تفسير سفر أيوب ٣٢ للقمص أنطونيوس فكري

تفسير سفر أيوب – الإصحاح الثاني والثلاثون

 

الإصحاحات (32-37) هي خطاب أليهو

 تكلم أليهو بعد أن إنتهي حوار أيوب مع أصحابه. فلا أيوب إعترف بأنه أخطأ ولا أصحابه تنازلوا عن قضيتهم، وكان أليهو أصغر الموجودين سناً، وإعتذر عن كونه أصغرهم ومع هذا يبدي رأياً، وهو تكلم للأسباب الآتية:-

  1.       لأن أصحاب أيوب عجزوا عن الرد علي أيوب.
  2.       لأن أيوب برر نفسه في كل شئ وألقي باللوم علي الله .
  3. هو لم يدين أيوب كالأصحاب، بل أدخل إعتباراً جديداً في المناقشة، وهو أن الآلام هي تأديب من

 الله. والتأديبات علامة محبة.

  1.       وهو تكلم لأنه وجد الرد في داخله ولم يستطع أن يكتمه.
  2.       لأنه ثار غاضباً علي عدم إعطاء الله كرامته، لذلك قد يفهم كثيراً من كلماته أنها صادرة عن غرور أو كبرياء ولكن بالعكس نجد أليهو متواضعاً مملوءاً حكمة وفطنة ومعرفة لله، لم يقاطع الشيوخ وهم يتكلمون، بل تكلم أخيراً، لكن ثورته كانت علي الكلمات الصعبة التي قالها أيوب ضد الله مبرراً نفسه، وعلي منطق أصحاب أيوب أنهم لم يجدوا رداً علي أيوب في تبرير سبب النكبات سوي إتهاماتهم له بأنه شرير مما جعله يثور ثورة عارمة ضدهم بل ضد الله نفسه.

وكان كلام أليهو مقنعاً جداً، وتكلم ولم يخطئ ولذلك لم يرد عليه أيوب كما رد علي أصحابه الأخرين، ولم يرد عليه الأصحاب بل ولا لامه الله كما لام الأصحاب الباقين (7:42)

آية 1:- “فكف هؤلاء الرجال الثلاثة عن مجاوبة ايوب لكونه بارا في عيني نفسه“. كف أصحاب أيوب عن الحوار لأنهم وجدوا أيوب باراً في عيني نفسه. وإنه من المستحيل النقاش مع مثل هذا الإنسان. ولقد رأي أصحاب أيوب أنه من العبث الإستمرار في النقاش، لا هم قادرين علي إقناعه ولا هو قادر علي إقناعهم.

الأيات 2-5:- “فحمي غضب اليهو بن برخئيل البوزي من عشيرة رام على ايوب حمي غضبه لانه حسب نفسه ابر من الله، وعلى اصحابه الثلاثة حمي غضبه لانهم لم يجدوا جوابا واستذنبوا ايوب، وكان اليهو قد صبر على ايوب بالكلام لانهم اكثر منه اياما، فلما راى اليهو انه لا جواب في افواه الرجال الثلاثة حمي غضبه”.

 أليهو= هو إلهي. برخئيل= بركة الله البوزي= من نسل بوز بن ناحور أخو إبراهيم تك 21:22 (وهم من قبائل العرب أر 23:25. فهو قريب لإبراهيم وهو شاب صغير لكنه حار في الروح. وتكلم ليعرف كل واحد خطأه ويقدم توبة. وهو أدان أيوب لأنه لم يتكلم علي الله بوقار كما يجب ولأن أيوب برر نفسه أكثر من الله، فهو أجهد نفسه ليثبت بره ولكنه لم يهتم أن يثبت بر الله ولم يبرر الله من الخطأ في تجربته. فهو إهتم بكرامته أكثر من كرامة الله. والطريق الصحيح في التعامل مع الله أن نبحث نحن عن مجد الله والله هو الذي يبررنا. وأدان أليهو الأصحاب لأنهم لم يقدموا ردودهم برفق لأيوب وإصرارهم علي أنه شرير مرائي وأيضاً لضعف حججهم. وأدان الجميع بسبب أن كل طرف أصر علي أن الطرف الأخر خاطئ، كل منهم كان يبحث عن خطأ في كلام الأخر ويضخم هذا الخطأ دون أن يبحث في النقاط الإيجابية التي قالها. ونلاحظ تصرف أليهو الصائب فهو لم يتدخل في المناقشة حتي أنهى الأكبر سناً كلامهم، فهو إحترمهم بسبب تقدمهم في الأيام بالرغم من أنه كان يري أخطائهم في المناقشة. وهذا يشير لتواضعه. وتكلم أليهو لأن الله أعلن له فكان سكوته بعد ذلك تردد في الشهادة لله.

