التفسير القديم للكتاب المقدس- لوقا أصحاح 2
2: 1- 20 ميلاد يسوع
وفي تلك الأيام، صدر أمر عن القيصر أوغسطس بإحصاء جميع أهل المعمور. وجرى هذا الإحصاء الأول عندما كان كيرينيوس حاكما في سورية. فذهب جميع الناس ليكتتب كل واحد في مدينته. وصعد يوسف أيضا من الجليل من مدينة الناصرة إلى اليهودية إلى مدينة داود التي يقال لها بيت لحم – فقد كان من بيت داود وعشيرته – ليكتب هو ومريم خطيبته وكانت حبلى. وبينما هما فيها حان وقت ولادتها، فولدت ابنها البكر، فقمطته وأضجعته في مذود لأنه لم يكن لهما موضع في الفندق. وكان في تلك الناجية رعاة يبيتون في البرية، يتناوبون السهر في الليل على رعيتهم. فظهر ملاك الرب لهم وأضاء مجد الرب حولهم، فخافوا خوفا شديدا. فقال لهم الملاك: «لا تخافوا، ها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون فرح الشعب كله: ولد لكم اليوم مخلص في مدينة داود، وهو المسيح الرب. وإليكم هذه العلامة: ستجدون طفلاً مقمطا مضجعا في مذود». وانضم إلى الملاك بغتة جمهور الجند السماويين يسبحون الله ويقولون: «المجد لله في العلي! وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة!» فلما انصرف الملائكة عنهم إلى السماء، قال الرعاة بعضهم لبعض: «هلم بنا إلى بيت لحم، فنرى هذا الحدث الذي أخبرنا به الرب».
وجاؤوا مسرعين، فوجدوا مريم ويوسف والطفل مضجعا في المذود. ولما رأوا ذلك جعلوا يخبرون بما قيل لهم في ذلك الطفل. فجميع الذين سمعوا الرعاة تعجبوا مما قالوا لهم. وكانت مريم تحفظ جميع هذه الأمور، وتتأملها في قلبها. ورجع الرعاة وهم يمجدون الله ويسبحونه على كل ما سمعوا ورأوا كما قيل لهم.
نظرة عامة:
متى يصل المستمع إلى ولادة يسوع، ير فيها مصدر كل الأعياد العظيمة في الكنيسة الجامعة: الفصح، الصعود، والعنصرة (الـذهـبـي الـفـم). يحدد المشهد الأول السياق التاريخي لولادة يسوع فيعين زمـن إحصاء أهـل المـعـمـور وولادة الطفل (إفسافيوس). أما نصر أوغسطس فيرمز إلى نصر المسيح الذي فيه اكتتب كل المؤمنين باسم الألوهة (كسيا). إن يسوع، بولادته أثناء إحصاء أهل المعمور، يثني على قيصر لـيـحـمـل حضوره في الـعـالـم سـلامـا أبديا (بيدي)، لكن الاكـتـتـاب لـم يـكـن اكتتاب قيصر، بل اكتتاب المسيح (أمبروسيوس). مع أن الحبل بيسوع تم في الناصرة، فقد دفع الاكتتاب مريم إلى السفر إلى بيت لحم ليولد في مدينة داود، لأن بيت لحم تعني «بيت الخبز» (بيدي). إن مريم ويوسف هما من بيت داود، لذا حصلت الخطوبة ضمن العشيرة نفسها (مفسر يوناني). كانت مريم مخطوبة ليوسف، لكن حبلها بالطفل يسوع كان بدون زرع رجل (كيرلس الإسكندري). لقد أصبحت بيت لحم عدن الجديدة لفردوس سيفتح الآن بولادة المسيح (كاتب مجهول). تـقـدم مـريـم الـعـذراء هـيـكـلا لجسد يسوع (كيراس الإسكندري). فهو إله وإنسان معا، بكر مريم، بكر الخليقة (بيدي)، وبكر في النعمة (بيدي)، وضع نفسه لتصبح بشرا كاملين. بتقميطه يطلقنا من ربط الخطيئة التي تقيدنا (يوحنا الراهب). يظهر كيف يتخذ طبيعتنا البشرية الضعيفة ليعيد إلينا لباس الخلود الأصلي (الذهبي الفم). يوضع في مذود كعلف لرجال يتصرفون تصرف الـبـهـائـم، لكنّه هو الآن الخبر النازل من السّماء (كيرلس الإسكندري). لا محل لولادة رب الخلـيـقـة إلا فـي مـذود الـبـهـائـم (أمبروسيوس، جيروم). لا محل له في فندق على جانب الطريق، لأن يسوع أصبح الآن بتجسده طريقنا إلى البيت (بيدي). إن الملائكة، كما علموا مريم ويوسف من قبل، هكذا علموا الرعاة (أمبروسيوس)، الذين هم في الود أخلص من علماء الشريعة والـفـريـسـيـين وأوفى لـقـد كـانـوا طـلائـع المبشرين بالإيمان (الذهبي الفم). يحتاج هؤلاء الـرعـاة إلى حضور المسيح مثلما تحتاج قطعـانـهـم إلـيـه (أوريجنس). يعلن الملائكة أن يسـوع هـو شـافـي الأمم (أوريجنس). لما أعلن الملاك أن «المخلص» ولد اليوم أشار إلى انبلاج فجر جديد يبدد الظلمة بحضور ملكوت الله في شخص المسيح وبشـارتـه (بـيـدي)، إن للمخلص المولود «اليوم» ولادتـين عـجـائـبـيـتين: الولادة الدائمة للآب، والولادة لعذراء مرة واحـدة (أوغسطين). انطـلاقـا مـن أقـمـطـة يسوع كعلامة لولادة مـسـيـا وانـتـهـاء بالعمامة الملفوفة في كفن عند دفنه، يربط لوقا ولادة يسوع بموتـه وقـيـامـتـه (غريغوريوس النزينزي).
المجدلة تعلن السلام على الأرض ومسرة الناس بولادة يسوع (كيرلس الإسكندري). في السماء المجد لله، وفي الأرض تحمل ولادة يسوع سـلامـا للـحـائـزيـن رضـاه (جيروم). السّلام على الأرض في شخص يسوع للمتحدين بولادته (يوحنا الراهب). في ولادة يسوع يـتـجـلـى مـجـد الله على الأرض سلاما ومسرة بين الله والنّاس، وبين الملائكـة والـبـشـر (غـريـغـوريـوس العظيم)، يسوع هو رجل السلام، فيه تتجسّد الحكـمـة الـكـامـلـة (أوغسطين). في ولادة يسـوع الـنّـاصـري ومـوتـه تـتـحـد الشمـاء والأرض في السلام (أفرام). الرعاة هـم طـلائـع المـبـشـريـن بـالإنجيل، وواضـعـو نـمـاذج الـوعـظ لرعاة الكنيسة (بيدي). ما حفظته مريم في قلبها هو أن الطفل يسوع، المقمط والمضجع في مذود، هو الله (ميتافراستيس). هي تتأمل في ما سمعته، وتقارنه بما سمعته من العهد القديم وما استوعبته الآن في ولادة يسوع (بيدي).
1:2- 5 الإحصاء الروماني
ميلاد يسوع أصل كل الأعياد العظيمة.
الذهبي الفم: لقد اقترب العيد، أقدس الأعياد وأرهبها. لا تخطئ إذا سميناه رأس الأعياد كلها. أي عيد هو؟ إنه عيد ولادة المسيح في الجسد. فـهـو بـدء أعـيـاد الـظـهـور الإلهي، والفصح المقدس، والصعود، ويوم الخمسين. لو لم يولد المسيح في الجسد لما تعمد، أي لما كان الظهور، ولما صلب، أي لما كان الفصح، ولما نزل الروح القدس، أي لما كان يوم الخمسين. لذلك، كما تنبع الأنـهـار المتعددة من ينبوع واحد، هكذا تكون ولادة المسيح ينبوعا للأعياد كلها. (في طبيعة الله غير المدركة 23.6)
الـقـريـنـة الـتـاريـخـيـة لإحصاء أهـل المعمور.
إفسافـيـوس: في السنة الثانية والأربعين من حكم أوغسطس، وبعد ثمان وعشرين سنة من اضطهاد مصر ووفاة أنطونيوس وكليوباترا، ولد يسوع في بيت لحم نتيجة للثـبـوات. يشير فلافيوس يوسيفوس إلى أن هذا الاكتتاب تم في عهد كـويـريـنـيـوس، ويضيف خبرا آخـر حـول طائفة الجـلـيـلـيـيـن التي برزت في الوقت نفسه تقريبا. لوقا، أحد كتابنا، يذكر هذه الطائفة في أعمال الرسل، فيقول: «بعد ذلك قـام يـهـوذا الجلـيـلـي أيـام الإحصاء، واستدرج قوما إلى اتباعه، فهلك هو وتشتت جميع الذين تشيعوا له».(تاريخ الكنيسة 5.1)
انتصار أوغسطس يرمز إلى انتصار المسيح.
كسيا: لما حكم أوغسطس المعمور منفردا، تلاشـت مـمـالك كثيرة، وعندما صرت إنسانا من العذراء النقية، اضمحلت آلهة وثنية كثيرة. لقد وضعت مدن العالم تحت حكـم مـنـفـرد، وصارت الأمم تومن بألوهة واحدة سامية. فاكتتب النّاس بناء على مرسوم القيصر؛ أما نحن المؤمنين فتكتتب على اسم الألوهـة، عندما صرت، أيها الإله، إنسانا. فعظيمة هي رحمتك. المجد لك! (ستيشيرات ميلاد الرب).
إحصاء في وقت السلام لولادة يسوع الذي هو سلامنا.
بيدي: اخـتـار وقـتـا سلاميا يولد فيه، لأن الهدف من ولادته في العالم هو أن يهدي البشر إلى نعم السلام السماوي. لقد كتب حقا: «هو سلامنا، جعل الاثنين شعبا واحدا»، أي إن الـوسـيـط والمصلح قد جعل للملائكة والبشر بيتا واحدا. ولد يسوع في وقت سلامي، ليعلمنا، حتى بالظرف الزمني، أن النبوة أنبأت به: «سلطانه يزداد قوة، ولا نهاية لسلامه». (مواعظ على الأناجيل 6.1)
اكـتـتـاب المسيح لا اكتتاب قيصر.
أمبروسيوس: إننا راغبون في معرفة زمن ولادة يسوع. فما هي علاقة اكتتاب أهل المعمور بولادته لولا أنه سر إلهي؟ ربما يكتمل الاكتتاب الروحاني عندما يجري الاكتتاب العلماني، إن مهمة الإيمان هي اكتتاب العقول، فعندما أبطل الاكتتاب الـقـديـم في المجمع الـيـهـودي أعد اكتتاب الكنيسة الجديد المنزه عن العذاب. بالمسيح يسبغ هذا الاكتتاب الجديد أسماءه الآن على رسم روحاني للشعب، هنا تحسب قياسات العقول والأرواح لا قياسات الأرض. ليست حدود الاكـتـتـاب معروفة لأنها ممتدة. الاكتتاب يضم جميع البشر، فلا تمييز في السن. وما من أحد يعفى منه، لأن على كل سن أن تخدم المسيح. أطفالهم الصارخون يعترفون به وهم يستشهدون، يؤدون له الشهادة بابتهاج وهم لم يولدوا بعد؟ ما من خوف في هذا الاكتتاب، ما من قساوة وما من حزن. الإيمان وحده يضع ختمه على كل إنسان. (عرض على لوقا 36.2)
لفظةً بيت لحم تعني «بيت الخبز».
بيدي: لن يتوقف الرب عن أن يحبل به في الناصرة، وأن يولد في بيت لحم، ما دام الناس يسمعونه، ويأخذون دقيق كلمته، ويبنون لأنفسهم بيت خبز أبديا. يحبل به كل يوم فـي رحـم عـذري، أي فـي نـفـوس المؤمنين، ويولد في المعمودية. (المقتطفات الذهبية، لوقا 6.2)
مريم ويوسف هما من بيت داود.
مفسر يوناني: هكذا يضيف الإنجيل مدينة داود ليعلن أن وعده لداود قد تم: منه يخرج ملك يحكم إلى الأبد. من هنا تأتي الآية: «كان من بيت داود وعشيرته». في قوله إن يوسف هو من بيت داود أوضح الإنجيلي أن العذراء هي أيضا من بيت داود، لأن القانون الإلهي ينص على أن القرآن يتم في العشيرة ذاتها أو السلالة نفسها. لذلك «اكتتب مع مريم خـطـيـبـتـه وكـانـت حـبـلـي». (المقـتـطـفـات الذهبية، لوقا 4.2)
المسيح، بكر الخلائق، حبل به بلا زرع رجل.
كيرلس الإسكندري: يقول الإنجيلي إن مريم كانت مخطوبة ليوسف، ليدل على أن الحبل تم في أثناء الخطوبة، وأن ولادة عمانوئيل كانت عجائبية، لا وفقا لقوانين الطبيعة. فالعذراء لم تحبل من زرع رجل. لماذا؟ المسيح بكر كل الخليقة، وآدم الثاني استنادا إلى الكتب المقدسة، ولد من الروح ليحمل النعمة (نعمة الولادة الروحية) لنا أيضا. فنحن لم نعد تدعى أبناء البشر، بل أبناء الله. لقد حصلنا على ولادة الروح الجديـدة فـي المـسـيـح أولا، لـيـكـون «بكر الخلائق كلها» كما يعلن بولس.
إن الاكتتاب حمل العذراء على الذهاب إلى بيت لحم، وبذهـابـهـا تمت النبوة القائلة: «لكن يا بيت لحم أفراته، منك يخرج لي سيد على إسرائيل».
يجادل بعضهم قائلين لو ولد المسيح في الجسد لفقدت العذراء بتوليتها. وإن لم تفقد بـتـولـيـتـهـا، لكانت ولادته شكلية. نرد على ذلك بقول الرب: «هذا الباب يكون موصدا. لا يفتح ولا يدخل منه أحد، لأن الرب إله إسرائيل دخل منه». فضلاً عن ذلك، صار «الكلمة » جسدا بدون جماع، وحبل به بدون زرع، وولد بدون أن تـفـض عذرية أمه.(تفسير لوقا 1)
6:2- 7 ولادة يسوع
فتحت بيت لحم عدنا لتعلن الفردوس في المسيح.
كاتب مجهول: لقد فتحت بيت لحم عدنا فهلم ننظر إنا وجدنا فرحا مخفيا! هلـم نـدخـل الـفـردوس الذي في المغارة. هناك ظهر أصل غير مروي، نبت منه الغفران هناك بئر غير محفورة اشتاق داود إلى أن يشرب منها! هناك حبلت العذراء بطفل فروى حبلها عطش آدم وداود. فلتسرع إلى حيث ولد الله الأبدي لأجلنا طفلاً صغيرا! بيت (إيكوس) عيد ميلاد الرب.
مريم أم الله هي هيكل جسد يسوع.
كيرلس الإسـكـنـدري: لما أشـار كـتـاب الأناجيل المقدسة إلى نسب يوسف، المتحدر من سبط داود، برهن أن العذراء كانت من السبط نفسه، لأن الشريعة الإلهية تأمر بالتزاوج بين أهـل السبط نفسه. يوضح بولس، مفسر العقائد السماوية، هذا الحق، فيشهد على أن الرب طلع من يهوذا. لكن الطبيعتين اللتين اتحدتا اتحادا حقيقيا تختلفان، فمنهما إله واحد وابن، من غير أن يبطل الاتحاد الاختلاف بينهما، فالاتحاد بين الطبيعتين قد تم، ولذلك نعترف بمسيح واحد، وابن واحد، ورب واحد. بهذا المعنى للاتحاد الذي لا امتزاج فيه نعلن أن العذراء القديسة هي أم الله، لأن الله الكلمة تجسد وتأنس منها، فلما حبلت به أتحد نفسه بالهيكل الذي اتخذه منها. فلنفهم أن هاتين الطبيعتين اتحدتا اتحادا لا انقسام فيه ولا اختلاط ولا انفصال. فالجسد جسد، وليس ألوهية، مع أنه صار جسد الله. وكذلك فإن الكلمة هو الله، وليس جـسـدا، مع أنـه قـد جعله جسده تدبيريا. رغم أن الطبيعتين اللتين تلاقتا لتكونا الاتحاد تختلفان، فالذي هو منهما واحد أحد. فلا يمكن قسمة يسوع المسيـح الـرب الـواحـد إلى إنسان منفصل وإلى إله منفصل، لكنّنا نقول إنه المسيح يسوع الواحد نفسه، معترفين بتميز الطبيعتين وبصيانتهما بلا امتزاج. (تفسير لوقا 1)
بكر الخليقة.
بيدي: يدعو الرب «بكرا»، علينا أن نؤمن بأن مريم لم تلد أبناء آخرين دائما احتفظت بعفتها، وعاشت بعد يسوع مع زوجها دون أن يمسها، فكانت فريدة وجديرة بالذكر. إن «الذين قبلوه، المؤمنين باسمه، أعطاهم سلطانا أن يصيروا أبناء الله»، كما يقول يوحنا. له الأولية على هؤلاء الأبناء ، إذ إنه كان قبل أن يولد في الجسد ابن الله، مولودا من غير ابتداء. مع ذلك نزل إلى الأرض، وشاركنا في طبيعتنا وجاد علينا بالمشاركة في نعمته، «حتى يكون بكرا لإخوة كثيرين». (مواعظ على الأناجيل 6.1)
بكر في تجسده، وبكر في النعمة.
بيدي: هو ابن الله الأوحد مـن جـوهـر اللاهوت، ت، بكر في تجسده، وبكر في النعمة، ومـولـود أوحد في الطبيعة.( المقتطفات الذهبية، لوقا 2. 7)
صار المسيح طفلاً متواضعا لنصير بشرا كاملين.
أمبروسيوس: كان رضيعا وطـفـلاً، لتكون أنت إنسانا كاملا تقمط لتتحرر من أشراك الموت كان في مذود لتكون في المذبح. كان على الأرض لتكون أنت في النجوم. لم يكن له محل في الفندق لتكون لك منازل كثيرة في السماوات. «افتقر لأجلكم، وهـو الغني، لتغتنوا أنتم بفقره». فقره هو ميراثنا، وضعف الرب فضيلتنا. اختار أن يفتقر ليفيض عنه الرب. كل شيء. إن بكاء الطفولة المروع يطهرني، وتلك الدموع تمحو خطاياي. فيا أيها الرب يسوع، إنني مدين لمعاناتك، لأنني أعتقت فأصبحت قادرا على القيام بأعمال خلقت من أجلها. إنك تراه يقمط. فلا ترى أنه في السماء. تسمع صراخ طفل، ولا تسمع خوار ثور يعرف سيده، والثور يعرف صاحبه، والجمـار يعرف مذود سيده (عرض القديس لوقا 2. 41-42)
بتقميطه يحررنا من ربط الخطيئة.
يوحنا الراهب: إفرجي، يا أُورشليم، واطربوا يا محبي صهيون! اليوم تنحل ربط دينونة آدم القديمة. ويفتح الفردوس لنا، وتداس الحيـة الـتـي خـدعـت المرأة فـي الـفـردوس، وترى اليوم امرأة تصير أم الخالق. يا لعمق غنى الحكمة ومعرفة الله! إن إناء الخطيئة حمل الموت إلى كل جسد، فأصبح بوالدة الإله باكورة الخلاص لكل العالم. لها يولد الإله الكلي الكمال طفلاً، وبولادته يصون ختم عذريتها، وبتقميطه يحررنا من ربط الخطيئة. ولما صار طفلاً شفى حواء من مخاض الولادة. لذلك، فلتتهلل الخليقة ولترقص فرحا، لأن المسيح جاء ليصلحها ويخلص نفوسنا! (ستيشيرات عيد ميلاد الرب)
الأقـمـطـة والمذود تشير إلى الولادة الإنسانية.
الذهبي الفم: لئلا تتوهم أن مجيئه كان ظاهريا فقد حبل به، وولد ونشأ لتؤمن بأن جسده كان جسدا حقيقيا. كان له المذود لا البييت نزلا ليكون حاضرا أمام جمهور لا عد له، ولتذاع ولادته. هذا كان سبب الأقمطة والنبوات المعلنة من عل. فهي تشهد على أنه سيتأنس وأنه سيخبل به ويولد وينشأ كأي ولد. (في طبيعة الله غير المدركة 49.7)
كطعام في مذود، يسوع هو الآن الخبر من السماء.
كيرلس الإسكندري: كـان إنسانا أنزل إلى مستوى الـبـهـائم، ووضع كطعام في مذود، لنرفع حياتنا البهيمية إلى إدراك لائق بالبشر. كنّا بهيميي النّفس، أما الآن فإننا نقترب من المذود، مـن مائدته، لا لنجد علفا بل خبرا من السماء، أي جسد حياة. (تفسير لوقا 1)
نـور سـمـاوي فـي حـانـة دنيوية.
أمبروسيوس: يخرج من الرحم، لكنه يشرق من السماء. يضطجع في مذود، لكنه حي مع الـنور الشـمـاوي. (عـرض الـقـديـس لـوقـا 2. 42-43)
ليس لرب الخليقة مكان يولد فيه.
جيروم: الرب يولد على الأرض، وليس له مكان يولد فيه، لأنه لم يكن له محل في الفندق. هناك محل لكل جنس البشر، لكن لم يكن محل للرب الذي كان على وشك أن يولد. لم يكن له مكان بين البشر. لم يكن له مكان عند أفلاطون، أو عند أرسطو، بل في مذود البهائم والحيوانات الوحشية، وبين البسطاء والأنقياء. لذلك يقول الرب في الإنجيل: «إن للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكارا، وأما ابن الإنسان فليس له ما يلقي عليه رأسه» ( مـواعـظ على المزمورين 44و 131).
يقودنا تجسد المسيح إلى بيتنا. بيدي:
على الرغم من أنه لم يكن للمستوي عن يمين الأب مأوى في الحانة، فقد أعد لنا منازل كثيرة فـي بـيـت أبـيـه السـمـاوي. كان لا محل له في الفندق فولد في الحانة، على جانب الطريق، لا في بيت آبائه. فبسر تجسد المسيح أصبح لنا طريق يقودنا إلى بيتنا، حيث سـنـتـمـتـع بالحق والحياة. (المقتطفات الذهبية، 7.2)
8:2-15 يسـمـع الـرعـاة الإعـلان ويتلقون علامة
تعليم الملائكة.
أمبروسيوس: أنظر كيف ترسخ العناية الإلهية الإيمان. ملاك يبشر مريم، وملاك يبشر يوسف، وملاك يبشر الرعاة. لا يكفي إرسال الملاك دفعة واحدة. فكل كلمة تستند إلى شاهدين أو ثلاثة. (عرض القديس لوقا 51.2 )
حـاجـة الـرعـاة إلى حضور المسيح.
أوريـجـنـس: إسـمـعـوا، يـا رعاة الكنائس إسـمـعـوا، يـا رعاة الله! مـلاكـه نـازل من السماء معلن لك: «اليوم يولد لك مخلص، هو مسيح الرب». لو لم يأت ذلك الراعي، لعجز رعاة الكنائس عن أن يحرسوا القطيع حراسة جيدة. فرعايتهم كانت ستكون ضعيفة، لو لم يكن المسيح راعيا وحارسا معهم. قرأنا في رسالة بولس: «نحن نعمل مع الله». كل راع صالح يقتدي بالراعي الصالح، ويعمل مع الله والمسيح. هو راع صالح لأن الـراعـي الصـالـح مـعـه، يرعى خرفانه معهم. «هو الذي أعطى بعضهم أن يكونوا رسلا وبعضهم أنبيـاء وبعضهم مبشرين وبعضهم رعاة ومعلمين. فهيَّأ كل شيء في سبيل كمال القديسين». (مواعظ على لوقا 1.12 – 4)
إعـلان الملائكة لولادة شافي الأمم.
أوريجنس: بعد أن جاء الرب إلى الأرض، «حقق السلام في الأرض والسمـاء بـدمـه على الصليب». ابتغت الملائكة أناسا يتذكرون خالقهم. فعلت كل ما في وسعها من أجل علاجهم، لكنّهم أبوا أن يشفوا. ثم نظرت إلى القادر على الشفاء، فمجدت الله وقالت: «المجد لله في العلى، وعلى الأرض السّلام». (مواعظ على لوقا 3.13)
يولد «اليوم» معلنا انبلاج يوم جديد يبدد الظلمة.
بيدي: جيد قول الملاك «قد ولد اليوم»، ولم يقل «هذا الليل». ظهر بنور سماوي للذين كانوا يتناوبون السهر في الليل، وبشرهم بولادته فالذي ظهر ظهورا موقوتا في مدينة داود كإنسان من أم بكر هو، في الحقيقة، مولود قبل كل زمان، وبلا تحديد مكان، نور من نور، إله حق من إله حق. لذلك أشرق نور الحياة للساكنين في ظلال الموت. يـقـول المبشر بهذا الإشراق: «لقد ولد لنا مخلص اليوم». فإذا كنا نتلقى دوما نصح هذه الكلمة نتذكر أن ليل العمي القديم قد ولى وأن يوم الخلاص الأبدي قد أتى. فلتخلع عنّا أعمال الظلمة، ولنسر كأبناء النور، لأن ثمر النور هو في كل برّ وقداسة.( مواعظ على الأناجيل 6.1)
مولود للآب دائما، ومولود للعذراء مرة واحدة.
أوغسطين: إيمـانـكـم الـذي جمعكم هنا في هذا الحشد الكبير يعي جيدا أن المخلص ولد لنا اليوم. إنه يولد للآب ويولد لأمه مرة واحدة… ليكون مطيعا حتى الموت، وينتصر بموته على الموت. (موعظة 1.372 على ميلاد الرب)
يقمط في ولادته، وموته، وقيامته.
غريغوريوس النزينزي: قمط، لكن في القيامة تخلص من أكفان القبر. وضع في مذود، لكن سبحته الملائكة، وأعلن عنه نجم وسجد له مجوس. (موعظة 19.29 على الابن).
المسيـح الــطـفـل يحمل لنا سلاما ومسرة.
كيرلس الإسكندري: لا تنظر إلى من وضع في مذود كطفل فحسب، بل في فقرنا انظر أيضا إلى من هو إله غني. لذلك يمجده الملائكة القديسون، ويسبحونه قائلين: «المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي النّاس المسرة». الملائكة وكل القوات السماوية والطغمة المخلصة بنعمه وفي سلام معه لا تعترض بـأيـة طـريـقـة لمسرته، بل تبقى راسخة بثبات في البر والقداسة. لكن نحن البؤساء، بمقاومتنا مشيئة السيد بشهواتنا الخاصة، انضممنا إلى صفوف أعدائه. لقد أبطل المسيح هذا.«فهو سلامنا»، وبذاته أتحدنا بالله الآب، وأزال من الوسط الخطيئة المعادية، وبرّرنا بالإيمان، ودعـانـا نـحـن الـبـعـيـديـن إلى أن نكون قريبين. وخلق الشعبين في إنسان واحـد جـديـد، صانعا السّلام، ومصالحا إياهما في جسد واحد مع الآب. سر الله الآب أن يجمع كل الأشياء فيه، وأن يربط الـدنـي بـالـعـلـى، ويـجـعـل مـن السماويين والأرضيين قطيعا واحدا. لذلك صار المسيح لأجلنا سلاما ومسرة. (تفسير لوقا 2)
المجـد فـي الـسـمـاء والسلام على الأرض.
جيروم:لا خلاف في السماء، بل في السماء مجد. وسلام في الأرض التي تندلع فيها الحروب كل يوم. بين من يسود السلام؟ بين البشر. فلماذا تكون الأمم بعيدة عن السلام؟ ولماذا يكون اليهود بعيدين عن السّلام؟ لهذا يقول: السلام بين أهل رضاه، وبين الـذيـن يـعـتـرفـون بميلاد المسيح. (الموعظة 88، على ميلاد الرب.)
السماء والأرض تشاركان في ولادة المسيح.
يوحنا الراهب: اليوم تتحد السماء والأرض، لأن المسيح يولد! اليوم يجيء الله إلى الأرض، والبشر يرتفعون إلى السماء. اليوم غير المرئي يرى في الجسد لخلاص جنس البشر. فلتمجده إذا ولنهتف: المجد لله في العلى وعلى الأرض سلام منح بمجيئك، أيها المخلص، فالمجد لك!
الـيـوم، فـي بـيـت لـحـم، أسـمـع الملائكة يسبحون: المجد في العلى! المجد لمن سر أن يكون سلام على الأرض! الآن العذراء أرحـب مـن السّماوات. لقد أشرق نور على الذين في الظلمة، ورفع المتواضعون الذين ينشدون التسبيح الملائكي: المجد لله في العلي. رأى يسوع أن آدم المخلوق على صورة الله ومـثـالـه قـد سقط بالمعصية، لذلك أحنى السّماوات ونزل بلا تغيير متخذا مسكنه في رحم العذراء، ليعيد خلق آدم الساقط في الفساد. فلنصرخ به قائلين: المجد لظهورك، يا مخلصي وإلهي! (ستيشيرات ميلاد الرب).
سلام بين البشر والملائكة.
غريغوريوس الـكـبـيـر: يـعـلـن الملاك أن الملـك قـد ولـد، وظعمات الملائكة تضم صوتها إليه، وترتل بابتهاج: «المجد لله في العلى وعلى الأرض السّلام وفـي الـنـاس المسرة». قبل ولادة المخلص في الجسد، كان هناك نزاع بيننا وبين الملائكة، إذ فصلنا عن بهائها وكـمـالـهـا المـقـدس، عقابا لنا أولاً على خطيئة الجدين الأولين، وثانيا على خطايانا اليومية. بالخطيئة أصبحنا غرباء الله، فقطعتنا الملائكة الخاضعة لله عن شركتها. لكن، لما اعترفنا الآن بملكنا، قبلتنا الملائكة كمواطنين لها. عندما اتخذ مـلـك الشـمـاء جـسـدا مـن أرضنا، لم تعد الملائكة تنظـر مـن أعـلـى السّماوات إلى حقارة ضعفنا. لقد أصبحنا في سلام معنا، وتـنـاسـت الـنـزاع الـقـديم. إنها تكرمنا كأصدقاء لها، بعد أن كانت تعتبرنا ضعفاء محتقرين. (الموعظة 2.8، على عيد ميلاد الرب).
السلام والمسرة – رجل حكمة كاملة.
أوغسطين: الإنسان عاجز عن أن يصرف صغائر الأمور ما لم يخضع لحكم كائن أعلى. هذا هو السلام الموعود به «علی الأرض لأهل رضاه». هذه حياة رجل حكمة كاملة. إن رئيس هذا العالم، الذي يتحكم بالضالين والمنحرفين، قد ألـقـي خـارج ملكوت السلام… (موعظة على 9.2.1 الجبل)
أولاد أورشليم يرددون نشيد الملاك: السلام في السماء والمجد في الأرض.
أفرام: لما ابتدأ يثبت السلام أعلن الملاك قائلا: «المجـد فـي الـعـلـى والسلام على الأرض». ولما تسلمت الكائنات الدنيا السّلام من كائنات أعلى، صرخت: «المجد على الأرض والسلام في السماء». ولما نزل اللاهوت وارتدى النّاسوت، صرخت الملائكة: «السّلام على الأرض». ولما صعد النّاسوت المتّحد باللاهوت واستـوى عن يمين الآب، – «السّلام في السماء» -، كان الأطـفـال يـصـرخـون أمامه: «أوشعنا في العلي». إذا تعلم التلميذ ضرورة القول: «بدمه على الصليب حقق السلام وصالح كل شيء في الأرض كما في السماء». هـنـاك تفسير آخر يشير إلى أن الملائكة صـرخـوا: «المجد في العلى والسلام على الأرض». والأطـفـال صـرخـوا: «السّلام في السماء والمجد على الأرض»، ليظهر الله أن نعمة رحمته تفرح الخطأة على الأرض، كما تفرح توبتهم الملائكة في السماء». المجد لله يأتي من المشيئة الحرة. حل السلام والمصالحة على المغضوب عليهم، والرجاء وغـفـران الخطـايـا عـلـى المذنبين. (تفسير الإنجيل الرباعي لتاتيان، 13.2- 15)
16:2- 20 جواب الرعاة، والشعب ومريم
الرعاة هم أوائل المبشرين بالإنجيل.
بيدي: لم يستول الصمت على الرعاة، بل، على العكس، أعلنوا السر الخفي الذي عرفوه بوحي إلهي أعلنوه لكل الذين تمكنوا من إعلانه لهم. فالرعاة الروحيون في الكنيسة معينون لإعلان أسرار كلمة الله، ولإبلاغ مستمعيهم أن المعجزات التي تعلموها من الكتب المقدسة هي موضع إعجاب. (مواعظ على الأناجيل 61.7.1)
تأمـل مـريـم فـي لاهـوت يـسـوع.
ميتافراستيس: لقد حفظت مريم في فكرها كل ما أخبرها به الملاك، وكل ما تعلمته من زكـريـا ومـن ألـيـصـابـات ومن الرعاة. قارنت أم الحكمة الأقوال بعضها ببعض، فرأت الانسجـام الحـقـيـقـي فـي جميعها. وأمـنـت بـأن المولود لها هو الله حقا. (المقتطفات الذهبية، لوقا 19.2)
تأمل مريم إتمام نبوة العهد القديم.
بيدي: تلتزم مريم قواعد التواضع العذري، فلا تفشي لأحد ما عرفته من أسرار عن المسيح انـتـظـرت بـوقـار الزمان والمكان لثعلته. فمع أن فمها كان صامتا، إلا أن قلبها كان يقظا وواعيا، يقول الإنجيلي إنّها كانت تتأمله في قلبها – حقا، إنها تأملت تلك الأعمال التي رأتها تتحقق. الآن رأت نفسها، وقد خرجت من جذع يسى، أنها بالروح القدس حبلت بابن الله. لقد قرأت النّبي القائل: «يخرج فرع من جذع يسَّى، وينمو غصن من أصوله. ويستقر الروح عليه». كانت قد قرأت: «لكن يا بيت لحم أفراتة، صغرى مدن يهوذا، منك يخرج لي سيد على بني إسرائيل يكون منذ القديم، منذ أيام الأزل».رأت أنها ولدت في بيت لحم سيد إسرائيل، المولود منذ الأزل، الله قبل الـذهـور. ورأت أنـهـا حـبـلـت وهـي عـذراء، وولدت ابنا، وسمته يسوع. كانت قد قرأت ما قاله الأنبياء: «ها إن العذراء تحبل وتلد ابنا وتسميه عمانوئيل». وكذلك قرأت: «الثور يعـرف مـقـتـنـيـة والحمار معلف صاحبه، أما بنو إسرائيل فلا يعرفون، شعبي لا يفهم شيئا». وتذكرت ما قاله الملاك لها: «إن الروح القدس سينزل عليك وقدرة العلي تظللك، لذلك يكون المولود قدوسا وابن الله يدعى». كانت قد قرأت أن طريقة ميلاده يعلنها ملاك، وفقا لقول إشعيا: «أما جيله فمن يعلنه؟» كانت قد قرأت: «وأنت يا برج القطيع يا جبل بنت صهيون، إليك يأتي الحكم ويعود الملك كما من قبل إلى مدينة أورشليم». سمعت أن القوات الملائكية، بنات المدينة العلوية، ظهرن للرعاة في مكان دعي من قبل «برج القطيع» حيث تجمع الماشية – وهذا كان – على بعد ميل واحد تجاه شرق بيت لحم. هناك، حتى الآن، كنيسة أضرحة هؤلاء الرعاة الثلاثة. عرفت أن الرب جاء بالجسد، وأن قـدرتـه وأزليتـه مـسـاويـتـان للآب هـو سيعطي ابنته الكنيسة ملكوت أورشليم السماوية. كانت تقارن ما قرأته بما حدث. ولكنّها لم تتفوه بكلمة، بل حفظته في قلبها. (مواعظ على الأناجيل 7.1)
21:2 ختان يسوع
” ولما انقضت ثمانية أيام فحان للطفل أن يُختن، سُمي يسوع، كما سماه الملاك قبل أن يحبل به.
نظرة عامة:
إن ختان يسوع حدث مفيد في كل شيء (أوريجنس). فالمنزه عن الخطيئة يأخذ مكان البشر ويخضع للشريعة كحامل أوزار الخطيئة، وهذا ما جرى في معموديته. ختانه ينبئ بمعموديته. وبعد أن عمد انتفت الحاجة إلى الختان (أثناسيوس). إن لاسم «يسوع» الـقـدرة على قهر إبليس وأرواح الظلمة (أوريجنس). لما انقضت ثمانية أيام على ولادته أعلنت الغاية من التكفير والقيامة باسمه، ومن ختانه ومعموديته، إذ دشـن انـقـضـاء الـدهـر (بـيـدي، كيرلس الإسكندري).
۲۱:۲ اختتن في اليوم الثامن
في خـتـانـه يـخـتـتن البشر جميعهم.
أوريجنس: عندما مات، متنا معه، وعندما قام، قمنا معه. وعندما ختن ختنا معه. بعد ختانه تطهرنا. لم نعد بحاجة لختان اللحم. عليك أن تعرف أنه خين لأجلنا. إسمع ما يـقـولـه بـولس بوضوح: «فيـه يـحـل جميع كمال الألوهية حلولاً جسديا، وفيه تكونون كـامـلين. إنّـه رأس كـل صـاحـب رئـاسـة وسلطان. وفيه ختنتم ختانا لم يكن فعل الأيدي، بل بخلع الجسد البشري، وهو ختان المسيح. ذلك أنكم دفنتم معه بالمعمودية وبها أيضا أقمتُم معه لأنكم آمنتم بقدرة الله الذي أقامه من بين الأموات». إذا هو مات وقام وختن لأجلنا. (مواعظ على لوقا 14. 1)
القدرة في يسوع.
أوريجنس: لا يستمد المسيحيون شجاعتهم من السحر، بل من اسم يسوع، ومن ذكر ما فعله بذكر اسمه تطرد الشياطين من البشر، لاسيما عند استدعائه والنطق به بنية صالحة، وبثقة كاملة عظيمة هي قدرة اسم يسوع، إنها تكون فعالة حتى عندما يذكره الشرير. فاسمه يشفي مرضى العقول ويطرد أرواح الظلمة، ويكون للمريض علاجا شافيا. (ضد كلسوس 6.1)
تدشن الأيام الأخيرة بـخـتـان يسوع ومعموديته وقيامته.
بيدي: اختتن وفق ما تنص عليه الشريعة، رغم أنه ظهر في الجسد بلا نقيصة ولا وصمة. جاء في شبه الجسد الخاطئ. لا في جسد خاطئ – فلم يتجنّب العلاج الذي يطهر الجسد. خضع، ليكون قدوة، ليس عن ضرورة، لماء المعمودية، رغبة منه في أن يغتسل شعب الشريعة الجديدة للنّعمة من وصمة الخطايا إن سبب تسمية «الطفل الذي ولد لنا، والابن المعطى لنا»، يسوع (أي «المخلص») لا يحتاج إلى إيضاح لنفهمه، لكننا نحتاج إلى حمية يقظة مقدامة لتخلص بالمشاركة في اسمه. نقرأ كيف يفسر الملاك اسم يسوع: «إنه سيخلص شعبـه مـن خـطـايـاهـم». ونـومـن بلا ريب بأن الذي ينقذنا من الخطـايـا لـم يفشل في إنقاذنا من فساد تحدثه الخطايا فينا، ومن الموت نفسه، كما به يشهد ناظم المزامير عندما يقول: «يغفر جميع ذنوبك، ويشفي جميع أمراضك». بغفران الذنوب تشفى الأمراض، وبظهور مجد القيامة يتم القضاء على عدونا الأخير.(مواعظ على الأناجيل 11.1)
الـيـوم الـثـامن – ختان، معمودية، وقيامة.
كيرلس الإسكندري: يقول بولس: «ليس الختان بشيء ولا القلف بشيء». في اليوم الثامن ختن المسيح وسمي. فنلنا به الخلاص، لأن «فيه ختنتم ختانا لم يكن فعل الأيدي، بل بخلع الجسد البشري، وهو خـتـان المـسـيـح. ذلك أنـكـم دفـنـتم مـعـه بالمعمودية وبها أيضا أقمتم معه، لأنكم أمـنـثـم بقدرة الله الذي أقـامـه مـن بـين الأموات». لقـد مـات لـنـمـوت مـعـة عن الخطيئة فلا نعود إلى الخطيئة. فإذا كنّا متنا مع المسيح فإنا سنحيا معه. قال إنه مـات عـن الخـطـيـئـة، ولم يقل مات بسبب الخطيئة، لكن بسبب خطيئتنا لأنه كان بلا خطيئة، ولا عرف فمه المكر. لذلك، كما متنا معه في موته، نقوم معه أيضا…
بعد ختان يسوع، ألغت المعمودية الشعائر التي كان الختان رمزا لها. لهذا السبب نحن لسنا مختونين. يبدو لي أن الختان أنجز ما يأتي: أولا، مـيـر أنـسـال إبراهيم بعلامة وختم، وفرزهم عن كل الأمم الأخرى. ثانيا، رمز إلى نعمة المعمودية وفعاليتها. فقد كان الذكر يختن من قبل ليعد بين شعب الله بالختم؛ أما اليوم فيعمد ويختم بالمسيح، فيصبح عضوا في عائلة الله بالتبني. ثالثا، الختان هو رمز المؤمنين المثبتين في النعمة، إذ إنهم ينحرون الأهواء واللذات الدنيوية الهائجة بمبضع الإيمان الحاد، ويميتونها بأعمال الزهد. لا يفعلون هذا ببتر غلفة الجسد، بل بتطهير القلب. يفعلون هذا بختن الروح لا بالحرف. مديحهم، كما يقول بولس، لا يحتاج إلى محكمة إنسانية، بل إلى مرسوم علوي.(تفسير لوقا 21.3- 24).
22:2 – 40 تقدمة يسوع للرب
ولما حان يوم طهورهما بحسب شريعة موسى، صعدا به إلى أورشليم ليقدماه للرب، كما كتب في شريعة الرب من أن كل ذكر فاتح رحما يدعى للرب مقدسا، وليقربا كما ورد في شريعة الرب: زوجي يمام أو فرخي حمام. وكان في أورشليم رجل بار تقي اسمه سمعان، ينتظر التعزية لإسرائيل، والروح القدس نازل عليه. وكان الروح القدس قد أوحى إليه أنه لا يرى الموت قبل أن يعاين مسيح الرب. فأتى الهيكل بوحي من الروح. ولما دخل بالطفل يسوع أبواه، ليؤديا عنه ما تفرضه الشريعة، حمله على ذراعيه ومجد الله فقال:
نشيد سمعان
«الآن تطلق، يا سيد، عبدك بسلام، وفقا لقولك فقد رأت عيناي خلاصك الذي أعددته قدام وجه الشعوب كلها نورا يتجلى للوثنيين ومجدا لشعبك إسرائيل». وكان أبوه وأمه يعجبان مما يقال فيه.
نبوءة سمعان
وباركهما سمعان، ثم قال لمريم أمه: «ها إنه جعل لسقوط كثير من الناس وقيام كثير منهم في إسرائيل وآية يقاومونها. ” وأنت سينفذ سيف في نفسك لتنكشف الأفكار عن قلوب كثيرة».
النبية حنة
وكانت هناك نبية هي حنة ابنة فانوئيل من سبط آشر، طاعنة في السن، تزوجت وهي بكر وعاشت مع زوجها سبع سنوات ثم بقيت أرملة فبلغت الرابعة والثمانين من عمرها، لا تفارق الهيكل، متعبدة بالصوم والصلاة ليل نهار. فحضرت في تلك الساعة، وأخذت تحمد الله، وتحدث بأمر الطفل كل من كان ينتظر افتداء أورشليم. ولما أتما جميع ما تفرضه شريعة الرب، رجعا إلى الجليل إلى مدينتهما الناصرة. وكان الطفل يترعرع ويشتد ممتلئا حكمة، وكانت نعمة الله عليه.
نظرة عامة:
بعد مضي سبعين أسبوعا من إعـلان الملاك جبرائيل ولادة يـوحـــا وأربعين يوما من ولادته، يأتي يسوع إلى هيكله ليتم ما نصت عـلـيـه التوراة للمرة الثانية (بيدي). إن رحم العذرية الموصود الذي يلجه يسوع هو باب الهيكل الشرقي الذي يدخله رئيس الكهنة وحده (جيروم). كان يوسف ومريم من سواد القوم، فقيرين لا يـمـلـكـان مـالاً لشراء حـمـل فـكـانـت تقدمتهما موسـومـة بـالفقر، والبساطة، والـــهـارة (أوريـجـنـس). وكـانـت تـقـدمـة المسيح الحـقـيـقـيـة طهارة جسده ونعمة روحه (أمبروسيوس).
يـصـور سـمـعـان كـقـديـسـي الـعـهـد الـقـديم الآخـريـن فـي قـصـة الـطـفـولـة (زكريا أليصابات، مريم، ويوسف). ويصور يوسف وحنة كممثلين للمجمع (بيدي). لقد أعطي سمعان امتیاز رؤية يسوع في الجسد، لكن هذه طريقة رؤية الجميع ليسوع عندما يدركـونـه بـبـصيرة الإيمان (أوغسطين). تحرر الآن سمعان لينطلق بسلام وفقا لقول الرب، لأنـه يـرى فـي يسـوع تـحــر الـعـالـم الساقط من العبودية (أوريجنس). يجسد في نفسـه الـكـهـنـوت والنبوة. ويقدم ليسوع مفاتيح المقامين النّبوي والكهنوتي اللذين يحلان خطايا الإنسان الساقط (أفرام). لقد رأى سمعان الخلاص في الطفل يسوع، لا ، لأنه هو الخلاص (باسيليوس). يعلن سر المسيح: فهو نور للأمم ومجد لإسرائيل (كيرلس الإسكندري). يمثل يسوع سقوط اليهود وقيامة الأمم (أمفيلوخيوس). سيقاوم كلام يسوع وعـمـلـه، لأنه لن يحقق التوقعات الإنسانية؛ فكل ما يشير إليه هو علامة يرفضها الشعب (أوريجنس).
هناك عدد من التفاسير للشيف الذي سينفذ في نفس مريم. التفسير الأول يبرز حزن مريم على صلب ابنها (يوحنا الدمشقي). ويشير الثاني إلى أن مريم لكونها أم الله تزيح السيف الذي كان يحمي الفردوس بسبب خطيئة حواء (أفرام). ويرمز الثالث إلى أنها (شأنها شأن التلاميذ الآخرين) لم تفهم مصير يسوع. في التفسير الأخير يصور لوقا مريم مجسما لإسرائيل، ويرى الشيف كإعلان الله لكلام يسوع وأعماله طوال خدمته (أمبروسيوس، باسيليوس)، أي سـيـف الـروح (بـولـيـنـوس). انـكشـاف الأفكار عن قلوب كثيرة يشير إلى الشفاء الشريع للمشككين والرافضين له بسبب الصلب (باسيليوس).
بعد أن طلب سمعان إطلاقه اهتم المسيح بحنة التي كانت تواصل العيش في النعمة (غريغوريوس أسقـف نـيـصـا). إن كـلام سمعان يؤكد أن النساء ينلن الخلاص (أوريجنس). حملت حنة الشهادة، حتى في ترميها، كمـا حـمـلـهـا أبـوهـا وحملتها عشيرتها (ثـيـوفـيـلاكـتـوس). إنّها تمثل الكنيسة. عمرها البالغ الرابعة والثمانين مقدس (بيدي، أمبروسيوس). ينتهي المشهد بالانتقال من الكنيسة في أورشلـيـم إلـى قـريـة الـنّـاصرة في الجليل. يمتلئ يسوع بالحكمة وهو رضيع (أوريجنس). نموه في طبيعته البشرية يبقى سرا (كيرلس الإسكندري). يمكن تفسير سبب إهمال لوقا للهرب إلى مصر بمطالعة إنجيله وإدراك غايته (بيدي).
۲۲:۲-٢٤ تقدمة يسوع للهيكل
يضع مريم ويسوع نفسيهما تحت الشريعة. بيدي: لتمعن النظر، أيها الإخوة الأحباء، بكلام الشريعة الموضوع أمامنا، فإننا سنرى كـيـف كـانـت مـريـم، أم الله المبـاركـة، والـدائـمـة الـبـتـولـيـة، وابـنـهـا، متحررين من أحكام الشريعة. فالشريعة تقول إن المرأة التي «تتلقى زرعا بشريا»وتلد تعد دنسة. وبعد زمن تتطهر مع مولودها بتقديم الأضاحي لله. إنه لجلي أن الشريعة لا تصف المرأة التي تلد بلا زرع بشري وهي عذراء بالنّجاسة. ولا تصف ابنها بالرجس. ولا تعلم أنه يقتضي أن تقرب الأضاحي إلى الله لتطهيرها. لكن شاء الرب والمخلص، الذي أعطى الشريعة في لاهوته، لما صار بشرا، أن يكون تحت الشريعة، ليخلص الذين هم تحت الشريعة، لننال التبني، ولم تتحاش أمه المقدسة، التـي كـانـت بـامـتـيـازهـا فـوق الشريعة، أن تكون خاضعة لأحكام الشريعة تواضعا منها وتخاشعًا، وفقا لقول الرجل الحكيم: «إزدد تواضعا ما ازددت عظمة».(مواعظ على الأناجيل 18.1)
الرحم المغلق الذي يعبره يسوع هو باب الهيكل الشرقي.
جيروم: لقد ضل أهل النحلة، لأنهم لم يفهموا سر ميلاده. إن الآية: «كل من يفتح رحما يدعى قدوسا للرب» تنطبق على ولادة المخلص أكثر من سـائـر الـبـشـر فـالمـسـيـح عبر أبواب رحم العذرية المغلقة، وأبقاها موصدة. هذا هو الباب الشرقي الموصد، الذي يدخله رئيس الكهنة وحـده ويـبـقـى مـوصـدا. (ضد البلاجيانيين 2. 4)
الذبائح تظهر فقر يوسف ومريم.
أوريجنس: لهذا السبب تبدو ذبائح مريم عجيبة، لأنّها لم تكن كفارة أولى، «أي نعجة حولية»، بل كفارة ثانية. فقد كانت غير قادرة ماديا عـلـى تـقـديـم الذبيحة الأولى. كتب أنهما صعدا إلى الهيكل «ليقربا كما ورد في شريعة الرب: زوجي يمام أو فرخي حمام». هذا يظهر حقيقة ما كتب أن يسوع المسيح «افتقر وهو الغني». لهذا السبب، اختار أماً فقيرة ولد لها، ووطنا فقيرا قيل عنه: «لكن يا بيت لحم أفراته صغرى مدن يهوذا».(مواعظ على اللاويين 3.4.8)
ذبيحـة المسيح: عفة الجسد ونعمة الروح القدس.
أمبروسيوس: فلنأت الآن إلى اليمامة، المختارة بشريعة الرب ذبيحة طاهرة. عند ختان الرب، قدمت الحمامة، كما ورد في شريعة الرب: زوجي يمام أو فـرخـي حـمـام. هذه ذبيحة المسيح الحقيقية: عفة الجسد ونعمة الروح. العفة لليمامة، والنعمة للحمامة. (ستة أيام الخلق5. 19. 62)
27-20:2 سـمـعـان ينتظر تعزية إسرائيل
سمعان وحنة يمثلان الجنسين اللذين ينتظران الخلاص.
بيدي: سمعان وحنة، رجل وامرأة طاعنان في السن، باركا الرب بخدمات متفانية معترفين بالإيمان. نظرا إليه، وهو صغير في الجسد، لكنهما أدركا أنه عظيم في لاهوته. رمزيا، هذا يعني المجمع، الشعب اليهودي، الذي تعب وهو ينتظر تجسده. كانا مستعدين لأن يمجداه ويعظمـاه فـور مـجـيـئـه بأيديهما (بعملهما الـورع)، وبـصـوتـهـمـا (بإيمـانـهـمـا غـير المزيف). كانا مستعدين لمدحه قائلين: «بحقك اهدني وعلمني، أنت الله مخلصي، وإياك أرجو نهارا وليلا». ما نحتاج إلى ذكره هو أن الجنسين بادرا عن استحقاق للقائه وهـمـا يـبـاركـانـه، إذ ظهر كمخلص لهما. (مواعظ على الأناجيل 18.1)
يرى سمعان المسيح في الجسد.
أوغسطين: راه سـمـعـان الـبـار بـقـلـبـه، لأنه عرف الطفل. راه بعينيه، لأنه حمله على ذراعيه. رأه في الحالتين، فأدرك أنه ابن الله، فـعـانـق مـولـود الـعذراء، وقال: «الآن تطلق، يا سيد، عبدك بسلام، فقد رأت عيناي خلاصك». لاحظ ما قاله. هـا إنه بقي حيا حتى رأت عيناه ما أدركه بالإيمان. أخذ جسد الطفل بيديه وضمه إلى صدره. ولما راه، وأدرك أنه الرب في الجسد، قال: لقد رأت عيناي خلاصك. ألا تعرف أنه هكذا يفعل كل جسد عندما يرى خلاص الله؟ (موعظة 17.277)
32-28:2 نشيد سمعان: الآن تطلق
سمعان يرى في يسوع تحررا من العبودية.
أوريجنس: عرف سمعان أنه ما من أحد يقدر على أن يطلق الإنسان من سجن الجسد إلى الحياة الآتية، إلا المسيح الذي ضمه إلى صدره.
الآن يقول له «الآن تطلق، يا سيد، عبدك بسلام، لأنني ما دمت لا أحمل المسيح، ولا أضمه إلى صدري، فأنا سجين، عاجز عن الإفلات مـن قـيـودي». هذا لا ينطبق على سمعان فحسب، بل على كل الجنس البشري أيضا. إن من ينطلق من هذا العالم، ويفرج عـنـه مـن سـجـن المـقـيـديـن لـيـكـون حـاكـمـا وملكا، عليه أن يأخذ يسوع بيديه، ويحمله على ذراعيه، ويضمه إلى صدره. عندهـا يتمكن من الانطلاق ابتهاجا حيث يشاء. اعتبر عظمة العمل الخلاصي الذي حدث من قبل، إذ استحق سمعان أن يحمل ابن الله. أولا أوحى الروح القدس إليه بأنه لا يذوق الموت قبل أن يرى مسيح الرب.
ثم دخل الهيكل لا مصادفة، أو عن سذاجة خلق، بـل بـروح الله… لذلك قـادة الـروح القدس إلى الهيكل. إن كنت ترغب في حمل يسوع وضمه، وفي أن يفرج عنك، فعليك أن تجاهد لنيل روح يهديك. تعال إلى هيكل الله. أنظر، إنك تقف الآن في كنيسة الرب يسوع. هذه الكنيسة المبنية من الحجارة الحية.( مواعظ على لوقا 1.15-3)
يجسد سمعان الثبوة والـكـهـنـوت ويقدمهما إلى يسوع.
أفرام: جاء الابن إلى الخادم لا ليقدمة خادم، بل ليقدم الخادم على يدي الابن الكهنوت والنّبوة اللذين عهد بهما إليه. لقد أُعطيا على يد موسی، وسلما من جيل إلى جيل إلى أن استقرا على سمعان. وهـو كـان إناء نقيا كرس نفسه لله فحمل الكهنوت والنبوة كما حملهما موسى كـانـا كـلاهـمـا إنـاء يـن ضعيفين حملا بسبب برهما عطايا عظيمة، لكن الكثيرين لا يقبلونها لعظمتها. قدم سمعان الرب، وفـيـه قـدم عـطـيـنـيـن كـانـتـا عنده. فما أعطي لموسى في الصحراء قدمه سمعان في الهيكل. ولأن ربنا هو الإناء الذي يحل فيه ملء الألوهة، فقد شكيت عـلـيـه الـعـطـيتان عندما قدمه سمعان إلى الهيكل الكهنوت على يديه، والنّبوة على شفتيه. لقد كان الكهنوت على يدي سمعان بسبب التطهير الطقسي. والنّبوة على شفتيه بسبب الإعـلانـات. لما رأى هـذان ربهما اندمجا وانسكبا في إناء يتسع لهما. فإذا الإناء يحتوي الكهنوت والملوكية والنّبوة. كان الطفل المقمط لابسا بفضل صلاحه الكهنوت، ولابسا بفضل جلاله النّبوة… فلما أعاده سمعان الشيخ إلى أمه أعـاد الكهنوت معه. ولما أنبأ بمستقبله: «اختير هذا الطفل لسقوط كثير من الناس وقيام كثير منهم»، أعطاها النّبوة معه.
هكذا أخذت مريم بكرها وغادرت الهيكل. رغم أنه كان مقمطا بشكل مرئي، إلا أنه كـان يـلـبـس بـشـكـل غـيـر مـرئـي الـثـبـوة والكهنوت. فما أعطي لموسى تسلمته من سـمـعـان… المـديـر والخازن الأخير سـلـم مـفـاتـيـح الـكـهـــوت والنبوة إلى من له السلطان عليهما. هذا هو سبب إعطاء أبيه الروح له بغير حساب، إذ إن كل مقاييس الروح تحت سيطرته: وسبب إشارته إلى تسلم المفاتيح من المدبرين السابقين، إذ قـال الـرب لسمعان: «سأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات». كيف يقدر على أن يعطيها لشخص إن لم يكن قد استلمها من شخص آخـر؟ هكذا تـسـلـم المـفـاتـيـح مـن سمعان الكاهن، وأعطاها لسمعان الرسول. الأمة اليهودية لم تسمع لسمعان الشيخ، ولكن الأمم سـتـسـتـمـع لـسـمـعـان بطرس. (موعظة على الرب 1.53-1.56)
المسيح هو الخلاص.
باسيليوس: اعتاد الـكـتـاب المقدس أن يـسـمـي مـسـيـح الـرب خلاصا كما يقول سمعان: «الآن تطلق، يا سيد، عبدك بسلام، وفقا لقولك. فقد رأت عيناي خلاصك». لذلك، فلنخضع لله، لأن الخلاص هو منه. أما هو فيفسر الخلاص. إنّه ليس مجرد طاقة تعطينا نعمة للخلاص من الضعف ولصحة الجسد. فما هو الخلاص إذا؟ «خـالـقـي هـو ومخلصـي ومـلـجـأي فـلا أتزعزع». إن الابن الذي من الله هو ربنا. هو يخلص جنس البشر، ويتغاضى عن ضعفنا، ويزيل اضطرابنا الذي تحدثه التجارب في أنفسنا. (موعظة 2.21)
سر المسيح نـور للأمم، ومجد لإسرائيل.
كيرلس الإسكندري: لقد أعد سر المسيح قبل إنشاء العالم، لكنه أعلن في أواخر الأزمان من الدهر، فصار نورا للذين فـي الـظـلـمـة وللضالين وللواقعين تحت قبضة شريرة… ومع ذلك دعاهم الله إلى الاعتراف بالابن الذي هو الثور الحقيقي، ومجد إسـرائـيـل أيضـا لـقـد صـار بعضهم مفترين، متمردين، وذوي عـقـول لا تفهم، غير أن الـبـقـيـة خلصت ومجدت المسيح. التلاميذ الثقات كانوا باكورة الثمار، وقد سطع نور شهرتهم في كل العالم. المسيح هو مجد إسرائيل، لأنه خرج منه بحسب الجسد، مع أنه إله الكل وكائن قبل الأزل.” (تفسير لوقا 4).
35-33:2 نبوة سمعان: هذا الطفل اختير لسقوط كثير من الناس وقيام كثير منهم
اختير يسوع لسقوط اليهود، وقيام الأمـم.
أمـفـيـلـوخـيـوس: «هذا الطفل اختير لسقوط كثير من الناس، وقيام كثير من النّاس في إسرائيل». اختير لسقوط اليهود غير المؤمنين، وقيام الأمم المؤمنة. «هو علامة يـقـاومـونـهـا». الصليب علامة يقاومونها بكلامهم. لماذا؟ لأن كثيرا من غير المؤمنين أنكروه على الصليب، وسخروا منه بأقوالهم وأفعالهم. أعطوه خلاً ليشرب، وقدموا مرارة لعطشه، ضفروا إكليلاً من شوك ووضعوه على رأسه، وطعنوا جنبه بحـربـة، ولـطـمـوه بأيديهم، وصـاحـوا بـه بصخب عدواني: «خلص غيره وعجز عن أن يخلص نفسه» ( موعظة 8.2 على تقديم الرب إلى الهيكل).
كل شيء عن يسوع علامة يقاومونها بكلامهم.
أوريجنس: كل ما تورده الرواية الواضحة عن المخلص يقاومونه بكلامهم. إن العذراء أم هذه «علامة يقاومونها ». فالماركياـيـون «يقاومون هذه العلامة ويؤكدون أنـه لـم يـكـن مـولـودا لامرأة». الإبيونيون يقاومون هذه العلامة فيقولون إنه ولد لرجل وامرأة بالطريقة نفسها التي نولد بها. لقد كان ذا جسد بشري.
هناك علامة أخرى «يقـاومـونـها». يـقـول بعضـهـم إنـه هـبـط مـن السـمـاء. وآخرون يقولون إنـه كـان دا جسد شبيه بجسدنا، ليقدر على إعتـاق أجسادنا من الخطيئة، وعلى إعطائنا أمل القيامة. قام من بين الأموات. «هذه علامة يقاومونها». كيف قام؟ هل ما زال كما كان عندما مات، أو قام بجسد ذي مادة فضلى؟ أنا أظن أن ما أنبأ به الأنبياء هو علامة يقاومونها.
هذا لا يعني أن المؤمنين به يقاومون هذه الـعـلامـات بـأقـوالـهـم. فإننـا عـالمـون عـلـم اليقين أن كل ما ورد في الكتاب المقدس هو حق. لكن، عند غير المؤمنين، كل ما كتب هو في مفهومهم «علامه يقاومونها بكلامهم». (مواعظ على لوقا 5.17)
السيف الذي يجوز في نفس مريم هو حزنها.
يوحنا الدمشقي: لقد نجت تلك المغـبـوطـة المـسـتـحـقـة المـواهـب الـفـائـقـة الطبيعة من أوجـاع الولادة، إلا أنها احتملتها وقت الآلام. فعطف الأمومة مرق أحشاءهـا فـمـن عـرفـتـه إلـهـا عند الولادة، فوجئت برؤيته هو نفسه مرفوعا كمجرم. ففعلت فيها هذه الأفكار فعل السيف. ولذا يقول الكتاب: «سيجور سيف في نفسك». لكن فرح القيامة قد بدد الحزن معلنا أن الـذي مـات بـالجـسـد هـو الله. (الإيمـان الأرثوذكسي 4. 14)
أزالت مريم السيف الذي كان يحرس الـفـردوس بسبب حـواء.
أفـرام: قـال سمعان «سيجوز السيف». فيها جاز الشيف الذي كان يحرس الفردوس بسبب حواء. «سيجوز السيف»، أي الرفض. هذا واضح في النص اليوناني فأفكار كثير من الناس ستكشف، أي أفكار الذين شكوا…. دهشت عند الحبل به وعند ولادته. روت للآخرين كيف حبلت، وكيف ولدت. والذين شكوا أعجبوا بكلمتها فتعروا. (تفسير الإنجيل الرباعي لتاتيان 16.2-17)
السيف الذي ينفذ في قلب مريم هو كلمة الله.
أمبروسيوس: «سينفذ سيف في نفسك». لا يخـبـرنـا الـكـتـاب المقدس ولا التاريخ أن مريم قبضت إلى خـالـقـهـا بـعد نزع عنيف. الجسد لا النفس يطعن بسيف مادي. هذا يدل على أن مريم لم تكن جاهلة السر السماوي: «إن كلام الله حي ناجع، أمضى من كل سيف ذي حدين، ينفذ إلى ما بين الـنـفـس والـروح، ومـا بين الأوصـال والمخاخ، وبوسعه أن يحكم على خواطر القلب وأفكاره». يكشف كلام الله الأفكار وخفايا القلوب. كل شيء مفتوح، عار، أمام عيني ابن مريم، الذي يسبر سرائر ضميرنا. (عرض إنجيل لوقا 61.2)
الشفاء السريع يكشف خفايا قلوب المرتابين.
باسيليوس: «ستنكشف أفكار قـلـوب الـكـثيـر مـن الـنّـاس»، أي إن ارتياب التلاميذ ومـريـم الذي حدث عند صليب المسيح، سيليه شفاء سريع من لدن الرب، مثبتا قلوبهم في إيمانهم به. هكذا نرى أن بطرس، بعد أن خامره الشك، اشتد إيمانه بالمسيح. فما كان إنسانيا ثبت أنه لا يثبت، لتكشف قدرة الرب. (الـرسـالـة 260 إلى أوبتيموس)
36:2-38 حنة تنتظر خلاص أورشليم
تظهر نبوة حنة أن النساء سيخلصن.
أوريجنس: النساء ينلن الفداء كالرجال. لقد جاءت امرأة نبية بعد سمعان. يقول الكتاب المقدس: «كانت هناك نبية هي حتة ابنة فانوئيل من سبط أشر». ما أجمل الترتيب! لم تأت المرأة قبل الرجل. جاء سمعان أولاً وأخذ الطفل وحمله على ذراعيه. ثم جاءت المرأة. لم يدون كلامها حرفيا. لكن الرواية تذكر أنها . «حمدت الله وحدثت بأمر الطفل كل من كان ينتظر افتداء أورشليم». (مواعظ على لوقا 9.17)
أبـو حـنـة وسبـطـه يـؤديان الشهادة.
ثيوفيلاكتوس: يتابع الإنجيلي سرده فيأتي على ذكر حنة وأبيها وسبطها لتدرك أنه ينطق بالحق. فيستجمع العديد من الشهود الـذيـن يـعـرفـون أبـاهـا وسـبـطـهـا. (تفسير الإنجيل المقدس كما دونه لوقا 2)
تمثل حنة البالغة الرابعة والثمانين الكنيسة المترملة بموت زوجها.
بيدي: روحيا تمثل حنّة الكنيسة التي ترملت في هذا العالم الحاضر بموت رجلها. وسنوات ترملها تشير إلى «من ابتعادها عن الرب. العدد «اثنا عشر» إذا ضرب بسبعة يساوي أربعة وثمانين. فالعدد سبعة يشير إلى زمن خـلـق الـعـالـم. والعدد اثنا عشر يشير إلى كمال التعليم الرسولي. فمن كرس نفسه للعمل الرسولي… مدح كخادم الرب مدة أربع وثمانين سنة.
عاشت حنة مع زوجها سبع سنوات. هذه مدة تلائم زمن تجسد الرب. كما قلت إن كمال الوقت يعبر عنه بالعدد سبعة. إجلالاً للرب يعبر هنا، وهو علامة الكمال، عن الزمن الذي علم فيه وهو متشح بالجسد. ويشير أيضا إلى أسرار الكنيسة. فلفظة حنّة تعني نعمة الرب، وفـانـوئـيـل تـعـنـي وجـه الرب. وهـي مـن سـبـط أشـر المـبـارك بين البنين.(المقتطفات الذهبية 38.2)
سنوات حنة مقدسة.
أمبروسيوس: تنباً سمعان، كما تنبأت العذراء من قبل والمقترنة بزوجها تنبأت. والأرملة تنبأت أيضا، لئلا يستثنى جنس أو طبقة اجتماعية من موهبة النّبوة، وحثة كانت، بسبب مـن تـرمـلـهـا وفـضـائـلـهـا، جديرة بالإيمان، فأعلنت أن مخلص البشر قد جاء. وبما أننا لم نتعمد مما قلناه في مدح محاسنها حنّا للأرامل… فلننتقل إلى أمور أخرى. إنه لا يأتي على ذكر أربع وثمانين سنة على ترميها بدون غاية، لأن الاثني عشر سبع مرات والأربعين عاما مرتين يشيران إلـى عـدد مقدس. (عرض القديس لوقا، 62.2)
40-39:2 إتمام الثتوراة ونمو الطفل روحياً وجسدياً
امـتـلاء يسوع بالحكمة وهو طفل.
أوريـجـنـس: في إنجيـل لـوقـا، يكتب الروح القدس عن يسوع قبل أن يبلغ الاثني عشر عـامـا: «لكن الصـبـي نـمـا وتـقـوى، وكان ممتلئا حكمة..». «وكانت نعمة الله عليه». لم يمتلك نعمة الله لما أيفع، لا ولما علم وبشر، بل لما كان لا يزال طفلاً. (مواعظ على لوقا 1.19- 2)
أظهر الكلمة الحكمة بما يناسب عمره الجسدي.
كيرلس الإسكندري: لا تتساءل «كيف يمكن لله أن يـنـمـو؟» أو «كيف يستطيع أن يتلقى الحكمة ممن يمنح النعمة إلى الملائكة والـبـشـر؟ تأمل في المهارة الـعـظـيـمـة الـتـي ندخل فيها إلى سره. فالإنجيلـي الحـكـيـم لـم يـقـدم الـكـلـمـة فـي طبيعته المجردة التي لا جسم لها. يقول عنه إنه «كـان يـنـمـو فـي الـقـامـة والحكمة والنعمة». بحكم أنه ولد في الجسد لامرأة، وأخذ شبهنا، يدعوه صبيا، ويقول إنه نما في القامة شيئا فشيئا، على مقدار ما نما جسده، إطاعة لسنن نمو الجسد. يقال أيضا إنه نما في الحكمة، لا لكونه تلقى الحكمة حديثا. الله معروف أنه كامل كليا في كل شيء، وأنه لا يمكن أن يـعـدم أيـة صـفـة خاصة بالألوهة. هكذا كشف الله الكلمة حكمته على مقدار العمر الذي بلغه في جسده.
ينمو الجسد في القامة، وتنمو النّفس في الحكمة، الطبيعة الإلهية لا توازن بينهما، لأن كلـمـة الله كلي الـكـمـال ولسبب مستصوب يربط النمو في الحكمة بالنّمو في الـقـامـة الجسدية، ذلك أن الطبيعة الإلهية كانت تظهر حكمتها على مقدار النمو الجسدي. (تفسير القديس لوقا 40.5-52)
لماذا يهمل لوقا الهرب إلى مصر
بيدي: يهمل لوقا ذكر هرب يسوع إلى مصر، إذ عرف أن متى دون ذلك بشكل كاف. لقد أخذه يوسف وأمه إلى مصر، خشية أن يجده هيرودس ويذبحه. ولما مات هيرودس عاد إلى الجليل، وعاش في الناصرة قريته. يهمل كل إنجيلي في سرده ما يراه مدونا عند غيره، أو ما يراه بالروح أنه سيدون عند غيره. فلا ينقطع خيط سرده المستمر. فما أهمل بعضهم ذكره يكتشفه القارئ المجتهد بمطـالـعـيـه الدقيقة للأناجيل الأخرى. ( المقتطفات الذهبية، لوقا 39.2)
41:2- 52 الصبي يسوع في الهيكل
وكان أبواه يذهبان كل سنة إلى أورشليم في عيد الفصح. فلما بلغ اثنتي عشرة سنة، صعدا إليها جريا على عادتهما في العيد.فلما انقضت أيام العيد ورجعا، بقي الصبي يسوع في أورشليم، من غير أن يعلم أبواه. وكانا يظنان أنه مع المسافرين، فسارا مسيرة يوم، ثم أخذا يبحثان عنه عند الأقارب والمعارف. فلما لم يجداه، رجعا إلى أورشليم يبحثان عنه. فوجداه بعد ثلاثة أيام في الهيكل، جالسا بين المعلمين، يستمع إليهم ويسألهم. وكان جميع سامعيه مبهوتين من فهمه وأجوبته. فلما أبصراه دهشا، فقالت له أمه: «يا بني، لم فعلت بنا هكذا؟ فأنا وأبوك تعذبنا كثيرا ونحن نبحث عنك» ؛ فقال لهما: «ولم بحثتما عني؟ ألم تعلما أنه يجب علي أن أكون في بيت أبي؟» فلم يفهما ما قال لهما. ثم نزل معهما، وعاد إلى الناصرة، وكان مطيعا لهما، وكانت أمه تحفظ ذلك الكلام كله في قلبها. وكان يسوع يتسامي في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس.
نظرة عامة:
تعلمنا حادثة يسوع البالغ اثنتي عشرة سنة في الهيكل عن ناسوته لنسمو في فهم لاهوته (بيدي). انطلاقته في هذه السن تثبت كماله (بيدي). وجداه بعد «ثلاثة أيام»، هذا العدد يرمز إلى القيامة (أمبروسيوس). لقد أظهر يسوع، بطرحه ما طرحه على معلمي الشريعة، التواضع الملائم لمن بلغ اثنتي عشرة سنة (أوريجنس).
تذكر الآية أن يسوع يتم عمل أبيه الذي في السماء، رغم أن أمه ذكرت أن يوسف هو أبوه. «أنا وأبوك نبحث عنك» (أفرام). على يسوع أن يـكـون فـي بـيـت أبـيـه، حيث يتم عمله الذي عهد إليه به (أوريجنس). أن يتم عـمـل أبـيـه يقتضي أن يكون مساويا في الأزلية لقدرة الآب ومجده (بيدي). هـو خـاضـع لـيـوسـف، فالأعـظـم خـاضـع للأصغر، رغم أن يوسف عرف أن يسوع كـان أعـظـم مـنـه (أوريجنس). تلقت مريم العلم من ابنها البالغ اثنتي عشرة سنة كرب لها لا كـابـن (جـيـوميتر). ينمو يسوع في الحكمة والنعمة، كما يفقه ناسوته لاهوته (جيروم). هـذا الـثـمـو في الجسـد والـنـفـس فرضه اتحاد اللاهوت بالنّاسوت (يوحنا الدمشقي).
41:2- 45 فقد يسوع في أورشليم في عيد الفصح
قصـة الصـبـي فـي الـهـيـكـل تـروي تواضعة المعلن لاهوته.
بيدي: إن مجيء الرب كل سنة إلى أورشليم في عيد الفصح إشارة إلى تواضعه الإنساني. يجدر بالنّاس أن يجتمعوا ليقدموا إلى الله نذورا وذبائح روحية، وأن يستعـطـفـوا خـالـقـهم بصلوات ودموع غزيرة. لقد قام الرب، المولود بشرا بين البشر، بما يأمر الله البشر أن يقوموا به… هو نفسه تقيد بالشريعة التي أعطاها ليظهر لنا، نحن البشر الأنقياء البسطاء، أنه يجب علينا أن نعمل بكل ما يأمرنا الله به. فلنسر على خطوات سيرته الإنسانية. إذا ما سرتنا رؤيتنا مجد لاهوته، وإذا ما أردنا السكني في بيته السرمدي في السماء كل أيام حياتنا، فلتبتهج بتبصر مشيئته، والاحـتـمـاء بـهـيـكـلـه المقدس. واتـقـاء مـن صفعات ريح الشرور، علينا التردد إلى بيته، إلى كنيسة الزمن الحاضر، مقدمين الابتهالات الطاهرة الواجبة علينا. (موعظة على الأناجيل 19.1)
بدء بشارته عند بلوغه اثنتي عشرة سنة هو علامة كمال يسوع.
بيدي: ما نثبته هنا هو أن الرقم «سبعة»، والرقم «اثنا عشر»، يشيران إلى الأحداث واكتمالها. يعلمنا الإنجيلي أنه في استخدام المكان والزمان يشع نور المسيح الإلهي من الرقم «اثنا عشر». (المقتطفات الذهبية 42.2)
46:2- 50 يسوع في الهيكل
الأيـام الـثـلاثـة هـي رمز للقيامة.
أمبروسيوس: يبدأ يـسـوع مـنـاظـراتـه مـع اليهود وهو في الثانية عشرة من عمره… لقد وجـده يـوسـف وأمـه بـعـد ثلاثة أيام في الهيكل، وهذا رمز إلى قيامته بعد ثلاثة أيـام مـن الامه الخلاصية. … ورمـز إلى ظهوره على عرشه السماوي بكرامة إلهية. (عرض القديس لوقا 63.2)
يعلمهم يسوع بطرح الأسئلة عليهم.
أوريـجـنـس: كـان وهـو صـبـي يـدرب «المعلمين» ويقـدسـهـم. لم يلقنهم، بل طارحهم الكلام. فعل هذا ليكشف لنا وهو يـافـع عـن قـدرتـه عـلـى محـاورة حـكـمـاء متعلمين… ساءل المدرسين لا ليستوضح، بل ليعلمهم وهـو يـطـارحـهم الأسئلة. فمن منهل واحد للعقيدة تتدفق أسئلة وأجوبة حكيمة. أن تعرف ما تسأل عنه وما تجيب عنه هو جزء من الحكمة. يجدر بالمخلص أن يكون سيد المساءلة المتقنة. يجيب من بعد عن الأسئلة استنادا إلى فكر الله وكلمته. (مواعظ على لوقا 6.19)
تدعو مريم يوسف أبا ليسوع.
أفرام: إذا ظن النّاس أن المدعوين «إخوة الرب» هم أبناء مريم، فلاحظ أنه دعي هنا ابن يوسف. لـم يـسـمـه الـيـهـود وحدهم ابن يوسف، بل مريم أيضا. «أبوك وأنا تعذبنا كثيرا ونحن نبحث عنك». أمر الملاك يوسف أن يأخذ مريم إلى عنايته، ليزيل أي شك عند النمامين، وليحميها من أن يقتلها الذين تخيلوا أنها حملت من الملاك. كان حبل العذراء حجر عثرة لهم، لأنهم ظنوا أنها بولادتها ستدمر مدينتهم، وسيتداعي ملكهم وكهنوتهم ونبوتهم. لهذا السبب قتلوا إشعيا النبي لأنه أنبأ بأن العذراء ستلد ابنا. (تفسير الإنجيل الرباعي لتاتيان 7.2)
كان يسوع في هيكل أبيه.
أوريجنس: حقا كان يسوع في الـهـيـكـل الذي بناه سليمان. اعترف يسوع بأنه هيكل أبيه، الذي أعلنه لنا. (مواعظ على لوقا 5.18)
أن يعمل عـمـل أبيه هو أن يكون مساويا له في الأزلية.
بيدي: لما كان الرب جالسا في الهيكل قال: «يجب أن أعمل أعمال أبي». هذا إعلان عن قدرته ومجده المساوي لمجد الله الآب في الأزلية. لكن لما رجع إلى الناصرة كان خاضعا لأبويه. وهذا إشارة لـنـاسـوتـه الـحـقـيـقـي ومـثـال لتواضعه. كان مطيعا للبشر في ناسوته الذي كان فيه أدني من الآب. هو نفسه قال: «أنا ذاهب إلى الآب… لأن الأب أعـظـم مني» ».) جعله الآب أدنى من الملائكة في تلك الطبيعة البشرية. لكن في الطبيعة الإلهية: كان واحدا مع الآب. هو لا يذهب إلى الآب من حين إلى آخر، لكنّه هو في الآب كل حين به خلق الآب كل شيء، وهو قبل كل شيء.(مواعظ على الأناجيل 19.1)
2: 51-52 يسوع مطيع لوالديه
يظهر يسوع ويوسف كيف يكون الأعظم خاضعا للأدني.
أوريجنس: وهنا يقول الكتاب المقدس أيضا: «رجع يسوع معهما إلى الناصرة، وكان مطيعا لهما». أيها الأبناء، علينا أن نتعلم أن نكون مطيعين لآبائنا فالأعظم مطيع للأدنى. أيقن يسوع أن يوسف كان أكبر منه سنا، لذلك أعطاه حق الكرامة الواجبة للوالدين. أعطى قدوة لكل الأبناء. لذلك يجب على الأبناء أن يكونوا مطيعين لآبائهم. ومن لا آباء لهم، عليهم أن يكونوا مطيعين للذين يـخـدمـونـهـم كـأبـاء. لكن، لماذا أتكلم على الآباء والأبناء؟ فإذا كان يسوع، ابن الله، مطيعا ليوسف ومريم، ألا أكون أنا مطيعا للأسقف؟ لقد أقامه الله أبا لي. ألا أكون مطيعا للكاهن الذي اختاره الله أعلى مني؟ أظن أن يسوع المطيع ليوسف كان أعظم منه. عرف يوسف أن من أطاعه هو أعظم منه، وأنه قيد سلطته احتراما وإجلالاً. على كل واحد منا أن يدرك أن الأدنى غالبا ما يعين مسؤولاً عن الذين هم أفضل منه. قد يحدث أن يكون المطيع أفضل من الذي في السلطة. متى أدرك المتبوىء المركز الأعلى هذا الأمر، فإنه لا يتبجح ولا يستكبر، لأنه أعظم من غيره. إنه يعرف أن الأفضل مطيع له، كما كان يسوع مطيعا ليوسف. (مواعظ على لوقا 20. 4-5)
تتعلم مريم من يسوع كما من الله.
جـيـومـيتر أنظر إلى مريم المرأة المتعقلة جدا، أم الحكمة الحقيقية، وتلميذة ابنها. منه تعلمت كمن إله لا كمن طفل أو رجل. أمعنت في التأمل في كلامه وأعماله. لم تهمل شيئا مما قاله أو عمله. لقد حملته في رحـمـهـا وتـحـمـل الآن في داخلها نهجه وكلامه، وتتأمل فيهما في قلبها. ما تراه الآن حـاضـرا، تنتظر إعلانه بوضوح في المستقبل. اتبعت هذه الممارسة كـقـانـون وكـشـريـعـة في حياتها كلها، (المقتطفات الذهبية 51.2).
نـاسـوت يسوع يتلقى الـعـلـم مـن لاهوته.
جيروم: كيف كان يتلقى الحكمة؟ «كـان يسوع يـنـمـو فـي الـقـامـة والحكـمـة والنعمة عند الله والنّاس». هذه الآية لا تدل على أن الابن كان يتلقى العلم من الآب، بل إن ناسوته كان يتلقى العلم من لاهوته. هناك نبوة الرائي الذي أفرع من أصل يسَّى، «روح الرب ينزل عليه، روح الحكمة والفهم والمشورة».(مـواعـظ على المزمور 61، وعلى المزمور 15)
الاتحاد الأقنومي يؤكد النمو الصحيح في الحكمة.
يوحنا الدمشقي: أجل، إنه وارد القول إن المسيح «كان ينمو في القامة والحكمة والنعمة». ذلك أنه كلما ترعرع، كشف الحكمة المكنونة فيه، وكشف أيضا نمو النّاس في الحكمة والنعمة، فأتم مسرة أبيه، أي المعرفة الإلهية وخلاص البشر، وحقق نموه الخاص واختص لذاته في كل شيء ما هو لنا. أما الذين يقولون إن نموه في الحكـمـة والـنـعـمـة يتم بتقبله زيادة منهما، فهم لا يقولون إن الاتحاد كان منذ بدء وجود الجسد، ولا يعتقدون بـالاتـحـاب الأقـنـومـي بـل أظــهـم يـضـلـون مـع نـسـطـوريـوس الباطل، فـيـقـولـون بـاتـحـاب شكلي ومجرد مساكنة. «هم لا يفهمون ما يقولون وما يؤكدون». فإذا كان الجسد اتّحد حقا بالله الكلمة منذ بدء وجوده، وابتدأ فيـه ونـال وحـدة هـويـتـه الأقـنـومـية فيه، فكيف يمكن أن لا يتمتع بكل حكمة ونعمة؟ ليس الأمر أن هذا الجسد قد اشترك في النّعمة أو نال النعمة مما هو للكلمة، بل صـارت الأمـور الـبـشـريـة والإلهية بسبب الاتحاد الأقـنـومـي مـسـيـحـا واحدا. وعليه، فإن ذاك الذي كان إلها وإنسانا معا، كان جسده يفيض نعمة وحكمة، ويغمر العالم بالخيرات. (الإيمان الأرثوذكسي 22.3)