التفسير القديم للكتاب المقدس- لوقا أصحاح 6

1:6 – 11 الجدل الأول حول السبت

 ومر يسوع في السبت الأول بعد اليوم الثاني من عيد الفطير من بين الزروع، فأخذ تلاميذه يقلعون السنابل ويفركونها بأيديهم ويأكلونها. فقال بعض الفريسيين: «ما لكم تفعلون ما لا يحل في السبت؟» فأجابهم يسوع: «أما قرأتُم ما فعل داود حين جاع هو والذين معه، كيف دخل بيت الله وتناول خبز القربان، وأكل وأعطى منه الذين معه، مع أن أكله لا يحل إلا للكهنة وحدهم؟». ثم قال لهم: «إن ابن الإنسان سيد السبت».
ودخل المجمع في سبت آخر، وأخذ يعلم. وكان هناك رجل يده اليمنى يابسة. وكان معلمو الشريعة والفريسيون يراقبونه، ليروا هل يجري الشفاء في السبت، فيجدوا ما يتهمونه به. فعلم أفكارهم، فقال للرجل ذي اليد اليابسة: «قم وقف في الوسط!» فقام ووقف هناك. فقال لهم يسوع: «أسألكم: أيحل عمل الخير في السبت أم عمل الشر، إنقاذ نفس أم إهلاكها؟» . ثم أجال طرقه فيهم جميعا، وقال له: «أمدد يدك» ففعل فعادت يده صحيحة. فجن جنونهم وتشاوروا في ما يفعلون بيسوع.

نظرة عامة:

السبت هو من صنع الآب، لذلك كان يسوع الطبيب في حل من أحكامه تمكينا له من شفاء الناس من قمة الرأس إلى أخمص القدمين (أفرام). فابن الإنسان يقدم سبت النعمة، سبت القيامة الأبدية، لا سبت الشريعة (أمبروسيوس). أوضح يسوع ذلك لعلماء الشريعة والفريسيين الذين أساؤوا فهم السبت. ولما مر في السبت بين الزروع أدخـل تـلامـيـذه إلـى الـعـالـم (إلى الحقل)، وأظهر ثمار القديسين الوافرة في زرع الـكـلـمـة بين الـبـشـر (السنبل). إنهم يـشـاركـون فـي ثـمـار الكنيسة في عملها الرسولي (أمبروسيوس). ما فعله داود، عندما دخل بيت الله وأخذ الخبز المقرب إلى الله، فعله المسيح في السبت بحنطة لم تصر خبرا، فخبز القربان هو خبز السماء الذي تحتفظ به في كنائسنا (كيرلس الإسكندري).

يرتبط الجزء الثاني من الجدل حول السبت بالجزء الأول. فعندما شفى يسوع الرجل ذا اليد اليابسة أظهر للفريسيين نوع الرحمة التي يطلبها الله (كيرلس الإسكندري). إنّ إبراء يسوع لمن كانت يده يابسة هو تفنيد للتفسير الشرير للسبت الذي يعتصم به الفريسيون (أمبروسيوس). إن مد اليد علاج، لاسيما عندما تمتد إلـى عـمـل الـبـر (أمبروسيوس).

5-1:6 تعليم يسوع اللاهوتي عن السبت

السبت هو من صنع الآب.
أفرام:
«ما لتلاميذك يفعلون في الشبت ما لا يحل فعله فيه؟» كان ربنا قد علمهم ودربهم على عمل البر، ليكونوا أيـقـاظـا عندما يحررهم من أحكام الشريعة. لما كان أبوه معتقا من
السبت أظهر أن السبت كـان مـن صـنعه. وأعـفـاهـم مـن التقيد به ليظهر أن الطبيب المـاهـر يـصـف الـعـلاج الـتـاجـع لـيبـري المريض من الألم الذي يمتد من قمة الرأس إلى أخمص القدمين. (تفسير الإنجيل الرباعي لتاتيان 5. 23-24)

سبت الشـريـعـة وسبت الـنـعـمـة.
أمبروسيوس: أظن أن متى ومرقس كتبا عن السبت، أما لوrا الإنجيلي فوصفه وصفا تكتنفi الأسرار، لأن السبت هو العيد الأبدي للقيامـة الـعـامـة. إننا سنحتفل، في عصر الخرافـات الـيـهـوديـة التافـهـة والـعـديمة الجدوى، أو بأعياد أبدية: للمواسم ونأكل كل ما هو جيد في الأرض، استنادا إلى ما كتب: «سيأكل عبادي، وأنتم تجوعون». (عرض القديس لوقا 30.5-31)

معنى الحقل المجـازي، والسـنـبـل، والـثـمـر.
أمبروسيوس:
يـبـدأ الرب يسوع بخلع أحكام الشريعة القديمة عن الإنسان وبوضع لباس النعمة الجديد عليه، لا بفهم كلامه فحسب، بل بالعمل به. في السبت يقود المسيح الإنسان وسط الزروع ليصل به إلى مكان يعطي ثمرا. إن للسبت وللسنبل والزروع معاني سامية. فالحقل هو العالم بأجمعه، والزروع هي زرع القديسين للكلمة
وتثميرهـا في الجنس البشري. أما سنبل الحقل فهو ثمار الكنيسة التي نشرها الرسل. أمست الزروع غنية بسنبل الفضائل… تسلمت الأرض كلمة الله، فأثمر زرع الحقل بالجنـطـة الشـمـاويـة أخـذ التلاميذ على عـاتـقـهـم إنقاذ البشر، فأمرعوا بمعجزاتهم ثمار عقول أنـارهـا الإيمان. ذهب اليهود إلى أن ذلك العمل غير مباح في السبت، لكن المسيح دحض ادعاءاتهم بموهبة النعمة الجديدة وبين لهم تفاهة الشريعة. (عرض القديس لوقا 5. 28-29)

خبز التقدمة سماوي وهو الآن خبر القربان.
كيرلس الإسـكـنـدري:
رغـم أن تصرف داود كان مخالفا لأحكام الشريعة، فهو موضع إعـجـابـنـا، لأنـه كـان قـديسا ونبيـا فـشـريـعـة مـوسـى تـقـول بـوضـوح «أحكموا بالعدل بينهم، ولا تحابوا أحدا في أحكامكم». يقول «كيف تدينون تلاميذي
وأنتم تعجبون بداود القديس النّبي المبارك، مع أنه لم يعمل بوصية موسى؟ يوضح أن خبز القربان هو الخبر النازل من السماء ويـقـدم عـلـى مـوائـد الكنائس المقدسة… روحيا يشير الخبر إلى الرسل الاثني عشر الذين سنتحدث عنهم، عندما يأتي الكلام عليهم. (تفسير القديس لوقا 21-22)

11-6:6 يسوع يُبرئ المرضى في السبت

يشفي يسوع في السبت ليعلم الفريسيين الرحمة.
كيرلس الإسكندري:
تهدي المعجزة الذين لم يؤمنوا بالكلمة، لكن الفريسيين كانوا يراقبونه ليروا هل يجري الشفاء في السبت. هكذا هو الحشود، شهرة الآخـريـن طـعـام لمرضه. إنه يجن جنونه افتراء لطيب سمعتهم. قد كتب: «هو الذي يعرف كل شيء ويفحص القلوب وما فيها، وعنده النور». قال يسوع للرجل ذي اليد اليابسة: «قم وقف في الوسط». لماذا فعل هذا؟ ربما ليدعو الفريسي الـقـاسي الـقـلـب والجـافـي الـطـبـع إلـى الـرحـمـة قـد يخجـلـهـم مـرض الـرجـل ويطفئ لهيب حسدهم.
هذا هو أحكم ما قيل، وهو مناسب لفضح حماقتهم. يحل عمل الخير في السبت، لأن الله لا يعيقه شيء في عنايته بالمريض. فكف عن إيـجـاد الـذرائع للافتراء على المسيح لئلا ينزل الحكم على رأسك الذي حفظه الآب للذين يهينون الابن. لقد سمعت ما قاله الآب عن الابن على لسان داود: «أحطم خصومة من أمامه وأضرب الذين يبغضونه». لو كان عمل الخير لا يحل في السبت، ولـو كـان إنقاذ نفس محرما في الشـريـعـة لـكـان هـنـاك مـا يـبـرراتـهـامـك
للمشرع. (تفسير القديس لوقا 23)

يدحض يسوع، بإبرائه المريض في السبت، تفسير الفريسيين.
أمبروسيوس:
بعد ذلك ينتقل الرب يسوع إلى مسائل أخرى. فالمصمم على إنقاذ الإنسان بأكمله يسرع إلى إنقاذ أعضـاء جـسـده ويقول: «كيف تغضبون علي لأني شفيت إنسانا بأكمله يوم السبت؟» هنا يحيي اليد التي مدها آدم ليقطف ثمرة الشجرة المحرمة . فاليد التي يبست من جراء الخطيئة شفيت بأعمال صالحة. لذلك وبخ المسيح اليهود الذين نقضوا الشريعة بتفاسيرهم الشريرة. ظنوا خطأ أنه ينبغي لهم أن يستريحوا حتى من القيام بالأعمال الصالحة في السبت، فالشـريـعـة تـرمـز فـي الحـاضـر إلـى شكل المسـتـقـبـل الـذي يستريح المرء فـيـه مـن الشرور، لا من عمل الخير. (عرض القديس لوقا 39.5)

أمدد يدك للآخرين.
أمبروسيوس:
لقد سمعت كلام الرب: «أمدد يدك». هذا هو العلاج العالمي المشترك. إحذر يا من ظن يده صحيحة من أن تيبس من الجشع أو من تدنيس المقدسات أبسط يدك للفقير
الملتمس منك صدقة. أبسطها لمساعدة قـريـبـك، ولـحـمـايـة الأرملة، وللذود عمن يشتمه النّاس اعتداء وظلما. أبسطها للصلاة من أجل خطاياك. فاليد تنبسط ثم تشفى. إن يد يربعام يبست، لأنه قدم الأضاحي للأوثان، ثم امتدت، لأنه توسّل إلى الله (عرض القديس لوقا 40.5).

6: 12 -16 اختيار الرسل الاثني عشر

وفي تلك الأيام ذهب إلى الجبل ليصلي، فأحيا الليل كله في الصلاة لله. ولما طلع الصبح دعا تلاميذه واختار منهم اثني عشر سماهم رسلاً وهم: سمعان وسماه بطرس، وأندراوس أخوه، ويعقوب ويوحنا، وفيلبس وبرتلماوس، ومتى وتوما، ويعقوب بن حلفى وسمعان الذي يقال له الغيور، ويهوذا بن يعقوب ويهوذا الإسخريوطي الذي صار خائنا.

نظرة عامة:

يعتزل يسوع، استعدادا منه لاخـتـيـار الاثـنـي عـشـر الـذيـن سـيـولـفـون الأساس الرسولي للكنيسة، في أماكن مقفرة فيصلي من أجلنا لا من أجل نفسه، فهمه أن ينجينا من خطايانا (أمبروسيوس). ذكرت أسماء الاثني عشر لئلا يقحم البعض أسـمـاءهـم بين أسـمـاء هـذه المـجـمـوعـة المختارة (كيرلس الإسكندري). إن نعتهم بـ«الرسل» يضفي عـلـيـهـم كـرامـة فائقة (إفسـافـيـوس). اخـتـار يسوع أناسا بسطاء صيادي سـمـك وجـبـاة ضرائب ليبشروا العالم بالخلاص ويعلنوا نصر حقيقته على الحكمة البشرية (أمبروسيوس). فنحن، أهل الأرض، نشارك من خلالـهـم فـي الـعـطـايـا السماوية (يوحنا الدمشقي). لوقا وحده من الإنجيليين ينهي قائمة الاثني عشر بذكره اسم «الخائن». (أمبروسيوس).

12:6 يصلي يسوع منفردا على الجبل

يشفع بنا ويصلي لأجلنا لا لنفسه. 
أمبروسيوس:
يصلي الرب ليتوسّط بي، لا ليتضرع من أجل نفسه. لقد وضع الآب كل شيء تحت سلطـان ابـنـه، ليجعل منه نموذجا للبشر، إنه يتوسل إلى الآب من
أجلنا. إنه نصيرنا ومؤيدنا… إنه يتوسط بنا بسبب خطايانا.
يقول: «أحيا يسوع الليل كله في الصلاة». إنه مثال لك وقدوة. نموذج هو لنقتدي بـ ي به. أرجو أن لا أكون مخطئا، فهو لم يكن يصلي مع الرسل، بل كان يصلي على انفراد، لأن صلوات البشر لا تدرك مشورة الله، وما من أحد يشارك المسيح في عمق الأسرار. (عرض القديس لوقا 41.5-43)

16-13:6 اختيار الرسل الاثني عشر

يذكر أسماءهم ليشير إلى أنهم اثنا عشر فقط.
كيرلس الإسكندري:
أنظر إلى تنبه الإنجيـلـي لـم يـقـل إنه أقام الرسل القديسين فحسب، بل قدم لائحة بأسمائهم، فحال دون تجرؤ أحد على تسجيل نفسه في طعمة المختارين. (تفسير القديس لوقا 23)

لقب الرسول يحمل شرفا عظيما.
إفسافيوس:
لقد دعا مخلصنا وربنا الرسل الاثني عشر بعد بدء بشارته بقليل. هؤلاء وحدهم، دون جميع تلاميذه، سماهم رسلاً اعترافا بمكانتهم الخاصة. وبعد ذلك «اختار سبعين آخرين وأرسلهم اثنين اثنين أمام وجهه إلى كل موضع اعتزم أن يذهب إليه».(تاريخ الكنيسة 10.1)

اختار يسوع صيادي السمك وجباة الضرائب.
أمبروسيوس:
يقول: «دعا تلاميذه، فاختار منهم اثني عشر»، وأقامهم زراعا للإيمان وللتبشير بخلاص البشر في كل صـقـع مـن أصـقـاع الـعـالـم، وللعمل بمشيئته السماوية. لم يختر رجالاً حكماء، ولا أغنياء، ولا نبلاء، بل اخـتـار صيادي سمك) وجباة ضرائب، ليرشدهم خشية أن تغريهم الحكمة البشرية، أو يشتريهم النّاس بأموالهم، أو يجذبوهم إلى رغد العيش بما لديهم من سلطة وقدرة. فعل هذا ليسود فكر الحق، وتـصـمـت النزاعات. (عرض القديس لوقا 5. 44)

دعا الاثني عشر ليجعلنا سماويين.
يوحنا الدمشقي:
دعا تلاميذه، فاختار منهم اثـنـي عـشـر وأمـرهـم بـأن يبشروا بملـكـوت الـسـماوات. فـالمـسـيـح جـاء إلى
الأرض ليجعلنا بتجسده نحن أهل الدني سماويين. (برلعام ويوسف 52.7 )

اختار يسوع حتى يهوذا.
أمبروسيوس:
اختير يهوذا لا عن إهمال، بل بعناية إلهية. ما أقوى الحق، إذ يعجز رسول معاد عن إضعافه! ما أعظم استقامة الرب، إنه أثر أن يعرض للخطر حكمه بيننا، على أن يعرض عطفة للخطر؛ فقد اتخذ ضعف البشر، ولم يرفض أوجه الضعف الإنساني. كان راغبا في أن ينبذ، وأن يخان، وأن يسلم على يدي واحد من رسله، لتتحمل أنت، بصبر جميل، خيانة حليف أو انقلاب نصير عليك. (عرض القديس لوقا 45.5)

 

17:6 – 19 يسوع والجموع

ثم نزل معهم فوقف في مكان سهل، وهناك جمع كثير من تلاميذه، وحشد كبير من الشعب من جميع اليهودية وأورشليم، وساحل صور وصيدا،  جاؤوا ليسمعوه ويبرأوا من أمراضهم. وكان الذين تعذبهم الأرواح النجسة يشفون،  وكان الجمع كله يحاول أن يلمسه، لأن قوة كانت تخرج منه فتبرئهم جميعاً.

نظرة عامة:

أبرأ يسوع المرضى بعد اختياره للاثني عشر ليظهر أنه هو المسيح، وأن الله نفسه هو الذي اختارهم (كيرلس الإسكندري). أتت حشود من كل مكان، من اليهودية كلها، ومـن مـديـنـة أورشليم المقدسة، ومن ساحل صور وصيدا ليشفوا من أمراضهم (أمبروسيوس).

يسوع، بعد اختياره الاثني عشر، يشفي المرضى ليظهر أنه المسيح.
كيرلس الإسكندري:
بعد أن اختار الرسل القديسين، أجرى معجزات كثيرة أثارت الإعجاب. انتهر الشياطين، وشفى الذين دنوا إليه من كل داء عضال، فظهرت فيه  قوته التي هـي قـوة الله. أجـرى هـذه المعجزات ليعرف اليهود، الذين أتوا إليه، والسكان اليونانيون أن المسيح الذي كرم تلاميذه المختارين بالمقام الرسولي لم
يكن إنسانا عاديا مثلنا، بل هو الله الكلمة الذي صار بشرا، من دون أن يتخلى عن مجده. «إن قوة كانت تخرج منه فتبرئهم جميعا». لم يستقرض المسيح قوة من غيره، فهو الله بطبيعته، ولو صار بشرا. إنه أبراً الجميع، مظهرا قوته الإلهية في المرضى. (تفسير القديس لوقا 25.)

نزل يـسـوع ليبرئ أهـل الـدنـي.
أمبروسيوس: تتبع كل شيء بدقة. إنه يصعد مع التلاميذ، وينزل إلى الجموع، لا تستطيع أن تراه، إلا في مكان سهل. لا تتبعه الجموع إلى المرتفعات، ولا تصعد إلى أماكن فخمة. عندما ينزل، يجد الضعيف الذي يعجز عن الصعود إلى مكان مرتفع. هكذا يعلم متى
أن الضعفاء أبـرئوا فـي السهل. أبرأهم ليستطيعوا، بعد أن يتعافوا، الصعود إلى الجبل خطوة خطوة بفضيلة متزايدة. في السهل يبرئهم واحدا واحدا، ويدعوهم إلى التخلي عن إهمالهم. يبرئ من ذهب بصره. وينزل ليشفي جروحنا، فيجعلنا مشتركين في طبيعته السماوية. (عرض القديس لوقا 5. 46)

 

6: 20- 26 موعظة يسوع الكبرى

 ورفع عينيه نحو تلاميذه وقال: «طوبى لكم أيها المساكين، فإن لكم ملكوت الله. طوبى لكم أيها الجياع الآن، لأنكم ستشبعون. طوبى لكم أيها الباكون الآن، فإنكم ستضحكون، طوبى لكم إذا أبغضكم الناس ورذلوكم وعيروكم ونبذوا اسمكم على أنه عار من أجل ابن الإنسان. إفرحوا في ذلك اليوم وابتهجوا، فها إن أجركم في السماء عظيم، فهكذا فعل آباؤهم بالأنبياء. لكن الويل لكم أيها الأغنياء، لأنكم نلثم عزاءكم.  الويل لكم أيها الذين يشبعون الآن، لأنكم ستجوعون. الويل لكم أيها الضاحكون الآن، لأنكم ستحزنون وتبكون. الويل لكم إذا مدحكم جميع الناس، فهكذا فعل آباؤهم بالأنبياء الكذابين.

نظرة عامة:

لما رفع يسوع عينيه إلى السمـاء دعـا سـامـعـيـه إلـى الارتفاع بأفكارهم إلى العلاء (أوريجنس). يلخص لوقا ثـمـانـي تـطـويـبـات فـي أربع. فعلى المستمعين لـه أن يـنـظـروا إلى أبعد من أنفسهم، إلى ابن الإنسان الذي تـحـاقـر لأجـلـهـم (أمبروسيوس)، وجاع في البرية لأجلهم، وبكى لأجلهم عندما دخل أورشليم، وأشبع حقدا، وشتائم لأجلهم، وطرد وصلب خارج أورشليم كمجرم.

يُـونـب المسيح الأغنياء الذين لا يعرفون كيف يستعملون ممتلكاتهم حسب الأصول (أمبروسيوس). إن الـذيـن يـبـكـون عـلـى خطاياهم يتوقون إلى البر (أمبروسيوس). إن للتطويبة النهائيـة مـواضـيـع مماثلة: رفض المؤسسة الدينية للمبشرين. فهم يضطهدون مـن أجـل يـسـوع (كيرلس الإسكندري). يتألم المسيحيون لأن يسوع المسيح تألم أولا. يقول الرب إن التلاميذ يـفـرحـون وسط المصائب، لأن الاضطهاد متعة وابتهاج وتطلع إلى اقتناء كنوز السمـاء (غـريـغـوريـوس النيصي). يذكر يسوع الأنبيـاء الـذيـن تـحـمـلـوا تعبيرات وإهـانـات مـن أجـل المـلـكـوت، أمـا الـرسـل فيبتهجـون بـمـعـانـاتـهـم لأجـل المـسـيـح (أوريـجـنـس). الـعـيش الـفـاضـل الـتـابـع من المسيح لن يؤدي إلى مديح النّاس، لأن دوافع البشر تقاوم مثل هذه الحياة (الذهبي الفم).

6: 20-26  التطويبات: طريق للحياة – الويلات: طريق للموت

رفع العينين إلى السماء.
أوريجنس:
ترد عبارة «إرفعوا عيونكم» في أماكن عديدة مـن الـكـتـاب المقدس. بـهـا يحثنا الكلمة الإلهي على رفع أفكارنا. ويدعونا إلى أن
نسمو ببـصـائـرنـا المريضـة فـي الـدنى، والعاجزة عن الارتفاع إلى العلاء. فقد كتب إشعيا: «إرفعـوا عـيـونـكم وانظروا من خلق الخلائق المعروفة!» والمخلص، قبل أن يلقي عظة التطويبات، رفع عينيه إلى تلاميذه وقال: «طوبى لفلان وفلان». (تفسير ليوحنّا 13. 274-277)

أربع تطويبات وأربع فضائل رئيسة.
أمبروسيوس:
هلم ننظر كيف وضع القديس لوقا ثماني تطويبات في أربع. نعرف أن هناك أربع فضائل رئيسة: الاعتدال، البر، التعقل، والثبات. المسكين في الروح ليس جشعـا والـبـاكـون لا يستكبرون، بـل يخضعون ويستكينون. الباكي متواضع، وهو لا ينكر أن ما يعرفه معطى للكل على نحو مشترك. الرحيم يهب ما له. والواهب ما له لا يطلب ما لغيره، ولا ينصب فخا لجاره. هذه الفضائل تتشابك وتترابط، فمن امتلك واحدة منها امتلك فضائل كثيرة. فضيلة واحدة تنفع القديسين. فحيث تكثر الفضائل تكثر المكـافـات… في الاعتدال نقـاء القلب
والروح، وفي البر عطف، وفي الصبر سلام، وفـي الـ التحمل لطف. (عرض القديس لوقا 5. 62-68)

يسوع هو المسكين الذي افتقر لأجلنا وهو الغني.
أمبروسيوس:
يقول: «طوبی للمساكين». ليس كل المساكين مقدسين، فـالـفـقـر لا يـزيـدك صلاحا ولا يصيبك بنـقـيـصـة قـد يـكـون المسكين صالحا أو شريرا، إلا إذا كان كمن وصفه النبي في قوله: «المسكين خيـر مـن غـنـي كذاب». طوبى للمسكين الذي صرخ وسمعة الرب. طوبى للمسكين في الإساءة، طـوبـي للمسكين في الشرور. طوبى للمسكين الذي لا يجد سيد هذا العالم عنده شيئا. طوبی للمسكين الذي يشبه «يسوع» المسكين الذي افتقر لأجلنا وهو الغني. أشار إلى ذلك متى في قوله: «طوبى للمساكين في الروح». المسكين في الروح لا يتفاخر ولا يتبجح بفكر جسده.
هذه التطويبة هي الأولى، لأني أكون قد ابتعدت عن كل خطيئة، وخلعت عني كل ضغينة، وأصبحت راضيـا بـالبساطة، ومتخليا عن الشرور. كل ما يبقى هو أن أحسن سلوكي. فماذا ينفعني التخلي عن الأمـور الـدنـيـويـة، إذا لـم أكـن متواضعا
ولطيفا. (عرض القديس لوقا 54.5)

ويل للذين يـسـيـئون اسـتـعـمـال ممتلكاتهم.
أمبروسيوس:
رغـم مـفـاتـن الغنى العديدة هناك حوافز أكثر لاقتناء الـفـضـائـل، ورغم عدم احـتـيـاج الـغـنى للمساعدة فإن مساهمة المسكين تمتدح أكثر من سخاء الغني. فبسلطان الكلام السماوي لا يدان الأغنياء، بل يدان الذين لا يعرفون كيف يستعملون الغنى. يستحق المسكين المديح لأنه يعطي بعطف وحنان… أما الغني فيلام أكثر إذا كان لا يشكر الله على ما تسلمه، ويدفن الثروة المعطاة له للاستعمال المشترك. إن النقيصة ليست في الغنى، بل في التصرف (عرض القديس لوقا 69.5)

تقتضي التوبة حزنا مفيدا ينتج عنه الضحك.
أمبروسيوس:
طهر نفسك بدموعك. إغسل نفسك ببكائك. إن كنت تبكي من أجل نفسك، فلن يبكيك آخر. الخاطئ يبكي على 
نفسه ويوبخها ليصبح بـارا، لأن الأبرار يتهمون أنفسهم بالخطيئة.
لقد كتب: «ضع المحبة أمامي». طرحت عني الخطيئة، وقومت سيرتي. بكيت على آثامي. وبدأت أحس بالجوع إلى البر إن المريض، عندما يشتد مرضه، لا يحس بالجوع، لأن ألم المرض يبعد عنه الجوع. ما هو العطش إلى البر؟ ما هو الخبر الذي قيل عنه: «كنت صبيا، وقد شخت، ولم أر صديقا يهمل، ولا ذرية له تلتمس خبرا». يطلب الجائع أن يتقوى. هل هناك أعظم من الازدياد في الفضيلة أكثر من قاعدة البر؟ (عرض القديس لوقا 55.5-56)

البكاء حاجة، والضحك مكافأة على الحكمة.
أوغسطين:
إن ظننت أن هـنـاك خيارا بين أمرين، فأيما هو الأحسن، أن تضحك أو أن تبكي؟ هل هناك من لا يفضل أن يضحك؟ التوبة تستلزم حزنا نافعا لنا، والرب أظهر أن الدموع ضرورية فينجم عـنـهـا الضحك. كيف؟ يقول في الإنجيل: «طوبى لـكـم أيـهـا الـبـاكـون، لأنـكـم سـتـضـحـكـون». البكاء حاجة، والضحك مكافأة على الحكمة. (الموعظة 175. 2، علی الرسالة الأولى إلى تموثاوس 15:1-16)

معاناة الاضطهاد مثمرة.
كيرلس الإسكندري:
أعلن الرب الاضطهاد قبل أن يرسل تلاميذه تـوقـع الإنجيـل مـا كـان سيحدث… يـقـول الـرب سيعيـرونـكـم وينبذونكم نبذهم للمخادعين، وسيحاولون أن يضللوكم. سيفرزونكم من أصدقائهم وجماعتهم. لا تدع هذه الأمور تضايقك. يقول: أي ضرر يمكن للسان اللاذع أن يلحقه بعـقـل ثـابت؟ يقول: سـيـكـون الاضطهـاد مـثـمـرا عـنـد مـن يعرف كيف يتحمله بحكمة. إنه دافع لسعادة ونعيم يشير إلى منفعتهم. لا شيء غريبا يحدث لـهـم وهـم يـعـانـون هـذه المعـانـاة. إنّـهـم يشابهون الأنبياء الذين كانوا يحملون إلى إسرائيل الكلام الإلهي الآتي من العلاء. هم اضطهدوا، ونشروا، وماتوا بحد السيف. تحملوا الـعـار الموجه لهم ظلما جعلهم الاضطهاد يفهمون أنهم سيكونون شركاء مع الذين يقلدونـهـم بـأعـمـالهم. سيحظون
بأكاليل الأنبياء لأنهم اقتدوا بهم. (تفسیر القديس لوقا 27)

الاضطهاد فرح وابـتهـاج واقتناء للكنـوز السماوية.
غريغوريوس النيصصي:
إن المسيحي الذي بلغ، بسيرته الصـالـحـة وبـهـبـة الـروح الـقـدس الـرشـد، المعطى بالنعمة، يختبر المجد والفرح والابتهاج التي تسمو على أي تنعم إنساني. إنه يشهق من الفرح بعد أن يكون قد غير من أجل المسيح، ونبد وتحمل كل شتيمة وعار لإيمانه بالله. من كانت حياته مؤسسة على الـقـيـامـة وعلى النعم الآتية، فلا تضيره الإهانات ولا يعبأ بما يلاقيه من جلد واضـطـهـاد وآلام أخرى، لأنها طريق إلى الصليب ومن ثم إلى الهناء والراحة واقتناء الكنوز السماوية. قال يسوع: «طوبى لكم إذا أبغضكم النّاس واضطهدوكم وقالوا عليكم كذبا كل كلمة سوء من أجل اسمي، إفرحوا وابتهـجـوا، لأن أجركم فـي السَّماوات عظيم». في نهج الحياة المسيحية.