الأيات 6-22:- “فاجاب اليهو بن برخئيل البوزي وقال انا صغير في الايام وانتم شيوخ لاجل ذلك خفت وخشيت ان ابدي لكم رايي، قلت الايام تتكلم وكثرة السنين تظهر حكمة، ولكن في الناس روحا ونسمة القدير تعقلهم، ليس الكثيرو الايام حكماء ولا الشيوخ يفهمون الحق، لذلك قلت اسمعوني انا ايضا ابدي رايي، هانذا قد صبرت لكلامكم اصغيت الى حججكم حتى فحصتم الاقوال، فتاملت فيكم واذ ليس من حج ايوب ولا جواب منكم لكلامه، فلا تقولوا قد وجدنا حكمة الله يغلبه لا الانسان، فانه لم يوجه الي كلامه ولا ارد عليه انا بكلامكم، تحيروا لم يجيبوا بعد انتزع عنهم الكلام، فانتظرت لانهم لم يتكلموا لانهم وقفوا لم يجيبوا بعد، فاجيب انا ايضا حصتي وابدي انا ايضا رايي، لاني ملان اقوالا روح باطني تضايقني، هوذا بطني كخمر لم تفتح كالزقاق الجديدة يكاد ينشق، اتكلم فافرج افتح شفتي واجيب، لا احابين وجه رجل ولا املث انسانا، لاني لا اعرف الملث لانه عن قليل ياخذني صانعي”.

 في (7) “قلت الايام تتكلم وكثرة السنين تظهر حكمة“. يعترف أن الأكثر أياماً أكثر حكمة. وفي (8) “و لكن في الناس روحا ونسمة القدير تعقلهم”. في الناس روحاً المقصود أن مصدر المعرفة للإنسان ليس فقط خبرته، بل إرشاد الروح القدس للإنسان، فهناك مصدر إلهي للمعرفة داخل الإنسان. وأليهو كان يعرف أنه خاضع لله وبالتالي فإن روح الله يرشده، وفي هذا يستوي الكبير والصغير وفي (9)“ليس الكثيرو الايام حكماء ولا الشيوخ يفهمون الحق”. المقصود أن الخبرة التي يكتسبها الشيوخ بالسن هي لا شئ بجانب الإعلان الإلهي الذي تكلم عنه في آية (8). بل لو إبتعد الإنسان عن الله لفقد حكمته تماماً بالرغم من سنه. وفي (10) “لذلك قلت اسمعوني انا ايضا ابدي رايي”. إسمعوني= لأنني أعلم أن الروح القدس هو الذي علمني ما أقول. وفي (11، 12) “هانذا قد صبرت لكلامكم اصغيت الى حججكم حتى فحصتم الاقوال، فتاملت فيكم واذ ليس من حج ايوب ولا جواب منكم لكلامه”. هو سكت منتظراً من الأصحاب أن يجدوا رداً علي أيوب لكنهم لم يردوا، والسبب أنهم ما كانوا يبحثون عن مجد الله، ولا عن الرد الصحيح ولا عن الحكمة الإلهية بل كان كل همهم منصباً علي محاولة إثبات شر أيوب. وكان خطأ أيوب أيضاً أنه لم يحاول أن يبحث عن حكمة إلهية ترشده عن سبب آلامه، بل إنصبت كل محاولاته في تبرير نفسه. وحينما يكون لنا غرض مخالف عن البحث عن مجد الله نفقد حساسية الإستماع لصوت روح الله فينا، وفي هذا لم يخطئ أليهو.

وفي (13) “فلا تقولوا قد وجدنا حكمة الله يغلبه لا الانسان”. لا تقولوا قد وجدنا حكمة= لا تقولوا إننا وجدنا في كلام أيوب حكمة لا تقاوم ولا تقولوا أننا لنا حكمة بسبب تقدمنا في الأيام، فبسكوتكم سيظن أيوب فعلاً أنه بار وأن الله أخطأ في تجربته لأيوب. الله يغلبه لا الإنسان= سيكون الرد عليه بحكمة إلهية، بصوت أسمعه من الله، لا بخبرات إنسانية وحكمة بشرية.

وفي (14) “فانه لم يوجه الي كلامه ولا ارد عليه انا بكلامكم“. فإنه لم يوجه إلي كلامه=كانت المشكلة بين أيوب واصحابه أن الحوار إنقلب ليصبح صراعاً شخصياً بينهم. وأليهو يقول أنا خارج هذا الصراع ولا خصومة بيني وبين أيوب، وهو لم يوجه لي في خطاباته أي إتهام. ولا أرد عليه بكلامكم= فأنا لن أتهم أيوب بأنه مرائي وشرير كما فعلتم. وفي (15، 16) “تحيروا لم يجيبوا بعد انتزع عنهم الكلام، فانتظرت لانهم لم يتكلموا لانهم وقفوا لم يجيبوا بعد”. ما دفع أليهو للكلام أنهم سكتوا بينما يجد هو القضية واضحة جداً. والكلام هنا بصيغة الغائب فربما كان أليهو يتكلم أمام حاضرين أخرين ووجه لهم الكلام، أو هو يناجي الله ويتكلم عنهم.

وفي الأيات (18-20) “لاني ملان اقوالا روح باطني تضايقني، هوذا بطني كخمر لم تفتح كالزقاق الجديدة يكاد ينشق، اتكلم فافرج افتح شفتي واجيب“. لقد إنتظر أليهو أن يقول أحدهم رأياً صحيحاً يحسم القضية فلم يجد، بينما هو وجد الرد الصحيح داخله، ولم يستطع أن يكتمه، فهو كان كنار في داخله. وهكذا كل من يكلفه الله بكلمات يشهد بها، فهو لا يستطيع أن يكتمها وإن كتمها تكون كنار في داخله (أر 9:20 + مز 3:39). ملآن أقوالاً= فحين صمت الشيوخ ملأ الله أليهو الشاب فالله لا يبقي نفسه بلا شاهد. والله ملأه فكان لابد أن يتكلم، وإن لم يفعل يشعر أنه يكاد ينفجر هوذا بطني. . . كالزقاق. . . يكاد ينشق ولا طريقة يهدأ بها سوي أن يتكلم= أتكلم فأفرج. فالروح القدس يعطيه ما يتكلم به ويدفعه دفعاً أن يتكلم، فهو يعطي الكلمة والقوة على الكلام. [راجع مت 17:9 فالزقاق القديمة لو وضعوا فيها خمراً جديدة تتشقق لأنهم يغلقونها جيداً، ومع تفاعلات الخمر الجديدة يكون هناك غازات وأبخرة تمزق الزقاق القديمة، فلابد من وضع الخمر الجديدة في زقاق جديدة لتتحمل ولا تتمزق. وأليهو هنا يشبه نفسه بالزقاق الجديدة المملوءة خمراً جديدة وبداخلها ضغوط حتي لتكاد تنفجر]

والأيات (22، 21) “لا احابين وجه رجل ولا املث انسانا، لاني لا اعرف الملث لانه عن قليل ياخذني صانعي”. هو في كلامه لن يرائي ولن يبحث كيف يرضي البشر السامعين بل كيف يشهد لله، فلن يحابي أيوب بسبب آلامه ولن يحابي الأصحاب بسبب مراكزهم.

فاصل

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى