلى وسائل غير شريفة، شأن ذوى الأغراض الشخصية، وتهان كرامته الكهنوتية، أثر حياة هادئة على الحياة المضطربة، والسكينة على القلق، فكان من الرابحين.
يتبين من ذلك أن أنبا بولس البوشي كان حقاً رجل الدين بكل معانى الكلمة ورجل العلم والمعلم القدير والراعي الصالح.
ومما يعد بالفضل لأنبا بولس البوشى أنه كانت له اليد الطولى في نصح واقناع رئيسه البابا كيرلس الثالث، بعد حياته المضطربة، بالالتجاء إلى حياة الوحدة والانفراد، أملاً في أن هدوء البيئة والبعد عن العالميات وعن الاحتكاك بمرؤوسيه يهيئ له الرجوع إلى صوابه في مساء حياته. ولم يستدل شئ عن الأيام الأخيرة من حياة أنبا بولس البوشي، نفعنا الله ببركاته.
وظل البابا كيرلس معتزلاً في دير الشمع بالجيزة إلى أن تنيح في يوم 14 برمهات سنة 959 ش (10مارس سنة 1243م) بعد أن تولى الكرسي مدة سبع سنوات وثمانية شهور وثلاثة وعشرين يوماً، ودفن بالدير المذكور. وقد عاصر من الملوك: الملك الكامل والعادل الثاني والصالح والمعظم من ملك الأيوبيين المعاصرين له. ومن مؤلفاته التي حفظت له كتاب المعلم والتلميذ الذي يحوى كتاب الاعتراف كما تقدم القول عنه، والذي اشترك في تأليفه أنبا بولس البوشي.
كتابات أنبا بولس البوشي
للأنبا بولس البوشي كتابات كثيرة تتسم بالعمق والروحانية، ويتضح منها سعة اطلاعه على كتابات آباء الكنيسة الأولين، خاصة ميامره على الأعياد السيدية. وهذا يعني أن الكثير من كتابات الكنيسة الأولى كان قد تم ترجمتها إلى اللغة القبطية، وكان آباء الكنيسة في العصور الوسطى على معرفة تامة بها، وهذا ما ذكره هبة الله ابن العسال في مقدمته لكتاب الاعتراف أو المعلم والتلميذ، كما سنرى لاحقا.
وربما يكون القديس أثناسيوس الرسولي هو أكثر من أثر في فكر الأنبا بولس البوشي، بالإضافة إلى القديس كيرلس الكبير والقديس باسيليوس والقديس غريغوريوس اللاهوتي، كما سنرى من اقتباسه لأقوالهم في تفسيره لسفر الرؤيا، وهذا يثبت بالأكثر ترجمة أقوال آباء الكنيسة من اليونانية إلى القبطية.
ومن الكتابات التي وصلت إلينا للأنبا بولس البوشي الآتي:
1 – ميامر على الأعياد السيدية:
وقد ذكرها القس شمس الرئاسة أبو البركات المعروف بابن كبر في موسوعته «مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة»، قائلاً: [بولس البوشي أسقف مصر له سبعة ميامر جيدة على الأعياد السيدية. وعناوين هذه الميامر:
أ.ميمر البشارة المحيية
ب. ميمر الميلاد الشريف
ج. ميمر الغطاس المجيد
د. ميمر الشعانين
هـ . میمر القيامة المجيدة
و. ميمر الصعود المجيد
ز. ميمر العنصرة أو حلول الروح القدس
ح. ميمر صلبوت ربنا يسوع المسيح وتذكار آلامه المحيية.
نشر الأب الهولندي يعقوب مويزر مقتطفات من هذه الميامر عام 1950م، ثم نشرها كاملة القمص منقريوس عوض الله في القاهرة عام 1972، بعنوان: «مقالات الأنبا بولس البوشي أسقف مصر وأعمالها من علماء القرن الثالث عشر، عن مخطوط بدير السيدة العذراء السريان». وأعاد نيافة أنبا متاؤس أسقف ورئيس دير السريان العامر نشر ميمري الميلاد والغطاس في كتاب: «ميلاد المسيح والظهور الإلهي في فكر الآباء»، عام 2015؛ كما نشر الدكتور جوزيف موريس فلتس، مركز دراسات الآباء، ميمر الصعود عام 2001، وميمر العنصرة 2006 عن مركز دراسات الآباء بالقاهرة. كما قمت بنشر النص كاملاً في مجلة مرقس بين عامي 2009 و2011م، عن مخطوط بدير القديس أنبا مقار.
ويبدو أن ميمر الصلبوت أخذ شهرة خاصة في الكنيسة القبطية، إذ تنص بعض المخطوطات أنه كان يقرأ ضمن صلوات الساعة السادسة من يوم الجمعة العظيمة في أسبوع الآلام، مع ميمر عن نفس الموضوع للقديس أثناسيوس الرسولي.
2 – تفسير سفر الرؤيا:
عن مخطوط بدير القديس أنبا مقار.
3 – تفسير الرسالة إلى العبرانيين:
أورد «كتاب الشفا في كشف ما استتر من لاهوت سيدنا المسيح واختفى»، لمؤلفه أبو شاكر بن الراهب أبو الكرم بطرس بن المهذب شماس كنيسة المعلقة ـ والذي كان مرشحا للكرسي البطريركي مع بولس البوشي وكيرلس بن لقلق – الآيات الأربعة الأولى من رسالة القديس بولس الرسول للعبرانيين، ثم تبعها بتفسير لها، وذكر أن هذا التفسير هو لبولس البوشي أسقف مصر. وللأسف غير معروف هذا التفسير لدينا الآن. وقد أوردنا تفسير هذه الآيات في نهاية هذا الكتاب.
4 – مقالة في العمر والرزق.
5- كتاب العلوم الروحانية.
6 – مجادلات مع بعض الشيوخ المسلمين
يرى الأب سمير خليل اليسوعي أنها لم تكن مجادلة مع الشيوخ المسلمين، بل مناظرة بين القس بولس البوشي والقس داود الفيومي (كيرلس بن لقلق) في حضور الملك الكامل وجماعة من أفاضل المسلمين، وربما تكون المناظرة قد دارت حول موضوعات مثل الثالوث والتجسد والفداء.
– کتاب الاعتراف:
اشترك مع البابا كيرلس في تأليف هذا الكتاب، والمعروف باسم: المعلم والتلميذ، وقد كتب العلامة الأسعد أبو الفرج هبة الله ابن العسال مقدمة قيمة لهذا الكتاب، ذكر فيها أن الاثنين قاما بتعريب كل ما جاء باللغة القبطية بخصوص سر الاعتراف في مؤلفات الآباء القديسين، وأنهما ذيلاه بشرح وافي. كذلك ذكر الأسعد أنه ساعدهما في تقسيم مواد هذا المؤلف ووضع ترتيبا له، كما اشترك معهما في تهذيب الألفاظ العربية. وتم تصنيف هذا الكتاب قبل ارتقاء البابا كيرلس على الكرسي البطريركي، وكان الغرض من تأليفه أن يردا إلى سر الاعتراف منزلته السامية الخطيرة بين أسرار الكنيسة السبعة حتى لا يبقى الشعب المؤمن محروما من فوائده الروحية بعد أن أبطل البابا أنبا يوأنس السادس (الرابع والسبعون في عداد الآباء البطاركة) استعماله مؤقتا لعدم توقير الإكليروس لهذا السر، وقد تم تصنيف هذا الكتاب قبل ارتقاء البابا كيرلس للكرسي البطريركي، أي قبل عام 1235م).
ه – کتاب التجسد:
هذا الكتاب موجود في نسخة فريدة، محفوظة في مكتبة البطريركية بالقاهرة، تحت رقم 262 لاهوت، وعنوان هذا المخطوط: «من مجموع ديني، · جمعه أنبا بولص أسقف كرسي مصر، وسمّاه كتاب التجسد». وقد نشره الأب سمير خليل اليسوعي، ولم يذكره العالم جورج جراف في كتالوجه، إذ كان يظن أنه هو نفسه الكتاب التالي الذي يحوي مقالة عن التجسد.
9 – مقالة في التوحيد، ومقالة في التثليث، ومقالة في التجسد، ومقالة في صحة المسيحية:
کتاب يحوي أربع مقالات لاهوتية، نشرها الأب سمير خليل اليسوعي في مجلة «صديق الكاهن» على عدة حلقات بين عامي 1974 – 1978، كما نشرها في كتاب بعد ذلك بعنوان: مقالة في التثليث والتجسد وصحة المسيحية لبولس البوشي أسقف مصر سنة 1240م، التراث العربي المسيحي (٤) ، تحقيق الأب سمير خليل اليسوعي، بيروت ١٩٨٣م.
1 Mark N. Swanson, The Coptic Papacy in Islamic Egypt 461-1517, American University press in Cairo, 2010, p. 94; Stephen J. Davis, Coptic Christology in Practice, Incarnation and Divine Participation in Late Antique and Medieval Egypt, Oxford University Press, 2008, p. 238-251; 299-306.
جوزيف موريس فلتس، القديس أثناسيوس مصدر التعاليم اللاهوتية لبولس البوشي أسقف مصر في القرن ۱۳، رسالة دكتوراه مقدمة لكلية اللاهوت جامعة أثينا، 1994؛ نبيه كامل داود، تاريخ إيبارشية محافظة بني سويف، لجنة التحرير والنشر بمطرانية بني سويف والبهنسا، ۱۹۸۹، ص 136؛ الأب سمير خليل اليسوعي، مقالة في التثليث والتجسد وصحة المسيحية لبولس البوشي أسقف مصر سنة 1240، التراث العربي المسيحي 4، بيروت ۱۹۸۳، ص ٤٩-٥٠.
Aziz S. Atiya, Bulus Al-Bushi, in: The Coptic Encyclopedia, vol II, Macmillan Publishing Company, 1991, p. 423-424.
Stephen J. Davis, Coptic Christology in Practice, p. 238.
الأب سمير خليل اليسوعي، مقالة في التثليث والتجسد وصحة المسيحية لبولس البوشي أسقف مصر، ص.17-16
أنطون خاطر وأزولد بورمستر، تاريخ بطاركة الكنيسة المصرية، المجلد الرابع الجزء الأول، مطبوعات جمعية الآثار القبطية، القاهرة ١٩٧٤، ص 1.
- هو الشيخ أبو الكرم (أو الأكرم) بن زنبور، وهو من – اشتهرت منذ أيام الفاطميين، حتى أن صنيعة الملك أبا اليمن بن زنبور كان وزيرا في عهد المستنصر الفاطمي (1035 – 1094م). كما أن لأبي الكرم أخا مشهورا في الدولة اسمه فخر الدولة أبو سعيد بن زنبور. أما أبو الكرم فإذ قد ذهب مع السلطان الملك الكامل في حملته ضد الروم، توفي في نجران (في سورية) في ليلة الميلاد سنة 1234م بعد أن وقعت أصابع يديه ورجليه من الثلج. (سمير خليل اليسوعي، مقالة في التثليث والتجسد وصحة المسيحية، ص 18؛ أنطون خاطر وأزوله بورمستر، تاريخ بطاركة الكنيسة المصرية، المجلد الرابع الجزء الأول، القاهرة 1974، ص 64).
- أنبا يوساب أسقف فوه، تاريخ الآباء البطاركة، أعده للنشر للباحثين والمهتمين بالدراسات القبطية الراهب القس صموئيل السرياني والأستاذ نبيه کامل داود، ص 161-162.
- أنطون خاطر وأزولد بورمستر، تاريخ بطاركة الكنيسة المصرية، المجلد الرابع الجزء الأول، مطبوعات جمعية الآثار القبطية، القاهرة ١٩٧٤، ص ٦-٨.
- أنطون خاطر وأزولد بورمستر، تاريخ بطاركة الكنيسة المصرية، المجلد الرابع الجزء الأول، ص 13-15.
- القمص يعقوب مويزر، أنبا بولس البوشي، أسقف مصر وأعمالها، في كتاب صور من تاريخ القبط، رسالة مار مينا الرابعة، مطبوعات جمعية مار مينا العجائبي، 1950م – 1666ش، ص 217.
- القمص يعقوب مويزر، أنبا بولس البوشي، أسقف مصر وأعمالها، ص 216.
- أي كانوا يكتفون بالمسح بزيت الغليلاون أو المعروف بزيت الفرح والذي كان يرشم به المعمد أولاً قبل رشامته بزيت الميرون. انظر: أنبا يوساب أسقف فوه، تاريخ الآباء البطاركة، أعده للنشر للباحثين والمهتمين بالدراسات القبطية الراهب القس صموئيل السرياني والأستاذ نبيه كامل، ص 162؛ كامل صالح نخلة، سلسلة تاريخ الباباوات، مرجع سابق، ص 16-17.
- نفس معنی هذا القانون أقره البابا كيرلس بن لقلق في قوانينه، الباب الرابع، الميراث: [والراهب لا يرث أحداً من العلمانيين الا ان كان لم يبق من قرايب المتوفى سواه ولا يرثه أحد من قرايبه العلمانيين الا ان كان لا شركة بينه وبين أحد من الرهبان في عيشة الرهبنة أو سكنى الأديرة. فان كان بينه وبين رهبان شركة في عيشة الرهبنة وسكنى الدير صار جميع ميراثه لمجمعهم كثروا أو قلوا. ولو توفى خارجا عن ديرهم ولو كان له وارث راهب (أي طبيعي) خارج عن مجمعهم ولو كان من مجمعهم لم يختص به عنهم. وان وجدت له تركة خارجة عن الدير فان كان قد وصى بها للدير كلها أو بعضها وقت رهبنته أو بعدها أمضيت وصيته ما لا يوصى به مما يوجد له في العالم ان كان له وارث طبيعي ورثه راهبا كان أو علمانيا وإلا فمجمعه يرثه وإن كان منفردا في دير أو في مغارة فإن كان وراث طبیعی راهب ورثه والا فميراثه لمجامع الرهبان المحامين عنه ولا وصية لراهب في مجمع شركة بشئ ما للمجمع ووصية الراهب المنفردة ممضاة كشروط الوصية (كامل صالح نخلة، سلسلة تاريخ الباباوات، ص 154-155)
- دیر النسطور بأرض الحبش بمصر (الفسطاط) جنوب مصر القديمة، كان يقيم به بعض النساطرة، لكن الدير صار للأقباط في بطريركية أنبا مرقس ابن زرعه البابا 73، وقد كرز هذا الدير أنبا بطرس الاسقف بالفيوم، وبه ثلاثة مذابح أحدهم على اسم فيلاتاوس الانطاكي والثاني على اسم يوحنا الإنجيلي والثالث على اسم توما التلميذ. وقد دفن بهذا الدير بعض الآباء البطاركة مثل أنبا زكريا وأنبا أثناسيوس الثالث وأنبا يؤانس السابع وأنبا ثيئودوسيوس الثاني وأنبا يؤانس التاسع (تاريخ أبو المكارم عن الكنائس والأديرة في القرن 12، الجزء الثاني، إعداد الأنبا صموئيل أسقف شبين القناطر وتوابعها، القاهرة 2000 ص 52-53). انظر أيضا:
René-George Coquin, Dayr Al-Nastur, in Coptic Encyclopedia, vol. 3, p. 848 - الشيخ نشء الخلافة أبو الفتوح المعروف بابن الميقاط، رئيس ديوان الجيش، من أكابر القبط، كان رجلاً محسنا كريما ويكثر من عمل الخير والبر ويساعد كل من يلجأ إليه. وكان قد تدخل في إطلاق سراح القس داود من الحبس بسبب خلاف كان قد وقع بينه وبين كهنة كنيسة الفيوم. ومن وقتها أقام الراهب داود في القاهرة في ضيافة ابن الميقاط. وقد سعى الراهب داود في ذلك الوقت أن يرسم مطرانا على الحبشة، وحاول أن يقدم رشوة للملك العادل، لكن البابا يؤانس السادس أبطل هذه السعاية (انظر: كامل صالح نخلة، سلسلة تاريخ الباباوات، ص ۸-۱۱).
- يذکر کتاب تاريخ بطاركة الكنيسة المصرية أن القس داود ذهب إلى الإسكندرية يوم الاثنين 17 بؤونة واجتمع بالسلطان يوم الثلاثاء على موضع يعرف ببوقير وتقررت له البطريركية وقام بألف دينار وحملها إلى الخزانة معجلة ولم تكن معه وإنما دبرها بقرض وغيره وكتب خطه بألفي دينار أخرتين إلى شهرين (أنطون خاطر وأزولد بورمستر، تاريخ بطاركة الكنيسة المصرية، المجلد الرابع الجزء الأول، القاهرة 1974، ص 66.)
- بعد أن انتقل الكرسي البطريركي من الإسكندرية إلى القاهرة في القرن الحادي عشر، كانت العادة الجارية حتى ذلك الوقت، وربما حتى القرن السادس عشر، أن تتم رسامة الأب البطريرك في مدينة الإسكندرية، ثم يعيدون له ثلاثة أيام مثال سر الذي قام من الأموات في اليوم الثالث. اليوم الأول في كنيسة الإنجيليين، واليوم الثاني في بيعة رئيس الملائكة ميخائيل واليوم الثالث في كنيسة مار مرقس (ابن كبر، مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة، الجزء الأول، ص ٣٨٨). ثم يقوم بزيارة دير القديس أنبا مقار ويصلي القداس ويقرأ تقليده هناك، ثم يمضي للقاهرة (انظر: تاريخ البطاركة، الجزء الأول، طبعة دير السريان 2011، ص402، 561، 579).
- بيعة أبو شنوده بظاهر الإسكندرية قبلية تعرف ببيعة السباع وبها مثال أسدين كدان وهي على خليج قديم دائر (الأنبا صموئيل أسقف شبين القناطر وتوابعها، تاريخ أبو المكارم، تاريخ الكنائس والأديرة في القرن 12 بالوجه البحيري، 1999، ص 138).