تعليقات لامعة على سفر التكوين للقديس كيرلس عمود الدين

المقالة الخامسة: 7- الله يأمر يعقوب بالرجوع

 

إذن ، عندما حركت الغيره أبناء لابان ، وأيضا لابان نفسه ظهر عابس بدون بشاشة ، والحسد مرتسم على حاجبيه ، لأن الكتاب يقول : « أرى وجه أبيكما أنه ليس نحوي كأمس وأول من أمس » ( تك 5:31 ) ، أعطى الله أمراً ليعقوب بأن يرجع إلى وطنه . ويعقوب بدوره أرسل ليدعو زوجتيه ، ليئة وراحيل ، وحکی لهما بكل وضوح عن ظلم أبيهما ، وأضاف قائلا : « قال لي ملاك الله في الحلم يا يعقوب فقلت هأنذا . فقال ارفع عينيك وأنظر جميع الفحول الصاعدة على الغنم مخططة ورقطاء ومثمرة . لأني قد رأيت كل ما يصنع لك لابان … قم أخرج من هذه الأرض » ( تك ۱۱:۳۱ – ۱۲ ) ، « فأجابت راحيل وليئة وقالتا له ألنا أيضا نصيب وميراث في بيت أبينا . ألم نحسب منه أجنبيين لأنه باعنا وقد أكل أيضا ثمننا . إن كل الغني الذي سلبه الله من أبينا هو لنا ولأولادنا . فالآن كل ما قال لك الله أفعل » ( تك 14:31 – 16).

هذا يعني – روحياً – أنه عندما تصرف العالم وأولاده بحقد ضد المسيح ، أعطي للعروس من فوق ومن السماء أي من الآب ، نصحاً وتحذيراً. لكن النصح أعطي بواسطة الابن الذي نقل إلينا كلام الآب . لأن الذي أرسل من الله ، يقول أقوال الله وفق أقوال يوحنا الإنجيلي.

لاحظ كيف تحدث الله ليعقوب ، وذاك بدوره تحدث إلى زوجتيه ، ليئة وراحيل . وحديث النصح كان مفاده أنه يجب أن يرحلا مع عريسهما من مسكنيهما الأبوي . هكذا المرنم الطوباوي الملهم بالروح يقول تجاه الكنيسة “اسمعي يا بنت وانظري وأميلي أذنك وأنسي شعبك وبيت أبيك . فيشتهي الملك حسنك لأنه هو سيدك فأسجدي له » ( مز 10:45-11).

بناء على ذلك ، قال يعقوب لزوجتيه قول الله . وما هو هذا القول ؟ إدانة لابان بأنه ظالم وشرير ومتراخ في دفع الأجور المديون بهما . روحياً ، أيضا أدان المسيح العالم لعدم إحساسه ، فبدلا من أن يشكره كرب لاعتنائه به بعطايا روحية مثل الإيمان والمحبة ، كان ناكر للجميل . لكن عطايا الله أتت – بالمسيح- من الله الآب ، لأن الابن يقول له : « أنا أظهرت أسمك للناس الذين أعطيتني من العالم . كانوا لك وأعطيتهم لي وقد حفظوا كلامك » ( یو 6:17) . وهذا ما يقصده بعبارة « إن كل الغنى الذي سلبه الله من أبينا هو لنا » .

وبالتأكيد ، عروس المخلص الفاضلة تعهدت بأن تتبعه ، لأنها سبق للعالم أن باعها ، مثلما قالت راحيل وليئة « لأنه باعنا وقد أكل أيضا ثمننا » . حقيقة اشتری عمانوئيل بدمه الكنيسة التي تغربت وابتعدت عن أبيها القديم ( العالم )[1] . لأنه أي سبب لديها لتتصل بالعالم أو أن يكون لها أي نصيب معه. وغناها هي وأولادها يفوق كل عقل و كل منطق . عمانوئيل هو نصيبها وميراثها ومجدها وفخرها وهو كل شيء يساهم في بناءها وراحتها ، أما العالم وأولاده ، فهم – بالطبع – غاضبون ضد المسيح ويستعرون بلهيب الحسد ، وهم يشاهدونه يصل إلى مثل هذا المجد حتى إن المسكونة كلها تحت سلطانه ، وصار سيدا على كل البشر الذين على الأرض . لكن كون أن جنونه ضده ، مضى أبعد من الشتائم والسباب ، إذ شرع في طرده وقتله والتطاول الكبير ووقاحته ضد مجد المخلص ، وكذلك استمراره في محاربة كنيسته وأولاده ، أي جمع الذين آمنوا ، نستطيع أن نراه من الآتي : «فَقَامَ يَعْقُوبُ وَحَمَلَ أَوْلاَدَهُ وَنِسَاءَهُ عَلَى الْجِمَالِ، وَسَاقَ كُلَّ مَوَاشِيهِ وَجَمِيعَ مُقْتَنَاهُ الَّذِي كَانَ قَدِ اقْتَنَى: مَوَاشِيَ اقْتِنَائِهِ الَّتِي اقْتَنَى فِي فَدَّانَِ أَرَامَ، لِيَجِيءَ إِلَى إِسْحَاقَ أَبِيهِ إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ. وَأَمَّا لاَبَانُ فَكَانَ قَدْ مَضَى لِيَجُزَّ غَنَمَهُ، فَسَرَقَتْ رَاحِيلُ أَصْنَامَ أَبِيهَا. وَخَدَعَ يَعْقُوبُ قَلْبَ لاَبَانَ الأَرَامِيِّ إِذْ لَمْ يُخْبِرْهُ بِأَنَّهُ هَارِبٌ. فَهَرَبَ هُوَ وَكُلُّ مَا كَانَ لَهُ، وَقَامَ وَعَبَرَ النَّهْرَ وَجَعَلَ وَجْهَهُ نَحْوَ جَبَلِ جِلْعَادَ.فَأُخْبِرَ لاَبَانُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ بِأَنَّ يَعْقُوبَ قَدْ هَرَبَ. فَأَخَذَ إِخْوَتَهُ مَعَهُ وَسَعَى وَرَاءَهُ مَسِيرَةَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، فَأَدْرَكَهُ فِي جَبَلِ جِلْعَادَ. وَأَتَى اللهُ إِلَى لاَبَانَ الأَرَامِيِّ فِي حُلْمِ اللَّيْلِ وَقَالَ لَهُ: «احْتَرِزْ مِنْ أَنْ تُكَلِّمَ يَعْقُوبَ بِخَيْرٍ أَوْ شَرّ». فَلَحِقَ لاَبَانُ يَعْقُوبَ، وَيَعْقُوبُ قَدْ ضَرَبَ خَيْمَتَهُ فِي الْجَبَلِ. فَضَرَبَ لاَبَانُ مَعَ إِخْوَتِهِ فِي جَبَلِ جِلْعَادَ.» ( تك 17:31 – 25) . لقد وجد لابان يعقوب وأدانه كثيرا لأنه رحل خفية وسرق بناته و آلهته . لأنه قال له الآتي : « والآن أنت ذهبت لأنك قد اشتقت إلى بيت أبيك . ولكن لماذا سرقت آلهتي » ، فأجاب يعقوب وقال للابان « إني خفت لأني قلت لعلك تغتصب ابنتيك مني . الذي تجد آلهتك معه لا يعيش . قدام إخوتنا أنظر ماذا وخذه لنفسك . ولم يكن يعقوب يعلم أن راحیل سرقتها … فجس لابان كل الخباء ولم يجد » ( تك 30:31 – 35) . لكن راحیل ، كانت تتوقع أن أبيها سوف يفتش الخيمة ، وشرعت في عمل في منتهى الدهاء ، لأنه يقول : « وكانت راحيل قد أخذت الأصنام ووضعتها في حداجة الجمل وجلست عليها وقالت لأبيها لا يغتظ سيدي أني لا أستطيع أن أقوم أمامك لأن على عادة النساء . ففتش ولم يجد الأصنام » ( تك 35:31).

اغتاظ يعقوب وأدان لابان ؛ لأنه ظلمه ولم يستطع أن يجد شيئا ليشتكيه . ثم بعد ذلك تبادلا الحديث معاً وتفاهم الأثنان وصارا في سلام . لأنه مكتوب : «فَأَجَابَ لاَبَانُ وَقَالَ لِيَعقُوبَ: «الْبَنَاتُ بَنَاتِي، وَالْبَنُونَ بَنِيَّ، وَالْغَنَمُ غَنَمِي، وَكُلُّ مَا أَنْتَ تَرَى فَهُوَ لِي. فَبَنَاتِي مَاذَا أَصْنَعُ بِهِنَّ الْيَوْمَ أَوْ بِأَوْلاَدِهِنَّ الَّذِينَ وَلَدْنَ؟ فَالآنَ هَلُمَّ نَقْطَعْ عَهْدًا أَنَا وَأَنْتَ، فَيَكُونُ شَاهِدًا بَيْنِي وَبَيْنَكَ».فَأَخَذَ يَعْقُوبُ حَجَرًا وَأَوْقَفَهُ عَمُودًا، وَقَالَ يَعْقُوبُ لإِخْوَتِهِ: «الْتَقِطُوا حِجَارَةً». فَأَخَذُوا حِجَارَةً وَعَمِلُوا رُجْمَةً وَأَكَلُوا هُنَاكَ عَلَى الرُّجْمَةِ. وَدَعَاهَا لاَبَانُ «يَجَرْ سَهْدُوثَا» وَأَمَّا يَعْقُوبُ فَدَعَاهَا «جَلْعِيدَ». وَقَالَ لاَبَانُ: «هذِهِ الرُّجْمَةُ هِيَ شَاهِدَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ الْيَوْمَ». لِذلِكَ دُعِيَ اسْمُهَا جَلْعِيدَ.» ( تك 43:31 -48 ) .

فاصل

  1. وبحسب تعبير القديس يوحنا ذهبي الفم : “ لقد اشترى المسيح ما يخص خلاصنا ، وأعطاه لنا فيما سبق عربونا ’ ’ تفسير الرسالة إلى أفسس ، الإصحاح الأول ، ص 50 .

فاصل

6- المسيح يقبل الكل

المقالة الخامسة 

8- المعنى العميق للأحداث

البابا كيرلس عمود الدين
تعليقات لامعة على سفر التكوين

 

زر الذهاب إلى الأعلى