تفسير سفر الحكمة ٣ للقمص تادرس يعقوب
الأصحاح الثالث
تحدِّي الأبرار حتى للموت المبكر
في الأصحاح الأول أبرز الحكيم الحكمة بكونها حياة معاشة، تهب مقتنيها البرّ الإلهي، وتدخل به إلى الحياة الخالدة، فلا يستطيع الموت أن يحطمه. هذه الحكمة هي في حقيقتها شركة مع حكمة الله، كلمة الله، ابن الله الوحيد. وفي الأصحاح الثاني يكتب في مرارة عن الجهلاء الذين لا يقبلون الحكمة، فتضيق الحياة بهم ويسيطر اليأس على قلوبهم، مع مقاومتهم الشديدة للبار القدوس والمؤمنين به. الآن في الأصحاحين الثالث والرابع يكشف عن خطة الله من نحو العالم، أو يد الله العاملة لحساب نفوس الصديقين. فإن تدابير الله لأولاده خفية، تعمل لبنيانهم.
يعالج هذا القسم مشكلة الألم في حياة الأبرار، والعواقر اللواتي حُرمن من إنجاب نسلٍ لهن، وأيضًا الذين يعانون من الموت المبكر، مقدمًا مقارنة بين مصير الأبرار ومصير الأشرار، مع إبراز قوة الأبرار وتحدِّيهم لكل الظروف – مهما بدت مُرة وقاسية – حتى للموت المبكر.
يقدم لنا عدة أمثلة عملية ليكشف لنا الحكيم عن كيفية مواجهة البار لما يظنه العالم ضيقًا، وهي:
أ. التأديب الإلهي: يمحص الله أولاده كالذهب في النار، ويقبلهم كذبيحة محرقة (6:3)، فتتحول الضيقة إلى بركة، يتقبلها البار بفرح من أجل نقاوته الداخلية، وتزكيته أمام الرب.
ب. العقر: تطويب المرأة العاقر أو الرجل الخصي إن كان بارًا. فالبرّ أفضل من أطفالٍ كثيرين. يسمح الله أحيانًا بالعقر مع الطهارة كأمرٍ مطوّب، أما ذرية الأثيم فتنقرض (13:3-16). البتولية مع الفضيلة أجمل، فإن معها ذِكرًا خالدًا، لأنها تبقى معلومة عند الله والناس (1:4).
ج. يسمح أحيانًا بالموت المبكر: فإن الصديق، وإن تعجله الموت يستقر في الراحة (7:4).
د. الشيخوخة المُكرمة: شيب الإنسان هو الحكمة، وسن الشيخوخة هي الحياة المنزهة عن العيب (9:4).
- بين مصيري الحكماء الأبرار والجهلاء الأشرار1-12.
- تحدِّي العقم13-16.
- تحدِّي الموت المبكر17-19.
- بين مصيري الحكماء الأبرار والجهلاء الأشرار
أما نفوس الأبرار فهي بيد الله،
فلا يمسُّها أي عذاب. [1]
إن كان الأشرار يذهبون بعد الموت إلى العذاب الأبدي، فنفوس الأبرار لا يصيبها عذاب أو أذى، بل تستقر وتستريح في يد الله، تتمتع بسلامٍ كاملٍ وتنال الخلود.
لقد انطلقت نفوس المؤمنين في العهد القديم إلى الجحيم كمكان انتظارٍ، لأنه لم يكن بعد قد تم الفداء، لكنها لم تكن منزعجة، إنما في سلامٍ حقيقي كانت تترقب مجيء المخلص ليحطم متاريس الجحيم، وينطلق بها إلى الفردوس مع اللص اليمين. أما بعد الفداء، الآن تنتقل نفوس الأبرار بعد ترك الجسد إلى الفردوس حيث الاستقرار والراحة والتمتع بالأمجاد إلى يوم الرب العظيم، حيث تدخل الكنيسة المقدسة كلها إلى الملكوت الأبدي في السماء.
بقوله إن نفوس الأبرار في يد الله يعلن الحكيم ليس فقط أنه لا يمسها عذاب، وأنها تجد راحة واستقرارًا، وإنما هي موضع اعتزاز الله واهتمامه، يحفظها في يده بكونها ثمينة جدًا في عينيه.
“فهي بيد الله” (3: 1) تعني إنها في حمايته، كما جاء في تثنية “جميع قديسيك في يدك” (تث 33: 3)، وفى إشعياء عن صهيون: “وتكونين إكليل جمالٍ بيد الرب” (إش 62: 3).
v فإن الله يجد نفـوس الأبرار (إر 51: 35)، لأن نفوس الأبرار في يد الله (حك 3: 1)، أما تلك النفوس التي للأشرار فتُحسب كلا شيء[116].
العلامة أوريجينوس
v نفوس الأبرار في يد الله وهم هنا يحملون معه الصليب، وهي في يده أيضًا بعد انطلاقهم من العالم، وقد استراحت نفوسهم من الآلام، وتوقفت معارك إبليس، وصاروا في فردوس النعيم.
v لا يمكن الفصل بين الحياتين، فمع ما نجابهه من معارك روحية في هذه الحياة تشرق عناية الله علينا، ويكشف عن حبه الفائق وتدبيره لأمجادنا الأبدية.
فنعيش هنا نتحدى الألم والمرض، بل وإبليس بكل جنوده، والموت، أيا كانت وسيلته. نحيا بروح القوة لا الفشل، وبروح الرجاء لا اليأس.
v يختفي عناء كل السنين الطويلة لهذه الحياة الحاضرة عندما ننظر إلى أبدية المجد العتيد، وكل أحزاننا ستتلاشى بالتفكير في البركة العظيمة، وتصير كالبخار الذي يضمحل وكأنها لم تكن؛ تشبه البرق الذي حالما يختفي[117].
القديس يوحنا كاسيان
v لا نخاف من الفقر أو المرض أو أية ضيقة كهذه، فإننا نعرف أننا في طريقنا إلى حياة أفضل، والتي هي منيعة ضد الموت والدمار، ومتحررة من كل ظلمٍ[118].
القديس يوحنا الذهبي الفم
v أفرح أنا بآلامي لكي يفرحني بإشراقه.
إذ أحمل سماته في أعضائي (غل17:6)، ابتهج لأن ما احتملته قائم فيّ[119].
v تحصل علي عالم النور عوض ألمٍ مريرٍ تتحمله لأجله ليومٍ واحدٍ.
إن صبرت علي الجوع قليلاً من أجل حبه، تلتهب عندئذٍ رغبتك لرؤية وجهه.
إن ظهرت الظلمة علي وجهك من الأعمال لأجله، يجمّلك بمجده إلي أبد بلا نهاية.
إن تعريت مما هو لك، يلبسك نوره، ويخفي عنك ما هو لك.
إن تركت ما تملكه، تقتنيه في نفسك أبديًا[120].
الشيخ الروحاني (يوحنا الدّلياتي)
في أعين الأغبياء يبدو أنهم ماتوا،
وحُسِب رحيلهم تعاسة، [2]
يتطلع الأشرار عادة إلى نهاية الأبرار أنها عقوبة، هذه النظرة مختلفة عن خطة الله بخصوص المكافأة والمجازاة، كما تفسد التطلع إلى الحياة المقدسة.
يرى الأشرار في رحيل الأبرار كارثة لهم، لأنهم لم ينعموا بالحياة الزمنية، وليس من عالمٍ آخر يتمتعون به. لكن الحقيقة أنهم يصيرون مع الله في سلام. يبدو الأبرار أنهم ماتوا، لكنهم بالحقيقة هم أحياء مع الله.
أما الأبرار فيترجون بفرح انطلاقهم من هذا العالم لكي يروا الرب وجها لوجه، ويشعروا بالحق أنهم في يد الله، فإنهم حتى الآن وهم في جهادهم ووسط الآلام يشعرون بعذوبة عربون الحياة السماوية. يرى العلامة أوريجينوس أن الكتاب المقدس هو في جوهره رحلة النفس البشرية من العالم إلي الأحضان الإلهية. بهذا وسط الجهاد يدركون لمسات يد الله الفائقة.
تطلع القديس غريغوريوس النزينزي إلى أخته الأكبر منه القديسة جورجونيا كنموذجٍ حيٍّ للمسيحي، وقد تأثر بها جدًا إذ كان مغرمًا بتقواها وورعها. وأوضح كيف استعدت للموت بلا خوفٍ، بل اشتاقت إليه:
v موطن جورجونيا كان أورشليم العليا (عب 22:12، 23)… التي يقطنها المسيح، ويشاركه المجمع وكنيسة الأبكار المكتوبين في السماء…
v كل ما استطاعت أن تنتزعه من رئيس هذا العالم أودعته في أماكن أمينة. لم تترك شيئًا وراءها سوي جسدها. لقد فارقت كل شيءٍ من أجل الرجاء العلوي. الثروة الوحيدة التي تركتها لأبنائها هي الاقتداء بمثالها، وأن يتمتعوا بما استحقته.
v هنا أتكلم عن موتها وما تميزت به وقتئذٍ لأوفيها حقّها… اشتاقت كثيرًا لوقت انحلالها، لأنها علمت بمن دعاها وفضّلت أن تكون مع المسيح أكثر من أي شيء آخر على الأرض (في 23:1).
تاقت هذه القديسة إلى التحرر من قيود الجسد والهروب من وحل هذا العالم الذي نعيش فيه. والأمر الفائق بالأكثر أنها تذوقت جمال حبيبها المسيح إذ كانت دائمة التأمل فيه.
كانت تعلم مسبقًا ساعة رحيلها عن هذا العالم، الأمر الذي ضاعف من فرحتها. ويبدو أن الله أعلمها به حتى تستعد ولا تضطرب حينئذٍ.
قضت كل حياتها لتغتسل من الخطية وتسعى لإدراك الكمال. ونالت موهبة التجديد المستمر بالروح القدس وصارت ثابتة فيه بحسب استحقاق حياتها الأولى…
لم تغفل عن التضرع من أجل زوجها أيضًا حتى يُدرك الكمال، وقد استجاب الله لطلبتها، إذ أرادت أن يكون كل ما يمت لها بصلة في حالة الكمال الذي يريده الله منا، فلا يكون شيء ناقصًا أمام المسيح من جهتها. وإذ جاءت النهاية أدلت بوصيتها لزوجها وأولادها وأصدقائها كما هو المتوقع من مثل هذه القديسة المحبة للجميع.
كان يومها الأخير على الأرض يوم احتفال مهيبًا، ولا نقول أنها ماتت شبعانة من أيام بني البشر، فلم تكن هذه رغبتها، إذ عرفت أنها أيام شريرة تلك التي بحسب الجسد وما هي سوى تراب وسراب. وبالأحرى كانت شبعانة من أيام الله… وهكذا تحررت، بل الأفضل أن نقول أنها أُخذت إلى إلهها أو هربت أو غيرت مسكنها أو أسلمت وديعتها عاجلاً.
في وقت نياحتها خيّم صمت مهيب، وكأن مماتها كان بمثابة مراسم دينية.
رقد جسدها وكأنه في حالة شلل بعد أن فارقته الروح، فصار بلا حراك.
لكن أباها الروحي الذي كان يلاحظها جيدًا أثناء هذا المنظر الرائع شعر بها تتمتم واسترق السمع، وإذ به يسمعها تتلو كلمات المرتل: “بسلامة اضطجع أيضًا وأنام” (مز8:4). مبارك هو من يرقد وفي فمه هذه الكلمات.
هكذا ترنمتِ أيتها الجميلة بين النساء، وصارت الترنيمة حقيقة. ودخلتِ إلى السلام العذب بعد الألم، ورقدتِ كما يحق للإنسانة المحبوبة لدى الله التي عاشت وتنيحت وسط كلمات الصلاح.
كم ثمين هو نصيبكِ! إنه يفوق ما تراه العين في وسط حشدٍ من الملائكة والقوات السمائية، إنه مملوء بهاءً ونقاوة وكمالاً!
يفوق كل هذا رؤيتها للثالوث القدوس، فلم يعد ذلك بعيدًا عن الإدراك والحس اللذين كانا قبلاً محدودين تحت أسر الجسد.
أرجو أن تقبل روحك هذا المديح مني كما فعلت مع أخي قيصريوس. فقد حرصت على النطق بالمديح لاخوتي.
القديس غريغوريوس النزينزي
وتركهم لنا دمارًا تامًا،
لكنهم في سلام. [3]
يتساءل البعض: هل ستكون نفوس الأبرار مرتبطة بنفوس الأشرار في موضعٍ واحدٍ، لكن الأولين يكونون مملوءين سلامًا والآخرين مملوءين مرارة وضيقًا، أم سينفصل كل طرف في موضعٍ مستقلٍ عن الطرف الآخر؟
ما نعرفه أن السيد المسيح بنزوله إلى الجحيم حطم بصليبه متاريس الهاوية، وحمل الذين ماتوا على الرجاء كغنائم دخل بها إلى الفردوس، ينعمون بأمجادٍ فائقةٍ. لكن في يوم الرب العظيم تتم دينونة عامة، يزداد مجد الأبرار بانطلاقهم مع عريسهم على السحاب كعروس واحدة مجيدة تتمتع بالدخول إلى حضن الآب.
v يا للعجب الذي يفوق الطبيعة حقًا! وقائع مذهلة!
الموت الممقوت والمشجوب قبلاً، قد أحاطت به المدائح واعتُبر سعيدًا! فبعد أن كان يجلب الحداد والحزن والدموع والغم الكئيب، ها قد ظهر علة فرحٍ، ومحط عيد احتفالي!
بالنسبة إلى جميع خدام الله أُعلن موتهم سرورًا! فإن خاتمة حياتهم هي وحدها تعطيهم اليقين بأنهم قُبلوا من الله. لهذا طوَّب موتهم لأنه يختم كمالهم، ويُظهر غبطتهم؟، حيث يطغي عليهم رسوخ الفضيلة كقول الوحي: “لا تعتبر أحدًا سعيدًا قبل موته” (سيراخ 11: 28).
لا نطبق عليكِ (يا مريم) هذا القول، لأن غبطتك لا تأتي من الموت، وموتك لم يتمم كمالك… ليس عند موتك، بل منذ هذا الحبل عينه تُغبطين من جميع الأجيال. لا، ليس الموت أبدًا من جعلكِ مغبوطة، بل أنتِ طرحتِ الموت وبددتِ كآبته وأظهرتِ أنه فرح (بالمسيح الذي ولدتيه)[121].
v الآن، لتفرح السماوات ولتصفق الملائكة!
