تفسير يشوع بن سيراخ ٢٣ للقس أنطونيوس فكري

الإصحاح الثالث والعشرون

الآيات (1-6): “1 أيها الرب الأب يا سيد حياتي لا تتركني ومشورة شفتي ولا تدعني اسقط بهما. 2 من يأخذ أفكاري بالسياط وقلبي بتأديب الحكمة بحيث لا يشفق على جهالاتي ولا تهمل خطاياي. 3 لكي لا تتكاثر جهالاتي وتتوافر خطاياي فاسقط تجاه أضدادي ويشمت عدوي بي. 4 أيها الرب الأب يا اله حياتي لا تتركني ومشورة شفتي. 5 لا تدعني اطمح بعيني والهوى اصرفه عني. 6 لا تملكني شهوة البطن ولا الزنى ولا تسلمني إلى نفس وقحة.”

هي صلاة إمتداداً للآية الأخيرة من الإصحاح السابق. الأب= في ترجمة أخرى أبو حياتي أي مصدر حياتي. لا تتركني ومشورة شفتيَّ ولا تدعني أسقط بهما (بسبب شفتيَّ) أي إضبط كلماتي حتى لا أسقط بسبب أخطاء فمي. بل أنا مستعد للتأديب ولو حتى بالسياط حتى لا أسقط بسبب جهالاتي. وأدبني يا رب على خطاياي حتى لا أستمر فيها فاهبط من سيئ إلى أسوأ فأهلك أبدياً، وفي هذه الحياة يكون لي العار أمام الناس= ويشمت عدوي بي. لا تدعني أطمح بعيني= أي أشتهي كل ما تراه عيني. ولا تملكني شهوة البطن= هي الأكل والشهوة الجنسية ولقد ترجمت “لا تملكني الشهوة الجنسية في ترجمة أخرى” ولاحظ قوله ولا تسلمني إلى نفس وقحة”. فخطية الزنى تُسْلِم الإنسان في أيدي من يهينونه بوقاحة، بل تسلم الإنسان في يد الشيطان الوقح الذي يهينه ويذله.

 

الآيات (7-14): “7 أيها البنون دونكم أدب الفم فان من يحفظه لا يؤخذ بشفتيه. 8 انه بهما يصطاد الخاطئ وبهما يعثر القاذف والمتكبر. 9 لا تعود فاك الحلف. 10ولا تالف تسمية القدوس. 11 فانه كما أن العبد الذي لا يزال يفحص لا يخلو من الحبط كذلك من لم يبرح يحلف ويسمي لا يتزكى. 12 الرجل الحلاف يمتلئ إثما ولا يبرح السوط من بيته. 13 وهوان لم يف فعليه خطيئة وان استخف فخطيئته مضاعفة. 14 وان حلف باطلا لا يبرر وبيته يملا نوائب.”

رأينا أن الحكيم يصلى لله ليحفظ شفتيه فلا يفرط في كلام يسبب له مشاكل مع الناس، وهنا يتكلم عما هو أسوأ، أي أن يمتزج التفريط في الكلام بالحلف أي إستخدام إسم الله. وهذا فيه إهانة لإسم الله. وراجع (حز16:17-21) لترى بشاعة مصير من يزدري بالقسم الذي يقسم به. لذلك كانت وصية السيد المسيح هي أن الأفضل أن لا نقسم، فالإنسان معرض لأن يفرط بشفتيه ولو إمتزج هذا بالحلف، يكون غيظ الرب شديداً والضربات شديدة. ولاحظ أن الإنسان ضعيف جداً لا يملك حقيقة أن يكافئ أحداً أو يسيء إلى أحد، فلماذا يُقسم بأنه يفعل ذلك وهو غير قادر عليه. أيها البنون دونكم أدب الفم= أي “أيها البنون إسمعوا تعليم فمي” في ترجمة أخرى. ومن يحفظه أي من يزن كلامه قبل أن يقوله. فالكلام الذي يفرط به الخاطئ والمتكبر به يصطاده أعداءه. القاذف= الذي يقذف الشتائم. لا تألف تسمية القدوس= اليهود ما كانوا يستخدمون إسم يهوه بل يقولون “أدوناي” أي السيد. وكتاب الأسفار كانوا يغيرون القلم كلما جاء إسم الرب والمتشددون كانوا يستحمون قبل أن يكتبونه. ولكن من يستعمل إسم الرب بإستهانة ستأتي عليه ضربات = لا يتزكي مثل عبد بطال يضرب على أخطائه= يفحص= أي يضرب بالسياط (أع24:22). مثل هذا العبد تجد دائماً أثار الضرب في جسده= لا يخلو من الحبط. فمن يحلف ولم يستطع أن يوف لعجزه فهذا خطية. وإن إستهان ولم يَفِ بينما هو قادر أن يفعل فخطيته مضاعفة. وإن حلف باطلاً= وإن حلف وهو ينتوي ألا يفعل= لا يبرر وبيته يُملأ نوائب أي مصائب.

 

الآيات (15-20): “15 ومن الكلام كلام آخر يلابسه الموت لا كان في ميراث يعقوب. 16 أن هذه كلها تبعد عن الأتقياء فلا يتمرغون في الخطايا. 17 لا تعود فاك فحش الكلام فان ذلك لا يخلو من خطيئة. 18 تذكر أباك وأمك إذا جلست بين العظماء. 19 لئلا تنساهما أمامهم ويسفهك تعود معاشرتهم فتود لو لم تولد منهما وتلعن يوم ولادتك. 20 من تعود كلام الشتيمة لا يتأدب طول أيامه.”

أمثلة لمن لا يدقق في كل كلمة تخرج من فمه. من الكلام كلام آخر يُلابسه الموت أي كل كلمة تقود لموت من يسمعها ويعمل بها، وقطعاً فهي سبب موت قائلها. هذه مثل التجديف والهرطقة والتشكيك في الله، وتجريح الناس للدرجة التي تصل الأمور فيها لصدامات دموية (سي30:22). والحكيم يتمنى أن لا يكون مثل هذا في إسرائيل= لا كان في ميراث يعقوب. إن هذه= لأن هذه ليست من طبيعة الأتقياء= تبعد عن الأتقياء. ومن الكلام السئ الذي يسبب الموت فحش الكلام= أي الكلام البذئ. تذكر أباك وأمك إذا جلست بين العظماء حتى لا تتكلم كلاماً ٍسفيهاً يسبب الحرج لهما فهما اللذان ربياك. ويسفهك تعود معاشرتهم= كلما عاشرت هؤلاء العظماء وأخطأت أمامهم وتعودت ذلك، سيكون هذا سبباً لأنهم يهينوا أباك وأمك= فتود لو لم تولد منهما= لأنك صرت سبباً لإهانتهما. وهناك معنى آخر أن الإنسان حين يعاشر العظماء يخجل من أصله المتواضع، فيدَّعي كذباً أنه يماثلهم في العظمة، ويظل يكذب حتى يكره أباءه وأصلهم البسيط، بل يلعن يوم ولادته. ومن تعود كلام الشتيمة= تصبح هذه عادة في فمه أن يسب ويلعن، ومثل هذا لا يتأدب طول أيامه.

 

الآيات (21-31): “21 من الناس صنفان يكثران من الخطايا وصنف ثالث يجلب الغضب.22 النفس المتوهجة كنار ملتهبة فلا تنطفئ إلى أن تفنى. 23 والإنسان الزاني بنجاسة لحمه فلا يكف إلى أن يوقد النار. 24 لان الإنسان الزاني كل خبز يحلو له فلا يكل إلى أن يفرغ. 25 والإنسان الذي يتعدى على فراشه قائلا في نفسه من يراني. 26 حولي الظلمة والحيطان تسترني ولا أحد يراني فماذا أخشى أن العلي لا يذكر خطاياي. 27 وهو إنما يخاف من عيون البشر. 28 ولا يعلم أن عيني الرب اضوا من الشمس عشرة آلاف ضعف فتبصران جميع طرق البشر وتطلعان على الخفايا. 29 هو عالم بكل شيء قبل أن يخلق فكذلك بعد أن انقضى. 30 فهذا يعاقب في شوارع المدينة وحيث لا يظن يقبض عليه. 31 ويهان من الجميع لأنه لم يفهم مخافة الرب.”

هذه الآيات عن خطايا الشهوة الجنسية ويقسمها لثلاثة أقسام:- صنفان (1،2) وصنف ثالث (3)

  1. الشهوة المشتعلة مع ما يصاحبها من أفكار رديئة شهوانية.
  2. العادات السرية.
  3. الزنى الكامل.

من الناس صنفان يكثران الخطايا= يقصد بهما من تشتعل شهوته ويصير داخله كنارٍ ملتهبة تفنيه، فهي تدمر كل طاقاته، فالطاقات الإنسانية تظهر مع النفس الهادئة التي تحيا في هدوء. والثاني هو من في السر يمارس عاداته السيئة= الزاني بنجاسة لحمه. ولكن هذا يظل يشعل ويوقد النار نار الشهوة إلى أن يصل للزنا الذي قال عنه صنف ثالث يجلب الغضب. وهذا الزاني يشتهي كل إنسان= كل خبز يحلو له= فلا يكتفي مثلاً الرجل بزوجته، وهو يخون صديقه مع زوجته أو إبنته، هو لا يهتم بالعلاقات الإنسانية من اجل أن يتمم شهوته. وهو يظن أن لا أحد يراه وأن العلي لا يذكر خطاياه. هو لا يخاف الله، لكنه يخاف من عيون البشر= الذين ينتقمون من زناه. ولكن عيني الرب تبصران، بل هو عالم بكل شئ قبل أن يخلق. وغضب الله يظهر في أن الناس تعاقب هذا الزاني علناً في شوارع المدينة وحيث لا يظن يقبض عليه= من حيث لا يتوقع يأتي العقاب والمهانة لأنه لم يخاف الرب.

 

الآيات (32-38): “32 هكذا أيضا المرأة التي تترك بعلها وتجعل له وارثا من الغريب. 33لأنها أولا عصت شريعة العلي وثانيا خانت رجلها وثالثا تنجست بالزنى وأقامت نسلا من رجل غريب. 34 فهذه يؤتى بها إلى الجماعة وتبحث أحوال أولادها. 35 أن أولادها لا يتأصلون وأغصانها لا تثمر. 36 وهى تخلف ذكرا ملعونا وفضيحتها لا تمحى. 37 فيعرف المتخلفون أن لا شيء افضل من مخافة الرب ولا شيء أعذب من رعاية وصايا الرب. 38 أن اتباع الله مجد عظيم وفي قبوله لك طول أيام.”

هذه عن زنا المرأة التي لم تصن كرامة زوجها وحملت نتيجة زنا فهي عصت شريعة العلي+ خانت زوجها + تنجست بالزنا+ تعاقب من الجماعة وتفضح + لا يكون بركة في أولادها ويلعنوا أولادها ولا يحترمهم أحد، فهي أساءت لنسلها.

والنصيحة التي يقدمها الحكيم للكل هي مخافة الرب.

 

زر الذهاب إلى الأعلى