تفسير سفر يونان 4 – أ. بولين تدري
يونان النبي حزيناً:
“فغم ذلك يونان غماً شديداً فاغتاظ وصلى إلى الرب وقال آه يا رب أليس هذا كلامى إذ كُنت بعد في أرضى. لذلك بادرت إلى الهرب إلى ترشيش لأنى علمت أنك إله رؤوف ورحيم بطئ الغضب وكثير الرحمة ونادم على الشر. فالآن يا رب خُذ نفسي مِنى لأن موتى خير مِن حياتى. فقال الرب هل اغتظت بالصواب” (يون4: 1- 4).
لقد اغتم يونان لتوبة أهل نينوى، ولقبول الرب لتوبتهم، وهذه مشاعر مريضة لا يجب أن تكون عند خادم الرب. أما الخادم الأمين فهو يفرح لرجوع الخاطي، كما قال السيد المسيح عنْ نفسه: “أنا هو الراعى الصالح. والراعى الصالح يبذل نفسه عنْ الخراف. وأما الذي هو أجير وليس راعياً الذي ليست الخراف له فيرى الذئب مُقبلاً ويترك الخراف ويهرب. فيخطف الذئب الخراف ويُبدٍدها. والأجير يهرب لأنه أجير ولا يُبالى بالخراف. أما أنا فإنى الراعى الصالح وأعرف خاصتى وخاصتى تعرفنى” (يو10: 11- 14). فإن يونان تصرف كأجير وليس كراع صالح.
الخادم الأمين مثل سيده يفرح برجوع الخاطي، بل يُجاهد بأصوام وصلوات ودموع كثيرة أمام الله لكي يرجع الخطاة إلى حظيرة الخراف، كما قال بولس الرسول عن نفسه: “كُنت معكم كُل الزمان أخدم الرب بكُل تواضع ودموع كثيرة وبتجارب أصابتنى بمكايد اليهود. كيف لم أؤخر شيئاً مِن الفوائد إلا وأخبرتكم وعلمتكم به جهراً وفى كُل بيت” (أع20: 19، 20)، ويقول أيضاً: “لذلك اسهروا مُتذكرين أنى ثلاث سنين ليلاً ونهاراً لمْ أفتر عنْ أن أنذر بدموع كُل واحد” (أع20: 31).
يونان شرقيّ المدينة:
“وخرج يونان مِن المدينة وجلس شرقى المدينة وصنع لنفسه هناك مظلة وجلس تحتها في الظل حتى يرى ماذا يحدث في المدينة. فأعد الرب الإله يقطينة فارتفعت فوق يونان لتكون ظلاً على رأسه لكي يُخلصه مِن غمٍه. ففرح يونان مِن أجل اليقطينة فرحاً عظيماً.
ثم أعدً الله دودة عند طلوع الفجر في الغد فضربت اليقطينة فيبست. وحدث عند طلوع الشمس أن الله أعد ريحاً شرقية حارة فضربت الشمس على رأس يونان فذبُل فطلب لنفسه الموت وقال موتى خير مِن حياتى” (يون4:5- 8).
الله يُريد خلاص يونان كما فرح بتوبة نينوى، لذلك أعد له اليقطينة التي أدخلت البهجة لنفسه، ثم أعد الدودة التي أكلت اليقطينة، وسمح بهبوب الريح لتموت اليقطينة، لكي يُعلم يونان درساً مُهماً في العناية بالنفوس.
اليقطينة ما هي إلا المواقف المختلفة التي تمر بنا في حياتنا اليومية، ويستخدمها الله لكي يتكلم مِن خلالها إلينا ويُعلمنا. فليتنا نبدأ يومنا بقلب مفتوح ونقول له: “تكلم يا رب لأن عبدك سامع” (1صم3: 9).
ونقول مع داود النبي: “طريق وصاياك فهمنى فأُناجى بعجائبك… فهمنى فأُلاحظ شريعتك وأحفظها بكُل قلبى…. إلى الدهر فهمنى فأحيا” (مز119: 27، 34، 144). ودانيال النبي يقول: “الفاهمون يُضيئون كضياء الجلد والذين ردوا كثيرين إلى البر كالكواكب إلى أبد الدهور” (دا12: 3). وهوشع النبي يقول: “منْ هو حكيم حتى يفهم هذه الأمور وفهيم حتى يعرفها. فإن طُرق الرب مُستقيمة والأبرار يسلكون فيها. وأما المُنافقون فيعثرون فيها” (هو14: 9).
فليتنا نفتح قلوبنا للرب مع كُل صباح ونكون مُستعدين لكي نتعلم منه.
الرب يُبرٍر ليونان أسباب غفرانه لأهل نينوى:
“فقال الله ليونان هل إغتظت بالصواب مِن أجل اليقطينة. فقال اغتظت بالصواب حتى الموت. فقال الرب أنت شفقت على اليقطينة التي لمْ تتعب فيها ولا ربيتها التي بنت ليلة كانت وبنت ليلة هلكت. أفلا أُشفق أنا على نينوى المدينة العظيمة التي يوجد فيها أكثر مِن اثنتى عشرة ربوة مِن الناس الذين لا يعرفون يمينهم مِن شِمالهم وبهائم كثيرة” (يون4: 9- 11).
الله يقول على نينوى أنها مدينة عظيمة ، قالها بعد توبتها، وقالها أيضاً قبل توبتها، لذلك اهتم أن يُرسل لها منْ يُنبهها ويرُدها إليه. أليس هو الراعي الصالح الذي قيل عنه: “الله بيًن محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا. فبالأولى كثيراً ونحن مُتبررون الآن بدمه نخلُص به مِن الغضب. لأنه إن كُنًا ونحن أعداء صوُلحنا مع الله بموت إبنه فبالأولى كثيراً ونحن مُصالحون نخلُص بحياته” (رو5: 8- 19). فمهما كان حجم ضعفاتك وسقطاتك تأكد أنك عند الله مثل مدينة عظيمة، ولا تتردًد أبداً في الرجوع إليه، بل تأكد أنه ينتظرك فاتحاً أحضانه ومُستعداً للحوار معك وقادراً على تغيير كُل حياتك إلى الخير والفرح والسلام.
تفسير يونان 3 | يونان 4 | تفسير سفر يونان |
تفسير العهد القديم | فهرس |
أ. بولين تدري | ||||
تفاسير يونان 4 | تفاسير سفر يونان | تفاسير العهد القديم |