تفسير سفر المكابيين الاول ٥ للقمص أنطونيوس فكري
الإصحاح الخامس
لاحظنا أن جيش السلوكيين كان يقدر بحوالي 40.000 + 7000 فارس بينما جيش المكابيين لم يتجاوز 6000 جندي وفارس ومع هذا كان المكابيين يهزمون السلوكيين تطبيقاً لنبوة زكريا (13:9-17).
الآيات (1-8):
“1 ولما سمعت الأمم التي من حولهم أن قد بني المذبح ودشن المقدس كما كانا من قبل استشاطوا غضبا. 2 وأتمروا أن يبيدوا من بينهم من نسل يعقوب وطفقوا يقتلون ويهلكون من الشعب. 3 وكان يهوذا يحارب بني عيسو في أدوم عند اقربتين لأنهم كانوا يضيقون على إسرائيل فضربهم ضربة عظيمة ودفعهم وسلب غنائمهم. 4 وتذكر شر بني بيان الذين كانوا شركا ومعثرة للشعب يكمنون لهم على الطرق. 5 فالجاهم إلى البروج وحاصرهم وابسلهم واحرق بروجهم وكل من كان فيها بالنار. 6 ثم عبر إلى بني عمون فصادف عسكرا قويا وشعبا كثيرا تحت قيادة تيموتاوس. 7 فواقعهم في حروب كثيرة فانكسروا أمامه فأوقع بهم. 8 وفتح يعزير وتوابعها ثم عاد إلى اليهودية.”
هنا نرى يهوذا يحارب الأدوميين وبني عمون، فهناك عداوة تقليدية بين اليهود وهؤلاء. وكان الأدوميون وبنى عمون يشعرون أنه إذا تقوى اليهود فهذا خطر عليهم، فاليهود طالما إستعمروهم ووضعوهم تحت الجزية. ولذلك حين كانت تلوح فرصة لهذه الشعوب لتنتقم من اليهود كانوا يستغلونها كما حدث حين هاجم نبوخذ نصر أورشليم. وأتمروا= تآمروا. أقربتين= حصن على مرتفع جبلي يقع على الطريق بين اليهودية وآدوم. بني بيان= قبيلة بدوية= أبسلهم= حرمهم أي لم يبق منهم أحد، وأصل الكلمة تخصيص الشئ لله. يكمنون لهم على الطرق= ليفرضوا إتاوات على المارة ويسلبون ما معهم. وهؤلاء أساءوا لبني إسرائيل. فقام يهوذا المكابي بعمل عسكري ضدهم تيموثاوس= قائد بني عمون المعين من قبل أنطيوخس. وقد دارت عدة معارك بينه وبين المكابيين. يعزير= مدينة أمورية محصنة في أرض جلعاد. كانت لسبط جاد ثم ذهبت لموآب وغالباً هي جازر وعرف سكانها بكثرة شرورهم.
وبسبب تهديدات آدوم وبني عمون إشتبك معهم يهوذا المكابي وهزمهم.
الآيات (9-20):
“9 وان الأمم الذين في جلعاد اجتمعوا على من كان من إسرائيل في تخومهم ليبيدوهم ففروا إلى حصن دياتما. 10 وأرسلوا كتابا إلى يهوذا واخوته قائلين أن الأمم الذين حولنا قد اجتمعوا علينا يريدون أبادتنا. 11وفي عزمهم أن يأتوا ويستفتحوا الحصن الذي التجأنا إليه وجيشهم تحت قيادة تيموتاوس. 12 فالآن هلم واستنقذنا من أيديهم فقد سقط منا عدد كثير.13 وجميع اخوتنا الذين في ارض طوب قد قتلوا وسبيت نساؤهم وأولادهم وسلبت أمتعتهم وهلك هناك نحو ألف رجل. 14 فبينما هم يقرأون الكتاب إذا برسل آخرين قد وفدوا من الجليل وثيابهم ممزقة واخبروا بمثل ذلك. 15 قائلين قد اجتمعوا علينا من بطلمايس وصور وصيدا وكل جليل الأمم ليبيدونا. 16فلما سمع يهوذا والشعب هذا الكلام عقدوا مجمعا عظيما وتشاوروا فيما يصنعون باخوتهم الذين في الضيق تحت الحصار. 17 فقال يهوذا لسمعان أخيه اختر لك رجالا وانطلق واستنقذ اخوتك الذين في الجليل وأنا ويوناتان أخي ننطلق إلى ارض جلعاد. 18 واستخلف يوسف بن زكريا وعزريا قائدي الشعب مع بقية الجيش في اليهودية للمحافظة. 19 وأوصاهما قائلا توليا أمر هذا الشعب ولا تقيما على الأمم حربا حتى نعود. 20 فانقسمت الرجال ثلاثة آلاف مع سمعان ينطلقون إلى الجليل وثمانية آلاف مع يهوذا إلى ارض جلعاد..”
ورد ليهوذا أخبار عن إضطهاد لشعب إسرائيل وسط الشعوب المجاورة. ففي جلعاد كانت هناك جالية يهودية تعرضت للمضايقات فإلتجأوا إلى حصن إسمه دياتما وبعثوا يستغيثون بيهوذا ليخلصهم. وغالباً كان هذا الحصن لشعب مجاور وقبلوا إستضافة اليهود. وهكذا في (آية27) نجد أن هناك أماكن أخرى قبلت إستضافة اليهود الذين لجأوا إليها. أرض طوب= هي بين عمان والأردن، وهي مدينة آرامية. وكان حكامها هم أسرة بنى طوب اليهودية. وهكذا حدث إضطهاد لليهود في أرض الجليل شمال اليهودية. والأمم الوثنية التي هاجمت اليهود كانوا من بطلمايس= عكا (وهكذا أسماها بطلميوس).
الآيات (21-44):
“21 وانطلق سمعان إلى الجليل وناصب الأمم حروبا كثيرة فانكسرت الأمم من وجهه فتتبعهم إلى باب بطلمايس. 22 فسقط من الأمم ثلاثة آلاف رجل وسلب غنائمهم. 23واخذ الذين في الجليل وعربات مع النساء والأولاد وكل ما كان لهم وجاء بهم إلى اليهودية بسرور عظيم. 24 وأما يهوذا المكابي ويوناتان أخوه فعبرا الأردن وسارا مسيرة ثلاثة أيام في البرية. 25 فصادفا النباطيين فتلقوهما بسلام وقصوا عليهما كل ما أصاب اخوتهما في ارض جلعاد. 26 وان كثيرين منهم قد حصروا في بصرة وباصر وعليم وكسفور ومكيد وقرنائيم وكلها مدن حصينة عظيمة. 27 وانهم أيضا محصورون في سائر مدن ارض جلعاد والقوم مستعدون لمحاصرتهم غدا في الحصون والقبض عليهم وابادتهم جميعا في يوم واحد. 28 فعدل يهوذا جيشه بغتة وتوجه جهة البرية إلى باصر فاستحوذ على المدينة وقتل كل ذكر بحد السيف وسلب جميع غنائمهم واحرق المدينة بالنار. 29 ثم قام من هناك ليلا وسار إلى الحصن. 30 ولما كان الصبح رفعوا أبصارهم فإذا بقوم كثيرين لا عدد لهم حاملين سلالم ومجانيق لفتح الحصن وهم محاصرون لهم. 31 وراى يهوذا ان الحرب قد التحمت وقد علت جلبة المدينة إلى السماء بالأبواق والصراخ العظيم. 32 فقال لرجال الجيش قاتلوا اليوم عن اخوتكم. 33وخرج في ثلاث فرق من ورائهم ونفخوا في الأبواق وصرخوا في الصلاة. 34 وعلم جيش تيموتاوس انه المكابي فهربوا من وجهه فضربهم ضربة عظيمة فسقط منهم في ذلك اليوم ثمانية آلاف رجل. 35 ثم انصرف إلى المصفاة وحاربها فافتتحها وقتل كل ذكر بها وسلب غنائمها واحرقها بالنار. 36 ومضى من هناك فافتتح كسفور ومكيد وباصر وسائر مدن ارض جلعاد. 37 وبعد هذه الأمور جمع تيموتاوس جيشا آخر ونزل قبالة رافون في عبر الوادي. 38فأرسل يهوذا رجالا يكشفون أمر الجيش فاخبروه قائلين ان جميع الأمم التي حولنا قد انضمت اليهم وهم جيش عظيم جدا. 39 وقد استأجروا العرب يظاهرونهم ونزلوا في عبر الوادي وفي عزمهم أن يأتوك للقتال فخرج يهوذا لملاقاتهم. 40 وقال تيموتاوس لرؤساء جيشه إذا بلغ يهوذا وجيشه إلى وادي الماء فان عبر إلينا أولا فلا نطيق الثبات أمامه بل يتغلب علينا تغلبا. 41 وان تخوف وحل في عبر النهر جزنا إليه وتغلبنا عليه. 42 فلما بلغ يهوذا إلى وادي الماء أقام كتبة الشعب على الوادي وأمرهم قائلا لا تدعوا أحدا يحل ههنا بل لينطلقوا بجملتهم إلى الحرب. 43 وعبر إليهم وهو في المقدمة وكل الشعب وراءه فانكسرت أمامه جميع الأمم والقوا سلاحهم وفروا إلى المعبد الذي في قرنائيم. 44 فاستولى اليهود على المدينة واحرقوا المعبد مع كل من كان فيه بالنار وانكسر أهل قرنائيم ولم يطيقوا الثبات أمام يهوذا.”
سمعان ينتصر ويحمل اليهود مع كل ما لهم إلى أورشليم ليكونوا في حماية المكابيين. عربات= تعني سهل أو بادية. ويهوذا ينتصر أيضاً. النباطيين= هم نسل إسماعيل ويبدو أنه كانت هناك صداقة بينهم وبين اليهود، وبعد ذلك كان منهم الحارث الذي أشار له بولس الرسول (2كو32:11) وهم قبائل عربية مثل بني بيان (آية4). وفي (آية26) نرى اليهود محاصرين في عدة أماكن. وبمشورة النبطيين غير يهوذا ويوناثان خطتهما وعاد أدراجهما إلى باصر للإنتقام منها بعد أن هرب اليهود منها إلى دياتما= الحصن (آية29). وكان الأعداء محاصرين لهم وبدأوا الحرب ضدهم حين وصل يهوذا المكابي. مجانيق= جميع منجنيق وهذا هو مدفعية ذاك الزمان، لقذف حجارة داخل أسوار المدن، أو لتحطيم السور. إستأجروا العرب= ليدلونهم على مخارج ومداخل الجبال. وادي الماء= غالباً لأنه يمتلئ بالماء في الشتاء مع موسم الأمطار. كان تيموثاوس في مكان مرتفع من وادي الماء. لذلك يقول لو عبر إلينا أولاً= فهذه جسارة لأن يعبر وهو في مرمى سهام تيموثاوس. وكانت جسارته في العبور سبباً لخوف تيموثاوس وجنوده. إن تخوف وحل= إن قرر البقاء في الوادي خوفاً جزنا إليه= إذ هو خائف وهم لجأوا للمعبد ربما حمتهم الآلهة، لكنها لم تفعل.
الآيات (45-54):
“45 وجمع يهوذا كل من كان من إسرائيل في ارض جلعاد صغيرهم وكبيرهم ونساءهم وأولادهم مع أمتعتهم جيشا عظيما جدا لينصرف بهم إلى ارض يهوذا. 46 فبلغوا إلى عفرون وهي مدينة عظيمة على المدخل حصينة جدا فلم يكن لهم أن يحيدوا عنها يمنة ولا يسرة إلا أن يجوزوا في وسطها.47 فاغلق أهل المدينة على أنفسهم وردموا الأبواب بالحجارة فأرسل إليهم يهوذا بكلام السلم. 48 قائلا أنا نجوز في أرضك لنذهب إلى أرضنا ولا يضركم أحد إنما نمر بأقدامنا فأبوا ان يفتحوا له. 49 فأمر يهوذا أن ينادى في المحلة بان يهجم كل واحد من المكان الذي هو فيه. 50 فهجم رجال البأس وحاربوا المدينة كل ذلك اليوم وليلته كلها فأسلمت المدينة إلى يديه. 51 فاهلك كل ذكر بحد السيف ودمرها وسلب غنائمها واجتاز في المدينة من فوق القتلى. 52 ثم عبروا الأردن إلى السهل العظيم قبالة بيت شان. 53 وكان يهوذا يجمع المتخلفين ويشجع الشعب طول الطريق حتى وصلوا إلى ارض يهوذا.54 فصعدوا جبل صهيون بسرور وابتهاج وقدموا المحرقات لأجل انه لم يسقط أحد منهم حتى رجعوا بسلام.”
في عودة يهوذا وجد أمامه عقرون المدينة الحصينة، ولأن معه شيوخ ونساء وأطفال لتوطينهم في أورشليم. طلب من أهل عقرون أن يسمحوا له فقط بالمرور حتى لا يدور حول المدينة. وعقرون مدينة فلسطينية تقع على بعد 39كم غرب أورشليم.
الآيات (55-62):
“55 وفي الأيام التي كان فيها يهوذا ويوناتان في جلعاد وسمعان أخوه في الجليل قبالة بطلمايس. 56 سمع يوسف بن زكريا وعزريا رئيسا الجيش بما ابدوا من الحماسة والقتال. 57 فقالا لنقم لنا نحن أيضا اسما ولننطلق لمحاربة الأمم التي حولنا. 58 ثم أمرا الجيش الذي معهما فزحفوا على يمنيا. 59 فخرج جرجياس ورجاله من المدينة إلى ملاقاتهم للقتال. 60فانكسر يوسف وعزريا فتتبعوهما إلى حدود اليهودية وسقط في ذلك اليوم من شعب إسرائيل ألفا رجل وكانت في شعب إسرائيل حطمة عظيمة. 61ذلك بأنهما لم يسمعا ليهوذا واخوته ظنا منهما بأنهما يبديان حماسة. 62 إلا انهما لم يكونا من نسب أولئك الرجال الذين أوتوا خلاص إسرائيل على أيديهم.”
كانت هناك أوامر من يهوذا ليوسف وعزريا بأن لا يتحركا ليدافعوا عن الشعب (آية18). لكنهم رغبة في الظهور بمظهر القادة المنتصرين مثل يهوذا، تقدموا وحاربوا فإنهزموا. هؤلاء كانوا لا يبحثون عن مجد الله في هذه الحرب بل مجد أنفسهم= لنقم لنا نحن أيضاً إسماً. وكاتب السفر يعلل هزيمة هؤلاء لم يكونا من نسب أولئك الرجال الذين أوتوا خلاص إسرائيل على أيديهم= فالله وضع ليهوذا أن يهزم الأعداء لماذا؟ لأن له غيرة مقدسة هو وأسرته لمجد الله.
الآيات (63-68):
“63 وعظم الرجل يهوذا واخوته جدا في عيون كل إسرائيل وجميع الأمم التي سار إليها ذكرهم. 64 وكانوا يجتمعون إليهم بأصوات التهنئة. 65 وخرج يهوذا واخوته وحاربوا بني عيسو في ارض الجنوب وضرب حبرون وتوابعها وهدم سورها واحرق البروج التي حولها. 66 وسار قاصدا ارض الأجانب وجال في ارض السامرة. 67 وفي ذلك الحين سقط كهنة في الحرب وكانوا يريدون أن يبدوا حماسة فخرجوا إلى الحرب عن غير تدبر. 68 ثم توجه يهوذا إلى اشدود في ارض الأجانب فهدم مذابحهم واحرق منحوتات آلهتهم بالنار وسلب غنائم المدن وعاد إلى ارض يهوذا.”
حروب يهوذا هنا كانت لإظهار قوة المكابيين وللإنتقام ممن ضرب جيش يوسف وعزريا حتى لا يطمع الوثنيين مرة أخرى في اليهود. في ذلك الحين سقط كهنة في الحرب= لماذا سمح الله بذلك؟ لأنهم تركوا عملهم الأساسي وهو الخدمة في الهيكل. ولماذا وافق الله على أن يحارب متتيا وأولاده المكابيين ونصرهم؟ لأن الهيكل كان مغلقاً وقتها. بالإضافة لأن الكهنة الذين سقطوا في الحرب كانوا يبحثون عن مجد أنفسهم مع يوسف وعزريا (فهم كانوا من ضمن جيشهم) مع أن الكاهن عمله الأساسي البحث عن مجد الله.
وبهذا إستعاد يهوذا السيطرة على المنطقة.