تفسير يشوع بن سيراخ ٢٨ للقس أنطونيوس فكري
الإصحاح الثامن والعشرون
الآيات (1-9): “1 من انتقم يدركه الانتقام من لدن الرب ويترقب الرب خطاياه. 2 اغفر لقريبك ظلمه لك فإذا تضرعت تمحى خطاياك. 3 أيحقد إنسان على إنسان ثم يلتمس من الرب الشفاء. 4 أم لا يرحم إنساناً مثله ثم يستغفر عن خطاياه. 5أن امسك الحقد وهو بشر فمن يكفر خطاياه. 6 اذكر أواخرك واكفف عن العداوة. 7 اذكر الفساد والموت واثبت على الوصايا. 8اذكر الوصايا ولا تحقد على القريب. 9 اذكر ميثاق العلي وأغض عن الجهالة.”
هذه تعاليم السيد المسيح [1] إغفر ذنوبنا كما نغفر نحن أيضاً (مت12:6،14،15) [2] السيد الذي سامح عبده في 10.000وزنة ورفض العبد أن يسامح سيده في 100دينار (مت21:18-35) وتعليم بولس الرسول “لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء.. ” (رو19:12). وفي (6) أذكر أواخرك وأكفف عن العداوة= أذكر أن الله لن يغفر لك إذا لم تغفر فماذا تفعل يوم الدينونة. وفي (9) أذكر ميثاق العلي وأغضِ عن الجهالة= في ترجمة أخرى “الإهانة” حين يتصرف معك أحد بجهل.
الآيات (10-14): “10 امسك عن النزاع فتقلل الخطايا. 11 فان الإنسان الغضوب يضرم النزاع والرجل الخاطئ يبلبل الأصدقاء ويلقي الشقاق بين المسالمين. 12بحسب الحطب تضطرم النار وبحسب قوة الإنسان يكون غيظه وبحسب غناه يثير غضبه وبحسب شدة النزاع يستشيط. 13 الخصومة عن عجلة تضرم النار والنزاع عن عجلة يسفك الدم. 14إذا نفخت في شرارة اضطرمت وإذا تفلت عليها انطفأت وكلاهما من فمك.”
دعوة للإبتعاد عن النزاع والخصومات. فإذا بدأ إنسان نزاعاً لا يدري إلى أي مدى يصل هذا النزاع، فهو يضرم ناراً ويسعى لسفك الدم (13). أما لو تحاشي النزاع بكلام وديع ومتواضع يقلل الخطايا. فمن نفس الفم ينطلق كلام يهدئ النار وكلام يشعل النار= إذا نفخت في شرارة إضطرمت وإذا تفلت عليها إنطفأت وكلاهما من فمك. لذلك فالإنسان الغضوب يُضرم النزاع بكلامه الذي يثير الناس فيشتعل الموقف. عموماً فالمتواضع هو الذي يستطيع أن يهدئ الأمور، أما المتكبر فيهيج المواقف، لذلك فالقوي جسمانياً والغنى لا يعرفان كيف يهدئا الأمور فهما لهما حطب كثيرة (قوة ومال) يشعلان بهما النار (12).
الخصومة عن عجلة= أي التسرع في الفهم أو التسرع في الرد، أما الهدوء فيهدئ الأمور.
الآيات (15-22): “15 النمام وذو اللسانين أهل للعنة لإهلاكهما كثيرين من أهل المسالمة.16 اللسان الثالث اقلق كثيرين وبددهم من أمة إلى أمة. 17 وهدم مدنا محصنة وخرب بيوت العظماء. 18 وكسر جيوش الشعوب وأفنى أمما ذات اقتدار. 19 اللسان الثالث طرد نساء فاضلات وسلبهن أتعابهن. 20 من أصغى إليه لا يجد راحة ولا يسكن مطمئنا. 21ضربة السوط تبقي حبطا وضربة اللسان تحطم العظام. 22 كثيرون سقطوا بحد السيف لكنهم ليسوا كالساقطين بحد اللسان.”
هذه عن خطايا اللسان [1] النمام= من يدين الآخرين أمام الناس [2] ذو اللسانين= هو من يتكلم مع كل شخص بكلام مختلف، مثلاً يأتي لرجل ويؤيده ضد خصمه، ثم يذهب للخصم ويؤيده ضد الرجل الأول، يقول لكلاهما أن موقفه سليم والآخر خطأ [3] ذو اللسان الثالث هو المفتري كذباً وظلماً، فيشهر كذباً بشخص ويذكر عليه تهم وأخطاء لم يفعلها.
فالنمام وذو اللسانين= بسبب وشاياتهم تصارع كثيرين وأهلكوا بعضهم، مع أنهم كانوا في سلام لذلك فالله سيلعن هؤلاء. أما المفترين والذين يشيعون كذباً فكم بددوا مدناً. بل حينما يثيرون أخباراً كاذبة على نساء فاضلات فإنهم يخربون بيوتهن، بل قد يقتلهن أزواجهن. ولاحظ أنه كما أن ضربة السوط تترك علامات في جسد الإنسان= حبطاً. هكذا ضربة اللسان تحطم العظام= هذه ألامها أعمق وتصل للعظام. بل أن من سقطوا بحد السيف مصيبتهم أهون ممن سقطوا بحد اللسان، والسبب أن من سقط بحد السيف تنتهي مشكلته عند موته، أما من سقط بحد اللسان تسوء سمعته لأجيال بعد موته.
الآيات (23-30): “23 طوبى لمن وقي شره ولم يعرض على غضبه ولم يحمل نيره ولم يوثق بقيوده. 24فان نيره نير من حديد وقيوده قيود من نحاس. 25 الموت به موت قاس والجحيم انفع منه. 26 لكنه لا يتسلط على الأتقياء ولا هم يحترقون بلهيبه. 27 بل الذين يتركون الرب يقعون تحت سلطانه فيشتعل فيهم ولا ينطفئ يطلق عليهم كالأسد ويفترسهم كالنمر. 28 سيج ملكك بالشوك. 29 احبس فضتك وذهبك واجعل لكلامك ميزانا ومعيارا ولفمك بابا ومزلاجا. 30 وأحذر أن تزل به فتسقط أمام الكامن لك.”
هذا اللسان الشرير على كل إنسان أن يتقيه= طوبى لمن وُقِى شره ولم يُعرض على غضبه (يتعرض لغضبه) ولم يحمل نيره= لم يرتبط معه. ولم يوثق بقيوده= طوبى للإنسان الذي تعف إذناه عن السماع للوشايات. إن أتاك أحد وقال.. هل تعرف ماذا حدث من فلان.. قل لا أريد أن أعرف.. فإن الإرتباط مع هؤلاء، أو الإهتمام بالوشايات يجعل الإنسان أسيراً لها، يحب أن يسمع كل ما هو جديد منها. يتعرض لغضبه= حين يغضب هذا اللسان الشرير فهو إمّا يذيع أخباراً عن الناس أو يشتم ويهين الناس. لذلك فتحاشى غضب هذا الإنسان بحكمتك، بل تحاشى معاشرته ولا ترتبط معه بنير. الموت به= يقصد الموت الأدبي أي ضياع سمعه الإنسان، لأنه قال أن الموت به موت قاسٍ والجحيم أنفع منه= فالجحيم هو مكان الموت الجسدي. أما الأتقياء لا يتسلط عليهم [1] هو لا يرتبطون مع الأشرار بنير [2] هو يرفضون سماع الوشايات [3] يتعاملون بتواضع إذا أهانهم صاحب اللسان الشرير [4] لا يتكلم كثيراً أمام الشرير فيتصيد عليه كلمة. ويشبه صاحب اللسان الشرير بالأسد والنمر في إفتراس سمعة الناس. ويطلب أن نسيج حولنا بالشوك أي لا نُعطيه فرصة لإقتحام حياتنا، حتى إذا شتمنا فلا ندخل الغضب إلى داخلنا فيفترس سلامنا.