التفسير القديم للكتاب المقدس- لوقا أصحاح 1
الإنجيل كما دونه لوقا
ملاحظات أولية حول الإنجيل
نظرة عامة: من البدء كان إنجيل لوقا يعتبر سردا تاريخيا يشدد على مواضيع عرفت، حتى يومنا هذا، بأنها من خـصـائص لـوقـا. فإن معجزات يسوع وتعليمه الخلقي أمثلة بارزة على تفصيل لوقا التاريخي. يفرغ لوقا إنجيله في قالب ذي مواضيع كهنوتية، يبدأ بتقدمة زكريا اللاوية في الـهـيـكـل ويـنـتـهـي بـالذبيحة الـكـهـنـوتـيـة فـيـسـوع هـو العجل المقدم كذبيحة على الصليب. العجل رمز في إنجيل لوقا من رؤيا نبوئية، يضع التكفير في مـركـز الإنجيـل (أمبروسيوس). لوقا الأنطاكي طبيب ملم بشفاء الأجساد، يقدم لنا يسوع المعطي إيانا دمه دواء للخلود. ويعلن بولس، لكون لوقا رفيقة في سفره، أن إنجيل لوقا هو كإنجيـلـه فـي شـفـائه للأنفس (أفسافيوس).
لوقا، الإنجيل الكهنوتي. أمبروسيوس: اتبع لوقا ترتيبا تاريخيا معينا، وكشف لنا كثيرا من معجزات الرب، بحيث يعانق تاريخ إنجيله فضيلة الحكمة كلها. فهل ثمة ما يفوق الحكمة الطبيعية عظمة أكثر من الـقـول إن الروح القدس كـان عـلـة التّجسّد الإلهي؟ .. لقد علم أن قوات السماوات ستهتر، وأن الـرب وحـده هـوابـن الله الأوحد، وفي أثناء الامـه سـتـظلم الأرض كليل، والشمس تتلاشى. … وإذا ما قارناه بالأناجيل الأخرى، نراه أكثر حماسة وصف الوقائع منه في التعبير عن قواعد السلوك، والإنجيلي، في تدويـنـه الإنجيل بطريقة تاريخية، يبدأ سرده بشكل قصصي فيقول: «كان في أيام هيرودس مـلـك اليهودية كاهن اسمه زكريا». ويتابع القصة بوصف منظم وكامل. والآن، فالذين يظنون أن الكائنات الحية الأربعة الموضـوفـة في الرؤيا النّبوئية ستكون مفهـومـة لـكـونـهـا الكتب الإنجيلية الأربعة، يرغبون في أن يـرمـز إلى إنجيـل لـوقـا بالعجل: والعجل ذبيحة كهنوتية. فهذا الإنجيل يبدأ بالكهنة وينتهي بالعجل الذي حمل خطيئة الجميع، وقدم نفسه ذبيحة من أجـل حـيـاة الـعـالـم بأسره. كان عجلاً كهنوتيا. إنه العجل والكاهن. ككاهن هو كفارتنا، وشفيع لنا عند الآب. وكعجل يخلصنا بدمه. عرض إنجيل لوقا 7.4.1.
إنجيل بشر به بولس. إفسافيوس. كان لوقا أنطاكي العرق والهوية، امتهن الطب. ورافق بولس ردحا من الزمن، ولم يزامل بقية الرسل. ترك لنا، في سفرين ملهمين، أمثلة على شفاء النفوس، وهذان السفران هـمـا الإنجيل وأعـمـال الـرسـل، اللذان لـم يجمعهما بالسماع، بل سجلهما كشاهد عـيـان يـقـولـون إن بـولـس كـان يـسـتشهد بالإنجيـل كـمـا دونه لوقا وكلما قال «بحسب إنجيلي»، فهو يعني إنجيله الخاص. تاريخ الكنيسة ٤.٣
1:1 -4 المقدمة
لأن كثيرا من الناس أخذوا يدونون رواية الأمور التي تمت عندنا، كما نقلها إلينا الذين كانوا منذ البدء شهود عيان وخداما للكلمة، رأيت أنا أيضا، وقد تتبعت كل شيء من أصوله بتدقيق، أن أكتبها إليك مرتبة، يا صاحب العزة ثاوفيلوس، لتعرف صحة ما تلقيت من تعليم.
نظرة عامة: قد أعطى الروح القدس الكنيسة إنجيلا واحدا للكنيسة في أربعة أسـفـار (أوريجنس). فلوقا لا يقدم سردا «محايدا»، بل سردا مقنعا، اعترافيًا ممتلئا بالمعنى المسيحي (أمبروسيوس). يعتمد لوقا على شهادة الذين رأوا يسوع وسمعوه وسلموا تقليد الأسرار المقدسة (أثناسيوس). فهو لا يتابع هذا التقليد فحسب، بل يصوغه لكنيسة تستند في عبادتها الليتورجية ومجامعها إلى شهود العيان وخدام الكلمة المرتكزة على تجسد يسوع المسيح والإيمان عندنا». به أنه كفارتنا (كيرلس الإسكندري). يمثل ثاوفـيـلـوس جـمـهـورا خـاصـا من القراء، وجماعة محبي الله – المعمدين والذين سيعمدون (أمبروسيوس). هكذا فإن غاية إنجيل لوقا هـي تـقـديـم إيمان واع وثابت يقود إلى الخلاص. يأتي هذا الإيمان عبر مواعظ تعليمية هي عبارة عن إرشاد إلى الوقائع منهجي ودقيق (أوريجنس).
1:1 سرد تبشيري
هناك أربعة أناجيل قانونية.
أوريجنس: بالنظر إلى العهد الجديد «حاول الكثيرون» أن يدونوا أناجيلهم، لكن أناجيلهم لم تحظ بالقبول. عليك أن تعرف أن أناجيل كثيرة أخرى دونت إلى جانب الأناجيل الأربعة التي اختيرت وسلمت إلى الكنائس. هذا ما تشير إليه مقدمة لوقا في قولها: «لما أخذ كثير مـن الـنـاس يـدونـون رواية..». فعل «أخذ» يتضمن مأخذا على الذين اندفعوا إلى تدوين الأناجيل من دون نعمة الروح القدس. متى، ومرقس ولـوقـا ويوحنالم «يأخذوا» يدونون. إنهم دونوا أناجيلهم بعد أن امتلأوا من الروح القدس. «أخذ كثير من الـنـاس يـدونـون روايـة الأمـور الـتـي تـمـت عندنا».
إن عقائدنا حول شخص ربنا ومخلصنا يجب استقاؤها من الأناجيل المعترف بها. أعرف إنجيلا واحدا يسمى «إنجيل توما»، وآخـر «إنجيـل مـتـيـا». وقرأنـا العديد من الأناجيل الأخرى. اطلعنا عليها فلا يحسبن أحد أننا قد غفلنا عن تفحصها. أما قرارنا فهو أننا لا نوافق إلا على ما توافق عليه الكنيسة، أي على الأنـاجـيـل الـقـانـونيـة الأربعة…
يبدي لوقا نيته الصافية باستعماله لفظة يونانية هي: «الأمور التي تمت عندنا». عجزت اللغة اللاتينية عن إيجاد مصطلح لهذه اللفظة. لوقا عرف الأمور ووازن بينها وتفحصها واختار الأصلح منها. (مواعظ على لوقا 1.1-3)
۲:۱ شهود عيان وخدام
شهود عيان وخدام الكلمة المتجسد.
أمبروسيوس: إن خدمة الكلمة أهم من الاستماع إليها. لا يقصد الكلمة المنطوق بـهـا بـل الـكـلـمـة (الـلـوغـوس uerbum) الجوهري – أي الكلمة الذي صار جسدا وسكن بيننا – إذا لا تفهمها على أنها كلمة عادية، بل على أنها الكلمة (اللـوغـوس) السماوي الذي خدمة الرسل. يقرأ المرء في سفر الخروج أن الناس «رأوا» صوت الرب، مع أن الصوت «لا يرى» في الحقيقة، بل يسمع. هل الصوت إلا وقع سمعي لا يميز بـالـعـين، بل يدرك بالأذن؟ حقا، بأسمى صفات العبقرية، تاق موسى إلى القول إن صوت الله يرى، لأنه يرى ببصيرة العقل الـداخـلـي. في الإنجيل، ليس الصوت، بـل الكلمة الأسمى من الصوت، يرى. ترى، لذلك، أن كلـمـة الله راه الرسل القديسون وسمعوه. رأوا الرب، لا استنادا إلى الجسد، بل استنادا إلى الكلمة، لأنهم رأوا مع موسى وإيليا مجد الكلمة. فالذين رأوه في مجده رأوا يسوع. والآخرون الذين رأوا جـسـدا فـقـط لـم يـروه. فيسوع لا يرى بأعين الجسد، بـل بـبـصـائـر الروح. (عرض إنجيل لوقا 5.1)
نقل التقاليد.
أثناسيوس: إن ما تسلمه الرسل نقلوه إلينا بدون تغيير، لكي تبقى عقيدة الأسرار صحيحة. فالكلمة (الكتب المقدسة) توصينا بأن نكون تلاميذ لهم. إنه لحق أن يكون الرسل معلمينا، وإنه لواجب أن نذعن لتعليمهم. منهم ومن الذين علموا بإخلاص عقيدتهم نتلقى حصرا، كما كتب بولس، «القول الصادق الذي يستحق القبول التام». هم تلاميذ حقيقيون… كانوا شهود عيان وخداما لله الكلمة، ونقلوا إلينا ما سمعوه مباشرة من المسيح. (رسالة عيدية ٧.٢)
تقاليد تجسد المسيح والتكفير.
كيرلس الإسكندري: «الذين كانوا منذ البدء شهود عيان وخداما للكلمة» لم يسلمونا إلها آخر، كما قلت، لكنهم سلمونا الإبن الأوحد البكر، الإلـة والإنسـان مـعـا. فالطبيعة الأولى يملكها إلهيًا، والثانية إنسانيا، لما «ولد بكرا لإخوة كثيرين» فصار لنا شبيها. إنه لم يتحد بإنسان آخر – كما ذهب بعضهم بالفن – لكنه صار حقا بشرا، من دون أن يتخلى عما كان عليه، أي عن كونه إلها بالطبيعة ومنزها عن الأهواء. لهذا السبب تألم طوعا بجسده، ولم يعطنا جسد شخص آخر، بالأحرى، قدم كلمة الله الابن الأوحد نفسه، بعد أن صار بشرا، ذبيحة طاهرة إلى الله الآب. (رسالة 4.67.)
4-3:1 هدف إنجيل لوقا
كتب لوقا لمحبي الله.
أمبروسيوس: هكذا كتب الإنجيل إلى ثاوفيلوس، أي إلى من يحبه الله. إن أحببت الله، فإنه كتب لك. وإن كتب لك، فاقبل مهمة المبشر، واجتهد في حفظ صديقك كخادم للوديعة الصالحة بالروح القدس. (عرض لإنجيل لوقا ۱۲.۱)
حقيقة تعليم لوقا.
أوريجنس: «رأيت أنا أيضا، وقد تقصيتها جميعا من أصولها». يشدد على فكرته ويرددها. لم يتلق ما كتبه مما يشاع بل هو نفسه تقضاها من أصولها. لذلك يمدحه الرسول بولس عن جدارة فيقول: «تثني عليه الكنائس كلها في ما يعود للإنجيل». لا يقول الكتاب المقدس هذا عن أي شخص آخر، سوى عن لوقا. «رأيت أنا أيضا، وقد تقصيتها جميعا مـن أصـولـهـا، أن أكتبها لك مرتبة يا ثاوفيلوس المكرم». قد يظن بعضهم أن لـوقـا وجـه إنجيـلـه إلـى رجل يدعى ثاوفيلوس، لكن إن كنتم أنتم ممن يحبهم الله، فأنتم الذين تسمعوننا نتكلم تدعون «تاوفيلي» أي «مـحـبـي الله» (جـمـع ثاوفيلوس)، ويكون الإنجيل موجها إليكم. من كان مثل ثاوفيلوس يسمى «مكرما» و«قويا جدا» لفظ [Theophilos] لفظة يونانية تعني «محب الله». ما من محب لله ضعيف. يقول الكتاب المقدس عن شعب إسرائيل، عندما كانوا يخرجون من مصر، «لم يكن ضعيف في أسباطهم». أستطيع القول بجرأة إن كل محب لله Theophilos هو قوي فله قدرة وعزم من لدن الله وكلمته، وإمكان معرفة «حقيقة» تلك «الكلمات التي تعلم منها، وفهم كلمة الإنجيل في المسيح – الذي له المجد والقدرة إلى أبد الآبدين، آمین». (مواعظ على إنجيل لوقا 6.1)
5:1 – 52:2 ملاحظات أولية عن قصة الطفولة
نظرة عامة:
تثير قصة الطفولة الانتباه العظيم عند آباء الكنيسة، خاصة كمصدر للدفاع عن التجسد. فالوقائع التاريخية تشهد لدور الروح القدس في ميلاد يسوع العجائبي (كيرلس الأورشليمي).
ولادة يسوع التقية والطاهرة.
كيرلس الأورشليمي: فلنتذكر هذه الأشياء، أيها الإخوة، ولنستخدم هذه الأسلحة الدفاعية. وعلينا أن لا نحتمل بطول الأناة أهل النحلة الذين يرجفون بأن المسيح جاء في الظاهر، وأن نمجَّ مجَّا الذين يقولون إن المخلص ولد لرجل وامرأة، ويزعمون أنه ولد ليوسف ومريم، فقد كتب: «وجاء بامرأته». لنتذكر أن يعقوب، قبل أن يـأتـي بـراحـيـل، قـال للابان: «أعطني امرأتي». وكما أن هذه، قبل عقد الزواج، كانت تدعى امرأة يعقوب، بموجب الـوعـد وحـده، كذلـك مـريـم كـانـت تسمى زوجة يوسف بموجب خطوبتها. أنظر دقة الإنجيـل الـذي يـقـول: «وفي الشهر السادس، أرسل الله الملاك جبرائيل إلى مدينة في الجليل اسمها الناصرة، إلى عذراء مخطوبة لـرجـل مـن بـيت داود اسـمـه يوسف..». ولـمـا جـرى الإحصاء وصعد يوسف ليكتتب، قال الكتاب: «صعد يوسف من الجليل من مدينة الناصرة… ليكتتب هو ومريم خطيبته وكانت حاملاً». لأنها كانت حـامـلا؛ ولـم يـقـل الإنجيل «زوجـتـه»، بـل «خطيبته»، لأن الله أرسل ابنه، يقول بولس، مولودا لا لـرجل وامرأة، ولـكـن مـولـودا لامرأة فقط»، أي لعذراء. قد دللنا على أن العذراء تسمى امرأة أيضا، لأن صانع الأنفـس الـعـذاري ولد لعذراء. (المواعـظ التعليمية ٣١.١٢ )
5:1 – 25 البشارة بولادة يوحنا
كان في أيام هيرودس ملك اليهودية كاهن من فرقة أبيا اسمه زكريا، له زوجة من بنات هارون اسمها أليصابات، وكانا كلاهما بارين عند الله، سالكين في جميع وصاياه وأحكامه، ولا لوم عليهما. ولم يكن لهما ولد، لأن أليصابات كانت عاقرا، وقد طعنا كلاهما في السن.
وبينما زكريا يتناوب الخدمة الكهنوتية أمام الله مع فرقته، ألقيت القرعة جريا على عادة الكهنوت، فأصابته ليدخل هيكل الرب ويحرق البخور. وكان كل جمهور الشعب يصلي في الخارج عند إحراق البخور. فتراءى له ملاك الرب قائماً عن يمين مذبح البخور. فاضطرب زكريا حين رآه واستولى عليه الخوف . فقال له الملاك: «لا تخف، يا زكريا، فقد سمع دعاؤك وستلد لك امرأتك أليصابات ابنا تسميه يوحنا.
وستقرح به وتبتهج، ويفرح بمولده أناس كثيرون.
لأنه سيكون عظيما أمام الرب،
ولن يشرب خمراً ولا مسكراً،
ويمتلى من الروح القدس
وهو في بطن أمه،
ويرد كثيرا من بني إسرائيل إلى الرب إلههم
ويسير أمامه بروح إيليا وقوته،
ليعطف بقلوب الآباء على الأبناء،
ويرجع العصاة إلى حكمة الأبرار،
فيعد للرب شعبنا متأهبا».
فقال زكريا للملاك: «بم أعرف هذا وأنـا شيخ، وامرأتي عجوز؟» فأجابه الملاك: «أنا جبرائيل القائم لدى الله، أرسلت إليك لأكلمك وأبشرك بهذه الأمور وها إنك ستظل صامتاً، فلا تستطيع الكلام إلى يوم يحدث ذلك، لأنك لم تؤمن بكلامي، وكلامي سيتم في حينه». وكان الشعب ينتظر زكريا، ويتعجب من إبطائه في الهيكل، فلما خرج لم يستطع أن يكلمهم، ففهموا أنه رأى رؤيا في الهيكل، وكان يخاطبهم بالإشارة، وبقي أخرس. فلما انقضت أيام خدمته انصرف إلى بيته. وبعد تلك الأيام حملت زوجته أليصابات، فأخفت نفسها خمسة أشهر وكانت تقول: «هذا ما صنع الرب إلي يوم نظر إلي ليزيل عني العار من بين الناس».
نظرة عامة:
إن إعلان ولادة يوحنا لمهم في تـاريـخ الخلاص لـكـونـه نـبـيـا وشهيدا (مكسيموس أسقف تورين). يوصف زكريا وأليصابات بأنهما استمرار للبقية الأمينة من العهد القديم. كلاهما ينتميان إلى أصل كهنوتي: زكريا من فرقة أبيا وأليصابات مـن سـلالـة هـارون (أمبروسيوس). كانت أليصابات عاقرا، وكانت طعنت في السن ولم تعد قادرة على الحمل، ومع ذلك يستعمل الله عقم أليصابات لتأتي بولادة معجزة لقديس، تماما كما فعل مع سارة، ورفقة، وراحيل وحنة (أوريجنس).
يبدأ إنجيل لوقا في الهيكل وينتهي فيه، وكذلك يـكـون الأمر بالنسبة إلى قصة الطفولة، فمـذبـحـا الـهـيـكـل يدلان على ميثاقين. والملاك يبشر بمجيء الـعـهد الجديد (بيدي). أما مجيء يوحنا فيبشر بـنـهـايـة عبـادة العهد القديم، والأنبياء،والـكـهـنـوت (أفرام السرياني). لوقا يبدأ إنجيله بقديس من العهد القديم مثل زكريا وهـو يـقـوم بـخـدمـة كنسية مرتبطة بالعهد القديم في الهيكل في أورشليم، ويسفر سرده عـن الكشف عن علاقة إسرائيل الوثيقة بالعهد القديم.
يشير ظهـور الملاك إلى إعلان إلـهـي عـن مجيء الـكـاهـن الحـقـيـقـي (ديونيسيوس المنـحـول). إن إعـلان الملاك عـن الـولادة المعجزة وعن اسم الطفل تسبقه عبارة «لا تخف» (أثناسيوس). جاء الملاك إلى زكريا لكونه الأب الطبيعي ليوحنا، لكن مع يسوع جاء الملاك إلى مريم وليس إلى يوسف. رفع زكريا صـلـواتـه في دور فـرقـتـه الـكـهـنـوتـية لمسيا الآتي (أوغسطين). ولكونه كاهنا في الهيكل فقد استجيبت صلواته. أمر الملاك زكريا بتسمية الصبي يوحنا، الذي يعني «يهوه رحيم» (بيدي). عظمة يوحنا تأتي من الروح القدس وهو في رحم أمـه (أمبروسيوس). لقد عمد يوحنا من سيعمد الجميع (كبريانوس). سبق مسيًا «بروح إيليا وبقوته» (بيدي). الروح لا يكون بلا قوة (أمبروسيوس). إن التوازي بين الإعلانين عن ولادتي يوحنا ويسوع يؤكد العلاقة بينهما في تاريخ الخلاص (أوغسطين). إن عـقـم ألـيـصـابـات وبـتـولـيـة مريم يختلفان، لكنهما يجمعان على أن الله يعمل بطريقة معجزة في ذروة تـاريـخ الخلاص (مكسيموس أسقف تورين). إن صمت زكـريـا عـلامـة لشكوكه، ولـكـون إسـرائـيـل لـم تـصـغ لـصـوت الأنـبـيـاء (أوريـجـنـس). زكريا يشك في كـلـمـة الله ووعده (الـذهـبـي الـفـم). كتمت أليصابات أمـرهـا خـمسـة أشهر، وكانت مريم الأولى الـتـي عـلـمـت بـوضـعـهـا المبارك ورأت فيـه علامة لتفقد الله (أفرام السرياني). تواضع أليصابات أهـاب بالله أن يـزيـل بـطـريـقـة معجزة عارها (أمبروسيوس).
7-5:1 الزمان، والأشخاص والمكان
ولد للتنبؤ ومات من أجل الحق.
مكسيموس التوريني: ولد يوحنا المعمدان ولادة مدهشة، وذبح ذبحا رهيبا. ولد في النبوة وقتل من أجل الحق. بولادته أعلن مجيء المخلص وبـمـوتـه أدان ارتـكـاب هيرودس للمحرمات. هذا الرجل الصالح والقديس ولد بطريقة عجيبة غير مألوفة نتيجة للوعد، وسمح الله له بأن يغادر هذا العالم بموت غير مألوف. فـبـاعـتـرافـه بالرب يترك جسده الذي كان قد استلمه هدية من الرب. لقد فعل يوحنا كل شيء بإرادة الله، إذ إنه ولد ومات من أجل عمل الله. (الموعظة 2.1.5)
خلفية يوحنا الكهنوتية.
أمبروسيوس: يخبرنا كتابنا الإلهي أن المديح لا يليق بصفات المستحقين المديح وحـدهـم، بـل يليق بآبائهم أيضا، ليرتفع شأن الإرث الـطـاهـر الـنـقـي المـنـتـقـل إلـى الـذيـن هـم جديرون بالمديح. ما هو القصد الآخر من هذه الآية؟ الـقـصـد هـو الـتـدلـيـل عـلـى أنّ القديس يوحنـا كـان شهير الذكر بآبائه، وبمعـجـراتـه، وواجـبـاتـه وآلامـه هـكـذا امتدحت حتة أم صموئيل. لقد تسلم إسحق من آبائه نبل التقوى، فسلمه إلى ذريته. لم يكن زكريا كاهنا وحسب، بل كان أيضا من فرقة أبيا، نبيلا بين أسلاف «زوجته التي كـانـت مـن بـنـات هـارون». هكذا تسلم القديس يوحنا النبل من آبائه ومن أجداده، لم يكن رفيع الشأن دنيويا، بل دينيا. ومن المفترض أن يكون لسابق المسيح أجداد من أشباه أجداده ليبشر بالإيمان بمجيء الرب، وهـو إيمان لـم يـولـد فـجـأة، بل تلقاه من أجداده بحكم قانون الطبيعة نفسه. (عرض إنجيل لوقا 15.1-16.)
عقر أليصابات.
أوريجنس: يذكر الكتاب المقدس عددا من النساء القديسات العواقر؛ منهن سارة، ورفقة، وراحيل، المحبوبة عند إسرائيل، وحنة أم صـمـوئـيـل وأليصابات. غير أنهن، على عقرهن، ولدن قديسين. (مواعظ على سفر التكوين 1.12).
الظهور في الهيكل.
بيدي: إن الملاك شهد للنعمة التي جاء مبشرا بـهـا، لا بقدرة الكلام الذي أنبأ به فحسب، بل بالمكان والزمان اللذين ظهر فيهما. تراءى لزكريا في وقت كـان فـيـه يـقـدم الـقـربـان منبئا بمجيء رئيس الكهنة السرمدي والحقيقي، الذبيحة الحقيقية لخلاص العالم. وقف الملاك بقرب مذبح البخور كأنه جاء ليبشر بعهد جديد، هناك مذبحان في الهيكل يرمزان إلى عهدين في الكنيسة: الأول مذبح المحرقات، المغشى بالنُحاس والقائم أمام أبـواب المذبح، وهـو لـتـقـديـم الذبائح والأضاحي، والثاني مذبح البخور، المغشى بالذهب والموضـوع أمـام مـدخـل قـدس الأقداس، وهو لحرق البخور. وهذا يدل على النعمة الكاملة للعهد الجديد وعباده. (مواعظ على الأناجيل 19.2)
إنباء يوحنا بنهـايـة عبادة العهد القديم.
أفرام السرياني: من يمين المذبح بشر يوحنا برب اليمين وفي إعـلان ساعة العبادة أعلن نهاية العبادة القديمة. وفي داخـل بـيـت المـقـدس أصيب زكريا بالعي، فأظهر أن أسرار المقدس أصبحت صامتة، تمهيدا لما كان سيتم. زكريا لم يؤمن بأن عقم زوجته قد شفي، لذا انعقد لسانه. (تفسير الإنجيل الرباعي لـتـاتـيـان 10.1)
17-8:1 ظهور جبرائيل لزكريا في الهيكل
إعلان جبرائيل سر مجيء المسيح.
ديونيسيوس المنحول: أرى أن السر الإلهي لمحبة يسوع للبشر لقن للملائكة أولا، ومن ثم نقل الملائكة لنا نعمة هذه المعرفة. وهكذا أحاط الكلي القداسة جبرائيل الكاهن الأعـلـى زكريا علما بأن إنجـابـه لابـن بالنعمة الإلهية هو سر وهو على غير رجاء. سيكون ابنه نبيا لعمل يسوع الإلهي – الإنساني، الذي كان سيظهر في غنى صلاحه خلاصا للعالم. فيتم في مريم السر الإلهي الذي لا ينطق به للسيادة الإلهية. (التراتب الكنسي ٤.٤)
جبرائيل يزيل الخوف.
أثناسيوس: كلما كـان فـي الـنـفـس جـبـن خـالـع، كان الأعداء حاضرين. فالشياطين لا تبدد خوف النّاس من حضورهم، مثلما بدد رئيس الملائكة العظيم جبرائیل خوف مريم وزكريا. (سيرة أنطونيوس 37)
مجيء ء الملاك إلى زكريا.
أوغسطين: جاء الملاك جبرائيل إلى زكريا، لا إلى زوجته ألـيـصـابـات أم يـوحـــا. لماذا؟ لأن يوحنا سيـكـون عـبـر زكريا في ألـيـصـابـات. إنّ الملاك، في إعلانه أن يـوحـتـا سيـولد، لم يذهب إلى مستودع الرحم، بل إلى مصدر الزرع. أعلن أنه سيكون لهما ابن، لكنه خص الأب بالخبر، لأن يوحنا كان سيأتي من اقتران الذكر بالأنثى، غير أن جبرائيل ذهب إلى مريم وليس إلى يوسف، جاء إلى من سيبدأ منها الجسد، إلى من سيأخذ منها نقطة بدئه. (موعظة 3.291 )
توسل زكريا من أجل مجيء ماسيا.
أوغسطين: كـان الـكـاهـن يـقـدم الذبيحة بالأصـالـة عـن الشعب الذي كان ينتظر المسيح. وكان يوحنا هو الذي بشر بمجيء المسيح. (موعظة 291 .3)
صلاة زكريا الكهنوتية.
الذهبي الفم: دخـل زكريا قدس الأقداس، إلى حيث لا يباح الدخول لغيره من البشر. تأمل مليا كيف كان يوحنا موازيا في الأهمية لسائر البشر. فلما أقام الصلاة من أجل الشعب كله، رافعا إياها لله، وجاعلا السيد صفوحا لخدامه، كان وسيطا بين الله والنّاس. (في طبيعة الله غير المدركة 2. 9-10)
وستسميه يوحنا.
بيدي: كلما غير الله اسم امرئ، إنما يغيره امتداحا لما يتحلى به المرء من فضيلة. حسن أن يأمر الله بأن يدعى يوحنا سابق مخلصنا. اسم يوحنا «نعمة الرب» أو «من أنعم عليه». لقد تسلم نعمة تفوق نعمة القديسين الآخرين، لكونه سابق المسيح. أعلن نعمة لم يسمع بها العالم من قبل، وهي الدخول إلى السماء. كان ممتلئا نعمة، وكان يبشر الناس بنعمة الله لـقـد عـبـر عـن ذلـك اسمه وهو إعلان النعمة. أنبئ حقا بأنه سيكون غبطة للناس بمولده، وبأنّه به أعلن مجدد العالم. (مواعظ على الأناجيل 19.2)
عظمة يوحنا هي في الـروح
أمبروسيوس: سطعت في يوحنا عظمة النفس، لا عظمة الجسد. وعظمة النفس عند الرب هي عظمة الفضيلة، وصغرها هو صغر الفضيلة…. سيكون يوحنا عظيما – لا بفضيلة جسدية، بل بعظمة النّفس فهو لم يوسع حدود إمبراطورية ما، ولم يفضل الانتصارات العسكرية على الشرف. زهد بالملذات الإنسانية وبشهوة الجسد، مبشرا في البرية بعظمة فضيلة الروح. كان طفلاً في الأمور الدنيوية، لكنه كان عظيما في الروح، لم تشدهه إغراءات الحياة، ولم تغير صمود غايته رغبة منه في العيش….
لقد قام الملاك بوعده وبر بقوله، فقبل أن يولد يوحنا – أي لما كان ما يزال في رحم أمه – تقبل نعمة الروح. لم يكن أبوه يصنع المعجزات ولا أمه تجري العجائب. غير أن يوحنا ارتكض في رحم أمه، مبشرا بمجيء الرب. قالت أليصابات لما جاءتها أم الرب: «ما إن وقع صوت سلامك في أذني حتى ارتكض الجنين ابتهاجا في بطني». لم يختلج في أليصابات روح الحياة، بل روح النعمة، نجد في مكان آخر أن نعمة التقديس تسبق مادة الحياة. يقول الرب «قبل أن أصورك في البطن اخترتك، وقبل أن تخرج من الرحم كرستك وجعلتك نبيا للأمم».” روح الحياة شيء، وروح النعمة شيء آخر. (عرض إنجيل لوقا 1. 31-33)
المعمدون على يد يوحنا.
كبريانوس: لم يكتف السابق بأنه بشر بمجيء الرب، بل أشار إليه ليراه الناس، وعمده وهو الذي سيعمد الآخـريـن كـلـهـم. (الجدل حـول المعمودية 25.73).
كيف يكون يوحنا إيليا.
بيدي: كان إيليا ويوحنا عازبين يلبسان اللباس الخشن. كلاهما عاشا حياتهما في البرية يبشران بالحق. إيليا عانى الاضطهاد من أجل البر على يدي أخاب وإيزابل، ويوحنا على يدي هيرودس وهيردويا. وخشية أن يقتل إيليا على أيدي الأشرار، فقد رفع إلى السماء في مركبة نارية وخشية أن يقهر الشرير يوحنا فقد ابتغى الملكوت السماوي باستشهاده الذي أتمه بمعركة روحية. (مواعظ على الإنجيل 23.2)
بروح إيليا وقدرته.
أمبروسيوس: حسنا تُضاف هذه الكلمات، لأن الروح لا يكون أبدا بدون قدرة، ولا الـقـدرة بدون الروح. يقول الكتاب «بروح إيليا وقدرته»، ربما لأن للقديس إيليا قدرة عظيمة ونعمة: قدرة لأنه أرجع أرواح الناس من عدم الإيمان إلى الإيمان، قدرة الإمساك والصبر، وقدرة روح الـنـبـوة…. شق إيليا نهر الأردن ويوحنا جعله ينبوع خلاص مشى يوحنا مع الرب على الأرض، وظهر إيليا مع الرب في المجد. إيليا هو المبشر بالمجيء الأول للرب، ويوحنا المبشر بالمجيء الثاني. روى إيليا الأرض بالمطر بعد انحباس الأمطار عنها ثلاث سنوات، ونضح يوحنا بعد ثلاث سنوات جسدنا الجاف بمياه الإيمان. (عرض إنجيل لوقا 36.1)
20-18:1 جـواب زكريا وإعـلان الملاك
العقر والعذرية.
أوغسطين: تنظر الكنيسة إلى ولادة يوحنا نظرة مقدسة…. وعندما تحتفل بولادة يوحنا، فإنما نحتفل بولادة المسيح أيضا…. يولد يوحنا لعجوز عاقر، ويولد المسيح لفتاة عذراء. الرحم العاقر يلد يوحنا، الحشا البتولي يلد المسيح. ولد يوحنا بعدا أن كانت السن الطبيعية لخصوبة الأبوين قد انقضت. ولد المسيح من دون أن تكون لأمه علاقة زوجية. بإعلان الملاك تم الحبل بالمسيح. لما كان زكريا غيـر مـؤمـن بـأنـه سيرزق يوحنا أصيب بالخرس. أما ولادة المسيح فقد آمنت بها مريم، وبناء على إيمانها تم حبلها به. قبل كل شيء يدخل الإيمان إلى قلب العذراء، ويتبعه الإثمار في رحم الأم. لكن زكريا استعمل تقريبا الكلام نفسه، لما ظهر له الملاك، فقال: «بم أعرف هذا وأنا شيخ كبير، وامرأتي طاعنة في السن؟» ومريم القديسة لما أعلن لها الملاك أنها ستلد المسيح قالت: «كيف يكون هذا وأنا عذراء لا أعرف رجلا؟». في العمق لهذه الكلمات معان متشابهة…
أخيرا، يولد يوحنا عند مغيب شمس النهار وإرخـاء الـلـيـل سـدولـه. يولد المسيح عند انقضاء الظلام وابتداء الصبح بالانبلاج. (موعظة 293. في مولد المعمدان)
أليصابات ومريم.
مكسيموس التوريني: ومع ذلك، يجب أن لا نستغرب، أيها الإخوة، أن يـوحـنـا اسـتـحـق مثل هذه النعمة في ولادته. فعلى سابق المسيح أن يمتلك شيئا ما مماثلاً لولادة الرب المخلص. كان الرب يسوع مولودا لعذراء ويوحنا لعاقر، الأول لفتاة بـكـر عـذراء، والـثـاني لامرأة ذوى شبابها. ولادة يوحنا أمر غريب وعجيب. غير أن تعجبك من امرأة تحبل وتلد وهي متهدمة يتضاءل أمـام تعجبك مـن فـتـاة عذراء تحبل وتلد وهي في رونق الشباب. في الحالتين سر يصعب علينا سبر غوره، كان يوحنا شخصية من العهد القديم، ولد لعجوز دمها بارد، فيما جاء الرب المبشر بإنجيل ملكوت السماوات من فتاة ريانة الشباب. ومريم، الواعية لبكارتها، تتعجب من الثمرة المخفية في بطنها، فيما كانت أليصابات، الواعية لشيخوختها، تحمر خجلاً، ذلك أن رحمها ثقلت بـمـن حـمـلـتـه. هكذا يقول الإنجيلي: «أخفت أمرها خمسة أشهر». من الـغـرابـة أن يقوم رئيس الملائكة جبرائيل بدوره في كل ولادة يعزي زكريا غير المؤمن ويشجع مريم المؤمنة. أصيب زكريا بالخرس لأنه شك. أما مريم، بما أنها آمنت للحين، فقد حبلت بالكلمة المخلص. (موعظة 3.5- 4 )
23-21:1 فهم الناس أن زكريا قد رأى رؤيا
إن إصـابـة زكـريـا بـالخرس أمـارة:
أوريجنس: فيما كان الكاهن زكريا يقدم بخورا في الهيكل، أصيب بالخرس فانعقد لسانه عن الكلام. طفق يومي بيده إلى يوم ولادة ابـنـه يـوحـنـا مـاذا يعني ذلك؟ إن صمت زكريا هو صمت الأنبياء في شعب إسرائيل. لم يعد الله يتحدث إليهم. «كلمته» كـان عـنـد الآب مـنـذ الـبـدء، وكـان الكلمة الله، وقد عـبـر إلـيـنـا المـسـيـح لـم يـكـن صامتا….
توقف المسيح عن أن يكون فيهم. هجرهم الكلمة. وبذلك تم ما كتبه إشعيا القائل: «إبنة صهيون بقيت وحدها، كخيمة في كرم، كـكـوخ في مزرعة، كمـدينة تحت الحصار» هكذا تم التخلي عن اليهود فانتقل الخلاص إلى الأمم. (موعظة حول تفسير لوقا 1.5، 4)
شكوك زكريا.
الذهبي الفم: كان زكريا يـعـلـم الـعـلـم كـلـه أنـه طعن في السن، وأن المشيب علا رأسه، وأن الهدم استولى عليه، وكان يعلم أن زوجته عاقر، فاستولت عليه الـريبـة فـي مـا أنـبـأه الملاك بـحـدوثه. (في طبيعة الله غير المدركة 11.2)
24:1- 25 تبتهج اليصابات بوضعها الجديد
لماذا أخفت أليصابات نفسها.
أفرام السرياني : أخفت أليصابات نفسها بسبب حـزن زكريا، أو حرصا منها على أن لا يدري أحد بأنها أخذت تتصل بزوجها. قد يكون أنها تخفت بسبب شيخوختها. لم تتصرف كمن سبقتها من النساء، فسارة مثلاً لم تخف حبلها بإسحق وهي في التسعين من عمرها، ورفقة لم تخف حبلها بالتوأمين. أما أليصابات فقد أخفت حبلها خمسة أشهر، ولم تكشف أمرها إلا بعد أن اكتمل الجنين في بطنها ليمجد الرب، وبعد أن كانت مريم قد تلقت البشارة. (تفسير الإنجيل الرباعي لتاتيان 24.1)
تواضع أليصابات.
أمبروسيوس: عظيم هو اهتمام القديسين بالتواضع، فهناك تخشَّع كبير في صلواتهم. ومما لا شك فيه أن أليصابات رغبت في أن يكون لها ولد، لكنّها أخفت حبلها خمسة أشهر بدافع من تواضعها. كل مهمة تستلزم سنا معينة، فما يكون ملائما في وقت معين قد يكون غير ملائم في غيره. التغيير في السن غالبا ما يغير طبيعة كل عمل…. من اختبأت من قبل، لأنها حملت جنينا، بدأت تمشي راسخـة الخـطـو لأنهـا حـمـلـت نـبـيـا ومـن تخشعت من قبـل تـبـاركـت الآن، ومـن اعتورها الشك عاودها اليقين. لذلك قالت: «ما إن سمعت صوت سلامك حتى تحرك الجنين في بـطـنـي ابـتـهـاجـا». لذلك، صـاحـت بصوت عـظـيـم لـمـا أدركت مجيء الرب. لقد آمنت بالولادة الإلهية. لا داعي للخجل في قبولها ولادة النّبي هبة من الله لا شغفا ولا تكلفا. (عرض إنجيل لوقا 43.1 -46)
26:1 – 38 البشارة
” وفي الشهر السادس، أرسل الله الملاك جبرائيل إلى مدينة في الجليل اسمها الناصرة، “إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف، واسم العذراء مريم. فدخل إليها فقال: «إفرحي، أيتها الممتلئة نعمة، الرب معك، مباركة أنت في النساء». “فداخلها لهذا الكلام اضطراب شديد وسألت نفسها ما معنى هذا السلام. فقال لها الملاك: «لا تخافي يا مريم، فقد نلت حظوة عند الله. فستحبلين وتلدين ابنا فتسميه يسوع. “سيكون عظيما وابن العلى يدعى، ويوليه الرب الإله عرش أبيه داؤد، ” و يملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولن يكون لملكه نهاية». فقالت مريم للملاك: «كيف يكون هذا ولا أعرف رجلا؟» فأجابها الملاك: «إن الروح القدس سينزل عليك وقدرة العلي تظللك، لذلك يكون المولود قدوسا وابن الله يدعى. وها إن نسيبتك أليصابات قد حبلت هي أيضا بابن في شيخوختها، وهذا هو الشهر السادس لتلك التي كانت تدعى عاقرا. فما من شيء يُعجز الله». “” فقالت مريم: «أنا أمة الرب فليكن لي بحسب قولك». وانصرف الملاك من عندها.
نظرة عامة:
إن التبشير بولادة يسوع يتبع ولادة يوحنا. الإنجيلي ينقل المشهد فيقدم جبرائيل، الـذي يـعـنـي اسـمـه «قدرة الله» (بيدي). إن الرواية الموجزة عن مريم رائعة؛ والصـفـة الـوحـيـدة الـهـامـة لـهـا هـي أنـها «عذراء» تقدم نفسها إلى الرب كهدية (بيدي). هي امرأة مزفوفة وعذراء تحتفظ بعذريتها بعد أن تلد يسوع (جيروم). إنّها تمثل الكنيسة العذراء والمزفوفة بأن واحد (أمبروسيوس). خطوبتها من يوسف تتيح لها أن يقف رجل بجانبها في أثناء حملها وولادتها (بيدي). «السلام عليك، يا ممتلئة نعمة هو سلام فـريـد يلقى على مريم (أوريجنس). يبشرها الملاك فيقول «الرب معك». بسبب تواضعها تكون هذه البشارة مقلقة لها، إذ تكتنفها الأسرار (بطرس خـریـسـتـولـوغـوس) (أمبروسيوس). تبدأ مرحلة جديدة من الخلاص بحبلها بيسوع. وسعت حـواء في رحمها الإنسانية التي أماتتها الخطيئة، أما مريم فقد وسعت في رحـمـهـا آدم الجديـد الـذي سـيـكـون أبا للإنسانية بنعمته (بيدي).
يبتهج الملاك بمريم لكونها هيكل مجد الله. فالله يأخذ منها جسدا ليقود الجنس البشري إلى المجد (كاتب مجهول). يعلم جبرائيل مريم ما يختص بالطفل الذي يعلن لهـا الشـر المقدس لعمل الله فيها. إنها ستكون أما، لكنها تبقى عذراء (بروديـنـتــوس). الطفل الذي تحمله في بطنها هو ابن الله وابن الإنسان معا (بيدي). واسم يسوع يشير إلى أعماله أكثر مما يشير إلى طبيعته. هو سيخلص النّاس مـن خـطـايـاهـم (أفرام)، ويعيد خلق العالم كاتـب مـجـهـول). فـمـن تـحـمـلـه مـريـم فـي رحـمـهـا ليس إلا خـالـق كـل شـيء (كـاتب مجهول). إن يسوع هو ذروة نسل داود – وهو من بيت داود ومن بيت لاوي أيضا (أفرام). هذا يعكس سر كيفية دخول المنزه عن الزمن في الزمن (يوحنا الراهب). في الحبـل بـيـسـوع يـصـبـح بيت داود ويعقوب الكنيسة المسكونية (بيدي).
إن الحبل بيسوع وولادته يفوقان كل وصفي إذا ما قارناهما بالولادات العجائبية في العهد القديم (ليو الكبير، ثيوفانيس). خلافا لزكريا لم يعتور تساؤل مريم شك أو ريب. كانت قد نذرت نفسها للبثولية، لذا طرحت سـؤالـهـا لكي تسبر السر الإلهي للولادة العذرية (أمبروسيوس). كان على جبرائيل أن يقف برهبة أمام مريم، لا أن تقف مريم بـرهـبـة أمـام جبرائيل، لأنها تحمل في رحمها ابن الله الأزلي (ثيوفانيس).
يتحدث جبرائيل عن الروح القدس الذي يحل على مـريـم ويجعلها حبلى بيسوع (بروديـنـتـــوس). هذا يرمز إلـى حـيـاتـنـا الجديدة وإلـى تـجـديـد الـبـشـريـة (بطرس خريسـتـولـوغـوس)، ماء المعمودية هو مثل رحم العذراء (ليو الكبير). إن الولادة العذرية ليسوع تحررنا، لأنها تمت بالروح لا برغبة جسدية (أوغسطين). كما حل الروح القدس على مريم فـأثمرت (بروديـنـتـيوس)، هكذا رف الروح نفسه على المياه في عملية الخلق، إن حضور يهوه في السحابة ظلل الخيمة، فامتلأت من مجده (أفرام). إن مريم، بحملها الطفل المقدس في رحمها، تمثـل الـهـيـكـل والـقـبـة وخـيـمـة الـعـهـد (ثـيـوفـانـيس). كما نزل الروح على مريم فحبلت بالمسيح، ينزل على الخبز والخمر فيستحيلان غذاء الخلـيـقـة الجديدة، مذكرا المسيحيين الأوائـل بـقـبـول المؤمن، في جسده، جسد المسيح ودمـه في المناولة المقدسة (يوحنا الدمشقي).
كـانـت مـريـم نـسـيـبـة لأليصابات، وكانت أليصابات من سبط هارون، لذا كان نسب مریم ملوكيا، من بيت داود، وكهنوتيا، من بيت لاوي. وكان ابنها ملكا وكاهنا معا (بيدي). عكست العذراء، بطاعتها لكلمة الملاك، عصيان حواء التي سقطت بإغراء من الملاك الساقط (إيريناوس).
جبرائيل – قدرة الله.
بيدي: إن كلمة «جبرائيل» تعني «قدرة الله». لذا تألق جبرائيل وتوهج بهذا الاسم، إذ شهد لولادة الرب في الجسد. قـال الـنّـبـي فـي المزمور: «الرب عزيز جبار، الرب قوي في القتال». إنه القتال الذي جاء المسيح ليشنّه على الـقـوى الشريرة في الفضاء، وليخلص العالم من استبدادها. (مواعظ على الأناجيل 1. 3).
مريم تهب الله بتوليتها.
بيدي: دخل إليها الملاك فقال: «إفرحي، أيتها الممتلئة نعمة، الرب معك، مباركة أنت في النساء” مع أن هذا السلام لم يسمع به بشر، إلا أنه كان ملائما لمقـام مـريـم المـبـاركـة كـانت ممثلثة نعمة، لأن الله اخـتـارهـا مـن بين النساء لتقدم له عذريتها هدية نفيسة. إن التي سعت إلى الاقتداء بحياة الملاك كانت جديرة بالتمتع بخبرة رؤية الملاك ومحادثته. كانت ممتلئة نعمة، إذ أعطي لها أن تلد المسيح يسوع، الذي به وهبنا النعمة والحق. كان الرب معها فرفعها أولاً من الدنيويات إلى السماويات بمحبة للعفة لم يسمع بها بشر. ثم قدسها بطبيعته البشرية وبملء لاهوته. كانت مباركة في النساء، إذ لم يسبقها أحد إلى التمتع بكرامة الأمومة وبجمال البتولية. لقد كان فخرا لأم عذراء أن تلد الله الابن. (مواعظ على الأناجيل1.3.1)
بتولية مريم الأبدية.
جيروم: مريم القديسة، مريم المباركة، أم وعذراء، عذراء قبل الولادة وبعدها. إني دهش كيف يولد أعذر لعذراء؟! وكيف تكون الأم عذراء بعد الولادة؟! أتود أن تعرف كيف ولد لعذراء طفل وكيف بقيت الأم بعد ولادتها عذراء؟ «دخل يسوع والأبواب موصودة». فلا شك في أن الذي دخل من الأبواب الموصدة لم يكن شبحا ولا روحا، كان إنسانا حقيقيا بجسد حقيقي، يقول: «إلمسوني وأنظروا. الشبح لا يكون له لحم ولا عظم، كما ترون لي». كان لـه لـحـم وعـظـم، لكنه دخل والأبواب موصدة من دون أن نراه يدخل. كيف يدخل الــحـم والـعـظـم مـن أبـواب مـوصـدة؟ مـن أيـن دخـل؟ كل شيء كان موصدا، فالذي دخل أصبح في الداخل، لكن لم يكن للأمر مأتى ووجه كيف دخل. أنت لا تعرف كيف دخل، وتنسب دخوله إلى قدرة الله. فانسب إلى قدرة الله ولادته لعذراء، وبـقـاءهـا عـذراء بعد الولادة. (حول إنجيل يوحنا 87)
مريم ترمز إلى الكنيسة – مخطوبة لكنها عذراء
أمبروسيوس: من أخذ على عـاتـقـه كشف سر تجسد المسيح أدرك أن السعي إلى إيجاد الدليل على عذرية مريم أمـر فـوق الإمكان، وقد تحسب المحاولة دفاعا عن العذراء، لا اعترافا بالسر لكن عندما لقن بأن يوسف كان صديقا، أعلن أنه لا يقدر على انتهاك هيكل الروح القدس، أي أم الرب، رحم السر.
لقد تعلمنا نسب الحق ومشورته. دعنا نتعلم سره أيضا. زفت مريم بشكل يليق بها، لكنها بقيت عذراء، لأنها ترمز إلـى الـكـنـيسـة الطاهرة المزفوفة. (عرض القديس لوقا 2. 4. 6-7 )
لماذا كانت مخطوبة ليوسف:
بيدي: لماذا شاء أن يـحـبـل بـه ويولد لمن كانت مخطوبة إلى رجل وليس لعذراء عادية؟ عن هـذا السؤال قـدم عـدد مـن الآباء أجـويـة صائبة، أفضلها تجنب إدانتها بالأنس لو حملت ابنا وهي غير مرفوفة. إن الاعتناء بـالشـؤون الـبـيـتـيـة يتطلب إحاطة المرأة النفساء برجل. لذلك يجب أن يكون لمريم المبـاركـة رجـل يـؤدي شـهـادة كـامـلـة لاستقامتها ويرعى ربنا ومخلصنا المولود لها رعاية الأب المربي. لقد قدم، وفقا للشريعة، تقدمة للهيكل عندما كان يسوع طفلاً. وأخذه وأمه إلى مصر عندما كان مضطهدا، وأعادهما وأدى لهما العديد من الخدمات الأخر الناشئة عن ضعف الطبيعة الإنسانية التي اتخذها. فلا مشاحة في أن يخمن بعضهم لحين أنه كان ابن يوسف. لقد اتضح من وعظ التلاميذ بعد صعوده إلـى الشـمـاوات أنه قد ولد لعذراء. (مواعظ على الأناجيل 3.1)
فرادة تحية الملاك إلى مريم.
أوريجنس: حيا الملاك مريم بطريقة جديدة لا أجدها في مكان آخر من الكتاب المقدس. ينبغي لي أن أشرح هذه التحية باختصار، قال الملاك: «إفرحي، يا ممتلئة نعمة» إني لا أذكر أني قرأت مثل هذا التعبير اليوناني في مكان آخر من الكتاب المقدس. تحية من هذا النوع لم تلق على ذكر من قبل، خصت بها مريم وحدها. (مواعظ على لوقا 7.6)
حضـور الـرب سري ومهيب.
بطرس خريستولوغوس: «الرب معك». لماذا سيكون الرب معك؟ لأنـه يـأتـي إلـيـك لا لـيـزورك فحسب، بل لينزل فيك جنينا في سر جديد. قال أيضا الملاك قولاً لائقا: «مباركة أنت في النساء»، باللعنة انتقلت الأوجاع من حواء إلى أرحام النساء حين يلدن البنين. أما الآن فتبتهج مريم بنعمة تلقتها وتكرم بها وترفع كأم. لقد أخذ جنس النساء يحمل الأمومة للذين يعيشون بالنعمة، بعد أن كانوا يخضعون بالطبيعة للموت…. أدركت أنها تقبلت في ذاتـهـا الـقـاضـي السماوي. وفي ذلك المكان تنظر الآن نظرة مترددة إلى البشير من السماء، فقد حول العذراء إلى أم له بدعوة هادئة ويوجد مقدس وجعل أمته والدة له. مع ذلك، اضطرب صدرها، وتشوشت على أفـكـارهـا الأمور وارتجفت عندما وضع الله الذي لا تسعة الخليقة كلها نفسه في رحمها وصار إنسانا. (موعظة 140، بشارة العذراء مريم.)
تواضع العذراء.
أمبروسيوس: تعلم ما هي ميزة العذراء، تـعـلـم مـنـهـا التواضع، تلق مـغـالـيـق السر. إن العذارى في طبيعتهن يرتجفن خوفا من دخول أي رجل عليهن ومـن مـخـاطـبـتـه لهن فلتتعلم النسوة التواضع من مريم. لقد كانت وحدها في الغرفة الداخلية حيث لم يرها رجل. الملاك فاجأها. كان وحده. لم يرافقه أحد ولم يكن في الغرفة من يشهد على زيارته… كانت خائفة من تحية الملاك. (عرض القديس لوقا 8.2- 9)
الموت بامرأة واحدة، والحياة بأخرى.
بيدي: حدثت العلة الأولى للهلاك الإنساني عندما أرسل إبليس الأفعى إلى المرأة التي خُدعت بروح الكبرياء. بل إن إبليس نفسه دخل الأفعى وخدع أبوينا الأولين، وعرى الجنس البشري من مجد الخلود. لقد دخل الموت بامرأة، وبامرأة دخلت الحياة الأولى أغـراهـا إبليس متخفيا بأفعى، وحملت للرجل طعم الموت. والثانية لقنها الله على لسان الملاك، فقدمت للعالم من هو خلاص العالم. (مواعظ على الأناجيل 3.1.)
33-30:1 البشارة بميلاد المسيحي
أخذ الله من مـريـم جـسـدا لـيـقـود الجنس الـبـشـري إلى المجـد.
كاتب مجهول: لما أعـلـن جـبـرائـيـل لـك إرادته الأزلية، جاء ووقف أمامك، أيتها الفتاة، وألقى عليك السلام فقال: إفرحي، يا أرضا بلا زرع؛ إفـرحي، يا عُليقى مشتعلة لا تحترق؛ إفرحي، يا عمقا لا يقاس؛ إفرحي، يـا جسـرا نـاقـلا أهل الأرض إلى السمـاء، إفرحي يا سلما علوية رآها يعقوب، إفرحي، يـا إنـاء حـامـلا المن، إفـرحـي، يـا مـن بـهـا ستباد اللعنة، إفرحي، يا استعادة آدم، الرب معك!
قالت الفتاة الطاهرة لرئيس الطغمات الملائكية: لقد ظهرت لي بصورة رجل، فكيف تحدثني عما يفوق قدرة البشر؟ قلت لي إن الله سيكون معي، وسيقيم في رحمي. كيف أصـبـح المسـكـن الـرحـب والمكـان المقدس للراكب على الشاروبيم؟ لا تغريني! لا تخدعني؛ ؛ فأنا لم أعرف رجلاً قط، ولم أدخل في زواج. فكيف سألد ابنا؟ فرد الملاك الذي لا جسد له، فقال: عندما يشاء الله يغلب نظام الطبيعة، وما هو أسمى من البشر يتم حدوثه. أمني بأن قولي حق، أيتها السيدة الطاهرة الكلية القداسة. أمـا هـي فـصرخت بصوت عال: ليكن لي حـسـب قـولـك، سـألـد مـن لا جسد له، ومن سيستقرض مني جسدا، ليقود البشر إلى المجد القديم، فله وحده القدرة على ذلك! (ستيشيرات عيد البشارة.)
أم وعذراء.
برودينتيوس: تحبل به بنار سماوية. إنه ليس من لحم أب، ولا من دمه، ولا من شهوة بشر. تنفخ الروح في رحم البكر الطاهرة فتحمل بقدرة الله. سر هذه الولادة يؤكد إيماننا بأن المسيح هو الله: إن فتاة لم تشعر بهوى تزف بالروح، تصون طـهـارتـهـا والـطـفـل في داخلها، وتبقى غير ممسوسة. إنّها لساطعة في خصوبتها الطاهرة، فهي أم وعذراء معا، أم لم تعرف رجلاً. لماذا تهز، يا كثير الشك، برأسك الأحمق؟ بشفتين مقدستين جعل الملاك هذا الأمـر مـعـروفـا ألا تسمع مـا قـالـه الملاك؟ العذراء مقدسة، والرسول (الملاك) اللامع أمـن، وبـإيـمـانـهـا حـمـلـت المسيح. يـأتـي المسيح إلى أهل الإيمان ويزدري بـالـقـلـب الذي تنتابه الظنة والريبة. إيمان العذراء الفوري جذب المسيح إلى رحمها فاختزنته حتى الولادة. (ترتيلة حول الثالوث 566 – 584)
يسوع هو ابن الله وابن الإنسان.
بيدي: علينا أن ندقق في ما تفوه بـه الملاك! فكلما الممنا بمعانيه يتضح لنا أن خلاصنا قائم فيه، لأنـه يـعـلـن بـوضـوح كامل أن الرب يسوع مخلصنا هو الابن الحقيقي لله الآب والابن الحقيقي لأم كانت بشرا. يقول: «إنك ستحبلين وسـتـلـديـن ابـنا». اعترف بأن ناسوته اتخذه من العذراء! «سيكون عظيما وسيدعي ابن العلي». واعترف أيضا بأن الابن نفسه هو إله حق من إله حق مساو للأب في الأزلية. (مـواعـظ على الأناجيل 21.3.1)
يسوع سيخلص شعبه من خطاياهم.
أفرام السرياني: يبدأ عد «الشهر السادس» من اليوم الذي حبلت فيه أليصابات. أما الملاك فقد أرسل إلى العذراء وقال لها: ها إنك ستحبلين وأنت بـتـول وتـلـديـن ابـنـا تسمينه يسوع. كان يتحدث عمن سيظهر في الجسد. لم يقل «إن اسمه سيكون يسوع»، بل قال: «تسمينه يسوع». إن هذا الاسم يدل على التدبير الصائر بالجسد. وبالعبرية يعني «المخلص». قال الملاك: «تسمينه يسوع» أي المخلص، لأنه «يخلص شعبه من خطاياهم». هذا الاسم يدل على أعمال يسوع لا على طبيعته. (تفسير الإنجيل الرباعي لتاتيان، 25-26)
حبل مريم بيسوع يتبي بإعادة خلق العالم.
كاتب مجهول: أرسل الله القدير رئيس القوات الملائكية إلى العذراء النقية ليبشرها بالعجب العجاب، وهو أن الله يولد لها بالنّاسوت طفلاً بلا زرع، معيدا تكوين الجنس البشري بأكمله! أيها الشعوب، بشروا بإعادة خلق العالم! (ترتيلة نور البشارة).
تحبـل مريـم بخالق كل شيء.
كاتب مجهول: نزل جبرائيل من علو السماء وجاء إلى الناصرة؛ فمثل أمام العذراء، وهتف بها: إفرحي؛ لأنك ستلدين ابنا أقدم من آدم، وهـو خـالق كل شيء، ومخلص الهاتفين نحوك: إفرحي، أيتها العذراء النقية! من السّماء حمل جبرائيل البشارة إلى العذراء، وهتف نحوها: إفرحي! لأنك ستحبلين بمن لا يسعـة الـعـالـم، فتسعينة في رحمك. ستحبلين بمن شع من الأب قبل نجمة الصبح! انحدر الكلمة المساوي في الأزلية للذي لا بدء له إلى ههنا من دون أن ينفصل عما في العلى، تحتن بمحبته غير المحدودة على الساقطين. تمثل فقر آدم، واتخذ شكلاً غريبا عنه. (مديح البشارة.)
نسب مريم بيت داود ولاوي.
أفرام السرياني: يفهم مما قاله الملاك لمريم من أن «أليصابات نسيبتك…»، أن مريم كانت مـن بـيـت لاوي. فـالنـبـوة تشير إلى كنـيـة الأزواج. كان خطيب مريم من بيت داود، فنسبت ولادة الطفل يسوع إلى بيت داود. في المسيح وصلت ذرية داود إلى مليها. الكتاب المقدس يغفل كنية مريم، لأن نسب الـرجـال وحـده يـذكـر لـو كـانـت الـعـادة أن يذكر الكتاب المقدس كنية الأم، لكان ذكر كنية مريم. وتحاشيا للإشكال من عبارة «أليصابات نسيبتك»، التي قد يستنتج منها أن مريم كانت من سبط لاوي، قال الإنجيلي في مكان آخر إن يوسف ومريم « كانا بيت داود». لـم يـقـل الملاك لمريم «إن أليصابات أختك…»، بـل قـال: «أليصابات نسيبتك». (تفسير الإنجيل الرباعي لتاتيان 25.1-26. )
سر وقت الدخول الأبدي.
يوحنا الراهب: يا للعجب! الله بين البشر: وغير الموسوع في مكان وسعة رحم؛ والذي لا بدء له دخل الزمن. عظيم سر الحبل به بلا زرع. وإخلاء ذاته يفوق الوصف! هذا سر عظيم جدا! الله أخـلـى ذاته، فـتـجـشد حينما أعلن الملاك للعذراء النقية عن حبلها: فابتهجي، أيتها الممتلئة نعمة؛ الرب معك، فله الرحمة العظمى! (ستيشيرات عيد البشارة).
بيت داود ويـعـقـوب هـو الكنيسة الجامعة.
بيدي: في ملء الـزمـان خلص يسوع الـعـالـم بـدمـه، فكان ملكا على الكنيسة كلها، لا على بيت داود وحده. فهو صانع الأجيال كلها وحاكمها. قال الملاك «سيعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه»، ثم أضاف «سيحكم على بيت يعقوب إلى الأبد». بيت يعقوب يشير إلى الكنيسة الجامعة التي تنتسب، بإيمانها بالمسيح وبالاعتراف به، إلى ميراث الـبـطـاركـة، بعض أعضائها ينتسبون إلى الـبـطـاركـة بالجسد، وبعضهم الآخـر أمـمـيـون ولدوا في المسيح بالغسل الروحي. (مواعظ على الأناجيل 3.1)
الولادة العذرية تعلو على كل فهم
ليو الكبير: إن ولادة ربنا يسوع المسيح تسمو على كل فهم وتتجاوز كل نموذج. ( موعظة 4.30 حول ميلاد ربنا)
مريم تنذر نفسها للبتولية.
أوغسطين: كـانـت عـذريـتـهـا أجمل وأكثر إرضاء، لأن المسيح، في أثناء الحبل به، لم يسلب ما كان يصونه، لكن، قـبـل الحـبـل بـه، اخـتـار مـن كانت مكرسة للرب ليولد منها. (البتولية المقدسة 4)
إن الولادة الـعـذرية سر مقدس.
أمبروسيوس: إذا لم تكن فطنا جدا فقد تبدو لك مريم غير مؤمنة: فهي لا يصح أن تكون مختارة لتحمل ابن الله الأوحد إذا كانت بلا إيمان. كيف يكون هذا؟ إذا كانت ميزة الأم، المنعم عليها بعطية أعظم، تبقى سليمة، فكيف يصاب إذا زكريا بالخرس، وينعم على مريم بالروح القدس وهي لا تؤمن؟ لكن الامتياز العظيم يتطلب منها إيمانا أعظم… على مريم أن تؤمن بكلام الملاك فلا تأخذ المقدسات غلابا. لم يكن من السهل عليها أن تعرف السر «المخفي منذ الدهـور في الله»، الذي تعجز القوات الـعـلـويـة عـن مـعـرفـتـه. مع ذلك، لم تنكر الإيمان، لـم تـرفـض مـا يترتب عليها من واجـبـات، ولـكـنـهـا وافـقـت الملاك بملء إرادتها، والتزمت الطاعة. عند قولها «أنى يكون لي هذا؟» لم يستول عليها الشك، بل رغبت في فهم ما استوصى عليها. (عرض إنجيل لوقا 14.2-15)
على جبرائيل أن يرتعب من مريم، لا أن تـرتـعـب مـريـم مـن جبرائـيـل
ثيـوفـانـيس: (والدة الإله) أوضح لي كيف سألده وأنا عذراء؟
(الملاك) أنت تلتمسين أن تعرفي مني أسلوب الحبل، أيتها البتول، لكن هذا الأمر لا يفسّر الروح القدس يظللك بقدرته الخالقة، وهذا سيتم لك!
(والدة الإلـه) لمـا اسـتـسـلـمـت أمـي حـواء لإغراءات الحية، أقصيت عن النّعيم الإلهي. لذا أنا أخشى تحيتك الغريبة من أن تزلقني إلى الهلاك.
(الملاك) إني خادم الله، أرسلت لأظهر لك مشيئته الإلهية. فلماذا ترتعبين مني، أيتها الكليـة الـنقـاوة؟ أنـا أخـاف مـنك! لماذا ترتعبين مني، أيتها السيدة، وأنا مرتعب منك؟ (قانون البشارة).
الروح الملقح.
برودينتيوس: نزلت روحي فلقـحـت جـسـدا مـجـبـولاً من التراب. مع اللاهوت اتخذ الله ناسوتا يشاركه في اللاهوت، وأنـار قـلـوب الـبـشـر بـمـحـبـتـه المتجددة، (ضد سيماخوس 265.2- 269)
ولادة « يسوع» بالجسد ترمز إلى ولادتـنـا لحيـاة جـديـدة بطرس
خريستولوغوس: «ولد من الروح القدس». هكذا ولد المسيح من أجلك لتغير أسلوب ولادتك كإنسان. انتظرك الموت من قبل وكأنه غروب لحياتك؛ أما الله فيشاء أن تكون لك ولادة حياة جديدة. «ولد من الروح القدس لمريم العذراء». فحيث يولد الروح، وتـلـد الـعـذراء يـكـون كل شيء مقدسا؛ لا إنسانيا. (الموعظة 57 حول دستور إيمان الرسل.)
ماء المعمودية كـرحـم الـعـذراء.
ليو الكبير: كل واحد منا هو شريك في هذا المصدر الروحي للتجديد. فعندما يولد المرء ثـانـيـة يـكـون مـاء المـعـمـوديـة مـثل رحم العذراء، لأن الروح القدس نفسه يملأ حوض المعمودية، كما ملأ العذراء، وبذلك تمحي الخطيئة بالغسل السري، كما امحت بالحبل المقدس. (الموعظة 3.24 على عيد الميلاد)
التحرر بالولادة العذرية.
أوغسطين: جاء المخلص من العذراء ليشفي الخطأة؛ إنه لم يأت كما أتيت أنت… «الروح القدس سيحل عليك». هذا ما قيل لفتاة عذراء تتوهج بالإيمان… «الروح القدس سيحل عليك، وقدرة العلي تظللك»… لم يأت إليك كما أنت أتيت، إنـه أتـى لـيحررك. (الموعـظـة 14:153 حول كلام الرسل)
أثمر بالروح القدس.
برودنتيوس: يأتي الملاك جـبـرائيل مـن عـرش الآب الـعـلـي ويدخل بيت العذراء، ويقول لها: سيجعلك الروح الـقـدس مثمرة، وستلدين المسيح، أيتها العذراء المجيدة. (مشاهد من التاريخ المقدس 25)
رفيف الروح يقدس الخليقة الساقطة.
أفرام: من اللائق أن يأتي مهندس أعمال الخلـق لـيـقـيـم الـبـيـت الساقط، وأن يقدس رفيف الروح البيوت النجسة. هكذا، إذا عهد الآب بالحكم الآتي إلى ابنه، فجلي أنه أتم به خلق البشر وتجديدهم أيضا. كان الجمرة الحيـة الـتـي جـاءت لتـلـهـب الأشواك والعليقي. سكن في الرحم وطهره وقدس مكان المخاض واللعنات. ولهيب النار، الذي رآه مـوسـى، كـان يـنـدي الـعـليقي ويستقطر السمن خشية أن يشتعل، يمكن رؤية شبه الذهب المصفى في العليقى التي تتوقد بالنار ولا تحترق. حدث هذا لنعرف أن الـثـار الحـيـة تـأتـي فـي الـنـهـايـة لتروي وتندي رحم العذراء، وتكسوه كالثار التي غلفت العليقي. (تفسير الإنجيل الرباعي لتاتيان 25.1)
مريم تمثل الهيكل والخيمة وتابوت العهد.
ثيوفانيس: (الملاك) إفرحي، أيتها السيدة العذراء؛ إفرحى، أيتها الكلية النقاوة! إفـرحـي، يـا إنـاء الله إفـرحـي، يا مصباح النور، یا تجدید آدم، ونجاة حواء! إفرحي، أيتها الجبل المقدس، والـهـيـكـل الـلامـع إفرحي، يا خدر الخلود! (والدة الإله) لقد طهر نزول الروح القدس نفسي وقدس جسدي: جعلني هيكلا يحمل الله، وتابوتا مزينا تزيينا إلهيًا، ومقدسا حيا، وأما طاهرة للحياة. (الملاك) أراك مصباحا كثير الضياء، خدرا صنعه الله، فتاة طاهرة، وتـابـوتـا مذهبا يستقبل المشرع، الذي بك سره أن يخلص طبيعة البشر الفاسدة! (قانون عيد البشارة).
يأتي الروح القدس بخلق جديد.
يوحنّا الدمشقي: إن كل ما صنعه الله إنما صنعه بفعل الروح القدس، وهو الآن يعمل كذلك بفعل الروح القدس ما هو فوق الطبيعة وما لا يمكن أن يقبله إلا من تحلى بالإيمان. تقول العذراء القديسة: «كيف يكون لي هذا، وأنا لا أعرف رجلا؟»؛ يجيبها جبرائيل رئيس الملائكة: «الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك». تتساءل أنت الآن: كـيـف يصير الخـبز جـسـد المسيح ويصير الخمر والماء دم المسيح؟ – وأنا أقول لك: يحل الروح القدس ويصنع ما يفوق النطق والعقل. (الإيمان الأرثوذكسي 13.4)
38-36:1 جواب مريم الإيماني
يسوع من سبطين ملكوي وكهنوتي.
بيدي: لما ظهر الوسيط بين الله والناس في العالم، كان من اللائق أن يكون نسبه من سبطين، لأنه في ناسوته الذي اتخذه كـان كـاهـنـا ومـلـكـا (مـوعـظـة 3.1 على الأناجيل).
طاعة مریم تعكس عـصـيـان حـواء.
إيريناوس: هكذا جاء الرب وتجلى لخاصته وحـمـل بـمـا يـحـمـلـه نقض بطاعته التي ظهرت في صلبه على الخشبة العصيان الذي حدث بالأكل من الخشبة. لقد تحطمت قوة الإغراء الذي استسلمت له حواء العذراء المخـطــويـة لـرجـل، لمـا بـشـر الملاك مـريـم العذراء المخطوبة لرجل. وكما أغرت كلمة الملاك الشـاقـط حـواء بـالـهـرب من الله، وعصـت كـلـمـتـه، هكذا تلقت مريم بكلمة الملاك البشارة لحمل الله بطاعتها لكلمته. أغريت حواء فتمردت على الله وسقطت، أما مريم فقد أطاعت الله، وأمست مدافعة عن حواء. وكما أخضع الجنس البشري للموت بفعل عذراء، هكذا نال بالطاعة الخلاص على يد عذراء. قوم تأديب المولود الأول خطيئة آدم الأول، وقهرت وداعة الحمامة حكمة الحية، وتقطعت السلاسل التي كنّا موثوقين بها للموت. (ضد البدع 19.5. 20)
45-39:1 الزيارة
” وفي تلك الأيام قامت مريم وأسرعت إلى مدينة يهوذا في جبال اليهودية، ؛ ودخلت بيت زكريا، وسلمت على أليصابات. فلما سمعت أليصابات سلام مريم، ارتكض الجنين في بطنها، وامتلأت من الروح القدس، فهتفت بأعلى صوتها: «مباركة أنت في النساء ! ومباركة ثمرة بطنك! ” من أين لي أن تأتيني أم ربي؟ فما إن وقع صوت سلامك في أذني حتى ارتكض الجنين ابتهاجا في بطني. فطوبى لمن آمنت : فسيتم ما جاءها من عند الرب».
نظرة عامة:
زارت مريم أليصابات ليبارك الـطـفـل الذي تـحـمـلـه في رحمها يوحنا ويجعله بـالـتـالي سـابـقـا لـه (أوريجنس). تواضع مريم يقودها إلى الجبل، إلى مدينة في يهوذا لتهـنـى ألـيـصـابـات بحملها العجائبي بيوحنا، ولتخدم نسيبتها العجوز في آخر أشهر حملها (بيدي). إن ارتكاض يوحنا في الرحم معجزة من المعجزات (أوغسطين). أحـس يـوحـنـا وهـو فـي الـرحـم بقدوم المسيح وأنبـا بـه لـكـونـه سـابقا له (مـكـسـيـمـوس تـوريـنـي). حضور المخلص والخالق في الجسد أحيا رحم أليصابات، ومـن ثـمـر رحـم مـريـم تـحـيـا الـبـرايـا كلها (أفرام السرياني).
إن الحضور المتجسد لمسيا يستدعي من أليصابات إجابة عبادية مزمورية شبيهة بالأسلوب الليتورجي، صوتها العظيم ينم عن ورعـهـا (بيدي). تـصـرخ ألـيـصـابـات الـعـجـور وتـقـول إن يسـوع هـو مسيح الله (برودنـتـیـوس). كانت ممتلئـة مـن الـروح القدس فقالت لمريم مـبـاركـة ثمرة بطنك (أوريجينس). حديث أليصابات لمريم عن مجيء أم الرب إليها يشهد لتواضعها (بيدي). يقود إيمان مريم بوعد الله الكنيسة إلى أن تعظم الرب كما تستجيب هي الآن للمسيح. (أمبروسيوس).
40-39:1 مريم تمضـي لـزيـارة أليصابات
زارت مريم أليصابات ليبارك يسوع يوحنا.
أوريجنس: يزور ذوو الشهـرة والـوجـاهـة مـن هـم أقل قدرا مـنـهـم لأجل منفعتهم. هذا ما فعله المخلص عندما جاء إلى يوحنا طالبا إليه أن يقدس معموديته. ما إن سمعت مريم الملاك، وهـو يبشرها بأنها ستحبل بالمخلص، وأن نسيبتها أليصابات حبلى، حتى «أسرعت إلى الجبل، إلى مدينة في يهوذا، ودخـلـت بـيـت أليصابات». كان يسوع في بطنها، فسارع إلى تقديس يوحنا الذي كان في بطن أمه. قبل أن تأتي مريم وترحب بأليصابات، لم يرتكض الجنين في بطنها. لكن، ما إن قالت مريم إن ابن الله هو في بطن أمه، حتى «ارتكض الجنين ابتهاجا». في تلك اللحظة جعل يسوع من سابقه نبيا. (مواعظ على لوقا 1.7-2)
تواضع مريم يقودها إلى الجبل، إلى مدينة في يهوذا.
بيدي: أسرعت مريم لتهنئ رفيقتها الأمة على ما تلقته من عطية. لم يتم ذلك لتوثيق كلمة الملاك بشهادة امرأة، بل تلميحا إلى أن العذراء اليقظة اليافعة وضعت إمكانياتها كلها في خدمة امرأة عجوز. (مواعظ على الأناجيل 4.1)
41:1 ارتكض الجنين في بطنها
ارتكاض يوحنا هو آية معجزة تدل على الإيمان
أوغسطين: واضح أن أليصابات عرفت بوحي من الروح ما عنى ارتكاض الجنين – أي مجيء أم من سيكون لـه سـابـقـا وبـه مـبـشرا. قد يكون ذلك آية لحدث عظيم يعرفها الشيوخ لا الأجنة. لم يقل الإنجيلي في مقدمة سرده: «أمن الجنين فـي رحـمـهـا»، لكن «ارتـكـض». لم يقل: «ارتكض الجنين في الرحم»، لكن «ارتكض ابتهاجا». نری حالات من هذا الارتكاض تحدث عند الأطفال، وعند الحيوانات أيضا، غير أن هذا الحدوث لا يتم تعبيرا عن إيمان أو رضوخا لدين أو اعترافا بشخص ما. أما في ما تعالجه فيبرز بشكل غير مألوف، إذ إنه يحدث في الرحم عند مجيء من ستلد مخلصا وفاديًا للبشر. لذلك معجز هو هذا الارتكاض المقدم إلى أم الرب. إنه إحدى الآيات العظيمة. فالجنين لم يرتكض متأثرا بوسائل بشرية، بل بوسائل إلهية. هكذا هي الـعـجـائـب. (رسـالـة 22.187-24 إلى داردانوس).
نبوة يوحنـا مـن الـرحـم.
مكسيموس التوريني: قبل أن يولد يوحنا تنبأ وهو في رحم أمه. اعترف بمجيء المسيح مرتكضا من الفرح – لم يسمع له صوت، لأنه كان لا يزال في تلافيف الرحم. قالت أليصابات لمريم القديسة: «ما إن وقع صوت سلامك في أذني حتى ارتكض الجنين ابتهاجا في بطني» ». اغتبط يوحنا قبل أن يولد. وقبل أن تقوى عيناه على رؤية ما في العالم استطاع أن يعترف بروجه برب العالمين. في هذا الاعتبار تمت الآية النّبوية القائلة: «قبل أن أصورك في البطن عرفتك، وقبل أن تخرج من الرحم قدستك». يجب أن لا نتعجب من ذلك، فبعد أن سجن هيرودس يوحنا واصل هذا الأخير الإنباء عن المسيح لتلاميذه، وعندما كان محصورا في الرحم بشر به بارتكاضه. (موعظة 4.5، في عيد ميلاد يوحنا المعمدان)
رحـم ألـيـصـابـات المنتعش.
أفرام السرياني: ارتكض يوحنا ابتهاجا ليعلن عن وعظه المستقبلي. اغتبط جنين المرأة العاقر أمام جنين العذراء. التمس لسان أمه لتنبئ عنه بالرب. كان حبل أليصابات مخفيا عن مريم لستة أشهر، تقوت من خلالها أوصال ! الجنين فصار قادرا على الارتكاض وتأدية الشهادة لمريم. لم يغتبط الجنين وهو في رحم أمه عبثا… بل لتتجلى العطايا الإلهية فـي الـعـاقـر الـتـي كانت تحمله، وارتكض ابتهاجا ليعرف الرحم الآخر، أي رحم العذراء، المواهب المعطاة لألـيـصـابـات، ولتؤمن التُربتان بالزرع الذي تلقتاة بكلمة جبرائيل حارثهما. ولما كان من المستحيل عـلـى يـوحـنـا أن يهتف من فرحه ويؤدي شهادة لربه، بدأت أمه تقول: «مباركة أنت في النساء، ومباركة ثمرة بطنك».لقد أعدّ الرب رسوله في رحم ميت ليظهر أنه أتى بعد آدم الميت. أحيا رحم أليصابات أولاً، ومـن ثـم أحـيـا تـربـة آدم بـجـسـده. (تفسير تاتيان للإنجيل الرباعي 27:1 – 30)
42:1 جواب أليصابات الليتورجي
صوت ألـيـصـابـات الـعـظـيـم هو صوت التقوى.
بيدي: مُنحت أليصابات صوتا عظيما لتعترف بـعـطـايـا الله العظيمة… وأحست بأن من هو حاضر في كل مكان كان حاضرا أيضا بالجسد. حقا إن الصوت العظيم هو صوت التقوى، لم تكن في ورعها قادرة على مدح الرب بصوت منخفض. وبما أنها كانت ممتلئة من الروح القدس، فقد اضطرمت بالنّار حاملة في رحمها من ليس في مواليد النساء أعظم منه. ابتهجت لأن قد قد قدمت إليها من سيولد ابن العلي من جسدها وهي أم عذراء. (مـواعـظ عـلـى الأناجيل 4.1.)
صرخة أليصابات العجوز تعلن أن المسيح هو الله.
برودنتيوس: أؤمن بما يقوله الملاك الذي أرسل من لدن عرش الآب، أما إذا كان سمعك قداستك فلم تسمع الصوت الذي من السّماء، فـكـن حـكـيـما واسـمـع صـرخـة المرأة العجوز الحامل. يا للإيمان العجيب! الطفل في رحم مترهل يرحب على لسان أمـه بـربـنـا ابـن الـعذراء؛ الـطـفـل غير المولـود جـعـل صـرخـة الطفل المعطى لنا معروفة. على الرغم من كونه عيَّا فقد جعل ذلك الفم يبشر بالمسيح أنه الله. (ألوهية المسيح 585-593)
حـضـور الروح القدس في يوحنا وأليصابات ومريم.
أوريجنس: امتلأت أليصابات بسبب ابنها من الروح القدس. الأم لم ترث الروح القدس. يوحنا ناله وهو في رحمها. فامتلأت بواسطته من الروح القدس. سيسهل عليك الإيمان بهذا الأمر إذا تعلمت شيئا مشابها عن المخلص. (في عدد من المخطوطات اكتشفنا أن مريم المباركة كانت تتنبأ نـحـن لـم نـكـن جـاهلين أن ألـيـصـابـات، اسـتـنـادا إلى نسخ أخرى من الإنجيل، كانت تنطق بهذا الكلام في نبوة). امتلأت مريم من الروح القدس عندما حملت المخلص في رحمها. لما نالت الروح القدس خالق جسد الرب، صار ابن الله في رحمها، وامتلأت ، من الروح القدس. (مواعظ على هي لوقا 7. 2-3)
ثمرة رحم مريم تصلح ثمرة ميراثنا السماوي.
بيدي: «مباركة ثمرة بطنك» لأننا بك استعدنا بذر الخلود وثمر ميراثنا السماوي الذي خسرناه في آدم. (مواعظ على الأناجيل 4.1)
44-431 تعجـب اليصابات من تحية مريم
تواضع أليصابات.
بيدي: «من أين لي أن تأتيني أم ربي؟» يا لتواضع فكر النّبية! يا لصدق قول الرب: «إن روحي تستقر على الـوضـيـع والمسكين وعـلـى مـن يـخـاف كلمتي». لما رأت أليصابات الآتية إليها، أدركت أنها كانت أم الرب. لكنها وعت أنها لا تستحق زيارة ضيفة عظيمة كهذه. «من أين لي أن تأتيني أم ربي؟» إن الروح الذي أنعم عليها بعطية النبوة منحها فضيلة التواضع. بما أنها كانت ممتلئة من الروح النّبوية فقد فهمت أن أم المخلص اقتربت منها. لكن، بروح التواضع كانت رزينة، فأعلنت أنها لا تستحق مجيء مريم. (مواعظ على الأناجيل 4.1)
45:1 جواب أليصابات الابتهالي
المسيح ثـمـار المؤمنين.
أمبروسيوس: أوترى كيف أن مريم لم تشك، لكنّها آمنت، فحصلت على ثمر الإيمان. «طوبي… للذين آمنوا». لكن، طوبى لكم أيضا أنتم الذين سمعتم وأمنثم، النفس التي أمنت حبلت بكلمة الله وحملته معلنة عظائمه، فلتكن نفس مريم في كل واحد منكم، حتى يعظم الرب. ولتكن روح مريم في كل واحد منكم، حتى يبتهج بالله. فهي وحدها أم المسيح بالجسد، لكن المسيح هو ثمر كل إيمان. على كل نفس تقبل كلمة الله أن تحفظ طهارتها بلا عيب وشـر مـلـقـيـة رداء الـكـبـر عـن منكبيها. (عرض القديس لوقا 26.2)
46:1- 56 نشيد مريم
فقالت مريم: «تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي ؛ لأنه نظر إلى ضعة أمته. فها منذ الآن تطويني جميع الأجيال، لأن القدير صنع لي عظائم: قدوس اسمه. ورحمته من جيل إلى جيل للذين يتقونه. صنع عزا بساعده فشتت المتكبرين بأفكار قلوبهم. حط الجبابرة عن عروشهم ورفع الوضعاء. أشبع الجياع من الخيرات والأغنياء صرفهم فارغين. عضد عبده إسرائيل ذاكرا، كما قال لآبائنا، رحمته لإبراهيم ونسيله إلى الأبد». وأقامت مريم عند أليصابات نحو ثلاثة أشهر، ثم عادت إلى بيتها.
نظرة عامة: نشيد مـريـم هـو كـلـحـن فـي أوبرا؛ يتوقف الأداء لتضفى على الوضع صفة مميزة عميقة. تشير الزيارة إلى التلاقي بالجسد بين والدتي الشخصيتين المعدتين للخلاص (أوريجنس)، لكن النشيد يعطي هذا اللقاء الأهمية اللاهوتية، إذ تلخص مريم مكانتها في تاريخ الخلاص عندما تعلن الملكوت الجديد (أفرام).
لا تضيف مريم بنشيدها شيئا إلى الله، لكن بـه يـعـظـم المـسـيـح بـصـورتـه الإلهية في نفوسنا (أوريجنس). تعتري مريم رغبة في إنشاد مديحها، لأنها تؤمن بأن هذه الأمور ستحدث رغم خفض جناحها «لأنه نظر إلى ضعة أمته» (بيدي). في الكتاب المقدس الضعة فضيلة (أوريجنس).
إن الضـعـة تـسـتـدعـي رحـمـتـه على الذين يتقون القدوس جيلا بعد جيل (أوريجنس). ليس عـنـد الـلـه مـحـابـاة (بـيـدي). هـنـاك وصـفـان عـامـان يـظـهـران رحـمـتـه عـلـى إسرائيل: شدة ساعده التي تشتت المتكبرين والمتغطرسين (بيدي). هذه إشارة واضحة إلى خروج اليهود من مصر، وإلى علماء الشريعة والفريسيين في أيام يسوع (كيرلس الإسكندري). يشدد الله الوضـعـاء، إذ إن تواضعهم هبة لهم (بيدي). وهذا ما يبدو جليا في مثلي الغني والفقير، والفريسي وجابي الضرائب (أوغسطين).
لما سمى الله إسرائيل عبدا له ذكرنا بمعنى اسم إسرائيل- رائي الله (بيدي). فالله يأتي في الخادم المتألم ليخلص إسرائيل عبده، ذاكرا وعده بأنه رحـيـم للخليقة كلها بإعـطـاء نـسـل إبـراهـيـم مخلصا (كيرلس الإسكندري). يستريح نسل إبراهيم الآن في رحم مريم، بإتمام العهد الذي قطعة الله. ومن خلال ابن مريم سيلد الله الكنيسة نسل إبراهيم الأبدي (بيدي).
46:1 أ تسبحة مريم
الخلاص يبدأ بامرأة.
أوريجنس: تتنبأ أليصابات قبل يوحنا، وتتنبأ مريم قبل ولادة الرب المخلص. لقد انطلقت الخطيئة من المرأة إلى الرجل. ثم انطلق الخلاص من المرأة. هكذا تستطيع النساء الأخريات أن يطرحن عنهن ضعف جنسهن، وأن يقتدين كثيرا بسيرة الـنـسـاء الـقـديـسـات الـلـواتـي يصفهن الإنجيل. (مواعظ على لوقا 2.1.8)
تبشـر مريم بـالملكوت الجديد.
أفرام: أعلنت مريم لأليصابات ما قاله لها الملاك سرا، وأنـه سـمـاهـا مـبـاركـة، لأنها آمنت بإتمام النبوة وبما سمعته. ثم قدمت برفق ثمار ما سمعته من الملاك ومن أليصابات، فقالت: «تعـظـم نـفـسـي الـرب». قالت أليصابات: «طوبى لك، يـا مـن آمـنت». فأجابتها مريم: «ها منذ الآن تطويني جميع الأجيال». وشرعت تبشر بالملكوت الجديد. «ثم رجعت إلى بيتها بعد ثلاثة أشهر»، لكي لا يبدأ الرب، الذي تحمله، خدمته قبل خادمه، رجعت إلى خطيبها تفاديا لتجني الناس عليها. فلو حبلت من زرع بشري لـهـربـت مـنـه. (تفسير الإنجيل الرباعي لتاتيان 28.1)
46:1-ب-48-أ مريم تعظم الرب
يُعظم الرب في صورته الإلهية فينا.
أوريجنس: لنتأمل في نبوة العذراء التي تقول «تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي». اللفظتان، «نفس» و «روح» تحملان تسبيحا مضاعفاء النفس تسبح الرب، والروح تسبحة أيضا، لا لأن تسبيح الرب يختلف عن تسبيح الله، بل لأن الله هو الرب، والرب هو الله.
إننا نتساءل كيف تستطيع النفس أن تعظم الرب. فهو لا يخضع للزيادة ولا للنقصان. فمن هو إذا. ولماذا تقول مريم الآن «تعظم نفسي الرب»؟
كل واحد منا يصوغ شكل نفسه على صورة المسيح فيظهرها صورة كبيرة أو صغيرة. قد تكون الصورة قذرة وسخة، أو نظيفة نقية تطابق شكل النموذج الأصلي. فعندما أجعل صورة الصورة – أي نفسي – كبيرة، وأعظمها بالعمل والفكر والكلام، فإن الرب نفسه يتعظم في نفسي، لأنها صورته. وكما أن الرب يتعظم في صورته التي فينا، هكذا ينقص ويصغر إذا كنا خاطئين. لكن، بالتأكيد، لا ينقص الرب ولا يصغر، لكننا نخلق صورا أخرى في أنفسنا بدلاً من صورة المخلص. وبدلاً من صورة الكلمة، أو الحكمة، والبر، وسائر الفضائل، نأخذ شكل الشرير. (مواعظ على لوقا 1.8-3)
مريم تعلن عن تواضعها وقداسة الله.
بيدي: تعلمنا مريم في كلامها أنها شعرت بأنها غير مستحقة لتسـلـم الـنـعـمـة السماوية… تقول: «لأنه نظر إلى ضعة أمته. فها منذ الآن تطويني جميع الأجيال»، إن ما قالته يدل على أنها كانت حقا خادمة المسيح المتواضعة، غير أن النعمة السماوية شملتها فأعلنت نفسها معظمة وممجدة، تعجب الأمـم مـن طـوبـاويـتـهـا السامـيـة وتمتدحها. (مواعظ على الأناجيل 4.1)
يصنع الله العظائم للمتواضعين.
أوريجنس: «لأنه نظر إلى ضعة أمته، فها منذ الآن تـطـويـنـي جـمـيـع الأجيال». إذا فسرت عبارة «جـمـيـع الأجيال» تفسيراً حرفياً، فإنها تنطبق على المؤمنين. لكن، إذا بحثت عما هو أعمق فإنني أكتشف أهمية الانضمام إليهم. «لأن القدير صنع لي العظائم»، «من وضع نفسه رفع». لقد نظر الله إلى تـواضـع مـريـم المقدس، وبسببه «صنع القدير لي العظائم: وقدوس اسمه». (مواعظ على لوقا 8. 6)
50:1 عظائم رحمة الله
رحمته لكل المؤمنين الذين يتقونه.
أوريجينس: «رحـمـتـه من جيل إلى جيل للذين يتقونه». رحمه الله لم تكن لجيل واحد، ولا لجيلين، ولا لثلاثة، ولا لخمسة أجيال. فهي تمتد «من جيل إلى جيل». «للذين يتقونه صنع عزا بساعده». إنك قد تـدنـو مـن الـرب كرجل ضعيف، وإذا كنت تتقيه وتخشاه تتمكن من سماع وعده… إذا كـنـت تـخـاف الـرب، يجعلك شجاعا قوي الجأش. يعطيك الملكوت، لكي توضع تحت «ملك الملوك»، وتملك ملكوت السماء في المسيح يسوع، له المجد والقدرة إلى أبد الأبدين. آمين. (مواعظ على لوقا 6.8-7)
رحمة الله لا تحابي.
بيدي: تضيف مريم فتوضح بأن «رحمته من جيل إلى جيل للذين يتقونه». تشير في قولها «من جيل إلى جيل» إلى الشعبين: اليهودي والأممي، أو إلى كل البلدان في الـعـالـم… قـال بـطـرس: «أرى أن الله لا يراعي ظاهر النّاس، فمن اتقاه من أية أمة كانت وعمل البر كان عنده مرضيا». (مواعظ على الأناجيل 4.1)
51:1 شده ساعده تشتت المتكبرين
قوة الله تبدد كبرياء الإنسان.
بيدي: لأن أم الله الموقرة علمت أنه رحيم لكل الذين يـتـقـونـه في العالم، وجب عليها أن تشير إلى ما يستحقه المتكبرون والمزدرون بإنذاراته. «صنع عزا بساعده فشتت المتكبرين في أفـكـار قـلـوبـهـم»، «ساعده» يدل على قدرته. لم يـكـن بـحـاجـة إلـى أيـة مساعدة خارجية، لأن قوته، كما كتب، هي في قبضته، يستعملها متى شاء. قيل هـذا بالمقارنة مع ما نصنعه من خير، فنحن لا نعمل البر بقدرتنا، بل بقدرته.” لقد كتب في مكان آخر «لا بسواعدهم نالوا الخلاص، بـل بـيـمـينـك وسـاعـدك ونـور وجهك».(مواعظ على الأناجيل 4.1.)
تتنبأ مريم بكبرياء علماء الشريعة والفريسيين.
كيرلس الإسكندري: يرمز الساعد إلى الكلمة الذي ولد لـهـا. بلفظة المتكبرين تشير مريم إلى:
1) الشياطين الأشرار الـذيـن سـقـطـوا مـع رئيسهم بسبب تكبرهم.
2) والحكماء اليونانيين، الذين رفضوا أن يقبلوا ما بشر به فاعتبروه حماقة.
3) والـيـهـود الـذيـن شـاؤوا أن لا يـؤمـنـوا، فتشتتوا بسبب أفكارهم المشينة عن كلمة الله.
بلـفـظـة الجـبـابـرة تشير مريم إلى علماء الشريعة والفريسيين الساعين إلى مقاعد الشرف. لكن التفسير الأنسب هو أن هذه اللفظة تشير إلى الشياطين الأشرار. فعندما أعلنت قوى الشر سيادتها على العالم بددها الرب بمجيئه، ونقل الأسرى إلى سيادته. (تفسير تسبيحة مريم العذراء ونشيد زكريا.)
52:1 أنزل الجبابرة ورفع المتضعين
عظماء الله هم المتضعون.
بيدي: إن الـذيـن دعـاهـم «مـتـكـبـرين» سمـاهـم هـنا جبابرة. يسمون عن حق متكبرين، لأنهم يرفعون رؤوسهم كبرا كالجبابرة، لا لأنهم جـبـابـرة، بل لأنهم يعولون على قوتهم مزدريـن بـطـلـب الـعـون من خالقهم. لكن الجبابرة الجديرين بأن يدعوا جبابرة هم الـذيـن يـقـولـون مـع الرسول «إننا قادرون على فعل كل شيء بالذي يقوينا، أي بالرب يسوع المسيح».عنهم كتب: «الله لا ينبذ الجبابرة، لأنه هو نفسه جبار» (۱۷) لذلك أنـزل الجبـابـرة عـن عـروشـهـم، ورفع المتضعين. «مـن رفـع نـفـسـه وضع، ومـن وضـع نـفـسـه رفع». مع ذلك، فالذين أنزلهم عن عروشهم لتكبرهم قد يعودون إلى نعمة التواضع عندما يرحمهم. يرفعون إلى مجد أسمى لإخلاصهم في تواضعهم. وهذا ما جرى لشاول، فقد أُنزل عن عرش تعليم الشريعة لكبريائه. لكنه رفع بعد حين إلـى حـمـل بشارة الإيمان بالمسيح، لأنه خفض جـنـاحـه تـواضـعـا. (مـواعـظ على الأناجيل 4.1 )
53:1 أشبع الجياع مـن خـيـراتـه وصرف الأغنياء فارغين
الغني والجائع الفريسي وجابي الضرائب.
أوغسطين: من هم الجياع؟ هم المتضعون والفقراء. من هم الأغنياء؟ هم المتكبرون المتغطرسون. إني لن أرسلكم بعيدا لتروهم. الآن سأريكم، في الهيكل نفسه، أحد الأغنياء الذين أرسلوا فارغين، وأحـد الـفـقـراء الذين امتلأوا من خيراته. «صعد رجلان إلى الهيكل ليصليا، أحدهما فريسي، والآخـر جـابـي ضـرائب».
… لاحظوا الغني، كان يتجشأ طعامه بعد أن بشم منه، وكان ينفث دخان سكره بكبرياء لا ببر. قال: «شكرا لك يا الله، فلست أنا مثل سائر الناس الطامعين الظالمين الزناة، ولا مثل هذا الجابي…»
هلم، أيها الفقراء، تعالوا، يا جباة الضرائب الجياع. بالأحرى، قفوا هنا حيث تقفون الآن. أنتم ترون أن جابي الضرائب «وقف بعيدا»، لكن الرب كـان يقترب من المتضعين. لم يجرؤ على أن يرفع عينيه، هناك كان قلبه. (الموعظة 5.290 -6، في مولد يوحنا المعمدان) .
54:1 رحمة ومعونة لإسرائيل
رحمة لإسرائيل، رجل يرى الله.
بيدي: في كل آية نطقت بها مريم المباركة عن المتكبرين والمتضعين صلة ذكرت من قبل: «من جيل إلى جيل». لا شك في أن الخالق البار الرحيم يشاء في هذا العمر العابر أن يقاوم المتكبرين ويمنح المتضعين النعمة. بعد أن ذكـرت مـريم الخير والبر الإلهيين عادت إلى اعترافها بتدبير التجسد الإلهي الذي لم يـسـمـع بـه قـط لقد شاء الله أن يخلص به العالم، كما قالت، «عضد عبده إسرائيل، ذاكرا رحمته». إسرائيل يعني رائي الله، ويشير إلى كل جماعة بشرية نالت الخلاص. فالله نفسه ظهر بين البشر ليستطيع البشر رؤية الله. أعـان إسرائيل كما يعين الطبيب مريضه، أو كما يدافع الملك عن شعبه من غزو الأعداء. فضلاً عن ذلك، يعيدهم إلى الحرية بعد قهر العدو، ويعطيهم أن يحكموا معه أبديا. (مواعظ على الأناجيل 4.1)
55:1 نسل إبراهيم يدوم إلى الأبد
يتم الله وعده لإسرائيل ولإبراهيم.
كيرلس الإسكندري: لـم يـعـضـد إسـرائـيل الجسدي المـتـبـاهـي بـالاسـم، بـل عـضـد إسرائيل الروحي كما تدل قوة اسمه، أي الـذيـن يـرون الله ويؤمنون بـه ويـنـالـون بالابن التبني، وفق ما وعد به الأنبيـاء والبطاركة القدماء. لكن قد ينطبق ما تقدم على إسـرائـيـل الجسدي، لأن ألـوفـا منهم آمنوا. تذكر رحمته كما وعد إبراهيم وقد أتم ما قاله له: في نسلك تتبارك جميع قبائل الأرض. تم هذا الوعد، إذ منه ولد المسيح مخلصنا المشترك الذي هـو مـن نـسـل إبراهيم، والذي تتبارك به الأمم. اتخذ نسل إبراهيم، كما قال الرسول، وأتم وعده للآباء. (تفسير تسبيحة مريم العذراء ونشيد زكريا )
الكنيسة هي نسل إبـراهـيـم الأبـدي.
بيدي: عندما أتت مريم المباركة على ذكر الآباء، قـدمـتـهـم بـحسب الأصول ذاكرة إبراهيم على وجه خاص، رغم أن العديد من الآباء والقديسين أدوا شهادة روحية على تجسد الرب. كـان إبـراهـيـم أول من أنبـاً بأسرار تجسد الرب وخلاصنا. فيه قيل «بك تتبارك جميع قبائل الأرض». لا يشك أحد من المؤمنين في أن هذه الآية ترجع إلى الرب والمخلص الذي شاء أن يأتي إلينا من نسل إبراهيم ليعطينا بركة أبدية. مع ذلك، لا يشير «نسل إبراهيم» إلى المختارين الذين جعلوا له ذرية فحسب، بل إلى الذين انضموا إلى المسيح من الأمم أيضا. نحن مرتبطون بالآباء برباط الإيمان، مع أننا منفصلون عنهم بتحدر جسدي. ونحن أيضا من نسل إبراهيم، لأننا نولد ثانية بأسرار مخلصنا الذي اتخذ جـسـده مـن صـلب إبراهيم. (مواعظ على الأناجيل 4.1)
57:1 – 66 مولد يوحنا المعمران
وأما أليصابات، فلما تم زمان ولادتها وضعت ابنا. فسمع جيرانها وأقاربها أنّ الرب رحمها رحمة عظيمة، ففرحوا معها. وجاؤوا في اليوم الثامن ليختنوا الطفل وسموه زكريه باسم أبيه. فتكلمت أمه وقالت: «لا، بل يسمى يوحنا». قالوا لها: «لا أحد في قرابتك يدعى بهذا الإسم». وسألوا أياه بالإشارة ماذا يريد تسمينه، فطلب لوحا وكتب: «اسمه يوحنا»، فتعجبوا كلهم. وفي الحال انفتح فمه وانطلق لسانه فتكلم ومجد الله. فاستولى الخوف على جيرانهم أجمعين، وتحدث الناس بجميع هذه الأمور في جبال اليهودية كلها. وكان كل من يسمع بذلك يحفظه في قلبه قائلاً: «ما عسى أن يكون هذا الطفل؟» فإن يد الرب كانت معه.
نظرة عامة:
إن يوحنا هو خاتم النّبيين في العهد القديم، يعد الطريق للمخلص. لقد أبرز لوقا الإنجيلي، في عرضه موضوع الطفولة، الـتـوازي بين يـوحـنّـا ويسوع (أفرام)، ولد يوحنا لرجل مبارك، لكن يسوع ولد لعذراء بلا زرع (كاتب مجهول).
سُـمـي ابـن زكريا وألـيـصـابـات يوحنا، أي «نعمة الله» (بيدي). يرمز أسلوب ولادته المعجز إلى تبشيره بالتوبة، إذ يوقظ بثور المسيح عالما ميتا (كاتب مجهول).
ما أوثقة الملاك حزره هذا الطفل لينبئ هذا الـكـاهـن بـدوره في تـاريـخ الخلاص (مكسيموس تـوريـنـو). التغيير غير العادي لتوقعات النّاس بالنسبة إلى اسم يوحنا يثير مخاوف أمام معجزة ولادته، فيجذب الناس إليه من كل مكان ليتوبوا استعدادا لتسلم أسرار الله المقدسة (بيدي).
58-57:1 تحبل أليصابات وتلد ابنا
الـتـوازي بين يـوحـنـا ويسوع.
أفرام: ولدت أليصابات العجوز آخر الأنبياء، ولدت مـريـم الـيـافـعـة رب الملائكة. ولدت ابنة هارون الصوت الصارخ في البرية، في حين أن ابنة داود ولدت إله الكون القدير. ولدت الـعـاقـر الصافح عن الخطايا، لكن العذراء ولدت حاملها. ولدت أليصابات من يصلح الناس بالتوبة، لكن مريم ولدت مطهر الكون من القذارة. أضاء الأكبر سنا سـراجـا فـي بـيـت يـعـقـوب أبـيـه، فـكـان هـو السراج نفسه، فيما أضاء الأصغر سنًا شمس البر لكل الأمم. بشر الملاك زكريا ليعلن المذبوح المصلوب، والمكروه المحسـود. فالمعمد بالماء سيعلن المعمد بالنار وبالروح القدس السراج، الذي لم يكن مطفأ يبشر بشمس البر والمملوء بالروح يبشر بمعطي الروح. عندما يدعو الكاهن الـنـاس بـالـبـوق يبشر بمن سيأتي عند سماع صـوت الـبـوق عند الانقضاء. الصوت الصارخ يعلن ما يتعلق بالكلمة، ومن رأى الحمامة يعلن من تستقر عليه، كبرق يسبق الرعد. (تفسير الإنجيل الرباعي لتاتيان 31.1)
يولد يوحنا من زرع رجل
كاتب مـجـهـول: المرأة الـتـي كـانـت عـاقـرا ولدت سابق المسيح. إنه خاتم النّبيين. وقف في مياه الأردن ووضع يديه على من أنبأه به كل الأنبياء، فظهر نبيا ومبشرا وسابقا لكلمة الله!
لنمـدح الآن سـابـق الـرب، الذي ولدتـه أليصابات العاقر من زرع الكاهن زكريا. المسيح وحده مر بحقل لم يعبر من قبل… ولدت الـعـاقـر يـوحـنـا بـزرع رجل. وولدت العذراء الـثـقـيـة يسوع وقد ظللها الآب والروح. من ولد لعاقر أعلن نبيا، وواعظا، وسابقا لمن ولد لعذارء بدون زرع بشري! (قنداق وإرموس ميلاد يوحنا المعمدان).
63-59:1 ختان يوحنا وتسميته
اسم يوحنا يعني «نعمة الله».
بيدي: اسم يوحنا يعني نعمة الله، أو «المنعم عليه». بهذا الاسم يعبر عن عظم نعمة تدبير الإنجيل الذي سيعلنه الرب نفسه المانح هذه النعمة للعالم. يتضح من إعلان اسم يوحنا ومباركة زكريا لله أن عددا كبيرا من الكهنة أطاعوا الإيمان عندما أعلن الرسل نعمة العهد الجديد، (موعظة 20.2، ميلاد يوحنا المعمدان)
ولادة يوحنا تشير إلى وعظه.
كاتب مجهول: إن رب الكل وخالقه الفاعل كل شيء بالروح يخرج من رحم عاقر الثمرة، أعـنـي سـابـق المسيح، وينبئ بأن طبيعة المائتين العاقر ستخرج ثمرة إلهية.
وكما أن المسيح معطي الحياة أحيا رحم أمك الميت بولادتك، هكذا قوى بوعظك رجاء المائتين وجدده.
يـا سـابـق المسيح الجدير بكل مديح، لقد تقبلتك البرية كمصباح أعظم من الشمس السماوية. فاستنارت بالفرح وتزينت بك، وهي تسبح الرب والإله مع الخليقة كلها إلى جميع الأجيال. (قانون ميلاد يوحنا المعمدان)
64:1 انفتاح فم أليصابات وانطلاق لسان زكريا
يوحنا يعيد النطق إلى أبيه.
مكسيموس التوريني: لما ولد ابنه يوحنا اهتم الجيران بتسميته. قدم له لوح ليسمي الطفل، فعبر بمـا خـطـت يـده عـما عجز عنه مشافهة. ويـطـريـقـة عـجـيـبة انـفـتـح فـمـه لما بدأ بـالـكـتـابـة عـلـى الـلـوح. فأطلقت الكلمة المكتوبة لسـانـه. أنظر إلى أهمية القديس يوحنا المعمدان. لقد أعاد النطق إلى أبيه، فـأطـلـق لسـان كـاهـن أنظر إلى أهميته: يوحنا أطلق اللسان الذي حبسه الملاك. ما أغلقـه جبرائيل فتحة الطفل الصغير. ولد يوحنا فأصبح أبوه نبيا أو كاهنا يحسن الكلام، فتتقبل المحبة الذرية، ويعترف المقام بالكاهن. (1.6 موعظة، في عيد ميلاد القديس يوحنا المعمدان)
65:1 -66:1 استجابة الجيران
خوف صحي يجذب الناس إلى أسرار إيمان يوحنا.
بيدي: في يوم ختان يوحنا، وعند تسميته، استولى الرعب على قلوب جيرانه كلهم، فانتشرت كل هذه الأقوال في جبال اليهودية. وعند قيامة ربنا، وإرسال الروح من عل، وانتشار اسمه في العالم على يد الرسل، ملأت الرهبة قلوب اليهود وقلوب كل الجيران… وقـلـوب الأمم إلـى أقـاصـي الأرض. وامتدت سمعة يوحنا الطيبة إلى كل جبل اليهودية وكل ممالك الأرض وإلى أهل الحكمة الدنيوية، بحيث إن النّاس في كل مكان نسوا سيرتهم السابقة وأكبوا على النفاذ إلى أسرار إيمانه. (موعظة 20.2، ميلاد يوحنا المعمدان)
67:1 – 80 نشيد زكريّه
وامتلأ أبوه زكريا من الروح القدس فتنباً، قال: «تبارك الرب إله إسرائيل لأنه افتقد شعبه واقتداه فأقام لنا قرن خلاص في بيت عبده داود كما وعد من قديم الزمان بلسان أنبيائه الأطهار: خلاصا من أعدائنا وأيدي جميع مبغضينا ورحمة منه لآبائنا وذكرا لعهده المقدس وللقسم الذي أقسمه لأبينا إبراهيم أن ينعم علينا أن ننجو من أيدي أعدائنا فنعبده غير خائفين في قداسة وبر أمامه طوال أيام حياتنا. و أنت أيها الطفل ستدعى نبي العلي لأنك تسير أمام الرب لتعد طرقه وتعلم شعبه الخلاص بغفران خطاياهم. ” بأحشاء رحمة إلهنا بها افتقدنا المشرق من العلى فقد ظهر للمقيمين في الظلمة وظلال الموت ليهدي خطانا في سبيل السلام. وكان الطفل ينمو ويتقوى بالروح. وأقام في البراري إلى يوم ظهوره لإسرائيل.
نظرة عامة:
يربط نشيد زكريا العهدين الـقـديم والجديـد مـشـيـدا بـعـظـائـم الله الخلاصـيـة فـي الماضي، وملمحا إلى أن يوحنّا ويسوع سيتمانها (نیکیتا رميسيانا). يمتلئ زكريا من الروح القدس، وتـكـسـر نـبـوتـه صـمت الأشهر التسعة، فيتحدث إلى يوحنّـا بسمع أذنـه فـي يـوم ختانه (أمبروسيوس). يؤكد زكريا في أول أنشـودتـه الـتـجـسـد وفـداء المسيـح الـلـذيـن سيهيىء لهما يوحنّا (بيدي). يدل رمز القرن في بيت داود على القدرة والملكية (جيروم). سيخرج نسل داود قرن خلاص مغروسا في كرم إسرائيل الذي كرمته هو المسيح (أوريجنس). مركز هذا النشيد هو ذكـرى عـهـد الـرب المـقـدس والـيـمـين الذي حلفه لإبراهيم، يمين يؤكد لإسرائيل تحقيق وعد الله (كيرلس الإسكندري). الحافز إذا هو أمانة الله لوعده بافتقاد البشر وتخليصهم مـن كـل أعـدائـهـم المـاديين والروحانيين (أوريجنس). ارتكض يوحنا في بطن أمه لما سمع صوت مريم الحاملة المخلص، الآن يسمع صوت زكريا أبيه الذي يعلمه قبل أن ينطلق مثل موسى إلى البرية (أوريجنس). يدعى يوحنا «نبي العلي»، لأنه مقام من الله مثل سائر الأنبياء قبله (كيرلس الإسكندري).
يوحنا هو ذلك النور الذي يضيء الطريق لمجيء المسيح، المرموز إليه في الشريعة الـتـي سـبـقـت مـجـيء ء المخلص (كيرلس الإسكندري). الهدف من تجسد الله وفدائه هو إحلال السلام على الخليقة المقيمة في الظلام وظلال الموت، وهـدايـة البشر في طريق السلام (بيدي). الفجر العلوي هو ابن الـعـلـي (غريغوريوس الـنـزيـنـزي). هذا هو المسـيـح الـثـور والشمس اللذان يـنـشـران السلام على الخلـق (كيرلس الاسكندري). ينهي الإنجيلي النشيد ملمعا إلى سر نمو يوحنا في الروح (أوريجنس).
67:1 امتلا زكريا من الروح القدس فتنبأ
نبوة زكريا هي أنشودة.
نيكيتا رميسيانا: لم ينقض العهد الجديد ما كان روحيا في الـعـهـد الـقـديـم، كالإيمان، والـتـقـوى، والصلاة، والصـوم، والصبر، والعفة، والتسبيح، بل زاد، لذلك تجد في الإنجيل زكريا، أبا يوحنا، يتنبأ منشدا نشیده بعد صمت طويل. الترتيل الليتورجي.
يفتح الروح القدس أذنـي يـوحـنـا ليسمع نبوة زكريا.
أمبروسيوس: قد يعتبر بعضهم أنه من الشخف التحدث إلى طفل في يومه الثامن. لكن، إذا تمسكنا بالحقيقة، سنفهم أن الطفل الذي سمع تحية مريم قبل ولادته قادر على سماع صوت أبيه، عرف النبي أن للنبي آذانا أخرى يفتحها له روح الله رغم حداثته. فمن كان مهيأ للابتهاج كانت عنده قوة الإدراك. (عرض القديس لوقا 33.2-35)
70-68:1 افتقاد الله للبشر وإنقاذه إياهم وفق نبوة الأنبياء
مبارك هو التجسد والفداء.
بيدي: إسمع ما قاله زكريا وهو يتنبأ ويبارك الله: «تبارك الرب إله إسرائيل لأنه افتقد شعبه وافتداه». لاحظ أنه كان يتحدث متنبئاً، كما لو أن ذلك حدث من قبل، بحدوث ما سبق فراه بالروح. فربنا، بظهوره في الجسد، افتقدنا عندما كنا بعيدين عنه، واختار أن يمد يده لنا، ويبررنا عندما نكون خطأة. افتقدنا كما يفتقد الطبيب المريض، ليشفي المرض المتأصـل فـيـنـا مـن كبريائنا. إنه أعـطـانـا مـثـال تـواضـعـه، خلص شعبه وأعطانا الحرية بعد أن دفع ثمنها بدمه وبعد أن كنا المبيعين لعبودية الخطيئة وعاكفين على خدمة العدو القديم. لذلك يحثنا الرسول، فيقول: «اشترانا ودفع ثمنا باهظا فمجدوا واحـمـلـوا الله في أجسادكم».( موعظة 20.2، ميلاد يوحنّا المعمدان)
القرن رمز لقدرة الله وملكوته.
جيروم: يرمز صوت القرن إلى رجل الله في سيادته. ويدل الـقـرن فـي الـكـتـاب المقدس على الملـوكـيـة والقدرة، فيقول: «رفع لنا قرن خلاص»، (الموعظة 25 حول مزمور 97)
خلاص من نسل داود مزروع في كرم المسيح.
أوريجنس: لمدة ثلاثة أشهر كان زكريا يتلقى غذاء روحيا من الروح القدس. كان يتلقى العلم رغم عدم إدراكه، ثم أنبأ بالمسيح فقال: «افتقد شعبه وافتداه فأقام لنا قرن خلاص في بيت عبده داود». لأن المسيح «جاء من نسل داود». لقد كان «قرن خلاص في بيت داود». والآية التالية تدعم ذلك: «غرس الكرم على رابية قرنية الشكل». على «أي قرن غرس؟» على يسوع المسيح، الذي عـنـه يـقـول الكتاب المقدس: «أقام لنا قرن خلاص في بيت عبده داود كما قال بلسان أنبيائه الأطهار في الزمن القديم». (مواعظ على لوقا 1.10- 2)
75-71:1 متذكرا عهد خلاصه ورحمته لإبراهيم
المسيح هو الرحمة والبر:
كيرلس الإسكندري: المسيح هو الرحمة والبر. به رحمنا وتبرّرنا، فغسلنا لطخات الشرور بإيماننا به. (تفسير تسبيحة مريم العذراء ونشيد زكريا)
يمين الله تأكيد لليقين.
كيرلس الإسكندري: لا يجوز لأحد أن يحلف اليمين لمجرد أن الله حلف اليمين لإبراهيم. فكما أن غضب الله ليس غضبا، وليس فيه هوى، بل هو دلالة على قوة العقاب… فإن حلف اليمين ليس قسما. إن الله لا يقسم، لكنّه يشير إلى الحدث اليقين – وكل ما يقوله سيحدث بالضرورة. يمين الله هو كلمته. إنه يقنع أولئك الذين يسمعون، ويجعل كل واحد واثقا بما وعده به، فإرادته المذكورة ستتم حتما. (تفسير تسبيحة مريم العذراء ونشيد زكريا)
الخلاص في السـمـاء والأرض مـن الأعـداء الماديـيـن والـروحـانـيـين.
أوريجنس: «خلاصا لنا من أعدائنا». لا نظنن أن هذا يعني الأعداء الماديين، بل الأعـداء الـروحـانـيـيـن. فالرب يسوع جـاء «قويا في القتال»، ليدمر كل أعدائنا ويحررنا من أشراكهم، أي من يد كل أعدائنا «ويـجـبـه كـل مـن يـكـرهـنـا». «رحمة منه لآبائنا». أعتقد أنه تبارك في مجيء الرب إبـراهـيـم، وإسحق، ويعقوب. رأوا من قبل يـومـه وابتهجوا. فلا يصدق أنـهـم لـم يـنـالـوا فائدة منه حين أتى وولد لعذراء. لماذا أتكلم على البطاركة؟ إنني متبع بجرأة سلطة الكتب المقدسة على المقامات السامية، إن حضور الرب يسوع وعمله لا ينفعان في ما هو دنيوي فحسب، بل في ما هـو سـمـاوي أيضا. لذلك، يقول الرسول: «يصالح به كل شيء في الأرض كما في الشـمـاء، فـبـدمـه عـلـى الصـلـيـب حـقـق السّلام». لكن، إذا كان حضور الرب نافعا السماء وعلى الأرض، فلماذا تتردد في قولك إن مجيئه أيضا أفاد أجدادنا؟ ما قاله الكتاب المقدس قد تم، «أظهر رحمته لآبائنا وذكر عهده المقدس والقسم الذي أقسمه لأبينا إبراهيم بأن ينعم علينا أن ننجو من أيدي أعدائنا فنعبده غير خائفين». (مواعظ على لوقا 3.10-4)
77-76:1 زكريا يخبر يوحنا بأنه ماض أمام الرب ليعد طرقه
يعلم زكريا يوحنا وهو جنين قبل انطلاقه إلى الصحراء.
أوريجنس: عندما سمع يوحنا بيسوع ارتكض في بطن أمه، وقفز فرحا، لماذا لا تؤمن بأن يوحنا قادر على فهم نبوة أبيه يوم يولد، وفق ما قاله زكريا له: «وأنت أيها الطفل ستدعى نبي العلي لأنك تسير أمام الرب لتعد طرقه».
أظن أن زكـريـا سـارع إلـى الـتـحـدث إلى الجنين، لأنه عرف أن يوحنا سيعيش في البرية، ولذلك لن يتمتع بحضوره. «الولد كان في البرية إلى يوم ظهوره لإسرائيل». موسى عاش أيضا في البرية. فبعد بلوغه الأربعين عاما هرب من مصر ورعي قطعان يثرون لأربعين سنة أخرى. لكن يوحنا انطلق إلى البرية بعد ولادته. (مواعظ على لوقا 5.10 – 7)
نبي العلي يأتي من لدن الله.
كيرلس الإسكندري: أعرف أن المسيح هو العلي. كان يوحنا سابقه في ولادته وفي وعظه. مـاذا يـقـول أولئك الـذيـن يـتـغـاضـون عن لاهوته؟ ولماذا لا يفهمون أن ما قاله زكريا «وأنت أيها الطفل ستدعى نبي العلي» عنى به «الله» الذي إلـيـه ينتسب كل الأنبياء. (تفسير تسبيحـة مـريـم الـعـذراء ونشيد زكريا)
79-78:1 رحمة من حنان إلهنا بها افتقدنا الشارق من الغلى
ترمز الشريعة إلى يوحنا كسراج يسبق المسيح.
كيرلس الإسكندري: كان يوحنا لأهـل الشـريـعـة والساكنين في اليهودية سراجا يسبق المسيح. وعنه تحدث الله في قوله: «لقد أعددت سـراجـا لمسيحي». السراج في الشريعة يرمز إلى يـوحـنـا فـي الخـيـمـة الأولـى كـان السراج مشتعلاً دائما، وعـنـدمـا أحس بـه الـيـهـود أسرعوا إلى معموديته. لكن رغم إعجابهم بسيرته، جعلوه للحين يرقد رقدة الموت، فبذلوا قصارى جهدهم في إطفاء السراج المشتعل. لذلك، تحدث المخلص عنه فقال: «كـان يـوحـنـا سـراجـا منيرا فـرضـيـتـم أن تبتهجوا فترة بنوره».( تفسير تسبيحة مريم العذراء ونشيد زكريا)
من أجل شعبه يدخل الله ظلام عالمنا ويأتي بالنور.
بيدي: إن زكريا، في قوله «لشعبه»، لا يعني أن الله وجدهم شعبا له إثر قدومه، إلا أنه جعلهم كذلك بافتقادهم وإعتاقهم. أتريد أن تسمع عن الوضع الذي وجدهم فيه، وما صنع لهم؟ النشيد يوضح ذلك بقوله: «تلك رحمة من حنان إلهنا بها افتقدنا المشرق مـن الـعـلـى فقد ظهر للمقيمين في الظلمة وظلال الموت، ليسدد خطانا لسبيل السّلام». وجدنا مقيمين فيا الظلمة وظلال الـمـوت معاقين بعمى الخطيئة وبالجهل، مغلوبين بخديعة العدو الـقـديم وضـلالـه هـذا يـسـمـى الموت والضلال، أما الـرب فـيـسـمـى الحق والحياة.) أشرق الرب علينا بنور معرفته، وأزال ظـلام الضلال، وفـتـح لنا طريقا تقودنا إلى السماء. أرشدنا في أعمالنا لنتمكن من السير في جادة الحق التي أرانا إياها وأدخلنا إلى مسكن السلام الدائم الذي وعدنا به. (مواعظ على الأناجيل 20.2)
المشرق مـن العـلى هو ابن العلي
غـريـغـوريـوس الـزيـنـزي. ما أعظم من أن يتلاقى الله وتواضع الإنسان، ويجعله إلها، هكذا يفتقده المشرق من العلى؛ فالمقدس المولود يدعى ابـن الـعـلـي، ويعطى اسما «أعلى من كل اسم؟» فمن يكون هذا سوى الله؟ فتنحني كل ركبة أمام من أخلى نفسه من أجلنا. الأيقونة الإلهية امتزجت بشكل العبد، ليعرف كل بيت إسرائيل أن الله جعله ربا ومسيحا. حدث ذلك كله بفعل المولود وبمسرة الوالد. (المواعظ اللاهوتية 3.4)
المسيح هو النور والشمس التي تظهر السلام في الظلمة.
كيرلس الإسكندري: كـان الـعـالـم يـتخبط في الضلال، ويعبد المـخـلـوق مـن دون الخالق، فأظلم بظلام الجهل. لقد أرخى الظلام سدوله على عقول الجميع، فعجزوا عن رؤيـة مـن هـو الله بطبيعته. لكن رب الكل قام في اليهودية نورا وشمسا للبر. (تفسير تسبيحة مريم العذراء ونشيد زكريا )
80:1 كان يوحنا ينمو في الروح ويقيم في البرية
كيف تقوى يوحنا في الروح؟
أوريجنس: نما يوحنا وتقوى وهو لما يزل طفلاً. لكن، بين البشر يصعب أن ينمو طفل ويتقوى في الروح. «كـان الـطـفـل يـنـمـو ويـتـقـوى في الروح». أن «ينـمـو» شيء، وأن «يـتـقـوى» شيء آخر. فالطبيعة البشرية ضعيفة. تحتاج إلى مساعدة إلهية لتتقوى. لقد قرأنا في الكتاب أن «الجسد ضعيف». فأية قوة تستطيع أن تـقـويـه؟ الروح، طبعا «الروح هي راغب، لكن الجسد ضعيف». من أراد أن يتقوى يجب عليه أن يتقوى في الروح وحـده. كثيرون هـم أقـويـاء في الجسد، وتصبح أجسـادهـم أكثر قوة، لكن، على مجاهدي الله أن يتقووا في الروح. هكذا تقوى، ليدحض حكمة الجسد. سيخضع النشاط الروحي الجسد لأمر النفس. علينا أن لا نظن أن قـول الـكـتـاب كـان يـنـمـو ويتقوى في الروح»، لا يقصدنا أيضا. لقد كتب ذلك لتتمثله. يجب أن نأخذ «النمو» بالمعنى الذي شرحناه، ونتنامي روحيا. (الموعظة 1.11-3)