تفسير إنجيل لوقا أصحاح 18 – أ. بولين تودري
28- الصلاة بإلحاح واتضاع (18: 1-14)
وبعد حديث الرب الطويل مع تلاميذه عن مجيئه الثاني، أراد أن يوجه نظرهم إلي ما ينبغي عمله وهم منتظرين مجيئه. فتكلم بمثلين، مثل المرأة المظلومة، والفريسي والعشار. فقال في مثل المرأة المظلومة التي تُلح علي القاضي لإنقاذها، أنه ينبغي أن نُجمل حياتنا بالصلاة الدائمة، ولا نمل أبدًا، بل نواظب عليها في أوقاتها، فهو ليس كالقاضي الذي يتأخر عن إنصاف المرأة عن قصد، ولكنه حينما يتمهل علينا فهو لحكمة عنده ولوقت معين، فعلينا أن ننتظره بصبر وإيمان، واثقين أنه سيستجيب.
ثم أكمل في مثل الفريسي والعشار موضحًا أنه عندما نصلي فيجب أن تكون صلواتنا باتضاع. ليس كالفريسي الذي كان حريصًا علي حفظ طقوس الدين وإتمامها، فهو يفعل أكثر مما يأمر به الناموس. فالناموس لا يُوصي إلا بصوم واحد في السنة وهو يوم الكفارة العظيم (لا 16: 29، عد 29: 7)، ولكن الفريسي يصوم اليوم الثاني والخامس من كل أسبوع، والشريعة لا تطلب إلا عُشر أثمار الحقل والبهائم (عد 18: 21، لا 27: 30)، أما هو فهو يُعشر كل ما يقتنيه. لقد ظن أن الله يرضيه إتمام الفرائض دون نقاوة القلب واتضاعه، حتى أنه في صلاته رأي أنه أفضل من غيره، ولم يفكر في أن يذكر ضعفاته وينقي قلبه من الخفيات.
أما نحن تلاميذ الرب فدعانا أن نقترب إليه في اتضاع العشار، قارعين صدورنا، مقرين بخطايانا، حتى ينظر لمذلتنا، ويغفرها لنا.
29- دعوة لنعود إلى بساطة الطفولة (18: 15-17)
بعد هذا الحديث، اقترب من الرب يسوع مجموعة من الأطفال، وأعترض التلاميذ علي ذلك. أما الرب فرحب بهم، لأن الكل محتاج أن يقترب من مصدر النور والفرح ليمتلأ منه، الشيخ والطفل، الرجل والمرأة، السيد والعبد، الغني والفقير. بل أكثر من هذا، نادي قائلًا من لا يقبل حقائق الإيمان بالملكوت ببساطة الطفل، فصعب عليه أن يدرك أعماقها ويدخلها.
30- علينا أن نترك شيئًا لنقتني الحياة الأبدية (18: 18-30)
وكان من الموجودين رجل رئيس في مجمع اليهود، وكان غنيًا، بل متعلقًا بأمواله. سأل الرب ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟ فأجابه يسوع بعد أن تأكد من أنه يحفظ الوصايا جيدًا قائلًا له يعوزك شيء واحد، أن تترك محبة المال التي تملأ قلبك، وتشبع الجائع، وتكسي العريان، فيكون لك كنز في السماء.
وكان يوجد باب صغير من ضمن أبواب سور مدينة أورشليم يسمونه ثقب إبرة إشارة لصغره، فعلق الرب علي انصراف الغني حزينًا قائلًا أن دخول الجمل بحجمه الكبير من هذا الباب الصغير جدًا، مع أنه مستحيل، إلا أنه أسهل من أن يدخل إنسان متعلقًا بأمواله إلى ملكوت السموات.
وهنا سأله بطرس وماذا لنا نحن يا سيد الذين قد تركنا كل شيء وتبعناك. فقال الرب أن كل من ترك أي شيء تتعلق به نفسه، حتى لا يعطله هذا التعلق عن محبته لله فسيأخذ عوضًا عنها مئة ضعف في هذا العالم، ويرث الحياة الأبدية.
31- الرب يعلن عن موته وقيامته (18: 31-33)
وأقترب الرب في مسيرته إلى أورشليم، وأحب أن يمهد لتلاميذه ما سوف يحدث له هناك، حتى لا يضطربوا حينما يرون إهانته وصلبه، وطمأنهم أنه في اليوم الثالث سيقوم ، ولكن التلاميذ لم يفهموا، فغالبًا ما يصعب فهم معنى النبوة قبل أتمامها. وربما لم يتخيل التلاميذ أن مسيحهم يتألم ويموت ويتركهم.
ربي وإلهي.. كثيرًا ما أفهم خطأ مثل تلاميذك، أن طريقك كله فرح ونجاح، ولا يوجد فيه ألم البتة. أعطيني يا سيدي أن تكون صورتك وأنت مرفوع علي الصليب أمام عينيً باستمرار، فأحمل صليبي كل يوم وأتبعك. ولا أستغرب من الآلام المحيطة بي، وأدرك أن تحمل الأحزان والأتعاب لابد سيعقبه قيامة ونصرة وفرح.
32- هو نور العالم (18: 34-43)
ألهى.. من هو هذا الأعمى الذي قابلته في الطريق إلى أريحا سوي أنا حينما ولدتني أمي بالخطايا، ولكنك عدت ومنحتني استنارة القلب حينما ولدتني أنت من جرن المعمودية ابنًا لك.
ألهي.. حينما تضغط عليً الحياة بأحزانها ومسئولياتها، حينما يطول زمان التجربة وتئن نفسي تحت ثقلها، وحينما يعظم الإثم في داخلي فيدنس قلبي ويسبي فكري ويعمي عيني. أعطني قوة رجاء لا صرخ نحوك، يا ابن داود ارحمني من ظلمتي.
وحينما يهزأ بيَّ الناس لأني متمسك بك، حينما يوسوس ليً عدو الخير لكي أيأس من رحمتك، وحينما ترفضني نفسي لتكرار سقوطي في الضعف. أعطني إيمانًا لأصرخ أكثر كثيرًا، يا ابن داود أرحمني، لأنك أنت وحدك واهب النور الذي يضئ ظلمة نفسي، وينير بالأمل حياتي.