الـرسـل المـكـرمـون يـعـانـون الخزي والعار.
أوريجنس:
أرجوك أن تتذكر في صراعك الحاضر المكافأة العظيمة المعدة في السّماوات للذين يضطهدون مثلك لأجل البر وينبذون نبذ الأشرار. افرحوا وابتهجوا
من أجل ابن الإنسان، كما ابتهج الرسل مرة بعد أن كـانـوا أهـلا لمعاناة الخزي والعار مـن أجـل اسـمـه (حث على الاستشهاد 4)

العيشة الفاضلة لا يمتدحها جميع الناس.
الذهبي الفم.
لهذا السبب ربانا المسيح على أن لا نحن إلى مديح النّاس. أنذرنـا مـرات عديدة بقوله: «ويل لكم إذا مدحكم جميع النّاس». بلفظة «الويل» أعلن لنا العقاب الذي ينتظر مثل هؤلاء الناس. لفظة «الويل» : » تعبير عن الرثاء لحالهم. أنظر دقة تعبيره: لم يقل «النّاس»، بل «جميع النّاس». الإنسان الفاضل الذي يمر في الـطـريـق الـضـيـق والمحزن ويتبع وصايا المسيح لا يحظى بمديح الناس وثنائهم. الدافع إلى الشر قوي جدا ومقاومة الفضيلة صعبة. (مواعظ على سفر التكوين 23. 8)

 

6: 27 – 38 محبة الأعداء

” وأما أنتم أيها السامعون، فأقول لكم: أحبوا أعداءكم، وأحسنوا إلى مبغضيكم،  وباركوا لاعنيكم، وصلوا من أجل المفترين الكذب عليكم. من ضربك على خدك فحول له الآخر. ومن أخذ رداءك فلا تمنع عنه ثوبك. ومن طلب منك شيئا فأعطه، ومن أخذ ما هو لك فلا تطالبه به. وعاملوا الناس مثلما تريدون أن يعاملوكم.  فإن أحببتم من يحبونكم، فأي فضل لكم؟ لأن الخاطئين أنفسهم يحبون من يحبهم. وإن أحسنتم إلى من يحسن إليكم، فأي فضل لكم؟ لأن الخاطئين أنفسهم يفعلون ذلك. وإن أقرضتم من ترجون أن تستردوا منهم قرضكم، فأي فـضـل لـكـم؟ لأن الخاطئين يقرضون الخاطئين ليستردوا قرضهم. ولكن أحبوا أعداءكم، وأحسنوا وأقرضوا غير راجين عوضا، فيكون أجركم عظيما وتكونوا أبناء العلي، لأنه ينعم على ناكري الجميل والأشرار.
كونوا رحماء كما أن أباكم رحيم. لا تدينوا فلا تدانوا. لا تحكموا على أحد فلا يحكم عليكم. أغفروا يغفر لكم. أعطوا تعطوا: ستعطون في أحضانكم كيلاً حسنا مكبوسا مهزهرا فائضا، لأنه بالكيل الذي به تكيلون يكال لكم.

نظرة عامة:

يحب العالم أخطاءه ويكره طبيعته، أما موقف المسيحي من العالم فيكون على نقيض ذلك (أوغسطين). محبه الأعداء تتطلب عملاً إراديا يقاوم الحدس ولا يـقـوى عـلـى الـقـيـام بـه إلا المسيحيون (ترتليان). إن محبة الأعداء تعبير عن إيثار يتدفق مباشرة من محبة الله. المسيح نفسه صلى للمـفـتـريـن عـلـيـه وهو يتألم على الصليب (أمبروسيوس). ينبغي للتلاميذ أن يكونوا مستعدين لأن يعاملوا بعنف، ولأن يعروا من ملابسهم وممتلكاتهم. الإنسان الرحيم يستهدفه الظلم (إسحق السرياني). إذا كان للمسيحيين عقل المسيح، كما تعلم الـتـطـويـبـات، فإنهم سيقبلون بهذه الاضطهادات، لأن المسيح هـو كـمـال الشريعة وبـدمـه غـيـرهـا (أفـرام). ليفكر السامع في آلام يسوع الذي عري وضرب إراديا. يريدهم يسوع أن لا يعاملوا الأشرار بالمثل ليصلوا إلى قمة العطاء. إنه هدية وقرض معا، هدية منّا، لكنه قرض لأن ما نقرضه للآخـريـن يمنحنا الـرب إياه (باسيليوس).

أودع الله فينا صورته الإلهية ومثاله، وهي ترى في الـذيـن صـاروا كالآب في السماء رحماء (أوريجنس). الرحمة هي صفة من صفات الله الحسنى (كيرلس الإسكندري). تصف هذه الآيات كلها الله بأنه «رحيم» على الأخيار والأشرار (يوستينوس الشهيد). إنه، بعد بلوغه القمة في موعظته: «كونوا رحماء كما أن أباكم رحيم»، يقدم أمثلة عملية على كيفية إظهار هذه الرحمة للآخرين، أي بـالـتـضـحـيـة بـهـوى الـثـار وبالعطف على القريب (أوغسطين). لا يقدر الخطـأة أن يـديـنـوا الخـطـأة. على المرء أن يدين نفسة لسوء تصرفه، بدلاً من أن يدين الآخـريـن (كيرلس الإسـكـنـدري). وعلى تلاميذه أن يبرزوا خصائص الله للعالم، وأن يحكموا بالعدل ويعفوا بالنعمة (أفرام). إن رحمة يسوع التي يتحدث عنها تعبر عن نفسها بأسلوبين: الغفران والعطاء، وهما جناحان للصلاة. هذا الغفران هو تعبير عن أعـمـال الـرحـمـة يـوتيـهـا الـرب الإنسان إحسانا، وصدقة، وغفرانا. يفيض الغفران فيضا وافرا، لأنه يأتي من الله، ويجعل من المسيحيين في سخائهم مخازن للفقراء (أوغسطين). إن سـخـاء الله عجيب وفوق الـتـصـور، لأنه يستعمل مقاييس بشرية ليصف عطاءاته (كيرلس الإسكندري).

 

6: 34-27 مـحـبـة الأعـداء – ثـمـاني وصايا

محبة ما يبغضه العالم.
أوغسطين:
يحرم عـلـيـنـا الـولـوع بما يشـتـهـيـه الـعـالـم ويطلب منا أن نحب ما يكرهه العالم فنؤثر عمل الله ونعم صلاحه على كل شيء آخر. محبة الضلال محظورة علينا، في حين أننا نؤمر بأن نحب أوجه الصلاح التي هي في العالم والتي هي من صنع الله، بينما يحب العالم الضلال الذي فيه ويكره ما صنعته يدي الله. (مواعظ على إنجيل يوحنا 4.87)

محبة الأعداء مألوفة عند المسيحيين وحدهم.
ترتـلـيـان:
إن محبة الأصدقاء مألوفة وطبيعية عند كل البشر، أما محبة الأعداء فليست مألوفة إلا عند المسيحيين دون غيرهم من البشر. (إلى سكابولا 1)

فضيلة الصدقة تدعو إلى محبة الأعـداء.
أمبروسيوس:
يـوصـيـنـا الرب بـالـمـحـبـة، يقول: «أحبوا أعداءكم»، ليتم القول الذي أعلن أمام الكنيسة: «ضع المحبة أمامك» المحبة صارت رايتنا عندما أوصانا بها الرب. أنظر كيف هبطت علينا من العلاء فحلت بركة الإنجيل محل أحكام الشـريـعـة الشـريـعـة تـأمـر بالانتقام من المعتدي. أما الإنجيل فيهب المحبة بدلاً مـن الـعـداوة، والإحسان بدلاً من البغض، والصـلاة بدلا من اللعنة، ويحث على مـسـاعـدة المضطهد، ويدفع الجائع إلى الاعتصام بالصبر، ويبشر بأن المكافأة هي النعمة. ( عرض القديس لوقا 73.5)

تضرع المسيح وهو على الصليب من أجل المفـتـريـن عليه.
أمبروسيوس:
ما نطق به المسيح من كلام طبقه وعمل به. قـال وهـو عـلـى الصـلـيب، مشيرا إلـى مضطهديه الذين كانوا يفترون عليه، «یا أبت، إغفر لهم، لأنهم لا يدرون ما يفعلون». 
يصلي من أجلهم، رغم أنه كان هو نفسه قادرا على أن يغفر لهم. (صلاة أيوب وداود 2. 6).

إدارة الخد الآخـر تـتـطـلـب صـبـرا.
أوغسطين:
تحتقر الأمور الزمنية من أجل الأمـور الأبـديـة… هـذا كـان دائـمـا غرض الشـهـداء الـقـديسين… علينا أن نكون متيقظين وإلا عيل صبرنا… إن الصبر أثمن ما يمكن أن يختطفه العدو منا. (رسالة
138، إلى مارسيلينوس)

يعاني الرحيم الظلم.
إسحق السرياني:
عندما يضع المرء الرحمة قبل العدالة لا يكلل بأكاليل تمنحها الشريعة، بل بأكاليل الإنجيل. تأمر الشريعة القديمة بأن يعطي المرء الـفـقـيـر مـمـا لـه، وبأن يكسو العراة، ويجب قريبه كنفسه، وتحرم الظلم والكذب. لكن كمال تدبير الإنجيل يأمر بما يلي: «من سألك أعطه، ومن أخذ ما هو لك فلا تطالبه
به». على المرء أن يأبى الظلم النازل بما هوله بفرح وابـتـهـاج، وأن يبذل حـيـاتـه لأخـيـه هـذا هـو الإنسان الرحيم. (المواعظ النسكية 4)

تتحول شريعة العهد القديم بدم المسيح.
أفرام:
وصية «العين بالعين» هي اكتمال العدالة. أما وصية «من ضربك على خدك فحول له الآخر» فهي اكتمال النعمة. إنه يوصينا بهما في عهدين متتاليين. في العهد الأول كان قتل الحيوانات كفارة، إذ إن العدالة كانت لا تجيز لأحد أن يموت مكان غيره. أما العهد الثاني فقد قام على دم إنسان، وبالنعمة بذل نفسه بالنيابة عنّا جميعا. العهد الأول كـان البـدء، والعهد الثاني هو الكمال. كامل هو من فيه النهاية والبداءة. أما الذين لا يـفـهـمـون البداءة والنهاية فيتغربون بعضهم عن البعض… لقد تحول مبدأ «الضربة بالضربة». فإن سعيت إلـى الـكـمـال، كـانـنـا مـن كـان مـن يضربك، فأدر له الآخر، (تفسير الإنجيـل الرباعي لتاتيان 11.6)

أقرضوا غير راجين عوضا.
باسيليوس:
«أقـرضـوا غير راجين عوضا». يقول: «أي قرض لا يرجو منه المرء عوضا؟» أدرك قوة كلامه، وتعجب من محبة المشرع للبشر. إذا
عـلـت الـفـقـير مـنا وقرض: هدية لعدم توقع العوض، وقرض بسبب هدية السيد العظيمة الذي يوفي عنه، فـمـن تـسـلـم صـغـائـر الأمـور مـن الـفـقـير، سيعطى عـوضـا عنـهـا عـظـائـم الأمـور (الموعظة 12، ضد إفسوروس)

36-35:6 اقتدوا بالله

ترى الصورة الإلهية في الـرحـمـة الإنسانية.
أوريجنس:
إن الصورة الإلهية لا تتضح سماتها في شبه الجسد، الذي يفسد، بل في حـصـافـة الـنـفس، في الـبـر، والاعتدال، والشجاعة، والحكمة، والانضباط، وفي جوقة الفضائل كلها التي تنبع من الله. يكتسب الإنسـان هـذه الـفـضـائـل بالاجتهاد والاقتداء بالله، كما يشير الله في الإنجيل عندما يقول: «كونوا رحماء كما أنّ أبـاكـم رحـيـم». و«كـونـوا كـاملين، كما أنّ
أبـاكـم كـامل».(في المبادئ الأولى4. 10)

الرحمة هي صفة الله.
كيرلس الإسكندري:
إن الرحمة هي أحب الفضائل التي أشرنا إليـهـا، والتي ستتحدث عنها. فهي أسـمـاهـا وأرضاها عند الله، وهـي مناسبة جدا للنفوس المقدسة. يقول: «كونوا رحماء كما أن أباكم رحيم». (تفسير القديس
لوقا 29)

لطيف ورحيم على الأخيار والأشرار.
يوستينوس الشهيد:
نصلي لأجلهم ليرحمنا المسيح. فقد علمنا أن نصلي من أجل أعدائنا قائلاً: «كونوا رحماء كما أن أباكم رحيم». نرى أن الله القدير لطيف ورحيم، يشرق شـمسـه عـلـى المؤمنين منهم والمارقين، ويـمـطـر عـلـى الأخـيـار مـنـهـم والأشرار. سيدينهم جميعا كما علمنا (الحوار مع تريفن 96)

6: 37- 38 لا تدينوا

تحرك الرقة: العطف لا الثأر.
أوغسطين:
تتطلب ممارسة الرحمة ثنائية التخلي عن الثأر، وتجلي العطف، الرب ضمهما في أيته: «أغفروا يغفر لكم». بالعمل بالوصية تطهير القلب، إذ نصبح قادرين، رغم قيود
هذه الحياة، على رؤية حقيقة الله… بهذا الصدر يقول الله: «أعطوا الفقراء مما في داخل كؤوسكم وصحونكم، يكن كل شيء لكم طاهرا».(1) إذا الخطوة التي لا غنى عنها هـي تـطـهـيـر الـقـلـب. (رسـالـة 171أ، إلى ماكسيموس.)

لا تدينوا، بل انظروا إلى سوء تصرفكم.
كيرلس الإسكندري:
يحث الناس على أن يصحوا ويـتـيـقـظوا، وأن لا يقعوا في علل كهذه. فـمـن دان أخاه، كـمـا يقـول تلميذ المسيح، ذم الشريعة وأدانها. إن المشرع والـقـاضـي واحد. قاضي النفس الخاطئة يجب أن يكون أسمى منها. وبما أنك لست كذلك، فكيف تـديـن قـريـبـك؟ الخاطئ سيعترض على القاضي. لكن إن تجاسرت على دينونته، وليس لك سلطان على ذلك، فإنك ستدان، لأن الشريعة لا تجيز لك أن تدين غيرك.
مـن كـان مـتـعقلاً، لا ينظر إلى خـطـايا الآخرين، ولا ينشغل بأخطاء قريبه، لكنه يمحص بدقة ما جنته يداه من شرور. كان كـاتـب المزامير يخـر أمام الله ويقول عن خـطـايـاه: «إن كنت للآثام راصدا يا رب، فمن يثبت؟». وإذا تذرع بضعف الطبيعة البشرية، كان يتضرع من أجل أن يغفر له قائلاً: «تذكروا أننا تراب نحن».(تفسير القديس لوقا 29)

دينوا بالعدل، واعفوا بالنعمة.
أفرام:
لا تدينوا أحدا ظلما لئلا تدانوا. فبالدينونة التي تدينون بها تدائون. هذه الآية تشبه القول: «أغفروا يغفر لكم». إذا دان أحدهم بالعدل، يغفر بالنعمة، وإذا دين هو نفسه بالعدل، استحق الغفران بالنعمة. ولأجل القضاة الذين يثأرون لأنفسـهـم قـال: «لا تدينوا»، أي لا تثأروا لأنفسكم، أو لا تحكموا على المظهر ولا تدينوا، لكن حثوا وانصحوا. (تفسير الإنجيل الرباعي لتاتيان 6. 18 ب.)

هناك نوعان من الإحسان: العطاء والعفو.
أوغسطين:
بـعـد اكـتـمـال الـدورة السـنـويـة، يأتي الصوم الكبير، الذي فـيـه أكون مضطرا على حثكم، لأنكم تكونون مدينين للرب بأعمال تلائم روح الموسم… لنضف بصلواتنا إلى إحساننا وصيامنا
أجنحة الثقى لنطير بها بسرعة إلى الله… أعفوا يعف عنكم. أعطوا تعطوا». فلنمارس بشكر وحماس: العطاء والعفو، ولنصل إلى الله ليهبنا لنا الخيرات ولا يجازينا على أعمالنا الشريرة. (موعظة 206. 2)

جـنـاحـان للصلاة: العطاء والـعـفـو.
أوغسطين:
«أغـفـروا يغفر لكم». «أعـطـوا تغـطـوا هـذان هـمـا جـنـاحـان للصلاة تطيرون بهما إلى الله. سامحوا المعتدين على ما اقترفوه، وأعـطـوا المحتاجين. (الموعظة 205. 3)

رحمة، عطاء، وغفران.
أوغسطين:
ماذا تريد من الرب؟ رحمة. أعطوا تعطوا. ماذا تريد من الرب؟ عفوا أعفوا يعف عنكم. (الموعظة 179 أ. 1)

المسيحي هو مخزن الفقير.
أوغسطين:
أعطوا تعطوا أعفوا يعف عنكم. أنتم كرام، وتعاملون بكرم أصغوا إلى الله القائل:
«أغفروا يغفر لكم. أعطوا تغطوا». تذكروا الفقير. هذا ما أقوله لكم جميعا. أعطوا، يا إخوتي، ولن تخسروا ما تعطون. ثـقـوا بالله، لا أقـول لـكـم لـن تـخـسـروا مـا تعطونه للفقير، لكن أقول لكم بوضوح: هذا ما لا تخسرونه. ستخسرون الراحة. تعالوا الآن ننظر إذا كـنـثـم قـادرين على إسعاد الفقراء اليوم. أنتم مخازنهم، والله يعطيكم ما تعطونهم إياه، ويغفر لكـم خـطـايـاكم. (الموعظة 376 أ.3)

غرابة غنى الله.
كيرلس الإسكندري:
أعلمنا الله أن من يعطي كل شيء بسخاء
إلى الذين يحبونه، سيكافئنا عليه بسخاء. قال: «كيلا حسنا مركوما مهزوزا طافحا تغطون في أحضانكم». وأضاف: «بالكيل الذي تكيلون به يكال لكم». يبدو أن هناك شيئا من التعارض بين القولين. إذا كنا سننال كيلا حسنا مركوما وطافحا، فكيف سيـكـال لـنـا بما كلنا به؟ هذا يشير إلى مكافأة متساوية، لا إلى مكافأة مضاعفة. (تفسير القديس لوقا 29)

 

46-39:6 غاية الموعظة

” وضرب لهم مثلاً قال: «أيستطيع أعمى أن يقود أعمى؟ ألا يقع الاثنان معا في حفرة؟ ؛ ما من تلميذ أعظم من معلمه. كل تلميذ أكمل علمه يكون مثل معلمه. لماذا تنظر إلى القذى الذي في عين أخيك، ولا تبالي بالخشبة في عينك؟ كيف يمكنك أن تقول لأخيك: يا أخي، دعني أخرج القذى الذي في عينك، وأنت لا ترى الخشبة التي في عينك؟ أيها المرائي، أخرج الخشبة من عينك أولاً، وعندئذ تبصر فتخرج القذى الذي في عين أخيك.
ما من شجرة جيدة تثمر ثمراً خبيثا، ولا من شجرة رديئة تثمر ثمرا جيدا. فكل
شجرة تعرف من ثمرها، لأنه من الشوك لا يجنى تين، ولا من العليق يقطف عنب. الإنسان الصالح يخرج من الكثر الصالح في قلبه ما هو صالح، والإنسان الشرير يخرج من كنزه الشرير ما هو شرير، فمن فيض القلب ينطق اللسان.

نظرة عامة:

هنا ينتقل يسوع إلى تحريم ديـنـونـة الآخرين، فيوضح قـولـه بالأمثال (كيرلس الإسكندري). الدينونة والانتقاد يؤديان إلى غش لا يـجـور الشـمـاح بـه (كيرلس الإسكندري). «الشجـرة الجـيـدة هـي الـروح الـقـدس و«الشجرة» الخبيثة هي إبليس وملائكته (أوريجنس). إن ثمر المرء هو عمله وقوله اللذان يـكـشـفـان عـمـا يـنـطــوي عـلـيـه قـلـبـه (كيرلس الإسكندري). القبة والكنيسة توضحان أنه لا قيام لبناء من دون أساس. إنهما صورة عن الكنيسة الجامعة التي تضم المؤمنين من اليهود والأمم، الذين يتميزون بأعمالهم وإيمانهم (بيدي). يصعب الحكم على فكر المرء ونيته، لأن ميل القلب يقررهـمـا رب عمل بسيط يؤدي إلى مكافأة عظيمة، ورب عمل مهم يـؤدي إلـى مـكـافـأة أصغر. ففلس الأرملة يقدم مثالاً لأولئك المـنـافـقيـن الـذيـن يصرخون: «يا رب، يا رب». (بيدي).

توضح الأمثال تعليم يسوع.
كيرلس الإسكندري:
كان التلاميذ القديسون على وشك أن يصبحوا مساري العالم ومعلميه. كان يفترض فيهم أن يكونوا أتقياء، وأن يعرفوا طريق السيرة الإنجيلية، وأن يكونوا عمالاً مؤهلين لكل عمل صالح، وأن يلقنوا المستمعين تعليما صحيحا وخلاصيا مـوطـذا عـلـى الحق، فيستعيد المستمعون الـبـصـر والـعـقـل المستنير بـالـثـور الإلهي. عليهم أن لا يكونوا معلمين قد كف بصرهم وإلا كانوا عميانا مثلهم. لا يجوز للمغلفين بظلمة الجهل أن يرشدوا المرضى السائرين في طريقهم إلى معرفة الحق. فإنهم، إن فعلوا ذلك، يتدحرجون معا في حفرة الأهواء.

أبطل يسوع هوى التفاخر والمباهاة، الذي يولع به الكثيرون، حتى لا يباروا معلميهم، في الكرامة، بدافع من الحسد. ما من تلميذ أسمـى مـن مـعـلـمـه، وإن اكتسب بعضهم فضيلة تنافس فضيلة معلميهم فعليهم ألا يـتـبـاهـوا بـأنهم أرفع مستوى منهم. يثبت بولس هذا بقوله: «اقتدوا بي، كما أنا أقتدي بالمسيح».( تفسير القديس لوقا 29)

لا يرى المنافقون الخشبة التي في أعينهم.
كيرلس الإسكندري:
أظهر لنا من قبل أن دينونة الآخرين عمل شرير وخطير جدا، ويسبب دينونة قصوى. «لا تدينوا فلا تـدانـوا». بـحـجـج حـاسـمة يقنعنا بأن نتحاشي دينونة الآخرين. أعتق نفسك أولاً مـن جـرائـمـك الـعـظـيـمـة، واكـبـح أهـواءك الجـامـحـة، ثـم قـوم المذنب المـديـن عـلـى أخطائه المشينة. (تفسير القديس لوقا 33)

45-43:6 الثمر الجيد بدل الثمر الرديء

الروح القدس هو الشجرة الجيدة، وإبـلـيـس هـو الشـجـرة الخبيثة.
أوريـجـنـس:
«الشجرة الجيدة» هـي الـروح القدس، و«الشجرة الخبيثة» هي إبليس وأعـوانـه. والممتلئ بالروح القدس يظهر ثمار الروح، التي يعددها الرسول في قوله: «أما ثمر الروح فهو المحبة والفرح والسلام والصـبـر والـلـطـف والصلاح والأمـانـةً والوداعة والعفاف». القوة المضادة تنبت الشوك والعليق، والخزي والعار. (مواعظ على لوقا، المقطع 112.)

تتجلى سمة المرء بأعماله في حياته.
كيرلس الإسكندري:
هـا إن المسيح يوصينا مرة ثانية بأن لا نحكم على من يأتون إلينا بالنظر إلى ما يرتدون من ثياب، بل بالنظر إلى مـا هـم عـلـيـه حـقـا. يقول: «كل شجرة تعرف من ثمرها». من الجهل أن نطلب من الشوك أطيب الفاكهة، كالعنب والتين. ومن السخف أن نظن أننا قادرون على أن نجد عند المنافقين والمدنسين ما يدهشنا، كنبل الفضيلة. يقول أيضا: «الإنسان الصالح يخرج من الكنز الصالح في قلبه ما هو صالح»، ومن لم يكن صالحا، أي من أظلم الاحتيال والشر عقله، يخرج ما كان يخفيه في أعماقه. من فيض ما في العقل والقلب يتدفق اللسان بسيـل الـكـلام. يتكلم الإنسان الطيب بما تمليـه عـلـيـه سمانه، أما الخبيث والشرير فإنهما يخـرجـان مـا فـي بـاطـنهما من نجاسة. (تفسير القديس لوقا 33)

الـبـشـر هـم الأشجار، وأعـمـالـهـم هـي الثمر.
بيدي:
«كل شجرة لا تعطي ثمرا جيدا تقطع وتلقى في النار». يشبه البشر بالشجر، وأعمالهم بالثمر. هل تريد معرفة الأشجار الخبيثة، والثمار الرديئة. يعلمنا الرسول فيقول: «وأما أعمال الجسد فهي معروفة: الزنى والدعارة والفجور وعبادة الأوثان والسحر والعداوة والشقاق والغيرة والـغـضـب والـدس والخصـام والـتـحـزب والحسد والشكر والعربدة وما أشبه». هل تريد أن تسمع ما إذا كانت الأشجار المثمرة تنتمي إلى الهيكل السماوي للملك الأبدي؟ إسمع ما يقوله الرسول بعد ذلك: «أنبهكم الآن، كما نبهتكم من قبل، أن الذين يعملون هذه الأعمال لا يرثون ملكوت الله». ثم يعدد فاكهة الشجرة الجيدة فيقول: «أما ثمر الروح فهو المحبة والفرح والسلام والصبر والــطـف والصلاح والأمـانـة والـوداعـة والعفاف».(الموعظة 25.2، على الأناجيل)

ميل القلب يحدد طبيعة الثمر.
بيدي:
«الإنسان الصالح يخرج من الكنز الصالح في قـلـبـه مـا هـو صالح، والإنسان الشرير
يخرج من كنزه الشرير ما هو شرير». إن كنز القلب هو نية الفكر. وفاحص القلوب يحكم في النتيجة.
يقوي المسيح كلامه مظهرا أن الكلام الطيب الذي لا تؤيده الأفعال لا يجدي نفعا. يسأل: «لماذا تدعونني: يا رب، يا رب ! ولا تعملون بما أقول؟» إن دعوة الرب هي عطية الكنز الطيب، وثمرة الشجرة الطيبة. «من دعا باسم الرب يخلص».(1) أما إذا دعا المرء باسم الرب وخالف وصاياه بالموبقات، فإن ما ينطق به لسانه من صلاح لا ينم عما في قلبه من كنوز شريرة. لم يخرج جذر التين اعترافا كهذا، بل العليق – أي الضمير، الملتهب بالرذائل، ولا من امتلأ بحلاوة محبة الرب. (الموعظة 25.2، على الأناجيل.)

 

6: 47- 49 الأساس الراسخ

لماذا تدعونني : يا رب، يا رب ! ولا تعملون بما أقول؟  كل من يأتي إلي ويسمع كلامي فيعمل به، سأبين لكم من يشبه:  يشبه رجلا بنى بيتا، فحفر وعمق، ثم وضع الأساس على الصخر. فلما فاضت المياه اندفع النهر على ذلك البيت، فلم يقو على زعزعته لأنه بني بناء محكما. وأما الذي يسمع ولا يعمل، فإنه يشبه رجلاً بنى بيتا على التراب بغير أساس، فاندفع النهر عليه فانهار في الحال، وكان خراب ذلك البيت عظيما.

نظرة عامة: إن باني البيت على الصخر هو المسيح، والبيت الذي يبنيه هو الكنيسة. الأساس الثابت العميق القائم على الصخر هو تعليم يسوع وتعليم البطاركة والأنبياء، والكنيسة الرسولية (بيدي)، لأن الكتاب المقدس هو الحقل الذي نبني فيه البيت على صـخـرة المسـيح (أوغسطين). يبني المسيحيون أنفسهم على أسس الفضائل؛ فالمسيح انتصر بحياته، وموته، وقيامته من أجلنا (أمبروسيوس).

المسـيـح هـو الـبـانـي، الـبـيـت هـو الكنيسة؛ والأساس محكم.
بيدي:
الرب إلى التمييز الحقيقي بين الثمر الطيب والثمر الخبيث من خلال تشبيه آخر. يقول: «كل من يأتي إلي ويسمع كلامي ويعمل به،
سأبين لكم من يشبه: يشبه رجلا بنى بيتا». هذا الرجل الذي يبني بيتا هو الوسيط بين الله والنّاس، أي يسوع المسيح، الذي تنازل ليبني ويكرس بيتا مقدسا ومحبوبا عنده، أي الكنيسة التي ستبقى إلى الأبد.
«فحفر وعمق، ثم وضع الأسـاس علـى الصخر»، لأنه جاهد لاستئصال كل النوازع الدنيئة الموجودة في قلوب مؤمنيه. عندما تزول آثـار الـعـادات الـشـقـيـمـة وتضمحل الأفكار الـعـقـيـمـة يجد المسيح بيتا راسخا وثـابتـا فـيـهـم هـو الصخر الذي وضع يشير الأساس عليه لبناء بيت من هذا التماسك. كما لا يفضل في بناء البيت شيء على الصخر الذي يوضع عليه الأساس، كذلك لا يفضل في الكنيسة المقدسة شيء على صـخـرهـا المـخـفـي فـي أعـمـاق قـلـبـهـا أي
المسيح.
«فلما فاضت المياه اندفع النّهر على ذلك البيت، فلم يقو على زعزعته لأنه بني بناء مـحـكـمـا». التفسير واضح: كثيرا ما تحل بالكنيسة ظروف وحالات مؤلمة، لكنّها لا تتزعزع. وإذا ما تغلبت الشياطين على بعض المؤمنين وأخضعتهم لها، فهذا دليل على أنهم لا ينتمون إلى هذا البيت. أما الذين اتخذوا موقفا مؤسسا على صخر الإيمان لا على تراب الكفر وعدم الإيمان، فإنهم لن يتزعزعوا. (الموعظة 25.2، على الأناجيل)

الكتاب المقدس هو حقل نبني فيه البيت على الصخر.
أوغسطين:
يقول الرب في الإنجيل إن السامع الحكيم لكلامه يجب أن يكون كرجل أراد أن يبني بيتا فحفر وعـمـق الحـفـر إلى أن وصل إلى الصخر…
لننظر إلى الكتاب المقدس كحقل نريد أن نبني عـلـيـه الـبـنـاء، لا نتكاسل أو نكتفين بالسطح، بل فلنحفر ونعمق الحفر إلى أن نـصـل إلـى الصـخـر: «والصـخـر كـان المسيح».( مواعظ على يوحنا 23. 1)

البيت المبني على أساس الفضائل.
أمبروسيوس:
يعلمنا أن أساس الفضائل هو طاعة الوصايا السماوية. فلا يتزعزع بيتنا المبـنـي عـلـى الأهـواء، عـنـد اعـتـداء الشر الروحي علينا، وعند هطول أمطار العالم، أو عندما يجادلنا أهل النحلة بحجج واهية مظلمة. (عرض القديس لوقا 5. 82)

زر الذهاب إلى الأعلى