تفسير سفر أيوب أصحاح 33 للقديس يوحنا ذهبي الفم
الإصحاح الثالث والثلاثون
تابع حديث أليهو
روح الله هو الذي يلهم
1- قال اليهو: ” ولكن اسمع الآن يا أيوب أقوالى وأصغ إلى كل كلامي هأنذا قد فتحت فمی لسانی نطق فى حنكى قلبى نقى فى كلماته، وفهم شفتى يتأمل أفكار نقية”(33: 1-3)
أي ليس الحسد أو الغيرة هو الذي يجعلنى أتكلم هكذا ، وحتى لو أن الأصدقاء الثلاثة قالوا نفس الشيء مثله، لكن يقيناً ليس بنفس الروح ولا لأجل الدفاع عن الله. لأن يهوذا أيضاً والأحد عشر أعربوا عن ضيقهم بنفس الطريقة من جهة قارورة الطيب (التي سكبتها المرأة على قدمى الرب. انظر يو 12: 3-8) ، لكن ليس بنفس الروح. لذلك ليتنا لا نفحص الكلمات، بل النيّة التي قيلت بها، كيف أن البعض أراد هدم أيوب، بينما الآخر أراد العكس.
لاحظ أيضاً أن أليهو الذى تكلم أخيراً، قد قال كثير من الأفكار التي سيقولها الله، لكي يمكن الله أن يتبرر بطريقة أفضل، بمجرد أن أيوب سيسمع أيضاً من رفيقه في العبودية نفس الكلام الذي سيسمعه من الرب بعد ذلك. وهذا ما نعمله نحن أيضاً من جهة خدمنا بالأخص عندما أهل بيتنا يوبخونهم ( دون داع) ، فنحن أيضاً نلومهم (أى نلوم من تصرف هكذا من أهل بيتنا)، لأن العبد لا يستطيع أن يوبخهم لكونهم تصرفوا هكذا بغير عدل معه.
2- قال اليهو: روح الله صنعنى ونسمة القدير هى التى تعلمني. إن استطعت فأجبني. قاوم واصطبر : أنت فى مواجهتى وأنا فى مواجهتك أنت جبلت من نفس الطين مثلي، فنحن قد جُبلنا (حرفياً عُجنا) من نفس الجبلة” (33: 4-6).
حيث أن أيوب قال: آه لو يوجد واحد ليحكم ( بيننا)، وقال (أيضاً): «فأنا (مجرد) إنسان» (9: 33) ، لذلك قال أليهو له: «هأنذا فى مواجهتك ونحن جبلنا من نفس الجبلة».
كيف يمكنك أن تقول: إننى بار؟
3- “هوذا هيبتى لا ترهبك وبدى لن تثقل عليك” (33: 7)
هذا ما قاله أيوب من جهة الله (انظر 13: 12، 23: 2) – إنك قد تكلمت في مسامعي وأنا . سمعت صوت كلماتك؛ لأنك قلت: أنا طاهر ولم أخطئ فى أفعالى وأنا بلا لوم، لأني لم أتعد الشريعة، لكن الله دبر علة ملامة ضدي» (33: 8-10).
وحيث أن أيوب قال بخصوص الله: “إنه لن يسمعني” (9: 15)، لذلك أجابه أليهو قائلاً: هوذا أنت تتهم الله بقولك أنه لم يُصغ لمرافعتك. قل لي : ما دليلك على أنه لم يسمع لك ؟ هل الله يعاقب ويقتص؟ هذا دوره ليجعل البشر في موقف أفضل. يحدث – على كل حال – أن يسلّم هو كثير من الناس لمرض خطير جداً، لكن إذا لم يهلك الإنسان من مثل هذا المرض، فلن يستطيع أحد أن ينتزعه من الوجود لأنه يوجد ربوات من الملائكة الحاملين للموت» (23:33)
ألا يسمعك الله؟ لكن الله يكلمك عبر رعبك ومرضك
4- قال اليهو(مواصلاً كلامه بلسان أيوب): “إنه حسبنى كخصم له. وضع رجلى في المقطرة، وراقب كل طرقي. كيف يمكنك أن تقول: أنا بار ومع ذلك لم يصغ إلي؟ لأنه أبدي ذاك الذي هو فوق كل مائت. لكنك تقول: لماذا لم يصغ لكل كلمة في مرافعتي؟ لأن الله يتكلم مرة، ثم في المرة الثانية يُرسل حلماً، أو نوع من الرؤى فى تأمل ليلي، هكذا عندما تسقط على البشر مخافة مرعبة بينما هم نيام على فراشهم. حينئذ ينير الله روح البشر وبمثل هذه الرؤى المرعبة يرعبهم ليُحيد الإنسان عن الإثم، ويخلص جسده من الخراب الذي يجلبه الإثم، ويحفظ أيضاً حياته من الموت ليمنعه من السقوط في القتال. لكن من جانب آخر يعاقبة بمرض يُلزمه الفراش و مجموع عظامه يصيبها خدر (شلل). ولن يستطيع أبداً أن يأخذ أى طعام مع أن نفسه تشتهى الطعام، إلى درجة أن تحمه يبلى وحيث تظهر عظامة مجردة من اللحم وتقترب نفسه من الموت وحياته من الهاوية. ومع أنه يوجد هناك ألف ملاك حاملين للموت فلن يستطيع أحد أن يجرحه” (10:33- 23).
إن الملاك لا يستطيع، إذ أن الله نفسه هو الذي يمنعه. وهو علم الإنسان كثيراً بالأحلام وانتشله من مخاطر الحرب والقتال، لكنه سلّمهم لعقوبة أخرى. وهذا هو ما يريد قوله: إن لم تنتفع من عنايته أفلن تهلك ؟ ألن تسقط في الحرب أو القتال؟ بناء على ذلك ليكن عدم موتك، هو على الأخص دليلاً على عنايته بك، وبينما أنت صارعت ضد مرض هكذا خطير وضد ضعف هكذا شديد، إذ كان يمكنك أن تموت عدة مرات، وحتى في غياب هذا الضعف، لو أنه بالحق قد تخلى عنك (حتماً ستموت).
وأنت يا أيوب قلت: لماذا لم تسمع يا رب كل كلمات الحق التي أقولها؟
«الله يتكلم مرة .. « أى أنه لم يسمع ولم يعلّم يوماً بعد يوم، لكن من خاصية الله أن يفعل الأمر مرة واحدة وليس بالتدريج. وكثيراً – في الأحلام – يعطى تحذيرات برؤى ليلية. وأنت يا أيوب قلت لماذا تخيفني بأحلام أثناء نومي وترهبنى برؤى؟ (7: 14)، فيجيب أليهو قائلاً: «هوذا كل هذه يفعلها القدير ثلاث مرات ليرد نفسه(33: 29-30)
ماذا تعنى ثلاث مرات؟ إنه يقصد كثيراً. إن الله لم يكف عن حفظنا والاهتمام بنا ليجعل نفسنا في وضع أفضل.
تفسير أيوب 32 | سفر أيوب 33 | تفسير سفر أيوب | تفسير العهد القديم | تفسير أيوب 34 |
القديس يوحنا ذهبي الفم | ||||
تفاسير سفر أيوب 33 | تفاسير سفر أيوب | تفاسير العهد القديم |