التفسير القديم للكتاب المقدس – لوقا أصحاح 11
11: 1- 13 الصلاة الربية
1:11 – 4 الصلاة
وكان يصلي في بعض الأماكن، فلما فرغ قال له أحد تلاميذه: «يا رب، علمنا أن نصلي كما علم يوحنا تلاميذه». فقال لهم: «إذا صليتم فقولوا: أيها الآب ليقدس اسمك، ليأت ملكوتك. خبزنا الجوهري أعطنا اليوم، واغفر لنا ما علينا كما نغفر لمن لنا عليه، ولا تدخلنا في التجربة».
نظرة عامة:
علم يسوع تلاميذه كيف يقيمون الصلاة (أوريـجـنـس)، وكـيـف يخاطبون الله كـ «أب». وبذلك يشركهم في علاقته بالله، التي امتياز هي ومسؤولية بـأن واحـد (كيرلس الإسكندري). في كل الإنجيل يلاحظ التلاميذ علاقة يسوع بالله الآب، ويدركـون أنـهـم بـابـن الله يصيرون أولادا لله، وأن كل صلاة إلى الآب ترفع بالابن (أوريجنس).
تعلن صلاة يسوع الأولى إلى الأب من هو الله – ما هو اسمه- وما يفعله – وكيف هو حكمة كملك. يعلم يسوع تلاميذه أن اسم الله مقدس، وأنّـهـم بمـنـاداتـهـم الله أبا يحفظون اسـمـه بـالـقـداسـة (كيرلس الاسكندري)، ويثقون بأنه سيستجيب لهم بلطف لأجـل ابـنـه الـقـديـسـون وحـدهـم قادرون على أن يـرفـعـوا الصلاة قائلين «ليأت ملكوتك»، لأن الأشرار لا يرغبون في حكم الرب، وهم في الإثم واقعون (كيرلس الإسكندري). إن الصلاة من أجل أن تكون مشيئة الله في الأرض كما هي في السّماء، صلاة من أجـل حـيـاة طاهرة ونقية كحياة القديسين في السماء الذين يعيشون فـي قـداسـة في حضـرة الله (كيرلس الإسـكـنـدري)، حـقـا إن الصلاة من أجل الملكوت هي كصلاة القديسين الساكنين في الملكوت (أوغسطين).
إن الصلاة من أجل الخبر هي صلاة من أجل فقر مقدس، لا من أجل ثراء عميم المعوزون وحـدهـم يـصـلونها فيها ترد لفظةً «epiousios» الـغـامـضـة، التي أدت إلى تفاسير مختلفة تركز على الخبز الكفاف (أفـرام). يـعـكـس تـاريـخ الـتـفـسيـر فـهـمين أسـاسـيـين: الخبز المادي الضـروري لحيـاة هـذا الـعـالـم، و الخبر الآتـي عـنـد انقـضـاء الـذهـر الـذي يـعـولـنـا روحيًا. لا يعارض لوقا هاتين الإمكانيتين، بل يقترح وجـودهـمـا في رؤيـة واحدة (كـاسـيـان). عندما نصلي من أجل الخبز، فإنما نصلي مـن أجـل المسيح خبزنا، لأنه هو الحياة، والحياة خبر. ألم يقل «أنا هو خبز الحياة»؟ (ترتيليان).
إن غفران الخطايا يوازي الصلاة من أجل الخبر، فالصفح عن الخطايا هو اقتداء بالله الـذي يـغـفـر آثامنا (كيرلس الإسكندري)، وخدمة لله كما خدمنا بغفران خطايانا (أوريجنس). المجرب هو إبليس الذي يظهر في تجربة يسوع في البرية (تيرتليان). لا يذكر لوقا في الصلاة الربية طلب النجاة من الشر، لأن التغلب على التجربة هو انعتاق من الشر (كيرلس الإسكندري).
4-1:11 الصـلاة الربية – كيف تصلي إلى الآب
أراد تلاميذ يسوع أن يعرفوا كيف يصلي يسوع إلى الآب.
أوريجنس: أعتقد أن واحدا من تلاميذ يسوع أدرك ضعفه الإنساني، وأنه يعجز عن معرفة كيفية إقامة الصلاة….. فهل نستخلص أن من نشأ على تعليم الشريعة، وسمع كلام الأنبياء، ولـم يـتـوان عن حضور المجمع، لا يعرف كيف يقيم الصلاة إلى أن رأى الرب يصلي؟ قول كهذا يدل على غباء. فالتلميذ أقـام الصلاة استنادا إلى تقاليد اليهود، لكنّه رأى أنه يحتاج إلى تعميق النظر في موضوع الصلاة، (حول الصلاة 2. 4)
أن ندعو الله أبا هو امتياز ومسؤولية.
كيرلس الإسكندري: قال المخلص لهم: «إذا صليتم فقولوا: أبانا». يضيف إنجيلي آخر «الذي في السّماوات». … يعطينا يسوع مجده، ويجعلنا نحن العبيد أحرارا. فيكلل الإنسان بشرف يفوق الطبيعة، متمما ما قاله من قبل كاتب المزامير: «أنا قلت، أنتمآلهة، وبنو العلي كلكم». ينقذنا من نير العبودية، ويعطينا بنعمته ما لم تملكه بالطبيعة، ويسمح لنا بأن ندعو الله «أبا»، حين نقبل في مصف الأبناء، إننا تسلمنا البنوة منه، مع كل الامتيازات الأخرى. إحدى هذه الامتيازات هي الحرية، وهي هدية لا تليق إلا بالذين يدعون أبناء. يأمرنا بأن نصلي بجسارة «أبانا». فنحن أولاد الأرض الـعـبـيـد الخـاضـعـون لـقـانـون الطبيعة ندعو من في السماوات «أبا». لقد أهل الذين يقيمون الصلاة لأن يفهموا هذا أيضا. وبما أننا ندعو الله «أبا» ونحسب جديرين بشرف رفيع، فعلينا أن نسير سيرة القديسين الأطهار، وأن نسلك سلوكا يرضي أبانا، فلا نتفوه بما لا يليق بالحرية التي منحت لنا…. يمنحنا المخلص بحكمته أن تدعو الله «أبا»، لكي ندرك أننا أبناء الله، فتسلك سلوكا جديرا بمن كرمنا. فهو يقبل الصلوات التي نرفعها في المسيح. (تفسير القديس لوقا 71)
تـرفـع الـصـلـوات دائما إلى الآب من خلال الابن.
أوريجنس: علينا أن نصلي إلى الله أبي كل شيء، الذي رفع إليه مخلصنا نفسه الصلاة، كما شرحنا من قبل. فيسوع علمنا أن نصلي إليه. عندما سمع «علمنا أن نصلي»، لم يعلمنا أن نصلي له، بل للآب بقوله «أبانا الذي في السماوات إلخ……. عندما يهلل القديسون لله بصـلـواتـهـم يـعـتـرفـون بنعم يسوع المسيح. (حول الصلاة 1.15-2)
نصلي ليتقدس اسم الله فينا.
كيرلس الإسكندري: ما معنى «ليتقدس اسمك»؟ نقول إن الناس لا يلتمسون أن يزيدوا الله قداسة. فمن أقدس منه؟ ومن المؤهل لأن يجعله يزيد قداسة؟ لا خلاف في أن الأكبر هو الذي يبارك الأصغر. يلتمسون أن يعطى لهم ولكل الجنس البشري هذه البركة. عندما نؤمن بأنه هو الله العلي بالطبيعة، وبأنه قدس الأقداس، نعترف بمجده وبسمو جلاله، ونضع بالتالي خوفه في عقولنا، ونحيا حياة طاهرة بارة. بهذا نصبح نحن قديسين، ونتمكن من أن نكون قريبين من الله القدوس…. إذا «ليتقدس اسمك فينا، في عقلنا وفي إرادتنا». هذا هو معنى لفظة «ليتقدس»… إذا قال المرء «أبانا ليتقدس اسمك»، فإنه لا يزيد في قداسة الله، بل يسأل الله أن يكون له عقل كهذا وإيمان يثبت فيه أن اسم الله مكرم ومقدس. (تفسير القديس لوقا 72)
القديسون وحـدهـم يصلون «ليات ملكوتك».
كيرلس الإسكندري: قال: متى صليتم فقولوا «ليأت ملكوتك». … الله هو ملكنا قبل إنشاء العالم.” بما أن الله حاكم وعلى كل شيء قدير، فبأي رؤية يسأله الذين يدعونه أبا ويقولون «ليأت ملكوتك»؟ يبدو أنـهـم راغـبـون فـي أن يروا المسيح مخلص الكل مشرقا على العالم. إنه سيأتي. سيأتـي ويـتـحـدر كـقـاض، لا في ضعة كضعتنا أو في ضعة الطبيعة البشرية. لا، سيدخل المجد ويـكـون مـسـكـنـه نـورا لا يداني، وتحيط به الملائكة وتحرسه. قال في مـكـان آخـر: «سيأتي ابن الإنسان في مجد أبيه مع ملائكته القديسين».
إن منبز القضاء لرهيب، والقاضي عادل. إنـه وقـت الـدفـاع، وبالأخـرى هـو وقت المـحـاكـمـة والـقـصـاص فـالـثـار والعقاب والـعـذاب الأبدي معدة للأشرار، كيف يستطيع الـنـاس أن يـصـلـوا لـيـروا ذلك الوقت؟… الأشرار والأثـمـة بـرائـلـهـم مدنسون، مذنبون. فلا يحق لهم أن يقولوا فـي صـلـواتـهـم «لـيـأت ملكوتك». … يسأل القديسون المخلص أن يأتي وقت حكمه الكامل، لأنهم جاهدوا الجهاد الحسن وأدوا واجبهم على أكمله. إنهم يتطلعون بضمير نقي إلى أن يكافأوا على ما فعلوه… ويثقون بأنهم سيقفون ممجدين أمام القاضي وهو يقول: «تعالوا، يا من باركهم أبي، رئوا الملك المعـد لـكـم منذ إنشاء العالم» … إنّهم يؤمنون إيمـانـا تـامـا بـمـا قـالـه عن انتهاء العالم. ومتى ظهر لهم من السّماوات، فإنهم سيتلألأون كالشمس في ملكوت أبيهم. يأتون في صلواتهم بالسداد وهم يقولون «ليـأت ملكوتك». إنّهم واثـقـون مـن أنـهم سينالون مكافأة على شجاعتهم وسيحققون الأمل المنشود. (تفسير القديس لوقا 73)
إتمام مشيئة الله في السماء والأرض هو السُـكني فـي القداسة.
كيرلس الإسكندري: لماذا يـوصـي القديسين بأن هي يقولوا لله الآب الذي في السماوات «لتكن مشيئتك في الأرض كما هي في السماء»؟…هذا السؤال جدير بأن يلقى على القديسين… إننا نتضرع أن يعطى أهل الأرض القوة حتى يتموا مشيئة الله، مقتدين بالملائكة القديسين في السماوات يرجو القديسون أن يشمل السلام العلوي اليهود والأمم فيعزون بعد أن تكون شبكة الخطيئة قد التقطتهم وسدت عـلـيـهـم نـوافـذ النجاة. بالإيمـان تـسـلـمـوا الـبـر الـذي في المسيح وأصبحوا أنقياء عاملين بما هو صالح. إنهم يصلون «لتكن مشيئتك في الأرض كما في السماء». مشيئة الله، كما قلت أن يحيا أهل الأرض حياة مقدسة لا عيب فيها، أنـقـيـاء مـن الأدناس والأدران، باذلين كل إمكانهم للتشبه بجمال الملائكة الروحي في السماوات. الكنيسة على الأرض ترضي المسيح، فهـي علـى صـورة كنيسة البكر ومثالها. (تفسير القديس لوقا 74)
خـبـر الـيـوم هـو الخبر الكفاف.
أفرام: «أعطنا اليوم خبز الدعة». إنه قال: «اطلبوا أولا ملكوت الله فيزيدكم الله هذا كله». قال «اليوم» ليعلمنا الزهد بأمور الدنيا. الخبر كفاف لنا قد نتحير ونرتبك أحيانا، ونتخلى عن ألفة الله. يشير خبز اليوم إلى حاجتنا. فهو لا يعطينا خبزا فحسب، بل كساء أيضا وكل ما نحتاج إليه، كما قال إن «أبـاكـم يعرف ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه».(تفسير الإنجيل الرباعي لتاتيان 16.6 أ)
خبر اليوم روحي ومائي معا.
يوحنا كاسيان: «خبرنا الجوهري أعطنا اليوم». إنجيلي آخر يستعمل الخبر اليومي. يشير التعبير الأول إلى أن لهذا الخبز صفة جوهرية نبيلة تفوق روعتها السامية وقداستها كل الطبائع والكائنات. بلفظة «اليومي» يؤكد الإنجيلي أننا بدون هذا الخبـز عـاجـزون عن أن نـحـيـا حـيـاة روحية ولو ليوم واحد، عندما يقول «هذا اليوم»، يعني أن الخبز يؤكل كل يوم. لن يكون كافيا لنا ما أكلناه في أمسنا. نحن نجوع إلى الخبز كل يوم. فليشجعنا فقرنا اليومي على أن نصلي دائما، فما من يوم يـمـر مـن دون أن يـكـون لـنـا أكل الخبز ضروريا لتشديد قلب الإنسان الباطن.
تفهم لفظة «اليومي» كإشارة إلى حياتنا الحاضرة، أي «أعطنا هذا الخبز ما دمنا في هذا العالم الحاضر». نعرف أننا سنعطيه في المستقبل لمن يستحقه، لكننا نسأل أن يعطينا إياه اليوم، من لم يتسلمه في هذه الحياة لن يتمكن من أن يتناوله في الحياة الآتية. (المداولات 21.9 )
المسيح خـبـرنا، المسيح حياتنا، والحياة هي خبر.
ترتليان: رتبت الحكمة الإلهية هذه الصلاة ترتيبا رائعا. فبعد ذكر السماويات – اسم الله ومشيئته وملكوته – يذكر حاجتنا الأرضية. فالرب علمنا بقوله: «أطلبوا ملكوت الله أولا، وهذا كلـه يـزاد لكم». بالأحرى يجب أن نـفـهـم الآيـة «أعطنا خبزنا اليومي» بمعنى روحي. المسيح خبزنا، المسيح حياتنا، والحياة هي خبر. قال «أنا هو خبز الحياة». وسبق أن قال «الخبز هو كلمة الله الحي النازل من السماء» ولأن جسده هو في الخبز قال، «هذا هو جسدي». عندما نطلب خبزنا الـيـومـي فإننا نسأل أن نحيا دائما في المسيح وأن نكون متحدين بجسده اتحادا لا ينفصل. (حول الصلاة 6)
الصفح عن الخطايا هو اقتداء بالله الذي يصفح عن خطايانا.
كيرلس الإسكندري: يطلب من تلاميذه أن يكونوا لـطـفـاء، ساكني الغيظ، ليتمكنوا من أن يصلوا بلا عيب: «واغفر لنا ما علينا كما نغفر لمن لنا عليه». … يأمرهم أولا بأن يلتمسوا غفران الخطايا التي ارتكبوها، ويعترفوا بأنهم يصفحون عن الآخرين… إن الرب مخلص الجميع، ولسبب يصيب كبد الحقيقة لم ينه هذه الآية من الصلاة عند هذه النقطة، بل أضاف «كما نغفر لمن لنا عليه». يناسب هذا القول الذين اختاروا حياة فاضلة وأتموا بلا طيش «مشيئة الله» كما يقول الكتاب المقدس: «ما هو صالح، وما هو مرضي، وما هو كامل». … يجب أن نسأل الله غفران خطايانا. لكن ينبغي أولا أن نغفر لمن أساء إلينا في أي شيء. هذا إذا كانوا قد أخطأوا إلينا لا إلى مجد الله العلي. فنحن لسنا أسيادا على مثل هذه الأعـمـال، بـل عـلـى مـا ائتمننا الله عليه. بالصفح للإخوة عما يسئيون به إلينا، نجد المسيح المخلص متلطفا بنا، شاملاً إيانا بالرحمة. (تفسير القديس لوقا 76)
الشيطان هو المجرب، لا الرب.
ترتليان: ليكمل الصلاة الرائعة التنسيق، شدد المسيح على ضرورة تجنب الخطايا وعدم حصر صلاتنا بغفرانها. «لا تدخلنا في التجربة»، أي لا تسمح بخضوعنا للمجرب. معاذ الله أن يكون الرب هو المجرب، كما لو أنه يجهل إيمان المرء، أو يتوق إلى زعزعته! هذا هو ضعف الشيطان وحقده. لقد أمر الله إبراهيم أن يضحي بابنه لا ليجرب إيمانه، بل ليثبته. فعل هذا ليعلمنا أن لا نحب أحدا أكثر من الله. المسيح نفسه جربه إبليس… جرب الرسل بالتخلي عن الرب، لأنهم كانوا قد غرقوا في الـثـوم بـدل الصلاة، الآية التي فيها يؤمن التوازن بعد ابتهالنا «لا تدخلنا في التجربة»، هي «نجنا من الشرير»، (حول الصلاة 8)
هـل عـدم الـدخـول فـي الـتـجـربـة هـو كالنجاة من الشرير؟
كيرلس الإسكندري: يوصينا ونحن نصلي بأن نقول «لا تدخلنا فـي الـتـجـربـة». يـنـهـي لـوقـا الصلاة بهذه الكلمات، أما متى فقد أضاف «لكن نجنا من الشرير».هناك ارتباط وثيق بين الصيغتين، فعندما لا يدخل الناس في التجربة، فإنهم يكونون بنجوة من الشرير. لكن إن قـال أحـدهـم إن عـدم الـدخـول فـي الـتـجـربـة هـو كـالخلاص منها، يكون قد انحرف وضل. (تفسير القديس لوقا 77)
5:11 – 13 الإلحاح في الصلاة
وقال لهم: «من منكم يكون له صديق فيمضي إليه عند نصف الليل، ويقول له: يا أخي، أقرضني ثلاثة أرغفة، فقد قدم علي صديق من سفر، وليس عندي ما أقدم له، فيجيب ذاك من الداخل: لا تزعجني، فالباب مقفل وأولادي معي في الفراش، فلا يمكنني أن أقوم فأعطيك. ” أقول لكم: وإن لم يقم ويعطه لكونه صديقه، فإنه ينهض للجاجته، ويعطيه كل ما يحتاج إليه. وإني أقول لكم: إسألوا تعطوا، أطلبوا تجدوا، إقرعوا يفتح لكم. فمن يسأل ينل، ومن يطلب يجد، ومن يقرع يفتح له. ” فأي أب منكم إذا سأله ابنه سمكة أعطاه بدل السمكة حية؟ أو سأله بيضة أعطاه عقربا؟ فإذا كنتم أنتم الأشرار تعرفون أن تعطوا العطايا الصالحة لأبنائكم، فما أولى أباكم السماوي بأن يهب الروح القدس للذين يسألونه!».
نظرة عامة:
كانت عادات الضيافة في القرن الأول تتطلب مساهمة الجماعة كلها في استضافة ضيف نصف الليل. يتكلم يسوع على عطاء الله الذي يجود علينا بما نحتاجه، فالله هو أرحـم الـراحـمـين (أوغسطين). تمثل الأرغفة الثلاثة الطعام الذي نتلقاه من الله في الأسرار السماوية (أمبروسيوس).
في الصلاة نرجو أن نحيا حياة لائقة، وأن نقرع الباب ونحن محافظون على الإيمان (بيدي). فالله الواهب الـعـطـايـا الصالحة والجيدة يعد بقسم أنه سيستجيب لصلاتنا إن سألناه، وابتغينا جوده، وقرعنا بابه، لكن وفق أوقات يحددهـا هـو (كيرلس الإسكندري). طـرق بـاب الـرب هو رفع الصلاة إليه ما نبتغيه هو ملكوت الله وبره. وهذا يـصـور في أب إنساني يعطي أبناءه العطايا الصالحة (بيدي). السمكة، والبيضة، والأرغفة تمثل العطايا الصالحة التي يعطيها الله لأبنائه على الأرض كالإيمان، والـرجـاء، والمحبة (أوغسطين). عندما نطلب من الآب الخبز الحي، فإنه يعطينا ابـنـه بـالـروح القدس (أوريجنس). وعندما نصلي نطلب العطايا التي تأتي من الروح، وليس في هذا ما يسيء إلينا في أجسادنا ونفوسنا، لأن الله أبانا يعطينا العطايا الصالحة التي تجعلنا قديسين وأطهارا مع القديسين والملائكة القديسين (كيرلس الإسكندري).
11: 8-5 صديق عند نصف الليل كيف يجيب الأب لتوسلاتنا
الأرغفة الثلاثة رمز للثالوث.
أوغسطين: جاء صديق عند نصف الليل يقول: أقرضني ثلاثة أرغفة. ربـمـا كـان هـذا الرقم رمزا للثالوث ذي الطبيعة الواحدة، (الرسالة 130 إلى بروبا)
الأرغفة الثلاثة هـي طـعـام السـر السماوي.
أمبروسيوس: أوترى أن من أيقظ صديقه عند منتصف الليل طالبا ثلاثة أرغفة، لم يرفض طلبه تلك الأرغفة الثلاثة هـي طـعـام السـر السمـاوي؟ فإن أحببت الرب إلهك تكن مستحقا لتناول هذا الطعام، مرخصا لك أن تناوله لغيرك. فمن هو صديقنا الأحب إلا الذي قدم جسده طعاما لنا؟(عرض القديس لوقا 87.7)
13-9:11 إسـأل، أطـلـب، واقـرع – كيف يعطي الآب روحه
إسأل مصليا، واطلب عائشا عيشة لائقة، واقرع بمثابرة.
بيدي: يشاء ربنا ومخلصنا أن نبلغ فرح الملكوت السماوي، لذلك يعلمنا أن نسأله هذا الفرح. فقد وعدنا بأن يعطينا ما نطلبه. قال «إسألوا تعطوا، أطلبوا تجدوا، إقرعوا يفتح لكم». علينا، أيها الإخوة الأحباء، أن تعمل الروية في كلام ربنا وإلهنا، إنه ينبهنا على أن ملكوت السّماوات لا يعطى للكسالى وللمتقاعسين، بل للذين يطلبونه، ويبحثون عنه ويطرقون أبوابه. يطرق باب الملكوت بالمثابرة على الصلاة، وبـالـعـيش وفق الأصول. (مواعظ على الأناجيل 14.2)
واهب العطايا الإلهية يقسم على أن يستجيب للصلاة.
كيرلس الإسكندري: قال واهب العطايا: «إني أقول لكم: إسألوا تعطوا، أطلبوا تجدوا، إقرعوا يفتح لكم. «لأن كل من يسأل ينال، ومن يطلب يجد، ومن يقرع يفتح له». إن لهذه الكلمات قوة الـقـسـم… إنـه يـفـهـمـهـم أنه لا أساس لقلة إيمـانـهـم، لذلك يثبت إيمـانـهـم وإيمان السامعين بقسم. كثيرا ما يفتتح به كلامه: «الحق، الحق أقول لكم». إنه يجعل وعده قسما، فإن لم تؤمن بكلامه تذنب وتخطئ. (تفسير القديس لوقا 78)
ما نطلبه هو ملكوت الله وبره.
بيدي: إذا أمعنا النظر في تشجيع ربنا ومخلصنا لنا على التوسل إلى الله أبينا كتوسلنا إلى الأب الـدنـيـوي، فإننا ندرك بسرعة الخير الـذي يـفـتـح لـنـا الـطـريـق إلى المـلـكـوت السماوي. «أي أب منكم إذا سأله ابنه سمكة أعطاه بدل السمكة حية؟ أو سأله بيضة أعـطـاه عـقـربـا؟» هـنـاك مقارنة واضحة يفهمها كل السامعين بسهولة. إذا كان كل إنسـان مـائـت، دنيوي، ضعيف، ومثقل بالخطيئة، لا يرفض أن يعطي ما يملكه من خيرات إلى أولاد يحبهم، فما أولى أن يهب أبونا السماوي خيرات السماء التي لا تفنى للـذيـن يـسـألـونـه ويـخـافـونـه ويحبونه!… (مواعظ على الأناجيل 14.2)
يرمز إلى الإيمان، والرجاء، والصدقة بـالـسـمكة، والبيضـة، والأرغفة.
أوغسطين: ترمز السمكة إلى الإيمان، بسبب ماء المعمودية، أو لأنها تبقى سليمة وسط أمواج هذا الـعـالـم تـخـالـفـهـا الأفعى، لأنها بالحيلة والخداع تقنع المرء بأن لا يؤمن بالله. وتـرمـز الـبـيـضـة إلـى الـرجـاء، لأن الصوص ليس حيا، بل سيحيا. إنه لا يرى، لكن رؤيـتـه تـرتـجـي… يـخـالـف العقرب الرجاء، لأن من يرجو الحياة الأبدية ينسى ما وراءه، ويجاهد إلى الأمام. إنه لخطر عـلـيـه أن يـنـظـر وراءه، وهو محترس من مؤخرة العقرب ذات الجمة اللاسعة. يرمز الخبر إلى المحبة، لأن «أعظم هذه الثلاثة المحبة». والخبز يتفوق على كل هي الأطعمة في الأهمية. يخالفه الحجر لأنّ القلب المتحجر يبتعد عن المحبة. قد ترمز هذه العطايا إلى شيء أكثر أهمية، مع ذلك فمن يحسن العطاء لأبنائه يحثنا على أن نسأل ونطلب ونقرع. (الرسالة 130، إلى بروبا)
نطلب الخبز الحي من الآب، فيعطينا البنوة في يسوع.
أوريجنس: من آمن بأن فم يسوع لا يكذب يثق بالصلاة، فقد قال: «كـل مـن يـسـأل يـنـال، ومن يطلب يجد». عندما نطلب الخبز الحي، يعطيه إياه الآب (لا الحجر الذي يتوق الخصم إلى إعطائه طعاما ليسوع وتلاميذه) إلى الذين تلقوا روح البنوة من الآب يمنح الآب عطية صالحة، تنزل من السماء على من يطلبها. (علی 10.2 صلاة)
ما يجب وما يجب ألا نصلي لأجله.
كيرلس الإسكندري: أحيانا نقدم لإلهنا المحسن الجواد ابتهالاتنا لأغراض متعددة وفق رغبة كل واحد منا. فتصلي بدون تمييز أو امتحان دقيق لأجل ما نحسبه أنه ينفعنا. إذا استجاب الله لنا فقد يكون ذلك إما نعمة لنا أو نقمة، فقد نسقط بتهورنا في رغـبـات مـدمـرة تـوقع نفوسنا في أشراك الموت وشباك جهنم….. عندما يقول «أنتم الأشرار» يعني «أنتم الـذيـن تـقـع عـقـولكم تحت تأثير الشر، ولا تميلون إلى الخير كما يميل إله كل شيء». «تعرفون أن تـعـطـوا الـعـطـايـا الصـالـحـة لأبنائكم، فـمـا أولى أبـاكـم السماوي بأن يـهـب الـروح الصـالـح لـلـذيـن يـسـألـونـه!». «بالروح الصالح» يعني «النعمة الروحية» التي تصلح كل شيء. إذا تسلم الإنسان الروح الصالح، يصبح أكثر قداسة وجديرا بالإعجاب. (تفسير القديس لوقا 79)
14:11 – 36 أناس يعارضون يسوع
وكان يطرد شيطانا أخرس. فلما خرج الشيطان تكلم الأخرس فأعجب الجموع. على أن أناسا منهم قالوا: «إنه ببعل زبول سيد الشياطين يطرد الشياطين. وطلب منه آخرون آية من السماء ليحرجوه. فعرف قصدهم فقال لهم: «كل مملكة تنقسم على نفسها تخرب وتنهار بيوتها بعضها على بعض. وإذا انقسم الشيطان أيضا على نفسه فكيف تثبت مملكته؟ فإنكم تقولون إني ببعل زبول أطرد الشياطين. فإن كنت أنا ببعل زبول أطرد الشياطين، فبمن يطردهم أبناؤكم؟ لذلك هم الذين يحكمون عليكم. وأما إذا كنت بإصبع الله أطرد الشياطين، فقد وافاكم ملكوت الله. إذا كان القوي المتسلح يحرس بيته فإن أمواله في أمان. ولكن إذا فاجأه من هو أقوى منه وغلبه، ينتزع ما كان يعتمد عليه من سلاح، ويوزع أسلابه. «من لم يكن معي كان علي، ومن لم يجمع معي كان مبددا». «إن الروح النجس، إذا خرج من الإنسان، هام في القفار يطلب الراحة فلا يجدها فيقول: أرجع إلى بيتي الذي منه خرجت فيأتي فيجده مكنوسا مزينا. فيذهب ويستصحب سبعة أرواح أخبث منه، فيدخلون ويقيمون فيه، فتكون حالة ذلك الإنسان الأخيرة أسوأ من حالته الأولى». وبينما هو يقول ذلك، إذا امرأة رفعت صوتها من الجمع فقالت له: «طوبی للبطن الذي حملك، وللثديين اللذين رضعتهما!» فقال: «بل طوبى لمن يسمع كلمة الله ويحفظها!» وازدحمت الجموع فأخذ يقول: «إن هذا الجيل جيل فاسد يطلب آية، ولن يعطى سوى آية يونان. فكما كان يونان آية لأهل نينوى، فكذلك يكون ابن الإنسان آية لهذا الجيل. ملكة التيمن تقوم يوم الدين مع رجال هذا الجيل وتحكم عليهم، لأنها جاءت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان، وههنا أعظم من سليمان. رجال نينوى يقومون يوم الدين مع هذا الجيل ويحكمون عليه، لأنهم تابوا بإنذار يونان، وههنا أعظم من يونان. «ما من أحد يوقد سراجا ويضعه في مخبأ أو تحت المكيال، بل على المنارة، ليستضيء به الداخلون. سراج جسدك هو عينك. فإذا كانت عينك سليمة، كان جسدك كله نيرا. وأما إذا كانت مريضة، فجسدك كله يكون مظلمًا. فانظر هل النور الذي فيك هو ظلام. فإن كان جسدك كله نيرا وليس فيه جانب مظلم، كان بأجمعه نيرا كما لو أنار لك السراج بضوئه».
نظرة عامة:
علم يسوع تلاميذه الصلاة الربية وهو يتحدث إليهم. أما الجمهور فقد أذهـلـه طـرد يسوع للشيطان من الأصم الأبكم (كيرلس الإسكندري). أناس منهم اتهموه بـ «أنه ببعل زبول سيد الشياطين يطرد الشياطين»، وطلبوا منه آية ليحرجوه (كيرلس الإسكندري). تساءلوا هل بالله أم ببعل زبـول سـيـد الـشـيـاطـيـن كـان يطرد الشياطين. ولما كان ملكوت الله في المسيح أبديا لا ينقسم (أمبروسيوس)، فقد أفحمهم بقوله: لو كنت من عصبة إبليس لما طردت مبعوثيه (كيرلس الإسكندري).
يطرد يسوع الشياطين بإصبع الله ، أي بالروح القدس (كيرلس الإسكندري)، فهو النّبي الأعظم، ومعه دخل ملكوت الله، قوله إن «ملكوت الله قد وافاكم» يعني أنه هو خـاتـم الـثـبـيـين، الذي وعـد بـه مـوسـى (كيرلس الإسكندري).
لقد أظهر يسوع قدرته على طرد الشيطان لما أصم أذنيه عن طلب إبليس عندما رجا منه أن يصرف ذهنه عن فكرة الصلب على الصليب (كيرلس الإسكندري). سيتم يسوع مهمته، وسينتصر عليه. فإبليس لم يكن مع يسوع بل عليه (كيرلس الإسكندري). عندما يطرد إبليس يدخل يسوع الجبار فينا، وإلا عاد إبليس بأشد قوة (كيرلس الإسكندري). إن الـنـفـس الـبـشـريـة بيت يحتاج إلى من يسكنه، فإذا هجر البيت أقام فيه من هو كرية بغيض. يكنس البيت بالمعمودية ويزود بعشاء الرب ويبقى طاهرا مقدسا بحياة النّعمة (أوريجنس).
لا ينكر يسوع تطويب المرأة له، بل يضيف إلـى كـلامـهـا المـقـدسـون بـسـمـاع كلامه يعبدونه على أنه ابن الله (أفرام).
آیه یونان تشير إلى الآلام والقيامة التي تمت في يسوع (كيرلس الإسكندري). عملت آيـة يـونـان بفئتين: بالمؤمنين لنهوضهم، وبغير المؤمنين لسقوطهم (أفرام).( ملكة التيمن رمز للكنيسة لأنها ستدين كما تدين الكنيسة جيلاً غير مؤمن بمجيئها إلى الرب (أفـرام). سر المسيح وكـنـيـسـتـه يمتد إلى الوثنيين والأمم كأهل نينوى وملكة التيمن (أمبروسيوس).
إن السراج هـو نـور الإنجيـل الـذي يـضـيء بيسوع ووعظه، والمنارة هي كنيسة المسيح التي عليها يوضع السراج (كيرلس الإسكندري). على الموعوظين والمعمدين أن لا يـخـفـوا الـنـور، فالإيمان لا يوضع تحت مكيال الشريعة، بل على قنة الجبل فتنتشر أنـواره وتضيء للسالكين فـي الـــلـمـة (أمبروسيوس). وتوسع يسوع بالتشبيه فقال: العين سراج الجسد ومنها يستنير العقل (سمعان اللاهوتي الحديث).
14:11 يطرد يسوع الشيطان من الأصم الأبكم
تطرد قدرة المسيح شيطـانـا أبـكم.
كيرلس الإسكندري: كـانـوا يـصـرفـون بأسنانهم على المسيح، مخلص الكل. أما معجزاته الإلهية وكانت عـجـابـا للنّاس. وجعلت قدرته الإلهية الشياطين تصيح خوفا ووجلا…. «أتوا إليه بممسوس أبكم». يعشر على القديسين أن ينتهروا الشياطين البكم الذين هم لآيات يسوع عندا ووقحا. لكن ما من شيء يعجز مشيئة المسيح المخلص. فلما أجرى المعجزة مجده الناس وتـوجـود بـتـاج الـكـرامـة الإلهية. (تفسير القديس لوقا 80)
16-15:11 طلبوا منه آية
الفريسيون وعلماء الشريعة يطلبون آية من السماء.
كيرلس الإسكندري: يقول «لكن بعض الفريسيين وعلماء الشريعة» أزهاهم الكبر ووغر الحسد صدرهم وزادت المعجزة في مرضهم.
لم يمدحوه، بل، على العكس، قاوموه وعزوا آياته الإلهية إلى الشيطان، وأرجفوا قائلين إن بعل زبول هو مصدر قوة المسيح. قالوا: «إنه ببعل زبول سيد الشياطين يطرد يسوع الشياطين». (تفسير القديس لوقا 80)
20-17:11 ملكوت الله تجلى في خدمة يسوع
ملكوت الله أبدي لا ينقسم.
أمبروسيوس: زاغـوا فـي قـولـهـم إنـه بـبـعل زبول سيد الشياطين يطرد الشياطين». فملكوته أبدي لا ينقسم…. سيبقى ملكوت الكنيسة أبديا، لأن إيمانها لا ينقسم. جسدها واحد، «ربها واحد، وإيمانها واحد، ومعموديتها واحدة، وإلهها واحد وهو أب لجميع الخلق وفـوقـهـم جميعا، يعمل بهم جميعا وهو فيهم جميعا».(عرض الـقـديـس لـوقـا 7. 91)
جواب يسوع بدهي: الشيطان لا يطرد الشيطان.
كيرلس الإسكندري: يقدم حجته مستقاة من بدهيات الأمور، لكن لها قوة الحقيقة، «كل مملكة تنقسم على نفسها تخرب وتنهار بيتا فوق بيت. وإذا انقسم الشيطان على نفسه تتصدع مملكته». إن المـمـالـك تـقـوم عـلـى ولاء الرعايا، وعلى طاعتها للصولجان الملكي. بيوتها تبقى متماسكة إذا توافق أصحابها إرادة وفعلاً ولم يتقاتلوا… كيف يطرد شيطان شيطانا؟ إن الشياطين لا تـفـارق الـنـاس طوعا بل كرها. يقول: «الشيطان لا يقاتل نفسه»، ولا يوبخ خدمه. ولا يجيز لنفسه أن يؤذي حملة سلاحه، بل يساعد مملكته. «يبقى لكم أن تدركوا أني بقدرة إلهية أسحق الشيطان».(تفسير القديس لوقا 80)
إصبع الله هو الروح القدس.
كيرلس الإسكندري: إصبع الله يعني الروح القدس. يسمى الابن يد الله الأب وذراعـه، لأنه بالابن يعمل كل شيء، وهكذا يعمل الابن بالروح القدس. كما أن الإصبع لا يرتبط باليد كعضو غريب عنها، بل ينتمي إليها بـالـطـبـيـعـة، هكذا يشترك الروح الـقـدس المساوي للابن في الجوهر مع الابن في الوحدانية، مع أنه من الآب ينبثق. الابن يعمل كل شيء بالروح المساوي له في الجوهر. كإنسان يقول عمدا إنه بإصبع الله يطرد الشياطين. فاليهود لحماقة عقلهم ما كانوا ليتحملوه لـو قـال «بروحي أطرد الشياطين». (تفسير القديس لوقا 81)
في يسوع نرى ملكوت الله.
كيرلس الإسكندري: رغـم أنـه هـو الله القدير بالطبيعة والمعطي من الله الآب الـروح للمستحقين، فقد تكلم كإنسان، إنه مساو للأب في الجوهر، وما فعله الآب إنما فعله بالابـن فـي الـروح. يقول: «صـرت بـشـرا وطردت الشـيـاطـيـن بـروح الله، فبلغت الطبيعة البشرية في أولا ملكوت الله»، وتمجدت بقهر قدرة إبليس وبتوبيخ الأرواح النجسة الخبيثة. هذا هو معنى كلامه «قد وافاكم ملكوت الله». (تفسير القديس لوقا 81)
22-21:11 يـسـوع الـقـديـر قهر الشيطان
يسوع الـقـديـر يهزم إبليس.
كيرلس الإسكندري: لـقـد قـهـر يسوع حـاكـم هـذا العالم. إنه سحقه وجرده من كل قدراته، وسلمه شلوا إلى أتباعه. يقول: «إذا كان القوي المتسلح يحرس داره، فإن أمواله في أمان. ولكن، إذا فاجأه من هو أقوى منه وغلبه، ينتزع منه ما كان يعتمد عليه من سلاح، ويوزع مـغـانـمـه». هـذا الـعـرض نموذجي وسهل وموضوع بأسلوب بشري قبل مجيء المخلص كان إبليس يتمتع بقدرة عظيمة فيسجن في مريضه أناسا لم يكونوا له بل لله. كان لصا وقحا وشرها. ولما تأنس كلمة الله رب الـقـوات الـقـديـر الذي هو فوق كل شيء هاجم إبليس وانتزع منه ما كان يعتمد عليه من سلاح، ووزع مغانمه. دعا الرسل الناس الذين أوقعهم إبليس في شرك ضـلالـه إلـى الاعـتـراف بالحق، فـاقـتـربـوا من الله الآب بـالإيمان بابنه. (تفسير القديس لوقا 81)
23:11 الـذيـن يـرفـضـون يسوع سيتبددون ويتشتتون
الشيطان ليس مع يسوع، بل عليه.
كيرلس الإسكندري: «من ليس معي فهو علي، ومن لا يجمع معي يبدد». المسيح جاء ليخلص الإنسان من يدي إبليس ويعتقه من ضلال وقع فيه. يقول جئت لأحرر السجناء وأعطى النور للذين في الظلمة، وأنهض الساقطين، وأشفي مكسوري القلوب، وأجمع أولاد الله المشتتين. هذا هو هدف مجيئي.الشيطان ليس معي، بل عليَّ. يبدد الذين جمعتهم وخلصتهم. كيف إذا يمكنني من نفسـه مـن يـحـاربـنـي وينفث شروره في من يؤمن بي. أليس من الحماقة أن نتصور إمكان حدوث شيء كهذا؟ (تفسير القديس لوقا 81)
24:11- 26 يسوع هو قاهر إبليس
حضور المسيح يملأ كل فراغ.
كيرلس الإسكندري: «إذا خرج الروح النجس من الإنسان، هام في القفار يطلب الراحة فلا يجدها فيقول: أرجع إلى بيتي الذي منه خرجت فـيـأتـي فيجده مكنوسا مزينا. فيذهـب ويستصحب سبعة أرواح أخبث منه». عندما كان العبرانيون مستعبدين في مـصـر عـاشـوا وفـق تـقـالـيـدهـا وقوانينها الفاسدة فسكن فيهم الروح الشرير… ولما أعتقوا برحمة الله على يد موسى وتسلموا الشريعة لتؤدبهم اهتدوا إلى نور معرفة الله الحقيقية، وتوارت الأرواح الشريرة منهم. ولأنهم أبوا أن يؤمنوا بالمسيح ويقبلوا به مخلصا وفاديا، هاجمهم الروح الشرير مرة ثانية وسكن فيهم، إذ إن قـلـوبـهـم كـانت فارغة خالية من خوف الله. (تفسير القديس لوقا 81)
البيت المكنوس المزود بالأسـرار المقدسة يجب أن يبقى مقدسا.
أوريجنس: كان الروح الشرير متربعا فينا قبل أن أمـنـا بالمسيح، أي عندما كانت نفوسنا تزني مخالفة أوامر الله وتعشق الشياطين. ثم قالت: «سأرجع إلى زوجي الأول»، إلى المسيح الذي «خلقني» منذ البدء «على صورته». تخلى روح الزنا عن مـكـانـه لما رأى الزوج الشرعي تقبلنا المسيح و«كنس» بيتنا من الخطايا السابقة. «ورود» بالأشرار المقدسة نفوس المؤمنين. هـذا الـبـيـت لا يليق بالمسيح إلا إذا كانت حياة قاطنيه مقدسة، نقية مؤهلة لتكون «هيكل الله». إنه ليس بيتا، بل هو هيكل يسكنه الله. إذا أهمل النعمة التي تسلمها وانشغل في مسائل دنيوية، يعود الروح النجس ويحتل البيت الفارغ، «مستصحبا سبعة أرواح، كل روح أخـبـث مـنـه»، لئلا يطرد مرة ثانية، «فتكون حالة ذلك الإنسان الأخيرة أسوأ من حالته الأولى». … يقول الرسول «لا شركة بين هيكل الله والأوثان، ولا «بين المسيح وبـلـيـعـال». (مواعظ على سفر الخروج 4.8 – 5)
28-27:11 طوبى للذين يسمعون الكلمة ويعملون بها
طوبى للذين يعبدون يسوع.
أفرام: «طوبى للبطن الذي حملك». طوبته من حملته ومنحته بركة للساجدين له. عاش المسيح مع مريم زمنا، لكن مريم أصبحت مع الساجدين له أبد الدهر. «طوبى للذين يسمعون الكلمة ويعملون بها». (تفسير الإنجيل الرباعي لتاتيان 11. 10)
32-29:11 آيه يونان تتم بصلب المسيح وقيامته
آية يونان: الألم والـقـيـامة.
كيرلس الإسكندري: لن يعطيك آية أخرى، حتى لا تطرح للكلاب ما هو مقدس، أو ترمي بدررك للخنازير…. آية يونان وحدها ستعطى لهم، أي الألم على الصليب والقيامة من بين الأموات…. (تفسير القديس لوقا 82)
آية سقوط الكثيرين ونـهـوضـهـم في اسرائيل.
أفرام: أدت آية يونان خدمتين لأهل نينوى. لو رفضوها لنزلوا إلى الجحيم أحياء كما نزل يونان، لكنهم بعثوا مثله من بين الأمـوات لأنـهـم تـابـوا. إن الرب اختير لسقوط كثير مـن الـنـاس وقـيـام كـثير منهم. فإما أن يـحـيـوا بموته، وإما أن يـمـوتـوا بموته…. كـانـوا يطلبون آية من السّماء كالرعد…. خرج يونان من بطن الحوت، فكان خروجه آية تدين أهل نينوى، لأنه تنبأ عن دمار مدينتهم. (تفسير الإنجيل الرباعي لتاتيان 2. 4)
ملكة التيمن رمز للكنيسة.
أفرام: ملكة التيمن تحكم عليهم، لأنها رمز للكنيسة جاءت إلى سليمان، كما جاءت الكنيسة إل ة إلى ربنا، وكما حكمت على جيلها آنذاك، ستحكم الكنيسة على أجيالنا. إن حكمت ملكة التيمن على المجمع، وعلى حكمته الزائلة وملكه المائت، أفلا تحكم الكنيسة بشكل أدق وهي ترى ملكا لا يموت وحكمة لا تضـل؟ فإن شـاركـنـاه فـي آلامه، فإننا نشاركه أيضا في مجده.( تفسير الإنجيل الرباعي لتاتيان 2. 4)
سر المسيح وكنيسته.
أمبروسيوس: يفصح النص عن سر الكنيسة. فقطيعها يمتد إلى أقـاصـي الأرض، إلـى نـيـنـوى بالتوبة، وإلى ملكة التيمن بشغف لاقتناء الحكمة. إن الملكة تعرف كلام سليمان الحكيم. فملكوتها لا ينقسم، وفيه يجتمع الأباعد كأعضاء جسد واحد. إن سر الكنيسة والمسيح فوق كل تصور… لقد رمز إليه سبقيا. السر تم بكامله. هناك كانت صورة سليمان، وهـنـا المسيح في جسده. (عرض القديس لوقا 96.7)
36-33:11 سراج الجسد هو العين
المسيح هو السراج، والكنيسة هي المنـارة.
كيرلس الإسـكـنـدري: يـقـول إن السراج يوضع دائما على مكان مرتفع، أي على المنارة ليستنير به الراوون. فلنتعظ بما نستنتجه من هذا القول: فقبل مجيء مخلصنا نشر إبليس أبو العتمة الظلام في العالم وألقى كل شيء في ظلمات الفكر. أما الآب فـأعـطـانـا الابن سراجا ينيرنا بنوره الإلهي، وينقذنا من الظلمة الشيطانية. أتلوم السراج لأنه لم يوضع في مخبأ، بل في مكان مرتفع ليسطع نوره للرائين؟! أوتـلـوم المـسـيـح لأنـه لـم يـشـأ أن يـكـون متخفيا؟ لقد شاء أن يراه الناس مضيئا لهم طريقهم إلى معرفة الله الحقيقية. لم يجر معجزاته ليعجب بها الناس، أو ليصبح ذائع الصيت، بـل أجـراهـا لـنـومـن بـأنـه هـو الله بالطبيعة، وقد صار بشرا لأجلنا، دون أن يكف عن أن يكون ما هو عليه. الكنيسة المقدسة هي منارة تسطع مـنـهـا العقيدة الـقـويـمـة، فـتـنـيـر بـالمعرفة الإلهية عقول النّاس أجمعين. (تفسير القديس لوقا 82)
لا يـوضع الإيمان تـحت مـكـيال الشريعة.
أمبروسيوس: كلمة الله هو من نؤمن به. كلمة الله هو الثور، والإيمان هو السراج. «الكلمة هو النور الحق، المنير كل إنسان أت إلى العالم». لا يضاء السراج ما لم يتلق الثور من مكان آخر. السراج المضاء هو الفضيلة وهو فكر عقلنا، لتجد المرأة الدرهم المفقود. ما من أحد يجد الإيمان تحت الشريعة، لأن الشريعة مكتوبة في المكيال… الشريعة تظلل، لكن الإيمان ينير. ما من أحد يخفي إيمانه تحت مكيال الشريعة، لكنه يحمله إلى الكنيسة، حيث تشرق نعمة الروح سبعة أضعاف ) …. توضع الكنيسة على أعلى الجبال، أي على المسيح، فلا تختفي في الظلمة وأطلال هذا العالم.” تلمع بنور الشمس الأبدية، وتنيرنا بنور الـنـعـمـة الـروحـيـة. (عـرض القديس لوقا، الكتاب 7. 98-99)
بالعين نكتسب فكر المسيح الذي ينير الجسد كله.
سمعان اللاهوتي الجديد: ماذا يعني بلفظة «العين» سوى الفكر، الذي لن يبلغ البساطة ما لم ير الثور البسيط؟ الثور البسيط هو المسيح. الثور الدائم يضيء فكر الإنسان ليقوده إلى فكر المسيح عندما تكون عينك بسيطة، يكون جسد نفسك غير المادي مـنـيرا. إذا كـان الـفـكـر شـريـرا، أي مظلما ومطفأ يكون جسدك مظلما… نقول، أنظروا أيها الإخوة، حذار أن تنفصل عن الله فيما نظن أننا نشاركه وأننا فيه، فإذا كنّا نرى الـثـور فنحن لا تنفصل عنه، إذا أنـار الثور مصابيحنا، أي نفوسنا، فإنها تشع وتتألق، قال ربنا وإلهنا يسوع المسيح: «إذا لم يكن في جسدك ظلام فإنه يكون كله نيرا، مثلما يجعلك السراج تتألق بضوئه، أية شهادة أعظم من هذه لإيضاح المسألة لك؟ إن أنت أنكرت السيد، فكيف تؤمن، قل لي، برفيقك الخادم؟» (المحادثات 2)
37:11 – 54 يسوع يعلم ويأكل في بيت الفريسي
و بينما هو يقول ذلك، دعاه أحد الفريسيين إلى الغداء عنده. فدخل بيته وجلس للطعام. فتعجب الفريسي لما رأى أنه لم يغتسل أولا قبل الغداء. فقال له الرب «أيها الفريسيون، أنتم الآن تطهرون ظاهر الكأس والصحفة، وباطنكم ممتلئ نهبا وخبثا. . أيها الأغبياء، أليس الذي صنع الظاهر قد صنع الباطن أيضا؟ ، فتصدقوا بما فيهما، يكن كل شيء لكم طاهرا؛ ولكن الويل لكم أيها الفريسيون، فإنكم تودون عشر النعنع والصعتر وسائر البقول، وتهملون العدل ومحبة الله. فهذا ما كان يجب أن تعملوا به من دون أن تهملوا ذاك. الويل لكم أيها الفريسيون، فإنكم تحبون مكان الصدارة في المجامع وتلقي التحيات في الساحات. الويل لكم، أنتم أشبه بالقبور التي لا علامة عليها، يمشي الناس عليها وهم لا يعلمون». فأجابه أحد علماء الشريعة: «يا معلم، بقولك هذا تشتمنا نحن أيضا». فقال: «الويل لكم أنتم أيضا يا علماء الشريعة، فإنكم تحملون الناس أحمالاً ثقيلة، وأنتم لا تمسون هذه الأحمال بإحدى أصابعكم. الويل لكم، فإنكم تبنون قبور الأنبياء، وآباؤكم هـم الذين قتلوهم. فأنتم تشهدون على أنكم توافقون على أعمال آبائكم : هم قتلوهم وأنتم تبنون قبورهم. «ولذلك قالت حكمه الله: سأرسل إليـهـم الأنبياء والرسل، وسيقتلون منهم ويضطهدون، حتى يطالب هذا الجيل بدم جميع الأنبياء الذي سفك منذ إنشاء العالم، من دم هابيل إلى دم زكريا الذي قتل بين المذبح والهيكل. أقول لكم: أجل، إنه سيطالب به هذا الجيل. «الويل لكم يا علماء الشريعة، قد استوليتم على مفتاح المعرفة، فلم تدخلوا أنتم، والذين أرادوا الدخول منعتموهم». فلما خرج من هناك، بلغ حقد علماء الشريعة والفريسيين عليه مبلغا شديدا، فأخذوا يستدرجونه إلى الكلام على أمور كثيرة، وهم ينصبون المكايد ليلتقطوا من فمه كلمة.
نظرة عامة:
يأكل في بيت فريسي للمرة الثانية كما جاء في لوقا، فنرى أن الخلاف مستمر بينه وبين السلطات الدينية، وبين شرائع التطهير وسوابق واردة في العهد القديم تتعلق بممارسة الفريسي (كيرلس الإسكندري). عنى يسوع، بتلميحه إلى غسل ظاهر الكأس والصحن، أن الفريسي يبدو طاهرا في الظاهر، أما باطنة فمليء طمعا وخبثا (كيرلس الإسكندري). يطلب الله منا تطهير «الباطن» و«الظاهر». تمثل الكأس معاناة جسدنا وتبرز ضرورة تطهير ظاهر الجسد وباطنه، وهذا يحدث مـن خـلال الـعـطاء، والتّحتُن، وكلمة الله (أمبروسيوس). يتضمن العطاء كل أعمال الـرحـمـة، بما في ذلـك غـفـران الخطـايـا (أوغسطين). يهتم الفريسي بمظاهر التقوى كدفع إتاوات الـعـشـور، وبـالجلوس في الصدارة في المجامع، وتبادل التحيات في الأسواق، ويهمل العدل ومحبة الله ومحبة القريب (كيرلس الإسكندري). يشبه يسوع الفريسيين «بقبور مجهولة» يمشي النّاس عليها وهم لا يعرفون (أمبروسيوس). هذه الـقـبـور المـجـهـولـة المزينة هي صور عن الرياء تبعدهم عن تقبل ما جاء به يسوع، وتـقـود الآخـريـن إلـى اتباع طـريـق الشر (كيرلس الإسكندري).
ما علمه يسوع لدحض الفريسي يفسره أحد المحامين بأنه شتيمة (كيرلس الإسكندري). فالفريسيون ينهجون نهج آبائهم. بشرهم قتلوا الأنبياء الذين عبدوا الطريق ليسوع. قـبـورهـم تـحـاكـيـهـم (أمبروسيوس)، فالقبر الذي يـبـنـونـه هـو قـبـر يسوع منهـل الحيـاة ومـخـلـص الجـمـيـع ومـنـقـذهـم (كيرلس الإسـكـنـدري). يـقـدم يسـوع لـلـمـحـامين والفريسيين فرصة للندم على ما سيفعلون به، وهو خاتم النبيين (أفرام).
«مفتاح المعرفة» هو المسيح المعلن في الـعـهـد الـقـديـم بـهـذا المفتاح يفتح باب الأنبياء (أفـرام). هو مفتاح داود، الذي يفتح الملكوت لكل من يفسر العهد القديم بـالـروح (جيروم). إنـه يـفـتـح الـبـاب إلى الشريعة ويفسرهـا بـالـمـسـيـح (كيرلس الإسكندري).
38-37:11 التعليم والأكل
الخلاف دائـر حـول شـرائـع الـتـطـهير.
كيرلس الإسكندري: دعاة أحد الفريسيين إلى الغداء عنده بعنايته الإلهية لبي مخلـص الـكـل هـذه الدعوة. فجعل منها فرصة للتعليم، لا لقضاء وقت لقائهم في التلذذ بالطعام والأطايب، بل لتفقيه المجتمعين ليزدادوا برا. الفريسي الغبي، «استغرب لما رأى يسوع يجلس دون أن يغسل يديه قبل الغداء». هل استغرب لأن يسوع لم يفعل ما يرضيه، وما ظنّه جديرا بالقديسين؟ لم تكن هذه نظرته، فما هي إذا؟ تضايق لأن يسوع كان معروفا ببره ونبوته، ولم يجر على تقاليدهم الغاشمة «أيهـا الـفـريسي الأحمق، تدعي أنك ملم بـالـكـتـب المقدسة، ومحيط بذكر شريعة موسى. أخـبـرنـا أيـن أعـطـاك موسى هذه الوصية؟ أية وصية إلهية تأمر الناس بغسل أيديهم قبل تناول الطعام؟ موسى أمر برش الماء لغسل قذارة الجسد كرمز للمعمودية المقـدسـة والمـطـهـرة فـي المـسـيـح كـان المدعوون إلى الكهنوت يغتسلون بالماء. موسى الإلهي غسل هارون واللاويين… لكن الشـريـعـة كـانـت بـحـاجـة إلـى المعمودية المقدسة والإلهية كوسيلة للتطهر الحقيقي. (تفسير القديس لوقا 94)
41-39:11 يسوع يفند تعليم الفريسيين: رياء الفريسيين
يستعمل يسوع أدوات الـطـاولـة ليعلمهم عن التطهير الحقيقي.
كيرلس الإسـكـنـدري: ماذا قال المخلص؟ وبخهم بقوله: «أيها الفريسيون، أنتم الآن تطهرون ظاهر الكأس والصحفة، وباطنكم ممتلي نهبا وخبثا». كان يسهل على الرب أن يستعمل كلاما آخر لتعليم الفريسي الأحمق، لكن الفرصة كانت مؤاتية. فربط تعليمه بما كان على مرأى منهم. كان الوقت وقت الطعام، فـاسـتـعـمـل الـكـأس والصحن في حديثه عن الظاهر والباطن. أوضح أن على الذين يخدمون الله أن يكونوا أنقياء لا من لوثات الجسد فحسب، بل مما يتغلغل في الفكر وينجسه…. يقول إن الظاهر والباطن سواء، لأن من خلق الجسد خلق النّفس أيضا. ونظرا إلى أن كليهما من عمل الله المحب للفضيلة، فيجب أن يكون تطهيرهما معا. (تفسير القديس لوقا 83)
تنظف كأس جـسدنا بـالعطاء وبالتحنن، وبكلمة الله.
أمبروسيوس: في ما يلي نجد، بدون ريب، أن آلام الرب في الجسد يقدمها باسم الكأس: «ألا أشرب كأس الآلام التي جعلها لي الآب». من فهم قصافة الجسد بمحبة روحية وسكبها في العقل والروح مبعدا ضعف الظاهر بقوة الـبـاطـن شرب جسده. إن باطن الكأس لا ظاهرها يدنسنا. علمنا المعلم الصالح أن نطهر دنس جسدنا بقوله: «أعطوا الفقراء مما في كؤوسكم وصحونكم، فيكون كل شيء لكم طاهرا». أوترى كم من علاجات يقدمها لنا؟ التحثن يطهرنا. وكلمة الله تطهرنا وفق ما كتب: «أنتم الآن أنقياء بفضل ما كلمتكم به». إنك تلمس، في هذا المقطع وفي غيره، عظم نعمته. «الصدقة تنجي من الموت». فاكثروا الصدقة في قلب الفقير، فينال العون منك في يوم الشر».(عرض القديس لوقا 7. 100-101)
أعـمـال الـرحـمة أمثلة عن الصدقة.
أوغسطين: ما قاله الرب «أعطوا الفقراء مما في داخل كؤوسكم وصحونكم، يكن كل شيء لكم طاهرا» ينطبق على كل أعمال الرحمة. ينطبق على من يعطي الطعام للـجـائـع، والشراب للعطشان، والكساء للعاري، والضيافة لعابر السبيل، والملجأ للشـريـد. وينطبق أيضا على من يفتقد المريض والسجين، وينقذ الأسير، ويحمل عن الضعيف أعباءه، ويقود الأعمى، ويعزي المحزون، ويشفي المريض، ويهدي الضال، وينصح المرتبك، ويفعل كل ما في وسعه ليسعف المحتاج…. هناك أنواع متعددة من الصدقة عندما نفعلها تحصل على غفران خطايانا. (الكتيب 19. 72)
42:11- 44 الويل للفريسيين
إدانة الفريسي لغيره ومحبة الله.
كيرلس الإسكندري: إن تـجـاوز وصية واحدة هو تجاوز للشريعة. هذا يبرهن أن الفريسي نقض الشريعة. فعندما يتجاهل المرء تلك الوصايا، لاسيما المهمة منها، فأي حجة ستحميه مما يستحقه من عقاب؟ الرب برهن أن الفريسيين استحقوا هذا اللوم الصارم بقوله لهم: «الويل لكم أيـهـا الـفـريـسـيـون، فـإنـكـم تـؤدون عشر النعنع والشذاب وسائر البقول، وتهملون الـعـدل ومحبة الله». … أهـمـلـوا أهـم الواجبات كالعدل ومحبة الله، وكأن لا أهمية لها، عملوا ببعض الوصايا بدقة، وأمروا الناس الخاضعين لسلطتهم بأن يتموا تلك الوصايا التي كانت تدر عليهم الأمـوال الـطـائـلـة. (تفسير الـقـديـس لـوقـا 84)
يخدع الفريسيون تلاميذهم وكأنهم قبور مجهولة.
أمبروسيوس: يوبخ اليهود على إعجابهم بأنفسهم وعجرفتهم. فهم يطلبون الجلوس س في صدور المجالس في الأعياد. يؤنب المتضلعين من الشريعة، ويشبههم «بقبور مجهولة» يغشون الـنّـاس بـمـا يـعـرضـون عـلـى الـنـاس ويخدعـونـهـم بممارستهم. إنهم ممتلئون فسادا ويعطون من طرف اللسان كلاما معسولا… إنهم قبور.. «حلوقهم قبور مفتوحة». (عرض القديس لوقا 103.7)
القبور المجهولة المزينة هي علامات الرياء.
كيرلس الإسكندري: الذين يحبون الـتـحـيـات في الأسواق ويعتبرون مكان الصدارة فـي المـجـامـع ذا شأن عـظـيـم، لا يختلفون عن القبور التي لا تظهر قبورا. في الـظـاهـر تـكـون مزخرفة بزخرف جميل، لكنها مليئة بكل فساد. الآن أرجو أن يدان الرياء، لأنه مرض بغيض عند الله والنّاس. المرائي لـيـس كـمـا يـظـن أو كما يبدو في الظاهر. يستقرض الشمعة الحسنة ويخفي عـيـبـة الحـقـيـقـي لا يـمـارس مـا يمتدحه ويعجب به، لكن يستحيل عليك أن تخفي رياءك وقتا طويلاً. فكما تصبح الرسوم في الصور شاحبة عندما ينصل لونها، كذلك يكشف أمر المرائين بعد وقت وجيز، زائف، إن لم يتم اكتشافه من ساعته. (تفسير القديس لوقا 84)
54-45:11 يبكت يسوع المحامين: الويل للمحامين
المحامون جديرون بـالـتـوبـيـخ كالفريسيين. كيرلس الإسكندري: وبخ مخلص الكل الفريسيين، لأنهم ضلوا عن الصراط المستقيم وقاموا بأعمال مشيئة… أما المحامون الأشرار فقد استشاطوا غضبا. قام واحد منهم لـيـجـادل المخلص ويسفه أحكامه، فقال: «أيها المعلم، إنك تؤنبنا في أقـوالـك». … إن هؤلاء الـرجـال يـعـرضـون أنفسهم للوم. وبقوة الحق أدينوا كما أدين الفريسيون، لأن فكرهـم كـان يـطـابـق فـكر هؤلاء. إنهم شركاء في أعمالهم الشريرة. وما قاله المسيح عن الآخرين قاله عنهم أيضا. (تفسير القديس لوقا 85)
ببناء قبور للأنبياء، يحاكي الفريسيون آباءهم.
أمبروسيوس: إنها لحجة دامغة ضد خرافة اليهود التافهة. إنهم، ببنائهم قبور الأنبياء، أدانوا أعمال آبائهم، وأدانوا أنفسهم بالتشبه بأعمال آبائهم. ببنائهم قبور الأنبياء حكموا على لأنه الـذيـن قـتـلـوا الأنبيـاء بـجـرم الـقـتـل وبـمـحـاكـاتـهـم أعـمـال أبـائهـم كـانـوا ورثة لظـلـمـهـم. الجرم لا فـي الـبـنـاء، بل في محاكاتهم لهم. صلبهم ابن الله جريمة أسوأ من جرائم ابائهم، فلا يمكن تبرئتهم من شرورهم الموروثة. وفي مكان آخر أضاف: «تمموا أنتم ما بدأ به آباؤكم» فما من خطيئة أسوأ من اعتدائهم على الله، فلهم ترسل الحكمة الرسل والأنبياء. فما هي الحكمة إن لم تكن المسيح؟ (عرض القديس لوقا 106.7-107)
القبر الذي يبنيه الفريسيون والمحـامـون هـو قبر المسيح.
كيرلس الإسكندري: ما هو جرمهم في بناء قبور القديسين؟ ألـم يـتـوسـمـوا فـيـهـم الشـرف الرفيع؟ ما هو موضع الشك في ذلك؟ من الضروري أن نفقه ما يعلمنا إياه المسيح. إن أسلاف اليهود كانوا يقتلون في بعض الأحايين الأنبياء القديسين الذين نقلوا إلـيـهـم كلمـة الله، وقـادوهـم إلـى الصـراط المستقيم. اعترف أبناء ذريتهم بأن الأنبياء كانوا رجالاً قديسين مـوقـرين، فبنوا لهم الـقـبـور تـكـريمـا لـقـد قـتـلـهـم أبـاؤهم رغم إيمـانـهـم بـأنـهـم كـانـوا أنبياء وقديسين… صمموا على تكريم القتلى واتهموا القاتلين بعمل مشين. أدانوا آباءهم لارتكابهم هذا القتل الشنيع. أمـا هـم فـيذنبون بارتكاب جرائم مماثلة ويفعلون ما هو أسوأ وأردا. قتلوا ملك الحياة، مخلص البشر ومعتقهم مـن كـل شـر فـازدادت شرورهـم قـتـلـوا اسـتـفـانـوس، لا لاتـهـامـهـم إياه بأي ذنب مخجل، بل لأنه حثهم على التكلم بما هو فـي الـكـتـاب المـلـهـم مـن الله، واقـتـرفـوا، إضـافـة، جـرائـم أخـرى بقتلهم القديسين الذين بشروهم بالإنجيل لخلاصهم. (تفسير القديس لوقا 85)
يقدم يسوع للفريسيين والمحامين فرصة للتوبة.
أفرام: قال: «حتى ينزل بكم العقاب على سفك كل دم»، لأنكم قتلتم من ثأر لقتل الأبرار… من يقتل القاضي يـوال الـقـتـلـة، لأن قتل القاضي إجهاض للعقاب وتعبيد للطريق أمام القتلة ابتداء «من دم هابيل الصديق إلى دم زكريا»،(٢٦) حتى يومنا هذا. كان بينهم، لكنه لم يثأر لدمه حتى بعد قتله، خشية أن يقولوا إنه قرر فعل ذلك سلفا أصدر حكمه على قاتلي القديسين الذين جاؤوا من قبل، أمثولة يسترشد بها من جاء بعدهم على احترام القديسين. أعـطـاهـم فـرصـة للتكفير عن جريمتهم، رغم أن الشريعة لا تقبل توبة قاتلي الأنبياء. تنص الشريعة: «من يقتل يقتل قتلاً». ولم تقل «إذا تاب فليكفر عن خطيئته». . أما هو فقد أعطاهم فرصة للتكفير عن جنايتهم بقتله. (تفسير الإنجيل الرباعي لتاتيان 18. 9)
مفتاح المعرفة هو رؤية يسوع كباب إلى الأنبياء.
أفـرام: الـويـل لـكـم، أيـهـا المحامون، عـنـدكـم مـفـاتـيح الباطن، أي المعرفة الباطنة لظهور ربنا الواضحة في النبوءات. ربنـا هـو الـبـاب، كـمـا قـال ومفاتيح المعرفة هي عنده أبى الكتاب والـفـريـسـيـون أن يدخلوا عبر باب الحياة. وهـذا مـا قـالـه: إن الملـكـوت هـو فـيـكـم، مشيرا إلى نفسه، لأنـه كـان قـائـمـا في وسطهم. (تفسير الإنجيل الرباعي لتاتيان 18. 8)
مفتاح المعرفة هو مفتاح داود الذي يفتح الملكوت.
جيروم: يقول يوحنّا في سفر الرؤيا: «الذي بيده مفتاح داود، إذا فتح فلا أحد يغلق، وإذا أغلق فلا أحد يفتح». كـان مـفـتـاح الـشـريـعـة بـيـد المحامين والفريسيين. يحذرهم الرب في الإنجيل بقوله «الويل لكم، أيها المحامون! تحملون مفتاح ملكوت السماء». أيها الفريسي، إنك تحمل مفتاح الملكوت ولا تؤمن بالمسيح الذي هو الباب، وبوابة الملكوت. إن الوعد يعطى لك، لكنه يمنح لنا. عندك الجسد، وعندنا الروح. وبما أنك تنكر الروح، فإنك تخسر الجسد والروح معا. (الموعظة 66، على المزمور 89)
مفتاح المعرفة هو تفسير الشريعة في المسيح.
كيرلس الإسكندري: نعتبر أن مـفـتـاح المعـرفـة هـو الشريعة نفسها، وأنّ الإيمان هـو الـتـبـريـر فـي المـسـيـح كـانت الشريعة رمزا وظلاً: الرمز يشير إلى الحق، والظـل يصور لنا سر المسيح «تفحصون الكتب المقدسة، حاسبين أن لكم فيها الحياة الأبدية؛ هي تشهد لي». كل كلمة ملهمة في الكتاب المقدس تشير إليه وتنطبق عليه. عندما يتكلم موسى يرمز إلى المسيح. وعندما يكلمنا الأنبياء القديسون يعلنون لنا سر المسيح بطرائق عديدة، وينبئون بالخلاص الذي يتمه. (تفسير القديس لوقا 86)