الآن لتبتهج الأرض (مز 96: 11، 97: 1)، وليهتز البشر فرحًا!
ليدوِّ الجو بأناشيد البهجة، وليُطرح الليل الحالك الظلام الكئيب ومعطفه الحدادي، لا بل بما أنه تلألأ، فليقتدِ بلمعان النهار، بومضات النور.
ها إن المدينة الحية التي للرب إله القوات قد رُفعت إلى الأعالي، والملوك يأتون بتقدمة مُتعذر تقديرها من هيكل الرب، من صهيون الشهيرة (مز 68:30) في أورشليم العليا، التي هي حرة، وهي أمهم (غل 4: 26). وأولئك الذين أقامهم المسيح رؤساء على كل الأرض، أي الرسل، يواكبون والدة الإله الدائمة البتولية[122].
v اليوم استُردت المدينة الحية من أورشليم الأرضية إلى أورشليم العليا (غل 26:4، رؤ 10:21)!
v هذا القبر وكونه أعز من الخيمة القديمة، قد حوى المنارة الروحية الحية المتألقة بالنور الإلهي، والمائدة الحاملة الحياة التي اقتبلت لا خبز الوجوه بل الخبز السماوي، لا النار الهيولية بل نار الألوهية غير الهيولية.
v لتأخذ مريم التي هي الكنيسة الدف في يديها، ولتنشد التسبحة الخاصة بالعيد. لتخرج فتيات إسرائيل الروحي بدفوفٍ ورقصٍ (خر 15: 20)، مُطلِقَات صيحات الفرح![123]
الأب يوحنا الدمشقي
وإذ كانوا في عيون الناس قد عوقبوا،
فرجاؤهم كان مملوءًا خلودًا. [4]
يبدو عذابهم بأي نوعٍ أثناء ووجودهم على الأرض هو عقوبة من الله، لكنه في الحقيقة هو تأديب أبوي، أو اختبار لتزكية إيمانهم يهيئهم بالأكثر للتمتع بملكوت الله.
كثيرًا ما يردد الكاتب أن الأبرار يترجون الخلود أو الأبدية، ويطلبونها من الله (3: 4؛ 4: 1؛ 8: 13)، فهي نعمة مجانية يقدمها لهم الله. فالصديق يموت وهو على رجاء التمتع بالحياة الدائمة، هذه التي يُحرم منها الجهلاء الذين لا يترجون شيئًا بعد الموت.
يرى البعض أن كلمة “الخلود” تظهر هنا لأول مرة في الكتاب المقدس.
v لخدام الله سلام وحرية وراحة هادئة، فعندما ننسحب من زوابع هذا العالم نبلغ ميناء مدينتنا وأمننا الأبدي، عندما يتحقق هذا الموت نبلغ الخلود[124].
الشهيد كبريانوس
وبعد تأديبٍ يسير سيكون لهم مكافأة عظيمة،
لأن الله امتحنهم،
فوجدهم أهلاً له. [5]
تنفتح السماوات أمام المتألمين ليقفوا أمام عرش الله القدير، فيدركوا أن شئون البشر لا تسير بطريقة عشوائية، وإنما بتدبير إلهي عجيب، فالله ضابط الكل يهتم بكل ما يمس حياة الإنسان. هذا هو سّر تعزيتنا وسط الضيق. فيرددوا القول: “عند كثرة همومي في داخلي، تعزياتك تلذذ نفسي” (مز 19:94)، “لأنه كما تكثر آلام المسيح فينا، كذلك بالمسيح تكثر تعزياتنا أيضًا” (2 كو 5:1).
v طريق وصايا الله ضيقة، وأما قلب من يجري فيها فرحب ومتسع، لأنه مسكن الآب والابن والروح القدس، يسلكها جاريًا بقلبٍ متسعٍ… وأما طريق مساوئ الأشرار فمتسعة وقلوبهم ضيقة، لأنه لا موضع لله فيها[125].
أنثيموس أسقف أورشليم
v الطريق الذي يؤدي إلى الحياة ضيق وكرب (مت 14:7)، وأما القلب الذي يطوف فيه بجولة حسنة، أي في طريق وصايا الله، فمتسع ورحب بالكلمة الإلهية، وهو مقدس ويرى الله.
وعلى العكس فإن الطريق “الواسع والرحب يقود إلى الهلاك” (مت 13:7). أما القلب (الذي يسلكه) فضيق، لا يقبل أن يقيم فيه منزلاً للآب والابن (يو 23:14)، بل يتجاهل الله بسبب جهالته. هذا الإنسان يجعل قلبه ضيقًا بسبب قسوته.
لنتأمل أيضًا كيف يعلمنا سليمان أن نسجل الكلمات الإلهية على لوحي قلبنا (أم 4:3؛ 3:7؛ 20:22)، معلنًا بأن “الحكمة تنادي في الخارج، في الشوارع تعطي صوتها” (أم 20:1). بقوله “الخارج” لا يقصد الحديث عن الشوارع بل عن القلوب، لكي يوسعها الله[126].
العلامة أوريجينوس
كالذهب في التنُّور محَّصهم،
وكذبيحة محرقة قبلَهم. [6]
لا ينكر الحكيم تأديب البار، لكن إلى حين. فالألم غايته ليست التدمير بل التطهير، لإزالة كل أثر للزغب فيتنقى المعدن. بهذا يصير هذا المعدن الثمين (الإنسان) على صورة الله القدوس. حتى الذهب يمكن أن يتنقى، لكن التنقية تطلب وجود فرنٍ أو نارٍ فإن الذبائح صالحة، لكنها تُحرق بالنار لكي تُقدم ذبيحة محرقة.
وسط آلامنا يقبل الله محرقاتنا الروحية، إذا ما أشعل في نفوسنا بروحه القدوس نار الحب الإلهي التي تلهب قلوبنا داخلنا، ولا تقدر مياه كثيرة أن تطفئها. يهب داخلنا قوة القيامة ونصرتها على الألم والموت وبهجتها الأبدية.
v امتحن الله المحب فضيلة (إبراهيم) البار إلى فترة تبلغ الثلاثين عامًا. وعندما رأى الله أنه قد تنقى مثل الذهب في الأتون (حك 3: 6) إلى فترة زمنية طويلة جُعلت فضيلة هذا البار أكثر بهاءً وتألقًا، يقول الكتاب: “ولما كان إبراهيم ابن تسع وتسعين سنة ظهر له الله مرة أخرى” (راجع تك 17: 1)[127].
القديس يوحنا الذهبي الفم
v إن كان الذي أعلى منك صالحًا فإنه يكون منعشًا لك، وأما إذا كان شريرًا فسيكون مجرمًا ضدك، في الحالة الأولى تقبل الانتعاش بسرور، وفي التجربة أظهر نفسك صادقًا. كن ذهبًا. أنظر إلى هذا العالم ككور الصائغ، ففي مكان ضيق توجد ثلاثة أشياء: ذهب وقش ونار. تستخدم النار للشيئين الأولين فالقش يحترق، والذهب يتنقى. يستسلم إنسان للتهديدات، وينقاد إلى معبد الأوثان. واحسرتاه! إنني أندب القش. إنني أرى الرماد. وآخر لا يذعن للتهديدات أو الأهوال، فيُساق أمام القاضي ويعترف بثبات دون أن يخضع لصورة التمثال. ماذا تفعل اللهب معه؟ أما تنقي الذهب؟ لتقفوا بثباتٍ في الرب أيها الاخوة، لأن الذي دعاكم له قوة أعظم. لا تخافوا من تهديدات الأشرار. احتملوا أعداءكم، ففيهم تجدون من تصلون من أجلهم. لا ترتعبوا منهم بأية طريقةٍ كانت.
هذه هي الصحة المخَّلصة. أخرجوا من هذا الينبوع إلى هذه الوليمة، أشربوا هنا حيث تشبعون، وليس من الولائم الأخرى التي بها تختبلون. أثبتوا في الرب. إنكم فضة وستكونون ذهبًا. هذا التشبيه ليس مني، بل من الكتاب المقدس، فقد قرأتم وسمعتم “محصهم كالذهب في البودقة وقبلهم كذبيحة محرقة” (حك 3: 6). انظروا ماذا تكونون بين كنوز الله. كونوا أغنياء بتلامسكم مع الله ليس كما لو كنتم تجعلونه غنيًا، بل تصيروا أغنياء بواسطته. دعوه يُشبعكم. لا تُدخلوا سواه في قلوبكم[128].
القديس أغسطينوس
في وقت افتقادهم يتلألأون،
وكالشَرَر بين القش يركضون. [7]
بعد الموت يتحقق الأشرار من مكافأة الأبرار الذين يمجدهم الله أبوهم السماوي. وينفضح الأشرار، لأنهم عاشوا مع هؤلاء الأبرار على الأرض في ذات ظروفهم، بل وربما نالوا خيرات أكثر منهم، ومع ذلك لم يؤمنوا بالله، ولا سلكوا بروحه القدوس.
بعد الانطلاق من هذا العالم يتلألأ الأبرار ككواكبٍ بهيةٍ، ويتمتعون برؤية الله، وشركة المجد السماوي.
إذ يتحدث عن نيران التجارب المطٌَهرة يرى في الصديقين أنهم يتلألأون بالأكثر خلال هذه النيران التي لا تحرقهم، وإنما تحرق الجزامة (التبن) الذي فيهم وسط ليل هذا العالم للتدفئة والإنارة. هذه هي خبرة الفلاحين في ذلك الحين.
هذا ومن جانب آخر، فإن نار التجارب تحٌَول الأبرار إلى أشبه بمشاعلٍ تتقد نارًا، فتحول ظلمة ليل هذا العالم إلى نهارٍ. بينما يعاني الأشرار من هلاك الظلمة، يتمتع الأبرار بالبهاء المفرح.
ومن جانب ثالث، فإنهم إذ يصيرون مشاعل ملتهبة وسط الأشرار، يشعلونهم بالنار فيهلكوا ماداموا مصممين على شرورهم. هذا ما قيل بعوبديا النبي عن بيت يعقوب وبيت يوسف، كيف يدمرون بيت عيسو كما بنارٍ مشتعلةٍ! ويكون بيت يعقوب نارًا، وبيت يوسف لهيبًا، وبيت عيسو قشًا، فيشعلونهم ويأكلونهم، ولا يكون باقٍ من بيت عيسو، لأن الرب تكلم” (عو 18).
“افتقاد” تعبير كتابي يشير إلى التدخل الإلهي، هنا يشير إلى تدخله في يوم الدينونة العظيم[129].
“يتلألأون” صورة رائعة للنصرة.
v النور أيضًا هو بهاء السماء للذين يتطهرون هنا، حينما يشرق الأبرار مثل الشمس (مت 13: 34)، ويقف الله في وسطهم (حك 3: 7)، الآلهة والملوك يقضون ويميزون رتب تطويب السماء[130].
القديس غريغوريوس النزينزي
v الله المحب الرحوم أطلق بنفسه الجسد من أسره وحرره من عبودية الهلاك، العبودية المرة المميتة، ومنحه الخلود في الأبدية. بذلك منح الجسد البشري عطية الأبدية المقدسة، فجعله خالدًا غير مائت إلى الأبد[131].
القديس إكليمنضس الإسكندري
v حقًا سيكونون ممجدين وينعمون بالسمو الملائكي لكنهم مع هذا يبقون بشريين. فيبقى الرسول بولس هو بولس ومريم هي مريم[132].
v إن كان الوعد لنا أن نكون كالملائكة، ولا يوجد بين الملائكة جنسان متمايزان، فإننا سنكون بلا تمايز جنسي كالملائكة. على أي الأحوال، فإننا إذ نقوم من الأموات نحمل الجنس الذي لنا لكننا لا نمارس وظيفة الجنس[133].
القديس جيروم
v إذ تنزع كل شهوة جسدية ولا يكون فيهم موضع للملذات الجسدية يشابهون الملائكة، مقدمين خدمة روحية غير مادية، فيصيرون كأرواح مقدسة، وفي نفس الوقت يُحسبون مستحقين لمجد يتمتع به الملائكة[134].
القديس كيرلس الكبير
v لقد دُوّن هذا خصيصًا، كيف يقول بولس بصراحة “لأن هذا الفاسد لابد أن يلبس عدم فساد، وهذا المائت يلبس عدم موت (1 كو 53:15).
إذن هذا الجسد سيقوم ويلبس عدم الفساد ويشكل جديدًا. وكما يمتزج الحديد بالنار ويصبح نارًا، أو الأفضل كما يعرف الرب الذي يقيمنا، هذا الجسد سيقوم لكنه لن يمكث كما هو الآن.
إنه جسم أبدي. لا يحتاج تغذية لحياته كما هو عليه الآن، ولا إلى درجات لصعوده لأنه سيكون روحيًا. إنه لأمر عجيب لسنا جديرين بالكلام عنه. إذ قيل في إنجيل القديس متى البشير “حينئذ يضيء الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم” (مت 43:13)، “وكالقمر – وكضياء الجلد (دا 3:12).
فالله العالم بعدم إيمان الناس، أعطى الديدان الصغيرة أن تخرج من جسمها شعاعات من نور حتى أنه مما نرى نصدق ما نتوقعه.
لأن الله الذي يعطي الجزء، قادر أن يعطي الكل أيضًا.
والذي جعل الدودة متألقة بالنور، يجعل بالأحرى الإنسان النقي يضيء![135]
القديس كيرلس الأورشليمي
v في الحياة الأبدية يتغذى الجميع على طعام البرّ ومشروب الحكمة، ويلتحف الجميع بالخلود، ويعيشون في بيتهم الأبدي، وتكون الأبدية ذاتها هي صحة الجميع وسلامهم وسعاتهم حيث لا خصام ولا مرض ولا موت[136].
القديس أغسطينوس
يدينون الأمم ويتسلطون على الشعوب،
ويملك الرب عليهم للأبد. [8]
الخلاص في ذهن كثير من اليهود هو تمتعهم كأمةٍ بالسيطرة على العالم كله، فيتسلطون على الشعوب في العصر المسياني. لقد فهموا مثل هذه العبارة التي في أيدينا بالمعنى الحرفي، إذ يظنون أنهم أبرار سيسيطرون على كل الشعوب الشريرة، ويلزمونهم بالتهود.
الذين يدركون أن نفوسهم في يد الله [1]، يتمتعون بروح القوة، فيشعرون أنهم ملوك في يد ملك الملوك. حياتهم تتلألأ بانعكاس مجد الله عليهم، فيصيرون ديانين للأمم الرافضة التمتع بمعية الله، ويتسلطون على الشعوب التي تظن أنها صاحبة سلطان على الأبرار.
هذا ويمكننا القول بأننا إذ نُوجد في يد الله نحكم على ما في داخلنا من أمم ونتسلط على ما في داخلنا من شعوب. نحمل سلطانًا على أفكارنا وأحاسيسنا وعواطفنا. بسلطانٍ نقول للأفكار الشريرة أن تخرج فتخرج، ولكل دنس أن يفارقنا فيهرب منا. كما بسلطان نطلب العواطف المقدسة والأحاسيس المملوءة حبًا وبرًا فتسمع لنا.
v لم يأتِ بهدف تحقيق عدم إيمان اليهود… كان التدبير الإلهي رائعًا… فقد استخدم خطية اليهود، ليدعُو الأمم إلى ملكوت الله بواسطة المسيح رغم كونهم غرباء عن عهود الموعد (أف 12:2)[137].
نقول نحن المسيحيين إن اليهود، بالرغم من سابق تمتعهم بعطف الله إذ كانوا محبوبين منه أكثر من غيرهم، إلا أن هذا التدبير والنعمة الإلهيين قد تحولا إلينا، عندما نقل يسوع السلطان العامل بين اليهود إلى مؤمني الأمم[138].
العلامة أوريجينوس
المتوكلون عليه سيدركون الحق،
والأمناء في المحبة سيقطنون معه،
لأن النعمة والرحمة لقديسيه،
وهو يرعى مختاريه. [9]
إذ ندرك أن نفوسنا في يد الله، لن نطلب أقل من أن نعرف الحق الإلهي.
“الحق” هنا يشير إلى المعرفة الحقيقية لله، والتمتع بالحكمة السماوية.
وإذ نعرف “الحق” الإلهي نمارس الحب كعطية روحه القدوس فينا. نسلك بأمانة فنتأهل للسكنى مع الله، ونختبر نعمته ورحمته.
v بالسخاء ذاك الذي يعطينا أعظم كل العطايا، حياته ذاتها[139].
القديس إكليمنضس السكندري
v (إذ صار إنسانًا) صرنا الآن قادرين أن نقتنيه، نقتنيه هكذا بالعظمة، وبذات طبيعته (من جهة الناسوت) التي كان عليها، إن كنا نعد له مكانًا لائقًا في نفوسنا.
v المسيح الذي هو كل فضيلة، يأتي ويتكلم على أساس أن ملكوت الله في داخل تلاميذه وليس هو هنا وهناك[140].
العلامة أوريجينوس
أما الأشرار فسينالهم العقاب المُناسب لأفكارهم،
فهم الذين لم يُبالوا بالبار،
ونسوا الرب. [10]
مقابل نهاية الأبرار العظيمة نرى نهاية الأشرار المرة، حيث ينالون العقاب الأبدي لإصرارهم التام لعدم قبول عمل نعمة لله، ومقاومتهم للحق الإلهي، ورفضهم للوصية الإلهية. الأولون يتقدمون بثمر الحب في تواضع، والأخيرون يقدمون ثمر الكراهية والظلم والأنانية ورفضهم التام لحكمة الله، وسلوكهم في ضلال الشر. يقول القديس الأنبا أنطونيوس الكبير في الرسالة السادسة إن الشياطين بلا أجساد، لكننا إذ نقبل أفكارهم في داخلنا نتجاوب معهم، إنما نصير أشبه بأجسادٍ لهم. بهذا يحول عدو الخير أعماقنا إلي جحيم، ويحمل سلوكنا طبيعة عدو الخير.
v ينبغي أن تعرفوا بأننا نصير أجسادًا لهم (الشياطين) حينما تقبل نفوسنا أفكارهم المظلمة الشريرة، وعندما يصيرون هم ظاهرين بواسطة جسدنا الذي نسكن فيه[141].
القديس أنبا أنطونيوس الكبير
لم يرد القديس يوحنا الذهبي الفم أن يتحدث عن موضع جهنم سوى أنها “خارج هذا العالم[142]. لكنه تحدث في شيء من التفصيل عن لعناتها. ففي إحدى عظاته يقول عنها:
[إنها بحر من النار، ليس بحرًا من ذات النوع بالأبعاد التي نعرفها هنا، بل أعظم وأعنف، بأمواج نارية، نيران غريبة مرعبة. توجد هناك هوة عظيمة مملوءة لهيبًا مرعبًا. يمكن للإنسان أن يرى النار تخرج منها من كل جانب مثل حيوان مفترس…هناك ليس من يقدر أن يقاوم، ليس من يقدر أن يهرب.
هناك لا ُيرى وجه المسيح الرقيق واهب السلام في أي موضع.
وكما أن الذين صدر عليهم الحكم بالعمل في المناجم هم أناس عنفاء، لا يرون بعد عائلاتهم، بل الذين يسخرونهم، هكذا يكون الأمر هناك، ولكن ليس بالأمر البسيط هكذا، بل ما هو أردأ بكثير. لأنه هنا يمكن أن يقدم الإنسان التماسًا للإمبراطور طالبًا الرحمة وقد ُيعفي عن السجين، أما هناك فلن يحدث هذا. إنهم لن يخرجوا بل يبقوا، يحتملون عذابات لا يُمكن التعبير عنها[143].]
مرة أخرى يقول إن النيران هناك لا تُفني الإنسان ولا تعطى نورًا بل تحرق على الدوام[144]. إذ تتحول الأجساد المقامة المُدانة إلى عدم الموت لهذا تبقى تعانى العذابات أبديًا[145].
بالرغم من كل هذه العذابات فإن العذاب الرئيسي للمُدانين هو حرمانهم من حضرة الرب وشركة القديسين في السماء[146].
درجات العذابات مختلفة في الجحيم، تعتمد على مدى خطايا الإنسان[147]، لكن الكل يسقط تحتها أبديًا[148].
يقول: [مستحيل أن تكون عذابات جهنم غير موجودة[149].]
يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن هذه العذابات ليست لمجرد تحقيق العدل الإلهى، لكنها وضعت لحث البشرية على التوبة والامتناع عن الخطية[150].
[إن كان اللّه يهتم ألاّ نخطئ وإن ندخل في متاعب كهذه لتصحيحنا، فواضح أنه يعاقب الخطاة ويكلل الأبرار[151].]يقول إنه يهدد بجهنم، حتى لا ُيلقى أحدًا في جهنم[152].
ماذا يعني بقوله: “العقاب المناسب لأفكارهم“؟
لعله يجيب هنا على تساؤلات البعض: إن كان الله حبًا، فكيف يعاقب الناس الأشرار بنار جهنم الأبدية؟ أين هي محبة الله اللانهائية للبشر؟ هل يبقى الإنسان في عذابٍ أبديٍ مقابل خطايا أو شرور ارتكبها لفترة زمنية؟
الإجابة على هذه التساؤلات هي أن الله الكلي الحب، وهب الإنسان كمال الحرية، وهذه أعظم عطية، بدونها يفقد الإنسان أهم سمة رئيسية تميزه عن بقية المخلوقات الأرضية. خلال هذه الحرية يُعطى إمكانية للتغير المستمر بين قبوله الحياة مع الله أبديًا، أو اعتزال الله نهائيًا. فمن يختار الشركة مع الله بجديةٍ يعطيه الله سؤل قلبه، ومن يصر على رفض الشركة مع الله لا يُلزمه بها، بل يتمم له شهوة قلبه، فيتركه ينال ما قد اختاره.
يقدم البعض أمثلة لذلك:
لو أن أبًا بذل كل الجهد مع ابنه ليحيا في جدية، لكن الابن أصر على العصيان في استهتار وتحدٍ، فإنه متى بلغ سن النضوج بشخصية غير سوية، لا يقدر أن يلوم والده، إذ أضاع الفرص لإعداد نفسه ليكون ناضجًا.
لو قدمت النصائح لصبيٍ كي يكون جادًا في دراسته مع تحذيرات كثيرة، وقد صمم على الكسل واللعب، فإذ يبلغ السن الخاص بالدراسة يجد نفسه غير كفء لمهنة لائقة، وقد ضاعت عليه فرص الدراسة، وصار الجهل ملازمًا له!
إن حذرت الأم ابنها مرة ومرات من لمس أي شيء ساخن، وفي لحظات إذ تركته حاول أن يمسك قطعة حديد ملتهبة، فإنه لا يقدر أن يلوم والدته لأن النار أصابته، وقد يبقى إلى سنوات يعالج ما ارتكبه في ثوانٍ! وربما تبقى آثار ذلك في يده كل أيام حياته!
هنا أيضًا لا ينصب اللوم إلا على الأشرار أنفسهم، لأنهم يذوقون أبديًا ما اختاروه لأنفسهم. وماذا اختاروا؟
V الاستخفاف بالبار [10].
V نسيان الرب [10].
V احتقار الحكمة والتأديب [11].
ثلاثة أمور خطيرة تحطم الأشرار تمامًا، الأمر الأول أنهم “لم يبالوا بالبار“، أي وجدوا لذة في ممارسة الظلم على البار، وبذلوا كل الجهد للخلاص منه بأي ثمن. وهم بهذا يحرمون أنفسهم من الشركة مع الأبرار والقديسين، يطلبون موضعًا آخر ليس في بار أو صديق. بهذا اختاروا جهنم وليس ملكوت الله!
أما الأمر الثاني فهو أنهم “نسوا الرب“؛ أي أعطوه القفا لا الوجه، فكيف يمكنهم أن يلتقوا به في ملكوته، أو كيف يسعدون باللقاء بمن يرفضونه بكل قلوبهم؟
والأمر الثالث هو احتقارهم للحكمة والتأديب، كما نرى في العبارة التالية:
فالذي يحتقر الحكمة والتأديب شقيّ:
باطل رجاؤهم وغير مفيدةٍ أتعابهم،
وغير مثمرةٍ أتعابهم، وغير نافعةٍ أعمالهم. [11]
إن كانت الحكمة هي تمتع بحكمة الله الأبدي، واقتناء البرّ الخالد، فإن من يرفض الحكمة، ولا يقبل خطة الله بالنسبة له، ويتذمر على التأديب، إنما يختار لنفسه الشقاء، ويفقد كل رجاء، ويصير كل تعبه بلا نفع ولا ثمر!
احتقار الحكمة والتأديب لا يقف أثره على توجيه حياة الإنسان هنا على الأرض، بل يمتد إلى الحياة الأبدية، التي هي في جوهرها قبول شركة المجد مع حكمة الله الأبدية.
من يرفض الحكمة هنا لا يطيقها هناك؛ ومن يظن أن سعادته في اللهو مع تذمره على تأديب الرب له هنا يفقد السعادة الأبدية.
نساؤهم غبيات،
وأولادهم أشرار،
وذريتهم ملعونة. [12]
“الغباوة” في الأسفار الحكمية ترتبط بالشر، فالغبي يعادل الشرير. يلتصق الأشرار بنساء غبيات أو شريرات، تنجبن أبناء وبنات يسلكون كوالديهم.
إن كان البار يطلب الحكمة عروسًا أبدية، يقترن بها، وينعم بعذوبتها وجمالها وخلودها، فإن الشرير يطلب الجهل قرينًا له، ويصير الموت رفيقه، يتحد به ويصير من حزبه.
أولاد الأبرار المقترنين بالحكمة هم ثمر الروح من محبة وفرح وسلام وصلاح ووداعة وتعفف الخ (غل 3: 23). أما أبناء الأشرار المقترنين بالجهل فهم البغضة والمرارة والتذمر والارتباك والكبرياء وكل رذيلة.
- تحدِّي العقم
ولكن طوبى للعاقر التي بلا دنس،
والتي لم تعرف مضجعًا خاطئًا،
فإنه سيكون لها ثمر عند افتقاد النفوس. [13]
كان إنجاب الأبناء عند اليهود علامة مسرة الله بالإنسان، والعقم إشارة للعنة.
كانت كل سيدة في العهد القديم تترجى أن يأتي المسيا المخلص من نسلها، فإن كانت عاقرًا حسبها الناس غير مستحقة للبركة الإلهية. لكن الحكيم وقد انكشفت أمامه عظمة البتولية فضَّل الذين يحيون دون أولادٍ حسب الجسد مع تكريس قلوبهم وطاقاتهم لمحبة الله وخدمته على الأرض من أجل العرس السماوي عن الزواج مع إنجاب أطفالٍ.
ما يقوله عن البتول الفتاة يكرره بالنسبة للفتى، فالخصي الذي لا يستطيع الزواج وإنجاب البنين مع عدم كسره للوصية افل بممارسة الشرور يترقب المكافأة في السماء.
الإنسان البتول روحيًا هو من أحب الله من كل قلبه ومن كل نفسه ومن كل قدرته، فلم يعد للعالم أثر قط في أعماقه، بل تهيأت نفسه كعروسٍ بتولٍ لا تستريح إلاَّ في حضن عريسها السماوي.
v الإنسان الذي ينظر نظرة روحية صافية من خلال أوهام هذه الحياة مرتفعًا فوق صراعها مقدرًا تفاهتها مبتعدًا بالكلية عنها بامتناعه عن الزواج. هذا الإنسان تصبح ليس له شركة بعد مع شرور البشرية كالحقد والحسد والغضب والكراهية وكل شيء من هذا القبيل، إنه مُعفى من هذا كله، ويستمتع بالحرية ويعيش في سلام. لا يوجد شيء يستثير حسد جاره، فهو لا يمتلك من حطام هذه الحياة ما يتجمع حوله حسد الآخرين.
لقد ارتفع بحياته الخاصة فوق هذا العالم وصارت الفضيلة مقتناه الثمين الوحيد. سوف يقضي أيامه في هدوء وسلام غير ممزوج بالمرارة، لأن الفضيلة ثروة يشترك في ملكيتها الجميع كل حسب قدرته، وهي متوفرة لكل الذين يعطشون إليها، علي عكس ملكية الأرض في هذا العالم التي يقسمها الناس أجزاء. وكلما أضاف أحدهم لنصيبه أرضًا جديدة قلَّ نصيب فرد آخر منها بالتالي. يربح الواحد علي حساب خسارة زميله، ومن هنا تنشأ المعارك. يريد الواحد أن يحصل علي نصيب الأسد، وبذلك يجلب لنفسه بغض الآخرين إذا خدعهم. ولكن الذي يقتني البتولية لا يحسده أحد أبدًا… إن من يمتلك منها نصيب الأسد لا يسبب أي ضرر لمن يطالب لنفسه بنصيبٍ مماثلٍ. وطالما أن كلاً منهما يستطيع أن يحصل علي هذه الحياة، فكل منهما يمكنه أن ينال ما يتمناه لنفسه منها. إن ثروة الفضائل لا تنضب أبدًا[153].
v أنا أعتبر أن البتولية هي المنهج العلمي في علم الحياة السمائية تزود الإنسان بالقوة ليتحد مع الطبائع الروحية[154].
v تهدف البتولية إلي أن تخلق في النفس نسيانًا كاملاً للشهوات الطبيعية، إنها ستمنع عملية النزول باستمرار لتلبية الرغبات الجسمية. ومتى تحررت النفس مرة من مثل هذه الأمور لا تخاطر بالمباهج السمائية غير الدنسة لتكون جاهلة غير ملتفتة إليها، وتمتنع عن العادات التي تورط الإنسان فيما يبدو إلي حد ما أن ناموس الطبيعة يسلم به… إن نقاء القلب الذي يسود الحياة هو وحده الذي يأسر النفس حينذاك.
الشهيد كبريانوس
وطوبى للخصيّ الذي لم تفعل يده إثمًا،
ولم يفكر أفكارًا شريرة على الرب!
فإنه سينال لأمانته عطية سامية،
ونصيبًا شهيًا في هيكل الرب. [14]
بعد أن تحدث عن بتولية الفتاة تحت تعبير “العاقر التي بلا دنس“، ليعلن أن الثمر الروحي الدائم ليس مجرد إنجاب أولاد حسب الجسد، وإنما إنجاب أبناء في الرب خلال الشهادة العملية للعرس الروحي بين النفس البشرية والله، الآن يتحدث عن بتولية الشاب تحت تعبير “الخصي الذي لم تفعل يده إثمًا“. وقد قدم لنا السيد المسيح دعوة للبتولية بقوله: لأنه يوجد خصيان وُلدوا هكذا من بطون أمهاتهم، ويوجد خصيان خصاهم الناس، ويوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت الله؛ من استطاع أن يقبل فليقبل (مت 19: 12). يميز السيد المسيح بين البتولية التي عن عجز طبيعي، والبتولية عن استعباد، كأن يُلزم السيد عبده بذلك، أو يُلزمها بعض الفلاسفة جبرًا حيث يجعلون بعض الخاضعين لهم في ضعفٍ جنسيٍ لأجل ممارسة عبادة وثنية. وأما الثالثة فهي التي يعنيها سفر الحكمة، أي البتولية من أجل ملكوت الله، يختارها الإنسان متى كان مدعوًّا لها، قادرًا على ممارستها روحيًا كما جسديًا.
البتولية ليست غاية في ذاتها، لكنها تحدي للطبيعة البشرية خلال نعمة الله الفائقة، حيث يقبل المؤمن أن يتحدى متطلبات الجسد، ليس إذلالاً له ولا تدنيسًا للزواج، حاشا! وإنما يمارسها الإنسان كإعلانٍ عن بيع كل شيء ليقتني شركته مع عريسه السماوي على أعلى مستوى. يقتني اللؤلؤة الكثيرة الثمن، فيكرس كل أفكاره لمجد الرب. يقول الحكيم: “فإنه سينال لأمانته عطية سامية، ونصيبًا شهيًا في هيكل الرب” [14]. هذا أيضًا ما أكده إشعياء النبي في أناشيده للكنيسة البكر، ولكل عضوٍ يتمتع ببتولية القلب والفكر والنفس:
“ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد.
انشدي بالترنم أيتها التي لم تمخض، لأن بني المستوحشة أكثر من بني ذات البعل، قال الرب.
اَوسعي مكان خيمتك، ولتبسط شقق مساكنك.
لا تُمسكي. أطيلي أطنابك، وشددي أوتارك، لأنك تمتدين إلى اليمين وإلى اليسار، ويرث نسلك أممًا، ويعمر مدنًا خربة” (إش 54: 1-3).
“لا يقل الخصي: ها أنا شجرة يابسة، لأنه هكذا قال الرب للخصيان الذين يحفظون سبوتي، ويختارون ما يسرني، وستمسكون بعهدي.
إني أعطيهم في بيتي وفي أسواري نُصبًا، واسمًا أفضل من البنين والبنات. أعطيهم اسمًا أبديًا لا ينقطع” (إش 56: 3-5).
جاء في (إش 54: 1 الترجمة السبعينية) “اصرخي وافرحي أيتها التي لم تمخض”. ويرى القديس كيرلس الكبير[155] وأيضًا ثيؤدورت أسقف قورش أنه كان من عادة القابلة أن تطلب من السيدة التي تجد صعوبة في الطلق للولادة وهي في ألم شديد أن تصرخ، ليساعدها ذلك في الولادة.
هنا نبوة عن كنيسة الأمم التي كانت وثنية بلا عريس، إذ قبلت السيد المسيح عريسًا لها تصرخ في جهادها، ولكن بروح الترنم والفرح، فتنجب أبناء كثيرين مقدسين للرب.
هكذا يليق بالبتول ألاّ يتوقف عن الجهاد بصرخات روحية قوية مع تهليل عظيم، فيلد أبناء كثيرين للرب، خلال شهادته الحية العملية.
v “لا يقل الخصي: ها أنا شجرة يابسة” (إش56: 3). في هذه العبارة يحث الخصيان على الفضيلة، ويسحق عجرفة الذين يتكئون على كثرة الأبناء لنوال المجد.
ثيؤدورت أسقف قورش
v وُعد الغنى (الروحي) للمؤمنين، وكما قيل لنا: “لم يوجد شخص واحد ضعيف بين القبائل” (راجع مز 128: 3). والآن يُقال حتى للخصيان: “لا تقل: ها أنا شجرة يابسة”. فإنه عوض الأبناء والبنات لك موضع في السماء. الآن يطوِّب الفقراء… الآن يحسب الضعيف قويًا[156].
القديس جيروم
v البتولية أقوى من الموت، وهذا الكيان يُسمى بحقٍ غير مائتٍ، لأنه لا يقدم خدمته إلى عالمٍ مائتٍ، ولا يتهالك كي يصبح وسيلة نسل مائت. في جسمٍ كهذا قد توقفت عوامل التلف والموت، الذي دخلت في الإنسان الأول[157].
v البتولية ليست جهادًا ينتهي بإخضاع الجسد، لكنها تتسع في مداها حتى تشمل كل شيءٍ في النفس. إنها حالة الصحة الكاملة للنفس حتى يكون العريس الحقيقي نصيبها. لا تبتعد عن كل نجاسات الجسد فحسب، بل تجعل من هذا الزهد مجرد بدء لعملية نقاوتها على أوسع نطاق، فتحفظ ذاتها في أمانٍ من السقوط في أي ألمٍ من آلام النفس أثناء مسيرها[158].
القديس غريغوريوس النيسي
لأن ثمرة الأتعاب الصالحة مجيدة،
وأصل الحكمة لا يزول. [15]
إذ يقارن الحكيم بين ما يتمتع به الأبرار الذين نفوسهم في يد الله والأشرار محتقري الحكمة ومقاومي الحق والبرّ، الناسين الرب، يعلن أن ثمرة الأتعاب الصالحة مجيدة، وأن ما يناله الحكماء بركات أصيلة لن تزول، بل تصير إكليل مجدٍ له في السماء.
v مجيدة هي ثمرة الأتعاب الصالحة، إن كان هذا يُحسب أهلاً للصراع من أجلها وأنها جزء من السعادة الحقيقية[159].
القديس غريغوريوس النزينزي
أما أولاد الزناة فلا يبلُغون كمالهم،
وذرية المضجع الأثيم تنقرض. [16]
هنا يدعو الحكيم الجهلاء الأشرار زناة، لأنهم تركوا الحكمة العروس المحبوبة الجميلة والتصقوا بالشهوات الدنسة.
يرى العلامة أوريجينوس أن الزناة هنا هم الذين تنكب نفوسهم على شهوات الجسد وملذاته، وتترك ارتباطها بالروح، فتكون قد انحرفت عن عريسها الله بروح الزنا. مثل هذه النفوس تسمع القول المخزي: “جبهة امرأة زانية كانت لكِ، أبيتِ أن تخجلي” (إر 3: 3)[160].
v يوجد زني بالجسد، وزني آخر للنفس حينما تقيم شركة مع الشيطان. فالنفس إما أن تكون شريكة وشقيقة للشيطان أو لله والملائكة. فإن كانت تزني مع الشيطان فلا تصلح للعريس السماوي[161].
القديس مقاريوس الكبير
ربما يقصد بأولاد الزناة هنا أعمالهم التي لن تدوم، بل تبيد ويهلك معها الزناة أنفسهم.
- تحدِّي الموت المبكر
وحتى إن طالت حياتهم،
فإنهم يُحسبون كلا شيء،
وفي أواخرهم تكون شيخوختهم بلا كرامة. [17]
إذ يلتصق الأبرار بالبرّ الخالد، ففي حكمة سماوية يتمتعون لا بطول الحياة على الأرض، بل بالخلود السماوي. أما الأشرار الزناة، فإن حياتهم وإن طالت على الأرض وصاروا شيوخًا ولهم نسل وفير، فإن هذا كله يُحسب كل شيء، ويصيرون في يوم الرب بلا كرامة.
وإن ماتوا سريعًا فلا يكون لهم رجاء،
ولا تعزية في يوم الدين. [18]
إن طال زمن حياة الأشرار أو قصر، فالزمن يعبر حتمًا، ويقفون في يوم الرب العظيم في عذاب شديد بلا تعزية، إذ لا رجاء لهم.
لأن عاقبة الجيل الشرير شاقَّة. [19]
سرعان ما يعبر زمن الملذات والكرامات الزمنية، ويقف الشرير ومن تمثَّل بشره من أولاده في شقاوة، يطلبون الجبال أن تسقط عليهم والآكام أن تغطيهم.
من وحي حك 3
في يدك أتمتع بروح القوة، فأسمو فوق الألم
وأتمتع بأمجادك
v نفسي في يدك يا أيها القدير.
تتهلل بك، يا من أنت تحفظها.
وسط الضيقات أتحدى الألم بك،
ولا أخشى المتاعب!
لأني مستقر في يديك.
هنا في وسط وادي الدموع تستريح نفسي بك،
وهناك في الأبدية لا يشغلني أحد سواك.
v أي مرعى أشهى من يدك، يا خالق الكل.
في يدك ألمس قدرتك، فأستطيع بك كل شيء.
في يدك أغوص كما في محيط حبك اللانهائي.
v أي ألم أخشاه، وأنا في يدك المجروحة لأجلي!
كيف أخشى الفقر أو المرض أو الظلم أو حتى الموت،
وأنا في يد واهب القيامة؟
في يدك يلذ لي الصليب، وأختبر قوة قيامتك.
v في يدك أتحول إلى كوكبٍ منيرٍ،
ليس لي، ليس لي،
إنما هو انعكاس بهاء مجدك عليّ.
في يدك أحيا بروح القوة،
فليس للظلمة سلطان عليّ.
v إني أعجب يا أيها الخالق كيف تهتم بي.
أنا في يدك، ماذا أطلب بعد.
لن أطلب أقل من أن أعرفك، يا أيها الحق،
لن انشغل إلا بحبك الذي يهبني الأمانة في الحب.
ترعاني بنعمتك حسب غنى نعمتك.
تحملني بيديك، وكأنني أثمن ما لديك.
مشغول بي يا من السماء والأرض لا تسعانك!
v ما لي أرى الأغبياء لا يرون يدك،
يظنونني وحدي، تحلّ بي الآلام من كل جانبٍ.
يحسبونني بائسًا وشقيًا.
ليتهم يذوقون معي عذوبتك،
ويختبرون بهجة العشرة معك.
v في غباوة لا يدركون شقاءهم وحرمانهم وفراغهم.
حقًا أن نار تأديبك تحرقهم كالقش،
لكنها تنقى الذهب المُقدس لك.
تأديباتك تحوَّل أبرارك إلى كواكبٍ بهيةٍ وسط ظلمة هذا العالم.
v شتان ما بين الذين في يدك والذين خارجها.
الذين في يدك لهم سلطان،
والذين في الخارج ينهارون.
الأولون يقدمون ثمارًا تبقى معهم إلى الأبد،
والآخرون يطلبون طول الحياة وكثرة الأبناء والأحفاد،
لكنهم يثمرون لعنة ومرارة.
الأولون يشتهون بتولية النفس زينة صادقة،
والآخرون ينشغلون بالنسل الجسدي ويعلمونهم الشر.
v يرى الأشرار في الموت عقوبة و دماراً،
وأنا أجده انطلاقة للاستقرار في أحضانك.
رحيلي من العالم هبة ومتعة.
v ذقت سلامك العجيب وأنا في العالم،
كم يكون هذا السلام في العالم الآتي.
نفسي مشتاقة أن تتمتع بشركة أمجادك.
v يشمت الأشرار بموتي، ويحسبونه عقوبة،
أما أنا فأفرح به، إذ طال انتظاري للقاء معك!
رأيتك بالإيمان في قلبي،
لأراك في الفردوس وجهاً لوجهٍ.
v سمحت لي بضيقات، فصرت كما في آتون نار.
لكن ماذا تفعل النار بالذهب؟
تحرق الشوائب وتعطي بريقاً رائعاً لنفسي!
v نار التجارب تهيئني لكي أتلألأ بانعكاس بهائك عليَ.
تهبني وسط الضيق قوة و سلطاناً.
أصير كملكٍ، أسيطر بنعمتك على أفكاري.
وأصير بكليتي مملكة لك!
ترعاني وتهتم حتى بعدد شعر رأسي.
نعمتك لا تفارقني ورحمتك تغمرني.
v لست أطلب من العالم شيئاً!
ليكن قلبي مكرساً بالتمام لك!
اقبلني كعروسٍ تدخل بي إلى حجالك!
v أخيرًا ليس لي ما أطلبه،
سوى أن استقر في يدك هنا وفي الدهر الآتي.