تفسير سفر أيوب ٦ للقمص أنطونيوس فكري

تفسير سفر أيوب – الإصحاح السادس

 

لم يقتنع أيوب بكلام أليفاز، وبدأ يبرر نفسه في شكواه

الأيات 2-7:

” ليت كربي وزن ومصيبتي رفعت في الموازين جميعها، لانها الان اثقل من رمل البحر من اجل ذلك لغا كلامي، لان سهام القدير في وحمتها شاربة روحي اهوال الله مصطفة ضدي، هل ينهق الفراء على العشب او يخور الثور على علفه، هل يؤكل المسيخ بلا ملح او يوجد طعم في مرق البقلة، ما عافت نفسي ان تمسها هذه صارت مثل خبزي الكريه”.

 يحاول أيوب هنا أن له الحق في الشكوي من متاعبه وأن مصيبة لا مثيل لها= ليت كربي وزن= لكان أثقل مما إحتمله أي إنسان، وهو أثقل مما يتصوره أصحابه. ومعني الكلام أن أيوب يلجا لشخص محايد ليزن كربه ويقنع أصحابه بأنه يفوق التصور. من أجل ذلك لغا كلامي= لغا تعني قال باطلاً والمعني إلتمسوا إلي عذراً يا أصحابي إن كانت هناك أخطاء وأقوال باطلة في كلامي فألامي رهيبة. هو هنا يتهم أصحابه بأنهم أدانوه دون أن يدركوا قسوة حاله وظروفه، وهو هنا يلتمس عطفهم عليه، عطفاً قد يخفف من آلامه. ويشكو أيوب من أن سهام القدير فيَ= لم تكن آلام أيوب ألاماً جسدية فقط بل آلامه النفسية روعته بالأكثر [فكان في ذلك مثالاً للمسيح]. وما آلمه نفسياً أن الله الذي كان يعبده بأمانة وحب العمر كله أصابه بهذه الألام. فكان فكره بأن الله هو الذي يعذبه هكذا كالسهام التي أصابته. وحمتها شاربة روحي= حمتها أي سمها. كانت السهام مسمومة وهذه السهام المسمومة كانت كوحش يشرب من دم فريسته، هكذا سهام آلامه النفسية شربت روحه فأصابت عقله بالإضطراب وزعزعت ثباته. لأنه فوجئ بأن أهوال الله مصطفة ضدي= كأنها جيش قد إصطف حوله. ثم وبخ أصدقائه بسبب إنتقاداتهم القاسية لشكواه وأنه لا مبرر لتوبيخاتهم له، فهو لا يتذمر بدون سبب كما يفعل المتذمرون الثائرون= هل ينهق الفرا علي العشب= الفرا هو حمار الوحش. وسؤال أيوب هلي رأيتم حماراً ينهق ويتذمر إذا كان العشب متوفراً أمامه؟ بل ينهق لو جاع إذ لا عشب. ومعني كلام أيوب أن حتي الوحوش المفترسة لا تنهق بدون سبب، وهي تنهق فقط إذا كانت متألمة، وأنا في أيام رخائي لم أتذمر، وهل كنت أتذمر إن لم أكن متألماً، فأنا لست بحجر. هل يؤكل المسيخ بلا ملح= هذا الكلام يفهم بمعنيين:

أولا: لقد صارت حياته بلا طعم كالطعام غير المملح= المسيخ هو الطعام الماسخ وأيوب كان يعاف أكل المسيخ ولكنه الأن في فقره إضطر أن يأكله. وحياته كلها صارت بلا طعم وهو مضطر أن يحياها= هذه صارت مثل خبزي الكريه. أي حياته.

ثانياً:- هناك من فهم أن هذا الكلام يشير لكلام أليفاز الذي هو في نظر أيوب مثل المسيخ الذي بلا طعم “ليكن كلامكم مملحاً بملح”

الأيات 8-13:

” يا ليت طلبتي تاتي ويعطيني الله رجائي، ان يرضى الله بان يسحقني ويطلق يده فيقطعني، فلا تزال تعزيتي وابتهاجي في عذاب لا يشفق اني لم اجحد كلام القدوس، ما هي قوتي حتى انتظر وما هي نهايتي حتى اصبر نفسي، هل قوتي قوة الحجارة هل لحمي نحاس، الا انه ليست في معونتي والمساعدة مطرودة عني”.

 أيوب هنا يعبر عن رغبته في الموت سريعاً لتنتهي كل متاعبه

ياليت طلبتي تأتي. . . رجائي= وكانت طلبته ورجاؤه هما الموت، ولكن مهما كانت شدتنا يجب أن يكون لنا رجاء في الله دائماً. بل تمني أن الله يرضي بأن يسحقه بالموت. وكان رجاؤه وتعزيته في أنه لم يجدف ولم يخطئ في حق الله= لم أمجد كلام القدوس. أيوب هنا يطمئن نفسه بأن الموت سينهي كل أحزانه وسيكون عزاؤه اكيداً لأنه لم يخطي إلي الله في حياته. (لو 25:16) هنا نجد لعازر يتعزي والغني الشرير يتعذب. وهذا ما يقوله أيوب أنه سيكون له تعزية بينما للأشرار عذاب لا يشفق. ويعبر أيوب عن يأسه من أن تتغير أحواله إلي الأفضل ما هي قوتي حتي أنتظر= أي لا قوة لي لكي أنتظر هذا اليوم البعيد الذي لا أراه الذي وعدتني يا أليفاز بأن يأتي، يوم ينصلح فيه حالي وترد لي كرامتي. فصحتي واهنة جداً فأنا لست بقوي لأحتمل. هل قوتي قوة الحجارة. بل هو في يأسه لا يري مبرر لكي يرجو ويصبر أو حتي يرغب أمراً كهذا= وما هي نهايتي حتي أصبر نفسي= بحسب الترجمة الأنجليزية حتي أطيل حياتي= آية تعزية أرجوها لنفسى في حياتي بالمقارنة مع التعزية التي أرجوها في مماتي. إلا أنه ليست في معونتي= لقد فارقتني معونتي الداخلية والمساعدة مطرودة عني= أي مساعدتكم وأنتم أصدقائي، حتي هذه خسرتها.

الأيات 14-30:

” حق المحزون معروف من صاحبه وان ترك خشية القدير، اما اخواني فقد غدروا مثل الغدير مثل ساقية الوديان يعبرون، التي هي عكرة من البرد ويختفي فيها الجليد، اذا جرت انقطعت اذا حميت جفت من مكانها، يعرج السفر عن طريقهم يدخلون التيه فيهلكون، نظرت قوافل تيماء سيارة سبا رجوها، خزوا في ما كانوا مطمئنين جاءوا اليها فخجلوا، فالان قد صرتم مثلها رايتم ضربة ففزعتم، هل قلت اعطوني شيئا او من مالكم ارشوا من اجلي، او نجوني من يد الخصم او من يد العتاة افدوني، علموني فانا اسكت وفهموني في اي شيء ضللت، ما اشد الكلام المستقيم واما التوبيخ منكم فعلى ماذا يبرهن، هل تحسبون ان توبخوا كلمات وكلام اليائس للريح، بل تلقون على اليتيم وتحفرون حفرة لصاحبكم، والان تفرسوا في فاني على وجوهكم لا اكذب، ارجعوا لا يكونن ظلم ارجعوا ايضا فيه حقي، هل في لساني ظلم ام حنكي لا يميز فسادا”.

 هنا يشرح آية 13 :- “الا انه ليست في معونتي والمساعدة مطرودة عني”. التي سبق وقال فيها المساعدة مطرودة عني ويوبخ أصحابه بسبب إنتقاداتهم القاسية له ومعاملتهم العنيفة. إذ بينما إنتظر منهم مساعدة وتعزية وجد وإهانات وهجوم وكلام قاسي.

آية 14:- “حق المحزون معروف من صاحبه وان ترك خشية القدير”. حق المحزون معروف. . . وإن ترك خشية القدير= لقد إتهمه أليفاز بأنه شرير وأيوب هنا يقول حتي لوكنت خاطئ وتركت خشية الله، فحقي أن يعزيني أصحابى وأنا حزين، فهذا حق كل محزون أن يعزيه أصدقائه فهو يحتاج عطفهم. هذه مبادئ إنسانية عامة. وقد تفهم الآية أنه من حق المحزون المتألم أن يعزيه أصحابه وإلا يكون الأصحاب قد تركوا خشية الله. وعادة يكون المنكوب بمصيبة كبيرة عرضة لأن يترك خشية الله ويصطدم مع الله وإبليس دائماً يسعي لهذا وعلي أصحاب المتألم أن يشددوه حتي لا يصل إلي هذه الدرجة.

وفي الأيات 15-21:- ” اما اخواني فقد غدروا مثل الغدير مثل ساقية الوديان يعبرون، التي هي عكرة من البرد ويختفي فيها الجليد، اذا جرت انقطعت اذا حميت جفت من مكانها، يعرج السفر عن طريقهم يدخلون التيه فيهلكون، نظرت قوافل تيماء سيارة سبا رجوها، خزوا في ما كانوا مطمئنين جاءوا اليها فخجلوا، فالان قد صرتم مثلها رايتم ضربة ففزعتم”. .

 يشرح أيوب كيف خابت أماله في أصدقائه الذين كان يجب عليهم أن يقدموا له تعزية ومساعدة فإذ بهم سبب آلام جديدة له، وهو هنا يشبههم بالغدير= هو جدول ماء، يمتلئ بالماء وقت ذوبان الثلج من الجبال. ولكنه في الصيف يجف. ولذلك سمي بالغدير لأنه يغدر بالمسافرين الذين إعتادوا أن يشربوا منه في سفرهم شتاء، وبينما هم عطشى أثناء سفرهم صيفاً يذهبوا إليه ليشربوا منه فيجدوه وإذا هو قد جف. كذلك أصحاب أيوب كانوا في أيام رخائه مصدر تعزية له. وإذا جاءت الآلام حارة مثل الصيف لم يجد عندهم تعزية بل إزداد عطشه بسببهم. ولذلك فلنثق أن الله وحده هو المعزي الحقيقي لنا في ضيقاتنا وهو لا يغدر بنا أبداً، هو صخر الدهور وينبوع الحياة بينما تعزيات الناس أبار مشققة.

مثل ساقية الوديان يعبرون= كمياه الأودية التي عبرت (الترجمة اليسوعية)= أصحابي صاروا مثل مياه عبرت الوادي وتركته بعد ذلك جافاً لا يروي أحد.

التي هي عكرة من البرد= أثناء ذوبان الجليد تندفع المياه في فيضان يملأ هذه الجداول بمياه ذائب فيها الجليد. وكلمة عكرة تعني مندفعة بكثرة. إذا جرت إنقطعت. إذا حميت جفت= هي تجري في فصل الشتاء حيث لا يعطش المسافر أما إذا حميت الشمس في الصيف تجف بينما المسافر في إحتياج إليها.

يعرج السفر عن طريقهم. يدخلون التية فيهلكون= القوافل المسافرة والتي تعودت أن تجد مياه مكان الغدير، في أثناء سفرها تدخل لتشرب وإذ لا تجد ماء تظل في دخولها لأعماق الصحراء حتي تتيه عن طريقها. وهكذا عندما يصير الأغنياء فقراء ويحتاجون إلي تعزية يبتعد عنهم من كانوا يلتفون حولهم سابقاً، بل قد يدوسونهم. وهكذا كل من له أمال عالية في الخليقة يخزي. . . فلنثق في الله وحده

قوافل تيماء. سيارة سبأ رجوها= قوافل تجارة هذه البلاد كان لهم رجاء في هذه الأغادير وهذه المياه ولكنها غدرت بهم. فخزوا= هكذا كل من يضع ثقته في مخلوق.

آية 22:- ” هل قلت اعطوني شيئا او من مالكم ارشوا من اجلي”. هل قلت إعطوني شيئاً=هل تظهرون هذا الجفاء لي حتي لا أطلب منكم معونة مالية في شدتي. إرشوا من أجلي= أسوني بشئ من أموالكم (اليسوعية).

آية 23:- ” ونجوني من يد الخصم او من يد العتاة افدوني”. أي لم أطلب منكم مساعدة ضد السبئيين ولا الكلدانيين لأستعيد ثروتي. وكثيراً ما يحدث أننا عندما نتوقع القليل من الإنسان نجد الأقل، لكن عندما نتوقع الكثير من الله نجد الأكثر. (أف 20:3)

آية 24:- ” علموني فانا اسكت وفهموني في اي شيء ضللت”. هو يعني أنكم تتكلمون كثيراً ولكنكم لم تلمسوا قضيتي ولم تستطيعوا أن تقنعونني، فلم أتعلم منكم شيئاً وأنا مستعد أن أتعلم إذا أظهرتم لي خطأي.

آية 25:- ” ما اشد الكلام المستقيم واما التوبيخ منكم فعلى ماذا يبرهن”. ما أشد الكلام المستقيم= لو لمست كلمات التوبيخ نقطة ضعف الإنسان تكون شديدة علي الشخص المخطئ.

آية 26:- “هل تحسبون ان توبخوا كلمات وكلام اليائس للريح”. توبخوا كلمات= هل تحسبون أن كلمات صعدت مني وأنا متألم ثائر أنها دليل علي فسادي وشري الكامن في داخلي. وكلام اليائس للريح= الآية كلها مترجمة هكذا في اليسوعية “أفي أنفسكم أن تلوموني علي كلمات يأس فرطت مني في الهواء”.

آية 27:- ” بل تلقون على اليتيم وتحفرون حفرة لصاحبكم”. تلقون علي اليتيم= أيوب هنا يشبه نفسه في ضعفه باليتيم، فاليتيم لا قدرة له أن يدافع عن نفسه. وأيوب في حالته هذه غير قادر أن يدافع عن نفسه ضد هجوم أصحابه. وهم في هجومهم كأنهم يحفرون حفرة له= تحفرون حفرة لصاحبكم. فهم أولاً أظهروا تعاطفاً معه فتكلم بحريته وكان هذا شركاً له فهم أدانوه علي كلامه.

آية 28:- ” والان تفرسوا في فاني على وجوهكم لا اكذب”. تفرسوا في= انظروا إلي ترون علامات صبري وخضوعي لله بالرغم من تذمري. وتغرسوا في قروحي وأثارها واضحة تعرفون سبب تذمري. ولا تظلمونني.

آية 29:- ” ارجعوا لا يكونن ظلم ارجعوا ايضا فيه حقي”. إرجعوا= راجعوا أنفسكم في قراركم ضدي فأنا علي حق= فيه حق.

آية 30:- ” هل في لساني ظلم ام حنكي لا يميز فسادا”. هل جدفت علي الله، هل فقدت أدبي وعقلي، هل عدت لا أميز بين الخير والشر.

فاصل

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى