تفسير سفر يشوع ٥ للقمص أنطونيوس فكري

الإصحاح الخامس

آية (1): “وعندما سمع جميع ملوك الاموريين الذين في عبر الأردن غربا وجميع ملوك الكنعانيين الذين على البحر أن الرب قد يبس مياه الأردن من أمام بني إسرائيل حتى عبرنا ذابت قلوبهم ولم تبق فيهم روح بعد من جراء بني إسرائيل.”

الأموريين هم أحد شعوب الكنعانيين وذكرهم هنا وحدهم لأنهم أقوى هذه الشعوب الكنعانية. والله أوقع الرعب في قلوبهم وكان هذا مناسباً لأن اليهود كانوا سيختتنوا ولن يكونوا قادرين على الحرب وهم متوجعين.

 

آية (2): “في ذلك الوقت قال الرب ليشوع اصنع لنفسك سكاكين من صوان وعد فاختن بني إسرائيل ثانية.”

نجد هنا أمر الله ليشوع بأن يختن الشعب. ونجد أيضاً طاعة يشوع العجيبة فالختان لكل الرجال سيجعلهم غير قادرين على الحرب، وهذا خطأ بكل المقاييس البشرية والعسكرية أن نجعل الجيش كله عاجزاً. ولكن علينا دائماً أن نطيع الوصية مهما بدت صعوبتها فالله له تدبيرات أخرى لا نراها، ويشوع وقتها لم يكن يعلم أن الله أوقع الرعب في قلوب الأموريين فهم لن يحاربوا. فالله يحارب عنا وتكون غلبتنا بطاعة الوصية. وإذا فهمنا أن عبور الأردن يشير للمعمودية فإلى ماذا يشير الختان هنا؟ ولنلاحظ أيضاً يشير للمعمودية؟ هنا الختان يشير للختان الروحي، فمن دخل كنعان سيتعرض لحروب كثيرة من الكنعانيين فلابد لمن دخل كنعان أن تكون له أسلحته وأول الأسلحة ختان القلب (رو29:2 + أر4:4). والمعمد تكون أول أسلحته الروحية الختان الروحي (راجع رو 1:6-14). ولكن لماذا لم يطلب الله الختان وهم في شرق الأردن في أمان بعيداً عن الكنعانيين!!؟ لأنه لا إمكانية لنصلب شهوات الجسد وأهوائه إلا بعد المعمودية، ولا يمكن أن نقدم أنفسنا ذبائح حية لله سوى بعد المعمودية وهذا هو ما يسمى بختان المسيح (كو11:2) أو ختان القلب. ولأنه ختان المسيح استخدم فيه الصوان (وهو حجر) فالمسيح صخرتنا وهو كلمة الله والكلمة حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين. (1كو4:10).

ولماذا قال إختن ثانية؟ كما نرى في الآيات (4-8) أن الشعب لم يختنوا أولادهم في البرية لأنهم كانوا في تجول دائم لا يعلمون متى يأتي الأمر بالحركة، ولكنه عموماً كان هذا إهمالاً منهم، وكل من يهمل التزامه نحو الله عليه بالتوبة والرجوع إلى الله. والله لم ينبه موسى لذلك في البرية لأنهم كانوا في حالة توهان في البرية كمن بلا عهد مع الله والختان علامة العهد والآن بعد أن دخلوا أرضهم ها هو الله يجدد العهد معهم، وكأن قوله ثانية هو عودتهم كأمة لها عهد مع الله وراجع (عد33:14) فالأبناء حملوا عار أبائهم فالله أقسم في غضبه أن لا يدخل الآباء الأرض وكان التوقف عن الختان علامة لغضب الله عليهم وصار رضا الله عليهم الآن علامة الختان ثانية وهو علامة لعهد جديد لذلك تبع الختان الثاني الفصح. فالتناول يأتي بعد المعمودية (أع41:2،42). وراجع (تك14:17) لنفهم أن من لا يختن يفقد العهد مع الله. ونفهم الآن أن الختان الأول رمز لمن هم تحت الناموس (الشعب اليهودي) والختان الثاني بواسطة الصخرة التي كانت المسيح (1كو4:10) هي الانتقال من عهد الناموس إلى عهد النعمة. وهذا معنى قوله في آية (9) اليوم دحرجت عنكم عار مصر. الختان الأول يكون في الجسد والختان الثاني هو ختان القلب والروح الذي يهبه المسيح لذلك لابد وأن يكون في كنعان أي داخل الكنيسة.

وفي هذا الإصحاح نرى صورة حية للمنهج الروحي للخلاص.

  1. في آية (1) نرى الله وقد قيد إبليس بموته على الصليب= رعب الأموريين.
  2. في آية (1) نرى الله وقد يبس مياه الأردن ليمر الشعب = بالمعمودية ندخل الكنيسة.
  3. في آية (2) الختان الثاني بالصوان= أن نصلب أهوائنا مع شهواتنا مع المسيح فنحيا.
  4. في آية (8) الشعب يبرأ = أي صار لهم شفاء وحياة فالشفاء والحياة متلازمان.
  5. في آية (10) عملوا الفصح= بعد المعمودية والشفاء نأخذ جسد المسيح ودمه.
  6. في آية (11) أكلوا من غلة الأرض = يشير للشبع بالمسيح فالمسيح لنا كل شئ يشبعنا خلال ألام حياتنا.
  7. في آية (13) لهؤلاء يظهر رئيس جند الرب= طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله.

وهنا رئيس جند الرب (المسيح) يظهر ليشوع كرئيس جند فأمامه معركة والمسيح يعلن ليشوع أنه هو كل شئ والحرب هي للرب فلسنا نحن الذين نحارب بل المسيح الذي فينا. فلماذا نخاف؟

هذا الإصحاح هو الاستعداد للحرب ولنراجع ماذا أعطانا الله من أسلحة (أف10:6-20) ولنفهم أن النصرة هي خلال الحياة المقدسة في الرب، الحياة التي صلب فيها الإنسان شهواته. ويجاهد بإيمان مستخدماً الأسلحة الروحية فينعم بمواعيد الله المجانية برغم مقاومة الأعداء.

 

آية (3): “فصنع يشوع سكاكين من صوان وختن بني إسرائيل في تل القلف.”

تل القلف= القلف هي الجزء الذي يقطع في الختان.

 

الآيات (4-8): “و هذا هو سبب ختن يشوع اياهم ان جميع الشعب الخارجين من مصر الذكور جميع رجال الحرب ماتوا في البرية على الطريق بخروجهم من مصر. لان جميع الشعب الذين خرجوا كانوا مختونين و اما جميع الشعب الذين ولدوا في القفر على الطريق بخروجهم من مصر فلم يختنوا. لان بني اسرائيل ساروا اربعين سنة في القفر حتى فني جميع الشعب رجال الحرب الخارجين من مصر الذين لم يسمعوا لقول الرب الذين حلف الرب لهم انه لا يريهم الارض التي حلف الرب لابائهم ان يعطينا اياها الارض التي تفيض لبنا و عسلا.  و اما بنوهم فاقامهم مكانهم فاياهم ختن يشوع لانهم كانوا قلفا اذ لم يختنوهم في الطريق. وكان بعدما انتهى جميع الشعب من الاختتان انهم أقاموا في أماكنهم في المحلة حتى برئوا.”

حتى برئوا= كلمة برئوا في أصلها العبري “حيوتم” أي صارت لهم حياة أي شفاء فالشفاء والحياة متلازمان. ونحن إذا تعمدنا ثم عشنا في ختان القلب نبرأ (تفسير II) ولكن الشفاء الكامل والحياة الحقيقية ستكون بعد أن نخلع هذا الجسد ونموت ونحصل على الجسد الممجد فيكون لنا البنوة الكاملة والحرية الكاملة ونكون بلا خطية (تفسير I).

 

آية (9): “وقال الرب ليشوع اليوم قد دحرجت عنكم عار مصر فدعي اسم ذلك المكان الجلجال إلى هذا اليوم.”

دحرجت عنكم عار مصر= هم الآن في أرضهم أحرار، الأرض التي وعدهم بها الله بلا ذل ولا عبودية لفرعون، لأنهم حتى وهم في سيناء كانوا كعبيد هاربين من أسيادهم المصريين أما الآن فهم أسياد في أرضهم وقطعاً فالمصريين سخروا منهم في توهانهم وكان هذا سبب عار لهم. والعار الحقيقي الذي دحرجه الله عنهم كونهم يشبهون المصريين الوثنيين الذين بلا عهد مع الله غير مختوني القلب. ولاحظ أن العبودية إرتبطت في ذهن الشعب القديم بمصر. وعار مصر بالنسبة لنا هو الخطية (تي3:3) ثم أعطانا المسيح الختان الثاني بغسل الميلاد الثاني (تي5:3 + تي8:3) ففي (تي5:3) يشير للمعمودية وفي (تي8:3) يشير لأننا يجب أن نحيا مختوني القلب. ولو إعتمدنا ثم سلكنا كمختوني القلب فلا نخشى عار الخطايا السابقة فقد دحرجها الله. (مر5:2) “مغفورة لك خطاياك” وفي (يو14:5) “لا تخطئ أيضاً لئلا يكون لك أشر”. فإذا عدنا لخطايانا السابقة نرجع إلى العار القديم وإن سلكنا بالقلب المختون يكون الله قد دحرج عنا عارنا (راجع عب29:10 + 1كو15:6).

 

آية (10): “فحل بنو إسرائيل في الجلجال وعملوا الفصح في اليوم الرابع عشر من الشهر مساء في عربات أريحا.”

متى برئوا من جراحاتهم يقيموا الفصح. وشروط التناول حسب ما نفهم هنا هي:

  1. المعمودية= عبور الأردن. (بالمعمودية نلنا العضوية في جسد المسيح).
  2. الختان الثاني= القلب المختون + الإنسان القديم وقد صلب مع المسيح.
  3. أن نبرأ= خلع عاداتنا الشريرة تماماً.
  4. نأكل الفصح= أي نأكل ونشرب جسد ودم المسيح فنثبت فيه وهو فينا.

 

الآيات (12،11): “وأكلوا من غلة الأرض في الغد بعد الفصح فطيراً وفريكاً في نفس ذلك اليوم. وانقطع المن في الغد عند أكلهم من غلة الأرض ولم يكن بعد لبني إسرائيل من فأكلوا من محصول أرض كنعان في تلك السنة.”

توقف المن بعد أن دخلوا الأرض ووجدوا غلتها. والله يود لو سارت كل الأمور طبيعية بلا معجزات لذلك توقف المن بعد دخولهم للأرض، وأكل الشعب من غلة الأرض التي تركها أهل الأرض وهربوا وغالباً إختبأوا داخل المدن المحصنة وقوله فريكاً= يدل على أن القمح كان في بداية نضجه حين يفركونه ويأكلونه نيئاً أو مشوياً. وإنقطاع المن في الأرض يشير لأننا لن نتناول من جسد المسيح ودمه في السماء بالصورة التي تمارسها الكنيسة الآن. فنحن نتناول الآن لمغفرة خطايانا “يعطى لمغفرة الخطايا” وفي السماء لا خطايا. فسنحيا معه على مستوى آخر ويكون أكل المن السماوي المخفي (رؤ17:2) يعني معرفة المسيح دون سر أو لغز، لا ننظره كما في مرآة بل سنراه كما هو وفي معرفته سيكون لنا شبع وحياة أبدية. “وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحي ويسوع المسيح الذي أرسلته” هذه صورة للوحدة الكاملة. وهنا على الأرض توجد 3 مراحل للأكل:-

  1. الأولى: حين أكل الشعب العجين الذي في ثيابهم. وإذا أشارت الثياب للجسد يكون المعنى أن الإنسان في طفولته الروحية لا يفكر ولا يهتم سوى في شبع جسده ويهتم بكل الأرضيات والماديات والله لا يترك مثل هؤلاء بل يشبعهم “خبزنا كفافنا..”.
  2. الثانية: الشعب يأكل المن ليظهر لهم أنه هو الذي يعولهم فلا يضطربوا ولا ينشغلوا بالغد.
  3. الثالثة: الشعب يأكل من غلة الأرض أي يجد الإنسان في الله نفسه طعامه الأبدي المشبع ومن يفهم أن الله سيشبعنا بمعرفته في الأبدية يصلي “خبزنا الذي للغد أعطنا اليوم” وعموماً عبارة خبزنا كفافنا أعطنا اليوم هي نفسها تترجم الذي للغد أعطنا اليوم فالله يهتم بأن يعطينا كلاهما؟ ولذلك جاءت الجملة في صيغة تحتمل كلا المعنيين.

