تفسير سفر أيوب ١٨ للقمص تادرس يعقوب

اَلأَصْحَاحُ الثَّامِنُ عَشَرَ
صورة مُرَّة للدمار

 

جاء دور بلدد للمرة الثانية، وجاء حديثه الثاني كأليفاز أكثر حدةٍ وقسوةٍ. فإن كان أيوب قد اشتكى من تعاسته، وأن نهاره قد صار ليلاً وظلمة، ومن محاصرة الفخاخ له، وجد بلدد فرصته لتأكيد شر أيوب.

ربما أخطأ أيوب حين بلغ به الضيق الشديد إلى شهوة الموت ليكون له القبر أبًا والدود أمًا. بهذا كان أيوب يحطم نفسه، عوض هذا كان يلزم أن يؤمن بالله الذي يحرك الجبال [٤].

لم يضف بلدد شيئًا ذا قيمة إلى حديثه السابق. عاد يذكر أمثلة توضيحه لفكره بخصوص مصير الأشرار.  قدم بلدد صورة للشرير، قصد بها أنها تنطبق على أيوب، الذي كان في نظره متغطرسًا:

v     ليس لديه نور لكي يضيء بيته أو لتدفئته [٥-٦].

v     يتسم الشرير بالتردد، فيضل طريقه بسبب الظلمة، ويفقد مسلكه بسبب أخطائه [٧].

v     يجري كحيوان يُصطاد، فيسقط في فخ [8-١0].

v     يلاحقه الرعب أينما ذهب [11-13].

v     تفترسه الأمراض والموت. يُطرد من بيته المُريح، ويُسلم إلى ملك الموت [١٤].

v     يستولي آخرون على بيته، أو يهلك مثل سدوم وعمورة [١٥].

v     يُنتزع هو وأسرته من الأصل كما من الفروع، وبعنفٍ يعبر من نور هذا العالم إلى ظلمة الموت [١٦-١٩].

v     مصيره مُرعب في هذا العالم.

  1. اتهام أيوب بالغطرسة            1-4.
  2. نور الأشرار ينطفئ               5-6.
  3. الأشرار يضلون طريق            7.
  4. يسقط الأشرار في الفخاخ         8-10.
  5. يسيطر الرعب على الأشرار      11-13.
  6. يُطرد الأشرار من خيامهم         14-15.
  7. نزع ذكر الأشرار                 16-17.
  8. دمار تام للأشرار                 18-21.

 

  1. اتهام أيوب بالغطرسة

فَأَجَابَ بِلْدَدُ الشُّوحِيُّ: [1].

إِلَى مَتَى تَضَعُونَ أَشْرَاكًا لِلْكَلاَمِ؟

تَعَقَّلُوا وَبَعْدُ نَتَكَلَّمُ [2].

يلقى بلدد بسهمٍ في قلب أيوب، إذ يتهمه بأنه يتحدث بكلامٍ فارغٍ بلا تعقل. يضم في هذا مع أيوب آخرين، ربما قصد الصديقين أليفاز وصوفر، أو بعض الحاضرين الذين ربما دافعوا عن أيوب بين آن وآخر.

لقد ملّ بلدد سماع الكلام، فإذ جاء دوره فرّغ كل ما في قلبه من ضيق بلا حنوٍ. للأسف غالبًا ما ظن بلدد أن الحكمة حكر على عقله دون غيره، فتسرع في هجومه بالكلام.

يوصينا الرسول أن يكون “كل إنسانٍ مسرعًا في الاستماع، مبطئًا في التكلم” (يع 1: 19).

بعد أن كان أيوب في رخائه يقول الكلمة النهائية القاطعة كرجلٍ حكيمٍ يحترم الكل آراءه، يُوجه إليه الآن هو ومن معه ألا يتكلموا إلا بعد أن يتعقلوا.

v     انظروا إلى أولئك الذين كانوا مشغولين بإدانته. تطلعوا إلى أولئك الذين يريدون أن يبكموا فمه. هذا ليس موقف أناسٍ يطلبون له التعزية، بل بالعكس من يثيرونه ويسخرون به… ألا ترون حسدهم؟ يحسبون الصمت عارًا، وقمة الغباوة.

القديس يوحنا الذهبي الفم

جاء النص في كتابات البابا غريغوريوس (الكبير): “فأجاب بلدد الشوحي وقال: إلى أي مدى تطلق كلماتك وتنشرها؟ لتفهم أولاً، دعنا نتكلم” [1-2]. ويرى هذا الأب في أغلب تفسيره لسفر أيوب أن أيوب يرمز للكنيسة المقدسة، وأن أصدقاءه يرمزون للهراطقة المقاومين لها.

هنا يقدم بلدد – كممثلٍ للهراطقة – اتهامين ضد الكنيسة، الاتهام الأول أن آراءها غير أصيلة، والثاني أنها بلا فهم، إذ لا تدرك آراءهم وأفكارهم. في كل  العصور، إذ تتمسك الكنيسة بالإيمان الحي دون تسيب، يتهمها البعض بالعجرفة والكبرياء والجمود، وإذ ترفض الآراء المنحلة يتهمونها أنها ضيقة الأفق، عاجزة عن أن تكون معاصرة، إذ لا تفهم ما يدور حولها.

في تعليق القديس جيروم على كلمات الرسول بولس: “عاملين مشيئات الجسد والأفكار” (أف 3:2)، يميز بين خطية الجسد وخطية الفكر فيقول: [يوجد فارق بين خطية الجسد وخطية الذهن. خطية الجسد بلا احتشام وفيها خلاعة، وتعمل كأداة لتحقيق شهواته. أما إثم الذهن فيخص التعليم ضد الحق والانحدار الذي للهراطقة[828].]

v     يظن كل الهراطقة، أن الكنيسة المقدسة إذ تعرف بعض الأمور أنها مملوءة كبرياءً، بينما يحسبونها لا تفهم بعض الأمور التي يتوهمونها. هكذا كان بلدد الشوحي كمن يؤكد أن الطوباوي أيوب قد انكسر في كبرياءٍ، عندما أعلن أنه “ينشر الكلمات على نطاق واسع”. لكن (بلدد نفسه) يحمل علامة على كبريائه، إذ انتفخ حاسبًا أن الطوباوي أيوب ينطق بأمور لا يفهمها.

البابا غريغوريوس (الكبير)

أيا كانت الاتهامات الموجهة ضد الكنيسة، فإنها لا تكف عن الجهاد المستمر حتى تبلغ بكل المؤمنين إلى وحدة الإيمان، هذه التي يحسبها الرسول بولس بلوغًا إلى الكمال: “إلى أن ننتهي جميعنا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله، إلى إنسانٍ كاملٍ، إلى قياس قامة ملء المسيح، كي لا نكون في ما بعد أطفالاً مضطربين، محمولين بكل ريح تعليم” (أف 12:4-14).

يعلق القديس يوحنا الذهبي الفم على هذه العبارات قائلاً: [ ننضج حين نبلغ إلى وحدة الإيمان، أي حين يُوجد مشاركون في الإيمان الواحد، فإن هذه هي وحدة الإيمان حين نصير جميعًا واحدًا، حين نعرف كلنا ذات الميثاق[829].]

لِمَاذَا حُسِبْنَا كَالْبَهِيمَةِ،

وَتَنَجَّسْنَا فِي عُيُونِكُمْ؟ [3]

حقًا إن أيوب دعا أصدقاءه مخاتلين (أي 17: 2)، وصوَّرهم غير حكماء بلا رحمة، لكنه لم يدعُهم قط حيوانات أو بهائم كما يدعي بلدد هنا. لقد استاء بلدد من عتاب أيوب، وحسب ذلك إهانة بالغة فرد الإهانة بإهانة أمر وأقسى.

v     “لماذا نصمت أمامك كالبهائم؟” (LXX) لأن لك روح بهيمية، تطأطئ رأسك نحو الأرض. حتمًا أفكارك غير سليمة، ولا تناسب أناسًا صادقين، بل أولئك الذي قال عنهم داود: “الإنسان بكونه في كرامة لا يفهم، يُقارن بالقطيع غير العاقل، ويشبههم” (راجع مز 49: 12).

بالنسبة لبلدد إذ أدرك أنه غير قادر أن يجاوب أيوب، تحوّل إلى الشتائمِ، صار مُهددًا في لحظة خاطئة. لهذا السبب فإن كلمات أيوب التي وجهها إلى الخصم (إبليس) لا إلى الله حسبها بلدد أنها ضد الله، وبهذا لم يخجل من أن يسيء إلى البار.

الأب هيسيخيوس الأورشليمي

v     حيث أن كل الهراطقة يشكون أن الكنيسة المقدسة تحتقرهم في تقديرها لهم، لذلك أضاف: “هكذا حُسبنا كبهائم، وكفاسدين في عينيك” [3]. إنه لأمر طبيعي للذهن البشري أن يفترض أن الأمور التي يفعلها إنما ترتد إليه. فيعتقدون أنهم محتقرون، بكونهم اعتادوا أن يحتقروا طرق الصالحين… تبرهن الكنيسة ضد الهراطقة أن ما يفعلونه هو أمر غير معقول، فيظنون في أنفسهم أن الكنيسة تتطلع إليهم كبهائمٍ.

البابا غريغوريوس (الكبير)

يَا أَيُّهَا الْمُفْتَرِسُ نَفْسَهُ فِي غَيْظِهِ،

هَلْ لأَجْلِكَ تُخْلَى الأَرْضُ،

أَوْ يُزَحْزَحُ الصَّخْرُ مِنْ مَكَانِهِ؟ [4]

انفعل بلدد بالأكثر فحسب أيوب حيوانًا شرسًا: “يا أيها المفترس نفسه في غيظه“. فإن كان أيوب مفترسًا، فقد افترس نفسه. ولعل بلدد أراد أن يرد على أيوب الذي وجه الاتهام إلى الله: “غضبه افترسني واضطهدني”، فيقول: “لا تلُم الله كأنه قد افترسك، إنما بوحشيتك افترست نفسك”.

اتهم بلدد أيوب بالغطرسة كمن يستطيع أن يشرع لله: “هل لأجلك تخلى (تهجر) الأرض؟“، كمن يرغب في تغيير قوانين الطبيعة من أجله وحده. أو كأن العالم لا يقوم بدونه، فإذا ما هلك باد العالم معه، وأُخليت الأرض معه.

يرى البعض أن بلدد يوبخ أيوب هكذا: إما أن يعترف بأنه شرير مستوجب لما حلّ عليه، أو يفترض أن الله تخلى عن عنايته الإلهية وأنه هجر الأرض، وأن صخر الدهور قد تزحزح.

في سخرية يتحدث الهراطقة مع الكنيسة كما يتحدث هنا بلدد مع أيوب. كأنهم يقولون لها: “هل تظنين أنكِ فلك الخلاص وحدك، بدونك لن يتمتع إنسان بالخلاص الإلهي؟ ما تنادين به، هذا نوع من الجنون والكبرياء”.

يعلق البابا غريغوريوس (الكبير) على هذا النص قائلاً:

[يحسب الهراطقة أن المشاعر القوية للتدبير الحسن أو للنعمة الروحية للكرازة المقدسة ليست صالحة كفضيلةٍ، بل هي جنون الغضب…

“هل لأجلك تُخلى الأرض؟” (أي 18: 4)… تعلن الكنيسة المقدسة الجامعة أن الله لا يمكن عبادته إلا من خلالها، مؤكدة أن كل الذين خارجها لن يخلصوا. والهراطقة من الجانب الآخر، إذ يثقون أنه يمكنهم أن يخلصوا حتى بدون الدخول في نطاقها يؤكدون أن العون الإلهي يبلغ إليهم في كل موضع…

أو يُزحزح الصخر من مكانه؟” يدعو الهراطقة هؤلاء الأشخاص صخورًا، هؤلاء الذين في نظرهم، بسمو أفكارهم يقفون في الجنس البشرى مفتخرين بكونهم معلمين. ولكن تقدم الكنيسة المقدسة ذاتها لجمع شمل المبشرين المخطئين ليدخلوا معًا في حضن الإيمان السليم. ماذا يُحسب هذا سوى أنها “تحرك الصخرة من مكانه”. وإذ تصير لهم نظره سليمة للأمور، يخضعون في تواضع في داخلها، هؤلاء الذين كانوا قبلاً يأخذون موقف العناد، متمسكين بمفاهيم الخاطئة؟…

هكذا حمل بلدد رمزًا للهراطقة الذين ارتفعوا على أساس أن حياتهم سعيدة، منتفخين على الضربات التي حلتِ بالطوباوي أيوب.]

لم يكن لراحاب أو أهل بيتها أن يتمتعوا بالخلاص لو خرجوا من البيت الذي علق على كوته الخيط القرمزي، إذ لا خلاص خارج الكنيسة المفدية بدم المسيح.

v     راحاب تمثل الكنيسة، والحبل القرمزي يرمز إلى دم المسيح، والذين في البيت هم فقط الذين خلصوا. من أراد أن يخلص فليأت إلى هذا البيت حيث دم المسيح علامة الفداء… ينبغي ألا يخدع أحد نفسه، فإنه لا يخلص أحد خارج البيت، أعني خارج الكنيسة[830].

 العلامة أوريجينوس

v     أتظنون أنكم قادرون أن تصمدوا وتحيوا إن انسحبتم لتقيموا لأنفسكم بيوتًا ومواضع مختلفة، وقد قيل لراحاب: “اجمعي إليك في البيت أباكِ وأمكِ واخوتك وسائر بيت أبيكِ، فيكون أن كل من يخرج من أبواب بيتك إلى خارج، فدمه على رأسه، ونحن نكون بريئين؟![831]

v     في هذا أعلن السرّ، أن الذين يريدون أن يحيوا ويهربوا من هلاك العالم يلزمهم أن يجتمعوا معًا في بيتٍ واحدٍ وحدهم، أي في الكنيسة، أما من يخرج من بين هؤلاء المجتمعين هناك معًا، أي إن كان أحد بالرغم من نواله نعمة في الكنيسة يتركها ويخرج خارجًا، فدمه على رأسه؛ هو مسئول عن هلاك نفسه، الأمر الذي أوضحه بولس موصيًا بتجنب الهرطوقي (رو 16: 17).[832]

v     من يبقى خارج الكنيسة فهو خارج معسكر المسيح[833].

v     لا يكون مسيحيًا من هو ليس داخل كنيسة المسيح[834].

v     إذ كيف يمكن أن يكون أحد مع المسيح إن كان لا يسلك داخل عروس المسيح، وإن لم يوجد في كنيسته؟![835]

v     من ليس له الكنيسة أمًا، لا يقدر أن يكون الله أباه![836]

القديس كبريانوس

  1. نور الأشرار ينطفئ

نَعَمْ! نُورُ الأَشْرَارِ يَنْطَفِئُ،

وَلاَ يُضِيءُ لَهِيبُ نَارِهِ [5].

حديث بلدد هنا صادق، لكنه لا يتحقق هذا فورًا وبطريقة منظورة علنية.

بقوله “نعم” يشير بلدد إلى ما يعانيه أيوب من الحزن الشديد الذي يسقط تحته. يقول له: ما تقوله صدق، لأنه كان يجب أن تكون فيما أنت عليه كأمرٍ طبيعيٍ يليق بالإنسان الشرير. فلا تدهش إن كان ما لك من نور بسيط قد انطفأ تمامًا. لعله قصد بنور الأشرار ما كان له من خيرات وفرح إلى فترة وجيزة قبل حلول التجارب. نور الأشرار ليس نور شمس البرّ الأبدي، نور الرب الذي لن ينطفئ، إنما هو “نور ناره، والشرارة التي أوقدها” (إش 50: 11).

يتحدث أيوب عن أيام رخائه حينما كان سراج الرب يضيء على رأسه (أي 29: 3). ويقول المرتل داود: “أنت تضيء سراجي، الرب إلهي ينير ظلمتي” (مز 18: 28). ومن الجانب الآخر يعبر أيوب البار عن ألمه الشديد بقوله: “كم ينطفئ سراج الأشرار” (أي 21: 17). ويقول سليمان: “من سب أباه وأمه ينطفئ سراجه في حدقة الظلام” (أم 20: 20). “سراج الأثمة ينطفئ” (أم 24: 20). وقد أشار السيد المسيح إلي الحرمان من ملكوت الله أو ملكوت النور بالدخول في الظلمة الخارجية أو جهنم (مت 8: 12؛ 22: 13).

جاء في الأمثال: “نور الصديقين يُفَّرح، وسراج الأشرار ينطفئ” (أم 13: 9) (راجع إر 25: 10)[837].

v     “ألا ينطفئ نور الأشرار، ولا يضيء لهيب ناره؟” [5]. إن كان يقول هذا عن الحياة الحاضرة فهو مخطئ، إذ كثيرًا ما يُرى النور مزدهرًا في حياة الأشرار، بينما ظلمة الخزي والفقر تغلف حياة الأبرار… وإن كان يُقال هذا بخصوص الإنسان الشرير، لكنه لا يُوجه هذا ضد الإنسان القديس الذي تسقط عليه ضربات…

لكن “ينطفئ نور الأشرار”. من حيث أن سعادة الحياة الحاضرة سرعان ما تنتهي مع الحياة ذاتها. لذلك فإنه يليق أن يُضاف: “ولا يضيء لهيب ناره”. فإنه لكل إنسانٍ شرير “لهيب ناره”، الذي يشعله في قلبه من حرارة الشهوات الوقتية، مادام يحترق بشهوات متنوعة، ويذري أفكاره في لهيب أعظم بأوهام العالم المتعددة. ولكن إن كانت النار بلا لهيب، فإنها لا تضيء ببعث أي نور… فإنه حتى الصديقين لهم لهيب نارهم، لكنه لهيب ينير ببهاءٍ، حيث أن شهواتهم تشرق في الأعمال الصالحة. أما نور الأشرار فلا يشرق على الأقل كما يودون في الشر، ويلتزمون بالدخول إلى الظلمة.

البابا غريغوريوس (الكبير)

لا يستطيع عدو الخير – إبليس – أن ينير، وإن ظهر منيرًا، يحمل نورًا مزيفًا. لأنه رئيس مملكة الظلمة، يظهر كملاك نورٍ ليخدع البشرية، ويدخل بها إلى مملكة الظلمة. هكذا الأشرار، المصرون على عصيانهم، لن يستطيعوا أن ينيروا، إذ يقدمون مما لهم ولأبيهم، أي الظلمة.

v     إذ نعرف المسيح أنه النور الحقيقي (يو 9:1)، فإنه غير مُدرك (1 تي 16:6) بالنسبة للباطل. إننا نتعلم هذا، أي أنه من الضروري لحياتنا أيضًا أن تستنير بأشعة النور الحقيقي. لكن الفضائل هي أشعة “شمس البٌر” (مل 20:3)، تنبعث لأجل استنارتنا، خلالها نخلع أعمال الظلمة (2 كو 2:4). إذ نفعل كل شيءٍ في النور، نصير نحن أنفسنا نورًا، يضيء على الآخرين (مت 15:5-16)، إذ هذا من سمة النور[838].

 القديس غريغوريوس النيسي

v     لا يصوب الشيطان سهامه في وقت النهار لئلا يُرى، إذ كل ما يُفعل في النور يعلنه النور[839].

v     ليس للهراطقة المسيح، الحق، على شفاههم، لأنه ليس في قلوبهم… يعنون شيئًا في قلوبهم، ويعدون بشيء آخر على ألسنتهم. ينطقون بالتقوى، ويخفون الشر. يتكلمون عن المسيح، ويخبئون ضد المسيح، لأنهم يعرفون أنهم لن ينجحوا في خداعهم إن أظهروا ضد المسيح. يقدمون النور فقط لكي يخفوا الظلمة، فبالنور يقودون إلى الظلمة[840].

القديس جيروم

النُّورُ يُظْلِمُ فِي خَيْمَتِهِ،

وَسِرَاجُهُ فَوْقَهُ يَنْطَفِئُ [6].

يقصد هنا خيمة النفس (2 كو 5: 1)، أي الجسد، يفسد تمامًا ويكون ظلامًا.

إن كانت الخيمة هي الجسد، فإن انتزاع السراج يشير إلى الموت، إذ “عند موت إنسانِ شرير يهلك رجاؤه” (أم 11: 7).

يظن الأشرار أن الحياة هي التمتع بالشهوات الجسدية والملذات واللهو، وأن الحرمان منها فقدان للحياة، أو يرونها نورهم، بدونها يكونون كقاطني القبور المُقبضة. ما يحسبونه نورًا يظلم، وما يظنونه سراجًا ينطفئ.

هذا هو نور الأشرار وسراجهم، أما نور المؤمنين الحقيقيين فهو كلمة الله، التي تبدد الظلمة، وتقيم من المؤمنين نورًا صادقًا في الرب.

v     السراج هو نور في إناء خزفي، لكن النور الذي في الإناء الخزفي هو المتعة التي في الجسد. هكذا السراج الذي فوقه ينطفئ، حيث أن المجازاة عن شره تحل فوق الشرير، وتصير اللذة الجسدية كلا شيء في القلب.

البابا غريغوريوس (الكبير)

  1. الأشرار يضلون طريق

تَقْصُرُ خَطَوَاتُ قُوَّتِهِ،

وَتَصْرَعُهُ مَشُورَتُهُ [7].

إذ يكرس الشرير كل طاقاته لحساب الخيرات الزمنية، غير مبالٍ بالبركات الأبدية، تعبر أيامه كالظل، وتُحسب خطوات عمره قصيرة للغاية، ويخرج فارغ اليدين. وإذ يبذل كل الجهد في التفكير من أجل الزمنيات، تتحول خططه إلى عدوٍ له، تفقده الحياة الحقيقية الأبدية.

v     “وتصرعه مشورته” [7]. كل إنسانٍ شرير غاية مشورته هي الزمنيات، تاركًا عنه الأبديات، فيمارس الظلم ويسخر من البرّ. ولكن عندما يأتي ديان الأبرار والظالمين، يُصرع كل شخص شريرٍ بمشورته، فإن اختياره للأمور القادمة كانت بنية شريرة، لهذا يُطرح غارقًا في ظلمة الويل الأبدي.

البابا غريغوريوس (الكبير)

v     (محبة) هذا العالم زانية، تغوي بشهوة جمالها الذين يمسكون بها ليحبوها. الإنسان الذي تمتلكه محبة العالم ويسقط في شباكها، لا يقدر أن يُخلص نفسه من حضنها حتى تُسلب نفسه. عندما يسلب العالم الإنسان من كل شيء، ويلقي به من مسكنه في يوم موته، عندئذ فقط يفهم الإنسان أنه بالحق مخدوع ومُضلَلَ[841].

v     مادام الإنسان يقترب إلى هذا العالم في طريق حياته، تقيم محبة الأمور المادية جذورها فيه. يضطرب دومًا ويقلق عليها، ومن أجلها يحارب الآخرين، وتأسره صداقة أشخاص معينين… لنتذكر هذا يا أحبائي، ولنستخف بالأمور التي هنا قدر المستطاع، بهذا ننسحب بأفكارنا تدريجيًا نحو الأمور العتيدة إن لم نضبط أنفسنا شيئًا فشيئًا، لن تكون لنا قوة لزهد الأمور الجسدية حتى نتطلع إلى الله[842]

القديس مار اسحق السرياني

v     إن كانت هيئة العالم تزول (1 كو 31:7)، فبلا شك كل ما في العالم ينتهي. الكل سيعبر. في كل يوم يصير العالم أكثر شيخوخة[843]

 الأب أمبروسياستر

  1. يسقط الأشرار في الفخاخ

لأَنَّ رِجْلَيْهِ تَدْفَعَانِهِ فِي الْفَخِّ،

فَيَمْشِي إِلَى شَبَكَةٍ [8].

تفشل مشروعات الشرير القوية وجهوده الجبارة، إذ تدفعه طرقه الخاطئة إلى الشر، لذلك لا يتمم مقاصده. كلما بذل جهدًا في مشورته، إذا به يتورط بالأكثر في الشباك، فيسرع إلى هلاكه.

v     “فإنه يضع قدمه في الشبكة، فيمشي في خيوطها” [8]. من يضع قدميه في شبكة لا يقدر أن يخرجها حينما يفكر في ذلك (إلا بطلب نعمة الله). من يسمح لنفسه أن ينحط إلى عادات الخطية لا يقدر أن يقوم منها عندما يشاء ذلك. ومن يمشي في خيوط الشبكة يعرقل خطواته في المشي. وحينما يحاول أن يحرر نفسه ليمشي، يجد نفسه مقيدًا ومربوطًا، فيعجز عن المشي. غالبًا ما يحدث أن إنسانًا تلهيه ملذات هذا العالم ليبلغ إلى أمجاد كرامته… لكنه يتعلم بنواله لها كيف أن ما يطلبه تافه. فإن رجع إلى نفسه يرى كيف انه سقط في شباك الخطية. ذات القوة التي تعرقله تمسك به ولا يقدر أن يفلت من الخطايا… عندئذ يرى في النور الحقيقي أية أربطة صعبة مُقيد بها. فإننا لا نعرف حتى أننا مقيدون بمفهومٍ سليمٍ ألا عندما نجاهد لنتحرر، فنحاول أن نرفع أقدامنا…

البابا غريغوريوس (الكبير)

وكما يؤكد كثير من آباء الكنيسة مثل القديس مقاريوس الكبير أن الخطية تحمل فسادها فيها، فالشرير المصمم على شره يهلك كثمرة طبيعية للشر محقق الفساد.

لا يحتاج الشرير إلى من يردعه ويعاقبه، إنما ما يفعله يقدم له المرارة والموت! يشرب من ذات الكأس التي ملأها لنفسه، اللهم إلا إذا ألقى بالكأس خلال تمتعه بالشركة مع مخلصه، وجهاده الجاد خلال الإرادة المقدسة في الرب.

v     إن بقيت فيما يخص التراب، فستتحول إليه في النهاية. يليق بك أن تتغير، يجب أن تتحول، يجب أن تصير سماويًا[844].

 العلامة أوريجينوس

v     صرنا جميعنا كتلة واحدة من الوحل، كتلة من الخطية. وإذ فقدنا مكافأتنا خلال الخطية فإنه في غيبة مراحم الله، لا نستحق كخطاةٍ إلا الهلاك الأبدي. أي إنسان إذًا من هذه الكتلة يظن أنه قادر أن يسأل الله، قائلاً: “لماذا خلقتني هكذا؟” إن أردت أن تعرف تلك الأمور، لا تكن وحلاً، بل كن ابنًا لله خلال رحمة ذاك إلى يعطي المؤمنين باسمه القوة ليصيروا أبناء الله[845].

v     حقًا بالخطية ننزلق إلي الموت. فإنه حيث يمنع الناموس، تكون الخطية أخطر مما لو لم يمنعها الناموس.على أي الأحوال حيث تُضاف النعمة يمكننا أن نتمم بدون صعوبة وبكامل إرادتنا ما يأمر به الناموس بشدة. إننا لسنا بعد عبيدًا للناموس بالخوف، وإنما أصدقاء وعبيد للبرّ بالحب[846].

 القديس أغسطينوس

من يأكل الخطية ويشربها يسقط في فخاخٍ، فتنحل إرادته وتضعف، ويجد نفسه عبدًا لها في مذلةٍ، لا يقدر الخلاص منها، بل يعطش إليها, لا نعجب من هذا، فإن من يستخدم المخدرات كلما استخدمها يصير بالأكثر أسيرًا في فخاخها، ويزداد بالأكثر تعلقه بها.

كثيرون يظنون أن ممارسة الخطية تقدم لهم خبرة مُرة، فيهربون منها خلال خبرتهم الشخصية المُرَّة. هذا المنطق غير سليم، فإن من يذوق الخطية، وهو يدرك هلاكها يشتهيها بالأكثر على حساب فرحه الداخلي وسلامة ومجده الأبدي. الخطية كالنار تلهب الإنسان وتحطم إرادته، فلا يقدر التحرر منها، ما لم تسنده نعمة الله الفائقة.

يُمْسِكُ الْفَخُّ بِعَقِبِهِ،

وَتَتَمَكَّنُ مِنْهُ الشَّرَكُ [9].

لا يمكن للشرير المصمم على شره وعدم الرجوع إلى الله أن ينجو من شرب كأس الشر المُرْ، وجني ثمره القاتل. هذا ما يدعوه أحيانًا الكتاب المقدس بالغضب الإلهي، أو تحقيق العدالة الإلهية. هذا ترجمة الاعتزاز بحرية الإرادة، فإذ يختار الإنسان بإرادته الشر، إنما يحفظ لنفسه ثمر الشر. “يعلم الرب أن يحفظ الأثمة إلى يوم الدين معاقبين” (2 بط 2: 9).

جاء النص في الترجمة السبعينية: “وتمسك به الفخاخ، ويقويّ الذين هم ظمأى إلى هلاكه” [9 LXX]

v     “والظمأى يحترقون بقوة ضده[847]” [9]. إذ يصطاد عدونا القديم أحدًا حيًا في فخاخ الخطية، يعطش إلى موته. يمكن أيضًا فهم هذه العبارة بمعنى آخر. إذ يرى الذهن الشرير أنه قد سقط في خطية يطلب بفكر سطحي أن يهرب من فخاخ الخطية. لكنه إذ يخشى تهديدات الناس أو توبيخاتهم يختار أن يموت أبديًا عن أن يعاني من محن بسيطة إلى حين. هكذا يُسلم الذهن نفسه بالكامل لطرق الشر حيث يرى ذاته مقيدًا بالفعل… وييأس الخاطي من عودته. بهذا اليأس عينه يحترق بأكثر شراسة في شهوات هذا العالم، فترتفع حرارة الشهوة داخله، ويلتهب الذهن الساقط في شباك الخطايا السابقة نحو عصيان أمَّر. لذلك أُضيف “والظمأى يحترقون بقوة ضده”…

المُصاب بمرض الاستسقاء، كلما شرب ازداد بالأكثر ظمأه، وكل شخصٍ طماعٍ، يضاعف من عطشه كلما شرب (من المال).

البابا غريغوريوس (الكبير)

حَبْلٌ مَطْمُورٌ لَهُ فِي الأَرْضِ،

وَمِصْيَدَتُهُ فِي السَّبِيلِ [10].

لا يكف عدو الخير المضلل عن أن يحارب البشرية بكل وسائل الخداع، فيخفي حباله وفخاخه في الطرق التي يسلكها البشر. حربه خفية ومملوء خداعًا، لا ييأس من مقاومة الخدام والشعب، الشيوخ والأطفال والشباب، والنساء والرجال، البتوليين والمتزوجين، الأغنياء والفقراء، المرضى والأصحاء. يقدم لكل واحدٍ حربًا تناسبه. لكننا إذ نتطلع إلى السماوي واهب النصرة لا نخشى حيل إبليس وخداعاته.

v     “مطمورة في الأرض فخاخهم، وحبالهم كلها في السبيل” [10 LXX]. هذه حقيقة، فإن الشيطان يُخفي الشباك في الأرض بطريقة بها يستخدم الذين ينخدعون، أي الذين يعيشون حسب حكمة العالم (1 كو 2:6 ؛ 3: 9)، وحسب شهوات الناس (1 بط 4: 2؛ 2 بط 1: 4). يضع (الشيطان) الواشي الذين حوله على السبيل، أي بكل سبل البشر. فإنه يريد أن يصطادهم ويأسرهم بكل الطرق. يصطاد البار بالبرّ الذاتي، والخاطي بجشعه. يتغنى داود متنبأ: “بسطوا حبالهم شباكًا لقدمي، وضعوا عثرة لي بالقرب من السبيل” (مز 140: 5). حتى بلدد الذي نطق بما هو مستقيم في عباراته السابقة، صار يكذب في الكلمات التالية.

الأب هيسيخيوس الأورشليمي

v     يكون فخه مطمورًا في الأرض عندما تختفي الخطية تحت الاهتمامات الأرضية، لأن عدونا، في تنفيذه لخططه، يُظهر للذهن البشري فيه اشتياق نحو المكسب الأرضي، ويخفى فخ الخطية حتى يقيد نفسه تمامًا… عدو البشرية يلقي نظرة عامة على نزعات كل فردٍ ليرى أي الشرور يتحالف معها، ويضع العدو هذه الأمور أمام وجهه، حيث يرى الذهن منجذبًا إليها. لمن لهم مزاج رقيق ومرح غالبًا ما يقترح عليهم الانحلال، وأحيانًا المجد الباطل، أما من لهم مزاج عنيف فيقترح عليهم الكبرياء أو العنف. إنه يضع الفخ حيث يرى طريق الذهن إلى أين يتجه.

البابا غريغوريوس (الكبير)

v     لقد أنذرناكم مسبقًا أن تحترسوا لئلاَّ تخدعكم الأرواح الشريرة، وتصرِفكم عن قراءة وفهم ما نقوله. فإنها تجاهد حتى تمسك بكم كعبيدٍ وخدمٍ. أحيانًا تستخدم ظهورات في الأحلام وخداعات سحرية لتُخضع كل الذين يفشلون في ممارسة جهود مضادة قوية من أجل خلاص نفوسهم.

يحثنا الله الكلمة ويقوينا حتى نبتعد عن الشياطين، ونتبع الله الحيّ وحده بابنه.

نحن الذين اِنغمسنا لمدة في الزنا، الآن نقبل الطهارة وحدها.

استخدمنا قبلاً فنون السحر، والآن نكرس أنفسنا لله الحيّ الصالح.

كان همنا فوق كل شيء أن نكسب ثروات وممتلكات، والآن نأتي بما نملكه ليصير ملكًا عامًا ليأخذ منها كل محتاجٍ.

كرهنا ودمرنا بعضنا البعض بسبب اختلاف سلوكنا، إذ كنا نرفض العيش مع من هم من قبيلة أخرى، أما اليوم فمنذ مجيء المسيح نعيش معًا في أُلفة.

اليوم نصلي من أجل أعدائنا، ونحاول أن نحث الذين يبغضوننا باطلاً أن يذعنوا لمبادئ المسيح الصالحة ولوصاياه بغية أن يشاركونا ذات الرجاء المفرح لنوال مكافأة يقدمها الله ضابط الكل[848].

الشهيد يوستين

v     الشيطان دائمًا مجتهد حتى عندما يحل به الخطر أن يفقد غنيمته[849].

v     يستطيع الشيطان أن يحطم حتى تحت مظهر التقوى. فإنه يستطيع أن يُهلك ليس فقط بأن يقود إلى الزنا، بل وأيضًا بالعكس، وذلك بالحزن المُبالغ فيه الذي يرافق التوبة عن الزنا. هذا هو عمله اللائق أن يقتنينا بالخطية، أما أن يصطادنا في الشبكة في توبتنا، فهذا عار يتحقق بخبثٍ شديدٍ، فإن التوبة هي سلاحنا لا سلاحه[850].

القديس يوحنا ذهبي الفم

v     المشكلة ليست في التعرف على خطط إبليس، بل أن يسخر بها. بولس يعرف خطط الشياطين، لا لينشغل بها، وإنما لكي لا يسقط في حبائلها[851].

 القديس ديديموس الضرير

v     “ولا عجب، لأن الشيطان نفسه يغير شكله إلى شبه ملاك نور” (2 كو 14:11)… هذه الخداعات هي ظهورات لذاك الروح الذي يطلب أن يُسقط النفوس البائسة في الشباك… ويحولها عن العبادة الحقيقية لله الحقيقي الذي وحده يمكن أن يطهر ويشفى[852].

v     أحيانًا يغير الشيطان نفسه إلى ملاك نور، لكي يمتحن أولئك الذين يحتاجون إلى الامتحان، أو ليخدع الذين يستحقون الخداع. مراحم الله العظيمة وحدها هي القادرة أن تنقذ الإنسان من الفهم الخاطئ للأرواح الشريرة، فيظنها أنها ملائكة صالحون، ومن الأصدقاء الكاذبين على أنهم حقيقيون، وتنقذه من متاعب كل الخسائر التي تحل بسبب الخداعات الشيطانية المميتة تمامًا، والتي لا يُعبر عنها[853].

 القديس أغسطينوس

  1. يسيطر الرعب على الأشرار

تُرْهِبُهُ أَهْوَالٌ مِنْ حَوْلِهِ،

وَتَذْعَرُهُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ [11].

يتحدث هنا عن الخراب نفسه المحفوظ للأشرار في العالم الآخر، والذي يحل بهم بصورة ما في هذا العالم. أول هذا الدمار هو ما يحل بقلبه من أهوال تهز كل كيانه تبلغ عند رجليه اللتين لا تحملانه. هذه الأهوال الصادرة عن شعوره بالإثم هي عربون للأهوال التي سيعانيها بعد موته.

كل ما حوله يرعبه، حتى يُقال عنه “يهرب ولا طارد” (أم 28: 1)، لأن ما يطارده ليس ما حوله بل ما هو في داخله.

“لا سلام قال الرب للأشرار” (إش 48: 22).

“طريق السلام لم يعرفوه، وليس في مسالكهم عدل. جعلوا لأنفسهم سُبلاً معوجة، كل من يسير فيها لا يعرف سلامًا” (إش 59: 8).

“ويشفون كسر بنت شعبي على عثم قائلين: سلام سلام، ولا سلام” (إر 6: 14؛ 8: 11).

“انتظرنا السلام ولم يكن خير، وزمان الشفاء، وإذا رعب” (إر 8: 15).

“من أجل أنهم أضلوا شعبي قائلين: سلام وليس سلام، واحد منهم يبني حائطًا وها هم يملطونه بالطفال” (حز 13: 10).

“أي أنبياء إسرائيل الذين يتنبأون لأورشليم و يرون لها رؤى سلام ولا سلام يقول السيد الرب” (حز 13: 16).

v     والآن فإن أولئك الذين لا يحفظون العيد… هؤلاء مُقدِمون على أيام حزن لا سعادة، لأنه “لا سلام قال الرب للأشرار” (إش 22:48). وكما تقول الحكمة إن الفرح والسعادة منتزعان عن فمهم. هكذا تكون أفراح الأشرار[854].

v     لأنه ماذا يعني العيد سوى خدمة النفس؟! وما هي هذه الخدمة إلا الصلاة الدائمة لله والشكر المستمر؟! فغير الشاكرين، البعيدين عن هذا هم بالحق محرومون من الفرح النابع من هذا، لأن الفرح والبهجة منزوعان عن أفواههم، ولذلك فإن الكلمة (الإلهية) لا تسمح لهم أن يكونوا في سلام، إذ لا سلام للأشرار قال الرب (إش 22:48)، إنما يعملون في ألم وحزن[855].

القديس أثناسيوس الرسولي

v     “تجعله الأهوال خائفًا من كل جانب”، إذ يتخيل أن كل البشر تتجه هكذا ضده فيصارع هو مع الكل.

البابا غريغوريوس (الكبير)

تَكُونُ قُوَّتُهُ جَائِعَةً،

وَالْبَوَارُ مُهَيَّأٌ بِجَانِبِهِ [12].

لا يشعر الشرير بشبعٍ، فإن ما يظنه مصدر شبعه، سواء ثروته أو كرامته أو قوته الخ. يخزيه، ويدخل به إلى الشعور بالفراغ. بجانب هذه المجاعة الداخلية يحل بالشرير خراب يقترب إليه ليسيطر عليه. “صاروا للخراب بغتة” (مز 73: 19).

جاء النص في كتابات البابا غريغوريوس (الكبير) “لتُضرب قوته بالجوع، ولتغزُ المجاعة ضلوعه” [12]…

يرى البابا غريغوريوس (الكبير) أن الإنسان وهو يتكون من نفسٍ وجسدٍ، فإن النفس تمثل العنصر القوي، بينما الجسد يمثل العنصر الضعيف. فالشرير إذ يعطي القيادة للجسد وشهواته – مهما بدا قويًا – فهو ضعيف، يفقد قوته الداخلية، وشبعه الداخلي، ويعيش في ضعفٍ ومجاعة وفراغٍ. أما الإنسان الروحي، فإذ يعطي للقيادة النفس المقدسة بروح الله، يعيش بروح القوة والشبع الداخلي، لا يعوزه شيء.

v     كل إنسانٍ إذ يتكون من نفسٍ وجسدٍ، كما لو كان قد صُنع من قوةٍ وضعفٍ. فإنه بفضل ذاك العنصر الذي به خُلق كروحٍ عاقلةٍ، فإنه ليس بغير لياقة يُدعى قويًا، أما بخصوص العنصر الخاص بكيانه الجسماني، فهو ضعيف. وهكذا قوة الإنسان في نفسه المتعقلة القادرة على مقاومة اتجاهات الشر التي تجاهه. وهكذا يُقال أيضًا بواسطة الطوباوي أيوب: “لقد قوَّيته إلى حين، حتى يعبر إلى الأبد (أي 14: 20)، حيث ينسحب الإنسان بالنفس العاقلة ليحيا أبديًا. وهكذا قوة هذا الإنسان الشرير تُضرب بالجوع حيث لا تقتات نفسه بأية وجبة طعامٍ داخليٍ تنعشه. يقول الله عن هذا الجوع بالنبي: “سأرسل مجاعة في الأرض، ليست مجاعة خبز، ولا عطش إلى ماء، بل مجاعة استماع كلمة الرب” (راجع عا 8: 11).

حسنًا أضيف: “تغزو مجاعة ضلوعه”… ضلوع كل أحدٍ هي حواس ذهنه التي تسبح حول أفكاره الخفية. لذلك تغزو المجاعة ضلوعه عندما يُنزع كل القوت الروحي، وتضعف حواس الذهن، ولا تقدر أن تتحكم في أفكارها ولا أن تحميها.

البابا غريغوريوس (الكبير)

v     قد يظن أحد أن شعب إسرائيل غني، إذ لهم التبني كأبناء، والعبادة الإلهية، والوعود والآباء. على أي الأحوال، لقد صاروا فقراء بسبب خطاياهم ضد الرب. “وأما طالبو الرب فلا يعوزهم شيء من الخير” (مز 10:34). لقد صاروا في عوزٍ إلى القوت بنوعٍ معين، ويعانون من الجوع. لأنهم إذ قتلوا خبز الحياة حلٌ عليهم الجوع للخبز… لقد احتاجوا وجاعوا[856].

 القديس باسيليوس الكبير

v     عندما كان يوسف في الثلاثين من عمره تقريبًا، تحرر من القيود، وفسٌَر حلم فرعون. لقد صار حاكمًا لمصر. وفي زمان الرخاء جمع القمح حتى يقوم بتوزيعه في زمن المجاعة. أعتقد أن عمر يوسف الثلاثين جاء مقدمًا كرمز لعمر المخلص الثلاثين. فإن يوسف الثاني هذا لم يجمع حنطة من ذات التي جمعها يوسف الأول في مصر. يجمع يسوع الحنطة ويقوم بتوزيعها عندما تحل المجاعة بمصر، “ليست مجاعة خبز، ولا عطش إلى ماء، بل مجاعة استمتع كلمة الرب” (عا 11:8)[857].

 العلامة أوريجينوس

يَأْكُلُ أَعْضَاءَ جَسَدِهِ.

يَأْكُلُ أَعْضَاءَهُ بِكْرُ الْمَوْتِ [13].

يقترب الموت إلى الشرير فيأكل أعضاء جسمه، أي يدخل به إلى الفساد. أما الأبرار فيُعد الموت لهم المجد الأبدي، حيث يشارك الجسم النفس أمجادها.

جاء النص في كتابات البابا غريغوريوس (الكبير) “ليتها تزيل جمال جلده، وليبدد الموت البكر ذراعيه”. ما هو جمال جسده إلا المجد الزمني، فإنه يؤكل ويزول، لأنه جمال على جلد خارجي، ليس به موضع في الأعماق الداخلية. أما الصديقون فقد قيل عنهم: “مجد ابنة الملك من الداخل” (مز 13:45). وقيل في زكريا النبي: “وأكون مجدًا في وسطها” (زك 5:2).

هذا ولا يقف الأمر عند فناء المجد الزمني، وإنما يحل الموت بالنفس البشرية، حيث تعتزل الله مصدر حياتها وقيامتها. يقتل الموت الروحي ذراعي النفس، أي يجعلها عاجزة عن العمل!

v     “جمال جلده” هو المجد الوقتي الذي يشتهيه كأمرٍ خارجيٍ بالنسبة لنا، ويبقى كجمالٍ على الجلد…

وما هو الموت إلا الخطية التي تقتل النفس في حياتها الداخلية؟ لذلك مكتوب: “مطوّب ومقدس من له نصيب في القيامة الأولى” (رؤ 20: 6). بهذه القيامة يتمتع الشخص فيما بعد بقيامة مفرحة في الجسد، هذا الذي وهو في هذه الحياة يقوم ثانية من موت نفسه…

البابا غريغوريوس (الكبير)

v     “مجد ابنة الملك من الداخل” (مز 13:45), إذ يتحرك إلى مستوى الذهن، يكتشف جمال النفس[858].

 القديس يوحنا ذهبي الفم

  1. يُطرد الأشرار من خيامهم

يَنْقَطِعُ عَنْ خَيْمَتِهِ،

عَن اعْتِمَادِهِ،

وَيُسَاقُ إِلَى مَلِكِ الأَهْوَالِ [14].

الإنسان الذي يعيش في هذا العالم من أجل الجسد وشهواته، يفقد حتى هذا الجسد، أو هذه الخيمة، ويحل عليه الموت لا كعبورٍ مفرحٍ إلى السماء، وإنما “كملك الأهوال”.

يؤخذ منه كل ما اعتمد عليه كسيدٍ له، ولا يبقى له شيء مما يعتمد عليه، حتى خيمته. كانت نفسه هي اعتماده، لكنها تُستأصل من خيمة الجسد، فلا يكون للجسد سند قط. هذا ما قيل للغني الغبي: “تُطلب نفسك منك” (لو 12: 20).

جاء النص في كتابات البابا غريغوريوس (الكبير) “لتُقتلع ثقته من خيمته، وليطأ الموت عليه كملكٍ”. ويرى أن الموت هنا هو الشيطان الذي يسلم الشرير نفسه له ويخضع له كملكٍ، كما يشير إلى الخطية التي تذِّل الشرير وتستعبده.

v     يشير لقب “الموت” في هذا الموضع إلى (إبليس) عدو الجنس البشرى نفسه الذي جلب الموت. لقد انتشر بخادم معين من قبل (العدو)، هذا الذي قيل عنه ليوحنا: “واسمه الموت” (رؤ 6: 8). هكذا يطأ هذا الموت على الشرير كملكٍ، وذلك في يوم رحيله من هنا. فذاك الذي خدعه قبلاً بإغراءات رقيقة، يحمله في النهاية إلى العقوبة في سلاسلٍ بعنفٍ، ويحدره بقسوة، مقيدًا إياه بقوة، بأعمال شريرة.

وهنا أيضًا إذ يقتني الموت قلب الخاطى المفقود، يطأ عليه، في ذات الوقت الذي يضغط عليه بالشعور باللذة. وكأنه يضع عليه قدمي سلطانه الطاغي.

ولكن إن فهمنا بالموت ليس إبليس في صراحة بل الخطية، حيث ثمرتها هي الموت في يوم الدينونة، فبالحق مثل هذا الموت يطأ على الذهن كملكٍ، عندما يملك شخصًا دون مقاومة منه. فإن تجربة الخطية لا يمكن أن تكون بعيدة من إنسانٍ قائم في هذه الحياة. لكن مقاومة تجارب الخطية شيء، والاستعباد لطغيانها علينا شيء آخر. هكذا فإن الإنسان الشرير، إذ لا يتعلم مقاومة اغراءات الخطية، ولا يخشى الخضوع لسلطانها بحق، يُقال عنه: “الموت كملكٍ يطأ عليه”. إنه مُلك هذا الموت الذي كان بولس يتحفظ منه ألا يسيطر على قلوب تلاميذه، عندما قال: “لا تملكن الخطية على جسدكم المائت” (رو 6: 12).

البابا غريغوريوس (الكبير)

v     الذين يعيشون في الملذات يهابون الموت، أما الحزانى فيترجونه لكي يرحلوا سريعًا.

الأغنياء يهابون الموت، والفقراء يشتهونه لكي يستريحوا من أتعابهم.

الأقوياء يرتعبون عندما يذكرونه، والمرضى يتطلعون إليه في رجاءٍ ليستريحوا من آلامهم[859].

الأب أفراهاط

v     من يحب الأرضيات وشهواتها لا يفكر في أن يكون مع المسيح بعد انتقاله، ولا يقدر أن يقول: “غريب أنا على الأرض“، إذ هو مهتم بما للأرض. أما من يقول “لا تخفِ عني وصاياك” فهو قديس… لذلك يطلب النبي من الله أن يكشف له عظائم وصاياه للحياة السماوية[860].

العلامة أوريجينوس

v     بالتأكيد يخاف من الموت، ذاك الذي لم يُولد من الماء والروح، حيث يُسلم إلى نيران جهنم.

يخاف من الموت، من لم يختبر صليب المسيح وآلامه.

يخاف من الموت، من ينتظر بعد الموت موتًا آخر.

يخاف من الموت، ذاك الذي تنتظره نيران الأبدية والعقاب غير المتناهي.

يخاف من الموت، من يجد نفعًا في تأجيل موته حتى تتأخر تنهداته وتأوهاته[861].

الشهيد كبريانوس

يَسْكُنُ فِي خَيْمَتِهِ مَنْ لَيْسَ لَهُ.

يُذَرُّ عَلَى مَرْبِضِهِ كِبْرِيتٌ [15].

خُلق الله الإنسان ليكون مستودع حبه وحنوه ونعمته الغنية وصلاحه، أما إذا أصر الإنسان على رفض الالتصاق بالله، فتحل اللعنة في خيمته، حيث يصير جسده كما نفسه مسكنًا لعدو الخير الذي يغتصب ما ليس ملكًا له. يتحول الإنسان إلى مربضٍ لإبليس يستقبل الكبريت والنار مثل سدوم وعمورة، عوض كونه هيكلاً مقدسًا لله.

يري القديس مقاريوس إن الإنسان الداخلي إما أن يكون أرضًا يسكنها الله كمقدسٍ له، أو يحتلها عدو الخير فيجعلها أرضه، وتصير شيطانية. وهو يقصد بالأرض “المسكن”.

v     “لينتشر الكبريت على مسكنه” [15]. ما هو الكبريت إلا الوقود الذي يلهب النار، ويبعث منها رائحة نتنة جدًا. ماذا إذن نفهم من الكبريت سوى الخطية الجسدية، هذه التي وهي تملأ الذهن بالأفكار الشريرة، مثل نوع من الرائحة الفاسدة تلهب نارًا أبدية لها. وبينما ينتشر سحب رائحتها في النفس الضائعة تكون كمن تقدم وقودًا للهيب هلاكها. بهذا تُفهم رائحة الجسد الكريهة بأنها كبريت.

يسجل لنا تاريخ الكتاب المقدس نفسه ذلك، حيث يروي لنا أن الرب أمطر نارًا وكبريتًا على سدوم (تك 19: 14)… هكذا “لينتشر الكبريت على مسكنه“.

الإنسان الشرير بالتهاون المفسد مع الجسد الذي يمارس سلطانًا في داخله، تشغله الأفكار الشريرة بغير انقطاع، وتمنعه عن إنتاج ثمر عملٍ صالحٍ. لذلك بحقٍ قيل: “لتجف جذوره من أسفل، وليفسد محصوله من أعلى” [16].

البابا غريغوريوس (الكبير)

v     توجد أرض تسكنها الوحوش، وأرض في الهواء تتحرك فيها الطيور وتعيش. فإذا أرادت الطيور أن تقف وتسير علي الأرض يقتنصها الصيادون. وللأسماك أيضًا أرض، هي مياه البحر. المكان الذي يولد فيه أي كائن، سواء علي الأرض أو في الهواء ففيه يعيش، وفيه يقتات، ويجد لذته وراحته.

بنفس الطريقة توجد أرض للشيطان وبيت له، تعيش فيه قوات الظلمة وأرواح الشر. عليها تتحرك وتجد راحتها. كما توجد أرض نورانية هي أرض اللاهوت، حيث تصعد معسكرات الملائكة والأرواح المقدسة وتهبط عليها وتجد فيها راحتها.

لا يمكن لأعين الجسد أن تري الأرض المظلمة ولا أن تلمسها، هكذا أيضًا بالنسبة للأرض النورانية التي هي أرض اللاهوت… أما بالنسبة للروحانيين فتنكشف بعيون قلوبهم الأرض الشيطانية التي للظلمة وأرض اللاهوت[862].

القديس مقاريوس الكبير

v     ينبغي أن تعرفوا بأننا نصير أجسادًا لهم (الشياطين) حينما تقبل نفوسنا أفكارهم المظلمة الشريرة، وعندما يصيرون هم ظاهرين بواسطة جسدنا الذي نسكن فيه[863].

القديس أنبا أنطونيوس الكبير

v     لا تكن رفيقًا للمخاصمين، لئلا تسكن جوقة الشياطين في بيتك.

احذر من الحقود، لأنه شيطان متجسد[864].

الشيخ الروحاني (يوحنا الدّلياتي)

v     واضح أن الأرواح النجسة لا تقدر أن تجد لها طريقًا في أجساد من اغتصبتهم بأية وسيلة ما لم تملك أولاً علي عقولهم وأفكارهم، فتسلب منهم مخافة الله وتذَّكره والتأمل فيه، وبهذا تتجاسر فتتقدم إليهم كمن هم بلا حصانة إلهية، وتقيدهم بسهولة، وتجد لها موضعًا فيهم، كما لو كان لها حق الملكية عليهم[865].

الأب سيرينوس

يرى البعض أن بلدد سمع عن النار التي نزلت من السماء وأحرقت غنم أيوب وخدمه، فحسب أن أيوب بكل ممتلكاته قد بلغ في شره ما بلغته سدوم وعمورة، واستحق نيران غضب الله لتحرق ما لا يستحقه أيوب أو ما اغتصبه، إذ كان يسكن في بيتٍ ليس له.

v     (الإنسان التقي) لا يتغير جمال فضائله بموتٍ همجي. فالصحة التي تُجلب إليه بصلواته، لا تُنزع من خيمته (جسده)، مادام بالفعل يكون غنيًا في ممارسة الأعمال الصالحة، وإن ضاع غناه يبقى مشرقًا ببهاء البرّ خلال صبره…

“يتبدد سموه بالكبريت”. هذا ما حدث بالحقيقة للخطاة في سدوم وعمورة، فإن ما حدث جزئيًا للأشرار (في سدوم وعمورة) يتوقع الأشرار الآخرون أن يحدث لهم في هذا العالم الحاضر أو العالم العتيد.

الأب هيسيخيوس الأورشليمي

  1. نزع ذكر الأشرار

مِنْ تَحْتُ تَيْبَسُ أُصُولُهُ،

وَمِنْ فَوْقُ يُقْطَعُ فَرْعُهُ [16].

حين يفقد الإنسان بإصراره على الشر غنى نعمة الله الفائقة، يصير كمن تجرد من أصوله، أي من آبائه المباركين، فيكون كشجرة يبست جذورها لا حياة بعد فيها. وأيضًا يفقد نسله كشجرةٍ يبست فروعها، فلا يكون فيها ثمر. هذا ما سقط فيه أشرار كثيرون، مثل يربعام وبعشا وآخاب، ولم يبقَ واحد من نسلهم حيًا.

إن كانت قد يبست جذورنا، فقد قدم السيد المسيح نفسه أصلاً يفيض في داخلنا بحياته الإلهية، وتنتعش أغصاننا لتحمل ثمر روحه القدوس من محبة وفرح وسلام وطول أناة ولطف وصلاح وإيمان ووداعة وتعفف (غل 5: 22-23).

جاء النص في كتابات البابا غريغوريوس (الكبير)لتجف جذوره من أسفل، وليفسد محصوله من أعلى”.

v     ماذا نفهم بلقب “جذوره” المختفية عن البصر، التي تنبت فرعًا يُرى علانية، إلا الأفكار غير المنظورة في القلب، هذه التي تُنتج أعمالاً منظورة؟ وهكذا أيضًا بلقب “المحصول” يشير إلى تلك الممارسة المنظورة التي تنتج عن الجذر الخفي… الإنسان الشرير يضع أفكاره في الأمور السفلية، ويتجاهل طلب ملذات الاخضرار الأبدي، وما هو هذا إلا أنه يترك “جذوره تجف من أسفل”؟ “ليفسد محصوله من أعلى”، حيث أن صبره يُحسب كلا شيء في نظر السماء، حتى وإن حُسب صالحًا في عيني الإنسان. هكذا فإن الجذور من أسفل، والمحصول من أعلى، وذلك بأن نرسل أولاً الأفكار الصالحة هنا، حتى نتأهل يومًا ما لنوال ثمر أعمالنا الصالحة في مكافأة أبدية.

البابا غريغوريوس (الكبير)

ذِكْرُهُ يَبِيدُ مِنَ الأَرْضِ،

وَلاَ اسْمَ لَهُ عَلَى وَجْهِ الْبَرْ [17].

ليس ما يشغل ذهن إبليس مثل المجد الباطل، فبسببه تمرد على الله وسقط. وبسببه يحارب بني البشر ظانًا أنه يملك على قلوبهم وأفكارهم، ويدوم ملكه عليهم إلى الأبد.

يتشبه أولاده به، فيطلبون المجد الزمني، ويظنون أن العالم يخلد أسماءهم، مقدمين كل عملٍ بشري يثبت ذكراهم عبر التاريخ. لكن الشر يمحو اسمهم من سفر الحياة. وإذ يُحذف اسم الشرير من سفر الحياة في السماء تُدفن كرامته في التراب، ولا يحمل اسمه إلا الاحتقار والاستخفاف حتى على الأرض، “لا اسم له على وجه البَرْ“. ينال هنا عربون الخزي الأبدي والفضيحة التي يواجهها في يوم الرب العظيم. “ذكر الصديق للبركة، واسم الأشرار ينخر” (أم 10: 7).

قيل عن الأشرار:

“العدو تم خرابه إلى الأبد، وهدمت مدنًا، باد ذكره نفسه” (مز 9: 6).

“لأنه مُطالب بالدماء ذكرهم، لم ينسَ صراخ المساكين” (مز 9: 12).

“وجه الرب ضد عاملي الشر، ليقطع من الأرض ذكرهم” (مز 34: 16).

“لتكن أمام الرب دائمًا، وليقرض من الأرض ذكرهم” (مز 109: 15).

“لأن الأحياء يعلمون أنهم سيموتون، أما الموتى فلا يعلمون شيئًا، وليس لهم أجر بعد، لأن ذكرهم نُسي” (جا 9: 5).

“سيسقطون من بعد سقوطًا مهينًا، ويكونون عارًا بين الأموات مدى الدهور، فإنه يحطمهم صامتين مطرقين برؤوسهم، ويقتلعهم من أسسهم، ويتم خرابهم، فيكونون في العذاب، وذكرهم يهلك” (الحكمة 4: 19).

“اقحل بعضها وأباد سكانها، وأزال من الأرض ذكرهم” (سيراخ 10: 20).

وقيل عن الأبرار:

“ذكره لا يزول، واسمه يحيا إلى جيل الأجيال” (سيراخ 39: 13).

“ليكن ذكرهم مباركًا، ولتزهر عظامهم من مواضعها” (سيراخ 46: 14).

“ونحميا يكون ذكره طول الأيام، فإنه أقام لنا السور المنهدم، ونصب الأبواب والمزاليج، ورم منازلنا” (سيراخ 49: 15).

v     “لتُنزع ذكراه عن الأرض ولا يوجد اسمه في أماكن عامة” (LXX). واضح أن هذا يخص الذين يلزم أن يقطنوا في هذه الظلمة، هؤلاء الذين عيَّنهم المسيح (ليكونوا في الظلمة الخارجية – مت 8: 12 ؛ 25: 30)، هؤلاء الذين يشتركون في العرس بثياب قذرة، فيقول الملك: اربطوا يديه وقدميه… واطرحوه في الظلمة الخارجية، حيث البكاء وصرير الأسنان فإن كثيرين يدعون وقليلين يختارون (راجع مت 22: 13-14)..

“واسمهم لا يُوجد”، لأن الأشرار يُطردون من أرض الأبرار، ويؤخذون ليكونوا مع الذين مُحيت أسماؤهم إلى الأبد (تث 32: 26). لهذا ترنم داود في موضع آخر على القيثارة: “محوت اسمهم إلى أبد الأبد” (مز 9: 6).

الأب هيسيخيوس الأورشليمي

v     “ذكره يبيد من الأرض، ولا اسم له يتردد في الشوارع”. يليق بنا ملاحظة أن بلدد الشوحي عبَّر عن نفسه بخصوص كل واحدٍ من الأشرار، بحيث توجه كلماته سريًا ضد رئيس كل الأشرار. فإن رئيس الأشرار هو الشيطان. يدخل بشخصه في آخر الأزمنة في إناء الهلاك هذا إلى يُدعى “ضد المسيح”، والذي يسعى أن ينشر اسمه في كل موضعٍ. كل شخص، حتى الآن، يشَّبه نفسه بضد المسيح عندما يجاهد أن ينشر ذكر اسمه الأرضي خلال مجد مديحه والتعالي بشهرة زمنية. لهذا ليت هذا الكلمات يفهمها كل شخصٍ شريرٍ، ولتشر أيضًا على وجه الخصوص إلى رئيس الأشرار نفسه.

البابا غريغوريوس (الكبير)

  1. دمار تام للأشرار

يُدْفَعُ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلْمَةِ،

وَمِنَ الْمَسْكُونَةِ يُطْرَدُ [18].

يُدفع الشرير مما يظنه نورًا في هذا العالم بسبب ما ناله من الراحة إلى ظلمة القبر، ومنها إلى الظلمة الخارجية، حيث “لا يعاينون النور إلى الأبد” (مز 49: 19)، ولا يكون لهم رجاء قط.

يُطرد الشرير من المسكونة، أي من ملذات العالم الذي كان يظن أنها مسكونة، فيخرج كما مع أبويه الأولين آدم وحواء من الجنة. هكذا يُطرد من حجال العريس السماوي حيث لا موضع له، ويبقى في الظلمة الخارجية أبديًا.

v     “محوت اسمهم إلى الدهر والأبد” (مز 9: 5). إنك تدَّمرهم تمامًا، تستأصلهم من أصولهم، وتمحوهم فتختفي ذكراهم أيضًا… “باد ذكرهم بتحطيم” وفى نص آخر “باد ذكرهم معهم“. ماذا يعني بقوله: “بتحطيم”؟ إنه يتحدث عن تدميرٍ تامٍ، أو عن بشاعة الشرور. وهذه في الواقع علامة عناية الله، أنه لا يفعل هذا سرًا، حتى يُصلح من حال الناس خلال مصائب الآخرين. لذلك يشير إلى شهرة الدمار الذي يحل بهم[866].

القديس يوحنا الذهبي الفم

v     “عينا الرب نحو الصديقين وأذناه إلى صراخهم” (مز 34: 15)… ربما تقول: لقد صرخت إليه، ولكني لازلت في محنة. فقط تمسك بطرقه، وعندما تكون في محنة يسمع لك.

هو طبيب، ويقدم لك نوعًا من التطهير. إنك تصرخ، لكنه يبقى يقطع ولا يرفع يده حتى يقطع حسب مسرته. فإن الطبيب الذي يسمع للشخص ويتوقف عن أن يجرح ويطهر إنما هو قاسي.

الأمهات تواصلن في استحمام أطفالهن من أجل صحتهم. أما يصرخ الأطفال بين أياديهن؟ هل هؤلاء قاسيات لأنهن لا يتوقفن ولا يبالين بدموع أطفالهن. ألسن مملوءات حنانًا؟… هكذا فان الله أيضًا مملوء حبًا، لكنه يبدو كمن لا يسمع. إذ لا يتوقف حتى يشفينا أبديًا.

ربما يقول الشرير، إنني أفعل الشر وأنا في أمان، لأن عيني الرب ليست نحوي، إنما الرب يصغي للأبرار، وليس لي، أفعل ما أريد وأنا في أمان. إذ يرى الرب أفكار البشر قيل: “وجه الرب ضد عاملي الشر، ليقطع من الأرض ذكرهم” (مز 34: 16)[867].

القديس أغسطينوس

v     “يدفعه من النور إلى الظلمة” [18]. يُدفع الإنسان من النور إلى الظلمة عندما يسقط تحت دينونة أبدية بسبب محبة نوال كرامة الحياة الحاضرة.

البابا غريغوريوس (الكبير)

ظن بلدد وأصدقاؤه أن اسم أيوب سيُباد عن الأرض، لأنه شرير. هكذا أيضًا أراد اليهود إبادة اسم يسوع بصلبه، ليقوم عوضًا عنه اسم اللص باراباس. لكن باد اسمهم وبقي اسم يسوع ممجدًا، وسيتمجد إلى الأبد. وما وُجِّه ضد أيوب وضد السيد المسيح يبقى العالم يوجهه ضد الكنيسة لكي يُباد اسمها من الأرض، مقدمًا اتهامات مستمرة ضدها. لكن تبقى الكنيسة العروس المقدسة، تشهد حياتها لغنى نعمة الله الفائقة، وتتمتع بشركة المجد أبديًا.

لاَ نَسْلَ وَلاَ ذُرِّيَّةَ لَهُ بَيْنَ شَعْبِهِ،

وَلاَ بَاقٍ فِي مَنَازِلِهِ [19].

الإنسان الروحي شاهد حي لإنجيل المسيح، يقتني الكثيرين كنسلٍ له في الرب. فالرسول يوحنًا يدعوالذين يخدمهم “يا أولادي”. ويتحدث الرسول بولس عن تلميذه أنسيموس قائلاً: “الذي ولدته في قيودي” (فل 10). أما الشرير فحتى وإن كان له أبناء كثيرون حسب الجسد، لكنه يكون بلا ابن ولا حفيد يتمتع بثروةٍ ما ويحمل اسمه وذكراه.

يرى البابا غريغوريوس (الكبير) أن هذا القول لا ينطبق على أيوب البار، إنما على إبليس الشرير، كما ينطبق على ضد المسيح الذي يظن أنه يملك على العالم كله.

ينطبق هذا القول على كل الأشرار، خاصة يهوذا الذي خان سيده من أجل محبته للفضة، فقد قيل عنه: “لأنه مكتوب في سفر المزامير لتصر داره خرابًا، ولا يكُن فيها ساكن، وليأخذ وظيفته آخر” (أع 1: 20).

“العدو تمَّ خرابه إلى الأبد” (مز 9: 6).

“لتصر دارهم خرابًا، وفي خيامهم لا يكن ساكن” (مز 69: 25).

v     “لا نسل ولا عقب له بين شعبه، ليس من بقية له في جوانبه” [19]. فإنه مكتوب أن الرب يسوع: “يبيده بنفخة فمه، ويبطله بظهور مجيئه” (2 تس 2: 8). وهكذا إذ ينتهي شره في نفس الوقت مع نهاية العالم “لا يكون له نسل وسط شعبه”، حيث يُدفع هو وشعبه معًا على ذات المستوى إلى العقوبة. كل الأشرار الذين سلكوا في الشر بناء على نصيحته الشريرة يُضربون ببهاء مجيء الرب بخرابٍ أبدي، مع رئيسهم هذا (الشيطان). لا يكون له نسل يبقى في العالم، حيث ينهي الديان العادل شرور هذا في وقتٍ واحدٍ مع نهاية العالم. الآن تُفهم هذه الكلمات على أنهما خاصة بضد المسيح حيث أضيف إليها: “يتعجب من أيامه المتأخرون، ويقشعر الأقدمون” [20].

البابا غريغوريوس (الكبير)

v     “لكن الغرباء يسكنون في موضعه” [19 LXX]. قد أُعدت بركات الدهر الآتي بالكلية للجميع، إن أرادوا السير في سبيل الله (مز 25: 10). قد أُعدت المواضع هناك للكل (يو 14: 2-3)، إن أرادوا أن يكونوا يقظين. لكن يمكنهم أن ينفتحوا لتدخل فيهم (الشياطين أو الخطايا) الذين لا يسلكون طريق الله. لهذا قال:“الغرباء أيضًا يعيشون في موضعه”، بمعنى أن الذين يسلكون طريق الله يعيشون بعيدًا عن الأشرار (الأرواح الشريرة).

الأب هيسيخيوس الأورشليمي

يَتَعَجَّبُ مِنْ يَوْمِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ،

وَيَقْشَعِرُّ الأَقْدَمُونَ [20].

إذ تحل بالشرير اللعنة ويسقط في تغيير مُر مفاجئ لم يكن يتوقعه أحد، ولم يسمع عنه السابقون له كما اللاحقون، في دهشة يصرخون: “يا رب ما أهيب أحكامك؟” (مز 66: 3).

عنصر المفاجأة لما سيحل بالأشرار خاصة في يوم الدينونة يدهش له الأبرار السابقون له، وأيضًا المعاصرون له. فإنه مهما وُصف التعب الذي يحلَ بهم لا يُمكن أن يعَّبر عما سيعانون منه. وبنفس الطريقة بالنسبة للأبرار حيث لا يمكن لذهن إنسانٍ أن يتخيل المجد المُعد لهم.

ولعله وهو يتحدث هنا عن الأشرار يتكلم عن أخطرهم وهو ضد المسيح الذي يظهر كملكٍ صاحب سلطانٍ، تخضع له شعوب كثيرة، ويسيطر على منافذ العالم، لكنه فجأة ينهار حيث يرسل الله عونًا لكنيسته، ويحل الدمار بضد المسيح.

v     “يتعجب من أيامه المتأخرون، ويقشعر الأقدمون” [20]. فإنه سينحل (الشيطان) ليقف ضد الأبرار بشرٍ هذا مقداره، حتى أن قلوب المختارين تُضرب برعبٍ ليس بقليل. مكتوب: “حتى يضلوا لو أمكن المختارين أيضًا” (مت 24: 24). قيل هذا بوضوح ليس لأن المختارين سيسقطون، وإنما لأنهم سيرتعبون بمخاطرٍ مرعبةٍ.

البابا غريغوريوس (الكبير)

v     “يئن المتأخرون في أعماقهم من أجله، وتمسك الدهشة بالأقدمين” [20]. يدعو بلدد الذين يتأهلون لنوال الأجرة في الساعة الحادية عشر (مت 20: 9)، خلال التوبة بالمتأخرين. بحق يتنهدون على الأشرار، متسائلين في أنفسهم لماذا لم يشتهِ هؤلاء أيضًا أن ينالوا الرخاء الروحي خلال التوبة النافعة.

وتمسك الدهشة بالأقدمين”، هؤلاء الذين من البداية تمموا وصايا الله… بمعنى كيف أنه حتى في نهاية الزمن لم يذعن هؤلاء (الأشرار) لوصية الله.

الأب هيسيخيوس الأورشليمي

إِنَّمَا تِلْكَ مَسَاكِنُ فَاعِلِي الشَّرِّ،

وَهَذَا مَقَامُ مَنْ لاَ يَعْرِفُ اللهَ [21].

هذا ما يحل بمساكن الأشرار من خرابٍ ودمارٍ، وبؤسٍ وشقاءٍ. “الذين لا يعرفون الله تنتظرهم النقمة” (2 تس 1: 8). ما هو مسكن الأشرار الذين أصروا على عدم معرفتهم لله، سوى جهنم الأبدية.

يقول القديس هيبوليتس Hippolytus   في مقاله Against Plato, on the Cause of the Universe ، إن كان هذا العمل أصيلاً، ُتقاد النفوس بعد الموت بواسطة ملاك حارس إلى الجحيم، إلى موضعٍ متسعٍ ومظلمٍ، تبقى هناك حتى يوم القيامة، بعضها نفوس شريرة تستحق العقوبة المؤقتة على شرها[868]، كعربون للعقوبة الأبدية التي تنتظرهم. إنها تبقى بجوار بحيرة النار التي هي جهنم، ترى لهيبها، وتشتم دخانها، وتمتلئ رعبًا من أجل الدينونة القادمة[869]، أما الأبرار فيُقادون إلى مكان أكثر بهاء، وأكثر بهجة من العالم السفلي يدعى “حضن إبراهيم” حيث يتمتعون بالشركة مع الملائكة والبطاركة (الآباء)، ويفرحون برؤية المكافأة المقبلة[870].

لم يرد القديس يوحنا الذهبي الفم أن يتحدث عن موضع  جهنم سوى أنها “خارج هذا العالم”[871]. لكنه تحدث في شيء من التفصيل عن لعناتها. ففي إحدى عظاته يقول عنها:

[إنها بحر من النار، ليس بحرًا من ذات النوع بالأبعاد التي نعرفها هنا، بل أعظم وأعنف، بأمواج نارية، نيران غريبة مرعبة. توجد هناك هوة عظيمة مملوءة لهيبًا مرعبًا. يمكن للإنسان أن يرى النار تخرج منها من كل جانب مثل حيوان مفترس…

هناك ليس من يقدر أن يقاوم، ليس من يقدر أن يهرب.

هناك لا يُرى وجه المسيح الرقيق واهب السلام في أي موضع.

وكما أن الذين صدر عليهم الحكم بالعمل في المناجم هم أناس عنفاء، لا يرون بعد عائلاتهم، بل الذين يسخرونهم، هكذا يكون الأمر هناك، ولكن ليس بالأمر البسيط هكذا، بل ما هو أردأ بكثير. لأنه هنا يمكن أن يقدم الإنسان التماسًا للإمبراطور طالبًا الرحمة، وقد ُيعفي عن السجين، أما هناك فلن يحدث هذا. إنهم لن يخرجوا بل يبقوا، يحتملون عذابات لا يمكن التعبير عنها[872].]

مرة أخرى يقول إن النيران هناك لا تفني الإنسان، ولا تعطى نورًا، بل تحرق على الدوام[873]. إذ تتحول الأجساد المقامة الُمدانة إلى عدم الفساد لهذا تبقى تعانى العذابات أبديًا[874].

يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن درجات العذابات في الجحيم مختلفة، تعتمد على مدى خطايا الإنسان[875]، لكن الكل يسقط تحتها أبديًا[876]. يقول أيضًا إن الله يعد جهنم، حتى لا ُيلقى أحدًا فيها[877].

v     مستحيل أن يكون عذابات جهنم غير موجودة[878].

v     هذه العذابات ليست لمجرد تحقيق العدل الإلهي، لكنها وضعت لحث البشرية على التوبة والامتناع عن الخطية[879].

v     إن كان الله يهتم ألاّ نخطئ وإن ندخل في متاعب كهذه لتصحيحنا، فواضح أنه يعاقب الخطاة ويكلل الأبرار[880].

القديس يوحنا الذهبي الفم

v     أتعجب كيف أن الإنسان يستهين بالنار في يوم الدينونة. يخافون من لهيب الفرن، ولا يبالون بنار جهنم، وكأنها لا شيء. لماذا هم هكذا عديمو الحس وغافلين عن الأمر؟ لماذا قلوبهم منحرفة إلى هذا الحد؟[881]

القديس أغسطينوس

v     “هل هذا أيضًا هو موضع الذين لا يعرفون الرب؟” [21 LXX]. من هم هؤلاء الذين لم يقبلوا هذا (الموضع)؟ وكيف؟ يعلن لنا الابن الوحيد هذا (الموضع) بوضوح: “اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المُعدة لإبليس وملائكته، لأني جعت فلم تطعموني، عطشت فلم تسقوني” (مت 25: 41-42)… لكنكم لا تشكون أن بلدد استطاع أن يفهم ذلك أو ينطق به، لأن الناموس الطبيعي يُعلن حكم الله. كل البشر، حين يقبلون في حياتهم الناموس الطبيعي بطريقة سليمة يعرفون ما ينتظره الأبرار وما ينتظره الخطاة. وأيضًا الذين يعصون لا يمكنهم أن يعتذروا أمام الديان العظيم المهوب. لكن بلدد يستحق اللوم والاحتقار بالأكثر لأن مع معرفته ما هو للأشرار خلطهم بأيوب بطريقة خسيسة. إنه بهذا يشبه الذين يدعون الزناة عفيفين، والجشعين أبرارًا، والمرائين متواضعين…

أما بالنسبة لنا فلنميز الصالحين عن الطالحين، وإذ نمدح الأبرار نقدس كلماتنا ونطهر قلوبنا. وفى نفس الوقت لنكرس أجسادنا ونفوسنا وهياكل نفوسنا بغيرتنا مع تقديرنا للأبرار وتمجيدنا لله، الذي يُسر بكرامة خدامه. له المجد على دهر الدهور. آمين.

الأب هيسيخيوس الأورشليمي

v     صرير الأسنان (كما وصفه الرب في جهنم الأبدية) ليس صرير أسنان جسدية، وليس الدود أيضًا جسديًا. لم تكتب هذه الأمور إلا لأن الدود يظهر مع الحمى الشديدة (المرض)، وكذلك من لا يتوب ويطهر من خطاياه سوف يحترق في ناره ويأكله دوده (أعماله). ولهذا كتب إشعياء سيروا في نيرانكم، والشرار الذي أوقدتموه (إش 50: 11). إنها نيران كآبة الخطية ونتيجتها. إنها كدودٍ، لأن خطايا النفس تطعن العقل والقلب، وتأكل أحشاء الضمير[882].

القديس أمبروسيوس

v     “بالتأكيد، تلك هي مساكن الأشرار، وهذا مقام من لا يعرف الله” [21]. فقد قال قبلاً: “يدفعه من النور إلى الظلمة، ومن المسكونة يُطرد” [18]. ويلحق بمآسيه الآتي: “بالتأكيد، تلك هي مساكن الأشرار، وهذا مقام من لا يعرف الله”. هذا الذي يفتخر الآن بأنه لا يعرف الله يُدفع إلى مسكنه، عندما يقحمه شره إلى الويلات، فيجد نفسه يومًا ما في ظلمة موضعه، بينما جعل من نفسه سعيدًا هنا في نور الأبرار المزيف، فكان يحتل مكان غيره. فإن الأشرار في كل ما يفعلونه بخداعٍ يجاهدون أن يقتنوا لأنفسهم لقب “الصديق”، كمن يحتلون مكان الغير. لكنهم عندئذ يُحضرون إلى موضعهم عندما يُعذبون بنارٍ أبديةٍ كثمرة إثمهم.

البابا غريغوريوس (الكبير)


 

من وحي أيوب 18

أنت حياتي، وبدونك ليس لي حياة

 

v     إلهي، أنت هو النور الأزلي،

تضيء أعماقي، فتحولني إلى نورٍ للعالم،

 بدونك ينطفئ سراجي،

ويتحول بيتي إلى مقبرة.

وأفقد كل حرارة وحياة!

 

v     قُدْ نفسي، فأنت هو الطريق.

بدونك أتعثر في الظلمة، أسقط ولا أقوم.

بك انطلق إلى السماء،

أسير رحلة حياتي في أمان!

 

v     أنت هو الحق، فيك أنطلق إلى المعرفة الصادقة.

بدونك أصير كبهيمةٍ ضالةٍ.

أو كحيوانٍ بلا وعيٍ.

أسقط في فخاخ إبليس، وأصير أضحوكة له!

انشلني من فخاخ العدو،

فأكون كعصفورٍ ينطلق من فخٍ مكسورٍ،

يطير في كمال الحرية!

 

v     أنت هو الحياة.

بدونك يمتلكني الموت.

يفترسني، وليس منقذ!

أعيش كما في جحيم لا يُطاق.

تعالْ يا أيها الحياة،

ولتملأ أعماقي بسلامك!

 

v     أنت كنزي وغناي.

أقتنيك، فيصير كل شيء بين يدي.

لن أشعر بعوزٍ،

ولن تقدر تجربة ما أن تحطمني.

 

v     أنت أبي!

حسبتني ابنًا لك!

اقترب إليك، فأجدك في أعماقي،

لست ببعيدٍ عني.

من يقدر أن يفصلني عنك؟

أخيرًا هب لي أن أقتنيك يا أيها القدوس،

فيهرب الشر مني،

ولا يجد العدو له موضعًا فيّ.

بل اختبر عربون سماواتك!

 

v     إلهي أنت الكل لي!

أنت نوري مبدد الظلمة.

أنت قائدي القوي.

أنت الحق الذي لا يُقاوم!

أنت سرّ خلاصي.

أنت كنزي الذي لا يُسرق، وغناي الذي لا يُنزع مني.

أنت أبي السماوي، تضمني في أحضانك!

فاصل

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى