تفسير سفر المكابيين الاول ٩ للقمص أنطونيوس فكري

الإصحاح التاسع

الآيات (1-18):

1 ولما سمع ديمتريوس بان نكانور وجيوشه قد سقطوا في الحرب عاد ثانية فأرسل إلى ارض يهوذا بكيديس والكيمس ومعهما الجناح الأيمن. 2فانطلقا في طريق الجلجال ونزلا عند مشالوت باربيل فاستولى عليها واهلكا نفوسا كثيرة. 3 وفي الشهر الأول من السنة المئة والثانية والخمسين نزلا على أورشليم. 4 ثم زحفا وانطلقا إلى بئروت في عشرين ألف راجل وألفي فارس. 5وكان يهوذا قد نزل بلاشع ومعه ثلاثة آلاف رجل منتخبين. 6 فلما رأوا كثرة عدد الجيوش خافوا خوفا شديدا فجعل كثيرون ينسابون من المحلة ولم يبق منهم إلا ثماني مئة رجل. 7 فلما رأى يهوذا أن جيشه قد انساب والحرب تضايقه انكسر قلبه لأنه لم يبق له وقت لردهم واسترخت عزائمه. 8 فقال لمن بقي معه لنقم ونهجم على مناصبينا عسى أن نقدر على مدافعتهم. 9فصرفوه عن عزمه قائلين انه ليس في طاقاتنا اليوم إلا أن ننجو بنفوسنا ثم نرجع مع أخواتنا ونقاتلهم فأنا عدد قليل. 10 فقال يهوذا حاش لي أن افعل مثل ذلك واهرب منهم وان كان قد دنا أجلنا فلنموتن بشجاعة عن أخواتنا ولا نبقين على مجدنا وصمة. 11 وبرز جيش العدو من المحلة ووقفوا بازائهم وانقسمت الفرسان قسمين وكان الرماة بالمقاليع والقسي يتقدمون الجيش كلها من ذوي البأس. 12 وكان بكيديس في الجناح الأيمن فازدلفت الفرقة من الجانبين وهتفوا بالأبواق. 13 ونفخ رجال يهوذا أيضا في الأبواق فارتجت الأرض من جلبة العسكرين والتحم القتال من الصبح إلى المساء. 14 ورأى يهوذا أن بكيديس وقوة الجيش في الجناح الأيمن فقصدهم ومعه كل ذي قلب ثابت. 15 فكسروا الجناح الأيمن وتعقبوا أثرهم إلى جبل اشدود. 16 فلما رأى رجال الجناح الأيسر انكسار الجناح الأيمن انقلبوا على آثار يهوذا ومن معه.17 فاشتد القتال وسقط قتلى كثيرون من الفريقين. 18 وسقط يهوذا وهرب الباقون.”

أتى اليونانيون بشدة على اليهود.. ولم تجد اليهود نفعاً تلك المعاهدة مع الرومان!! فالله هو الذي يحمي ويدافع عن شعبه. بل ربما كانت المعاهدة مع الرومان أساس ثورة ديمتريوس على اليهود بالإضافة لسابق قتلهم لنكانور. الجناح الأيمن= هو فرقة عسكرية مساندة للجيش. أهلكا نفوساً كثيرة=من الذين إختبأوا في الكهوف خوفاً منه. ورأي رجال يهوذا أن ينسحبوا لتنظيم صفوفهم أمام قوة جيش بكيديس ولكن يهوذا رفض. ولكن يرى البعض أنه في كلامه هنا ليس بقوة كما حدث في المرات السابقة. ونلاحظ ضعف إيمان من معه.. هل يعود هذا لأنهم بدأوا يضعون ثقتهم في روما؟ غالباً. وكانت خطة بكيديس خطة قديمة. فهو قسم جيشه قسمين، قسم يحارب من الوجه وقسم آخر يلتف ويضرب من الخلف حين يلتحم يهوذا بالقسم الأول. ولكن يظهر جبروت يهوذا في أنه ظل يحارب يوماً كاملاً بل ويهزم الجيش الأول بالرغم من قلة عدد جيشه. ويسقط يهوذا المقاتل الجبار أخيراً. سقط يهوذا ولكن الهيكل الذي طهره ظل كما هو.

 

الآيات (19-22):

19 فحمل يوناتان وسمعان يهوذا أخاهما ودفناه في قبر آبائه في مودين. 20 فبكاه شعب إسرائيل بكاء عظيما ولطموا عليه وناحوا أياما وقالوا. 21 كيف سقط البطل مخلص إسرائيل. 22 وبقية أخبار يهوذا وحروبه وما أبداه من الحماسة وجبروته لم تكتب في هذا الموضع لأنها كثيرة جدا.”

يقال حدثت هدنة بين المتحاربين وليس معروفاً بالضبط شروطها ليحملوا جسد يهوذا ليدفنوه.

 

الآيات (23-31):

23 وكان بعد وفاة يهوذا أن المنافقين برزوا في جميع تخوم إسرائيل وظهر كل فاعلي الإثم. 24 وفي تلك الأيام حدثت مجاعة عظيمة جدا فتخاذلت البلاد إليهم. 25 فاختار بكيديس الكفرة منهم وأقامهم رؤساء على البلاد. 26فكانوا يتطلبون أصحاب يهوذا ويتفقدونهم ويأتون بهم إلى بكيديس فينتقم منهم ويستهزئ بهم. 27 فحل بإسرائيل ضيق عظيم لم يحدث مثله منذ لم يظهر فيهم نبي. 28 فاجتمع جميع أصحاب يهوذا وقالوا ليوناتان. 29 انه منذ وفاة يهوذا أخيك لم يقم له كفؤ يخرج على العدو وعلى بكيديس والمبغضين لامتنا. 30 فنحن نختارك اليوم رئيسا لنا وقائدا مكانه تحارب حربنا. 31 فقبل يوناتان القيادة في ذلك الوقت وقام في موضع يهوذا أخيه.”

بعد موت يهوذا قويت شوكة الحزب اليوناني فبدأوا يضربون شعبهم اليهودي الذين كانوا مناصرين ليهوذا. حدثت مجاعة شديدة= إعلاناً عن غضب الله. فتخاذلت البلاد إليهم أي ذهب اليهود إلى بكيديس وألكيمس في تخاذل يطلبون خبزاً إذ حدثت المجاعة، فكان بكيديس يشتري إنضمامهم مقابل الخبز. المبغضين لأمتنا= هم الحزب اليوناني. منذ لم يظهر فيهم نبي= كان آخر أنبياء اليهود هو ملاخي وكان في أيام الدولة الفارسية. والمعنى أن الأنبياء كانوا يشفعون عن الشعب عند الله. والمقصود نحن نريد قائداً ملهماً يقوده الله فيقود الأمة. وهنا نرى ليوناثان هنا لقبان رئيساً وقائداً.

وبينما تميز يهوذا بأنه قائد عسكري تميز يوناثان بالدبلوماسية بالإضافة لأنه كان قائداً ماهراً.

 

الآيات (32-42):

32 فلما علم بكيديس طلب قتله. 33 وبلغ ذلك يوناتان وسمعان أخاه وجميع من معه فهربوا إلى برية تقوع ونزلوا على ماء جب أسفار. 34 فعلم بكيديس فزحف بجميع جيشه إلى عبر الأردن يوم سبت. 35 وأرسل يوناتان يوحنا أخاه بجماعة تحت قيادته يسال النباطيين أولياءه أن يعيروهم عدتهم الوافرة. 36 فخرج بنو يمري من ميدابا وقبضوا على يوحنا وكل ما معه وذهبوا بالجميع. 37 وبعد هذه الأمور اخبر يوناتان وسمعان أخوه أن بني يمري يقيمون عرسا عظيما ويزفون العروس من ميدابا باحتفال عظيم وهي ابنة بعض عظماء كنعان. 38 فذكروا يوحنا أخاهم وصعدوا وإختبأوا وراء الجبل. 39 ثم رفعوا أبصارهم ونظروا فإذا بجلبة وجهاز كثير والعروس وأصحابه واخوته خارجون للقائهم بالدفوف وآلات الطرب وأسلحة كثيرة. 40فثار عليهم رجال يوناتان من المكمن وضربوهم فسقط قتلى كثيرون وهرب الباقون إلى الجبل فاخذوا كل أسلابهم. 41 وتحول العرس إلى مناحة وصوت آلات طربهم إلى نحيب. 42 ولما انتقموا لدم أخيهم رجعوا إلى غيضة الأردن.”

الآن الجيش اليهودي هارب في الجبال لكن الهيكل كان قد عاد لوضعه الطبيعي. لذلك أراد بكيديس قتل يوناثان فيقتل المقاومة الجديدة، لذلك هرب يوناثان. برية تقوع= 11كم جنوب شرق بيت لحم، 16كم جنوب أورشليم. ماء جب أسفار= بركة مليئة بالماء في برية تقوع يلجأ إليها المسافرون. وهاجم بكيديس جماعة يوناثان يوم سبت= ظناً منه أن المكابيين لن يحاربوا يوم السبت كما حدث من قبل.

بنو يمري= قبيلة عربية سكنت في ميدابا وكانوا قطاع طرق وهم غير النبطيين. ميدابا= على بعد 2كم جنوب عمان، 26كم جنوب البحر الميت. وأراد يوناثان أن يستودع نساءهم وأولادهم ومقتنياتهم عند النبطيين أصدقاءهم، ولكن بنو يمري كمنوا لهم وهجموا عليهم وسلبوا ما معهم وأخذوا يوحنا وقتلوه فيما بعد. وموكب العروس كان موكب ضخم يشمل شبان بأسلحتهم والهدايا.. الخ. وهاجمهم يوناثان إنتقاماً ليوحنا أخيه. وقال يوسيفوس أن العروس إبنة أحد عظماء كنعان فكان الموكب ضخماً.

 

الآيات (43-49):

43 فسمع بكيديس فوفد إلى شطوط الأردن يوم سبت في جيش عظيم.44 فقال يوناتان لمن معه لننهض الآن ونقاتل عن نفوسنا فليس الأمر اليوم كما كان أمس فما قبل. 45ها أن الحرب أمامنا وخلفنا وماء الأردن والغياض والغاب من هنا ومن هناك فليس لنا مناص. 46 والآن فاصرخوا إلى السماء فتنقذوا من أيدي أعدائكم ثم التحم القتال. 47 ومد يوناتان يده ليضرب بكيديس فانصاع عنه إلى الوراء. 48 فرمى يوناتان ومن معه بانفسهم في الأردن وعاموا إلى العبر فلم يعبروا الأردن إليهم. 49 وسقط من رجال بكيديس في ذلك اليوم ألف رجل فعاد إلى أورشليم.”

مرة أخرى بكيديس يهجم يوم سبت وآية (43) هي تكرار لآية (34) فقصة بنو يمري كانت هنا بشكل عرضي فلزم أن ينوه الكاتب لخروج الجيش. وحاصر بكيديس جيش يوناثان بين المياه الضحلة والمستنقعات ونبات الغاب فلم يستطيعوا الهروب منه. ومن هنا نفهم أنه عندما قال في آية (34) أن بكيديس هجم ربما هو هجم عليهم فهربوا لأنه كان ممكناً لهم أن يهربوا. ولكن هذه المرة آية (43) لم يكن هذا ممكناً. وفي خلال هذه الحرب واتت الفرصة يوناثان أن يضرب بكيديس شخصياً لكنه هرب. وربما بسبب هذه الحادثة تراجع الجيش السلوكي مسافة سمحت للمكابيين بالهروب إذ القوا بأنفسهم في الماء لينجوا من جيش بكيديس الضخم.

 

الآيات (50-53):

50 ثم بنى مدائن حصينة في اليهودية وحصن أريحا وعماوس وبيت حورون وبيت أيل وتمنة وفرعتون وتفون بأسوار عالية وأبواب ومزاليج. 51وجعل فيها حرسا يراغمون إسرائيل. 52 وحصن مدينة صور وجازر والقلعة وجعل فيها جيوشا وميرة. 53 واخذ أبناء قواد البلاد رهائن وجعلهم في القلعة بأورشليم في الحبس.”

ثم بنى مدائن= هذا عن بكيديس. جعل حراساً يراغمون= أي يضايقون إسرائيل. هو جعل في الحصون حراساً يونانيين ويهوداً من الحزب اليوناني. وفي (52) القلعة= هي قلعة عكرة المشرفة على الهيكل في أورشليم. وكان تحصين هذه المدن تحسباً لثورة يقوم بها يوناثان أو أي تمرد لليهود. وقبض على أبناء رؤساء اليهود ليجعل منهم رهائن متى تمردوا.

 

الآيات (54-57):

54 وفي السنة الثالثة والخمسين في الشهر الثاني أمر الكيمس أن يهدم حائط دار المقدس الداخلية فهدم أعمال الأنبياء وشرع في التدمير. 55في ذلك الزمان ضرب الكيمس فكف عن صنيعه واعتقل لسانه وفلج ولم يعد يستطيع أن ينطق بكلمة ولا أن يوصي لبنيه. 56 ومات الكيمس في ذلك الزمان في عذاب شديد. 57 فلما رأى بكيديس أن الكيمس قد مات رجع إلى الملك وهدأت ارض يهوذا سنتين.”

كان ألكيمس يجامل اليونانيين فهدم الحائط الذي كان يمنع دخول اليونانيين لداخل الهيكل هدم أعمال الأنبياء= ربما يقصد حجي وزكريا اللذان اشرفا على بناء الهيكل الموجود وبناء هذا الحائط الفاصل بين المصلين من اليهود والزوار الوثنيين. ولكن الله ضرب ألكيمس بالشلل ومات سريعاً. وشعر بكيديس أن ألكيمس الذي كان يدفعه لهذه الحرب الدينية قد مات إذاً فليترك اليهود لحالهم خصوصاً أن التحصينات التي أقامها كانت في نظره كافية لمنع التمرد.

 

الآيات (58-73):

58 وبعد ذلك ائتمر المنافقون كلهم وقالوا ها أن يوناتان والذين معه في منازلهم هادئون مطمئنون فهلموا الآن نحمل عليهم بكيديس فيقبض عليهم أجمعين في ليلة واحدة. 59وانطلقوا وأشاروا عليه بذلك. 60 فقام وسار في جيش عظيم وبعث سرا يكتب إلى جميع نصرائه في اليهودية ان يقبضوا على يوناتان والذين معه فلم يجدوا إلى ذلك سبيلا لأن مشورتهم انكشفت لهم. 61 ثم قبضوا على خمسين رجلا من البلاد وهم أرباب الفتنة وقتلوهم. 62 وانصرف يوناتان وسمعان ومن معهما إلى بيت حجلة في البرية وبنى مهدومها وحصنها. 63 ولما علم بكيديس حشد جميع جمهوره وراسل حلفاءه في اليهودية. 64 وزحف ونزل على بيت حجلة وحاربها أياما كثيرة ونصب المجانيق. 65 وان يوناتان ترك سمعان أخاه في المدينة وخرج في عدد من الجند وانتشر في البلاد. 66 وضرب ادورين واخوته وبني فاسرون في خيامهم وطفق يوقع بالعدو ويزداد قوة. 67 وخرج سمعان ومن معه من المدينة واحرقوا المجانيق. 68وقاتلوا بكيديس فانكسر وضايقوه جدا وإذ ذهبت مشورته وخروجه في الباطل. 69استشاط غضبا على الرجال المنافقين الذين أشاروا عليه بالخروج من البلاد وقتل كثيرين منهم وأزمع الانصراف إلى أرضه. 70 وعلم يوناتان فانفذ إليه رسلا في عقد المصالحة ورد الأسرى. 71 فأجاب وفعل بحسب كلامه وحلف له انه لن يطلبه بسوء كل أيام حياته. 72 ورد إليه الأسرى الذين أسرهم من قبل في ارض يهوذا ثم عاد إلى أرضه ولم يعد يسير إلى تخومهم. 73 فزال السيف من إسرائيل وسكن يوناتان في مكماش واخذ يوناتان يحاكم الشعب واستأصل المنافقين من إسرائيل.”

أئتمر المنافقون= أي تآمر أعضاء الحزب اليوناني إذ ربما شعر هؤلاء بأن إستقرار الوضع سيجعل يوناثان يضطهدهم. وفي (61) يوناثان هو الذي قبض على 50 رجلاً وهم أرباب الفتنة. ونجد يوناثان يحارب هو وسمعان أخوه ضد بكيديس ويحوزوا بعض النصر ضده. ويجد بكيديس أن الأمر لا يستحق كل هذا فيقتل أصحاب الفتنة. وكان خروج يوناثان ليجمع مزيداً من الجنود (65) وضرب يوناثان بعض القبائل العربية= أدوَرين وبني فاسرون= غالباً هو نوع من التحالف معهم فيقال أن كلمة ضرب هنا في أصلها العبري تعني “أمر” فيهوذا كان قد أخضع هذه القبائل من قبل. وكان يوناثان هنا يأمرهم أو يطالبهم بتنفيذ عهودهم السابقة وتحالفوا معه فكان يزداد قوة. أما سمعان فكان يهجم على تحصينات بكيديس. لذلك شعر بكيديس بغيظ على أعضاء الحزب اليوناني الذين أوهموه أن الحرب مجرد نزهة فقتلهم. وهنا تظهر دبلوماسية يوناثان إذ عرض المصالحة على بكيديس وهو في موقع قوة وقبلها بكيديس على الفور غالباً لينقد ماء وجهه أمام الملك ديمتريوس. وصار يوناثان والياً على اليهود وقام بدور القاضي لليهود وحكم على الخارجين على الشريعة. مكماش= قرية تتبع سبط بنيامين.

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى