طقس المعمودية عند الآباء بأجمعهم حسب خطوات قانون التعميد

من كتاب المعمودية: الأصول الأولى للمسيحية 
للأب متى المسكين

(ب) طقس المعمودية عند الآباء بأجمعهم حسب خطوات قانون التعميد([1])

1  جحد الشيطان والتعهُّد بالالتصاق بالمسيح والاعتراف بقانون الإيمان([2]) 

 

يُلاحَظ أن هذا الترتيب صحيح حيث يأتي في قانون التعميد جحد الشيطان والدهن بالزيت لإخراج الشياطين قبل النزول في الماء والعماد. فكان الطقس الجاري أن أثناء ما يكون الكاهن مشغولاً بدهن الموعوظين وجحد الشيطان، أنه يذهب الأسقف ويصلِّي على ماء المعمودية إعداداً لنزول الموعوظين بعد جحد الشيطان مباشرة للعماد.

 ثلاثة أمور مطلوبة من الموعوظ: النطق بصيغة رسمية لجحد الشيطان، ثمَّ الاعتراف بالإيمان بحسب قانون الإيمان المُسلَّم، والأمر الثالث التعهُّد بأن يحيا الموعوظ في طاعة المسيح تحت قوانين الكنيسة والديانة المسيحية. على أن هذه الأمور الثلاثة كان الموعوظون قد أدُّوها علناً في صحن الكنيسة والأسقف واضع يده عليهم في بداية تسجيل أسمائهم، ولكن كان عليهم أن يعودوا ويكرِّروها أيضاً أمام الشعب عند مجيئهم للعماد.

وصيغة هذا الجحد كتبتها تسجيلات: “المراسيم الرسولية Apostolic Constitutions” وهي هكذا مترجمة عن الأصل اليوناني:

+ [أنا أجحد الشيطان وكل أعماله وكل تعظُّماته وكل خدمته وملائكته واختراعاته وكل ما يتعلَّق به ويخضع له.]([3]) 

– والقديس كبريانوس يضيف: [جحد العالم] ويضم الشيطان والعالم معاً. وأيضاً عند القديس
أمبروسيوس حيث يجعل الجحد هكذا:

+ [أنت جحدت الشيطان وأعماله والعالم وكل عظمته ومسرَّاته.]([4]) 

– وأيضاً القديس جيروم:

+ [أنا أجحدك أيها الشيطان وكل تعظُّماتك وكل شرورك وعالمك الكائن في الإثم.]([5]) 

– وبعض الآباء يضيف ألعاب الشيطان البهلوانية والمشاهد والمسارح.

والعلاَّمة ترتليان([6]) يذكر أهم أعمال الشيطان وهي عبادة الأوثان.

– ولكن الأمر الذي يُحزن قلب الإنسان أن أعمال الشيطان أيام عبادة الأوثان لم تكن بهذا القدر الهائل كما هي في هذه الأيام التي نعيشها وفي جميع أنحاء العالم، بل دخلت البيوت عن طريق التلفزيونات بصورة فاحشة خرَّبت تربية الأجيال.

وفي أيام القديس كيرلس الأُورشليمي حينما بدأت عبادة الأوثان تتراجع كانت لا تزال أعمال الشيطان تملأ البلاد.

وعلى كل حال فإن بقايا جحد الشيطان لا تزال ضرورة في كل أنحاء العالم.

– على أننا نقرأ في رسائل بولس الرسول نصحاً يشير إلى هذا التعهُّد العلني في المعمودية، إذ يقول لتلميذه تيموثاوس: » جاهد جهاد الإيمان الحسن، وأمسِك بالحياة الأبدية التي إليها دُعيتَ أيضاً، واعترفت الاعتراف الحسن أمام شهودٍ كثيرين. «(1تي 12:6)

وظلَّت هذه الشهادة قائمة في الكنيسة يتكلَّم عنها جميع الآباء. ويعتبرها القديس باسيليوس من بين الطقوس السريَّة المسلَّمة في الكنيسة من تقليد الرسل. ويذكرها ق. بطرس في رسائله عند قوله: » سؤال ضمير صالح نحو الله «(1بط 21:3). هذا السؤال يسأله الأسقف للذي يتعمَّد ليعترف من جهة ضميره نحو الله.

كما يُلاحَظ بخصوص هذا الجحد أنه عند بناء المعموديات في الكنائس خصَّصوا غرفة ملاصقة لبيت المعمودية خاصة لجحد الشيطان وصارت عادة في جميع الكنائس. وكان يقف الموعوظون ووجوههم
متجهة نحو الغرب وحينئذ يجحدون الشيطان بحركات وأوضاع توضّح كراهية ومقاومة الشيطان.

– والقديس كيرلس الأُورشليمي في عظاته عن المعمودية للمستنيرين يصف ذلك:

+ [تأتون إلى الغرفة المجاورة للمعمودية وتتجهون نحو الغرب وتعطون الأمر لجحد الشيطان بمد أذرعكم نحوه بصورة من يتحدَّاه كأنه حاضر.]([7])  

– ثمَّ يستطرد في نفس العظة القديس كيرلس الأُورشليمي ويقول:

+ [نحو الغرب لأنه اتجاه الظلمة والشيطان لأنه هو نفسه ظلام فسلطانه أيضاً على الظلام. لهذا السبب أنتم تتجهون ناحية الغرب عندما تجحدون ملك الظلمة والرعب.]([8]) 

– أمَّا القديس جيروم فيقول:

+ [في الأسرار الكنسية (أقصد المعمودية) نحن نجحد أولاً متجهين ناحية الغرب ذلك الذي انفك عنا كما انفكت عنا خطايانا، ثمَّ ندور ناحية الشرق ونتعهَّد للرب شمس البر أن ندوم في خدمته.]([9]) 

– وأيضاً القديس أمبروسيوس وهو يخاطب المعمَّدين الجدد:

+ [عندما دخلتم بيت المعمودية وواجهتم عدوّكم الشيطان الذي جحدتموه، اتجهتم مرَّة أخرى نحو الشرق، لأن الذي يجحد الشيطان يصير له الحق أن يتجَّه ناحية المسيح.]([10]) 

– وأيضاً القديس غريغوريوس النزينزي يصف ذلك:

+ [وسوف تعلم من الكلام والإجراءات العملية كليهما أنك جحدت كل القوة الأثيمة (التي للشيطان) والتصقت بكل كيانك باللاهوت.]([11]) 

 ويصف كتاب منسوب لديونيسيوس الأريوباغي كيف كان المتقدِّمون للمعمودية يقفون عرايا، وباتجاههم نحو الغرب وبأذرعهم ممتدة إلى فوق كلها احتجاجات ضد الشيطان، ويصفِّقون بأيديهم بنوع من التحدّي والمقارعة وحتى البصق احتقاراً وتحدِّياً([12]).

 

وعلمنا أن جحد الشيطان يتكرَّر ثلاث مرَّات، وبعدها يتجهون ناحية الشرق مرفوعي الرأس والأيدي إلى فوق ليدخلوا في عهد المسيح. والثلاث مرَّات لمقابلة الثالوث الأقدس الذي أصبحوا له، وأصبح جحدهم للشيطان يقابله تعهُّدهم أمام المسيح.

وبعدها يقدِّمون عهد الطاعة للمسيح بأن يسلِّمون أنفسهم لقضاء المسيح والسلوك في تدبيره. وكان هذا هو أهم الأشياء المفروضة عليهم قبل أن يتقدَّموا للتجديد.

والبعض مثل ق. أوغسطينوس يطالبون بضرورة الأعمال الصالحة على مستوى المطالبة بالإيمان حتى يصيروا مسيحيين.

 والقديس يوستينوس يشرح إجراءات المعمودية ببساطة قائلاً إن المعمودية لا تعطى إلاَّ للذين يضيفون على اعترافهم بالإيمان تعهُّداً وقسماً بأنهم سيعيشون بمقضى فرائض المسيح([13]).

وهذا يتم بعد جحد الشيطان مباشرة وكخطوة ملازمة له.

فبعد أن يقول طالب المعمودية [أجحدك أيها الشيطان ‘Apot£ssoma… soi, Satan©] يقول في صيغة مقابلة وهو يتجه نحو الشرق: [وأنضم لك (أو ألتصق بك وأتعهَّد) أيُّها المسيح Sust£ssoma… soi, Cristš].

 ويشترك في ذكر هذه الكلمات وبنفس الصيغة كل من ذهبي الفم([14]) والقديس باسيليوس([15])، والقديس كيرلس الإسكندري([16]) والمراسيم الرسولية([17]).

والقديس أمبروسيوس يُسمِّي جحد الشيطان والتعهُّد للمسيح وعداً وارتباطاً أو ضمانة بكتابة خط يد، أو يسمِّيها قيداً وميثاقاً يُعطَى لله ليُسجَّل في سجلات السماء، لأنه عهد يُبرم في حضرة الكهنة والملائكة كشهود له([18]).

 

– وفي مكان آخر يكتب القديس أمبروسيوس:

+ [إنه مسجَّل ليس في مخلفات الأموات ولكن في كتاب الحياة.]([19]) 

– والقديس أوغسطينوس يسمِّي جحد الشيطان والتعهُّد للمسيح:

+ [اعترافاً أمام محكمة الملائكة.]([20]) 

– ويقول أيضاً:

+ [أمَّا أسماء الذين علَّموا الموعوظين فتُكتب في كتاب الحياة ليس بإنسان ولكن بالقوات السمائية.]([21]) 

– والقديس جيروم يدعو هذا التعهُّد:

+ [عهداً يُصنع مع شمس البر كوعد طاعة للمسيح.]([22]) 

غير أن في جحد الشيطان تكون وجوههم إلى الغرب، ولكن عند اتجاههم لعمل العهد مع المسيح يدورون نحو الشرق رمز النور الذي استلموه من شمس البر بالتحاقهم في خدمته.

أمَّا اتجاههم ناحية الشرق عندما يقدِّمون اعترافهم للطاعة للمسيح، فيذكره كل من القديسين: أمبروسيوس وغريغوريوس النزينزي وكيرلس الأورشليمي وديونيسيوس، ويقدِّمون لذلك سببين، الأول يقوله القديس كيرلس:

+ [لأن بمجرَّد جحدك للشيطان، ينفتح في الحال أمامك باب فردوس الله الذي غرسه شرقاً، الذي طُرد منه آدم أول جنسنا بسبب عصيانه.]([23]) 

وأمَّا السبب الثاني فهو لأن الشرق موضع الشمس والمسيح هو شمس البر (مل 2:4). ويقول في ذلك القديس أمبروسيوس:

+ [بعد ذلك اتجهتم نحو الشرق لأن مَنْ يجحد الشيطان يتجه في الحال نحو المسيح ويعاينه وجهاً لوجه.]([24]) 

 

الاعتراف بالإيمان:

ومع هذا التعهُّد بالطاعة يقدِّم كل واحد من الذين سيتعمَّدون اعترافه بالإيمان، ويكون دائماً بنفس كلمات قانون الإيمان الذي تسلِّمته كل كنيسة للمعمَّدين ليحفظوه. وكانوا معتادين أن يردِّدوه خاصة مع أنفسهم كموعوظين حتى يحفظوه ليقولوه بعد ذلك علناً في الكنيسة بعد أن يكونوا قد أعطوا أسماءهم لتُسجَّل للمعمودية. وكان عليهم أن يقوموا بتقديم هذا الاعتراف رسمياً عند المعمودية. ويجاوبون على الأسئلة التي تُطرح عليهم بخصوص أجزاء من قانون الإيمان يختارها الكهنة. وفي زمن القديس أوغسطينوس كان البعض يختزلون الاعتراف بالإيمان إلى جملة واحدة: “أنا أومن أن يسوع هو ابن الله” متخذين مَثَل القديس فيلبُّس في تعميد خصي الملكة كنداكة كما ورد في سفر الأعمال (37:8)، والقول الذي قاله بولس الرسول إلى أهل كورنثوس: «لأني لم أعزم أن أعرف شيئاً بينكم إلاَّ يسوع المسيح وإياهُ مصلوباً» (1كو 2:2). ولكن الكنيسة لم تكتفِ بذلك قط، بل كانت تباشر شرح بقية مفردات قانون الإيمان مع الأسئلة والإجابة عليها: بخصوص الروح القدس والكنيسة المقدَّسة، وغفران الخطايا وقيامة الأموات، وتجسُّد المسيح، وآلامه حتى الموت على الصليب، ودفنه وقيامته في اليوم الثالث، وصعوده إلى السموات وجلوسه عن يمين الآب. كل هذه كان محتَّماً أن يتعلَّموها، ولم تحذف الكنيسة أي شيء منها. وحتى في حالات المرضى وهم يعتمدون على سرير الموت فإذا لم يكونوا قادرين، كان ذووهم يقولون ويردِّدون عنهم حتى يكمِّلوا كل بنود قانون الإيمان. وسار هذا بكل دقة وحرفية منذ أيام الرسل. وعاد القديس أوغسطينوس يقول إن عماد فيلبُّس المبشِّر للخصي لم يُسجَّل في الكتاب بأكمله ولكن باختصار، ولكن معموديته أخذت وضعها الرسمي الكامل([25]). وجميع القديسين ردَّدوا نفس الكلام الحادث في ما قبلهم وفي زمانهم بنفس العقيدة. والقديس يوستين يقول إن الإقناع بحقائق الإيمان وبصحة التعاليم المسيحية كان أول شرط في قبول الموعوظين: [إن الذين يقتنعون ويؤمنون بأن التعاليم التي قلناها هي الحق ويتعهَّدون بالحياة بمقتضاها، نعلِّمهم …]([26]) 

 والقديس كبريانوس يؤكِّد أهمية قانون الإيمان في المعمودية، ويذكر بوضوح الأسئلة التي كانت تُسأل في ما يخص بعض بنود الإيمان مثل:

+ [هل يؤمنون بالحياة الأبدية وبغفران الخطايا في الكنيسة المقدَّسة؟]([27]) 

التي كانت باستمرار هي البنود الأخيرة في قانون الإيمان.

– وترتليان يوضِّح أركان قانون الإيمان في ما يخص الآب والابن والروح القدس والكنيسة
المقدَّسة كأهم الأسئلة التي يُسأل بها المعتمد
([28]). كذلك يوسابيوس يتلو كلمات قانون الإيمان في قيصرية قائلاً إنه نفس القانون الذي اعتمد هو بمقتضاه([29]). وقد استُخدم قانون مجمع نيقية في كل كنائس الشرق.

وكان من السهل أن نسجِّل هنا أقوال الآباء وشهاداتهم: أمبروسيوس، جيروم، كيرلس الإسكندري، كيرلس الأُورشليمي، يوحنا ذهبي الفم، غريغوريوس النزينزي، باسيليوس، إبيفانيوس، وكتاب المراسيم الرسولية، ولكن يتحتَّم أن نثق بالحقيقة أن كل الآباء قديماً كانوا يُعمِّدون بمقتضى قانون الإيمان بالكامل دون أي استثناء.

وكانت اعترافات الإيمان تعمل جهاراً في الكنيسة وسط الشعب بناءً على التعليمات الرسولية. تماماً كما يُسجّل عن تيموثاوس بقلم القديس بولس:

+ » جاهد جهاد الإيمان الحسن، وأمسِك بالحياة الأبدية التي إليها دُعيتَ أيضاً، واعترفت الاعتراف الحسن أمام شهودٍ كثيرين … أن تحفظ الوصية بلا دنس ولا لوم إلى ظهور ربنا يسوع المسيح. «(1تي 6: 12و14)

وهذا الاعتراف الحسن هو الاعتراف بالإيمان الذي قدَّمه تيموثاوس في المعمودية بشهود كثيرين، وهو نفس بنود الاعتراف الذي صار سارياً في الكنيسة في كل العصور. والقديس أفرآم السرياني يعلِّق على هذه الآية (1تي 12:6-14) بأنها تشير إلى الاعتراف العلني بالإيمان الذي يتم في المعمودية أمام شهود كثيرين([30]).

ويخبرنا القديس أوغسطينوس عن طقس اعتراف المعمودية الذي كان سارياً في روما في أيامه:

+ [كان المزمعون أن يتقدَّموا إلى النعمة (المعمودية) في روما يُطالَبُون بأن يقدِّموا اعترافهم بالإيمان علناً في مكان مرتفع أمام جميع الشعب المؤمن بكلمات محفوظة، ولكن الكهنة عرضوا على الخطيب فكتورينوس أن يقدِّم اعترافه على انفراد كما كانت العادة بالنسبة للأشخاص المعرَّضين أن يقشعروا من الخجل، ولكنه صمَّم أن يقدِّم اعترافه الخلاصي علناً في محضر من الجماعة المقدَّسة كلها.]([31]) 

 

أيدي وعيون مرفوعة نحو السماء:

ومن ضمن طقوس الاعتراف أن يكون المتقدِّمون للمعمودية ناظرين نحو الشرق وبأيدي وعيون مرفوعة نحو السماء، وكأنهم على صلة بالمسيح الذي سيدخلون في العهد معه، وربّهم الجالس على عرش مجده في السماء. فكما جحدوا الشيطان بأذرع ممدودة محتجَّة ومتوعِّدة، هنا على العكس يخاطبون المسيح بخضوع وتوسُّل وتودُّد بأيدي مبسوطة للأخذ باستعداد أن تعانقه.

يكرَّر ثلاث مرَّات:

ويكرَّر الاعتراف ثلاث مرَّات كما رأينا ذلك أيضاً في جحد الشيطان. والقديس كيرلس الإسكندري يقول في شرحه للآيات (يو 21: 15-17) حيث يسأل الرب ق. بطرس ثلاث مرَّات: «يا سمعان بن يونا أتحبني؟» ويجيب القديس بطرس ثلاث مرَّات: » يا رب أنت تعرف أني أحبك « [لذلك صارت العادة في الكنائس أن تطلب تكرار الاعتراف بالمسيح ثلاث مرَّات من الذين أحبوه وقرَّروا أن يتقدَّموا إلى المعمودية المقدَّسة.]([32]) 

– ويقول القديس أمبروسيوس:

+ [هكذا في الأسرار (يعني المعمودية) يتكرَّر السؤال والجواب إلى ثلاث مرَّات، ولا يتطهَّر أحد (أي لا يُعمَّد) إن لم يكرِّر اعترافه بالإيمان ثلاث مرَّات، وهكذا أيضاً بطرس سُئل ثلاث مرَّات في الإنجيل هل هو يحب الرب، حتى بمجاوبته ثلاث مرَّات تنفك عنه قيود الظلمة التي قيَّد نفسه بها بإنكاره الرب.]([33]) 

– والقديس أمبروسيوس في موضع آخر يقول:

+ [لقد سُئلت: أتؤمن بالله الآب الضابط الكل؟ أجبتَ: أومن، ثمَّ غطست في الماء أي دُفنتَ. ثُمَّ سُئلت أيضاً: أتؤمن بربنا يسوع المسيح وبصليبه؟ فأجبتَ: أومن، وغطست أيضاً. وهكذا دُفنت مع المسيح. لكن الذي يُدفن مع المسيح يقوم أيضاً مع المسيح. ثمَّ سُئلت مرَّة ثالثة: أتؤمن بالروح القدس؟ فأجبتَ أومن وغطست مرَّة ثالثة، وهكذا بالاعتراف المكرَّر ثلاث مرَّات غُفرت خطايا حياتك السابقة الكثيرة.]([34]) 

ويكرِّر بعد ذلك تشبيه ذلك ببطرس الرسول الذي بسؤاله ومجاوبته ثلاث مرَّات غُفرت خطية إنكاره.

 

ويكتبون ذلك بخط أيديهم:

وهناك مصادر تؤكِّد أن بعد إعطاء الاعتراف بالإيمان، يعودون ويسجِّلونه بخط أيديهم إن كانوا قادرين أن يصنعوا هذا في سجلات الكنيسة. وقد ذُكر هذا في بعض المكتوبات القديمة. فمثلاً القديس غريغوريوس النزينزي يقول عندما كان يحض المعمَّدين على أن يظلوا ثابتين على الإيمان الذي اعترفوا به في المعمودية بقوله:

+ [إذا أراد أحدهم أن يستولي على أفكاركم (لكي تكتبوا أسماءكم عنده)، قولوا له إننا قد سجَّلنا اعترافنا وما كتبناه قد كتبناه.]([35]) 

– والقديس أمبروسيوس يشير إلى ذلك عندما يقول للمعمَّدين:

+ [إن كتاب خط يدكم قد تسجَّل ليس في الأرض فقط بل وفي السماء أيضاً (…) لأنه إن كان جسد المسيح ههنا فالملائكة أيضاً حاضرون.]([36]) 

– والقديس أوغسطينوس يقول:

+ [إن أسماء الذين قدَّموا اعترافاتهم على المعمودية قد كُتبت في كتاب الحياة ليس بواسطة بشر فقط بل بقوات سمائية.]([37]) 

قيمة هذه المبادرات في توثيق حاسة المعمَّدين ليكونوا ثابتين في تعهُّدهم:

من كل ما سجَّلنا يتضح أن تدبير الكنيسة في هذه الخطوات هو لكي تجعل المعمَّدين ذوي حساسية تلقائية وقوية لطبيعة الديانة المسيحية، التي لا تسمح لأي موعوظ الدخول إلى الكنيسة والالتصاق بالمؤمنين بدون هذه الإجراءات الرسمية، مع الإحساس بالمسئولية تجاه الإيمان بالمسيح وطاعته التي اعترف من أجلها بالفم والكتابة، ليس فقط أمام الناس بل بحضرة الله والملائكة والقديسين. كان هذا هو الإنجاز الأعظم الذي مارسته الكنيسة لحسابهم ليكونوا ذا فاعلية في حياتهم. الأمر الذي تكلَّم عنه ذهبي الفم كثيراً موصياً المعمَّدين الجدد أن يكونوا دائماً متذكّرين عهودهم وهي في مخيلتهم، لكي يستخدموها تلقائياً وتكون دائماً كسلاح لهم ضد كل التجارب والمحاربات. كذلك يوبِّخ المسيحيين الذين يضعون القلادات والأحجبة في أجسادهم اتقاءً
للشرور والأمراض: [هل بعد الصليب وموت ربنا نعود ونضع ثقتنا في طواطم وثنية؟ أم تجهلون المعجزات التي صنعها الصليب؟ كيف أنه أبطل الموت وأطفأ الخطية وأفرغ الجحيم ممن كانوا فيه وحل قوة الشيطان؟ فهل لم يعد الصليب نافعاً ليشفي من مرض جسدي؟]
([38]) 

 

2 – المسحة بزيت الأكسورسزم (طرد الشياطين)

وعلامة الصليب قبل المعمودية

 

وهي المسحة التي تسبق المعمودية وهي تُعمل إعداداً للمعمودية، وتُجرى بعد الاعتراف بالإيمان مباشرة بحسب ما جاء في وثيقة المراسيم الرسولية. ولكن القديس كيرلس الأُورشليمي يضعها بين جحد الشيطان والاعتراف بالمسيح. وأمَّا القديس يوستين الشهيد فلم يذكرها ولا ترتليان، لأن المسحة التي يذكرها ترتليان في عظاته هي المسحة الرسمية التي تكون بعد المعمودية، أي المسحة بدهن الميرون المقدَّس للتثبيت مع وضع اليد لكي يستلموا الروح القدس. وهذا يكشف أن مسحة الزيت التي قبل المعمودية هي إلى حدٍّ ما أحدث في دخولها طقس المعمودية من مسحة الميرون بعد المعمودية.

والقديسون بعد ذلك كانوا واضحين جدًّا في ذكر مسحتين: واحدة قبل المعمودية وهي مسحة زيت الأكسورسزم، أي لطرد الأرواح النجسة، وهي بدهن أعضاء الجسم كله. وهذه المسحة الأُولى التي لطرد الشياطين تسمَّى مسحة الزيت المستيكي cr…sin mustikoà ™la…ou ، والمسحة الثانية بعد العماد وتسمَّى مسحة الميرون cr…sin mÚrou أو cr…sma وهي هبة لأن فيها بوضع اليد يستلم المعمَّد بعد التعميد الروح القدس. وفي البداية كان الأسقف هو الذي يُجري المسحتين، وكتاب المراسيم الرسولية يعطينا نص التكريس المستخدم بواسطة الأسقف، فقبل المعمودية يستخدم زيت الزيتون العادي، وينبغي على الأسقف:

+ [أن يدعو على الزيت باسم الله الآب غير المبتدئ أبي المسيح وملك كل الطبائع العاقلة، لكي يقدِّس الزيت باسم الرب يسوع ويمنحه نعمة روحية، وقوة مؤثِّرة حتى يكون نافعاً لمغفرة الخطايا ويعد المعمَّدين لتقديم اعترافهم، حتى أن الذي يُدهن به يصير خالياً من كل عدم تقوى ويستحق قبول المعمودية حسب
أمر الابن الوحيد.]
([39]) 

والذي يقوم بتكريس هذا الزيت هم الأساقفة فقط في كل قوانين المجامع المقدَّسة، وسنرى ذلك بالأكثر حينما نأتي إلى ذكر تكريس زيت مسحة الميرون.

والزيت الأول يُسمَّى في كتاب المراسيم الرسولية: الزيت السرائري mystical oil والمسحة الثانية التي بعد العماد وهي للتثبيت تسمَّى المسحة السرائرية mystical chrism. وكان مَنْ يدهن بزيت إخراج الشياطين المُصلَّى عليه إمَّا أسقف موهوب أو كاهن أو حتى شمَّاس مقتدر في إخراج الأرواح الشريرة أو حتى واحد من عامة الشعب يُرسم خصيصاً لإخراج الشياطين – فكان بمجرَّد الصلاة على الموعوظ فإن كان به لمسة شيطان يخرج منه الشيطان بصراخ. فكان طقس جحد الشيطان عملاً هاماً وخطيراً ومخفياً يهابه كافة الناس.

– والقديس كيرلس الأُورشليمي يتكلَّم عن المسحة الأولى فيقول:

+ [بعدما خلعتم ملابسكم دُهنتم ابتداء من شعر رؤوسكم حتى أقدامكم بهذا الزيت الذي للاكسورسزم أي لإخراج الأرواح النجسة  حتى أنكم بذلك صرتم أهلاً أن تشتركوا في الزيتونة الطيبة فصرتم شركاء في دسم الزيتونة الحقيقية. لذلك فإن زيت الأكسورسزم كان رمزاً لاشتراككم في دسم المسيح. وأيضاً كما أن النفخ على من به روح نجس بواسطة أشخاص قديسين واستدعاء اسم الله عليه يكونان كلهيب نار محرقة تطرد الشياطين لتفرّ منه، هكذا أيضاً زيت الأكسورسزم هذا باستدعاء الله وبالصلاة قد اكتسب هذه القوة، ليس فقط ليحرق ويطرد كل آثار الخطية، بل ليطرد أيضاً كل قوات الشر غير المنظورة.]([40]) 

– والقديس أمبروسيوس يقارن ذلك بدهن جسم المصارعين قبل أن يدخلوا حلبة الصراع:

+ [أنت أتيت إلى المعمودية … ومُسحت كبطلٍ للمسيح لتحارب حرب العالم.]([41]) 

– وهناك نص منسوب إلى يوستين الشهيد يقول مميِّزاً بين المسحتين:

+ [المعمَّدون يُمسحون أولاً بالزيت القديم حتى يكونوا مسحاء الله. ولكنهم بعد ذلك يُمسحون بالميرون
الكثير الثمن بعد المعمودية، تذكاراً لذلك الذي اعتبر دهنه بطيب الناردين تكفيناً له!]
([42]) 

– وشهادة ذهبي الفم لهذه المسحة:

+ [إن المتقدِّم للمعمودية يُمسح كما يُمسح المصارعون قبل أن يدخلوا حلبة المصارعة، فهو لا يُمسح على الرأس فقط مثل كهنة العهد القديم ولكن بفيض أكثر. فإن الكاهن قديماً كان يُمسح فقط على الرأس والأُذن اليمنى واليد (لا 8: 23و24) ليتعلَّم الطاعة والأعمال الصالحة، ولكن هذا (المعمَّد) يُمسح على كل جسمه لأنه لم يأتِ فقط ليتعلَّم بل ليصارع ويدرِّب نفسه وينتقل إلى خليقة أخرى!]([43]) 

علامة الصليب (وليس الختم):

الرشم بعلامة الصليب هنا قبل المعمودية هو غير علامة الصليب الرسمية التي يأخذها المعمَّد على جبهته بيد الأسقف نفسه في نهاية المعمودية، وتُسمَّى الختم sfrag…j.

– والكتاب المنسوب لديونيسيوس الأريوباغي يقول:

+ [الأسقف يبتدئ بأن يرشم (المعمَّد بعلامة الصليب) ثلاث مرَّات ثمَّ يرسله للكهنة لكي يدهنوا جسمه كله. بينما يذهب الأسقف إلى المعمودية ليقدِّس الماء.]([44]) 

نكتفي بهذا لأن كثيراً من شهادات الآباء جاءت متداخلة بين المسحة الأُولى والمسحة الثانية وسوف نفرد مقالة خاصة للمسحة الثانية: مسحة التثبيت أي الختم بعد العماد.

 

3  تقديس ماء المعمودية للتعميد

 

بعد انتهاء الأسقف من مسحة زيت الأكسورسزم واعتراف المعمَّدين وجحدهم للشيطان وتوثيق العهد مع المسيح، يترك المعمَّدين بيد الكهنة ويذهب هو لبيت المعمودية ليكرِّس ويقدِّس ماء المعمودية ويجعله جاهزاً للميلاد الثاني، كما قرأنا في الكتاب المنسوب لديونيسيوس:

+ [بينما يكمِّل الكهنة مسح المعمَّد على جميع أجزاء جسمه يذهب الأسقف ويأتي إلى “أم التبني ” ™pˆ t¾n mhtšra tÁj uƒoqes…aj (هكذا يدعون جرن المعمودية)، وبواسطة الاستدعاء يُقدِّس الماء
وهو يصب من دهن الميرون على هيئة صليب.]
([45]) 

– والاستدعاء على الماء هو لتكريسه بالصلاة بالاسم، ويذكره ترتليان:

+ [يُحسب الماء أنه سر التقديس بالدعاء باسم الله عليه، فالروح ينزل مباشرة من السماء ويستقر على الماء يقدِّسه بنفسه والماء يتقبَّل طبيعة قوة التقديس.]([46]) 

– والقديس كبريانوس يُعلن:

+ [إن الماء يجب أن يتقدَّس أولاً بواسطة الأسقف لتكون فيه القدرة على أن يغسل الخطايا بواسطة المعمودية.]([47]) 

– كذلك مجمع قرطاجنة المعاصر للقديس كبريانوس يقرِّر:

+ [إن الماء يتقدَّس بصلاة الكاهن ليغسل الخطية.]([48]) 

– والقديس أوغسطينوس يذكر تقديس الماء بواسطة الاستدعاء:

+ [إن الاستدعاء يُستخدم سواء لتكريس الماء في جرن المعمودية أو لتقديس الزيت للمسحة أو في الإفخارستيا أو في وضع اليد. وتصبح الأسرار سارية المفعول بالاستدعاء حتى وإن كان الذي يباشرها إنساناً خاطئاً.]([49]) 

– صلاة قديمة يقدِّمها كاتب المراسيم الرسولية بعنوان: “صلاة شكر تُقال على الماء السرِّي (مستيكي)”:

+ [فالأسقف يبارك ويمجِّد الرب الإله القادر على كل شيء أبا الابن الوحيد، يعطيه الشكر لأنه أرسل ابنه ليتجسَّد من أجلنا حتى يخلِّصنا، واحتمل التأنُّس صائراً مطيعاً في كل شيء، كارزاً بالملكوت وغفران الخطايا وقيامة الأموات. ثمَّ يقدِّم العبادة اللائقة للابن الوحيد الإله معطياً الشكر من أجله للآب لأنه احتمل أن يموت من أجل الجميع على الصليب تاركاً لنا مثالاً لهذا الموت في معمودية الميلاد الجديد. ثمَّ إنه يمجِّد الله سيد الكل لأنه في اسم المسيح وبالروح القدس لم يرذل جنس البشر بل أظهر في الأزمنة
المختلفة عنايته المتنوعة من نحوناً. فأولاً أعطى آدم سكنى الفردوس ليتنعَّم، ثمَّ أعطاه الوصية بسبب عنايته به، ولمَّا أخطأ طرده كما استحق، ولكن بحسب صلاحه لم يطرحه نهائياً ولكنه أدَّب ذريته بوسائل كثيرة. وأخيراً في نهاية الدهر أرسل ابنه ليكون إنساناً من أجل البشر وأخذ على نفسه كل مشاعر الإنسان ما عدا الخطية وحدها. ثمَّ بعد هذا الشكر يطلب الكاهن من الله من أجل المعمودية فيقول:

انظر من السماء وقدِّس هذا الماء. أعطه النعمة والقوة حتى أن كل مَنْ يعتمد فيه بحسب وصية مسيحك يُحسب مصلوباً مع المسيح ومائتاً معه ومدفوناً معه وقائماً معه للتبني الذي بواسطته حتى إذ يموت للخطية يحيا للبر.]([50]) 

استخدام الزيت ورسم الصليب في تقديس الماء:

ومع صلاة التكريس للماء هذه كانت تُستخدم إشارة الصليب ليس على الأشخاص الذين سيُعمَّدون – كما سبق – ولكن من أجل تكريس الماء، وهذا يصفه القديس أوغسطينوس:

+ [إن ماء المعمودية كان يرسم عليه رسم صليب المسيح.]([51]) 

الأثر والتحوُّل في ماء المعمودية بعد تقديسه:

وقد لاحظت في أقوال الآباء اعتقادهم بأن ما يحدث لماء المعمودية بعد التقديس هو نفسه الذي يحدث في تقديس الخبز والخمر في الإفخارستيا، لأنهم لا يقولون فقط بحلول الروح القدس على الماء، ولكنهم يعتقدون بحضور دم المسيح حضوراً مستيكياً في الماء بعد التقديس.

– فالقديسان غريغوريوس النزينزي([52]) وباسيليوس الكبير([53]) يقولان عن ماء المعمودية:

+ [ههنا أعظم من الهيكل وأعظم من سليمان وأعظم من يونان] أي المسيح بحضوره المستيكي وقوة دمه.

– والقديس أوغسطينوس يقول:

+ [البحر الأحمر كان إشارة إلى معمودية المسيح. ولكن كيف تُحسب معمودية المسيح حمراء إلاَّ لكونها تقدَّست بدم المسيح؟!]([54]) 

 

– والقديس جيروم يشرح قول إشعياء النبي: «اغتسلوا تنقَّوا …» (إش 16:1) بأنه يعني:

+ [اعتمدوا في دمي بمعمودية الميلاد الثاني.]([55]) 

– والقديس كيرلس الإسكندري يقول في تعليقه على نجاة بني إسرائيل بدم خروف الفصح:

+ [نحن في المعمودية نصير شركاء للحَمَل الروحاني.]([56]) 

– كذلك القديس غريغوريوس النزينزي يقول:

+ [إن كنت تتقوَّى بهذا الختم وتتسلَّح بأفضل وأقوى المعونات بمسح جسمك ونفسك كليهما بهذه المسحة، كما تمَّ لبني إسرائيل في القديم بدم الخروف البكر الذي حفظهم، فأي شيء يمكن أن يضرك؟]([57]) 

– والقديس يوحنا ذهبي الفم يقول للذين سيُعمَّدون:

+ [إنكم ستأخذون الحلة الملوكية! إنكم ستلبسون الثوب البرفيري الأحمر المغموس في دم السيد!]([58]) 

– وأيضاً يقول للذي سيقبل العماد:

+ [إنك في الحال ستأخذ الرب داخلك، ستتحد بجسده، ستلتصق بذلك الجسد الكائن في العلا حيث لا يقرب منك شيطان.]([59]) 

– والقديس كيرلس الإسكندري يقول:

+ [بقوة الروح القدس فإن الماء الطبيعي المحسوس “يتحوَّل في صميم طبيعته ¢nastoiceioàtai” إلى قوة إلهية غير منطوق بها.]([60]) 

– ويقول أيضاً القديس كيرلس الإسكندري بالتحوُّل Transelementation = metastoice…wsij بالنسبة لخبز وخمر الإفخارستيا. وهذا الاصطلاح هو الذي أخذته الكنيسة وعلماء اللاهوت بعد ذلك ونطقوه transubstantiation أي تحوُّل الطبيعة وهو
الحاصل في خبز وخمر الإفخارستيا المتحوِّلان بالتقديس إلى جسد المسيح ودمه. فهو هنا يقول بتحوُّل طبيعة الماء لتكون طبيعة حيَّة إلهية لها القوة والقدرة بالروح القدس والاستدعاء بالاسم لتُخرج بنين أي تلد، بمعنى أن يصير ماء المعمودية له قدرة على الولادة بالروح القدس كما قال المسيح تماماً: «تولدوا من الماء والروح».

– والقديس كيرلس الأُورشليمي يقول هذا ولكن بالنسبة للزيت أنه بعد الاستدعاء والتقديس يتحوَّل بمثل ما يتحوَّل الخبز والخمر في الإفخارستيا:

+ [احترس من أن تحسب هذا الدهن دهناً عادياً، لأنه كما أن الخبز في الإفخارستيا بعد استدعاء الروح القدس لم يعد بعد خبزاً ساذجاً بل جسداً للمسيح، هكذا هذا الدهن (الميرون) المقدَّس بعد الاستدعاء لم يعد دهناً ساذجاً أو عادياً، بل قد صار عطية المسيح، وقد صار قادراً بحلول الروح القدس عليه أن يمنح شركة في الطبيعة الإلهية.]([61]) 

– ويشترك معه القديس غريغوريوس النيسي بقول مشابه لذلك([62]).

 

4  العماد([63])

 

العماد بالانغمار أي الغطس = Immersion، وكان هو الطقس الجاري منذ بدء المعمودية في كافة الكنائس، لأن المعمودية طقسها وروحها وفلسفتها اللاهوتية هي الموت والدفن مع المسيح ثمَّ القيامة مع المسيح، وذلك تعبيراً عن موتنا للخطية وقيامتنا للبر.

أمَّا ضرورة خلع الملابس فهو تمَّ بحسب طقس وترتيب دهن زيت مسحة الأكسورسزم، حيث يلزم أن يتعرَّى الموعوظ كاملاً للمسح بالزيت في كل أعضائه وذلك في غرفة مظلمة، التي فيها يجحد الشيطان ويصنع عهداً مع المسيح للالتحاق في خدمته وطاعته والعمل بوصاياه. فبعد مسحة الزيت لإخراج الشيطان وبعد جحد الشيطان والتعهُّد بالالتصاق بالمسيح، يُقاد إلى جرن المعمودية
حيث ينزل إلى الماء. وكان خلع ملابس الموعوظ لجحد الشيطان ومسحة الزيت تعبيراً عن خلع جسم خطايا البشرية (كو 11:2).

وإذ ينزل الموعوظ بعد مسحة الأكسورسزم إلى الماء يرشده الكاهن كيف يغطس تحت الماء برأسه وكل جسمه، وطبعاً تستثنى حالات المرض والعجز، فكان يُستخدم دفق الماء على الرأس أو الرش.

– والقديس ذهبي الفم يتكلَّم عن العري قبل النزول إلى المعمودية فيقول:

+ [يصيرون عرايا في حضرة الله مثل آدم، غير أن آدم تعرَّى لأنه أخطأ (أي تعرَّى من النعمة)، أمَّا هنا (في المعمودية) فالإنسان يتعرَّى ليخلع عنه الخطايا التي لبسها. فالأول خلع المجد الذي كان له، ولكن الآخر يخلع إنسانه العتيق بسهولة مثلما يخلع ملابسه.]([64]) 

– والقديس أمبروسيوس يقول:

+ [يأتون عرايا إلى المعمودية كما جاءوا عرايا إلى العالم  فكيف يكون مُخجلاً أو غير لائق أن الإنسان كما وُلِد عرياناً يُعمَّد عرياناً ثمَّ يذهب إلى السماء غنياً!]([65]) 

– والقديس كيرلس الأُورشليمي يقول:

+ [أول ما دخلتم إلى داخل المعمودية (غرفة داخلية) خلعتم ملابسكم، الذي هو رمز خلع الإنسان العتيق مع أعماله، وهكذا وقفتم عرايا بشبه المسيح على الصليب الذي بعريه «جرَّد الرياسات والسلاطين وأشهرهم جهاراً ظافراً بهم في الصليب» (كو 15:2) … فأنتم صرتم عرايا في منظر الناس ولكن غير خجلين كالإنسان الأول آدم الذي كان عرياناً في الفردوس (قبل السقوط) ولم يخجل.]([66]) 

ولا نجد في التقليد أي استثناء من هذا العري قبل العماد: رجالاً أو نساءً أو أطفالاً، ما عدا المرضى. ولكن بالرغم من ذلك لم يكن في الكنائس عدم لياقة في هذا الأمر قط، لأن الأعمال الجارية في المعمودية مقسَّمة قسماً للرجال وقسماً للنساء، كما أن معمودية الرجال كانت في موعد خاص غير موعد النساء.

المعمودية كانت بالغطس:

الأشخاص الذين يذهبون إلى جرن المعمودية (وكان عادة عميقاً يمكن للرجل البالغ إذا طأطأ
رأسه قليلاً أن يكون مغموراً كله بالماء) كانوا ينزلون إلى جرن المعمودية. فإذا أُعطوا الأمر بذلك يخفضون رؤوسهم لتكون تحت سطح الماء. وبولس الرسول تكلَّم كثيراً عن الدفن في الماء لنشترك في دفن المسيح: » فدفنَّا معه بالمعمودية للموت حتى كما أُقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضاً في جدة الحياة «(رو 4:6)، وأيضاً: » مدفونين معه في المعمودية التي فيها أُقمتم أيضاً معه بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات «(كو 12:2). فكان هذا الإجراء بالدفن في الماء تحت سطح الماء إلى لحظة، إجراءً رتَّبه الآباء الرسل وصار نظاماً عاماً للكنيسة. وكاتب المراسيم الرسولية يقول:

+ [إن المعمودية تُعطَى في موت الرب يسوع (رو 3:6 اعتمدنا لموته) والماء يماثل الدفن معه.]([67]) 

– وذهبي الفم يتكلَّم عن الغطس كشركة في الدفن مع المسيح بل وفي نزوله إلى الجحيم:

+ [حينما نعتمد وننغمر تحت الماء ثمَّ نصعد مرَّة أخرى من الماء فهذا يشير إلى نزولنا مع المسيح إلى الجحيم ثمَّ صعودنا معه من هناك. ولذلك أيضاً دعا بولس الرسول المعمودية دفناً قائلاً: «فدفنا معه بالمعمودية للموت» (رو 4:6).]([68]) 

– وفي مكان آخر يقول:

+ [عندما نُغطِّس رأسنا تحت سطح الماء وكأنها في قبر، يكون إنساننا العتيق قد دُفن، وعندما نقوم ثانية يكون الإنسان الجديد هو الذي قام.]([69]) 

– القديس كيرلس الأُورشليمي يجعلها رمزاً للروح القدس المنسكب على الرسل:

+ [وكما أن الذي يغطس في الماء ويعتمد يحوطه الماء من كل جهة، هكذا اعتمد الرسل كليةً بالروح القدس. وإن كان الماء يحيط بخارج الإنسان فقط، فالروح القدس يعمِّد النفس أيضاً في الداخل بطريقة كاملة.]([70]) 

– ويقول القديس أمبروسيوس:

+ [أنت سُئلت هل تؤمن بالله الآب الضابط الكل؟ فأجبت أنا أومن وبعدها غطست في الماء أي دُفنتَ.]([71]) 

 

ثلاث غطسات بالضرورة:

الغطس تحت الماء الذي هو الصورة الأساسية للعماد يتكرَّر ثلاث مرَّات. ويقول ترتليان عن الجاري في أيامه:

+ [نحن لا نغطس مرَّة واحدة بل ثلاث مرَّات بأسماء الثالوث الأقدس.]([72]) 

– والقديس أمبروسيوس واضح في هذا الأمر:

+ [قد سئلت: هل تؤمن بالله الآب الضابط الكل؟ فأجبت: أنا أومن، ثمَّ غطست في الماء أي دُفنت، ثمَّ سُئلت أيضاً: هل تؤمن بيسوع المسيح ربنا وبصليبه؟ فأجبت: أنا أومن، وغطست أيضاً وهكذا أنت دُفنت مع المسيح، ولكن الذي يُدفن مع المسيح يقوم مع المسيح، ثمَّ سُئلت مرَّة ثالثة: أتؤمن بالروح القدس؟ فأجبت: أومن، وحينئذ غطست ثالث مرَّة. وهكذا باعترافك المكرَّر ثلاث مرَّات غُفرت خطايا حياتك السابقة الكثيرة.]([73]) 

هناك سببان لهذا الإجراء: الأول ليمثِّل دفن المسيح ثلاثة أيام وقيامته في اليوم الثالث، والأمر الثاني لكي يوضِّح ويمثِّل الاعتراف بالإيمان بالثالوث الأقدس الذي باسمه يعتمد الموعوظ. أمَّا السبب البديع الذي قاله القديس كيرلس الإسكندري فهو أن التكرار ثلاث مرَّات هو للتشبُّه بالرب يسوع بعد القيامة حينما سأل ق. بطرس ثلاث مرَّات: » أتحبني يا بطرس «فأجاب القديس بطرس لثلاث مرَّات: » أنت تعلم يا رب إني أحبك « فهنا التكرار ثلاث مرَّات تدبير إلهي لتثبيت اعتراف الشخص أنه يؤمن ويُحب.

– والقديس جيروم يقول:

+ [إننا نغطس في الماء ثلاث مرَّات إظهاراً لسر الوحدة في الثالوث … فمع أننا نغطس ثلاث مرَّات في الماء إشارة إلى الثالوث لكن تُحسب المعمودية واحدة.]([74]) 

 

 

5  مسحة دهن الميرون  الختم المقدَّس sfrag…j

(سر التثبيت عند اللاتين)

 

بعد خروج المعمَّد من مياه المعمودية مباشرة يقدِّمونه للأسقف لينال البركة، وهي عبارة عن صلاة مهيبة من أجل حلول الروح القدس على المعمَّد، ويتصل بهذه الصلاة عادة الاحتفال بالمسحة الثانية ووضع اليد ورسم الصليب، وهذه العملية كلها تُدعى: “المسحة cr‹sma”. “ووضع اليد ceiroqes…a” (الشرطونية)، وعلامة الصليب للختم sfrag…j، وهي أسماء هامة ومتداولة في الكنيسة منذ القدم. أمَّا كلمة: “تثبيت” فهي كلمة حديثة من اختراع الكنيسة اللاتينية Confirmation، وهي كلها لا تخرج عن معنى صلاة الأسقف لحلول الروح القدس على المعمَّد الجديد – وكانت تمارس مع المعمودية وبعدها مباشرة. إلاَّ في حالة مرض أو لغياب الأسقف، ويقول ق. جيروم: إن العادة المتبعة أن الأساقفة يذهبون ليصلُّوا من أجل حلول الروح القدس على المعمَّدين الجدد([75]). وبسبب تهرُّب الأساقفة من هذه المهمة أصدرت المجامع قوانين مشدَّدة على الأسقف أن يمارس هذه الخدمة الأساسية التي من اختصاصه فقط، ولكن الإهمال أنهى على كل هذا التقليد.

– ويقول ترتليان بصراحة:

+ [عند خروج المعمَّدين من الماء كانوا يُدهنون بزيت التكريس، ثمَّ ينالون وضع اليد مع استدعاء الروح القدس ليحل بواسطة هذه البركة.]([76]) 

– والقديس كيرلس الأُورشليمي يقول:

+ [عندما خرجتم من بركة المياه المقدَّسة أُعطيت لكم المسحة cr‹sma بمثال مسحة المسيح التي هي بالروح القدس، والتي تنبَّأ عنها إشعياء المبارك قائلاً بفم الرب: «روح السيد الرب عليَّ لأن الرب
مسحني» (إش 1:61).]
([77]) 

– كذلك يذكرها كاتب المراسيم الرسولية وهو يصف احتفالات المعمودية، ويوصي أن يقوم بها الكاهن:

+ [بعد أن يكون عمَّده باسم الآب والابن والروح القدس فليمسحه بالميرون cris£tw mÚrJ قائلاً الصلاة التالية … لأن هذه هي فاعلية وضع اليد.]([78]) 

– كما نجد في حياة ق. باسيليوس كيف أن مكسيموس الأسقف الذي عمَّدَ ق. باسيليوس وشخصاً يُدعى Eubulus معه ألبسهما في الحال الثياب البيضاء ودهنهما بالمسحة المقدَّسة Chrism وأعطاهما المناولة([79]).

– كذلك القديس أمبروسيوس يذكر ذلك عند وصفه طقوس المعمودية([80]).

هذا الطقس السرائري يُجرى على الكبار والأطفال الصغار:

لم يكن هذا الطقس خاصاً بالكبار فقط، بل وكان يسري على الأطفال الصغار الذين كانوا يقبلون التثبيت بوضع اليد والمسحة المقدَّسة حالاً بعد أن يعتمدوا. ويقول جناديوس إنهم كانوا بعدها يُعطَون الإفخارستيا.

+ [إذا كان المعمَّدون أطفالاً فليجاوب عنهم الذين يقدِّمونهم بحسب طقس المعمودية المعتاد، ثمَّ يثبِّتونهم بوضع اليد والمسحة Chrism ويسمحون لهم بتناول الإفخارستيا.]([81]) 

– والقديس أوغسطينوس يقول إنه كان يمارس بنفسه وضع اليد للتثبيت بالنسبة للكبار والأطفال لينالوا الروح القدس([82]).

والدليل القاطع على تثبيت الأطفال بوضع اليد والمسحة المقدَّسة هو تناول الأطفال من الإفخارستيا مثل الكبار بطول الزمن في جميع الكنائس.

 

سر التثبيت لا يُحسب سرًّا قائماً بذاته منفصلاً عن المعمودية:

حدث أن القدماء أحياناً دعوا عملية مسح الميرون المقدَّس للمعمَّد “سرًّا” على أنهما هي والمعمودية سرَّان. وهذا راجع إلى أن كل احتفال لاستدعاء الروح كان يُحسب سرًّا – ولكن الانغماس في الماء بالغطس ومعه المسحة المقدَّسة بدهن الميرون كانا يُسمَّيان معاً بالمعمودية على اعتبار أن المعمودية فيها عدَّة أسرار مقدَّسة. وفي مجمع قرطاجنة تحت رئاسة القديس كبريانوس قال أحد الأساقفة:

+ [لا يكفي للناس أن يتجدَّدوا فقط بوضع اليد لقبول الروح القدس، ولكن يتحتَّم أن يولدوا ثانية بواسطة السرَّين في الكنيسة الجامعة.]([83]) 

وهكذا فإن غسل الماء ووضع اليد، الاثنان معاً يكمِّلان السر Sacrament أي الطقس المقدَّس الذي للخليقة الثانية. والقديس كبريانوس نفسه يقول:

+ [كلا السرَّين لازمان معاً ليصير الناس بهما أبناء الله ولتكميل تقديس الإنسان.]([84]) 

 وهنا يقصد بكلمة كلا السرَّين الصلاة التي قيلت في كل من المعمودية والتثبيت.

– لذلك نجد أن إيسيذوروس أسقف سفيللا (سنة 632م) يقول :

+ [هناك أربعة أسرار في الكنيسة: المعمودية ومسحة الميرون وجسد المسيح ودم المسيح.]([85]) 

فكما يُقال عن الإفخارستيا وهي سر واحد أن بها سرَّين سر الجسد وسر الدم، هكذا في المعمودية سر الغسل وسر المسحة: هما سرَّان في معمودية واحدة.

أول أخبار المسحة المقدَّسة للتثبيت وصلتنا:

– يُعتبر ترتليان (160-225م) أول مَنْ أخبر عن طقس المسحة المقدَّسة:

+ [بمجرَّد أن نخرج نحن من ماء المعمودية نُمسح بالمسحة المقدَّسة، وبعدها ننال وضع اليد باستدعاء الروح القدس بصلاة بركة (Benediction).]([86]) 

أمَّا أصل هذه المسحة ومتى استُخدمت لأول مرَّة فأمرها مجهول في تاريخ الكنيسة التقليدي – ولكن عندنا نحن الأقباط يوجد تقليد متوارث يحبِّذه العقل ويتحمَّس له الفكر والقلب، وهو أن
الميرون المقدَّس المستخدم الآن في الكنيسة القبطية في سر التكريس والتثبيت هو أصلاً حنوط جسد الرب: “مزيج مر وعود نحو مئة مناً” التي أحضرها يوسف الرامي ونيقوديموس بكثرة ودهنا بها الجسد كله ولفَّاه بكتَّان نقي وأوسدا الجسد القبر. والحاصل أن المسيح قام وترك اللفائف كما هي وتحتها كل الحنوط التي كانت ملاصقة للجسد. أين ذهبت، ومَنْ احتفظ بها؟ هنا يتبادر إلى الذهن أنها أُخذت إلى العلية وكانت أثمن كنز حسِّي ورثته الكنيسة وظلَّ يتقاسمه الرسل ومن بعدهم الآباء الرسوليين لخدمة الأسرار في الكنيسة.

وقد استلمت الكنيسة من مصادر سريَّة كيفية عمل هذه الأطياب نفسها، وكانت تضيف القديم على الجديد. ويقول أحد الآباء القدامى المدعو ثاوفيلس الأنطاكي – وهو مدافع عن الإيمان من الطراز الأول من القرن الثاني، وهو أول مَنْ استخدم كلمة الثالوث في الكنيسة عن الله – هذا القديس قال:

+ [نحن نُدعى مسيحيين لأننا نُمسح بزيت الله.]([87]) 

ويعتبر الآباء أن المسحة هي روحية وسريَّة (مستيكال) وهي أداة سببية لأثار ضخمة. فأصالة تكريس هذه المسحة يجعلها ذات آثار ضخمة في التأثير المباشر على ماء المعمودية وعلى المعمَّدين، مما جعل القديس كيرلس الأُورشليمي يعتبر أن مادة الزيت فيها متحوّلة بشبه ما يتحوَّل الخبز والخمر في الإفخارستيا – كما رأينا سابقاً (انظر صفحة 202) – والآباء يعتبرون هذه المسحة تكميلاً للمعمودية، فهي تعطيها القوة لتجعل كل مسيحي شريكاً في الكهنوت الملوكي. هذا ما قاله القديس أمبروسيوس([88]) وأيضاً القديس جيروم([89]) وآخرون. ولهذه المسحة يُعزى تثبيت النفس بقوة الروح القدس ونعمته، هذا من جهة عمل الله المباشر، وتعطي القدرة على الاعتراف والشهادة والتعليم والمحاجاة. وكتاب المراسيم الرسولية يقول عنها:

+ [إن هذا الميرون mÚron يُعتبر تثبيتاً للاعتراف بالإيمان.]([90]) 

+ [وأمَّا الميرون فهو ختم sfrag…j لتعهُّدات المؤمن (بالالتصاق بالمسيح).]([91]) 

 

نص صلاة المسحة بالميرون المقدَّس:

– النص المختصر بحسب قانون مجمع القسطنطينية، يقول الأسقف وهو يمسح المعمَّد بالميرون المقدَّس:

+ [ختم وعطية الروح القدس Sfragˆj dwre©j PneÚmatoj `Ag…ou.]([92]) 

ولكن هناك صيغة أخرى مطوَّلة يذكرها كاتب المراسيم الرسولية هكذا تحت عنوان “صلاة شكر تُقال عند المسح بالميرون المقدَّس”:

+ [أيها الرب الإله غير المولود الذي لا يعلوه أحد وهو رب الكل، الذي نشر معرفة الإنجيل رائحةً طيبةً بين الأُمم، امنح أن تكون هذه المسحة ذات فعالية في هذا المعمَّد حتى تثبت فيه رائحة مسيحك الذكية، وحتى أنه كما مات الآن مع المسيح يقوم أيضاً معه.]([93]) 

ختم الصليب sfrag…j:

مع هذه المسحة يرشمون المعمَّد بعلامة الصليب. وقد تغلغل هذا الطقس في المفهوم اللاتيني حتى أنهم سمُّوا سر التثبيت على اسم هذه العلامة التي تُسمَّى عندهم Consignation والتي بلغت من الأهمية حتى أن طقس المسحة كله دُعي أحيانا بهذا الاسم بدلاً من Confirmation والمقابل في الكنيسة اليونانية وهو أقدم كلمة sfrag…j التي تعني الختم بعلامة الصليب.

وضع اليد:

وهو الطقس الأكثر أهمية والأكثر قدماً وتأصُّلاً في الكنيسة لتسليم الروح القدس. ويستخدم وضع اليد في مناسبات عديدة أهمها التثبيت وإعطاء الحل للتائبين والرسامات الكهنوتية. واعتبر وضع اليد عند اللاتين أهم طقس في سر التثبيت، ولكن ليس هكذا بين اليونان الذين عندهم تأخذ المسحة المقدَّسة الأهمية الأُولى. غير أن كاتب المراسيم الرسولية وفي نفس الصفحة التي يتكلَّم فيها عن صلاة المسحة المقدَّسة يرفقها مباشرة بوضع اليد:

+ [هذه هي قوة وضع اليد الضرورية لكل إنسان، لأن المعمَّد إن لم يصلِّي عليه كاهن تقي هكذا صلاة استدعاء، فإنه يكون قد نزل إلى الماء مثل اليهود ليغتسل فقط من وسخ الجسد وليس من وسخ النفس.]([94]) 

لذلك فإن وضع اليد يجب أن يرافق المعمودية ويلازمها.

 

وأقدمية وضع اليد تعود إلى أيام الرسل، ثمَّ امتدت في الكنيسة على مثالهم حيث نقرأ في أسفار العهد الجديد:

+ » حينئذ وضعا الأيادي عليهم فقبلوا الروح القدس. «(أع 17:8)

+ » فقال له الرب قم وادخل المدينة فيُقال لك ماذا ينبغي أن تفعل… وقد رأى في رؤيا رجلاً اسمه حنانيا داخلاً وواضعاً يده عليه لكي يبصر … فمضى حنانيا ودخل البيت ووضع عليه يديه … لكي تبصر وتمتلئ من الروح القدس … فأبصر في الحال وقام واعتمد. «(أع 9: 6-18)

+ » ولمَّا وضع بولس يديه عليهم حلَّ الروح القدس عليهم فطفقوا يتكلَّمون بلغات ويتنبَّأون. «(أع 6:19)

+ » … تعليم المعموديات ووضع الأيادي … «(عب 2:6)

– والقديس كبريانوس يستمدها من سفر الأعمال أيضاً هكذا:

+ [نفس العادة تلاحظ اليوم في الكنيسة أن المعمَّدين يتقدَّمون إلى الأساقفة لكي بصلاتهم ووضع أيديهم يتقبَّلون الروح القدس.]([95]) 

– والقديس أوغسطينوس يقول:

+ [لقد علَّمنا آباؤنا الأوَّلون أن نفهم قول الرسول: «لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا» (رو 5:5) عن الروح القدس الذي يُعطى في الكنيسة الجامعة فقط بواسطة وضع اليد. لأن هذا الروح هو المحبة الفائقة التي بدونها لا ينفع شيئاً أن نتكلَّم بألسنة الناس والملائكة ولا أن نعرف جميع الأسرار (1كو 13: 1و2) … والآن هذا الروح المعطَى بواسطة وضع اليد لا يظهر بالضرورة بطرق حسيَّة ملحوظة كما كان في العصر المسيحي الأول من أجل سرعة نشر الإيمان.]([96]) 

فكيف إذن نتحقَّق من حلول الروح القدس فينا؟

+ [«بهذا نعرف أنه يثبت فينا من الروح الذي أعطانا» (1يو 24:3). فإن وجدت في قلبك محبة لله فاعلم أن الروح القدس فيك ليعطيك كل معرفة. في العصر الأول كان الروح يحل على المؤمنين فيتكلَّمون بألسنة لم يتعلَّموها … هذه كانت آيات مناسبة لذلك الزمان من أجل سرعة نشر الإيمان في العالم أجمع
بكافة الألسنة، وهذا كان يحدث من أجل ضرورة معيَّنة وقد مضت. فحينما نضع الأيدي الآن على المؤمنين لينالوا الروح القدس فهل نتوقَّع أنهم يتكلَّمون بالألسنة؟ وإن كان الآن لا توجد مثل هذه المعجزات فكيف يتحقَّق الإنسان أنه قبل الروح القدس؟ فليسأل قلبه: فإن كان يحب الإخوة فروح الله يسكن فيه.]
([97]) 

– هكذا يستمد القديس أوغسطينوس معرفته بوضع اليد وحلول الروح القدس من سفر الأعمال بالرغم من غياب التكلُّم بالألسنة والمعجزات، لأن نعماً أخرى كثيرة منحها الروح القدس لتناسب عصرنا الذي نعيش فيه. والمسئول عن سكب الروح القدس هي الكنيسة الحاملة لمجد الرسل كمؤسَّسة رسولية حاصلة على كلمتهم وعملهم وروحهم.

– ونلاحظ في (عب 2:6) أنه يقرن “تعليم المعموديات” “بوضع الأيادي” حيث تُقرأ في الشرح المنسوب لأمبروسيوس:

+ [إنه يشير بذلك إلى وضع الأيادي الذي يحدر الروح القدس ويوصِّله، الذي يُعطَى بواسطة الأساقفة (كونهم حاصلين على الروح القدس) بعد المعمودية لتثبيت المعمَّدين في وحدة الكنيسة التي للمسيح.]([98]) 

– وقد قدَّم لنا أحد الأساقفة القدامى المجهولين في بداية القرن الخامس هذا التعليم:

+ [نقول إن التثبيت يمنح المعمَّد كمولود جديداً بوضع اليد كل ما ناله المؤمن بحلول الروح القدس (في يوم الخمسين). وقد يسأل الإنسان ماذا ينفع التثبيت بعد أن تعمَّدت؟ وإن كنا بعد المعمودية نشعر أننا محتاجون إلى عمل جديد. أهذا يعني أننا لم نأخذ كل شيء نحتاجه في المعمودية؟ ولكن الحقيقة ليست هكذا، فالروح القدس حافظ ومعزِّي ومعلِّم عظيم للذين وُلِدُوا ثانية في المسيح، كما يقول الكتاب: «إن لم يحفظ الرب المدينة فباطلاً يسهر الحارس» (مز 1:127)، لذلك فالروح القدس الذي يحل ومعه الخلاص على ماء المعمودية يعطينا كل ما يجعلنا أطهاراً وأبرياءَ وأبراراً. ولكن في مسحة التثبيت يعطينا ازدياداً في النعمة، لأننا طالما نحن في العالم فنحن نعيش بين أعداء غير منظورين ومخاطر. في المعمودية نولد ثانية إلى الحياة الأبدية، ولكن بعد المعمودية ننال تعضيداً للجهاد. في المعمودية نغتسل، ولكن بعد المعمودية نتقوَّى (…) فالتثبيت ضرورة للحياة، تسليح وتحضير المعمَّد ليدخل العالم قادراً على الصراع ويُحارب حروب الرب في هذا العالم (…) والمسيح يقول: «إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن
تحتملوا الآن. وأمَّا متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق»
(يو 16: 12و13). لهذا حينما يُعطَى الإنسان الروح القدس يمتلئ القلب حكمةً وثباتاً. قبل حلول الروح القدس قَفَل الرسل على أنفسهم الأبواب خوفاً من أن ينكروا المسيح، وبعد أن حلَّ الروح القدس انطلقوا يكرزون متسلِّحين باحتقار الموت حتى إلى الشهادة بلا حذر من أجل اسمه. فنحن قبلنا الفداء من المسيح ولكن الروح القدس أعطانا الحكمة الروحية والاستنارة والتعليم والنمو حتى إلى منتهى الكمال.]([99]) 

من التعليم الذي وصلنا عاليه من الآباء القدامى نفهم أن فكر الآباء منصب على أن سر التثبيت له ضرورته وأهميته ولزومه بعد سر المعمودية والميلاد الثاني. فالميلاد الثاني يعطي البراءة ومسامحة الخطية، ولكن تجديد الروح القدس يزيد الحكمة والقوة لنحتفظ ونقوِّم هذه البراءة ومسامحة الخطايا حتى الكمال. وبهذا تظهر أهمية التثبيت بالنسبة للمعمَّد وأن لا غنى عنه. وبهذا تأتي القناعة الحتمية بوحدة سر المعمودية وسر التثبيت. وبعد سر التثبيت ليس للإنسان أن ينتظر من عطايا الله سوى التناول من جسد الرب ودمه الكريم، وبعدها الموت الذي يُنهي على المخاطر والحروب، وتبقى النعمة هدية الله العظمى للإنسان.

 

6  لبس الحلَّة البيضاء

 

بعد خروج المعمَّد من الماء يلبس فوراً الحُـلَّة البيضاء، وتأتي مباشرة قبل مسحة الميرون أي قبل إجراء سر التثبيت. ولكن يذكرها ق. كيرلس الأُورشليمي بعد التثبيت. وهي تعبير عن خلع الإنسان العتيق ولبس الإنسان الجديد (كو 9:3و10) فيصبح المعمَّدون رعية المسيح البيضاء.

– وبالليديوس في كتابه عن: “حياة ذهبي الفم” يذكرها خاصة إذ يقول إنه عندما عمَّد كهنة ذهبي الفم أثناء منفاه ثلاثة آلاف معمَّد في عيد واحد، أرسل الإمبراطور أركاديوس عساكره لتفريقهم “وهم لابسون ثيابهم البيضاء”([100]).

وكانت هذه الثياب تسمَّى بحلة المسيح والحلَّة المستيكية.

– والمؤرِّخ سوزومين حينما تكلَّم عن نكتاريوس أسقف القسطنطينية قال إنه بعد معموديته
نال الرسامة بينما كان لا يزال لابساً ثوب المعمودية الأبيض، لأنه رُسم أسقفاً بعد معموديته مباشرة([101]).

– والقديس جيروم يكتب لفابيولا في أسلوب سرِّي:

+ [إننا نغتسل الآن بوصايا الله، وحينما نصير معدِّين لثوب المسيح سنخلع عنَّا ثيابنا التي من جلد (أي أجسادنا الأرضية) ونلبس الحلَّة البيضاء الكتانية التي ليس فيها موت، بل كلها بيضاء خرجت من مياه المعمودية، فنمنطق أحقاءنا بالحق ونغطِّي نجاسات صدورنا.]([102]) 

طقس لبس الثوب الأبيض بالصلاة:

وكانت هذه الحلل البيضاء تُسلَّم للمعمَّدين الجدد الخارجين من مياه المعمودية بدعاء مقدَّس، كما هو مكتوب في كتاب الأسرار لغريغوريوس الكبير:

+ [اقبل هذه الحلَّة البيضاء الطاهرة، ليتك تقدِّمها غير مدنَّسة أمام منبر الرب يسوع المسيح لكي تقبل الحياة الأبدية. آمين.]([103]) 

وهذه الحلَّة البيضاء كانت تُلبس لثمانية أيام ثمَّ تُستودع مخازن الكنيسة للحفظ. والقديس أوغسطينوس يتكلَّم عن يوم الأحد بعد أحد القيامة باعتباره الوقت المحدَّد لتسليم هذه الحلَّة البيضاء وذلك في نهاية عيد القيامة. وكان هذا اليوم الأحد يسمَّى Dominica in Albis أي الأحد الأبيض بسبب هذه العادة([104]).

 

7  متعلِّقات طقس المعمودية

 

( أ ) الاحتفال بالأنوار:

وبالإضافة إلى الاحتفال بلبس الحلَّة البيضاء، كان هناك احتفال بحمل الأنوار، وهي عبارة عن شموع مضاءة في أيديهم، وهي مذكورة عند ق. غريغوريوس النزينزي في عظة بعد المعمودية:

 

+ [إن وقوفك بعد المعمودية مباشرة أمام الهيكل العظيم هو مثال سابق للمجد العتيد. وتسبحة الأبصلمودية التي تُستقبل بها هي سبق تذوُّق تسابيح وأغاني الحياة الفُضلى الآتية. والمصابيح التي ستوقدها هي صورة سرائرية لمصابيح الإيمان التي ستحمل النفوس العذارى المضيئة ببهاء سماوي التي ستتقدَّم بها لمقابلة العريس.]([105]

+ «فليضيء نوركم هكذا قدَّام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجِّدوا أباكم الذي في السموات.» (مت 16:5)

– وفي عماد الشخصيات الكبيرة كان القوم كلهم يلبسون الملابس البيضاء ويحملون الأنوار والمصابيح المضاءة، كالذي حدث في عماد ثيئودوسيوس الصغير:

+ [كان الاحتفال من الكنيسة حتى القصر فخماً إلى أقصى حد، حيث كان قوَّاد الشعب والحكومة مدثّرين بالثياب البيضاء وكأن الثلج يغطيِّهم، وكل السيناتور وعلياء القوم والجنود بكل رتبهم يحملون المصابيح المضاءة وكأن النجوم نزلت على الأرض.]([106]) 

(ب) اللبن والعسل:

وقد اعتادت الكنيسة أيضاً أن تذيق المولودين الجدد بالروح قليلاً من اللبن والعسل. والقديس جيروم يقول إن السبب في ذلك أن المعمَّد صار طفلاً على مستوى الروح وقد اختير ليدخل عائلة الله. وترتليان يقول إنها عادة الكنيسة الجامعة الرسولية وقد أخذها الهراطقة. والقديس بطرس يقول: » وكأطفال مولودين الآن اشتهوا اللبن العقلي (الكلمة) العديم الغش «(1بط 2:2)، لأن اللبن يشير إلى براءة الطفل. والقديس كليمندس الإسكندري يقول:

+ [حالما نولد يعطوننا لبناً الذي هو غذاء الرب (الطبيعي)، وعندما نولد ثانية نُكرَّم برجاء الراحة بوعد أُورشليم العليا التي يُقال عنها إنها تفيض لبناً وعسلاً. وبهذه الأشياء المادية يتثبَّت رجاؤنا في الطعام الفائق.]([107]) 

– ومن المجمع الثالث لقرطاجنة نعلم أن هذا اللبن والعسل لهما تكريس خاص غير الإفخارستيا:

+ [إنه يقدَّم على المذبح في اليوم العظيم (يوم السبت الكبير قبل القيامة وهو زمن مقدَّس جدًّا للتعميد) وتُقال عليه
 بركة خاصة بسر المولودين الجدد وهي غير ما يُقال في سر جسد الرب ودمه.]
([108]) 

( ج ) صلاة أبانا الذي:

بعدها تُقال صلاة يا أبانا الذي (يا أبا الآب) لأن بالمعمودية والتثبيت يتقرَّر المولود أنه قد صار ابناً لله وأحد أفراد أسرة الله، وقد صار فيه الروح يصرخ يا أبا الآب. ويصرَّح له أن ينادي الله » يا أبانا «بالصيغة التي أملاها الرب. وكاتب المراسيم الرسولية يقول:

+ [فليقف (المعمَّد) بعد ذلك وليقل الصلاة التي علَّمنا إياها الرب. ومن الواجب أن الذي قام (مع الرب) يقف مستقيماً وهو يصلِّي، فهو قد مات مع المسيح وقام معه، إذن فليقف مستقيماً. وليصلِّي متجهاً نحو الشرق … ثمَّ يقول الصلاة التالية: “يا الله الآب ضابط الكل أبا مسيحك ابنك الوحيد، أعطني جسداً غير دنس وقلباً نقياً وعقلاً صاحياً ومعرفة غير مخطئة وحلول روحك القدوس، حتى أحصل على الحق وعلى يقين الحق في مسيحك الذي به لك المجد في الروح القدس إلى الأبد. آمين.”]([109]) 

– والقديس يوحنا ذهبي الفم أيضاً يذكر تلاوة صلاة أبانا بعد الصعود من ماء المعمودية([110]). ويكون المعمَّدون الجدد واقفين بانتصاب كمشتركين في جسد المسيح الجالس في أعلى السموات. وهذه هي المرَّة الأُولى التي يُسمح لهم بتلاوة هذه الصلاة في الكنيسة لأنهم قد صاروا أولاد الله بالتبني والاختيار، مع أنهم يكونون قد حفظوها منذ زمن بعيد. ولكن لا يُسمح لهم أن يقولوها جهاراً في الكنيسة إلاَّ بعد المعمودية.

( د ) حفل استقبال المعمَّدين:

– القديس غريغوريوس النزينزي يذكر كيفية استقبالهم بالأبصلمودية (التسبيح) إذ يقول مخاطباً الموعوظ الذي سينال المعمودية: [والتسابيح التي ستُستقبل بها هي سبق مذاق التسابيح التي ستقال في الحياة الأبدية.]([111]) ربما المزمور (118) الذي فيه الكلمات » هذا هو اليوم الذي صنعه الرب فلنفرح ونبتهج فيه «لأن القديس أوغسطينوس عندما يذكر عيد القيامة يشير إلى هذا المزمور وهذا العدد منه بالذات:

+ [هذا هو اليوم  يا أحبائي  الذي صنعه الرب وهو أعلى من كل الأيام وأبهى منها جميعاً، الذي فيه اقتنى لنفسه شعباً جديداً بروح الخليقة الثانية الجديدة وملأ عقولنا بالفرح والابتهاج.]([112]) 

وباولينوس يقول إنهم ينشدون هلليلويا في هذه المناسبة.

الإفخارستيا:

بعد أن تنتهي خدمات المعمودية كلها، كان يتقدَّم المعمَّدون الجدد ليشتركوا في مائدة الرب،
باعتبار أنها tÕ tšleion أي الكمال، أي منتهى الكمال المسيحي. ويعتبرونها الإحسان الإلهي المباشر بعد المعمودية، وهي نفسها تُعطى لكبار السن والأطفال.

([1]) أقوال القديسين المقدَّمة في هذا الفصل مسجَّلة باللغة اليونانية واللغة اللاتينية في كتاب:

The Works of the Rev. Joseph Bingham, vol. IV, Oxford, 1855.

ونشير في الحواشي إلى مواضعها في الطبعات الإنجليزية لأقوال الآباء مثل: ANF, NPNF متى توفَّر ذلك.

([2])  Ibid., pp. 119ff.

([3]) Apost. Const., VII, 41, ANF, vol. VII, p. 476.

([4]) Ambrose, On the Mysteries, 5, NPNF, 2nd ser., vol. X, p. 317.

([5]) In Math., 5, 26 (Bingham, p. 120).

([6]) De Spectaculis, C. 4., ANF, vol. III, p. 81.

([7]) Catech., 19,2. (= Cat. Myst., 1,2); NPNF, 2nd ser., vol. VII, p. 144.

([8])  Ibid., 4; p. 145.

([9]) In Amos, 6,14. (Bingham, p. 125).

([10]) On the Mysteries, 7; NPNF, 2nd ser., Vol. X, p. 318.

([11]) Oration on Holy Baptism, 40,45, NPNF, 2nd ser., vol. VII, p. 376.

([12]) De Hierarch. Eccles., 2,3,5; 2,2,6.

([13]) Apol., I, 61.

([14]) Hom 6, in Col., NPNF, 1st ser., vol., XIII, p. 287.

([15]) Hom 13, Exhort. ad Bapt.

([16]) In Joan., II, 26.

([17]) Apostolic Constitutions, VII, 41.

([18]) De Sacramentis, I, ch. 2 (5-8); (The Fath. of the Church, vol. 44, pp. 271,272); On the Mysteries, 6; NPNF 2nd ser., vol. X, p. 317.

([19]) On the Mysteries, 5; NPNF, 2nd ser., vol. X, p. 317.

([20]) De Symbol. 2,1,9 (t. 6, p. 556c); cited in Bingham, p. 129, n. 81.

([21])  Ibid.

([22]) In Amos, 6, 14. (Bingham, p. 130, n. 82).

([23]) Cat., 19,9 (= Cat. Myst. 1,9); NPNF, 2nd ser., vol. VII, p. 146.

([24]) On the Mysteries, 7; NPNF, 2nd ser., vol. X, p. 318.

([25]) De Fide et Oper., c. 9 (Bingham, p. 132).

([26]) Apol. I, 16    راجع النص الكامل صفحة: 142

([27]) Ep. 70, ad Episc. Numid., (Bingham, p. 132).

([28]) De Bapt., 6.

([29]) Ep. ad Caesariens, in Socrates, H.E., I, 8, NPNF, 2nd ser., vol. II, p. 10.

([30]) De Poenitent., C. 5; (Bingham, p. 134).

([31]) Confessions, VIII, 4,5; NPNF, 1st ser., vol. I, pp. 118,119.

([32]) On John, 21, 15.

([33]) On the Holy Spirit, II, ch. 10 (105); NPNF, 2nd ser., vol. X, p. 128.

 ([34])On the Sacraments, II, ch. 7 (20); The Fathers of the Church, vol. 44, p. 286.

([35]) Oration 40, 44, On Holy Baptism, NPNF, 2nd ser., vol. VII, p. 376.

([36]) On the Sacraments, I, ch. 2 (6); The Fathers of the Church, vol. 44, p. 271.

([37]) De Symbol. ad Catechumen., L. 2, c.1 (t6. p. 556d); (Bingham, p. 137).

([38]) Hom. 21 ad Pop. Antioch., t. 1, p. 275; (Bingham, p. 139).

([39]) Apostolic Constitutions, VII, 42; ANF VII, pp. 476,477.

([40]) Catech. 20,3, (= Catech. Myst. 2,3); NPNF, 2nd ser., vol. VII, p. 147.

([41]) De Sacramentis, 1, ch. 2 (4); The Fathers of the Church, vol. 44, p. 270.

([42]) Respons. ad. Orthodox. quaest., 137, (Bingham, p. 161).

([43]) Hom. 6. in Col., NPNF, 1st ser., vol. XIII, p. 287.

([44]) Hierarch. Eccles., C. 2, part. 2, n.7 (Bingham, p. 162).

([45])  Ibid.

([46]) On Baptism, 4, ANF, vol. III, p. 671.

([47]) Epistle 70, 1, To Januarius, The Fathers of the Church, vol. 51, p. 259.

([48]) Ap. Cyprian. n. 18; (Bingham, p. 167).

([49]) Cont. Parmenian., L. 5, c. 20 (Bingham, p. 167).

([50]) Apostolic Canstitutions, VII, 43; ANF, vol. VII, p. 477.

([51]) Hom. 27. ex 50. t. 10. p. 175. (Bingham, p. 171).

([52]) Oration 40, 27, On Holy Baptism, NPNF, 2nd, ser., vol. VII, p. 369.

([53]) De Bapt., I, 2 (Bingham, p. 172).

([54]) On the Gospel of St. John, Tract. XI, 4; NPNF, 1st ser., vol. VII, p. 76.

([55]) In Esai., 1, 16 (Bingham, p. 172).

([56]) In Exod. 12, L. 2. (t. 1, p. 270b); (Bingham, p. 173).

([57]) Oration 40, 15, On Holy Baptism, NPNF, 2nd ser., vol. VII, p. 364.

([58]) Baptismal Instruction IX, 3; Ancient Christian Writers, vol. 31, p. 132.

([59]) On Colossians, Hom. 6, NPNF, 1st ser., vol. XIII, p. 287.

([60]) On St. John. 3, 5.

([61]) Catech. 21, 3 (= Catech. Myst. 3,3), NPNF, 2nd ser., vol. VII, p. 150.

([62]) On the Baptism of Christ, NPNF, 2nd ser., vol. Y, p. 519.

([63]) النصوص اليونانية واللاتينية لأقوال جميع القديسين المثبتة في هذا الفصل موجودة في كتاب:

The Works of the Rev. Joseph Bingham, Oxford, 1855, vol. IV, pp. 177 ff.

وسوف نشير في الحواشي السفلية إلى مواضعها في الطبعات الإنجليزية لأقوال الآباء مثل: ANF, NPNF.

([64]) Homily 6 on Colossians, NPNF, 1st ser., vol. XIII, p. 287.

([65]) Serm. 20. (in Edit. Paris 1642), cited by Binghaum, op. cit., p. 178.

([66]) Catech. 20,2 (= Catech. Mystagog. 2,2); NPNF, 2nd, ser., vol. VIII, p. 147.

([67]) Apostolic Constitutions, III, 17; ANF, vol. VII, p. 431.

([68]) Homily 40 on I Cor., NPNF, 1st ser., vol. XII, p. 245.

([69]) Homily 25 on St. John, (on John 3:5); NPNF, 1st. ser., vol. XIV, p. 89.

([70]) Catech. 17, 14; NPNF, 2nd ser., vol. VII, p. 127.

([71]) On the Sacraments, II, ch. 7 (20); The Fathers of the Church, vol 44, p. 286.

([72]) Cont. Prax. C. 26; ANF, vol. III, p. 623.

 ([73])On the Sacraments, II, ch. 7 (20); The Fathers of the Church, vol. 44, p. 286.

 ([74])In Eph. 4, L. 2, p. 222 (t. 7, p. 610 c); Bingham, p. 190).

([75]) Dialog. adv. Lucifer, C.4, (Bingham, p. 196).

شرح: كان الأساقفة الأوائل موهوبين فعلاً بالروح القدس ويعطونه لحظة العماد – ولمَّا ضعف الأسقف روحياً كان يكلِّف بذلك أحد الشيوخ الكهنة الموهوبين بالروح. وإلاَّ فكانت أمانة الكنيسة تضطرها لاستدعاء أحد العلمانيين الموهوبين ولهم قدرة على استدعاء الروح القدس. وكانوا يرسمونهم كهنة خاصة لهذا الغرض.

([76]) On Baptism, 7-8, ANF, vol. III, p. 672.

([77]) Catech. 21, 1 (= Catech. Mystag. 3,1); NPNF, 2nd, ser., vol. VII, p. 149.

([78]) Apostolic Constitutions, VII, 43-44; ANF, vol. VII, p. 477.

([79]) Vita Basilii. ap. Amphiloch. C. 5, (Bingham, p. 198).

([80]) On the Sacraments, III, ch. 2 (8); The Fathers of the Church, vol. 44, p. 293.

([81]) De Dogmat. Eccles., C. 52 [C. 22 Juxt. ec. Bened.]; (Bingham, p. 199).

([82]) Homily 6, 10 on the Epistle of St. John, NPNF, 1st ser., vol. VII, p. 498.

([83]) Bingham, p. 203.

([84]) Ep. 72,1 To Stephen, The Fathers of the Church, vol. 51, p. 266.

([85]) Origin, L. 6, C. 19 (Bingham, p. 205).

([86]) On Baptism, 7,8, (Bingham, p. 220), ANF, vol. III, p. 672.

([87]) Ad Autolycum , I, 12, ANF II, p. 92.

([88]) On the Mysteries, Ch. VI (30), NPNF, 2nd ser., vol. X, p. 321.

([89]) Dialogue ag. the Luciferians, 2, NPNF, 2nd ser., vol. VI, p. 321.

([90]) Apostolic Constitutions, III, 17, ANF, vol. VII, p. 431.

([91]) Ibid. VII, 22, p. 469.

([92]) Canon VII, NPNF, 2nd ser., vol. XIV, p. 185.

([93]) Apostolic Constitutions, VII, 44, ANF, vol. VII, p. 477.

([94]) Ibid.

([95]) Ep. 73, 9, To Jubaian, The Fathers of the Church, vol. 51, p. 274.

([96]) On Baptism, III, 16, NPNF, 1st ser., vol. IV, pp. 442,443.

([97]) On the Epistle of St. John, Homily VI, 9,10; NPNF, 1st ser., vol. VII, pp. 497,498.

([98]) Ambrosiaster, on Heb 6,2; (Bingham, p. 229).

([99]) Eusebius Emissenus (?), Hom. de Pentecost. (Bingham, pp. 229-231).

([100]) Palladius, Life of St. John Chrysostom, 9; (Bingham, p. 235).

([101]) Sozomen, H.E., VII, 8, NPNF, 2nd ser., vol. II, p. 381.

([102]) EP. 64 to Fabiola; (Bingham, p. 235).

([103]) De Bapt. Infant. (ap. Pamelii Liturgica); (Bingham, p. 236).

([104]) Hom. 86 de Divers. in Octav. Pasch.; (Bingham, p. 236).

([105]) Oration 40, On Holy Baptism, 46; NPNF, 2nd ser., vol. VII, p. 377.

([106]) Epistle of Marcus Gazenzis, published by Baronius, An. 401. (Bingham, p. 239).

([107]) Paedagogus, I, 6, ANF, vol. II, p. 220.

([108]) القانون 24 لمجمع قرطاجنة الثالث (Bingham, p. 242).

([109]) Apostolic Constitutions, VII, 44-45; ANF, vol. VII, p. 477.

([110]) Homily 6 on Colossians, NPNF, 1st ser., vol. XIII, p. 287.

([111]) Oration 40, on Holy Baptism, 46; NPNF, 2nd ser., vol. VII, p. 377.

([112]) Serm. 163. de Temp., (Bingham, p. 244).

فاصل

المعمودية عند الآباء كل أب بمفرده كتب الأب متى المسكين عظات الآباء الأساقفة العظام على المعمودية
كتاب المعمودية الأصول الأولى للمسيحية
المكتبة المسيحية

زر الذهاب إلى الأعلى