تفسير إنجيل لوقا أصحاح 19 – أ. بولين تودري
33- هو يطلب ويخلص ما قد هلك (19: 1-10)
دخل الرب أريحا. وهناك كان لقاؤه مع زكا. زكا هذا في نظر الناس رجل خاطئ لأنه رئيس للعشارين. أما قلبه فكان قد تحرك بالتوبة، سمع كثيرًا عن الرب يسوع، فطلب أن يراه. وعندما رآه أكمل توبته بأن قبله في بيته وصحح من سلوكه مع الناس.
ربي يسوع.. كم من مرة يتحرك القلب برغبة في أن يحيا بالحب والأمانة تجاهك، ولكن تعترضني محبتي للضعف، وتكاسلي في أن أراك، والتزامات الحياة.. أمنح قلبي أن يُسرع في قبول دعوتك للسكني فيه بفرح حتى تساعدني علي تغيير حياتي وتخطي كل العقبات. فتخلص نفسي من هلاك محقق وهي بعيدة عنك.
34- ضرورة الاستعداد الدائم ونحن في انتظار الملكوت (19: 11-27)
وبعد الحديث مع زكا، ووعده بقضاء الليلة عنده. لا حظ الرب أنه اقترب من أورشليم. وعرف أن بعض الجمع الذي رافقه هو وتلاميذه يفهمونه خطأ. فهم يظنون أن هدفه من الذهاب إلى أورشليم هو إعلان ملكه، حيث يهزم كل أعداء الأمة اليهودية وبالذات الحكومة الرومانية التي كانوا يكرهونها، ويملك عليهم ملكًا أرضيًا. وأراد أن يصحح هذا المفهوم ويوضح لهم أن ملكوته ملكوت روحي وليس أرضي، فقال مثل العشرة الأمناء (الأمناء = توازي 100 درهم)، ويقصد به أن الله الذي يرمز له بالرجل شريف الجنس قدم مواهبه المختلفة (ذكاء – مال – آباء..) لكل أفراد البشرية (العشرة عبيد) حتى يستثمروها بأمانة إلى أن يأتي مجيئه الثاني ليدين كل واحد حسب أعماله. فمن كان أمينًا سيملك معه ويزيده من مواهبه، ومن يهمل سيدينه ويأخذ منه ما عنده. أما الذين يرفضونه ملكًا روحيًا عليهم من البداية إلى النهاية، فهؤلاء سيذهبون إلى النار الأبدية.
الباب الرابع:
إتمام الرسالة
1- خدمة المعلم (19: 28 – 22: 46)
2- المعلم يقدم ذاته (22: 47 – 23: إلخ)
3- القيامة (ص24)
الإصحاح التاسع عشر
1- خدمة المعلم في أورشليم (19: 28 – 22: 46)
بعد أن أنهى المعلم حديثه في بيت زكا، حيث بات ليلته هناك. سافر في صباح يوم الجمعة من أريحا صاعدًا إلى أورشليم، فأورشليم ترتفع عن أريحا حوالي 3400 قدم. أورشليم هي عاصمة اليهودية، وهي المكان الذي قضى فيه الرب الأسبوع الأخير من حياته على الأرض حيث حوكم وصلب وقبر وقام، وفيها أيضا حل الروح القدس على التلاميذ، ومنها انتشرت المسيحية إلى كل العالم.
وصل الرب إلى بيت عنيا وبيت فاجي (وهي قرى صغيرة شرق أورشليم)، مساء الجمعة، وبات هناك، وقضى السبت أيضًا، وعند نهايته حضر الوليمة التي دهنت مريم قدميه، كما ذكر لنا القديس يوحنا في إنجيله (يو12: 1-9).
1- استقبال الملك في القلب (19: 29-40).
وفي صباح الأحد، أرسل الرب اثنين من تلاميذه ليأتيا له بجحش لينتقل من بيت عنيا إلى أورشليم. مع أنه سافر مسافة طويلة من أريحا إلى بيت عنيا سيرًا على الأقدام، وإنها المرة الثالثة التي يذهب فيها الرب إلى أورشليم أثناء خدمته العلنية، إذ كان يذهب ليحضر العيد كل سنة، ولكنه لم يهتم أن يدخل راكبًا مثلمًا فعل هذه المرة. فهو الآن يريد أن يركب هذه المسافة القصيرة لكي يُعلن نفسه كملك ظافر سوف يغلب الخطية بصلبه، ويكسر شوكة الموت بموته، وينتصر على الشيطان إلى النهاية بقيامته. ولم يحتفل به التلاميذ وجمهور الشعب مثل هذا الاحتفال من قبل، ولكن في هذه المرة أبهرتهم القوات العظيمة التي صنعها أمامهم، فقد سبق وشفى الأعمى بارتيماوس في أريحا (لو18: 35-43) ، وعمل أعظم معجزة وهي أقامة لعازر بعد موته بأربعة أيام (يو11: 44)، لذلك فرشوا ثيابهم في الطريق وعلى الجحش، واستقبلوه بأغصان الزيتون وسعف النخل كما روى لنا الإنجيليين متى ويوحنا (مت21: 8، يو12: 12-19)، وهذه كانت عادتهم في استقبال الأنبياء والأتقياء والملوك الراجعين من حروبهم بالنصرة والغلبة.
ساء بعض الفريسيين أن يروا كل هذا المجد، فطلبوا من المسيح أن يسكتهم، فأجابهم الرب بعلمه السابق قائلًا سيأتي وقت الصلب الذي يسكت فيه هؤلاء عن التسبيح وساعتها ستنطق الحجارة، إذ حدثت بالفعل زلزلة عظيمة والصخور تشققت والقبور انفتحت.
حقيقة ليس ما يفرح رب العالم أن يركب على ظهر حيوان ما لم يحمل هذا سرًا خفيًا، وهو أن يجلس داخليًا متربعًا على عرشه في أعماق نفوس البشر يملك عليهم ويقود خطواتهم.
2- الرب يقف ويبكي على تهاوننا (19: 41-44)
رأى الرب أورشليم عن بُعد وبكى عليها، إنها لم تعرف زمان افتقادها، إنها لم تدرك أن الرب يسوع جاء ليخلصها من شرها، ليحل السلام فيها، فرفضته وصلبته، واستمرت في رفضها له حتى بعد قيامته إلى أن أتى عليها حصار الأعداء الرومانيين سنة 70 م.، حيث خربت بالكامل.
إلهي.. ليتك تمنحني عيون ترى أعمالك، وآذان تنصت لسماع همساتك، وقلب يستجيب لطرقات يدك، فأسرع بالرجوع إليك قبل فوات زمن الرحمة، وفوات العمر، وفوات زمن افتقادك لي.
3- يدخل النفس ويطهرها (19: 45-48).
وفي الثلاثة أيام الأولى من الأسبوع الأخير الأحد والاثنين والثلاثاء، كان الرب يذهب إلى الهيكل ليُعلم ثم يرجع ليبيت في بيت عنيا. وهناك في الهيكل رأى العبادة تختفي، حيث انشغل الناس بأمور الحياة واهتموا بتجارتهم وأرباحهم، ونسوا أن يذكروا الله. أما الرب فلم يقف مكتوف اليدين أمام شر النفوس بل طهرها من أدناسها ثم وقف ليعلم فيها كل يوم أشكرك يا ربي لأنك خلقتني هيكلًا لك على غير فساد، وحينما دنست نفسي بالخطية أعدت لي ثوب بري حينما ولدتني مرة أخرى من المعمودية، وها أنت رتبت لي سر الاعتراف ليحفظ ثوبي نظيفًا من كل ما يتعلق به، وتركت لي كتابك المقدس يعلمني كل يوم عن شخصك المحبوب، فامنحني قلبًا تائبًا يرفض الشر، ونفسًا متضعه تعرف أن تخضع وتتعلم من كلامك.