 

الآيات (13-15): “وحدث لما كان يشوع عند أريحا انه رفع عينيه ونظر وإذا برجل واقف قبالته وسيفه مسلول بيده فسار يشوع إليه وقال له هل لنا أنت أو لأعدائنا. فقال كلا بل أنا رئيس جند الرب الآن أتيت فسقط يشوع على وجهه إلى الأرض وسجد وقال له بماذا يكلم سيدي عبده. فقال رئيس جند الرب ليشوع اخلع نعلك من رجلك لان المكان الذي أنت واقف عليه هو مقدس ففعل يشوع كذلك.”

بقية وتتمة هذه الآيات نجدها في (1:6-5) فهم موضوع واحد. يشوع كقائد للشعب تقدم نحو أريحا وربما كان بمفرده وقد أدرك أنه وحيد بلا موسى وهو يرى حرباً من نوع جديد، مدينة بأسوار عالية وحصون قوية جداً تقدر أن تبقى فترة طويلة تحت الحصار، ولا يمكن ليشوع أن يتجاهلها وينطلق إلى مدينة أخرى وإلا صار العدو خلفه (أي جيش أريحا) ويضربهم من الخلف. وفي حيرته هذه ظهر له المسيح في إحدى ظهوراته قبل التجسد وحين سأله يشوع هل أنت حليف لنا أو لأعدائنا لم يجبه المسيح بقوله أنا حليفكم بل أنا قائدكم= أنا رئيس جند الرب فهو القائد وليس مجرد حليف. وهذا ما أعطى ليشوع شعور بالإطمئنان فهو إذا خرج كقائد ليفحص الموقع ورأي هذه الحصون التي لم يقتحمها من قبل، ظهر له الله ليطمئنه بأنه هو القائد الأعلى. وسؤال يشوع هل أنت لنا أو لأعدائنا= يشير إلى أنه لم يعرفه أولاً بل ظنه أحد قادة أريحا أتى ليتفقد جيش إسرائيل كما يفعل هو الآن ويتفقد جيش وحصون أريحا. ولذلك نجد الرب يعلن له كما أعلن لموسى من قبل أنه واقف في حضرة يهوه كلمة الله نفسه لذلك قال له إخلع نعلك (راجع خر3) وتكرار نفس الكلمة التي قيلت لموسى تعطيه إطمئناناً

  1. هو نفس الشخص الذي ظهر لموسى ليشجعه ليخرج شعب إسرائيل من مصر.
  2. هو نفسه يساند يشوع ليدخل الشعب لأرض الميعاد.

ورئيس جند الرب هو نفسه يهوه الذي قدس المكان (فطلب خلع النعلين علامة على وجوب الشعور بأن يشوع واقف أمام الله فيقدس فكره) وهو قبل سجود يشوع (آية 14) + (يش2:6) إذاً هو ليس ملاكاً عادياً. لكنه يظهر نفسه كرئيس جند حسب إحتياج يشوع والشعب الآن وهم مقبلين على معارك كثيرة فلا يرتعبون. وكذلك إذا جعنا يقدم نفسه خبز مشبع وإذا ضللنا الطريق يقدم نفسه أنه هو الطريق وإذا شعرنا بالوحدة يقدم نفسه أنه الصديق والعريس وإن خفنا من الموت يقدم نفسه أنه القيامة والحياة فهو في محبته يقدم لنا نفسه ويقدم لنا كل شئ لكي يسد كل عوز فينا.

فاصل

سفر يشوع – أصحاح 5  

تفاسير أخرى لسفر يشوع أصحاح 5 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى